المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سادسا - صياغة تراجم " السير " وعناصرها: - سير أعلام النبلاء - ط الرسالة - المقدمة

[شمس الدين الذهبي]

فهرس الكتاب

- ‌الذهبي وكتابه سير أعلام النبلاء

- ‌الفصل الأول: حياة الذهبي ومنزلته العلمية

- ‌أولا - بيئة الذهبي ونشأته

- ‌ثانيا - بدء عنايته بطلب العلم

- ‌ثالثا - رحلاته في طلب العلم

- ‌رابعا - طبيعة دراساته

- ‌خامسا - صلاته الشخصية وأثرها في تكوينه الفكري

- ‌سادسا - نشاطه العلمي ومناصبه التدريسية

- ‌سابعا - منزلة الذهبي العلمية

- ‌ثامنا - وفاته وأولاده

- ‌تاسعا - آثار الذهبي

- ‌الفصل الثاني: سير أعلام النبلاء منهجه وأهميته

- ‌أولا - عنوان الكتاب وتأليفه:

- ‌ثانيا - نطاق الكتاب وعدد مجلداته:

- ‌ثالثا - ترتيب الكتاب:

- ‌رابعا - مفهوم الطبقة في " السير " وغيره من مؤلفات الذهبي

- ‌خامسا - طبيعة تراجم " السير " وأسس انتقائها:

- ‌سادسا - صياغة تراجم " السير " وعناصرها:

- ‌سابعا - المنهج النقدي:

- ‌1 - نقد المترجمين:

- ‌2- نقد الأحاديث والروايات:

- ‌3 - التعصب والإنصاف في النقد:

- ‌ثامنا أهمية كتاب السير:

- ‌أهميته في دارسة المجتمع:

- ‌هذا التحقيق:

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌وصف النسخ

الفصل: ‌سادسا - صياغة تراجم " السير " وعناصرها:

المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها فضلا عن الأحكام المستفادة منها.

وهذا الأمر هو الذي أدى به إلى تخصيص مجلد كامل عن سير الخلفاء الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم لما تمثله من قدوة للمسلمين، ولما يستفاد من دراستها في شتى مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية ولما تحتله من المكانة في بناء الإنسان المسلم.

‌سادسا - صياغة تراجم " السير " وعناصرها:

تختلف المادة الموجودة في ترجمة ما من تراجم " السير " عن الأخرى حسب طبيعة المترجم له وقيمته العلمية أو الأدبية أو مكانته السياسية من جهة، وتتوحد في الأسس العامة لمكونات الترجمة من جهة أخرى.

ولا نجد تناقضا في ذلك، فالذهبي يعنى في معظم التراجم بذكر اسم المترجم ونسبه، ولقبه وكنيته ونسبته، ثم مولده أو ما يدل على عمره (1) ، ونشأته ودراسته وأخذه عن الشيوخ الذين التقى بهم وروى عنهم، وأفاد منهم، ثم تلامذته الذين أخذوا عنه وانتفعوا يعلمه، وتخرجوا به، وما خلف من آثار علمية أو أدبية أو اجتماعية، ويبين بعد ذلك منزلته العلمية وعقيدته من خلال أقاويل العلماء الثقات فيه جرحا وتعديلا ممن كان وثيق الصلة به، ثم غالبا ما ينهي الترجمة بتحديد تاريخ وفاة المترجم ويدقق في ذلك تدقيقا بارعا.

والمؤلف في الوقت نفسه يذكر في كل ترجمة أمورا متفرقة تتصل بطبيعتها، فهو يعنى مثلا بإيراد أعمال

(1) لقد اعتنى الذهبي بذكر الولادات جهد طاقته فذكرها دائما حينما توفرت له لما لذلك من أهميته كبيرة في الاطمئنان على لقاء المترجم لمشايخه وسماعاته عليهم أو إجازاته منهم.

وكان المحدثون يعنون بتتبع المواليد ويسألون الشيخ عن مولده قبل السماع منه أو الأخذ عنه، فإذا ما وجدوا له رواية قبل هذا التاريخ أو في سن لا تحتمل السماع حكموا بكذبه في هذه الرواية.

ص: 115

الخلفاء والملوك والأمراء والمتولين في تراجمهم، ويركز عنايته على ما قاموا به من نشر عدل أو بث ظلم أو سفك دماء.

وهو يعنى بإيراد نماذج من شعر الشعراء ومختارات من نثر الأدباء، وأقوال للمتفلسفين وأرباب المقالات بما ينبئ عن حسن عقيدتهم أو سوئها ونحو ذلك.

والذهبي له أسلوبه المتميز في صياغة التراجم، وأساليب عرضها يختلف من الموارد التي ينقل منها، وقد دفعه هذا الأمر في أغلب الأحيان إلى إعادة صياغة المادة التاريخية المنقولة عن المؤلفات السابقة بأسلوبه الخاص، ولم ير في ذلك ضيرا طالما قد توخى الدقة والأمانة في نقل معاني الأقوال، لا سيما تلك التي لا تؤثر في قيمتها إعادة الصياغة مثل تاريخ وفاة، أو ميلاد، أو قيام بعمل ما، أو اختصار في أسماء الشيوخ ونحو ذلك، وقد بلغ الأمر به حدا أنه أعاد تركيب الترجمة في كثير من المواضع التي اعتمد فيها مصدرا واحدا.

ولكنه ألزم نفسه في الوقت نفسه بنقل النصوص بألفاظها في الحالات التي تستحق ذلك.

وتتطلبها، مثل أقوال العلماء في الجرح والتعديل، ونصوص الكتب والتوقيعات التي أوردها في " السير "، والقطع النثرية، والقصائد الشعرية، والمناقشات بين العلماء، فضلا عن الروايات المسندة، ونصوص الأحاديث النبوية الشريفة.

أما إذا انتقى من النص أو لخصه، فإنه يشير إلى ذلك للأمانة العلمية من جهة وبما يدفع عنه تهمة التلاعب به من جهة أخرى.

أما أسلوبه الأدبي في عرض الترجمة، فقد تميز بالطراوة والحبك.

ولم يعن بالصنعة البيانية وتزويق الألفاظ مثل غيره من معاصريه وتلامذته، كابن سيد الناس اليعمري وتاج الدين السبكي وصلاح الدين الصفدي وغيرهم.

وهذا أمر طبيعي فيما نرى، لان للكلمة مكانتها عند الذهبي، وهو الناقد الذي يختار

ص: 116

العبارة المناسبة للتعبير عما يريد بدقة وأمانة، ويصف المترجم بالعبارة التي تزنه جرحا أو تعديلا، فهو أسلوب علمي قبل كل شيء.

ومن الواضح لكل ذي بصيرة أنه لا يمكن وصف المترجمين بشكل متقن عند اتباع أسلوب الصنعة البلاغية الذي يتجلى فيه العناية بالأسلوب على حساب دقة المعاني ودلالات الألفاظ.

وقد عرفنا من سيرة الذهبي ومكانته العلمية أنه قد حصل طرفا صالحا من العربية في نحوها وصرفها وآدابها، كما أنه عني عناية كبيرة في مطلع حياته بالقراءات التي تقوم في أساسها على علم تام بالعربية، وقد تعاطى الشعر، فنظم اليسير منه، وأورد من شعر غيره جملة كبيرة في هذا الكتاب وغيره من كتبه.

لكل ذلك أصبحت لغته قوية جدا بحيث يصعب أن نجد في كتابه لحنا أو غلطا لغويا، أو استعمالا عاميا، فإذا كان النادر من ذلك، فإنه من سهو القلم، أو الذهول، أو بعض ما يغلط فيه الخواص، وليس ذاك بشيء.

وقد أدت دراساته لعدد ضخم من المؤلفات التاريخية والأدبية والحديثية واشتهاره بقوة الحافظة إلى وقوفه على أساليب عدد كبير من الكتاب والمؤلفين على مدى عصور طويلة تنوعت أساليب الكتابة فيها، فأكسبه كل ذلك خبرة أدبية قوية، وملكة جيدة على التعبير.

إن معرفة اللغة العربية معرفة جيدة والتمتع بالأسلوب الرصين من العوامل المهمة التي تخرج ترجمة جيدة ينتفع بها، والقول بأن المعني بعلم التراجم لا يحتاج كل هذه المعرفة قول فاسد، وقد أشار شيخ الذهبي ورفيقه الحافظ أبو الحجاج المزي في نهاية تقديمه لكتابه العظيم " تهذيب الكمال " إلى هذه الضرورة فقال: " وينبغي للناظر في كتابنا هذا أن يكون قد حصل طرفا صالحا

ص: 117