الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ المُبَارَكِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الاتِّبَاعِ؟
فَقَالَ: الاتِّبَاعُ مَا كَانَ عَلَيْهِ الحُسَيْنُ بنُ وَاقِدٍ، وَأَبُو حَمْزَةَ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ شَقِيْقٍ: سُئِلَ عَبْدُ اللهِ عَنِ الأَئِمَّةِ الَّذِيْنَ يُقتَدَى بِهِم، فَذَكَرَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَبِي حَمْزَةَ، وَأَبُو حَمْزَةَ يَوْمَئِذٍ حَيٌّ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ المَرْوَزِيُّ: كَانَ أَبُو حَمْزَةَ مُسْتجَابَ الدَّعْوَةِ.
أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ حَكِيْمٍ: عَنْ مُعَاذِ بنِ خَالِدٍ، سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ السُّكَّرِيَّ يَقُوْلُ: مَا شَبِعتُ مُنْذُ ثَلَاثِيْنَ سَنَةً، إِلَاّ أَنْ يَكُوْنَ لِي ضَيفٌ.
وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، قَالَ:
أَرَادَ جَارٌ لأَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ أَنْ يَبِيْعَ دَارَهُ، فَقِيْلَ لَهُ: بِكَمْ؟
قَالَ: بِأَلْفَيْنِ ثَمَنُ الدَّارِ، وَبِأَلْفَيْنِ جِوَارُ أَبِي حَمْزَةَ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا حَمْزَةَ، فَوَجَّه إِلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَقَالَ: لَا تَبِعْ دَارَك.
قَالَ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، وَعَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَبِي رِزْمَةَ: مَاتَ أَبُو حَمْزَةَ سَنَة سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ آخَرُ: سَنَة ثَمَانٍ، وَالأَوّلُ أَصحُّ.
142 - إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ يَزِيْدَ بنِ جَابِرٍ العِجْلِيُّ *
القُدْوَةُ، الإِمَامُ، العَارِفُ، سَيِّدُ الزُّهَّادِ، أَبُو إِسْحَاقَ العِجْلِيُّ - وَقِيْلَ: التَّمِيْمِيُّ - الخُرَاسَانِيُّ، البَلْخِيُّ، نَزِيْلُ الشَّامِ.
مَوْلِدُهُ:
(*) التاريخ الكبير: 1 / 273، المعرفة والتاريخ: 2 / 455، الجرح والتعديل: 2 / 87. مشاهير علماء الأمصار: 183، حلية الأولياء: 7 / 367 حتى 8 / 58، تاريخ ابن عساكر: خ: 2 / 186 آ، الكامل لابن الأثير: 6 / 56، تهذيب الكمال: خ: 49 - 51، تذهيب التهذيب: خ: 1 / 32 - 33، عبر الذهبي: 1 / 238، فوات الوفيات: 1 / 13 - 14، الوافي بالوفيات: 5 / 318 - 319، البداية والنهاية: 10 / 135 - 145، طبقات الأولياء: 5 - 15، تهذيب التهذيب: 1 / 102 - 103، خلاصة تذهيب الكمال: 15، شذرات الذهب: 1 / 255 - 256، تهذيب ابن عساكر: 2 / 170 - 199.
فِي حُدُوْدِ المائَةِ.
حَدَّثَ عَنْ: أَبِيْهِ، وَمُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ الجُمَحِيِّ - صَاحِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيِّ، وَمَنْصُوْرِ بنِ المُعْتَمِرِ، وَمَالِكِ بنِ دِيْنَارٍ، وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَابْنِ عَجْلَانَ، وَمُقَاتِلِ بنِ حَيَّانَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: رَفِيْقُهُ؛ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَشَقِيْقٌ البَلْخِيُّ، وَبَقِيَّةُ بنُ الوَلِيْدِ، وَضَمْرَةُ بنُ رَبِيْعَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ، وَخَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيُّ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ الخُرَاسَانِيُّ - خَادِمُهُ - وَسَهْلُ بنُ هَاشِمٍ، وَعُتْبَةُ بنُ السَّكَنِ.
وَحَكَى عَنْهُ: الأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ.
قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي قُتَيْبَةُ:
إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ تَمِيْمِيٌّ، يَرْوِي عَنْ مَنْصُوْرٍ.
قَالَ: وَيُقَالُ لَهُ: العِجْلِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: هُوَ مِنْ بَنِي عِجْلٍ.
وَذَكَرَ المُفَضَّلُ الغَلَابِيُّ: أَنَّهُ هَرَبَ مِنْ أَبِي مُسْلِمٍ، صَاحِبِ الدَّعْوَةِ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ، مَأْمُوْنٌ، أَحَدُ الزُّهَّادِ.
وَعَنِ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى، قَالَ: حَجَّ وَالِدُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ وَزَوْجَتُهُ، فَوَلَدَتْ لَهُ إِبْرَاهِيْمَ بِمَكَّةَ.
وَعَنْ يُوْنُسَ البَلْخِيِّ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ مِنَ الأَشْرَافِ، وَكَانَ أَبُوْهُ كَثِيْرَ المَالِ وَالخَدَمِ، وَالمَرَاكِبِ وَالجنَائِبِ وَالبُزَاةِ (1) ، فَبَيْنَا إِبْرَاهِيْمُ فِي الصَّيْدِ عَلَى فَرَسِه يُرْكِضُه، إِذَا هُوَ بِصَوْتٍ مِنْ فَوْقِه: يَا إِبْرَاهِيْمُ! مَا هَذَا العَبَثُ*؟ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المُؤْمِنُوْنَ: 115] ، اتَّقِ اللهَ، عَلَيْكَ بِالزَّادِ لِيَوْمِ الفَاقَةِ.
فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِه، وَرَفَضَ الدُّنْيَا.
وَفِي (رِسَالَةِ) القُشَيْرِيِّ، قَالَ: هُوَ مِنْ كُوْرَةِ بَلْخٍ، مِنْ أَبْنَاءِ المُلُوْكِ، أَثَارَ ثَعْلَباً أَوْ أَرْنَباً، فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ: أَلِهَذَا
(1) البزاة: ج، البازي: وهو ضرب من الصقور.
خُلِقتَ؟ أَمْ بِهَذَا أُمِرتَ؟
فَنَزَلَ، وَصَادفَ رَاعِياً لأَبِيْهِ، فَأَخَذَ عَبَاءتَه، وَأَعْطَاهُ فَرَسَه، وَمَا مَعَهُ، وَدَخَلَ البَادِيَةَ، وَصَحِبَ الثَّوْرِيَّ (1) ، وَالفُضَيْلَ بنَ عِيَاضٍ، وَدَخَلَ الشَّامَ، وَكَانَ يَأْكُلُ مِنَ الحَصَادِ وَحِفْظِ البَسَاتِيْنِ، وَرَأَى فِي البَادِيَةِ رَجُلاً، عَلَّمَهُ الاسْمَ الأَعْظَمَ فَدَعَا بِهِ، فَرَأَى الخَضِرَ، وَقَالَ: إِنَّمَا عَلَّمَكَ أَخِي دَاوُدُ.
رَوَاهَا: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المِصْرِيُّ الوَاعِظُ (2) .
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الخَرَّازُ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ بِذَلِكَ، لَمَّا سَأَلْتُه عَنْ بَدْءِ أَمرِهِ.
وَرُوِيتُ عَنِ: ابْنِ بَشَّارٍ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، وَزَادَ، قَالَ: فَسَأَلْتُ بَعْضَ المَشَايِخِ عَنِ الحَلَالِ، فَقَالَ: عَلَيْكُم بِالشَّامِ.
فَصِرتُ إِلَى المَصِّيْصَةِ (3) ، فَعَمِلتُ بِهَا أَيَّاماً، ثُمَّ قِيْلَ لِي: عَلَيْك بِطَرَسُوْسَ (4) ، فَإِنَّ بِهَا المُبَاحَاتِ، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى بَابِ البَحْرِ، اكْتَرَانِي رَجُلٌ أَنْطُرُ بُسْتَانَه، فَمَكَثتُ مُدَّةً.
قَالَ المُسَيَّبُ بنُ وَاضِحٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُتْبَةَ الخَوَّاصُ:
سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ يَقُوْلُ: مَنْ أَرَادَ التَّوبَةَ، فَلْيَخرُجْ مِنَ المَظَالِمِ، وَلْيَدَعْ مُخَالطَةَ النَّاسِ، وَإِلَاّ لَمْ يَنَلْ مَا يُرِيْدُ.
قَالَ خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ يَقُوْلُ:
رَآنِي ابْنُ عَجْلَانَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ سَاجِداً، وَقَالَ: سَجَدتُ للهِ شُكْراً حِيْنَ رَأَيتُكَ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: قُلْتُ لابْنِ المُبَارَكِ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ مِمَّنْ
(1) ترجمته في الصفحة: 229.
(2)
انظر رواية الخبر في " الحلية ": 7 / 368، و" تهذيب ابن عساكر ": 2 / 171 - 172.
(3)
المصيصة: مدينة على شاطئ جيحان من ثغور الشام، بين أنطاكية وبلاد الروم، تقارب طرسوس
…
وكانت من مشهور ثغور الإسلام، قد ربط بها الصالحون قديما، وبها بساتين كثيرة، بسقيها جيحان، وكانت ذات سور وخمسة أبواب.
" معجم البلدان ".
(4)
طرسوس: مدينة بثغور الشام، بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم.
سَمِعَ؟
قَالَ: قَدْ سَمِعَ مِنَ النَّاسِ، وَلَهُ فَضْلٌ فِي نَفْسِهِ، صَاحِبُ سَرَائِرَ، وَمَا رَأَيتُهُ يُظْهِرُ تَسبِيْحاً، وَلَا شَيْئاً مِنَ الخَيْرِ، وَلَا أَكَلَ مَعَ قَوْمٍ قَطُّ، إِلَاّ كَانَ آخِرَ مَنْ يَرْفَعُ يَدَه (1) .
أَبُو نُعَيْمٍ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُوْلُ:
كَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ يُشْبِهُ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلَ، وَلَوْ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ، لَكَانَ رَجُلاً فَاضِلاً (2) .
قَالَ بِشْرٌ الحَافِي: مَا أَعْرِفُ عَالِماً إِلَاّ وَقَدْ أَكَلَ بِدِيْنِهِ، إِلَاّ وُهَيْبَ بنَ الوَرْدِ (3) ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ، وَيُوْسُفَ بنَ أَسْبَاطٍ، وَسَلْمَ الخَوَّاصَ.
قَالَ شَقِيْقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ: تَرَكتَ خُرَاسَانَ؟
قَالَ: مَا تَهنَّأتُ بِالعَيْشِ إِلَاّ فِي الشَّامِ، أَفِرُّ بِدِيْنِي مِنْ شَاهِقٍ إِلَى شَاهِقٍ، فَمَنْ رَآنِي يَقُوْلُ: مُوَسْوَسٌ، وَمَنْ رَآنِي يَقُوْلُ: جَمَّالٌ، يَا شَقِيْقُ! مَا نَبُلَ عِنْدَنَا مَنْ نَبُلَ بِالجِهَادِ وَلَا بِالحجِّ، بَلْ كَانَ بِعَقْلِ مَا يَدْخُلُ بَطْنَه (4) .
قَالَ خَلَفُ بنُ تَمِيْمٍ: سَأَلْتُ إِبْرَاهِيْمَ: مُنْذُ كَمْ قَدِمتَ الشَّامَ؟
قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، مَا جِئْتُ لِربَاطٍ وَلَا لِجِهَادٍ، جِئْتُ لأَشبَعَ مِنْ خُبْزِ الحَلَالِ.
وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: الزُّهْدُ فَرضٌ، وَهُوَ الزُّهْدُ فِي الحَرَامِ، وَزُهْدُ سَلَامَةٍ، وَهُوَ الزُّهْدُ فِي الشُّبُهَاتِ، وَزُهْدُ فَضْلٍ، وَهُوَ الزُّهْدُ فِي الحَلَالِ (5) .
(1) انظر: البداية والنهاية ": 10 / 137.
(2)
تتمة الخبر في " البداية والنهاية ": 10 / 136: "..له سرائر، وما رأيته يظهر تسبيحا، ولا شيئا، ولا أكل مع أحد طعاما إلا كان آخر من يرفع يديه ".
والملاحظ أن الذهبي أورد هذا القسم بخبر منفرد قبل قليل.
(3)
ترجمته في الصفحة: 198.
(4)
الخبر في: " الحلية ": 7 / 369، و: البداية والنهاية: 10 / 137، و: تهذيب ابن عساكر: 2 / 176.
(5)
انظر: البداية والنهاية: 10 / 137 - 138، تهذيب ابن عساكر: 2 / 177.
يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ البَغْدَادِيُّ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، قَالَ:
دَعَانِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ إِلَى طَعَامِه، فَأَتَيْتُهُ، فَجَلَسَ، فَوَضَعَ رِجْلَه اليُسْرَى تَحْتَ أَلْيَتِه، وَنَصَبَ اليُمْنَى، وَوَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ:
هَذِهِ جِلْسَةُ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْلِسُ جِلْسَةَ العَبْدِ، خُذُوا بِسْمِ اللهِ.
فَلَمَّا أَكَلْنَا، قُلْتُ لِرَفِيْقِه: أَخْبِرْنِي عَنْ أَشدِّ شَيْءٍ مَرَّ بِكَ مُنْذُ صَحِبْتَه.
قَالَ: كُنَّا صِيَاماً، فَلَمْ يَكُنْ لَنَا مَا نُفطِرُ عَلَيْهِ، فَأَصْبَحْنَا، فَقُلْتُ: هَلْ لَكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ أَنْ نَأْتِيَ الرَّسْتَنَ (1) ، فَنكْرِي أَنْفُسَنَا مَعَ الحَصَّادِيْنَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَاكْتَرَانِي رَجُلٌ بِدِرْهَمٍ.
فَقُلْتُ: وَصَاحِبِي؟
قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيْهِ، أَرَاهُ ضَعِيْفاً.
فَمَا زِلتُ بِهِ حَتَّى اكْتَرَاهُ بِثُلُثَيْنِ، فَاشْتَرَيتُ مِنْ كِرَائِي حَاجَتِي، وَتَصَدَّقتُ بِالبَاقِي، فَقرَّبتُ إِلَيْهِ الزَّادَ، فَبَكَى، وَقَالَ: أَمَّا نَحْنُ فَاسْتَوفَيْنَا أُجُورَنَا، فَلَيْتَ شِعْرِي أَوَفَّيْنَا صَاحِبَنَا أَم لَا؟
فَغضِبتُ، فَقَالَ: أَتَضْمَنُ لِي أَنَّا وَفَّيْنَاهُ، فَأَخَذتُ الطَّعَامَ، فَتصَدَّقتُ بِهِ (2) .
وَبِالإِسْنَادِ عَنْ بَقِيَّةَ، قَالَ: كُنَّا مَعَ إِبْرَاهِيْمَ فِي البَحْرِ، فَهَاجَتْ رِيْحٌ، وَاضْطَرَبتْ السَّفِيْنَةُ، وَبَكَوْا، فَقُلْنَا: يَا أَبَا إِسْحَاقَ! مَا تَرَى؟
فَقَالَ: يَا حَيُّ حِيْنَ لَا حَيَّ، وَيَا حَيُّ قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ، وَيَا حَيُّ بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ، يَا حَيُّ، يَا قَيُّومُ، يَا مُحْسِنُ، يَا مُجْمِلُ! قَدْ أَرَيْتَنَا قُدْرَتَكَ، فَأَرِنَا عَفْوَكَ، فَهَدَأَتِ السَّفِيْنَةُ مِنْ سَاعَتِه (3) .
ضَمْرَةُ: سَمِعْتُ ابْنَ أَدْهَمَ، قَالَ:
أَخَافُ أَنْ لَا أُؤْجَرَ فِي تَرْكِي أَطَايِبَ الطَّعَامِ، لأَنِّيْ لَا أَشْتَهِيهِ.
وَكَانَ إِذَا جَلَسَ عَلَى طَعَامٍ طَيِّبٍ، قَدَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ،
(1) الرستن: " بليدة قديمة كانت على نهر " الميماس "، وهذا النهر هو اليوم المعروف بالعاصي، الذي يمر قدام حماة.
والرستن بين حماة وحمص في نصف الطريق، بها آثار باقية إلى
الآن -[زمن ياقوت]- تدل على جلالتها ".
" معجم البلدان ".
(2)
انظر الخبر في " الحلية ": 7 / 379 - 380.
(3)
انظر رواية " الحلية ": 8 / 5 - 6، 8 / 7 - 8، والبداية والنهاية ": 10 / 140.
وَقَنَعَ بِالخُبْزِ وَالزَّيْتُوْنِ.
مُحَمَّدُ بنُ مَيْمُوْنٍ المَكِّيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ:
قِيْلَ لإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ: لَوْ تَزَوَّجتَ؟
قَالَ: لَوْ أَمْكَنَنِي أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي، لَفَعَلْتُ (1) .
عَنْ خَلَفِ بنِ تَمِيْمٍ، قَالَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيْمُ الجَبَلَ، وَاشْتَرَى فَأْساً، فَقَطَعَ حَطَباً، وَبَاعَهُ، وَاشْتَرَى نَاطِفاً (2) ، وَقَدَّمَه إِلَى أَصْحَابِهِ، فَأَكَلُوا، فَقَالَ يُبَاسِطُهُم: كَأَنَّكُم تَأْكُلُوْنَ فِي رَهْنٍ.
عِصَامُ بنُ رَوَّادِ بنِ الجَرَّاحِ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ:
كُنْتُ لَيْلَةً مَعَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِبَاكُورَةٍ، فَنَظَرَ حَوْلَهُ هَلْ يَرَى مَا يُكَافِئُه، فَنَظَرَ إِلَى سَرْجِي، فَقَالَ: خُذْ ذَاكَ السَّرْجَ.
فَأَخَذَهُ، فَسُرِرتُ حِيْنَ نَزَلَ مَالِي بِمَنْزِلَةِ مَالِهِ (3) .
قَالَ عَلِيُّ بنُ بَكَّارٍ: كَانَ إِبْرَاهِيْمُ مِنْ بَنِي عِجْلٍ، كَرِيْمَ الحَسَبِ، وَإِذَا حَصدَ، ارْتَجَزَ، وَقَالَ:
اتَّخِذِ اللهَ صَاحِباً
…
وَدَعِ النَّاسَ جَانِباً (4)
وَكَانَ يَلْبَس فَرْواً بِلَا قَمِيْصٍ، وَفِي الصَّيْفِ شَقَّتَيْنِ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ: إِزَارٌ وَرِدَاءٌ، وَيَصُومُ فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَلَا يَنَامُ اللَّيْلَ، وَكَانَ يَتفكَّرُ، وَيَقْبِضُ أَصْحَابُهُ أُجرَتَه، فَلَا يَمَسُّهَا بِيَدِهِ، وَيَقُوْلُ: كُلُوا بِهَا شَهَوَاتِكُم. وَكَانَ يَنْطُرُ (5) ،
(1) في " البداية والنهاية ": 10 / 138: " لطلقتها ".
(2)
الناطف: ضرب من الحلوى، يصنع من اللوز والجوز والفستق، ويسمى أيضا: القبيط.
قال أبو نواس:
يقول والناطف في كفه * من يشتري الحلو من الحلو (3) انظر الخبر في " الحلية ": 7 / 384.
(4)
في " الحلية ": 7 / 373، و" البداية والنهاية ": 10 / 144، و" تهذيب ابن عساكر ": 2 / 182 - 183.
(5)
كذلك عمل بالنطارة سفيان الثوري، وهو من مشاهير علماء الحديث. انظر: ص 259.
وَكَانَ يَطحَنُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ.
قَالَ أَبُو يُوْسُفَ الغَسُّوْلِيُّ: دَعَا الأَوْزَاعِيُّ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ، فَقصَّرَ فِي الأَكلِ، فَقَالَ: لِمَ قَصَّرتَ؟
قَالَ: رَأَيتُكَ قَصَّرتَ فِي الطَّعَامِ (1) .
بِشْرٌ الحَافِي: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَمَانٍ، قَالَ:
كَانَ سُفْيَانُ إِذَا قَعَدَ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، تَحرَّزَ مِنَ الكَلَامِ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ طَالُوْتَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَم يَقُوْلُ: مَا صَدَقَ اللهَ عَبْدٌ أَحَبَّ الشُّهْرَةَ.
قُلْتُ: عَلَامَةُ المُخْلِصِ الَّذِي قَدْ يُحبُّ شُهرَةً، وَلَا يَشعُرُ بِهَا، أَنَّهُ إِذَا عُوتِبَ فِي ذَلِكَ، لَا يَحرَدُ وَلَا يُبرِّئُ نَفْسَه، بَلْ يَعترِفُ، وَيَقُوْلُ: رَحِمَ اللهُ مَنْ أَهدَى إِلَيَّ عُيُوبِي، وَلَا يَكُنْ مُعجَباً بِنَفْسِهِ؛ لَا يَشعرُ بِعُيُوبِهَا، بَلْ لَا يَشعرُ أَنَّهُ لَا يَشعرُ، فَإِنَّ هَذَا دَاءٌ مُزْمِنٌ.
عِصَامُ بنُ رَوَّادٍ: سَمِعْتُ عِيْسَى بنَ حَازِمٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ يَقُوْلُ:
كُنَّا بِمَكَّةَ مَعَ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِي قُبَيْسٍ (2)، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ مُؤْمِناً، مُسْتكمِلَ الإِيْمَانِ، يَهزُّ الجَبَلَ لَتَحَرَكَ.
فَتَحَرَّكَ أَبُو قُبَيْسٍ، فَقَالَ: اسْكُنْ، لَيْسَ إِيَّاكَ أَرَدْتُ (3) .
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ، حَدَّثَنَا الحَارِثُ بنُ النُّعْمَانِ، قَالَ:
كَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَم يَجْتَنِي الرُّطَبَ مِنْ شَجَرِ البَلُّوْطِ.
(1) تتمة الخبر في " البداية والنهاية ": 10 / 138 - 139: " ثم عمل إبراهيم طعاما كثيرا، ودعا الاوزاعي، فقال الاوزاعي: أما تخاف أن يكون سرفا؟ فقال: لا، إنما السرف ما كان في معصية الله، فأما ما أنفقه الرجل على إخوانه فهو ومن الدين ".
وانظر أيضا: " تهذيب ابن عساكر ": 2 / 183.
(2)
أبو قبيس: جبل مشرف على مسجد مكة.
(3)
انظر: " الحلية ": 8 / 4.
وَعَنْ مَكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ: قِيْلَ لابْنِ أَدْهَم: مَا تَبلُغُ مِنْ كَرَامَةِ المُؤْمِنِ؟
قَالَ: أَنْ يَقُوْلَ لِلْجَبَلِ: تَحرَّكْ، فَيَتحَرَّكُ.
قَالَ: فَتَحَرَّكَ الجَبَلُ، فَقَالَ: مَا إِيَّاكَ عَنَيْتُ.
وَعَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، قَالَ: كُلُّ مَلِكٍ لَا يَكُوْنُ عَادِلاً، فَهُوَ وَاللِّصُّ سَوَاءٌ، وَكُلُّ عَالِمٍ لَا يَكُوْنُ تَقِيّاً، فَهُوَ وَالذِّئْبُ سَوَاءٌ، وَكُلُّ مَنْ ذَلَّ لِغَيْرِ اللهِ، فَهُوَ وَالكَلْبُ سَوَاءٌ (1) .
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الجُلُوْدِيُّ، وَغَيْرُهُ: أَنَّ عَبْدَ الله بنَ اللَّتِّيِّ أَخْبَرَهُم، قَالَ:
أَنْبَأَنَا جَعْفَرُ بنُ المُتَوَكِّلِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الحَسَنِ بنُ العَلَاّفِ، حَدَّثَنَا الحَمَّامِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ الخُلْدِيُّ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ بَشَّارٍ:
سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ يَقُوْلُ: وَأَيُّ دِيْنٍ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ! مَنْ طَلَبَ العِلْمَ للهِ، كَانَ الخُمُوْلُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ التَّطَاوُلِ، وَاللهِ مَا الحَيَاةُ بِثِقَةٍ، فَيُرْجَى نَوْمُهَا، وَلَا المَنِيَّةُ بِعُذرٍ، فَيُؤمَنُ عُذْرُهَا، فَفِيْمَ التَّفْرِيطُ وَالتَّقْصِيْرُ وَالاتِّكَالُ وَالإِبطَاءُ؟ قَدْ رَضِينَا مِنْ أَعْمَالِنَا بِالمَعَانِي، وَمِنْ طَلَبِ التَّوبَةِ بِالتَّوَانِي، وَمِنَ العَيْشِ البَاقِي بِالعَيْشِ الفَانِي.
وَبِهِ: قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: أَمْسَينَا مَعَ إِبْرَاهِيْمَ لَيْلَةً، لَيْسَ لَنَا مَا نَفطَرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ:
يَا ابْنَ بَشَّارٍ! مَاذَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَى الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِيْنِ مِنَ النَّعِيْمِ وَالرَّاحَةِ، لَا يَسْأَلُهُم يَوْمَ القِيَامَةَ عَنْ زَكَاةٍ، وَلَا حَجٍّ، وَلَا صَدَقَةٍ، وَلَا صِلَةِ رَحِمٍ! لَا تَغتمَّ، فَرِزقُ اللهِ سَيَأْتِيْكَ، نَحْنُ -وَاللهِ- المُلُوْكُ الأَغْنِيَاءُ، تعجلُنَا الرَّاحَة، لَا نُبَالِي عَلَى أَيِّ حَالٍ كُنَّا إِذَا أَطَعنَا اللهَ (2) .
ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلَاتِه، وَقُمْتُ إِلَى صَلَاتِي، فَإِذَا بِرَجُلٍ قَدْ جَاءَ بِثَمَانِيَةِ أَرْغِفَةٍ، وَتَمْرٍ كَثِيْرٍ، فَوَضَعَهُ، فَقَالَ: كُلْ يَا مَغْمُوْمُ.
(1) انظر: " البداية والنهاية " 10 / 142.
(2)
انظر صفحة: 390.
فَدَخَلَ سَائِلٌ، فَأَعْطَاهُ ثَلَاثَةَ أَرغِفَةٍ مَعَ تَمْرٍ، وَأَعْطَانِي ثَلَاثَةً، وَأَكَلَ رَغِيْفَيْنِ.
وَكُنْتُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا عَلَى قَبْرٍ مُسنَّمٍ، فَترحَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ:
هَذَا قَبْرُ حُمَيْدِ بنِ جَابِرٍ، أَمِيْرِ هَذِهِ المُدُنِ كُلِّهَا، كَانَ غَارِقاً فِي بِحَارِ الدُّنْيَا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْهَا.
بَلَغَنِي: أَنَّهُ سُرَّ ذَاتَ يَوْمٍ بِشَيْءٍ، وَنَامَ، فَرَأَى رَجُلاً بِيَدِهِ كِتَابٌ، فَفَتَحَهُ، فَإِذَا هُوَ كِتَابٌ بِالذَّهَبِ: لَا تُؤثِرَنَّ فَانِياً عَلَى بَاقٍ، وَلَا تَغتَرَّنَّ بِمُلْكِكَ، فَإِنَّ مَا أَنْتَ فِيْهِ جَسِيْمٌ لَوْلَا أَنَّهُ عَدِيْمٌ، وَهُوَ مُلْكٌ لَوْلَا أَنَّ بَعْدَهُ هُلْكٌ، وَفَرَحٌ وَسُرُوْرٌ، لَوْلَا أَنَّهُ غُرُوْرٌ، وَهُوَ يَوْمٌ لَوْ كَانَ يُوثَقُ لَهُ بَعْدُ، فَسَارِعْ إِلَى أَمْرِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ قَالَ:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِيْنَ} [آلُ عِمْرَانَ: 133] .
فَانتَبَهُ فَزَعاً، وَقَالَ: هَذَا تَنْبِيْهٌ مِنَ اللهِ وَمَوْعِظَةٌ.
فَخَرَجَ مِنْ مُلْكِهِ، وَقَصَدَ هَذَا الجَبَلَ، فَعَبَدَ اللهَ فِيْهِ حَتَّى مَاتَ.
وَرُوِيَ: أَنَّ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَدْهَمَ حَصدَ لَيْلَةً مَا يَحصُدُهُ عَشَرَةٌ، فَأَخَذَ أُجْرَتَهُ دِيْنَاراً.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بنُ سَلَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيْمِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا الحَدَّادُ، أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا السَّرَّاجُ:
سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: قُلْتُ لإِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ: كَيْفَ كَانَ بَدءُ أَمرِكَ؟
قَالَ: غَيْرُ ذَا أَوْلَى بِكَ.
قَالَ: قُلْتُ: أَخْبِرْنِي لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَنَا بِهِ يَوْماً.
قَالَ: كَانَ أَبِي مِنَ المُلُوْكِ المَيَاسِيْرِ، وَحُبِّبَ إِلَيْنَا الصَّيْدُ، فَرَكِبتُ، فَثَارَ أَرْنَبٌ أَوْ ثَعْلَبٌ، فَحرَّكتُ فَرَسِي، فَسَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ وَرَائِي: لَيْسَ لِذَا خُلِقْتَ، وَلَا بِذَا أُمِرْتَ.
فَوَقَفتُ أَنظُرُ يَمنَةً وَيَسْرَةً، فَلَمْ أَرَ أَحَداً، فَقُلْتُ: لَعَنَ اللهُ إِبْلِيسَ.
ثُمَّ حَرَّكتُ فَرَسِي، فَأَسْمَعُ نِدَاءً أَجْهَرَ مِنْ ذَلِكَ: يَا إِبْرَاهِيْمُ! لَيْسَ لِذَا خُلِقتَ، وَلَا بِذَا أُمِرتَ.
فَوَقَفتُ أَنظُرُ فَلَا أَرَى أَحَداً، فَقُلْتُ: لَعَنَ اللهُ إِبْلِيسَ.
فَأَسْمَعُ نِدَاءً مِنْ قَرَبُوْسِ (1) سَرجِي
(1) القربوس: هو حنو السرج. قال الأزهري: وللسرج قربوسان: فأما القربوس المقدم، =
بِذَاكَ، فَقُلْتُ: أُنْبِهْتُ، أُنْبِهْتُ، جَاءنِي نَذِيرٌ، وَاللهِ لَا عَصَيتُ اللهَ بَعْدَ يَوْمِي مَا عَصَمنِي اللهُ.
فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فَخَلَّيتُ فَرَسِي، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رُعَاةٍ لأَبِي، فَأَخَذتُ جُبَّةً كِسَاءً، وَأَلقَيْتُ ثِيَابِي إِلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلتُ إِلَى العِرَاقِ، فَعَمِلتُ بِهَا أَيَّاماً، فَلَمْ يَصْفُ لِي مِنْهَا الحَلَالُ، فَقِيْلَ لِي: عَلَيْكَ بِالشَّامِ
…
، فَذَكَرَ حِكَايَةَ (1) نِطَارَتِه الرُّمَّانَ.
وَقَالَ الخَادِمُ لَهُ: أَنْتَ تَأْكُلُ فَاكِهَتنَا، وَلَا تَعْرِفُ الحُلْوَ مِنَ الحَامِضِ؟
قُلْتُ: وَاللهِ مَا ذُقْتُهَا.
فَقَالَ: أَتُرَاكَ لَوْ أَنَّكَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَدْهَمَ.
فَانْصَرَفَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، ذَكَرَ صِفَتِي فِي المَسْجِدِ، فَعَرَفَنِي بَعْضُ النَّاسِ، فَجَاءَ الخَادِمُ وَمَعَهُ عُنُقٌ (2) مِنَ النَّاسِ، فَاخْتَفَيْتُ خَلْفَ الشَّجرِ، وَالنَّاسُ دَاخِلُوْنَ، فَاخْتلَطْتُ مَعَهُم وَأَنَا هَاربٌ (3) .
قَدْ سُقْتُ أَخْبَارَ إِبْرَاهِيْمَ فِي (تَارِيْخِي) أَزْيَدَ مِمَّا هُنَا، وَأَخْبَارَهُ فِي:(تَارِيْخِ دِمَشْقَ (4)) وَفِي: (الحِلْيَة (5)) ؛ وَتَآلِيْفَ لابْنِ جَوْصَا، وَأَخْبَارَهُ الَّتِي رَوَاهَا ابْنُ اللَّتِّيِّ، وَأَشْيَاءَ.
وثَّقهُ: الدَّارَقُطْنِيُّ.
وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ، وَقَبْرُهُ يُزَارُ.
وَتَرْجَمَتُه فِي (تَارِيْخِ دِمَشْقَ) فِي ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِيْنَ وَرَقَةً.
= ففيه العضدان، وهما رجلا السرج، ويقال لهما: حنواه
…
والقربوس الآخر فيه رجلا المؤخرة، وهما حنواه. (اللسان) .
(1)
انظر الصفحة: 389، و:390.
(2)
العنق: الجماعة من الناس والرؤساء.
(3)
كذلك جرت حادثة مشابهة لهذه مع سفيان الثوري المحدث الفقيه.
انظر الصفحة: 259.
(4)
خ: 2 / 186 آ، وما بعدها.
(5)
7 / 367 حتى 8 / 58.