المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المحظور الخامس: إحياء دعوى الجاهلية، والعصبيات القبلية - شاعر المليون أخطاء شرعية، ومغالطة شعرية

[ذياب الغامدي]

فهرس الكتاب

- ‌ المَحْظُوْرُ الأوَّلُ: العُدْوانُ على اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ

- ‌ المَحْظُوْرُ الثَّاني: تَزْوِيرُ الحَقَائِقِ وتَحْرِيْفُهَا

- ‌ المَحْظُوْرُ الثَّالِثُ: التَّرْوِيجُ لِمُخَطَّطَاتِ أعْدَاءِ الإسْلامِ الَّذِينَ لَمْ تَقِفْ نَوايَاهُمْ مِنْ هَدْمِ الإسْلامِ بِكُلِّ وسِيلَةٍ كَانَتْ

- ‌ المَحْظُوْرُ الرَّابِعُ: تَمْزِيقُ وِحْدَةِ الأُمَّةِ الإسْلامِيَّةِ، وتَفْرِيْقُ جَمْعِهَا

- ‌ المَحْظُوْرُ الخَامِسُ: إحْيَاءُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ، والعَصَبِيَّاتِ القَبَلِيَّةِ

- ‌ المَحْظُورُ السَّادِسُ: الطَّعْنُ في الأنْسَابِ

- ‌ المَحْظُوْرُ السَّابِعُ: ضَيَاعُ مَفْهُوْمِ الوَلاءِ والبَرَاءِ عِنْدَ أنْصَارِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن»

- ‌ المَحْظُورُ الثَّامِنُ: الحُبُّ والبُغْضُ لغَيْرِ الله

- ‌ المَحْظُورُ التَّاسِعُ: تَخْدِيْرُ شَبَابِ المُسْلِمِيْنَ عَنْ قَضَايَاهُم المَصِيْرِيَّةِ

- ‌ المَحْذُوْرُ العَاشِرُ: غِشُّ النَّاشِئَةِ

- ‌ المَحْذُوْرُ الحَادِي عَشَرَ: ضَيَاعُ وتَبْدِيْدُ الأوْقَاتِ

- ‌ المَحْذُوْرُ الثَّاني عَشَرَ: هَدْرُ الأمْوَالِ، وضَيَاعُهَا

- ‌ المَحْظُورُ الثَّالِثَ عَشَرَ: وُجُوْدُ الغِيْبَةِ المُحَرَّمَةِ

- ‌ المَحْظُورُ الرَّابِعَ عَشَرَ: وُجُوْدُ السُّخْرِيَّةِ والاسْتِهْزَاءِ

- ‌ المَحْظُورُ الخَامِسَ عَشَرَ: وُجُوْدُ التَّبَخْتُرِ والخُيَلاءِ والعُجْبِ

- ‌ المَحْظُوْرُ السَّادِسَ عَشَرَ: وُجُوْدُ الاخْتِلاطِ المُحَرَّمِ

الفصل: ‌ المحظور الخامس: إحياء دعوى الجاهلية، والعصبيات القبلية

هَذَا إذَا عَلِمْنَا أنَّ الأسْماءَ الشَّرعِيَّةَ الَّتِي يَسُوْغُ التَّسَمِّي بِها، لا يَجُوْزُ التَّعَصُّبُ لهَا، ولا امْتِحَانُ النَّاسِ بِها، ولا المُوَالاةُ والمُعَادَاةُ عَلَيْهَا، إذَا كَانَتْ تُؤدِّي إلى فُرْقَةِ المُسْلِمِيْنَ وتَبَاغُضِهِم وتَدَابُرِهِم، فَكَيْفَ والحَالَةُ هَذِهِ؛ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الأسْماءُ: أسماءً قَبَلِيَّةً أو وَطَنِيَّةً أو قَوْمِيَّةً كَما هُوَ الحَالُ في مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» ، وسَيَأتي بَيَانُ ذَلِكَ في المَحْظُوْرِ الآتي إنْ شَاءَ الله.

* * *

-‌

‌ المَحْظُوْرُ الخَامِسُ: إحْيَاءُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ، والعَصَبِيَّاتِ القَبَلِيَّةِ

، ويَدْخُلُ في ذَلِكَ رَفْعُ شِعَارَاتِ الجَاهِلِيَّةِ: كالافْتِخَارِ بالقَبَلِيَّةِ، أو الوَطَنِيَّةِ، أو القَوْمِيَّةِ، أو العَرَبِيَّةِ، أو التَّعَلُّقِ بالنَّسَبِ والحَسَبِ، أو التَّعَلُّقِ بآثَارِ الجَاهِلِيَّةِ، كالعَصَبِيَّاتِ المَقِيْتَةِ؛ ولاسِيَّما مَا تَفْرِزُهُ مُسَابَقَةُ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» ، أو غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فيه مُزَاحَمَةٌ للإسْلامِ.

وأعِيْذُ نَفْسِي وأنْصَارَ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ الجَاهِليِّ:

لا يَسْألُوْنَ أخَاهُم حِيْنَ يَنْدُبُهُم

في النَّائِبَاتِ على مَا قَالَ بُرْهَانا

* * *

لَقَدْ جَاءَ الإسْلامُ وحَرَّمَ كُلَّ ذَلِكَ، فَقَدْ رَوَى الشِّيْخَانِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه يَقُوْلُ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وقَدْ ثَابَ (اجْتَمَعَ)

ص: 38

مَعَه نَاسٌ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ حَتَّى كَثِرُوا، وكَانَ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ رَجَلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أنْصَارِيًا (أيْ: ضَرَبَهُ على دُبُرِه)، فَغَضِبَ الأنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيْدًا حَتَّى تَدَاعَوْا، وقَالَ الأنْصَارِيُّ: يا للأنْصَارِ! وقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يا للمُهَاجِرِيْنَ! فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ؟» ، ثُمَّ قَالَ:«مَا شَأنُهُم؟» ، فأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ المُهَاجِرِيِّ الأنْصَارِيَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«دَعُوْهَا فإنَّها خَبِيْثَةٌ» ، وفي رِوَايِةِ مُسْلِمٍ:«فإنَّها مُنْتِنَةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

* * *

ففِي هَذَا الحَدِيْثِ أنْكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على المُهَاجِرِيِّ، والأنْصَارِيِّ دَعْوَتَهُما لِفِئَتِيْهِمَا، وسَمَّى قَوْلَهُما بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ، مَعَ أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما انْتَسَبَ إلى فِئَةِ المُهَاجِرِيْنَ، وفِئَةِ الأنْصَارِ، وهُما اسْمَانِ شَرْعِيَّانِ، الانْتِسَابُ إلَيْهِما مَحْمُوْدٌ في ذَاتِهِ، ولكِنْ لَمَّا كَانَ الانْتِسَابُ إلَيْهِما هُنَا على وَجْهِ الانْتِصَارِ بِهِما، والتَّعَصُّبِ لَهُما أنْكَرَ ذَلِكَ؛ لأنَّه مِنْ فِعْلِ أهْلِ الجَاهِلِيَّةِ (1).

وهَذَا الحَدِيْثُ يُبَيِّنُ بِوُضُوْحٍ أنَّ الإسْلامَ قَدْ أبْطَلَ كُلَّ المَعَايِيْرِ

(1) انْظُرْ «اقْتَضَاءَ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيْمِ» لابنِ تَيْمِيَّةَ (1/ 211).

ص: 39

الجَاهِلِيَّةِ في التَّفَاضُلِ بَيْنَ النَّاسِ، ووَضَعَ للتَّفَاضُلِ مِيْزَانًا جَدِيْدًا يَقُوْمُ على الإيْمَانِ، والتَّقْوَى، والفَضْلِ.

يَقُوْلُ ابنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله تَعْلِيْقًا على هَذَا الحَدِيْثِ كَمَا جَاءَ في «الاقْتِضَاءِ» (1/ 214): «فَإذَا كَانَ هَذَا التَّدَاعِي في هَذِهِ الأسْماءِ، وهَذَا الانْتِسَابُ، الَّذِي يُحِبُّهُ الله ورَسُوْلُهُ، فَكَيْفَ بالتَّعَصُّبِ مُطْلَقًا، والتَّدَاعِي للنَّسَبِ والإضَافَاتِ الَّتِي: هِيَ إمَّا مُبَاحَةٌ، أو مَكْرُوْهَةٌ؟ وذَلِكَ أنَّ الانْتِسَابَ إلى العِلْمِ الشَّرعِي، أحْسَنُ مِنَ الانْتِسَابِ إلى غَيْرِهِ» انْتَهَى.

وفي شَأنِ التَّعَصُّبِ للنِّسَبِ المُبَاحَةِ، وأنَّه لا يَجُوْزُ ذَلِكَ بحَالٍ مِنَ الأحْوَالِ، يَقُوْلُ أيْضًا رحمه الله في «مَجْمُوعِ الفَتَاوَى» (3/ 415):«بَلِ الأسْماءُ الَّتِي يَسُوْغُ التَّسَمِّي بِها مِثْلُ: انْتِسَابِ النَّاسِ إلى إمَامٍ كالحَنَفِيِّ، والمَالِكِيِّ، والشَّافِعِيِّ، والحَنْبَليِّ، أو إلى شَيْخٍ: كالقَادرِي، والعَدَوِيِّ وغَيْرِهِم، أو مِثْلُ: الانْتِسَابِ إلى القَبائِلِ كالقَيْسِيِّ، واليَمانيِّ، وإلى الأمْصَارِ: كالشَّامِيِّ، والعِرَاقِيِّ، والمِصْرِيِّ؛ فَلا يَجُوْزُ لأحَدٍ أنْ يَمْتَحِنَ النَّاسَ بِها، ولا يُوَالي بِهَذِهِ الأسْماءِ، ولا يُعَادِي بِها، بَلْ أكْرَمُ الخَلْقِ عِنْدَ الله اتْقَاهُم مِنْ أيِّ طَائِفَةٍ كَانَتْ» انْتَهَى.

* * *

ص: 40

فالمُؤْمِنُ هُوَ الرَّفيعُ والفَاضِلُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ ولا حَسَبٌ، والفَاجِرُ هُوَ الذَّلِيْلُ الدَّنِيُّ عِنْدَ الله، وإنْ كَانَ نَسِيْبًا حَسِيْبًا.

يَقُوْلُ الخَطَّابِيُّ رحمه الله في قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وفَاجِرٌ شَقِيٌّ» (1)، «مَعْنَاهُ أنَّ النَّاسَ رَجُلانِ: مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ فَهُو الخَيِّرُ الفَاضِلُ؛ وإنْ لَمْ يَكُنْ حَسِيْبًا في قَوْمِهِ، وفَاجِرٌ شَقِيٌّ فَهُو الدَّنِيُّ؛ وإنْ كَانَ في أهْلِهِ شَرِيْفًا رَفيعًا» (2).

فالقَاعِدَةُ الإسْلامِيَّةُ في التَّفَاضُلِ تَقُوْمُ على قَوْلِه تَعَالَى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(الحجرات 13).

فَلا مَجَالَ في الإسْلامِ للتَّفَاخُرِ بالأنْسَابِ والأحْسَابِ، والتَّعَاظُمِ بالأجْدَادِ، والآبَاءِ، كَما هِيَ طَلائِعُهُ في مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» .

* * *

فَقَدْ قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَزَّى (الانْتِمَاءُ والانْتِسَاُب) بِعَزَاءِ (دَعْوَى المُسْتَغِيْثِ) الجَاهِلِيَّةِ؛ فأعْضُوْه (اشْتِمُوه صَرِيْحًا) بِهَنِ (فَرْجِ)

(1) أخْرَجَهُ أحمَدُ (2/ 361)، وأبُو دَاوُدَ (5094)، والتِّرمِذيُّ (4215)، وهُوَ صَحِيْحٌ، انْظُرْ «صَحِيْح التِّرمذِيِّ» للألْبَانيِّ (3100).

(2)

نَقْلاً عَنْ «عَوْنِ المَعْبُوْدِ» (14/ 22).

ص: 41

أبِيْهِ، ولا تُكَنُّوْا» (1) أحْمَدُ.

وقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله قَدْ أذْهَبَ عَنْكُم عُبِّيَةَ (الكِبْرَ) الجَاهِلِيَّةِ، وفَخْرَها بالآبَاءِ؛ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وفَاجِرٌ شَقِيٌّ، أنْتُمْ بَنُو آدَمَ، وآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُم بأقْوَامٍ، إنِّمَا هُمَ فَحَمٌ مِنْ فَحَمِ جَهَنَّمَ، أو لَيَكُوْنَنَّ أهْوَنَ على الله مِنَ الجِعْلانِ (دُوَيْبَةٌ سَوْدَاءُ) الَّتِي تَدْفَعُ بأنْفِهَا النَّتَنَ» (2) أحمَدُ.

* * *

فَكُلُّ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ ونَحْوِها؛ فَهِي تَتَعَارَضُ شَرْعًا وطَبْعًا؛ مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤْمِنُ أحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأخِيْهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْه، وقَوْلِه صلى الله عليه وسلم:«مَثَلُ المُؤْمِنِيْنَ في تَوَادِّهِم، وتَرَاحُمِهِم، وتَعَاطُفِهِم؛ كَمَثَلِ الجَسَدِ إذَا اشْتَكَى مِنْه عُضْوٌ تَدَاعَى لَهَ سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ، والحُمَّى» مُسْلِمٌ، وقَوْلِه صلى الله عليه وسلم:«المُؤْمِنُ للمُؤْمِنِ كالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْه.

(1) أخْرَجَهُ أحمَدُ (5/ 136)، وهُوَ صَحِيْحٌ، انْظُرْ «السِّلْسِلَةَ الصَّحِيْحَةَ» للألْبَانيِّ (269).

(2)

أخْرَجَهُ أحمَدُ (2/ 361)، وأبُو دَاوُدَ (5094)، والتِّرمِذيُّ (4215)، وهُوَ صَحِيْحٌ، انْظُرْ «صَحِيْح التِّرمذِيِّ» للألْبَانيِّ (3100).

ص: 42

وكُلُّ هَذَا يَتَنَافَى مَعَ كُلِّ مَا يَحْدُثُ بِسَبَبِ الانْتِصَارِ لـ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» ؛ في حِيْنَ أنَّ الأمَّةَ تَمُرُّ بِمَرْحَلَةٍ، ووَقْتٍ هِيَ أحْوَجُ مَا تَكُوْنُ فِيْهِ إلى جَمْعِ الكَلِمَةِ في مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّياتِ الخَطِيْرَةِ مِنْ أعْدَاءِ الإسْلامِ، وفي الحَدِيْثِ: «

ومَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ، أو يَدْعُو إلى عَصَبِيَّةٍ، أو يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فقُتِلَ؛ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ» مُسْلِمٌ.

* * *

- أمَّا إحْيَاءُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ، والعَصَبِيَّاتِ القَبَلِيَّةِ بَيْنَ عُشَّاقِ مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» فَلَوْنٌ آخَرُ؛ حَيْثُ تَجَسَّدَتْ هَذِه الدَّعَاوَى والعَصَبِيَّاتُ بَيْنَهُم تَجَسُّدَ الرُّوْحِ بالبَدَنِ؛ بَلْ لا تَكُوْنُ، ولا تَزْدَادُ جَذْوَةُ التَّشْجِيْعَاتِ، والحَمَاسَاتِ، والمُنَافَسَاتِ في أوْسَاطِ المُشَجِّعِيْنَ إلَاّ عِنْدَ وُجُوْدِ هَذِه العَصَبِيَّاتِ، والنَّعَرَاتِ الجَاهِلِيَّةِ ضَرُوْرَةً، ولابُدَّ!

فإنَّا، ونَحْنُ لا نَشُكُّ طَرْفَةَ عَيْنٍ: أنَّ مُسَابَقَةَ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» غَدَتْ مَنْبَعًا للعَصَبِيَّاتِ الجَاهِلِيَّةِ، ومَنْجَمًا للنَّعَرَاتِ القَبَلِيَّةِ؛ حَيْثُ ضَرَبَ حَوْلَها الشَّيْطَانُ فُسْطَاطَ ضَلالَتِه، وحَفَّهَا بِسُرَادِقِ جَهَالَتِه، إلَاّ مَا رَحِمَ رَبِّي وقَلِيْلٌ مَا هُمْ!

ص: 43

فَمُسَابَقَةُ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» هَجْهَاجَةُ فِتْنَةٍ، وأجَّاجَةُ إحْنَةٍ، فَكَمْ عَجَّجَتْ نَقْعَ البَلاءِ، وأجَّجَتْ نَارَ الهَيْجَاءِ! ومَنْ تَجَاهَلَ هَذِه المَعَانِي المَقِيْتَةَ بَيْنَ مُشَجِّعِي «شَاعِرِ المَلْيُوْن» ، أو تَنَكَّرَها فَهُوَ جَاهِلٌ باَرِدٌ، أو غُمْرٌ كَائِدٌ، وبَيْنَهُ ومَا يَقُوْلُ خَرْطُ القَتَادِ! وقَدْ قِيْلَ:

ولَيْسَ يَصِحُّ في الأذْهَانِ شَيْءٌ

إذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إلى دَلِيْلِ؟

* * *

وهَلْ عَنَّا الصَّحَافَةُ، والقَنَوَاتُ الإعْلامِيَّةُ ببَعِيْدٍ؟ يَوْمَ نَرَاهَا لا تَفْتَرُ، ولا تَكَلُّ في إذْكَاءِ فَتِيْلِ الحُرُوْبِ الجَاهِلِيَّةِ، والعَصَبِيَّاتِ القَوْمِيَّةِ، والنَّعَرَاتِ الصِّبْيانيَّةِ بَيْنَ جَمَاهِيْرِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» بِخَاصَّةٍ، والشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ» بِعَامَّةٍ، فَحَسْبُنا الله ونِعْمَ الوَكِيْلُ!

* * *

- ومِنْ مُعْجِزَاتِه صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ في أهْلِ الجَزِيْرةِ: «إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّوْنَ في جَزِيْرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيْشِ بَيْنَهم» مُسْلِمٌ.

وحَسْبُنا هَذَا الحَدِيْثُ النَّبَوِيُّ في تَأوِيْلِ مَا عَلَيْه عُشَّاقُ مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» هَذِه الأيَّامَ مِنْ أبْنَاءِ الجَزِيْرَةِ؛ حَيْثُ وَقَعَ مَا

ص: 44

أخْبَرَ عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَحْرِيْشٍ سَيَكُوْنُ بَيْنَهُم، وقَدْ كَانَ حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ، وذَلِكَ صَائِرٌ في مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» الَّتِي اتَّخَذَها الشَّيْطَانُ طَرِيْقًا وَاسِعًا للتَّحْرِيْشِ بَيْنَ شَبَابِ المُسْلِمِيْنَ مِنْ أبْنَاءِ الجَزِيْرَةِ!

قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله في شَرْحِ هَذِه الحَدِيْثِ (17/ 228): «هَذَا الحَدِيْثُ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ

ومَعْنَاهُ: أَيِسَ أنْ يَعْبُدَه أهْلُ جَزِيْرَةِ العَرَبِ، ولَكِنَّهُ في التَّحْرِيْشِ بَيْنَهم: بالخُصُوْمَاتِ، والشَّحْنَاءِ، والحُرُوْبِ، والفِتَنِ، ونَحْوِها».

وهَلْ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ رحمه الله عَنَ حَالِ شِيْعَةِ وأشَائِبِ مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» ببَعِيْدٍ؟ لا والَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ، وبَرَأ النَّسَمَةَ!

* * *

(ومِنْ خِلالِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الأدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ النَّاهِيَةِ عَنِ الاخْتِلافِ والافْتِرَاقِ؛ كَانَ حَقًّا على وُلاةِ الأمْرِ وأهْلِ العِلْمِ سَوَاءٌ في دَوْلَةِ الإمَارَاتِ أو غَيْرِهَا مِنْ دوُل الخَلِيْجِ: أن يَمْنَعُوا هَذِهِ المُوَاطَآتِ المُفَرِّقَةَ بَيْنَ أبْنَاءِ أهْلِ الجَزِيْرَةِ وغَيْرِهَا فِيْما يُسَمَّى بمُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» ، وأنْ يَمْنَعُوْهَا نُصْحًا لأمَّتِهِم، وخَوْفًا عَلَيْهِم مِنْ مَوَاقِعِ التَّفْرُقَةِ والاخْتَلافِ، ومَرَاتِعِ العَصَبِيَّةِ الجَاهِلِيَّةِ، والله المُوَفِّقُ

ص: 45