الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والهَادِي إلى سَوَاءِ السَّبِيْلِ!
* * *
-
المَحْظُورُ السَّادِسُ: الطَّعْنُ في الأنْسَابِ
، وذَلِكَ بازْدِرَاءِ القَبَائِلِ الأخْرَى، والتَّقْلِيْلِ مِنْ شَأنِها لاسِيَّما إذَا خَسِرَ شَاعِرُهُم «النَّبَطِيُّ» في مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» ، ولم يَنْتَصِرْ، أو رُبَّما كَانَ لا يُحْسِنُ الشِّعْرَ
…
هَذَا في القَبِيْلَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ بمُشَارَكَةٍ شِعْرِيَّةٍ، كَيْفَ والحَالَةُ هَذِهِ للقَبَائِلِ الَّتِي لم تَتَقَدَّمْ في تِلْكَ المُسَابَقَةِ، إمَّا لكَوْنِها لا تُحْسِنُ الشِّعْرَ «النَّبَطِيَّ» ، أو القَبَائِلِ الَّتِي تَرَفَّعَتْ عَنِ المُشَارَكَةِ في «النَّبَطِيِّ» ، لكَوْنِهِ رَكِيْكًا مَلْحُونًا لا يَسْتَحِقُّ أنْ يَكُوْنَ شِعْرًا فَضْلاً أنْ يُنْسَبَ إلى الشِّعْرِ العَرَبيِّ، كَمَا مَرَّ ذِكْرُهُ آنِفًا.
وقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اثْنَتَانِ في النَّاسِ هُمَا بِهِم كُفْرٌ: الطَّعْنُ في النَّسَبِ، والنِّيَاحَةُ على المَيِّتِ» مُسْلِمٌ.
* * *
-
المَحْظُوْرُ السَّابِعُ: ضَيَاعُ مَفْهُوْمِ الوَلاءِ والبَرَاءِ عِنْدَ أنْصَارِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن»
.
لا جَرَمَ؛ فَإنَّ (عَقِيْدَةَ الوَلاءِ، والبَرَاء) أصْلٌ مِنْ أُصُوْلِ هَذَا
الدِّيْنِ، ولا يَصِحُّ الدِّيْنُ، ولا يَسْتَقِيْمُ الإيْمَانُ، لِمَنْ لَمْ يُحَقِّقْ هَذِه العَقِيْدَةَ بِوَلائِها، وبَرَائِها.
* * *
قَالَ تَعَالَى: (لَاّ يَتَّخِذِ المُؤْمَنُونَ الكَفِرِينَ أَوْلِياءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيءٍ إِلَاّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةٍ وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ، وَإِلَى الله الْمَصِيُر)(آل عمران 28).
فَكَانَ لابُدَّ مِنْ وَضْعِ قَضِيَّةِ الوَلاءِ والبَرَاءِ نُصْبَ أعْيُنِ عُشَّاقِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» ، حَتَّى يَعْلَمُوا مَنِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الوَلاءَ، ومَنْ يَسْتَحِقُّ المُعَادَاةَ.
* * *
فَقَدْ وَرِثَ أحْفَادُ الغَرْبِ وَصِيَّةَ جَدِّهِم (لُوِيْسْ التَّاسِع) إذْ يَقُوْلُ: «إذَا أرَدْتُم أنْ تَهْزُمُوا المُسْلِمِيْنَ فَلا تُقَاتِلُوْهُم بالسَّلاحِ وَحْدَه ـ فَقَدْ هُزِمْتُم أمَامَهُم في مَعْرَكَةِ السِّلاحِ ـ ولَكِنْ حَارِبُوْهُم في عَقِيْدَتِهِم، فَهِيَ مَكْمَنُ القُوَّةِ فِيْهِم» .
لِذَا كَانَتْ سِيَاسَةُ الغَرْبِ تَدُوْرُ حَوْلَ مقولتهم المَشْهُوْرَةِ: «فَرِّقْ تَسُدْ» ، فَعَمَدُوا إلى التَّجْزِئَةِ، والتَّفْتِيْتِ مُسْتَخْدِمِيْنَ الاخْتِلافَات
الوَطَنِيَّةِ والقَبَلِيَّةِ والسِّيَاسِيَّةِ وغَيْرَ ذَلِكَ.
* * *
وهَكَذَا؛ حَتَّى أصْبَحَ المُسْلِمُوْنَ أيَادِي سَبَأ: مِنْ بِلادٍ وَاحِدَةٍ إلى دُوَيْلاتٍ، ومِنْ خِلافَةٍ إلى خِلافَاتٍ، فَعِنْدَ هَذَا كَانَتْ (قَضِيَّةُ المُوَالاةِ والمُعَادَاةِ) عِنْدَ أكْثَرِ أبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ هَذِه الأيَّامَ؛ لاسِيَّما أنْصَارُ مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» مِنْهُم مَحَلَّ نَظَرٍ وتَرَاجُعٍ، مِمَّا يَدُلُّ على خَطَرٍ مُتَفَاقِمٍ قَدْ يَدْفَعُ بالأمَّةِ إلى مَهَاوِيَ لا قَرَارَ لَها!
* * *
- ومِنْ نَحِسَاتِ أنْصَارِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» ، أنَّها وَصَلَتْ بِبَعْضِ مُرِيْدِيها في قَضِيَّةِ المُوَالاةِ والمُعَادَاةِ إلى دَرَجَةٍ يُخْشَى عَلَيْهِم مِنَ نَقْصِ الإيْمانِ، والحَوْرِ بَعْدَ الكَوْرِ ـ عِيَاذًا بالله! ـ وذَلِكَ بأنَّه لَوْ كَانَ «شَاعِرُ المَلْيُوْن» الَّذِي يُشَجِّعُوْنَهُ رَجُلاً فَاسِقًا أو عَاصِيًا أو مُنْحَرِفًا أو ضَالًّا، فَإنَّ كَثِيْرًا مِنَ أنْصَارِ وعُشَّاقِ هَذَا الشَّاعِرِ سَوْفَ يُحِبُّوْنَهُ، ويُنَاصِرُوْنَهُ، ويُسَاعِدُوْنَهُ بالقَوْلِ، والفِعْلِ، ورُبَّما يَمْنَحُوْنَهُ خَالِصَ مَوَدَّتِهم القَلْبِيَّةِ لأنَّهُ مِنْ قَبِيْلَتِهِم أو مِنْ إقْلِيْمِهِم، أو مِنْ دَوْلَتِهِم، بَيْنمَا يُكِنُّوْنَ شَيْئًا مِنَ البُغْضَ والاسْتِخْفَافِ والازْدِرَاءِ للشَّاعِرِ
الآخَرِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ قَبِيْلَتِهِم أو دَوْلَتِهِم، ولَوْ كَانَ صَالحًا أو أقَلَّ شَرًّا مِنْ شَاعِرِهِم!
فَكَيْفَ يَدَّعِي مَنْ هَذِهِ حَالُهُ حَقِيْقَةَ الوَلاءِ والبَرَاءِ، والله عز وجل يَقُوْلُ:(لا تَجِدُ قُوْمًا يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا أبَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)(المجادلة 22).
فإذَا كَانَ الآبَاءُ، والأبْنَاءُ الكُّفَّارُ المُحَادُّوْنَ لله ورَسُوْلِه، لا تَجُوْزُ مَوَدَّتُهم! فَكَيْفَ بِهَؤُلاءِ الشُّعَرَاءِ الَّذِيْنَ يَتَّبِعُهُم الغَاوُوْنَ الَّذِيْنَ هُمْ إلى الرَّكَاكَةِ واللَّحْنِ والفَسَادِ اللُّغَوِيِّ أقْرَبُ مِنْهُم إلى العَرَبِيَّةِ بَلْهَ الفُصْحَى؟!
* * *
لَقَدْ أصْبَحَتْ فَرْحَةُ مُشَجِّعِي «شَاعِرِ المَلْيُوْن» بانْتِصَارِهِم المَوْهُومِ المَزْعُوْمِ أعْظَمَ مَكَانَةً، وأجَلَّ قَدْرًا مِنَ الانْتِصَارِ على اليَهُوْدِ في فِلِسْطِيْنَ، وعلى الشِّيُوْعِيِّيْنَ في الشِّيْشَانِ، وعلى النَّصَارَى الصَّلِيْبِيِّيْنَ في أفغَانِسْتَانَ، وإرِتِرِيا، والفِلِبِّيْنَ، والعِرَاقِ، وعلى
الهِنْدَوْسِ الوَثَنِيِّيْنَ في كِشْمِيْرَ
…
كَمَا أنَّ هَزِيْمَتَهم أمَامَ أحَدِ الشُّعَرَاءِ أشَدُّ وَقْعًا مِنِ اغْتِصَابِ تِلْكَ الأمَاكِنِ، وتَشْرِيْدِ مَلايِيْنِ اللاجِئِيْنَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ!
إنَّ السَّوَادَ الأعْظَمَ مِنَ المُسْلِمِيْنَ قَدِ انْحَرَفُوا بِوَاجِبِ المُوَالاةِ والمُعَادَاةِ عَنْ مَنْهَجِهِ الصَّحِيْحِ، وبَدَءوا يُوَالُوْنَ، ويُعَادُوْنَ في قَضَايَا سَاذَجَةٍ تَافِهَةٍ هَزِيْلَةٍ، أشْبَهَ مَا تَكُوْنُ بِتَصَرُّفَاتٍ صِبْيَانِيَّةٍ، وهَذَا النَّمَطُ مِنَ التَّفْكِيْرِ مِنَ الأسْبَابِ الَّتِي أوْصَلَتَنا إلى مَا نَحْنُ فيه مِنْ ذِلَّهٍ، ومَهَانَةٍ، وقَطِيْعَةٍ.
فَعنْدَئِذٍ لا يَجُوْزُ للمُسْلِمِ أنْ يُحِبَّ شَاعِرًا، أو شَخْصًا، أو جَمَاعَةً، أو فِعْلًا، أو عَمَلاً مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِمَا يُحِبُّه الله، ورَسُوْلُه، ومُسْتَمِدًا مَحَبَّتَه مِنْ مَحَبَّتِهما، قَالَ تَعَالَى:(قُلْ إنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ)(آل عمران 31).
* * *
فالمُسْلِمُ بِحُكْمِ إيْمَانِه بالله تَعَالَى لا يُحِبُّ إلَاّ في الله، ولا يُبْغِضُ
إلَاّ في الله، ودَلِيْلُ هَذَا، الآيَةُ السَّابِقَةُ، وقَوْلُ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أحَبَّ لله، وأبْغَضَ لله، وأعْطَى لله، ومَنَعَ لله؛ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإيْمَانَ» (1) أحْمَدُ، وأبُو دَاوُدَ واللَّفْظُ لَهُ.
فَهَلْ بَعْدَ هذا؛ يَسْتَيْقِظُ شَيْشَاءُ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» مِنْ نَوْمِهِم، ويَنْتَبِهُ دُعَاةُ الشِّعْرِ «النَّبَطِيِّ» مِنْ غَفْلَتِهم، ويَرْعَوِي سِلْقَةُ الإعْلامِ عَنْ عَوِيِّهِم؟! أمْ (لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)(الحجر 72)؟!
* * *
- وأخَيْرًا؛ فَلْيَعْلَمْ أسَاطِيْنُ العُقُلاءِ مِنْ أمَّةِ الإسْلامِ هَذِهِ الحَقِيْقَةَ المُؤْلِمَةَ: وهِيَ أنَّهُم إذَا كَانُوا يُرِيْدُوْنَ مِنْ مُسَابَقَةِ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» كَمَا يَزْعُمُوْنَ: المُنَافَسَاتِ الشعرية بَيْنَ الشَّبَابِ؛ لَتَمْتِيْنِ العُلاقَاتِ، وتَعْمِيْقِ مَشَاعِرِ التَّآلُفِ بَيْنَهُم؛ فإنَّهم مَعَ الأسْفِ مُغَالِطُوْنَ لأنْفُسِهِم وللنَّاشِئَةِ؛ لأمُوْرٍ:
أوَّلاً: فإمَّا أنَّهم يَجْهَلُوْنَ مُسَابَقَةَ «شَاعِرِ المَلْيُوْن» ، ومَا تُفْرِزُهُ مِنْ مُوْبِقَاتٍ مُحَرَّمَةٍ ولاسِيَّما العُدْوَانِ على اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، والنَّعَرَاتِ
(1) أخْرَجَهُ أحمَدُ (3/ 440)، وأبو دَاوُدَ (4681)، والتِّرمِذِيُّ (2/ 85)، وهُوَ حَسَنٌ، انْظُرْ «السِّلْسِلَةَ الصَّحِيْحَةَ» للألْبَانيِّ (380).