المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌عطف النسق تال بحرف متبع عطف النسق … كاخصص بود وثناء - شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك - جـ ٣

[ابن عقيل]

الفصل: ‌ ‌عطف النسق تال بحرف متبع عطف النسق … كاخصص بود وثناء

‌عطف النسق

تال بحرف متبع عطف النسق

كاخصص بود وثناء من صدق

عطف النسق: هو التابع المتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف التي سنذكرها كاخصص بود وثناء من صدق فخرج بقوله المتوسط إلى آخره بقية التوابع.

فالعطف مطلقا بواو ثم فا

حتى أم أو كفيك صدق ووفا

ص: 224

حروف العطف على قسمين:

أحدهما: ما يشرك المعطوف مع المعطوف عليه مطلقا أي لفظا وحكما وهي الواو نحو جاء زيد وعمرو وثم نحو جاء زيد ثم عمرو والفاء نحو جاء زيد فعمرو وحتى نحو قدم الحجاج حتى المشاة وأم نحو أزيد عندك أم عمرو وأو نحو جاء زيد أو عمرو

والثاني: ما يشرك لفظا فقط وهو المراد بقوله:

وأتبعت لفظا فحسب بل ولا

لكن ك لم يبد أمرؤ لكن طلا

هذه الثلاثة تشرك الثاني مع الأول في إعرابه لا في حكمه نحو ما قام زيد بل عمرو وجاء زيد لا عمرو ولا تضرب زيدا لكن عمرا.

ص: 225

فاعطف بواو لاحقا أو سابقا

في الحكم أو مصاحبا موافقا

لما ذكر حروف العطف التسعة شرع في ذكر معانيها.

فالواو لمطلق الجمع عند البصريين فإذا قلت جاء زيد وعمرو دل ذلك على اجتماعهما في نسبة المجيء إليهما واحتمل كون عمرو جاء بعد زيد أو جاء قبله أو جاء مصاحبا له وإنما يتبين ذلك بالقرينة نحو جاء زيد وعمرو بعده وجاء زيد وعمرو قبله وجاء زيد وعمرو معه فيعطف بها اللاحق والسابق والمصاحب ومذهب الكوفيين أنها للترتيب ورد بقوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} .

ص: 226

واخصص بها عطف الذي لا يغنى

متبوعه كاصطف هذا وابنى

اختصت الواو من بين حروف العطف بأنها يعطف بها حيث لا يكتفى بالمعطوف عليه نحو اختصم زيد وعمرو ولو قلت اختصم زيد لم يجز ومثله اصطف هذا وابني وتشارك زيد وعمرو ولا يجوز أن يعطف في هذه المواضع بالفاء ولا بغيرها من حروف العطف فلا تقول اختصم زيد فعمرو

والفاء للترتيب باتصال

وثم للترتيب بانفصال

أي تدل الفاء على تأخر المعطوف عن المعطوف عليه متصلا به وثم على تأخره عنه منفصلا أي متراخيا عنه نحو جاء زيد فعمرو ومنه قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} وجاء زيد ثم عمرو ومنه قوله تعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} .

ص: 227

واخصص بفاء عطف ما ليس صله

على الذي استقر أنه الصلة

اختصت الفاء بأنها تعطف ما لا يصلح أن يكون صلة لخلوه عن ضمير الموصول على ما يصلح أن يكون صلة لاشتماله على الضمير نحو الذي يطير فيغضب زيد الذباب ولو قلت ويغضب زيد أو ثم يغضب زيد لم يجز لأن الفاء تدل على السببية فاستغني بها عن الرابط ولو قلت الذي يطير ويغضب منه زيد الذباب جاز لأنك أتيت بالضمير الرابط.

بعضا بحتى أعطف على كل ولا

يكون إلا غاية الذي تلا

ص: 228

يشترط في المعطوف بحتى أن يكون بعضا مما قبله وغاية له في زيادة أو نقص نحو مات الناس حتى الأنبياء وقدم الحجاج حتى المشاة.

وأم بها أعطف إثر همز التسويه

أو همزة عن لفظ أي مغنيه

أم على قسمين منقطعة وستأتي ومتصلة وهي التي تقع بعد همزة التسوية نحو سواء علي أقمت أم قعدت ومنه قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} والتي تقع بعد همزة مغنية عن أي نحو أزيد عندك أم عمرو أي أيهما عندك.

وربما أسقطت الهمزة إن

كان خفا المعنى بحذفها أمن

ص: 229

أي قد تحذف الهمزة يعني همزة التسوية والهمزة المغنية عن أي عند أمن اللبس وتكون أم متصلة كما كانت والهمزة موجودة ومنه قراءة ابن محيصن {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} بإسقاط الهمزة من أنذرتهم وقول الشاعر:

294 -

لعمرك ما أدرى وإن كنت داريا

بسبع رمين الجمر أم بثمان

أي أبسبع.

ص: 230

وبانقطاع وبمعنى بل وفت

إن تك مما قيدت به خلت

أي إذا لم يتقدم على أم همزة التسوية ولا همزة مغنية عن أي فهي منقطعة وتفيد الإضراب كبل كقوله تعالى: {لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي بل يقولون أفتراه ومثله إنها لإبل أم شاء أي بل هي شاء.

خير أبح قسم بأو وأبهم

وأشكك وإضراب بها أيضا نمى

ص: 231

أي تستعمل أو للتخيير نحو خذ من مالي درهما أو دينارا وللإباحة نحو جالس الحسن أو ابن سيرين والفرق بين الإباحة والتخيير أن الإباحة لا تمنع الجمع والتخيير يمنعه وللتقسيم نحو الكلمة اسم أو فعل أو حرف وللإبهام على السامع نحو جاء زيد أو عمرو إذا كنت عالما بإلجائي منهما وقصدت الإبهام على السامع ومنه قوله تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} وللشك نحو جاء زيد أو عمرو إذا كنت شاكا في إلجائي منهما وللإضراب كقوله:

295 -

ماذا ترى في عيال قد برمت بهم

لم أحص عدتهم إلا بعداد

ص: 232

كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية

لولا رجاؤك قد قتلت أولادي

أي بل زادوا.

وربما عاقبت الواو إذا

لم يلف ذو النطق للبس منفذا

قد تستعمل أو بمعنى الواو عند أمن اللبس كقوله:

296 -

جاء الخلافة أو كانت له قدرا

كما أتى ربه موسى على قدر

ص: 233

ومثل أو في القصد إما الثانية

في نحو إما ذي وإما النائية

يعني أن إما المسبوقة بمثلها تفيد ما تفيده أو من التخيير نحو خذ من مالي إما درهما وإما دينارا والإباحة نحو جالس إما الحسن وإما ابن سيرين والتقسيم نحو الكلمة إما اسم وإما فعل وإما حرف والإبهام والشك نحو جاء إما زيد وإما عمرو وليست إما هذه عاطفة خلافا لبعضهم وذلك لدخول الواو عليها وحرف العطف لا يدخل على حرف العطف.

ص: 234

وأول لكن نفيا أو نهيا ولا

نداء أو أمرا أو إثباتا تلا

أي إنما يعطف بلكن بعد النفي نحو ما ضربت زيدا لكن عمرا وبعد النهي نحو لا تضرب زيدا لكن عمرا ويعطف بلا بعد النداء نحو يا زيد لا عمرو والأمر نحو اضرب زيدا لا عمرا وبعد الإثبات نحو جاء زيد لا عمرو ولا يعطف بلا بعد النفي نحو ما جاء زيد لا عمرو ولا يعطف بلكن في الإثبات نحو جاء زيد لكن عمرو.

وبل كلكن بعد مصحوبيها

كلم أكن في مربع بل تيها

ص: 235

وانقل بها للثان حكم الأول

في الخبر المثبت والأمر الجلي

يعطف ببل في النفي والنهي فتكون كلكن في أنها تقرر حكم ما قبلها وتثبت نقيضه لما بعدها نحو ما قام زيد بل عمرو ولا تضرب زيدا بل عمرا فقررت النفي والنهي السابقين وأثبتت القيام لعمرو والأمر بضربه.

ويعطف بها في الخبر المثبت والأمر فتفيد الإضراب عن الأول وتنقل الحكم إلى الثاني حتى يصير الأول كأنه مسكوت عنه نحو قام زيد بل عمرو واضرب زيدا بل عمرا.

وإن على ضمير رفع متصل

عطفت فافصل بالضمير المنفصل

ص: 236

أو فاصل ما وبلا فصل يرد

في النظم فاشيا وضعفه اعتقد

إذا عطفت على ضمير الرفع المتصل وجب أن تفصل بينه وبين ما عطفت عليه بشيء ويقع الفصل كثيرا بالضمير المنفصل نحو قوله تعالى: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} فقوله وآباؤكم معطوف على الضمير في كنتم وقد فصل بأنتم وورد أيضا الفصل بغير الضمير وإليه أشار بقوله أو فاصل ما وذلك كالمفعول به نحو أكرمتك وزيد ومنه قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ} فمن معطوف على الواو في يدخلونها وصح ذلك للفصل بالمفعول به وهو الهاء من يدخلونها ومثله الفصل بلا النافية كقوله تعالى: {مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} فآباؤنا معطوف على نا وجاز ذلك للفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بلا

ص: 237

والضمير المرفوع المستتر في ذلك كالمتصل نحو أضرب أنت وزيد ومنه قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} فزوجك معطوف على الضمير المستتر في أسكن وصح ذلك للفصل بالضمير المنفصل وهو أنت.

وأشار بقوله وبلا فصل يرد إلى أنه قد ورد في النظم كثيرا العطف على الضمير المذكور بلا فصل كقوله

297 -

قلت إذ أقبلت وزهر تهادى

كنعاج الفلا تعسفن رملا

فقوله: وزهر معطوف على الضمير المستتر في أقبلت.

ص: 238

وقد ورد ذلك في النثر قليلا حكى سيبويه رحمه الله تعالى مررت برجل سواء والعدم برفع العدم بالعطف على الضمير المستتر في سواء وعلم من كلام المصنف أن العطف على الضمير المرفوع المنفصل لا يحتاج إلى فصل نحو زيد ما قام إلا هو وعمرو وكذلك الضمير المنصوب المتصل والمنفصل نحو زيد ضربته وعمرا وما أكرمت إلا إياك وعمرا وأما الضمير المجرور فلا يعطف عليه إلا بإعادة الجار له نحو مررت بك وبزيد ولا يجوز مررت بك وزيد.

هذا مذهب الجمهور وأجاز ذلك الكوفيون واختاره المصنف وأشار إليه بقوله.

وعود خافض لدى عطف على

ضمير خفض لازما قد جعلا

وليس عندي لازما إذ قد أتى

في النثر والنظم الصحيح مثبتا

ص: 239

أي جعل جمهور النحاة إعادة الخافض إذا عطف على ضمير الخفض لازما ولا أقول به لورود السماع نثرا ونظما بالعطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض فمن النثر قراءة حمزة {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} بجر الأرحام عطفا على الهاء المجرورة بالباء ومن النظم ما أنشده سيبويه رحمه الله تعالى:

298 -

فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا

فاذهب فما بك والأيام من عجب

بجر الأيام عطفا على الكاف المجرورة بالباء.

ص: 240

والفاء قد تحذف مع ما عطفت

والواو إذ لا لبس وهي انفردت

بعطف عامل مزال قد بقى

معموله دفعا لوهم أتقى

ص: 241

قد تحذف الفاء مع معطوفها للدلالة ومنه قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} أي فأفطر فعليه عدة من أيام أخر فحذف أفطر والفاء الداخلة عليه وكذلك الواو ومنه قولهم راكب الناقة طليحان أي راكب الناقة والناقة طليحان.

وانفردت الواو من بين حروف العطف بأنها تعطف عاملا محذوفا بقي معموله ومنه قوله:

299 -

إذا ما الغانيات برزن يوما

وزججن الحواجب والعيونا

ص: 242

فالعيون مفعول بفعل محذوف والتقدير وكحلن العيون والفعل المحذوف معطوف على زججن

وحذف متبوع بدا هنا استبح

وعطفك الفعل عل الفعل يصح

قد يحذف المعطوف عليه للدلالة عليه وجعل منه قوله تعالى {أفلم تكن آياتي تتلى عليكم} قال الزمخشري التقدير ألم تأتكم آياتي فلم تكن تتلى عليكم فحذف المعطوف عليه وهو ألم تأتكم

ص: 243

وأشار بقوله وعطفك الفعل إلى آخره إلى أن العطف ليس مختصا بالأسماء بل يكون فيها وفي الأفعال نحو يقوم زيد ويقعد وجاء زيد وركب واضرب زيدا وقم

واعطف على اسم شبه فعل فعلا

وعكسا استعمل تجده سهلا

يجوز أن يعطف الفعل على الاسم المشبه للفعل كاسم الفاعل ونحوه ويجوز أيضا عكس هذا وهو أن يعطف على الفعل الواقع موقع الاسم أسم فمن الأول قوله تعالى: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} وجعل منه قوله تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ} ومن الثاني قوله:

300 -

فألفيته يوما يبير عدوه

ومجر عطاء يستحق المعابرا

ص: 244

وقوله:

301 -

بات يغشيها بعضب باتر

يقصد في أسوقها وجائر

فمجر معطوف على يبير وجائر معطوف على يقصد.

ص: 245