المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نعم وبئس وما جرى مجراهما - شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك - جـ ٣

[ابن عقيل]

الفصل: ‌نعم وبئس وما جرى مجراهما

‌نعم وبئس وما جرى مجراهما

فعلان غير متصرفين

نعم وبئس رافعان اسمين

مقارنى أل أو مضافين لما

قارنها ك عقبى الكرما

ويرفعان مضمرا يفسره

مميز ك نعم قوما معشره

مذهب جمهور النحويين أن نعم وبئس فعلان بدليل دخول تاء التأنيث الساكنة عليهما نحو نعمت المرأة هند وبئست المرأة دعد وذهب جماعة من الكوفيين ومنهم الفراء إلى أنهما اسمان واستدلوا بدخول حرف الجر عليهما في قول بعضهم نعم السير على بئس العير وقول

ص: 160

الآخر: والله ما هي بنعم الولد نصرها بكاء وبرها سرقة وخرج على جعل نعم وبئس مفعولين لقول محذوف واقع صفة لموصوف محذوف وهو المجرور بالحرف لا نعم وبئس والتقدير نعم السير على غير مقول فيه بئس العير وما هي بولد مقول فيه نعم الولد فحذف الموصوف والصفة وأقيم المعمول مقامهما مع بقاء نعم وبئس على فعليتهما وهذان الفعلان لا يتصرفان فلا يستعمل منهما غير الماضي ولا بد لهما من مرفوع هو الفاعل وهو على ثلاثة أقسام:

الأول: أن يكون محلى بالألف واللام نحو نعم الرجل زيد ومنه قوله تعالى: {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} واختلف في هذه اللام فقال قوم هي للجنس حقيقة فمدحت الجنس كله من أجل زيد ثم خصصت زيدا بالذكر فتكون قد مدحته مرتين وقيل هي للجنس مجازا وكأنك قد جعلت زيدا الجنس كله مبالغة وقيل هي للعهد

الثاني: أن يكون مضافا إلى ما فيه أل كقوله نعم عقبى الكرما ومنه قوله تعالى: {وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ}

الثالث: أن يكون مضمرا مفسرا بنكرة بعده منصوبة على التمييز نحو

ص: 161

نعم قوما معشره ففي نعم ضمير مستتر يفسره قوما ومعشره مبتدأ وزعم بعضهم أن معشره مرفوع بنعم وهو الفاعل ولا ضمير فيها وقال بعض هؤلاء إن قوما حال وبعضهم إنه تمييز ومثل نعم قوما معشره قوله تعالى: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} وقول الشاعر:

273 -

لنعم موئلا المولى إذا حذرت

بأساء ذي البغى واستيلاء ذي الإحن

وقول الآخر:

274 -

تقول عرسى وهي لي في عومره

بئس أمرأ وإنني بئس المره

ص: 162

وجمع تميز وفاعل ظهر

فيه خلاف عنهم قد اشتهر

اختلف النحويون في جواز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر في نعم وأخواتها فقال قوم لا يجوز ذلك وهو المنقول عن سيبويه فلا تقول نعم الرجل رجلا زيد وذهب قوم إلى الجواز واستدلوا بقوله:

ص: 163

275 -

والتغلبيون بئس الفحل فحلهم

فحلا وأمهم زلاء منطيق

وقوله:

276 -

تزود مثل زاد أبيك فينا

فنعم الزاد زاد أبيك زادا

ص: 164

وفصل بعضهم فقال إن أفاد التمييز فائدة زائدة على الفاعل جاز الجمع بينهما نحو نعم الرجل فارسا زيد وإلا فلا نحو نعم الرجل رجلا زيد فإن كان الفاعل مضمرا جاز الجمع بينه وبين التمييز اتفاقا نحو نعم رجلا زيد

وما مميز وقيل فاعل

في نحو

ص: 165

نعم ما يقول الفاضل

تقع ما بعد نعم وبئس فتقول نعم ما أو نعما وبئس ما ومنه قوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} وقوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} .

واختلف في ما هذه فقال قوم هي نكرة منصوبة على التمييز وفاعل نعم ضمير مستتر وقيل هي الفاعل وهي اسم معرفة وهذا مذهب ابن خروف ونسبه إلى سيبويه.

ويذكر المخصوص بعد مبتدأ

أو خبر أسم ليس يبدو أبدا

يذكر بعد نعم وبئس وفاعلهما اسم مرفوع هو المخصوص بالمدح

ص: 166

أو الذم وعلامته أن يصلح لجعله مبتدأ وجعل الفعل والفاعل خبرا عنه نحو نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمرو ونعم غلام القوم زيد وبئس غلام القوم عمرو ونعم رجلا زيد وبئس رجلا عمرو وفي إعرابه وجهان مشهوران

أحدهما: أنه مبتدأ والجملة قبله خبر عنه

والثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف وجوبا والتقدير هو زيد وهو عمرو أي الممدوح زيد والمذموم عمرو ومنع بعضهم الوجه الثاني وأوجب الأول وقيل هو مبتدأ خبره محذوف والتقدير زيد الممدوح.

وإن يقدم مشعر به كفى

كـ "العلم نعم المقتنى والمقتفى"

إذا تقدم ما يدل على المخصوص بالمدح أو الذم أغنى عن ذكره آخرا كقوله تعالى: في أيوب {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي نعم العبد أيوب فحذف المخصوص بالمدح وهو أيوب لدلالة ما قبله عليه.

ص: 167

واجعل كبئس "ساء" واجعل فعلا

من ذي ثلاثة كنعم مسجلا

تستعمل ساء في الذم استعمال بئس فلا يكون فاعلها إلا ما يكون فاعلا لبئس وهو المحلى بالألف واللام نحو ساء الرجل زيد والمضاف إلى ما فيه الألف واللام نحو ساء غلام القوم زيد والمضمر المفسر بنكرة بعده نحو ساء رجلا زيد ومنه قوله تعالى: {سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا} ويذكر بعدها المخصوص بالذم كما يذكر بعد بئس وإعرابه كما تقدم.

وأشار بقوله واجعل فعلا إلى أن كل فعل ثلاثي يجوز أن يبنى منه فعل على فعل لقصد المدح أو الذم ويعامل معاملة نعم وبئس في جميع ما تقدم لهما من الأحكام فتقول شرف الرجل زيد ولؤم الرجل بكر وشرف غلام الرجل زيد وشرف رجلا زيد.

ومقتضى هذا الإطلاق أنه يجوز في علم أن يقال علم الرجل زيد بضم عين الكلمة وقد مثل هو وابنه به وصرح غيره أنه لا يجوز تحويل علم وجهل وسمع إلى فعل بضم العين لأن العرب حين استعملتها هذا الاستعمال أبقتها على كسرة عينها ولم تحولها إلى الضم فلا يجوز لنا

تحويلها

ص: 168

بل نبقيها على حالها كما أبقوها فتقول علم الرجل زيد وجهل الرجل عمرو وسمع الرجل بكر.

ومثل نعم حبذا الفاعل ذا

وإن ترد ذما فقل لا حبذا

يقال في المدح حبذا زيد وفي الذم لا حبذا زيد كقوله:

277 -

ألا حبذا أهل الملا غير أنه

إذا ذكرت مى فلا حبذا هيا

ص: 169

واختلف في إعرابها فذهب أبو علي الفارسي في البغداديات وابن برهان وابن خروف وزعم أنه مذهب سيبويه وأن من نقل عنه غيره فقد أخطأ عليه واختاره المصنف إلى أن حب فعل ماض وذا فاعله وأما المخصوص فجوز أن يكون مبتدأ والجملة قبله خبره وجوز أن يكون خبرا لمبتدإ محذوف وتقديره هو زيد أي الممدوح أو المذموم زيد واختاره المصنف

وذهب المبرد في المقتضب وابن السراج في الأصول وابن هشام اللخمى واختاره ابن عصفور إلى أن حبذا اسم وهو مبتدأ والمخصوص خبره أو خبر مقدم والمخصوص مبتدأ مؤخر فركبت حب مع ذا وجعلتا اسما واحدا

ص: 170

وذهب قوم منهم ابن درستويه إلى أن حبذا فعل ماض وزيد فاعله فركبت حب مع ذا وجعلتا فعلا وهذا أضعف المذاهب.

وأول ذا المخصوص أيا كان لا

تعدل بذا فهو يضاهى المثلا

أي أوقع المخصوص بالمدح أو الذم بعد ذا على أي حال كان من الإفراد والتذكير والتأنيث والتثنية والجمع ولا تغير ذا لتغير المخصوص بل يلزم الإفراد والتذكير وذلك لأنها أشبهت المثل والمثل لا يغير فكما تقول الصيف ضيعت اللبن للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع بهذا اللفظ تقول حبذا زيد وحبذا هند والزيدان والهندان والزيدون والهندات فلا تخرج ذا عن الإفراد والتذكير ولو خرجت لقيل حبذي هند وحبذان الزيدان وحبتان الهندان وحب أولئك الزيدون أو الهندات.

ص: 171

وما سوى ذا أرفع بحب أو فجر

بالبا ودون ذا انضمام الحا كثر

يعني أنه إذا وقع بعد حب غير ذا من الأسماء جاز فيه وجهان: الرفع بحب نحو حب زيد والجر بباء زائدة نحو حب بزيد وأصل حب حبب ثم أدغمت الباء في الباء فصار حب ثم إن وقع بعد حب ذا وجب فتح الحاء فتقول حب ذا وإن وقع بعدها غير ذا جاز ضم الحاء وفتحها فتقول حب زيد وحب زيد وروى بالوجهين قوله:

278 -

فقلت أقتلوها عنكم بمزاجها

وحب بها مقتولة حين تقتل

ص: 172