الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمالة:
[حقيقتها، فائدتها، حكمها] :
وتسمى الكسر، والبطح، والاضطجاع.
وقدمها في التسهيل والكافية على الوقف، وما هنا أنسب؛ لأن أحكامه أهم.
والنظر في حقيقتها، وفائدتها، وحكمها، ومحلها، وأصحابها، وأسبابها.
أما حقيقتها فأن يُنْحَى بالفتحة نحو الكسرة؛ فتميل الألف إن كان بعدها ألف نحو الياء.
وأما فائدتها فاعلم أن الغرض الأصلي منها هو التناسب، وقد ترد للتنبيه على أصل أو غيره كما سيأتي.
وأما حكمها فالجواز.
وأسبابها الآتية مجوزة لها، ولا موجبة، وتعبير أبي علي ومن تبعه عنها بالموجبات تَسَمُّح، فكل مُمَال يجوز فتحه.
[محلها، أصحابها، أسبابها] :
وأما محلها فالأسماء المتمكنة1 والأفعال، هذا هو الغالب، وسيأتي التنبية على ما أميل من غير ذلك.
1 أي المعربة.
وأما أصحابها فتميم ومن جاورهم من سائر أهل نجد كأسد وقيس، وأما أهل الحجاز فيفخمون بالفتح، وهو الأصل، ولا يميلون إلا في مواضع قليلة.
وأما أسبابها فقسمان: لفظي، ومعنوي، فاللفظي: الياء والكسرة، والمعنوي: الدلالة على ياء أو كسرة.
وجملة أسباب إمالة الألف –على ما ذكره المصنف- ستة؛ الأول انقلابها عن الياء، الثاني: مالها إلى الياء، الثالث: كونها بدل عين ما يقال فيه فلت، الرابع: ياء قبلها أو بعدها، الخامس: كسرة قبلها أو بعدها، السادس: التناسب. وهذه الأسباب كلها راجعة إلى الياء والكسرة. واختلف في أيهما أقوى؛ فذهب الأكثرون إلى أن الكسرة أقوى من الياء وأدعى إلى الإمالة، وهو ظاهر كلام سيبويه؛ فإنه قال في الياء: لأنها بمنزلة الكسرة؛ فجعل الكسرة أصلا، وذهب ابن السراج إلى أن الياء أقوى من الكسرة، والأول أظهر لوجهين؛ أحدهما: أن اللسان يتسفل بها أكثر من تسفله بالياء، والثاني أن سيبويه ذكر أن أهل الحجاز يميلون الألف للكسرة، وذكر في الياء أن أهل الحجاز وكثيرا من العرب لا يميلون للياء، فدل هذا من جهة النقل أن الكسرة أقوى.
وقد أشار المصنف إلى السبب الأول بقوله:
900-
الأَلِفَ المُبْدَلَ مِنْ يَا فِي طَرَفْ
…
أَمِلْ كَذَا الْوَاقِعُ مِنْهُ اليَا خَلَفْ
901-
دُوْنَ مَزِيْدٍ أوْ شُذُوذٍ، ولما
…
وَلِمَا تَلِيْهِ هَا التَّأْنِيْثِ مَا الهَا عَدِمَا
"الألف المبدل من يا في طرف أمل" أي سواء في ذلك طرف الاسم، نحو: مرمى، والفعل، نحو: رمى. واحترز بقوله "في طرف" من الكائنة عينا، وسيأتي حكمها.
وأشار إلى السبب الثاني بقوله: "كَذَا الْوَاقِعُ مِنْهُ اليَا خَلَفْ دون مزيد أو شذوذ" أي تمال الألف إذا كانت صائرة إلى الياء دون زيادة ولا شذوذ، وذلك ألف نحو:"مغزى وملهى" من كل ذي ألف متطرفة زائدة على الثلاثة، ونحو:"حبلى وسكرى" من كل ما آخره ألف تأنيث مقصورة فإنها تمال لأنها تؤول إلى الياء في التثنية والجمع، فأشبهت الألف المنقلبة عن الياء.
واحترز بقوله: "دون مزيد" من رجوع الألف إلى الياء بسبب زيادة كقولهم في تصغير
قَفَا قُفَيّ، وفي تكسيره قُفِيٌّ؛ فلا يمال "قفا" لذلك.
واحترز بقوله: "أو شذوذ" من قلب الألف ياء في الإضافة إلى ياء المتكلم في لغة هذيل؛ فإنهم يقولون في عصا وقفا: عصي وقفي، ومن قلب الألف ياء في الوقف عند بعض طيئ، نحو: عصي وقفي؛ فلا تسوغ الإمالة لأجل ذلك.
و"خلف" في كلامه حال من الياء، ووقف عليه بالسكون لأجل النظم، ويجوز في الاختيار على لغة ربيعة.
تنبيهات: الأول: هذا السبب الثاني هو أيضا في الألف الواقع طرفا كالأول.
الثاني: قد علم مما تقدم أن نحو "قفا" و"عصا" من الاسم الثلاثي لا يمال؛ لأن ألفه عن واو ولا يؤول إلى الياء إلا في شذوذ أو بزيادة، وقد سمعت إمالة "العشا" مصدر الأعشى وهو الذي لا يبصر ليلا ويبصر نهارا، و"المكا" بالفتح وهو جحر الثعلب والأرنب، و"الكبا" بالكسر الكناسة، وهذه من ذوات الواو؛ لقولهم "ناقة عشواء" وقولهم:"المكو والمكوة" بمعنى المكا، وقولهم:"كبوت البيت" إذا كنسته، والألفاظ الثلاثة مقصورة، وهذا شاذ.
لا يقال لعل إمالة "الكبا" لأجل الكسرة، فلا تكون شاذة؛ لأن الكسرة لا تؤثر في المنقلبة عن واو، وأما "الربا" فإمالتهم له –وهو من ربا يربو- لأجل الكسرة من الراء، وهو مسموع مشهور، وقد قرأ به الكسائي وحمزة.
الثالث: يجوز إمالة الألف، في نحو:"دعا وغزا" من الفعل الثلاثي وإن كانت عن واو؛ لأنها تؤول إلى الياء في نحو: "دعي وغزي" من المبني للمفعول، وهو عند سيبويه مطرد، وبهذا ظهر الفرق بين الاسم الثلاثي والفعل الثلاثي إذا كانت ألفهما عن واو. وقال أبو العباس وجماعة من النحاة: إمالة ما كان من ذوات الواو على ثلاثة أحرف، نحو: دعا وغزا قبيحة، وقد تجوز على بعد، انتهى.
وأشار بقوله: "ولما * تليه ها التأنيث ما الها عدما" إلى أن للألف التي قبل هاء التأنيث، في نحو:"مرماة وفتاة" –من الإمالة؛ لكونها منقلبة عن الياء- ما للألف المتطرفة؛ لأن هاء التأنيث غير معتد بها، فالألف قبلها متطرفة تقديرا.
وأشار إلى السبب الثالث بقوله:
902-
وَهكَذَا بَدَلُ عَيْن الفِعْلِ إنْ
…
يَؤُلْ إلى فِلْتُ كَمَاضِي خَف
"وهكذا بدل عين الفعل إن يؤل إلى فلت" أي تمال الألف أيضا إذا كانت بدلا من عين فعل تكسر فاؤه حين يسند إلى هاء الضمير، سواء كانت تلك الألف منقلبة عن واو مكسورة "كماضي خف" وكذ وهو خاف وكاد، أم عن ياء، نحو: ماضي بع "ودن" وهو باع ودان؛ فإنك تقول فيها: خفت وكدت وبعت ودنت، فيصيران في اللفظ على وزن فلت، والأصل فعلت، فحذفت العين وحركت الفاء بحركتها. وهذا واضح في الأولين، وأما الأخيران فقيل: يقدر تحويله إلى فعل بكسر العين، ثم تنقل الحركة، هذا مذهب كثير من النحويين، وقيل: لما حذفت العين حركت الفاء بكسرة مجتلبة للدلالة على أن العين ياء، ولبيان ذلك موضع غير هذا.
واحترز بقوله: "إن يؤل إلى فلت" من نحو: "صال وقال" فإنه لا يؤول إلى "فلت" بالكسر، وإنما يؤول إلى "فلت" بالضم، نحو؛ طلت وقلت.
والحاصل أن الألف التي هي عين الفعل تمال أن كانت عن ياء مفتوحة، نحو: دان، أو مكسورة، نحو: هاب، أو عن واو مكسورة، نحو: خاف، فإن كانت عن واو مضمومة، نحو: طال أو مفتوحة، نحو: قال: لم تمل.
تنبيهات: الأول: اختلف في سبب إمالة نحو خاف وطاب، فقال السيرافي وغيره: إنها للكسرة العارضة في فاء الكلمة، ولهذا جعل السيرافي من أسباب الإمالة كسرة تعرض في بعض الأحوال، وهو ظاهر كلام الفارسي، قال: وأمالوا "خاف وطاب" مع المستعلي طلبا للكسر في "خفت"، وقال ابن هشام الخضراوي: الأولى أن الإمالة في "طاب" لأن الألف فيه منقلبة عن ياء، وفي "خاف" لأن العين مكسورة، أرادوا الدلالة على الياء والكسرة.
الثاني: نقل عن بعض الحجازيين إمالة نحو: "خاف"، و"طاب" وفاقا لبني تميم، وعامتهم يفرقون بين ذوات الواو، نحو:"خاف" فلا يميلون، وبين ذوات الياء، نحو:"طاب" فيميلون.
الثالث: أفهم قولهم "بدل عين الفعل" أن بدل عين الاسم لا تمال مطلقا، وفصل صاحب المفصل بين ما هي عن ياء، نحو:"ناب وعاب" بمعنى العيب فيجوز، وبين ما هي
عن واو، نحو:"باب ودار" فلا يجوز، لكنه ذكر بعد ذلك فيما شد عن القياس إمالة "عاب"، وصرح بعضهم بشذوذ إمالة الألف المنقلبة عن ياء عينا في اسم ثلاثي، وهو ظاهر كلام سيبويه، وصرح ابن إياز في شرح فصول ابن معط بجواز إمالة المنقلبة عن الواو المكسورة، كقولهم "رجل مال" أي: كثير المال، و"نال" أي: عظيم العطية، والأصل مول ونول، وهما من الوادي؛ لقولهم: أموال، وتمول، والنوال، وانكسار الواو لأنها صفتان مبنيتان للمبالغة، والغلب على ذلك كسر العين.
وأشار إلى السبب الرابع بقوله:
903-
كَذَاكَ مَا يَلِيْهِ كَسْرٌ أوْ يَلِي
…
تَالِيَ كَسْرٍ أوْ سُكُوْنٍ
904-
كَذَاكَ تَالِي اليَاءِ وَالْفَصْلُ اغْتُفِرْ
…
بِحَرْفٍ أوْ مَعْ هَا كَجَيْبَهَا أَدِرْ
أي: تمال الألف التي تتلو ياء أي تتبعها: متصلة بها، نحو:"سيال" بفتحتين لضرب من شجر العضاه، أو منفصله بحرف، نحو:"شيبان" أو بحرفين ثانيهما هاء، نحو:"جيبها أدر" فإن كانت منفصلة بحرفين ليس أحدهما هاء، أو أكثر من حرفين؛ امتنعت الإمالة.
تنبيهات: الأول: إنما اغتفر الفصل بالهاء لخفائها فلم تعد حاجزًا.
الثاني: قال في التسهيل "أو حرفين ثانيهما هاء" وقال هنا "أو مع ها" فلم يقيد بكون الهاء ثانية، وكذا فعل في الكافية، والظاهر جواز إمالة "هاتان شويهتاك" لما سيأتي م أن فضل الهاء كلا فصل، وإذا كانت الهاء ساقطة من الاعتبار فشويهتاك مساو لنحو شيبان.
الثالث: أطلق قوله "أو مع ها" وقيد غيره بأن لا يكون قبل الهاء ضمة، نحو:"هذا جيبها"؛ فإنه لا يجوز فيه الإمالة.
الرابع: الإمالة للياء المشددة، في نحو:"بياع" أقوى منها في نحو: سيال، والإمالة للياء الساكنة، في نحو:"شيبان" أقوى منها، في نحو:"حيوان".
الخامس: قد سبق أن من أسباب الإمالة وقوع الياء قبل الألف أو بعدها، ولم يذكر هنا إمالة الألف لياء بعدها، وذكرها في الكافية والتسهيل، وشرطها إذا وقعت بعد الألف أن
تكون متصلة، نحو:"بايعته، وسايرته" ولم يذكر سيبويه إمالة الألف للياء بعدها، وذكرها ابن الدهان وغيره.
وأشار إلى السبب الخامس بقوله:
905-
كَسْرًا وَفَصْلُ الهَا كَلَا فَصْلٍ يُعَدْ
…
فَدِرْهَمَاكَ مَنْ يُمِلْهُ لَمْ يُصَدْ
"كذاك ما يليه كسرا أو يلي تالي كسر أو سكون" أي أو يلي تالي سكون "قد ولي كسرا، وفضل الها كلا فصل يعد فدرهماك من يمله لم يصد" أي كذا تمال الألف إذا وليها كسرة، نحو:"عالم ومساجد"، أو وقعت بعد حرف يلي كسرة نحو "كتاب"، أو بعد حرفين وليا كسرة أولهما ساكن نحو "شملال"، أو كلاهما متحرك ولكن أحدهما هاء نحو:"يريد أن يضربها"، أو ثلاثة أحرف أولها ساكن وثانيها هاء، نحو:"هذان درهماك"، وهذا والذي قبله مأخوذان من قوله:"وفصل الها كلا فصل يعد" فإنه إذا سقط اعتبار الهاء من الفصل ساوى "أن يضربها" نحو "كتاب" و"درهماك" نحو "شملال". وفهم من كلامه أن الفصل إذا كان بغير ما ذكر لم يجز الإمالة.
تنبيه: أطلق في قوله "وفصل الها كلا فصل"، وقيده غيره بأن لا ينضم ما قبلها، احترازا من نحو "هو يضربها"؛ فإنه لا يمال، وقد تقدم مثله في الياء.
[موانع الإمالة] :
ولما فرغ من ذكر الغالب من أسباب الإمالة شرع في ذكر موانعها فقال:
906-
وَحَرْفُ الاِسْتِعْلَا يَكُفُّ مُظْهَرَا
…
مِنْ كَسْرٍ أوْ يَا وكَذَا تَكُفُّ رَا
"وحرف الاستعلاء يكف مظهرا" أي يمنع تأثير سبب الإمالة الظاهرة "من كسر أو يا، وكذا تكف را" يعني أن موانع الإمالة ثمانية أحرف، منها سبعة تسمى أحرف الاستعلاء،
وهي ما في أوائل هذه الكلمات: قد صاد ضرار غلام خالي طلحة ظليما، والثامن الراء غير المكسورة؛ فهذه الثمانية تمنع إمالة الألف، وتكف تأثير سببها إذا كان كسرة ظاهرة على تفصيل يأتي:
وعلة ذلك أن السبعة الأولى تستعلي إلى الحنك فلم تمل الألف معها طلبا للمجانسة، وأما الراء فشبهت بالمستعلية؛ لأنها مكررة.
وقيد بالمظهر للاحتراز من السبب المنوي فإنها لا تمنعه؛ فلا يمنع حرف الاستعلاء إمالة الألف في نحو "هذا قاض" في الوقف، ولا "هذا ماص" أصله: ماصص، ولا إمالة باب "خاف وطاب" كما سبق.
تنبيهات: الأول: قوله "أويا" تصريح بأن حرف الاستعلاء والراء غير المكسورة تمنع الإمالة إذا كان سببها ياء ظاهرة، وقد صرح بذلك في التسهيل والكافية، لكنه قال في التسهيل: الكسرة والياء الموجودتين، وفي شرح الكافية: الكسرة الظاهرة والياء الموجودة ولم يمثل لذلك، وما قاله في الياء غير معروف في كلامهم، بل الظاهر جواز إمالة، نحو: طغيان وصياد وعريان وريان؛ وقد قال أبو حيان: لم نجد ذلك، يعني كف حرف الاستعلاء والراء في الياء، وإنما يمنع مع الكسرة فقط.
الثاني: إنما يكف المستعلي إمالة الاسم خاصة. قال الجزولي: ويمنع المستعلي إمالة الألف في الاسم، ولا يمنع في الفعل، من ذلك نحو: طاب وبغى، وعلته أن الإمالة في الفعل تقوى ما لا تقوى في الاسم، ولذلك لم ينظر إلى أن ألفه من الياء أو من الواو، بل أميل مطلقا.
الثالث: إنما لم يقيد الراء بغير المكسورة للعلم بذلك من قوله بعد "وكف مستعل ورا ينكف، بكسرا را".
وأشار بقوله:
907-
"
إنْ كَانَ مَا يَكُفُّ بَعْدُ مُتَّصِلْ
…
أوْ بَعْدَ حَرْفٍ أَوْ بِحَرْفَيْنِ فُصِلْ
إلى أنه إذا كان المانع المشار إليه –وهو حرف الاستعلاء أو الراء- متأخرا عن الألف؛ فشرطه أن يكون متصلا، نحو:"فاقد، وناصح، وباطل، وباخل"، ونحو: "هذا عذارك،
ورأيت عذارك" أو منفصلا بحرف، نحو: "منافق، ونافخ، وناشط"، ونحو: "هذا عاذرك، ورأيت عاذرك"، أو بحرفين، نحو: "مواثيق، ومنافيخ، ومواعيظ"، ونحو: "هذه دنانيرك، ورأيت دنانيرك". أما المتصل والمنفصل بحرف فقال سيبويه: لا يميلهما أحد إلا من لا يؤخذ بلغته. وأما المنفصل بحرفين فنقل سيبويه إمالته عن قوم من العرب لتراخي المانع، قال سيبويه: وهي لغة قليلة، وجزم المبرد بالمنع في ذلك، وهو محجوج بنقل سيبويه.
وقد فهم مما سبق أن حرف الاستعلاء أو الراء لو فصل بأكثر من حرفين لم يمنع الإمالة، وفي بعض نسخ التسهيل الموثوق بها "وربما غلب المتأخر رابعا" ومثال ذلك "يريد أن يضر بها بسوط" فبعض العرب يغلب في ذلك حرف الاستعلاء وإن بعد.
وأشار بقوله:
908-
كَذَا إذَا قُدِّمَ مَا لَمْ يَنْكَسِرْ
…
أوْ يَسْكُنْ اثْرَ الْكَسْرِ كالمِطْوَاعِ مِرْ
إلى أن المانع المذكور إذا كان متقدما على الألف اشترط لمنعه أن لا يكون مكسورا، ولا ساكنا بعد كسرة؛ فلا تجوز الإمالة، في نحو:"طالب، وصالح، وغالب، وظالم، وقاتل، وراشد" بخلاف نحو: "طلاب، وغلاب، وقتال، ورجال"، ونحو:"إصلاح، ومقدام، ومطواع، وإرشاد".
تنبيهان: الأول: من أصحاب الإمالة من يمنع الإمالة في هذا النوع، وهو الساكن إثر الكسر؛ لأجل حرف الاستعلاء، ذكره سيبويه، ومقتضى كلامه في التسهيل والكافية أن الإمالة فيه وتركها على السواء، وعبارة الكافية:
كَذَا إذَا قُدِّمَ مَا لَمْ يَنْكَسِرْ
…
وخير أن سكن بعد منكسر
وقال في شرحها: وإن سكن بعد كسر جاز أن يمنع وأن لا يمنع، نحو: إصلاح، وهو يخالف ما هنا.
الثاني: ظاهر قوله "كذا إذا قدم" أنه يمنع ولو فصل عن الألف، والذي ذكره سيبويه وغيره أن ذلك إذا كانت الألف تليه، نحو: قاعد وصالح.
909-
وكَفُّ مُسْتَعْلٍ وَرَا يَنْكَفُّ
…
بِكَسْرِ رَا كَغارِماً ولَا أَجْفُو
يعني أنه إذا وقعت الراء المكسورة بعد الألف كفت مانع الإمالة، سواء كان حرف استعلاء، أو راء غير مسكورة؛ فيمال، نحو:{عَلَى أَبْصَارِهِمْ} 1، و"غارم، وضارب، وطارق"، ونحو:{دَارُ الْقَرَارِ} 2، ولا أثر فيه لحرف الاستعلاء، ولا للراء غير المكسورة؛ لأن الراء المكسورة غلبت المانع، وكفته عن المنع؛ فلم يبق له أثر.
تنبيهات: الأول: من هنا علم أن شرط كون الراء مانعة من الإمالة أن تكون غير مكسورة؛ لأن المكسورة مانعة للمانع؛ فلا تكون مانعة.
الثاني: فهم من كلامه جواز إمالة نحو: {إِلَى حِمَارِكَ} 3 بطريق الأولى؛ لأنه إذا كانت الألف تمال لأجل الراء المكسورة مع وجود المقتضى لترك الإمالة –وهي حرف الاستعلاء، أو الراء التي ليست مكسورة- فإمالتها مع عدم المقتضى لتركها أولى.
الثالث: قال في التسهيل: وربما أثرت –يعني الراء- منفصلة تأثيرها متصلة، وأشار بذلك إلى أن الراء إذا تباعدت عن الألف لم تؤثر إمالة في نحو:"بقادر" أي لا تكف مانعها وهو القاف، ولا تفخيما، في نحو:"هذا كافر" ومن العرب من لا يعتد بهذا التباعد؛ فيميل الأول ويفخم الثاني، ومن إمالة الأول قوله [من الطويل] :
1208-
عَسَى اللَّهُ يُغْنِي عَنْ بِلَادِ ابنِ قَادِرٍ
…
[بمنهمرٍ جَوْنِ الربابِ سَكُوبِ]
1 البقرة: 7.
2 غافر: 39.
3 البقرة: 259.
1208-
التخريج: البيت لهدبة بن الخشوم في ديوانه ص76؛ وخزانة الأدب 9/ 328؛ والكتاب 3/ 159، 4/ 139؛ ولسماعه النعامي في شرح أبيات سيبويه 2/ 141؛ وشرح التصريح 2/ 351؛ ولسان العرب 15/ 55 "عسا"، ولسماعة أو لرجل من باهلة في شرح الإيضاح ص620؛ وبلا نسبة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص678؛ وشرح المفصل 7/ 117؛ 9/ 62؛ واللمع ص333؛ والمقتضب 3/ 48، 69.
شرح المفردات: جون الرباب: سود السحاب. السكوب: الكثير المطر.
الإعراب: "عسى": فعل ماض ناقص من أفعال الرجاء. "الله": اسم الجلالة، اسم "عسى" مرفوع.
"يغني": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره:"هو". "عن بلاد": جار ومجرور متعلقان =
قال سيبويه: والذين يميلون "كافر" من الذين يميلون "بقادر".
910-
وَلَا تُمِلْ لِسَبَبٍ لَمْ يَتَّصِل
…
وَالكَفُّ قَدْ يُوْجِبُهُ مَا يَنْفَصِلْ
"ولا تمل لسبب لم يتصل" بأن يكون منفصلا، أي من كلمة أخرى؛ فلا تمال ألف "سابور" للياء قبلها في قولك:"رأيت يدي سابور" ولا ألف "مال" للكسرة قبلها في قولك "لهذا الرجل مال" وكذلك لو قلت [من البسيط] :
1209-
هَا إِنَّ ذِي عِذْرَة [إن لا تكن نفعت
…
فإن صاحبها قد تاه في البلد]
لم تمل ألف "ها" لكسرة "إن"؛ لأنها من كلمة أخرى.
والحاصل أن شرط تأثير سبب الإمالة أن يكون من الكلمة التي فيها الألف.
تنبيهان: الأول: يستثنى من ذلك ألف "ها" التي هي ضمير المؤنثة في نحو: "لم يضربها، وأدر جيبها"؛ فإنها قد أميلت، وسببها منفصل، أي من كلمة أخرى.
الثاني: ذكر غير المصنف أن الكسرة إذا كانت منفصلة عن الألف فإنها قد تمال الألف لها، وإن كانت أضعف من الكسرة التي معها في الكلمة قال سيبويه: وسمعناهم يقولون "لزيد مال" فأمالوا للكسرة؛ فشبهوه بالكلمة الواحدة؛ فقد بان لك أن كلام المصنف ليس على عمومه؛ فكان اللائق أن يقول: "وغيرها ليا انفصال لا تمل" إنما كان ذلك دون الكسرة لما سبق من أن الكسرة أقوى من الياء.
= بـ"يغني"، وهو مضاف. "ابن": مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. "قادر": مضاف إليه مجرور. "بمنهمر": جار ومجرور متعلقان بـ"يغني". "جون": نعت أول لـ"منهمر" مجرور، وهو مضاف. "الرباب": مضاف إليه مجرور. "سكوب": نعت ثان لـ"منهمر" مجرور.
وجملة: "عسى الله
…
" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "يغني" في محل نصب خبر "عسى".
الشاهد فيه قوله: "قادر" ممالة مع وجود الفضل بين الألف والراء المكسورة بحرف، وهو الدال. وفي البيت شاهد آخر للنحاة هو قوله:"عسى الله يغني" حيث جاء خبر "عسى" فعلا مضارعا غير مقترن بـ"أن" المصدرية، وهذا نادر.
1209-
تقدم بالرقم 81.
والكف قد يوجبه ما ينفصل" من الموانع، كما في نحو: "يريد أن يضربها قبل، فلا تمال الألف لأن القاف بعدها، وهي مانعة من الإمالة، وإنما أثر المانع منفصلا، ولم يؤثر السبب منفصلا لأن الفتح –أعني ترك الإمالة- هو الأصل؛ فيصار إليه لأدنى سبب، ولا يخرج عنه إلا لسبب محقق.
تنبيهات: الأول: فهم من قوله "قد يوجبه" أن ذلك ليس عند كل العرب؛ فإن من العرب من لا يعتد بحرف الاستعلاء إذا ولي الألف من كلمة أخرى فيميل، إلا أن الإمالة عنده في نحو:"مررت بمال ملق" أقوى منها في نحو: "بمال قاسم".
الثاني: قال في شرح الكافية: إن سبب الإمالة لا يؤثر إلا متصلا، وإن سبب المنع قد يؤثر منفصلا؛ فيقال "أتى أحمد" بالإمالة، و"أتى قاسم" بترك الإمالة، وتبعه الشارح في هذه العبارة، وفي التمثيل بـ"أتى قاسم" نظر؛ فإن مقتضاه أن حرف الاستعلاء يمنع إمالة الألف المنقلبة عن ياء، وليس كذلك؛ فلعل التمثيل بـ"أيا" التي هي حرف نداء؛ فصحفها الكتاب بـ"أتى" التي هي فعل.
الثالث: في إطلاق الناظم منع السبب المنفصل مخالفة الكلام غيره من النحويين، قال ابن عصفور في مقربه: وإذا كان حرف الاستعلاء منفصلا عن الكلمة لم يمنع الإمالة، إلا فيما أميل لكسرة عارضة، نحو:"بما قاسم" أو فيما أميل من الألفات التي هي صلات الضمائر، نحو:"أراد أن يعرفها قبل" ا. هـ، ولولا ما في شرح الكافية لحملت قوله في النظم "والكف قد يوجبه إلخ" على هاتين الصورتين؛ لإشعار "قد" بالتقليل.
[الإمالة للتناسب] :
911-
"
وَقَدْ أَمَالُوا لِتَنَاسُبٍ بِلَا
…
دَاعٍ سِوَاهُ كَعِمَادَا وَتَلَا
هذا هو السبب السادس من أسباب الإمالة، وهو التناسب، وتسمى الإمالة للإمالة، والإمالة لمجاورة الممال، وإنما أخره لضعفه بالنسبة إلى الأسباب المتقدمة.
ولإمالة الألف لأجل التناسب صورتان؛ أحدهما: أن تمال لمجاورة ألف ممالة كإمالة
الألف الثانية في "رأيت عمادا" فإنها لمناسبة الألف الأولى؛ فإنها ممالة لأجل الكسرة، والأخرى: أن تمال لكونها آخر مجاور ما أميل آخره، كإمالة ألف "تلا" من قوله تعالى:{وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} 1؛ فإنها إنما أميلت لمناسبة لما بعدها مما ألفه عن ياء، أعني {جَلَّاهَا} 2، و {يَغْشَاهَا} 3.
تنبيهان: الأول: ليس بخاف أن تمثيله بـ"تلا" إنما هو على رأي غير سيبويه كالمبرد وطائفة، أما سيبويه فقد تقدم أنه يطرد عنده إمالة نحو: غزا ودعا من الثلاثي وإن كانت ألفه عن واو؛ لرجوعها إلى الياء عند البناء للمفعول؛ فإمالته عند لذلك لا لتناسب. وقد مثل في شرح الكافية لذلك بإمالة ألفي {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} 4 فأما "سجى" فهو مثل "تلا"؛ فقيه ما تقدم، وأما الضحى فقد قال غيره أيضا: إن إمالة ألفه للتناسب، وكذا {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} 5، والأحسن أن يقال: إنما أميل من أجل أن من العرب من يثني ما كان من ذوات الواو إذا كان مضموم الأول أو مكسورة بالياء، نحو: الضحى والربا؛ فيقولون: ضحيان وربيان، فأميلت الألف لأنها قد صارت ياء في التثنية، وإنما فعلوا ذلك استثقالا للواو مع الضمة والكسرة؛ فكان الأحسن أن يمثل بقوله تعالى:{شَدِيدُ الْقُوَى} 6.
الثاني: ظاهر كلام سيبويه أن يقاس على إمالة الألف الثانية، في نحو:"رأيت عمادا" لمناسبة الأولى؛ فإنه قال: وقالوا: "مغزانا" في قول من قال "عمادا" فأمالهما جميعا، وذا قياس.
[إمالة المبنيات] :
912-
"
وَلَا تُمِلْ مَا لَمْ يَنَلْ تَمَكُّنَا
…
دُوْنَ سَمَاعٍ غَيْرَ "هَا" وَغَيْرَ "نَا
1 الشمس: 2.
2 الشمس: 3.
3 الشمس: 4
4 الضحى: 1، 2.
5 الشمس: 1.
6 النجم: 5.
أي الإمالة من خواص الأفعال والأسماء المتمكنة؛ فلذلك لا تطرد إمالة غير المتمكن نحو "إذا" و"ما"، إلا "ها" و"نا"، نحو:"مر بها ونظر إليها، ومر بنا ونظر إلينا"، فهذان تطرد إمالتهما؛ لكثرة استعمالها.
وأشار بقوله "دون سماع" إلى ما سمعت إمالته من الاسم غير المتمكن، وهو "ذا" الإشارية و"متى" و"أني"، وقد أميل من الحروف: بلى، ويا في النداء، و"لا" في قولهم:"إمالا"؛ لأن هذه الأحرف نابت عن الجمل، فصار لها بذلك مزية على غيرها، وحكى قطرب إمالة "لا" لكونها مستقلة، وعن سيبويه ومن وافقه إمالة "حتى"، حكيت إمالتها عن حمزة والكسائي.
تنبيهات: الأول: لا تمنع الإمالة فيما عرض بناؤه نحو: "يا فتى"، و"يا حبلى" لأن الأصل فيه الإعراب.
الثاني: لا إشكال في جواز إمالة الفعل الماضي وإن كان مبنيا، خلاف ما أوهمه كلامه، قال المبرد: وإمالة "عسى" جيدة.
الثالث: إنما لم تمل الحروف لأن ألفها لا تكون عن ياء، ولا تجاور كسرة، فإن سمي بها أميلت، وعلى هذا أميلت الراء من ألمر، وألر، والهاء والطاء والحاء في فواتح السور؛ لأنها أسماء ما يلفظ به من الأصوات المنقطعة في مخارج الحروف، كما أن "غاق" اسم لصوت الغراب، و"طيخ" اسم لصوت الضاحك، فلما كانت أسماء لهذه الأصوات، ولم تكن كـ"ما" و"لا" أراوا بالإمالة فيها الإشعار بأنها قد صارت من حيز الأسماء التي لا تمتنع فيها الإمالة. وقال الزجاج والكوفيون: أميلت الفواتح لأنها مقصورة، والمقصور يغلب عليه الإمالة، وقد رد هذا بأن كثير من المقصور لا تجوز إمالته، وقال الفراء: أميلت لأنها إذا ثنيت ردت إلى الياء؛ فيقال: طيان وحيان. وكذلك إمالة حروف المعجم، نحو: با وتا وثا، ا. هـ.
[أسباب إمالة الفتحة] :
913-
وَالْفَتْحَ قَبْلَ كَسْرِ رَاء فِي طَرَفْ
…
أَمِلْ، كـ"للأيسر مِلْ تُكْفَ الكُلَف
914-
كَذَا الَّذِي تَلِيْهِ "هَا" التَّأْنِيْثِ فِي
…
وَقْفٍ إذَا مَا كَانَ غَيْرَ ألِفِ
"وَالْفَتْحَ قَبْلَ كَسْرِ رَاء فِي طَرَفْ أَمِلْ" كما تمال الألف؛ لأن الغرض الذي لأجله تمال الألف –وهو مشاكلة الأصوات وتقريب بعضها من بعض- موجود في الحركة، كما أنه موجود في الحرف، ولإمالة الفتحة سببان؛ الأول: أن تكون قبل راء مكسورة متطرفة "كللأيسر مل تكف الكلف". {تَرْمِي بِشَرَرٍ} 1، {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} 2، والثاني سيأتي.
تنبيهات: الأول: فهم من قوله "والفتح: أن الممال في ذلك الفتح، لا المفتوح، وقول سيبويه "أمالوا المفتوح" فيه تجوز.
الثاني: لا فرق بين أن تكون الفتحة في حرف الاستعلاء، نحو:{مِنَ الْبَقَرِ} 3، أو في راء، نحو: بشرر، أو في غيرهما، نحو:{مِنَ الْكِبَرِ} 4.
الثالث: فهم من قوله "قبل كسر راء" أن الفتحة لا تمال لكسرة راء قبلها، نحو: رمم، وقد نص غيره على ذلك.
الرابع: ظاهر صنيعه أن الفتحة لا تمال إلا إذا كانت متصلة بالراء؛ فلو فصل بينهما لم تمل، وليس ذلك على إطلاقه، بل في تفصيل، وهو أن الفاصل بين الفتحة والراء إن كان مكسورا أو ساكنا غير ياء فهو مغتفر، وإن كان غير ذلك منع الإمالة؛ فتمال الفتحة في نحو:{أَشَرٌّ} 5، وفي نحو:"عمرو"، لا في نحو: بجير، نص على ذلك سيبويه، ونبه عليه المصنف في بعض نسخ التسهيل.
الخامس: اشتراط كون الراء في الطرف هو بالنظر إلى الغالب، وليس ذلك باللازم؛ فقد ذكر سيبويه إمالة فتح الطاء في قولهم:"رأيت خبط رياح". وذكر غيره أنه يجوز إمالة فتحة العين، في نحو:"العرد" والراء في ذلك ليست بلام.
السادس: أطلق في قوله "أمل" فعلم أن الإمالة في ذلك وصلا ووقفا، بخلاف إمالة الفتحة للسبب الآتي؛ فإنها خاصة بالوقف، وقد صرح به في شرح الكافية.
السابع: هذه الإمالة مطردة كما ذكره في شرح الكافية.
1 المرسلات: 32.
2 النساء: 95.
3 الأنعام: 146، 147.
4 مريم: 8.
5 القمر: 25.
الثامن: بقي لإمالة الفتحة لكسرة الراء شرطان غير ما ذكر؛ أحدهما: أن لا تكون على ياء؛ فلا تمال فتحة الياء، في نحو:"من الغير" نص على ذلك سيبويه، وذكره في بعض نسخ التسهيل. والآخر: أن لا يكون بعد الراء حرف استعلاء، نحو:"من الشرق" فإنه مانع من الإمالة، نص عليه سبيويه أيضا، فإن تقدم حرف الاستعلاء على الراء لم يمنع؛ لأن الراء المكسورة تغلب المستعلي إذا وقع قبلها؛ فلهذا أميل نحو:"من الضرر".
التاسع: منع سيبويه إمالة الألف، في نحو:"من المحاذر" إذا أميلت فتحة الذال. قال: ولا تقوى على إمالة الألف، أي: ولا تقوى إمالة الفتحة على إمالة الألف لأجل إمالتها، وزعم ابن خروف أن من أمال ألف "عمادا" لأجل إمالة الألف قبلها أمال هنا ألف "المحاذر" لأجل إمالة فتحة الذال، وضعف بأن الإمالة للإمالة من الأسباب الضعيفة؛ فينبغي أن لا ينقاس شيء منها إلا في المسموع، وهو إمالة الألف قبلها أو بعدها.
"كَذَا "الفتح" الَّذِي تَلِيْهِ هَا التَّأْنِيْثِ فِي
…
وَقْفٍ إذَا مَا كَانَ غَيْرَ ألِفِ
هذا هو السبب الثاني من سببي إمالة الفتحة؛ فتمال كل فتحة تليها هاء التأنيث، إلا أن أمالتها مخصوصة بالوقف، وبذلك قرأ الكسائي في إحدى الروايتين عنه. والرواية الأخرى أنه أمال إذا كان قبل الهاء أحد خمسة عشر حرفا، يجمعها قولك: فجثت زينب لذود شمس، وفصل في أربعة يجمعها قولك: أكهر، فأمال فتحتها إذا كان قبلها كسرة أو ياء ساكنة على ما هو معروف في كتب القراآت، وشمل قوله "ها التأنيث" هاء المبالغة، نحو: علامة، وإمالتها جائزة، وخرج بها التأنيث هاء السكت، نحو:{كِتَابِيَهْ} 1؛ فلا تمال الفتحة قبلها على الصحيح، واحترز بقوله "إذا ما كان غير ألف" عما إذا كان قبل الهاء ألف؛ فإنها لا تمال، نحو:"الصلاة، والحياة".
تنبيهات: الأول: الضمير في قوله "يليه" راجع إلى الفتح؛ لأنه الذي يمال لا الحرف الذي تليه هاء التأنيث، وإذا كان كذلك فلا وجه لاستثنائه الألف بقوله "إذا ما كان غير ألف"؛ إذ لم يندرج الألف في الفتح، وهو إنما فعله لدفع توهم أن هاء التأنيث تسوغ إمالة
1 الحاقة: 19.
الألف كما سوغت إمالة الفتحة؛ فكان حق العبارة أن يقول عاطفا على ما تقدم:
وقبل ها التأنيث أيضا إن تقف
…
ولا تمل لهذه الهاء الألف
الثاني: إنما قال "ها التأنيث" ولم يقل تا التأنيث لتخرج التاء التي لم تقلب هاء، فإن الفتحة لا تمال قبلها.
الثالث: ذكر سيبويه أن سبب إمالة الفتحة قبل هاء التأنيث شبه الهاء بالألف، فأميل ما قبلها كما يمال ما قبل الألف، ولم يبين سيبويه بأي ألف شبهت، والظاهر أنها شبهت بألف التأنيث.
خاتمة: ذكر بعضهم لإمالة الألف سببين غير ما سبق؛ أحدهما: الفرق بين الاسم والحرف، وذلك في "راء" وما أشبهها من فواتح السور. قال سيبويه: وقالوا را ويا وتا، يعني بالإمالة؛ لأنها أسماء ما يلفظ به، فليست كإلي وما ولا وغيرها من الحروف المبنية على السكون، وحروف التهجي التي في أوائل السور إن كان في آخرها ألف فمنهم من يفتح ومنهم من يميل، وإن كان في وسطها ألف، نحو: كاف وصاد فلا خلاف في الفتح، والآخر: كثرة الاستعمال، وذلك إمالتهم "الحجاج" علما في الرفع والنصب، وكذلك "العجاج" في الرفع والنصب، ذكره بعض النحويين، وإمالة "الناس" في الرفع والنصب.
قال ابن برهان في آخر شرح اللمع: روى عبد الله بن داود عن أبي عمرو بن العلاء إمالة "الناس" في جميع القرآن مرفوعا ومنصوبا ومجروا، قاله في شرح الكافية، قال: وهذه رواية أحمد بن يزيد الحلواني عن أبي عمر الدوري عن الكسائي، ورواية نصر وقتيبة عن الكسائي، انتهى.
واعلم أن الإمالة لهذين السببين شاذة لا يقاس عليها، بل يقتصر في ذلك على ما سمع، والله أعلم.