المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في الإدغام] : - شرح الأشمونى لألفية ابن مالك - جـ ٤

[الأشموني، أبو الحسن]

الفصل: ‌فصل [في الإدغام] :

‌فصل [في الإدغام] :

يعني اللائق بالتصريف، كما قيده في الكافية.

وهو لغة: الإدخال، واصطلاحا: الإتيان بحرفين ساكن فمتحرك من مخرج واحد بلا فصل. والإدغام –بالتشديد- افتعال منه، وهو لغة سيبويه. وقال ابن يعيش: الإدغام بالتشديد من ألفاظ البصريين، والإدغام بالتخفيف من ألفاظ الكوفيين.

ويكون الإدغام في المتماثلين، وفي المتقاربين، وفي كلمة، وفي كلمتين، وهو باب متسع، واقتصر الناظم في هذا الفصل على ذكر إدغام المثلين في كلمة فقال:

991-

أوَّلَ مِثْلَيْنِ مُحَرَّكَيْنِ فِي

كِلْمَةٍ ادْغِمْ لَا كَمِثْلِ صُفَفِ

992-

وَذُلَلٍ وَكِلَلٍ وَلَبَبِ

وَلَا كَجُسَّسٍ وَلَا كَاخْصُصَ ابى

993-

وَلَا كَهَيْلَل وَشَذَّ فِي أَلِلْ

وَنَحْوِهِ فَكٌّ بِنَقْلٍ فَقُبِلْ

"أول مثلين محركين في * كلمة ادغم" أي يجب إدغام أول المثلين المتحركين بشروط، وهي: أحد عشر:

أحدها: أن يكونا في كلمة، نحو شد ومل وحب، أصلهن شدد بالفتح، وملل بالكسر، وحبب بالضم.

فإن كانا في كلمتين مثل {جَعَلَ لَكَ} 1 كان الإدغام جائزا لا واجبا بشرطين؛ أن لا يكونا همزتين نحو: "قرأ آية" فإن الإدغام في مثله رديء، وأن لا يكون الحرف الذي قبلهما ساكنا غير لين، نحو:{شَهْرُ رَمَضَانَ} 2 فإن هذا لا يجوز إدغامه عند جمهور البصريين، وقد روي عن أبي عمرو إدغام ذلك، وتأولوه على إخفاء الحركة، وأجازه الفراء.

الثاني: أن لا يتصدرا، نحو:"ددن". قال المصنف في بعض كتبه: إلا أن يكون أولهما تاء المضارعة فقد تدغم بعد مدة أو حركة، نحو:{لا تَيَمَّمُوا} 3 و {تَكَادُ تَمَيَّزُ} 4 انتهى.

1 الفرقان: 10.

2 البقرة: 185.

3 البقرة: 267.

4 الملك: 8.

ص: 155

ويجوز الإدغام في الفعل الماضي إذا اجتمع فيه تاآن والثانية أصلية، نحو: تتابع، ويؤتي بهمزة الوصل فيقال: اتابع، وسيأتي الكلام عليه.

ولم يذكر هنا هذا الشرط لوضوحه، وقد ذكره في الكافية وغيرها.

الثالث والرابع والخامس والسادس: أن لا يكون في اسم على فعل بضم أوله وفتح ثانية كصفف جمع صفة وجدد جمع جدة وهي الطريق في الجبل، أو فعل بضمتين نحو ذلل جمع ذلول بالمعجمة ضد الصعبة، وجدد جمع جديد، أو فعل بكسر أوله وفتح ثانيه، نحو: كلل جمع كلة، ولمم جمع لمة، أو فعل بفتحتين، نحو: لبب وطلل؛ فكل هذه يمتنع هذه الأمثلة الأربعة أن الثلاثة الأول منها مخالفة للأفعال في الوزن، والإدغام فرع عن الإظهار، فخص بالفعل لفرعيته، وتبع الفعل فيه ما وازنه من الأسماء، دون ما لم يوازنه، وأما الرابع فإنه وإن كان موازنا للفعل إلا أنه لم يدغم لخفته، ليكون منبها على فرعية الإدغام في الأسماء حيث أدغم موازنه في الأفعال، نحو: رد فيعلم بذلك ضعف سبب الإدغام فيه وقوته في الفعل.

تنبيهات: الأول: يمتنع الإدغام أيضا فيما وازن أحد هذه الأمثلة بصدره لا بجملته، نحو: خششاء لعظم خلف الأذن، ونحو: رددان مثل سلطان بمعنى سلطان من الرد، ونحو: حببة جمع حب، ونحو: الدججان مصدر دج بمعنى دب.

الثاني: كان ينبغي أن يستثنى مثالا خامسا يمتنع فيه الإدغام وهو فعل، نحو: إبل لكونه مخالفا لأوزان الأفعال؛ فلو بنيت من الرد مثل إبل قلت ردد بالفك، ولعل عذره في عدم استثنائه أنه بناء لم يكثر في الكلام، ولم يسمع في المضاعف، وقد استثناه في بعض نسخ التسهيل.

الثالث: اعلم أن أوزان الثلاثي التي يمكن فيها اجتماع مثلين متحركين لا تزيد على تسعة، وقد سبق ذكر خمسة منها، وبقيت أربعة، منها واحد مهمل فلا كلام فيه، وهو فعل بكسر الفاء وضم العين، وثلاثة مستعملة وهي فعل، نحو: كتف، وفعل، نحو: عضد، وفعل، نحو: دئل، فإذا بنيت من الرد مثل كتف أو عضد قلت رد أو رد، بالإدغام1؛

1 كلاهما بفتح الراء وتشديد الدال، فكان ينبغي أن يكتفي بأحد اللفظين.

ص: 156

لأنهما موافقان لوزن الفعل، وليسا في خفة فَعِلٍ، نحو: لبب. هذا مذهب الجمهور. وخالف ابن كيسان فقال: ردد ورد بالفك، ووافقه الناظم في التسهيل في الأول دون الثاني. وإذا بنيت من الرد مثل دئل قلت "ردد" بالفك، ومن رأى أن فعل أصل في الفعل ينبغي أن يدغم. وقياس مذهب ابن كيسان الفك. بل هو في هذا أولى، وعليه مشى في التسهيل، انتهى.

السابع من الشروط: أن لا يتصل بأول المثلين مدغم فيه، وإليه أشار بقوله:"ولا كجسس" وهو جمع جاس، اسم فاعل من "جس الشيء" إذا لمسه، أو من "جس الخبر" إذا فحص عنه، وهو الجاسوس. وإنما وجب الفك لأنه لو أدغم المدغم فيه لالتقى ساكنان.

الثامن: أن لا يعرض تحريك ثانيهما، وإليه أشار بقوله:"ولا كاخصص أبي" لأن الأصل اخصص بالإسكان، فنقلت حركة الهمزة إلى الساكن قبلها؛ فلم يعتد بها لعروضها.

التاسع: أن لا يكون ما هما فيه ملحقا بغيره، وإليه أشار بقوله:"ولا كهيلل" وهذا نوعان؛ أحدهما: ما حصل فيه الإلحاق بزائد قبل المثلين، نحو:"هيلل" إذا أكثر من لا إله إلا الله، فإن الياء فيه مزيدة للإلحاق بدحرج، والآخر ما حصل فيه الإلحاق بأحد المثلين، نحو: جلبب؛ فإن إحدى باءيه مزيدة للإلحاق بدحرج، وإنما امتنع في هذين النوعين لاستلزامه فوات ما قصد من الإلحاق.

العاشر: أن لا يكون مما شذت العرب في فكه اختيارا، وهي ألفاظ محفوظة لا يقاس عليها، وإلى هذا أشار بقوله:"وشذ في ألل ونحوه فك بنقل فقبل" أي شذ الفك في ألفاظ: منها قولهم "ألل السقاء" إذا تغيرت رائحته، وكذلك الأسنان إذا فسدت، والأذن إذا وقت. وقولهم "دبب الإنسان" إذا نبت الشعر في جبينه، و"صكك الفرس" إذا اصطكت عرقوباه، و"ضببت الأرض" إذا كثر ضبابها، و"قطط الشعر" إذا اشتدت جعودته، و"لححت العين، ولخخت" إذا التصقت بالرمص، و"مششت الدابة" إذا شخص في وظيفها حجم دون صلابة العظم، و"عززت الناقة" إذا صاق إحليلها وهو مجرى لبنها؛ فشذوذ ترك الإدغام في هذه الأفعال كشذوذ ترك الإعلال في نحو: القود والحيد والصيد، الحوكة والخونة مما سبق في موضعه؛ فلا يجوز القياس على شيء من هذه المفكوكات، كما لا يقاس على شيء من تلك المصححات. وما ورد من

ذلك في الشعر عد من

ص: 157

الضرورات، كقول أبي النجم [من الرجز] :

ألْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الأَجْلَلِ

[الواسع الفضل الوهوب المجزل] 1

تنبيه: قد شذ الفك أيضا في كلمات من الأسماء: منها قولهم "رجل ضفف الحال"، و"محبب" وحكى أبو زيد "طعام" قضض" إذا كان فيه يبس.

994-

وَحَيِّيَّ افْكُكْ وَادَّغِمْ دُوْنَ حَذَرْ

كَذَاك نَحْوُ تَتَجَلَّى وَاسْتَتَرْ

"وحيي" وعيي ونحوهما ما عينه ولامه ياآن لازم تحريكهما "افكك وادغم دون حذر" في واحد منها؛ لوروده، فمن أدغم نظر إلى أنهما مثلان في كلمة وحركة ثانيهما لازمة، وحق ذلك الإدغام لاندراجه في الضابط المتقدم، ومن فك نظر إلى أن حركة الثاني كالعارضة، لوجودها في الماضي دون المضارع والأمر، والعارض لا يعتد به غالبا، ومن ثم لم يجز الإدغام في نحو:"لن يحيي، ورأيت محييا" وأما قوله [من الكامل] :

1259-

وَكَأَنَّهَا بَيْنَ الْنِّسَاءِ سَبِيكَةٌ

تَمْشِيِ بِسُدَّةِ بَيْتِهَا فَتُعِيُّ

فشاذ لا يقاس عليه، خلافا للفراء.

تنبيه: الفك أجود من الإدغام، وإن كان كل منهما فصيحا مقروءا به في المتواتر، ولعل الناظم أومأ إلى ذلك بتقديم الفك في النظم، انتهى.

1 تقدم بالرقم 1217.

1259-

التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 1/ 172؛ ولسان العرب 15/ 112 "عيا"؛ والمحتسب 2/ 269؛ والممتع في التصريف 2/ 585، 587؛ والمنصف 2/ 206؛ وهمع الهوامع 1/ 53.

الإعراب: وكأنها: "الواو": بحسب ما قبلها، "كأنها": حرف مشبه بالفعل، و"ها": ضمير في محل نصب اسم "كأن". بين: ظرف مكان متعلق بحال من اسم "كأن"، وهو مضاف. النساء: مضاف إليه مجرور. سبيكة: خبر "كأن" مرفوع. تمشي: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره:"هي". بسدة: جار ومجرور معلقان بـ"تمشي"، وهو مضاف. بيتها: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، و"ها": ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. فتعي: "الفاء": حرف عطف، "تعي": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره:"هي".

وجملة "كأنها سبيكة" بحسب ما قبلها. وجملة "تمشي": في محل رفع نعت "سبيكة".

الشاهد فيه قوله: "فتعي" حيث أدغم عين الفعل ولامه وهما الياءان وهذا شاذ.

ص: 158

"كذاك" يجوز الفك والإدغام فيما اجتمع فيه تاآن إما في أوله أو وسطه "نحو تتجلى واستتر" أما الأول فقال في شرح الكافية: إذا أدغمت فيما اجتمع في أوله تاآن زدت همزة وصل تتوصل بها إلى النطق بالتاء المسكنة للإدغام، فقلت في تتجلى. اتجلى، هذا كلامه، وفيه نظر؛ لأن تتجلى فعل مضارع، واجتلاب همزة الوصل لا يكون في المضارع، والذي ذكره غيره من النحاة أن الفعل المفتتح بتاءين إن كان ماضيا، نحو: تتبع وتتابع جاز فيه الإدغام واحتلاب همزة الوصل، فيقال: اتبع واتابع، وإن كان مضارعا، نحو: تتذكر لم يجز فيه الإدغام إن ابتدى به؛ لما يلزم من اجتلاب همزة الوصل وهي لا تكون في المضارع، بل يجوز تخفيفه بحذف إحدى التاءين، وسيأتي في كلامه، وإن وصل بما قبله جاز إدغامه بعد متحرك أولين، نحو:{تَكَادُ تَمَيَّزُ} {وَلا تَيَمَّمُوا} 2 لعدم الاحتياج في ذلك إلى اجتلاب همزة الوصل.

وأما الثاني – وهو استتر ونحوه من كل فعل على افتعل اجتمع فيه تاآن – فهذا تجوز فيه الفك وهو قياسه؛ لبناء ما قبل المثلين على السكون، ويجوز فيه الإدغام بعد نقل حركة أول المثلين إلى الساكن، فتقول ستر بطرح همزة الوصل من أوله لتحرك الساكن بحركة النقل.

تنبيهات: الأول إذا أوثر الإدغام في استتر صار اللفظ به كاللفظ بستر الذي وزنه فعل بتضعيف العين، ولكن يمتازان بالمضارع والمصدر؛ لأنك تقول في مضارع الذي أصله افتعل يستر بفتح أوله وأصله يستتر، فنقل وأدغم، وتقول في مضارع الذي وزنه فعل يستر بضم أوله، وتقول في مصدر الذي أصله افتعل: ستارا، وأصله استتارا، فلما أريد الإدغام نقلت الحركة فطرحت الهمزة، وتقول في مصدر الذي وزنه فعل تستيرا على وزن تفعيل.

الثاني: يجوز في استتر ونحوه إذا أدغم وجه آخر، وهو أن يقال ستر بكسر فائه، وذلك أن الفاء ساكنة، وحين قصد الإدغام سكنت التاء الأولى، فالتقى ساكنان، فكسر أولهما على أصل التقاء الساكنين، ويجوز على هذه اللغة كسر التاء إتباعا لفاء الكلمة، فتقول فعل، والمضارع واسم الفاعل واسم المفعول مبنية على ذلك، إلا أن اسم الفاعل يشتبه بلفظ اسم المفعول على لغة من كسر التاء إتباعا، فيصير مشتركا كمختار، فيحتاج إلى قرينة.

1 الملك: 8.

2 البقرة: 267.

ص: 159

الثالث: ما ذكره في هذا البيت كالمستثنى من الضابط المتقدم، انتهى.

995-

وَمَا بِتَاءَيْن ابْتُدِي قَدْ يُقْتَصَرْ

فِيْهِ عَلَى تَا كَتَبَيَّنُ الْعِبَرْ

الأصل تتبين، بتاءين: الأولى تاء المضارعة، والثانية تاء تفعل، وعلى الحذف أنه لما ثقل عليهم اجتماع المثلين، ولم يكن سبيل إلى الإدغام لما يؤدي إليه من اجتلاب همزة الوصل، وهي لا تكون في المضارع، عدلوا إلى التخفيف بحذف إحدى التاءين، وهذا الحذف كثير جدا، ومنه في القرآن مواضع كثيرة، نحو:{تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ} 1 {لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ} 2 {نَارًا تَلَظَّى} 3.

تنبيهات: الأول: مذهب سيبويه والبصريين أن المحذوف هو التاء الثانية؛ لأن الاستثقال بها حصل، وقد حصل بذلك في شرح الكافية، وقال في التسهيل: والمحذوفة هي الثانية لا الأولى خلافا لهشام، يعني أن مذهب هشام أن المحذوفة هي الأولى، ونقله غيره عن الكوفيين.

وأشار: قد أرشد بالمثال إلى أن هذا إنما هو في المضارع الواقع في الابتداء؛ لأنه الذي يتعذر فيه الإدغام، وأما الماضي –نحو تتابع- فلا يتعذر فيه الإدغام، وكذا المضارع الواقع في الأصل كما سبق بيانه.

الثالث: قال في شرح الكافية: وقد يفعل ذلك _يعني التخفيف بالحذف- بما تصدر فيه نونان، ومن ذلك ما حكاه أبو الفتح من قراءة بعضهم:"وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا"4، وفي هذه القراءة دليل على أن المحذوفة من تاءي "تتنزل" حين قال {تَنَزَّل} 5 إنما هي الثانية؛ لأن المحذوفة من نوني "نزل" في القراءة المذكورة إنما هي الثانية، هذا كلامه. قال الشارح: ومنه على الأظهر قوله تعالى: "كَذَلِكَ نُجِّي الْمُؤْمِنِينَ"6 في قراءة عاصم، أصله ننجي؛ ولذلك سكن آخره، ا. هـ.

1 القدر: 4.

2 هود: 105.

3 الليل: 14.

4 الفرقان: 25.

5 الشعراء: 221، 222؛ والقدر:4.

6 الأنبياء: 88.

ص: 160

الحادي عشر من شروط وجوب الإدغام: أن لا يعرض سكون ثاني المثلين، أما لاتصاله بضمير رفع، وإما لجزم وشبهه، وقد أشار إلى الأول بقوله:

996-

وَفُكَّ حَيْثُ مُدْغَمٌ فِيْهِ سَكَنْ

لِكَوْنِهِ بِمُضْمَرِ الرَّفْعِ اقْتَرَنْ

997-

نَحْوُ: حَلَلْتُ مَا حَلَلْتُه، وَفِي

جَزْمٍ وَشِبْه الْجَزْمِ تَخْيِيرٌ قُفِي

لتعذر الإدغام بذلك، والمراد بمضمر الرفع تاء الضمير، ونا، ونون الإناث، نحو:"حللت ما حللته" وحللنا، والهندات حللن؛ فالإدغام في ذلك ونحوه لا يجب، بل يجوز. قال في التسهيل: والإدغام قبل الضمير لغية. قال سيبويه: وزعم الخليل أن ناسا من بكر بن وائل يقولون ردنا ومرنا وردت، وهذه لغة ضعيفة. كأنهم قدروا الإدغام قبل دخول النون والتاء، وأبقوا اللفظ على حاله، وأشار إلى الثاني بقوله "وفي جزم وشبه الجزم"، والمراد به الوقف "تخيير" أي بين الفك، والإدغام "قفي" أي تبع، نحو: لم يحلل ولم يحل، واحلل وحل، الفك لغة أهل الحجاز، والإدغام لغة تميم.

تنبيهات: الأول: المراد بالتخيير استواء الوجهين في أصل الجواز، لا استواؤهما في الفصاحة؛ لأن الفك لغة أهل الحجاز، وبها جاء القرآن غالبا، نحو:{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ} {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي} {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} {وَلا تَمْنُنْ} 4، وجاء على لغة تميم {مَنْ يَرْتَدِ} 5 في المائدة {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ} 6 في الحشر.

الثاني: إذا أدغم في الأمر على لغة تميم وجب طرح همزة الوصل؛ لعدم الاحتياج إليها، وحكى الكسائي أنه سمع من عبد القيس أرد وأغض وأمر بهمزة الوصل، ولم يحك ذلك أحد من البصريين.

الثالث: إذا اتصل بالمدغم فيه واو جمع، نحو ردوا، أو ياء مخاطبة، نحو: ردي، أو نون توكيد، نحو ردن، أدغم الحجازيون وغيرهم من العرب؛ لأن الفعل حينئذ مبني على

1 آل عمران: 120.

2 طه: 81.

3 لقمان: 19.

4 المدثر: 6.

5 المائدة: 54.

6 الحشر: 4.

ص: 161

هذه العلامات فليس تحريكه بعارض.

الرابع: التزم المدغمون فتح المدغم فيه قبل هاء الغائبة، نحو:"ردها ولم يردها" والتزموا ضمة قبل هاء الغائب، نحو:"رده ولم يرده" لأن الهاء خفية، فلم يعتدوا بوجودها؛ فكان الدال فيه وليها الألف والواو، وحكى الكوفيون "ردها" بالضم الكسر، ورده بالفتح والكسر، وذلك في المضموم الفاء، وحكى ثعلب الأوجه الثلاثة قبل هاء الغائب، وغلط في تجويزه الفتح، وأما الكسر فالصحيح أنه لغية، سمع الأخفش من ناء من عقيل مده وعضه، بالكسر، والتزم أكثرهم الكسر قبل ساكن، فقالوا "رد القوم" لأنها حركة التقاء الساكنين في الأصل، ومنهم من يفتح وهم نبو أسد، وحكى ابن جني الضم، وقد روي بهن قوله [من الطويل] :

1260-

فَغُضَّ الْطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ

[فلا كعبا بلغت ولا كلابا]

1260- التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص821؛ وجمهرة اللغة ص1096؛ وخزانة الأدب 1/ 72، 74، 9/ 542؛ والدرر 6/ 322؛ وشرح المفصل 9/ 128؛ ولسان العرب 3/ 142؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 4/ 411؛ وخزانة الأدب 6/ 531، 9/ 306؛ وشرح شافية ابن الحاجب ص244؛ والكتاب 3/ 533؛ والمقتضب 1/ 185.

شرح المفردات: غض الطرف: أي اخفض رأسك. نمير: قبيلة الراعي الذي يهجوه جرير. كعب وكلاب: قبيلتان.

المعنى: يدعو الشاعر مهجوه بأن ينكس رأسه، ويخفض جبينه خجلا وعارا، لأنه ينتسب إلى بني نمير الأدلاء، وليس إلى كعب وكلاب الأشراف.

الإعراب: "فغض": الفاء بحسب ما قبلها، "غض": فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر تقديره:"أنت". "الطرف": مفعول به منصوب. "إنك": حرف مشبه بالفعل، والكاف ضمير في محل نصب اسم "إن". "من نمير": جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر "إن". "فلا": الفاء حرف عطف، "لا": حرف نفي. "كعبا": مفعول به مقدم منصوب. "بلغت": فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل. "ولا": الواو حرف عطف، "لا": حرف نفي. "كلابا": معطوف على "كعبا" منصوب بالفتحة.

وجملة: "غض الطرف" بحسب ما قبلها. وجملة: "إنك من نمير" استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "بلغت" معطوفة على سابقتها.

الشاهد فيه قوله: "فغض" حيث يروى بضم الضاد وفتحها وكسرها، فأما ضمها فعلى الإتباع لضمة الغين قبلها، وأما فتحها فلقصد التخفيف، لأن الفتحة أخف الحركات الثلاث؛ وأما كسرها فعلى الأصل في التخلص من التقاء الساكنين.

ص: 162

نعم الضم قليل، قال في التسهيل في باب التقاء الساكنين: ولا يضم قبل ساكن، بل يكسر، وقد يفتح، هذا لفظه.

فإن لم يتصل الفعل بشيء مما ذكر ففيه ثلاث لغات: الفتح مطلقا، نحو: رد وفر وعض، وهي لغة أسد وناس غيرهم. والكسر مطلقا، نحو: رد وفر وعض، وهي لغة كعب ونمير، والإتباع لحركة الفاء، نحو: رد وفر وعض، وهذا أكثر من كلاههم، ا. هـ.

998-

وَفَكُّ أَفْعِلْ فِي الْتَّعَجُّبِ الْتُزِم

وَالْتُزِمَ الإدْغَامُ أَيْضَاً فِي هَلُمّ

وفك أفعل في التعجب التزم" قال في شرح الكافية: بإجماع، وكأنه أراد إجماع العرب؛ لأن المسموع الفك، ومنه قوله [من الطويل] :

وَقَالَ نَبِيُّ المُسْلِمِينْ تَقَدَّمُوا

وَأَحْبِبْ إلَيْنَا أَنْ تَكُونَ المُقَدَّمَا1

وإلا فقد حكي عن الكسائي إجازة إدغامه "والتزم الإدغام أيضا في هلم" بإجماع، كما قاله في شرح الكافية؛ فلم يقل فيه هلمم.

تنبيهات: الأول: هذا البيت استدراك على ما قبله، أي يستثنى من فعل الأمر صيغتان لا تخيير فيهما؛ الأولى: أفعل في التعجب؛ فإنه ملتزم فكه، والثانية: هلم في لغة تميم؛ فإنه ملتزم إدغامه، وقد سبق في باب أسماء الأفعال أن هلم عند الحجازيين اسم فعل بمعنى احضر أو أقبل، وعند بني نميم فعل أمر، وباعتبار هذه اللغة ذكرها هنا.

الثاني: التزموا أيضا فتح هلم، وحكى الجرمي الفتح الكسر عن بعض تميم، وإذا اتصل بها هاء الغائب، نحو:"هلمه" لم يضم، بل يفتح، وكذا إذا اتصل بها ساكن، نحو: هلم الرجل، وقد تقدم أن لكونها عند تميم فعلا اتصلت بها ضمائر الرفع البارزة، فيقال: هلما وهلموا وهلمي، بضم الميم قبل الواو، وكسرها قبل الياء، وإذا اتصل بها نون الإناث فالقياس هلممن. وزعم الفراء أن الصواب هلمن بفتح الميم وزيادة نون ساكنة بعدها وقاية لفتح الميم، ثم تدغم النون الساكنة في نون الضمير، وحكي عن أبي عمرو أنه سمع هلمين

2 تقدم بالرقم 738.

ص: 163

يا نسوة، بكسر الميم مشددة، وزيادة ياء ساكنة قبل نون الإناث، وحكى عن بعضهم هلمن بضم الميم وهو شاذ.

الثالث: مذهب البصريين أن هلم مركبة من "ها" التنبيه ومن لم التي هي فعل أمر من قولهم "لم الله شعثه" أي جمعه، كأنه قيل: اجمع نفسك إلينا، فحذفت ألفها تخفيفا. وقال الخليل: ركبا قبل الإدغام؛ فحذفت الهمزة للدرج إذ كانت همزة وصل، وحذف الألف لالتقاء الساكنين، ثم نقلت حركة الميم الأولى إلى اللام، وقال الفراء: مركبة من هل التي للزجر، وأم بمعنى اقصد، فخففت الهمز بإلقاء حركتها على الساكن قبلها فصار هلم، نسب بعضهم هذا القول إلى الكوفيين، وقول البصريين أقرب إلى الصواب. قال في البسيط: ومنهم من يقول: إنها ليست مركبة، انتهى.

خاتمة: في النون الساكنة، ومنها التنوين.

اعلم أن للنون الساكنة أربعة أحكام:

أولها: الإدغام، وهو بلا غنة في اللام والراء، وبغنة في حروف ينمو، ما لم تكن مواصلتها في كلمة واحدة كالدنيا وصنوان وأنمار؛ فإن الفك في ذلك لازم.

والثاني: الإظهار، وهو في حروف الحلق الستة: العين والغين والحاء والخاء والهاء والهمزة؛ لبعد مخرج النون من مخرجها.

الثالث: القلب ميما عند الباء ويستوي كونها في كلمة، نحو:{أَنْبِئْهُمْ} 1 أو كلمتين، نحو:{أَنْ بُورِكَ} 2 وموجب هذا القلب أن الباء بعدت من النون، وشابهت أقرب الحروف إليها وهي الميم؛ لأن النون والميم حرفا غنة، فلما بعدت عن الباء لم يمكن إدغامها فيها، ولما قربت بمشابهة القريب منها لم يحسن إظهارها، فأوجب التخفيف أمرا آخر، وهو قلبها ميما؛ لأنها أختها في الغنة.

والرابع: الإخفاء، وذلك إذا وليها شيء من الحروف غير المذكورة، وذلك خمسة

1 البقرة: 33.

2 النمل: 8.

ص: 164

اليواقيت، وأنشد عليها [من الرجز] :

1262-

عَانٍ بِأُحْرَاهَا طَوِيْلُ الشُّغْلِ

[له جفيران وأي نبل]

ونظما: حال من الهاء في بجمعه، أو تمييز محول عن الفاعل، واشتمل: نعت لنظما، وعلى جل المهمات: متعلق باشتمل، ثم وصف نظما بصفة أخرى فقال:

1000-

أَحْصَى مِنَ الْكَافِيَةِ الْخُلَاصَة

كَمَا اقْتَضَى غِنًى بِلَا خَصَاصَهْ

أحصى من الكافية الخلاصه" أي جمع هذا النظم من منظومة المصنف المسماة بالكافية الخالص الصافي مما يكدره. "كما اقتضى" أي أخذ "غنى بلا خصاصه" تشوبه، والخصاصة: ضد الغنى، وهو كناية عما جمع من المحاسن الظاهرة. ثم قابل الشكر نعمة الإتمام، وأردفه بالصلاة على سيدنا محمد سيد الأنام، وعلى آله وأصحابه الكرام، لإحراز أجر ذلك ويمنه في البدء والختام، فقال رحمه الله وجمعني وإياه في دار السلام"

1001-

فَأَحَمْدُ اللَّهَ مُصَلِّياً عَلَى

مُحَمَّدٍ خَيْرِ نَبِيَ أُرْسِلَا

1262- التخريج: الرجز بلا نسبة في الصاحبي في فقه اللغة ص263؛ ولسان العرب 15/ 105 "عنا".

اللغة: الجفير: الجعبة، أو الكناية.

الإعراب: عان: خبر لمبتدأ محذوف تقديره: "هو". بأخراها: جار ومجرور متعلقان بـ"عان"، وهو مضاف، و"ها": ضمير في محل جر بالإضافة. طويل: صفة "عان" مرفوعة بالضمة، وهو مضاف. الشغل: مضاف إليه مجرور. له: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. جفيران: مبتدأ مؤخر مرفوع بالألف موصوف لأنه مثنى. وأي: "الواو": عاطفة، "أي": معطوف على "جفيران" وذلك على جعل "أي" كمالية على تقدير موصوف أي "وله نيل أي نبل"، وهو مضاف. نبل: مضاف إليه مجرور.

وجملة "هو عان": ابتدائية لا محل لها. وجملة "له جفيران": صفة لـ"عان" محلها الرفع.

الشاهد: قوله: "عان" بمعنى معتن.

ص: 165

1002-

وَآلِهِ الْغُرِّ الْكِرَامِ الْبَرَرَهْ

وَصَحْبِهِ الْمُنْتَخَبِيْنَ الْخِيَرَهْ

الحمد لله أولا وآخرا، باطنا وظاهرا، وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه أجمعين، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

ص: 167