الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التصريف:
[معنى التصريف في اللغة والاصطلاح] :
اعلم أن التصريف في اللغة التغيير، ومنه {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} 1 أي: تغييرها، وأما في الاصطلاح فيطلق على شيئين؛ الأول: تحويل الكلمة إلى أبنية مختلفة لضروب من المعاني كالتصغير والتكسير واسم الفاعل واسم المفعول، وهذا القسم جرت عادة المصنفين بذكره قبل التصريف كما فعل الناظم، وهو في الحقيقة من التصريف، والآخر: تغيير الكلمة لغير معنى طار عليها، ولكن لغرض آخر، وينحصر في الزيادة، والحذف، والإبدال، والقلب، والنقل، والإدغام، وهذا القسم هو المقصود هنا بقولهم: التصريف، قد أشار الشارح إلى الأمرين بقوله: تصريف الكلمة هو تغيير بنيتها بحسب ما يعرض لها من المعنى، كتغيير المفرد إلى التثنية والجمع، وتغيير المصدر إلى بناء الفعل واسمي الفاعل والمفعول، ولهذا التغيير أحكام كالصحة والإعلال، ومعرفة تلك الأحكام وما يتعلق بها تسمى علم التصريف؛ فالتصريف إذن: هو العلم بأحكام بنية الكلمة بما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وشبه ذلك، ا. هـ.
ولا يتعلق التصريف إلا بالأسماء المتمكنة والأفعال المتصرفة، أما الحروف وشبهها فلا تعلق لعلم التصريف بها، كما أشار إلى ذلك بقوله:
1 البقرة: 164؛ والجاثية: 5
915-
حَرْفٌ وَشِبْهُهُ مِنَ الصَّرْفِ بَرِي
…
وَمَا سِوَاهُمَا بِتَصْرِيفٍ حَرِي
أي: حقيق، والمراد بشبه الحرف الأسماء المبنية والأفعال الجامدة، وكذلك "عسى" و"ليس" ونحوهما؛ فإنها تشبه الحرف في الجمود.
وأما لحوق التصغير "ذا" و"الذي"، والحذف "سوف" و"إن"، والحذف والإبدال "لعل"؛ فشاذ يوقف عند ما سمع منه.
تنبيه: التصريف وإن كان يدخل الأسماء والأفعال، إلا أنه للأفعال بطريق الأصالة؛ لكثرة تغيرها، ولظهور الاشتقاق فيها.
916-
"
وَلَيْسَ أَدْنَى مِنْ ثُلَاثِي يُرَى
…
قَابِلَ تَصْرِيفٍ سِوَى ما غُيِّرَا
يعني أن ما كان على حرف واحد أو حرفين فإنه لا يقبل التصريف، إلا أن يكون ثلاثيا في الأصل وقد غير بالحذف؛ فإن ذلك لا يخرجه عن قبول التصريف.
وقد فهم من ذلك أمران؛ أحدهما: أن الاسم المتمكن1 والفعل لا ينقصان في أصل الوضع عن ثلاثة أحرف؛ لأنهما يقبلان التصريف، وما يقبل التصريف لا يكون في أصل الوضع على حرف واحد، ولا على حرفين، والآخر: أن الاسم والفعل قد ينقصان عن الثلاثة بالحذف، أما الاسم فإنه قد يرد على حرفين، بحذف لامه نحو:"يد"، أو عينه، نحو:"سه"، أو فائه، نحو:"عدة"، وقد يرد على حرف واحد، نحو:"مُِ الله" عند من يجعله محذوفا من "أيمن الله"، وكقول بعض العرب:"شربت ما"، وذلك قليل، وأما الفعل فإنه قد يرد على حرفين نحو؛ "قل" و"بع" و"سل"، وقد يرد على حرف واحد، نحو:"دع كلامي"، و"ق نفسك" وذلك فيما أعلت فاؤه ولامه فيحذفان في الأمر.
917-
"
وَمُنْتَهَى اسْمٍ خَمْسٌ إنْ تَجَرَّدَا
…
وَإنْ يُزَدْ فِيْهِ فَمَا سَبْعَاً عَدَا
1 أي: الاسم المعرب.
أي ينقسم الاسم إلى مجرد وهو الأصل، وإلى مزيد فيه وهو فزعه؛ فغاية ما يصل إليه المجرد خمسة أحرف، نحو:"سفرجل"، وغاية ما يصل إليه المزيد فيه بالزيادة سبعة أحرف؛ فالثلاثي الأصول، نحو:"اشهيباب" مصدر "أشهاب"، والرباعي الأصول، نحو: احر نجام مصدر "احرنجمت الإبل"، أي: اجتمعت، وأما الخماسي الأصول فإنه لا يزاد فيه غير حرف مد قبل الآخر أو بعده مجردا أو مشفوعا بها التأنيث، نحو:"عضرفوط" وهو العطاءة الذكر، وقبعثرى وهو البعير الذي كثر شعره وعظم خلقه، والمشفوع، نحو:"قبعثراة"، وندر "قرعبلانة"؛ لأنه زيد فيه حرفان وأحدهما نون، قيل: إنه لم يسمع إلا من كتاب العين؛ فلا يلتفت إليه، والقرعبلانة: دويبة عريضة عظيمة البطن محبنطية، وقالوا في تصغيرها: قريعبة، وذكر بعضهم أنه زيد في الخماسي حرفا مد قبل الآخر، نحو: مغناطيس، فإن صح ذلك وكان عربيا جعل نادرا، وقد حكاه ابن القطاع، أعني مغناطيس.
تنبيهان: الأول: إنما لم يستثن هنا هاء التأنيث وزيادتي التثنية وجمع التصحيح والنس كما فعل في التسهيل – فقال: والمزيد فيه إن كان اسما لم يجاوز سبعة إلا بهاء التأنيث أو زيادتي التثنية أو جمع التصحيح- لما علم من أن هذه الزوائد غير معتد بها لكونها مقدرة الانفصال.
الثاني: إنما قال خمس وسبعا، ولم يقل خمسة وسبعة؛ لأن حروف الهجاء تذكر وتؤنث؛ فباعتبار تذكيرها تثبت الهاء في عددها، وباعتبار تأنيثها تسقط التاء من عددها.
[أوزان الاسم الثلاثي] :
918-
"
وَغَيْرَ آخِرِ الثُّلَاثِي افْتَحْ وَضُمْ
…
وَاكْسِرْ وَزِدْ تَسْكِيْنَ ثَانِيهِ تَعُمْ
تقدم أن المجرد ثلاثي ورباعي وخماسي؛ فالثلاثي تقتضي القسمة العقلية أن تكون أبنيته اثني عشر بناء؛ لأن أوله يقبل الحركات الثلاث، ولا يقبل السكون؛ إذ لا يمكن الابتداء بساكن، وثانيه يقبل الحركات الثلاث، ويقبل السكون أيضا، والحاصل من ضرب
ثلاثة في أربعة اثنا عشر؛ فهذه جملة أوزان الثلاثي المجرد كما أشار إلى ذلك بقوله "تعم".
919-
وفعل أهمل، والعكس يَقِلُّ
…
لِقَصْدِهِمْ تَخْصِيْص فِعْلٍ بِفُعِل
"وفعل" بكسر الفاء وضم العين "أهمل" من هذه الأوزان؛ لاستثقالهم الانتقال من كسر إلى ضم، وأما قراءة بعضهم "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ"1 بكسر الحاء وضم الباء؛ فوجهت على تقدير صحتها بوجهين؛ أحدهما: أن ذلك من تداخل اللغتين في جزأي الكلمة؛ لأنه يقال: حبك بضم الحاء والباء، وحبك بكسرهما، فركب القارئ منهما هذه القراءة، قال ابن جني: أراد أن يقرأ بكسر الحاء والباء، فبعد نطقه بالحاء مكسورة مال إلى القراءة المشهورة؛ فنطق بالباء مضمومة، قال في شرح الكافية: وهذا التوجيه لو اعترف به من عزيت هذه القراءة له لدل على عدم الضبط ورداءة التلاوة، ومن هذا شأنه لا يعتمد على ما سمع منه؛ لإمكان عروض ذلك له، والآخر: أن يكون كسر الحاء إتباعا لكسر تاء "ذات"، ولم يعتد باللام الساكنة؛ لأن الساكن حاجز غير حصين، قيل: وهذا أحسن "والعكس" وهو فعل بضم الفاء وكسر العين "يقل" في لسان العرب "لقصدهم تخصيص فعل بفعل" فيما لم يسم فاعله، نحو:"ضرب" و"قتل"، والذي جاء منه "دئل" اسم دويبة سميت بها قبيلة من كنانة، وهي التي ينسب إليها أبو الأسود الدؤلي، وأنشد الأخفش لكعب بن مالك الأنصاري [من المنسرح] :
1210-
جَاؤُوا بِجِيْشٍ لَوْ قِيْس مُعْرَسُهُ
…
مَا كَانَ إلَاّ كَعُمْرَس الدُّئِلِ
1 الذاريات: 7.
1210-
التخريج: البيت لكعب بن مالك في ديوانه ص251؛ وشرح شواهد الشافية ص12؛ والمقاصد النحوية 4/ 562؛ وبلا نسبة في أدب الكاتب ص586؛ والاشتقاق ص170؛ وإصلاح المنطق ص166؛ وشرح شافية ابن الحاجب 1/ 37؛ والمصنف 1/ 20.
اللغة: المعرس: المكان الذي ينزل فيه. الدئل: دويبة صغيرة تشبه ابن عرس.
الإعراب: جاؤوا: فعل ماضي، و"الواو": ضمير في محل رفع فاعل. يجيش: جار ومجرور متعلقان بـ"جاؤوا". لو: شرطية غير جازمة. قيس: فعل ماض للمجهول. معرسه: نائب فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير في محل جر بالإضافة. ما: نافية. كان: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره:"هو". إلا: حرف حصر كمعرس: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر "كان"، وهو مضاف. الدئل: مضاف إليه مجرور. =
والرئم اسم للاست، والوعل لغة في الوعل، حكاه الخليل؛ فثبت بهذه الألفاظ أن هذا البناء ليس بمهمل، خلافا لمن زعم ذلك، نعم هو قليل كما ذكر.
تنبيه: قد فهم من كلامه أن ما عدا هذين الوزنين مستعمل كثيرا، أي ليس بمهمل ولا نادر، وهي عشرة أوزان:
أولها: فَعْل، ويكون اسما، نحو:"فلس"، وصفة، نحو:"سهل".
وثانيها: فَعَل، ويكون اسما، نحو:"فرس"، وصفة، نحو:"بطل".
وثالثها: فَعِلٌ، ويكون اسما، نحو:"كبد"، وصفة، نحو:"حذر".
ورابعها: فَعُلٌ، ويكون اسما، نحو:"عضد"، وصفة، نحو:"يقظ".
وخامسها: فِعْلٌ، ويكون اسما، نحو:"عدل"، وصفة، نحو:"نكس".
وسادسها: فِعَلٌ، ويكون اسما، نحو:"عنب"، قال سيبويه: ولا نعلمه جاء صفة إلا في حرف معتل يوصف به الجمع وهو قولهم: "عدي"، وقال غيره: لم يأت من الصفات على فعل إلا "زيم" بمعنى متفرق، و"عدي" اسم جمع. وقال السيرافي: استدرك على سيبويه "قيما" في قراءة من قرأ {دِينًا قِيَمًا} 1 ولعله يقول: إنه مصدر بمعنى القيام، ا. هـ. واستدرك بعض النحاة على سيبويه ألفاظا أخر، وهي "سوى" في قوله تعالى:{مَكَانًا سُوًى} 2 ورجل رضى، وماء روى، وماء صرى، وسبي طيبة ومنهم من تأولها.
وسابعها: فعل، ويكون اسما، نحو: إبل، ولم يذكر سيبويه من فعل إلا إبلا، وقال: لا نعلم في الأسماء والصفات وغيره. وقد استدرك عليه ألفاظ؛ فمن الأسماء إطل –وهي الخاصرة ذكره المبرد، وروى قول امرئ القيس [من الطويل] :
1211-
له إطِلَا ظبي [وساقا نعامة
…
وإرخاء سرحان وتقريب تتفل]
= وجملة "جاءوا
…
": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ما كان
…
": جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب. وجملة "قيس معرسه" جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة "لو قيس ما كان إلا كمعرس": صفة لـ"معرس" محلها الجر.
الشاهد: قوله: "الدئل" حيث ضم حرف الدال، وكسرت الهمزة. وهذا الوزن مهمل في نظر الجمهور لاستثقال الانتقال من الضم إلى الكسر.
1 الأنعام: 161.
2 طه: 58.
1211-
التخريج: البيت لامرئ القيس في ديوانه ص21؛ وبلا نسبة في شرح المفصل 6/ 112 =
بالكسر. وقيل: كسر الطاء إتباع، ووتد، ومشط، ودبس، لغة في الإطل والوتد والمشط والدبس، وقالوا: بأسنانه حبرة أي قلح، وقالوا للعبة الصبيان: حلج بلج. وجلن بلن، وقالوا حبك لغة في الحبك كما تقدم، وعيل اسم بلد، ومن الصفات قولهم: أتان إبد وأمة إبد أي ولود، وامرأة بلز أي ضخمة، قال ثعلب: ولم يأت من الصفات على فعل إلا حرفان: امرأة بلز، وأتان إبد، وأما قوله [من الرجز] :
1212-
عَلَّمها إخْوَانُنَا بَنُو عِجِلْ
…
شُرْبَ النَّبِيْذِ وَاصْطِفَافَاً بِالرَّجِل
= اللغة: الأيطل أو الإطل: الخاصرة. الإرخاء: ضرب من العدو. السرحان: الذئب. التقريب: وضع الرجلين مكان اليدين في العدو. التنفل: ولد الثعلب.
المعنى: يشبه الشاعر خاصرتي فرسه بخاصرتي الظبي في الضمر، وساقيه بساقي النعامة في الطول والانتصاب، وعدمه بإرخاء الذئب، وسيرة بتقريب ولد الثعلب.
الإعراب: له: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. أطلا: مبتدأ مرفوع بالألف لأنه مثنى، وهو مضاف. ظبي: مضاف إليه مجرور. وساقا نعامة، وإرخاء سرحان، وتقريب تنفل: تعرب إعراب "إطلا ظبي".
وجملة "له إطلا ظبي": ابتدائية لا محل لها.
الشاهد فه قوله: "إطل" استدراكا لما ذكره سيبويه من أسماء على وزن "فعل"،
1212-
التخريج: الرجز بلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 73؛ والخصائص 2/ 335؛ وشرح شواهد الإيضاح ص261؛ ولسان العرب 10/ 487 "مسك"، 11/ 430 "عجل"؛ والمقاصد النحوية 4/ 567؛ ونوادر أبي زيد ص40.
اللغة: عجل: فبيلة من ربيعة، وهم بنو عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل.
المعنى: إن شرب الخمرة والغطرسة واصطفاق الأرجل لإظهار هيئة العجرفة مما عليها إياها بنو عجل.
الإعراب: "علمها": فعل ماض مبني على الفتح، و"ها": ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به أول مقدم. "إخواننا": فاعل مؤخر مرفوع بالضمة، و"نا": ضمير متصل في محل جر مجرور بالكسرة. "شرب": مفعول به ثان منصوب بالفتحة. "النبيذ": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "واصطفاقا": "الواو": عاطفة، "اصطفاقا": اسم معطوف منصوب بالفتحة. "بالرجل": جار ومجرور متعلقان بـ"اصطفاقا".
وجملة "علمها": ابتدائية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "عجل" و"بالرجل": نقل حركة اللام إلى الجيم الساكنة قبلها.
فهو من النقل للوقف، أو من الإتباع؛ فليس بأصل.
وثامنها: فُعْلٌ، ويكون اسما، نحو:"قفل"، وصفة، نحو:"حلو".
وتاسعها: فُعَلٌ، ويكون اسما، نحو:"صرد"، وصفة، نحو:"حطم".
وعاشرها: فُعُلٌ، ويكون اسما، نحو:"عنق"، وصفة هو قليل، والمحفوظ منه "جنب" وشلل"، و"ناقة سرح"، أي: سريعة.
[أوزان الفعل الثلاثي] :
920-
وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرِ الثَّانِيَ مِنْ
…
فِعْلٍ ثُلَاثِيَ، وَزِدْ نَحْوَ ضُمِنْ
"وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرِ الثَّانِيَ مِنْ فِعْلٍ ثُلَاثِيَ،" أي للفعل الثلاثي المجرد ثلاثة أبنية؛ لئلا يلزم التقاء الساكنين عند اتصال الضمير المرفوع.
الأول: فَعَلَ، ويكون متعديا، نحو:"ضرب"، ولازما، نحو:"ذهب"، ويرد لمعان كثيرة، ويختص بباب المغالبة، وقد يجئ فَعَلَ مطاوعا لفَعَلَ، بالفتح فيهما، ومنه قوله [من الرجز] :
1213-
قَدْ جَبَرَ الْدَّينَ الإلَهُ فَجَبَرْ
والثاني: فَعِلَ، ويكون متعديا، نحو:"شرب"، ولازما، نحو: فرح، ولزومه أكثر من تعديه؛ ولذلك غلب وضعه للنعوت اللازمة والأعراض والألوان وكبر الأعضاء، نحو:"شنب" و"فلج"، ونحو:"برئ" و"مرض"، ونحو:"سود" و"شهب"، ونحو:"أذن" و"عين". وقد يطاوع فعل بالفتح، نحو:"خَدَعَه فخَدِع".
1213- التخريج: الرجز للعجاج في ديوانه 1/ 2؛ وخزانة الأدب 1/ 103.
الإعراب: قد: حرف تحقيق. جبر: فعل ماض. الدين: مفعول به منصوب. الإله: فاعل مرفوع. فجبر: "الفاء" استئنافية، "جبر": فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره:"هو".
وجملة "جبر الإله": ابتدائية لا محل لها. وجملة "جبر": استئنافية لا محل لها.
الشاهد فيه قوله: "جبر الدين فجبر" حيث جاء به متعديا ولازما.
والثالث: فَعُلَ، نحو:"ظرف"، ولا يكون متعديا إلا بتضمين أو تحويل؛ فالتضمين، نحو:"رحبتكم الدار"، وقول علي:"إن بشرًا قد طَلُعَ اليَمَنَ"، ضمن الأول معنى وسع، والثاني معنى بلغ. وقيل: الأصل: رَحُبَتْ بِكُم، فحذف الخافض توسعا. والتحويل نحو سُدْتُه؛ فإن أصله سَوَدْتُه بفتح العين ثم حول إلى فَعُلَ بضم العين، ونقلت الضمة إلى فائه عند حذف العين، وفائدة التحويل الإعلام بأنه واويُّ العين؛ إذ لو لم يحول إلى فعل وحذفت عينه لالتقاء الساكنين عند انقلابها لالتبس الواوي باليائي. هذا مذهب قوم منهم الكسائي، وإليه ذهب في التسهيل، وقال ابن الحاجب: وأما باب سدته فالصحيح أن الضم لبيان بنات الواو، ولا للنقل.
ولا يرد فعُل إلا لمعنى مطبوع عليه من هو قائم به، نحو:"كرُم" و"لؤُم"، أو كمطبوع، نحو:"فقُه" و"خطُب"، أو شبهه، نحو:"جنُب"، شبه بنجس، ولذلك كان لازما لخصوص معناه بالفاعل.
ولا يرد يائي العين إلا "هيؤ"، ولا متصرفا يائي اللام إلا "نهو" لأنه من النهية وهو العقل، ولا مضاعفا إلا قليلا مشروكا، نحو:"لبب" و"شرر"، وقالوا: لبب وشرر بكسر العين أيضا، ولا غير مضموم عين مضارعه إلا بتداخل لغتين كما في "كدت تكاد"، والماضي من لغة مضارعه "تكود" حكاه ابن خالويه، والمضارع ماضيه كدت بالكسر فأخذ الماضي من لغة والمضارع من أخرى.
وأشار بقوله: "وزد نحو ضمن" إلى أن من أبنية الثلاثي لمجرد الأصلية فعل ما لم يسم فاعله، نحو:"ضمن"؛ فعلى هذا تكون أبنية الثلاثي المجرد أربعة، وإلى كون صيغة ما لم يسم فاعله أصلا ذهب المبرد وابن الطراوة والكوفيون، ونقله في شرح الكافية عن سيبويه والمازني، وذهب البصريون إلى أنها فرع مغيرة عن صيغة الفاعل، ونقله غير المصنف عن سيبويه، وهو أظهر القولين، وذهب إليه المصنف في باب الفاعل من الكافية وشرحها.
تنبيهات: الأول: لما لم يتعرض لبيان حركة فاء الفعل فهم أنها غير مختلفة، وأنها فتحة؛ لأن الفتح أخف من الضم والكسر؛ فاعتباره أقرب.
الثاني: ما جاء من الأفعال مكسور الأول أو ساكن الثاني فليس بأصل، بل هو مغير عن الأصل، نحو:"شَهِدَ" و"شِهِدَ" و"شَهْدَ".
الثالث: مذهب البصريين أن فعل الأمر أصل برأسه، وأن قسمة الفعل ثلاثية، وذهب الكوفيون إلى أن الأمر مقتطع من المضارع؛ فالقسمة عندهم ثنائية؛ فعلى الأول الصحيح كان من حق المصنف إذ ذكر فعل ما لم يسم فاعله أن يذكر فعل الأمر، أو يتركهما معا كما فعل في الكافية. قال في شرحها: جرت عادة النحويين أن لا يذكروا في أبنية الفعل المجرد فعل الأمر، ولا فعل ما لم يسم فاعله، مع أن فعل الأمر أصل في نفسه اشتق من المصدر ابتداء كاشتقاق الماضي والمضارع منه. ومذهب سيبويه والمازني أن فعل ما لم يسم فاعله أصل أيضا، فكان ينبغي على هذا إذا عدت صيغ الفعل المجرد من الزيادة أن يذكر للرباعي ثلاث صيغ: صيغة للماضي المصوغ للفاعل كدحرج، وصيغة له مصوغا للمفعول كدحرج، وصيغة للأمر كدحرج، إلا أنهم استغنوا بالماضي الرباعي المصوغ للفاعل عن الآخرين لجريانها على سنن مطرد، ولا يلزم من ذلك انتقاء أصالتهما كما لم يلزم من الاستدلال على المصادر المطردة بأفعالها انتفاء أصالتها، هذا كلامه.
[أوزان الفعل الرباعي المجرد والمزيد] :
921-
وَمُنْتَهَاهُ أَرْبَعٌ إنْ جُرِّدَا
…
وَإنْ يُزَدْ فِيْهِ فَمَا سِتًّا عَدَا
"ومنتهاه" أي: الفعل "أربع إن جردا" وله حينئذ بناء واحد، وهو فعلل، ويكون متعديا، نحو: دحرج، ولازما، نحو: عربد. وقال الشارح: له ثلاثة أبنية، واحد للماضي المبني للفاعل، نحو:"دحرج"، وفيه ما تقدم من أن عادة النحويين الاقتصار على بناء واحد وهو الماضي المبني للفاعل كما سبق.
"وإن يزد فيه فما ستا عدا" أي جاوز؛ لأن التصرف فيه أكثر من الاسم، فلم يحتمل من عدة الحروف ما احتمله الاسم؛ فالثلاثي يبلغ بالزيادة أربعة، نحو: أكرم، وخمسة، نحو اقتدر، وستة، نحو: استخرج، والرباعي يبلغ بالزيادة خمسة، نحو: تدحرج، وستة، نحو: احرنجم.
تنبيهان: الأول: قال في التسهيل: وإن كان فعلا لم يتجاوز ستة إلا بحرف التنفيس أو
تاء التأنيث أو نون التأكيد، وسكت هنا عن هذا الاستثناء، وهو أحسن؛ لأن هذه في تقدير الانفصال.
الثاني: لم يتعرض الناظم لذكر أوزان المزيد من الأسماء والأفعال؛ لكثرتها، ولأنه سيذكر ما به يعرف الزائد.
أما الأسماء فقد بلغت بالزيادة –في قول سيبويه- ثلاثمائة بناء وثمانية أبنية، وزاد الزبيدي عليه نيفا على الثمانين، إلا أن منها ما يصح، ومنها ما لا يصح.
وأما الأفعال فللمزيد فيه من ثلاثيها خمسة وعشرون بناء مشهورة، وفي بعضها خلاف، وهي: أفعل، نحو: أكرَمَ، وفعِل، ونحو: فرِحَ، وتفعَّلَ، نحو: تعلَّمَ، وفاعَلَ، نحو: ضَارَبَ، وتفاعَلَ، نحو: تَضَارَبَ، وافتعل، نحو: اشتَمَلَ، وانفَعَلَ، نحو: انكسر، واسْتَفْعَلَ، نحو: استغفر، وافعَلَّ، نحو: احمر، وافعال، نحو: اشهاب الفرس، وافعوعل، نحو: اغدودن الشعر، وافعول، نحو: احمر، وافعال، نحو: اشهاب الفرس، وافعوعل، نحو: اغدودن الشعر، وافعول، نحو: اعلوط فرسه إذا اعروراه، وافعولل، نحو: اخشوشن، وافعيل، نحو: اهبيخ، وفوعل، نحو: حوقل إذا أدبر عن النساء، وفعول، نحو: هرول، وفعلل، نحو: شملل إذا أسرع، وفيعل، نحو: بيطر، وفعيل، نحو: طشيا رأيه، ورهيأ إذا غلط، وفعلى، نحو: سلقاه إذا ألقاه على قفاه، وافعنلي، نحو: اسلنقى، وافعنلأ، نحو: احبنطأ لغة في احبنطى إذا نام على بطنه، وافعنلل، نحو: اخرنطم إذا غضب، وفنعل، نحو: سنبل الزرع، وتمفعل، نحو: تمندل إذا مسح يده بالمنديل، والكثير تندل.
ويجيء كل واحد من هذه الأوزان لمعان متعددة لا يحتمل الحال إيرادها هنا.
وللمزيد من رباعيها ثلاثة أبنية: تفعلل، نحو: تدحرج، افعنلل، نحو: احرنجم، وافعلل، نحو: اقشعر، وهي لازمة، اختلف في هذا الثالث؛ فقيل: هو بناء مقتضب، وقيل: هو ملحق باحرنجم، زادوا فيه الهمزة، وأدغموا الأخير فوزنه الآن افعلل، ويدل على إلحاقه باحرنجم مجيء مصدره كمصدره.
[أوزان الاسم الرباعي] :
922-
لاِسْمٍ مُجَرَّدٍ رُبَاعٍ فَعْلَلُ
…
وَفِعْلِلٌ وَفِعْلَلٌ وفُعْلُلُ
923-
وَمَعْ فِعَلَ فُعْلَلٌ، وَإنْ عَلا
…
فَمَعْ فَعَلَّلٍ حَوَى فَعْلَلِلَا
924-
كَذَا فُعَلِّلٌ وَفِعْلَلٌّ، وَمَا
…
غَايَرَ لِلزَّيْدِ أوِ النَّقْصِ انْتَمَى
لاسم مجرد رباع فعلل
…
وفعلل وفعلل وفعلل
وَمَعْ فِعَلَ فُعْلَلٌ" أي للرباعي المجرد ستة أبنية:
الأول: فَعْلَل بفتح الأول والثالث، ويكون اسما، نحو: جعفر وهو النهر الصغير، وصفة ومثلوه بسهلب وشجعم، والسهلب: الطويل، والشجعم: الجريء، وقيل: إن الهاء في سهلب والميم في شجعم زائدتان، وجاء بالتاء عجوز شهربة وشهبرة للكبيرة، وبهكنة للضخمة الحسنة.
الثاني: فِعْلِل بكسر الأول والثالث، ويكون اسما، نحو: زبرج وهو والسحاب الرقيق، وقيل: السحاب الأحمر، وهو من أسماء الذهب أيضا، وصفة: نحو: خرمل، قال الجرمي: الخرمل المرأة الحمقاء مثل الخذعل، ونحو: ناقة دلقم، قال الجوهري: هي التي أكلت أسنانها من الكبر.
الثالث: فِعلَل بكسر الأول وفتح الثالث، ويكون اسما، نحو: درهم، وصفة، نحو: هبلع للأكول.
الرابع: فُعْلُل بضم الأول والثالث، ويكون اسما، نحو: برثن، وهو واحد براثن السباع، وهو كالمخلب من الطير، وصفة، نحو: جرشع للعظيم من الجمال، ويقال الطويل.
الخامس: فِعَل بكسر الأول وفتح الثاني، ويكون اسما، نحو: قمطر وهو وعاء الكتب، وفطحل وهو الزمان الذي كان قبل خلق الناس، قال أبو عبيدة: والأعراب تقول: هو زمن كانت الحجارة فيه رطبة، قال العجاج [من الرجز] :
1214-
وَقَدْ أتَاهُ زَمَنَ الفِطَحْلِ
…
وَالْصَّخْرُ مُبْتَلٌّ كَطِيْن الْوَحْلِ
1214- التخريج: الرجز لرؤبة في ديوانه ص128؛ ولسان العرب 11/ 527 "فطحل"؛ وله أو للعجاج في الحيوان 4/ 202؛ وليس في ديوان العجاج؛ وبلا نسبة في الحيوان 6/ 116.
وقال آخر [من الكامل] :
1215-
زَمَن الفِطَحْلِ إذِ السِّلَامُ رِطَاب
وصفة، نحو: سبطر وهو الطويل الممتد، وجمل قمطر أي صلب، ويوم قمطر، أي شديد.
السادس: فعلل بضم الأول وفتح الثالث، ويكون اسما، نحو: جخدب لذكر الجراد، وصفة، نحو: جرشع بمعنى جرشع بالضم.
تنبيهات: الأول: مذهب البصريين غير الأخفش أن هذا البناء السادس ليس ببناء أصلي، بل هو فرع على فعلل بالضم، فتح تخفيفا؛ لأن جميع ما سمع في الفتح سمع فيه الضم، نحو: خجدب وطحلب وبرقع في الأسماء، وجرشع في الصفات، وقالوا للمخلب جرثن، ولشجر البادية عزفط، ولكساء مخطط برجد، ولم يسمع فيها فعلل بالفتح، وذهب الكوفيون والأخفش إلى أنه بناء أصلي، واستدلوا لذلك بأمرين؛ أحدهما أن الأخفش حكى جؤذرا ولم يحك فيه الضم؛ فدل على أنه غير مخفف، وهو مردود؛ فإن الضم فيه منقول أيضا، وزعم الفراء أن الفتح في جؤذر أكثر، وقال الزبيدي: إن الضم في جميع ما ورد منه
= اللغة: الفطحل: السيل العظيم. وقيل: الزمن الذي كان قبل الخلق.
الإعراب: وقد: "الواو": بحسب ما قبلها، "قد": حرف تحقيق. أتاه: فعل ماض، و"الهاء": ضمير في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره:"هو". زمن: ظرف زمان متعلق بـ"أتاه" وهو مضاف. الفطحل: مضاف إليه مجرور. والصخر: "الواو": حالية، "الصخر": مبتدأ مرفوع. مبتل: خبر المبتدأ مرفوع. كطين: جار ومجرور متعلقان بـ"مبتل"، وهو مضاف. الوحل: مضاف إليه مجرور.
وجملة "وقد أتاه": بحسب الواو. وجملة "والصخر مبتل": في محل نصب حال.
لم يأت بالبيت للاسشهاد على نحو وصرف، بل على أن معنى "فطحل" زمان كانت فيه الحجارة رطبة، وهو زمن ما قبل الخلق.
1215-
التخريج: الشطر بلا نسبة في لسان العرب 11/ 527 "فطحل".
اللغة: السلام: الحجارة.
الإعراب: زمن: ظرف زمان متعلق بما قبله غير الواضح، وهو مضاف. الفطحل: مضاف إليه مجرور. إذ: ظرف للزمن الماضي بدل من "زمن". السلام: مبتدأ مرفوع. رطاب: خبر المبتدأ مرفوع.
وجملة "السلام رطاب": في محل جر مضاف إليه.
جاء بالشطر لتوكيد معنى "الفحطل" كما في الرجز السابق.
أفصح. والآخر: أنهم قد ألحقوا به؛ فقالوا: عندد، يقال: مالي عن ذلك عندد، أي بد، وقالوا: عاطت الناقة عوططا إذا اشتهت الفحل، وقالوا: سودد؛ فجاءوا بهذه الأمثلة مفكوكة، وليست من الأمثلة التي استثنى فيها فك المثلين لغير الإلحاق؛ فوجب أن يكون للإلحاق، وأجاب الشارح بأنا لا نسلم أن فك الإدغام للإلحاق بنحو: جخدب، وإنما هو لأن فعلل من الأبنية المختصة بالأسماء فقياسه الفك كما في جدد وظلل وحلل، وإن سلمنا أنه للإلحاق قد نسلم أنه لا يلحق إلا بالأصول؛ فإنه قد ألحق بالمزيد فيه فقالوا: اقعنسس فألحقوا بحرنجم؛ فكما ألحق بالفرع بالزيادة؛ فكذا يلحق بالفرع بالتخفيف.
الثاني: ظاهر كلام الناظم هنا موافقة الأخفش والكوفيين على إثبات أصالة فعلل، وقال في التسهيل: وتفريع فعلل على فعلل أظهر من أصالته.
الثالث: زاد قوم من النحويين في أبنية الرباعي ثلاثة أوزان: وهي فعلل بكسر الأول وضم الثالث، حكى ابن جني أنه يقال لجوز القطن الفاسد: خرفع، ويقل أيضا لزئبر الثوب: زئبر، وللضئبل وهو من أسماء الداهية: ضئبل، وفعل بضم الأول وفتح الثاني، نحو: خبعث ودلمز، وفعلل بفتح الأول وكسر الثالث، نحو: طحربة، ولم يثبت الجمهور هذه الأوزان، وما صح نقله منها فهو عندهم شاذ، وقد ذكر الأول من هذه الثلاثة في الكافية فقال: وربما استعمل أيضا فعلل، والمشهور في الزئبر والضئبل كسر الأول والثالث.
الرابع: قد علم بالاستقراء أن الرباعي لا بد من إسكان ثانيه أو ثالثه، ولا يتوالي أربع حركات في كلمة، ومن ثم لم يثبت فعلل، وأما علبط للضخم من الرجال، وناقة علبطة أي عظيمة؛ فذلك محذوف من فعالل، وكذلك دودم، وهو شيء يشبه الدم يخرج من شجر السمر، ويقال حينئذ: حاضت السمرة، وكذلك لبن عثلط وعجلط وعكلط: أي ثخين خاثر، ولا فعلل، وأما عرثن لنبت يدبغ به فأصله عرنثن مثل قرنفل، ثم حذفت منه النون كما حذفت الألف من علابط، واستعملوا الأصل والفرع، وكذلك عرقصان أصله عرنقصان، حذفوا النون وبقي على حاله وهو نبت، ولا فعلل وأما جندل فإنه محذوف من جنادل، والجندل: الموضع فيه حجارة، وجعله الفراء وأبو علي فرعا على فعليل، وأصله جنديل، واختاره الناظم؛ لأن جندلا مفرد فتفريعه على المفرد أولى، وقد أورد بعضهم هذه الأوزان على أنها من الأبنية الأصول وليست محذوفة، وليس بصحيح لما سبق.
[أوزان الاسم الخماسي] :
"وإن علا" الاسم المجرد عن أربعة، وهو الخماسي "وَمَعْ فِعَلَ فُعْلَلٌ حوى فعلللا كذا فعلل وفعلل".
فالأول من هذه الأبنية: فعلل، وهو بفتح الأول والثاني والرابع، ويكون اسما، نحو: سفرجل، وصفة، نحو: شمردل للطويل.
والثاني: وهو بفتح الأول والثالث وكسر الرابع، قالوا: لم يجيء إلا صفة، نحو: جحمرش للعظيمة من الأفاعي، وقال السيرافي: هي العجوز المسنة، وقهبلس للمرأة العظيمة، وقيل: لحشفة الذكر، وقيل: لعظيم الكمرة فيكون اسما.
والثالث، وهو بضم الأول وفتح الثاني وكسر الرابع، يكون اسما، نحو: خزعبل للباطل وللأحاديث المستطرفة، وقذعمل، يقال: ما أعطاني قذعملا، أي شيئا، وصفة يقال: جمل قذعمل للضخم، والقذعملة من النساء القصيرة، وجمل خبعثن وهو الضخم أيضا، وقيل: الشديد الخلق العظيم، وبه سمي الأسد.
والرابع: وهو بكسر الأول وفتح الثالث، يكون اسما، نحو: قرطعب وهو الشيء الحقير، وصفة، نحو: جردحل، وهو الضخم من الإبل، وحنزقر وهو القصير.
تنبيه: زاد ابن السراج في أوزان الخماسي فعللل، نحو: هندلع اسم بقلة، ولم يثبته سيبويه، والصحيح أن نونه زائدة، وإلا لزم عدم النظير، وأيضا قد حكى كراع في الهندلع كسر ابهاء؛ فلو كانت النون أصلية لزم كون لخماسي على ستة أوزان؛ فيفوت تفضيل الرباعي عليه، وهو مطلوب، ولأنه يلزم على قوله أصالة نون كنهبل؛ لأن زيادتها لم تثبت إلا لأن الحكم بأصالتها موقع في عدم النظير، مع أن نون هندلع ساكنة ثانية؛ فأشبهت نون عنبر وحنظل ونحوهما، ولا يكاد يوجد نظير كنهبل في زيادة نون ثانية متحركة؛ فالحكم على نون هندلع بالزيادة أولى، وزاد غيره للخماسي أوزانا أخر. لم يثبتها الأكثرون لندورها واحتمال بعضها للزيادة فلا تطيل بذكرها.
"وما غاير" من الأسماء المتمكنة ما سبق من الأمثلة "للزيد أو النقص انتمى"، نحو: يد وجندل واستخراج، وكان ينبغي أن يقول: أو الندور؛ لأن نحو: طحربة مغاير للأوزان المذكورة، ولم ينتم إلى الزيادة ولا النقص، ولكنه نادر كما سبق، ولهذا قال في
التسهيل: وما خرج عن هذه المثل فشاذ، أو مزيد فيه، أو محذوف منه، أو شبه الحرف، أو مركب أو أعجمي.
925-
وَالْحَرْفُ إنْ يَلْزَم فَأَصْلٌ
…
وَالَّذِي لَا يَلْزَمُ الْزَّائِدُ، مِثْلُ تَا احْتُذِي
"وَالْحَرْفُ إنْ يَلْزَم" الكلمة في جميع تصاريفها "فأصل والذي * لا يلزم" بل يحذف في بعض التصاريف فهو "الزائد مثل تا احتذي" لأنك تقول: حذا حذوه؛ فتعلم بسقوط التاء أنها زائدة في احتذى، يقال: احتذى به أي اقتدى به، ويقال أيضا "احتذى" أي انتعل، قال [من الرجز] :
1216-
كلَّ الْحِذَاءِ يَحْتذي الحافِي الوقع
والحذاء: النعل، وأما الساقط لعلة من الأصول كواو يعد؛ فإنه مقدر الوجود، كما أن الزائد اللازم كنون قرنفل وواو كوكب في تقدير السقوط، ولذا يقال: الزائد ما هو ساقط في أصل الوضع تحقيقا أو تقديرا.
[أسباب زيادة الحروف] :
واعلم أن الزيادة تكون لأحد سبعة أشياء: للدلالة على معنى كحرف المضارعة وألف المفاعلة، وللإلحاق كواو وجدول، وياء صيرف وعثير، وألف أرطى ومعزى، ونون جحنفل ورعشن، وللمد كألف رسالة، وياء صحيفة، وواو حلوبة، وللعوض كتاء زنادقة وإقامة، وسين يسطيع، وميم اللهم، وللتكثير كميم ستهم وزرقم وابنم، زيدت لتفخيم المعنى وتكثيره، ومن هذا المعنى ألف قبعثرى وكمثرى، وللإمكان كألف الوصل؛ لأنه لا
1216- التخريج: لم أقع عليه فيما عدت إليه من مصادر.
اللغة: احتذى: اقتدى، انتعل. الوقع: المشتكي وجع قدميه.
الإعراب: كل: مفعول به منصوب، وهو مضاف. الحذاء: مضاف إليه مجرور. يحتذي: فعل مضارع مرفوع، الحافي: فاعل مرفوع. الوقع: نعت "الحافي" مرفوع.
وجملة "يحتذي": ابتدائية لا محل لها.
الشاهد: في قوله: "يحتذي" بمعنى "ينتعل" لا بمعنى "يقتدي".
يمكن أن يبتدأ بساكن، وهاء السكت في نحو: عِهْ وقِهْ؛ لأنه لا يمكن أن يبتدأ بحرف ويوقف عليه، وللبيان كهاء السكت في نحو: مَالِيَهْ ويا زَيْدَاه، زيدت لبيان الحركة، وبيان الألف.
تنبيهان: الأول: الزائد نوعان:
أحدهما: أن يكون تكرير أصل لإلحاق أو لغيره؛ فلا يختص بأحرف الزيادة، وشرطه أن يكون تكرير عين إما مع الاتصال، نحو: قتل، أو مع الانفصال بزائد نحو عقنقل، أو تكرير لام كذلك، نحو: جلبب وجلباب، أو فاء وعين مع مباينة اللام، نحو: مرمريس وهو قليل، أو عين ولام مع مباينة الفاء، نحو: صمحمح.
أما مكرر الفاء وحدها كقرقف وسندس، أو العين المفصولة بأصلي كحدرد فأصلي.
والآخر: أن يكون تكرير أصل، وهذا لا يكون إلا أحد الأحرف العشرة المجموعة في "أمان وتسهيل"، وهذا معنى تسميتها حروف الزيادة، وليس المراد أنها تكون زائدة أبدا؛ لأنها قد تكون أصولا، وذلك واضح. وأسقط المبرد من حروف الزيادة الهاء، وسيأتي الرد عليه.
[أدلة زيادة الحرف] :
الثاني: أدلة زيادة الحرف عشرة:
أولها: سقوطه من أصل، كسقوط ألف ضارب في أصله أعني المصدر.
ثانيها: سقوط من فرع، كسقوط ألف كتاب في جمعه على كتب.
ثالثها: سقوطه من نظيره كسقوط ياء أيطل في إطل، والإيطل: الخاصرة.
وشرط الاستدلال بسقوط الحرف من أصل أو فرع أو نظير على زيادته أن يكون سقوطه لغير عله، فإن كان سقوطه لعله كسقوط واو وعد في يعد أو في عدة لم يكن دليلا على الزيادة.
رابعها: كون الحرف مع عدم الاشتقاق في موضع يلزم فيه زيادته مع الاشتقاق، وذلك كالنون إذا وقعت ثالثة ساكنة غير مدغمة وبعدها حرفان، نحو: ورنتل وهو الشر، وشرنبث
وهو الغليظ الكفين والرجلين، وعصنصر وهو جبل؛ فالنون في هذه ونحوها زائدة؛ لأنها في موضع لا تكون فيه مع المشتق إلا زائدة، نحو: جحنفل من الجحفلة، وهي لذي الحافر كالشفة للإنسان، والجحنفل: العظيم الشفة، وهو أيضا الجيش العظيم.
خامسا: كون مع عدم الاشتقاق في موضع يكثر فيه زيادته مع الاشتقاق، كالهمزة إذا وقعت أولا بعدها ثلاثة أحرف، فإنها يحكم عليها بالزيادة وأن لم يعلم الاشتقاق؛ فإنها قد كثرت زيادتها إذا وقعت كذلك فيما علم اشتقاقه، وذلك، نحو: أرنب وإفكل، يحكم بزيادة همزته حملا على ما عرف اشتقاقه، نحو: أحمر، والإفكل: الرعدة.
سادسها: اختصاصه بموضع لا يقع فيه إلا حرف من حروف الزيادة كالنون من كنتأو، ونحو: حنطأو وسندأو وقندأو، فالكنتأو: الوافر اللحية، والحنطأو: العظيم البطن، والسندأو والقندأو: الرجل الخفيف.
سابعها: لزوم عدم النظير بتقدير الأصالة في تلك الكلمة، نحو: تتفل بفتح التاء الأولى وضم الفاء، وهو ولد الثعلب، فإن تء زائدة؛ لأنها لو جعلت أصلا لكان وزنه فعلل وهو مفقود.
ثامنها: لزوم عدم النظير بتقدير الأصالة في نظير الكلمة التي ذلك الحرف منها، نحو: تتفل على لغة من ضم التاء والفاء، فإن تاءه أيضا زائدة على هذه اللغة وإن لم يلزم من تقدير أصالتها عدم النظير؛ فإنها لو جعلت أصلا كان وزنه فعلل وهو موجود، ونحو: برثن، لكن يلزم عدم النظير أعنى لغة الفتح، فلما ثبتت زيادة التاء في لغة الفتح حكم بزيادتها في لغة الضم أيضا؛ إذ الأصل اتحاد المادة.
تاسعها: دلالة الحرف على معنى كحروف المضارعة وألف اسم الفاعل.
عاشرها: الدخول في أوسع البابين عند لزوم الخروج عن النظير، وذلك في كنهبل، فإن وزنه على تقدير أصالة النون فعلل كسفرجل بضم الجيم وهو مفقود، وعلى تقدير زيادتها فعنلل وهو مفقود أيضا، ولكن أبنية المزيد في أكثر، ومن أصولهم المصير إلى الكثير. ذكر هذا ابن إياز وغيره، وقال المرادي: هو مندرج في السابع، ا. هـ.
[الميزان الصرفي] :
926-
بِضِمْنِ فِعْلٍ قَابِلِ الأُصُوْلَ فِي
…
وَزْنٍ وَزَائِدٌ بِلَفْظِهِ اكْتُفِيْ
"بِضِمْنِ فِعْلٍ قَابِلِ الأُصُوْلَ فِي وَزْنٍ" يعني إذا أردت أن تزن كلمة لتعلم الأصل منها والزائد فقابل أصولها بأحرف فعل: الأول بالفاء، والثاني بالعين، والثالث باللام، مسويا بين الميزان والموزون في الحركة والسكون؛ فتقول في فلس فعل، وفي ضرب فعل بفتح الفاء والعين، وكذلك في قام وشد لأن أصلهما قوم وشدد، وفي علم فعل، وكذلك في هاب ومل، وفي ظرف فعل، وكذلك في طال وحب "وزائد بلفظه اكتفي" عن تضعيف أصله من الميزان؛ فتقول في أكرم وبيطر وجوهر وانقطع واجتمع واستخرج وانقطاع واجتماع واستخراج: أفعل وفيعل وفوعل وانفعل وافتعل واستفعل وانفعال وافتعال واستفعال.
واستثنى من الزائد نوعان لا يعبر عنهما بلفظهما:
أحدهما: المبدل من تاء الافتعال؛ فإنه يعبر عنه بالتاء التي هي أصله؛ فيقال في وزن اصطبر: افتعل، وذلك لأن المقتضي للإبدال مفقود في الميزان.
والآخر المكرر لإلحاق أو غيره؛ فإنه يقابل بما يقابل به الأصل كما يأتي بيانه.
927-
وَضَاعِفِ اللَاّم إذَا أَصْلٌ بَقِي
…
كَرَاءِ جَعْفَرٍ وَقَافِ فُسْتُق
"وضاعف اللام" من الميزان "إذا أصل بقي" من الموزون، بأن يكون رباعيا أو خماسيا "كراء جعفر وقاف فستق"، وجيم ولا سفرجل، وميم ولام قذعمل؛ فتقول في وزن الأول فعلل، وفي الثاني فعلل، والثالث فعلل، والرابع: فعلل.
928-
وَإنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ أَصْل
…
فَاجْعَلْ لَهُ فِي الْوَزْنِ مَا لِلأَصْلِ
"وَإنْ يَكُ الزَّائِدُ ضِعْفَ أَصْل فَاجْعَلْ لَهُ فِي الْوَزْنِ" من أحرف الميزان "ما للأصل" الذي هو ضعفه منها؛ فإن كان ضعف الفاء قوبل بالفاء، وإن ان ضعف العين قوبل بالعين، وإن كان ضعف اللام قوبل باللام؛ فتقول في حلتيت فعليل، وفي سحنون فعلول، وفي مرمريس فعفعيل، وفي اغدودن افعوعل، وفي جلبب فعلل. وأجاز بعضهم مقابلة هذا الزائد
بمثله؛ فتقول في حلتيت فعليت، وفي سحنون فعلون، وفي مرميس فعمريل، وفي اغدودن افعودل، وفي جلبب فعلب. ويلزم من هذا المذهب أمران مكروهان؛ أحدهما: تكثير الأوزان مع إمكان الاستغناء بواحد، في نحو: صبر وقتر وكثر، فإن وزن هذه وما شاكلها على القول المشهور فعل، ووزنها على القول المرغوب عنه فعبل، وفعتل، وفعثل، وكذا إلى آخر الحروف وكفى بهذا الاستثقال منفرا. والآخر: التباس ما يشاكل مصدره تفعيلا بما يشاكل مصدره فعلله، وذلك أن الثلاثي المعتل العين قد تضعف عينه للإلحاق ولغير الإلحاق، ويتحد اللفظ به كبين مقصودا به الإلحاق ومقصودا به التعدية؛ فعلى القصد الأول مصدره تبينة مشاكل دحرجة، وعلى القصد الثاني مصدر تبيين، ولا يعلم امتياز المصدرين إلا بعد العلم باختلاف وزني الفعلين، واختلاف وزني الفعلين فيما نحن بصدده ليس إلا على المذهب المشهور.
تنبيهات: الأول: إذا لم يكن الزائد من حروف "أمان وتسهيل" فهو ضعف أصل كالباء من جلبب، وإن كان منها فقد يكون ضعفا، نحو: سأل، وقد يكون غير ضعف بل صورته صورة الضعف ولكن دل الدليل على أنه لم يقصد به تضعيف؛ فيقابل في الوزن بلفظه، نحو: سمنان –وهو ماء لبني ربيعة- فوزنه فعلان لا فعلان؛ لأن فعلالا بناء نادر لم يأت منه غير المكرر، نحو: الزلزال إلا خزعال وهو ناقة بها ظلع، وقهقار للحجر. وأما بهرام وشهرام فعجميان.
الثاني: المعتبر في الوزن ما استحقه الموزون من الشكل قبل التغيير؛ فيقال في وزن رد ومرد فعل ومفعل؛ لأن أصلهما ردد ومردد.
الثالث: إذا وقع في الموزون قلب تقلب الزنة؛ لأن الغرض من الوزن التنبيه على الأصول والزوائد على ترتيبها؛ فتقول في وزن آدر أعفل؛ لأن أصله أدور، قدمت العين على الفاء، وتقول في ناء فلع، لأنه من النأي، وفي الحادي عالف، لأنه من الوحدة، وكذلك إذا كان في الموزون حذف وزن باعتبار ما صار إليه بعد الحذف؛ فتقول في وزن قاض فاع، وفي بع فل، وفي يعد يعل، وفي عدة علة، وفي عه أمر من الوعي عه، إلا إذا أريد بيان الأصل في المقلوب والمحذوف؛ فيقال: أصله كذا ثم أعل، ا. هـ.
929-
وَاحْكُمْ بِتَأْصِيْل حُرُوفِ سِمْسِم
…
وَنَحْوِهِ وَالْخُلْفُ فِي كَلَمْلِم
واحكم بتأصيل" أصول "حروف" الرباعي التي تكررت فاؤه وعينه، وليس أحد المكررين فيه صالحا للسقوط، كحروف "سمسم * ونحوه" لأن أصالة أحد المكرين فيه واجبة تكميلا لأقل الأصول، وليس أصالة أحدهما أولى من أصالة الآخر، فحكم بأصالتهما معا "والخلف في" الرباعي المذكور الذي أحد المكررين فيه صالح للسقوط "كلملم" أمر من لملم وكفكف أمر من كفكف؛ فاللام الثانية والكاف الثانية صالحان للسقوط، بدليل صحة كف ولم، فقيل: إنه كالنوع الأول حروفه كلها محكوم بأصالتها، وإن مادة لملم وكفكف غير مادة "لم" و"كف"؛ فوزن هذا النوع فعلل كالنوع الأول، وهذا مذهب البصريين إلا الزجاج، وقيل: إن الصالح للسقوط زائد؛ فوزن كفكف على هذا فعكل، وهذا مذهب الزجاج، وقيل: إن الصالح للسقوط بدل من تضعيف العين، فأصل لملم: لمم، فاستثقل توالي ثلاثة أمثال فأبدل من أحدها حرف يماثل الفاء، وهذا مذهب الكوفيين، واختاره الشارح، ويرده أنهم قالوا في مصدره: فعللة، ولو كان مضاعفا في الأصل لجاء على التفعيل.
فإن تكرر في الكلمة حرفان وقبلهما حرف أصلي كصمحمح وسمعمع حكم فيه بزيادة الضعفين الأخيرين؛ لأن أقل الأصول محفوظ بالأولين، والسابق، كذا قال في شرح الكافية. وقال في التسهيل: فإن كان في الكلمة أصل غير الأربعة حكم بزيادة ثاني فاتفق كلامه في نحو: مرمريس، واختلف في نحو: صمحمح؛ فوزنه في كلامه الأول على طريقة من يقابل الزائد بلفظه فعلمح، وفي كلامه الثاني فعحمل. واستدل بعضهم على زيادة الحاء الأولى، وفي نحو: صمحمح والميم الثانية، في نحو: مرمريس بحذفهما في التصغير، حيث قالوا: صميمح، ومريريس، ونقل عن الكوفيين في صمحمح أن وزنه فعلل، وأصله صمحح أبدلوا الوسطى ميما.
[ما تطرد زيادته من الحروف] :
ولما فرغ من بيان ما يعرف به الزائد من الأصل شرع في بيان ما تطرد زيادته من الحروف العشرة، فقال:
930-
"
فَأَلِفٌ أَكْثَرَ مِنْ أَصْلَيْنِ
…
صَاحَبَ زَائِدٌ بِغَيْرِ مَيْنِ
ألف: مبتدأ، والجملة بعده صفة له، وزائد: خبره، والمين: الكذب.
أي إذا صحبت الألف أكثر من أصلين حكم بزيادتها؛ لأن أكثر ما وقعت الألف فيه كذلك دل الاشتقاق على زيادتها فيه، فيحمل عليه ما سواه، فإن صحبت أصلين فقط لم تكن زائدة، بل بدلا من أصل ياء أو واو، نحو: رمى ودعا ورحا وعصا وباع وقال وناب وباب، وما ذكره إنما هو في الأسماء المتمكنة والأفعال، أما المبنيات والحروف فلا وجه للحكم بزيادتها فيها؛ لأن ذلك إنما يعرف بالاشتقاق، وهو مفقود، وكذلك الأسماء الأعجمية كإبراهيم وإسحاق.
واعلم أن الألف لا تزاد أولا؛ لامتناع الابتداء بها، وتزاد في الاسم ثانية، نحو: ضارب، وثالثة، نحو: كتاب، ورابعة، نحو: حبلى وسرداح، وخامسة، نحو: انطلاق وحلبلاب، وسادسة، نحو: قبعثرى، وسابعة، نحو: أربعاوى، وتزاد في الفعل ثانية، نحو: قاتل، وثالثة، نحو: تغافل، ورابعة، نحو: سلقى، وخامسة، نحو: أجأوى، وسادسة، نحو: اغرندى.
تنبيهان: الأول: يستثنى من كلامه نحو عاعى وضوضى من مضاعف الرباعي، فإن الألف فيه بدل من أصل، وليست زائدة.
الثاني: إذا كانت الألف مصاحبة لأصلين ولثالث يحتمل الأصالة والزيادة، فإن قدرت أصالته فالألف زائدة، وإن قدرت زيادته فالألف غير زائدة، لكن إن كان المحتمل همزة أو ميما مصدرة أو نونا ثالثة ساكنة في خماسي كان الأرجح الحكم عليه بالزيادة وعلى الألف بأنها منقلبة عن أصل، نحو: أفعى وموسى وعقنقى إن وجد في كلامهم، وما لم يدل دليل على أصالة هذه الأحرف وزيادة الألف كما في أرطى عند من يقول أديم مأروط أي مدبوغ
بالأرطى، وكما في معزى لقولهم معز ومعز، وإن كان المحتمل غير هذه الثلاثة حكمنا بأصالته وزيادة الألف، انتهى.
931-
وَاليَا كَذَا وَالْوَاوُ إنْ لَمْ يَقَعَا
…
كَمَا هُمَا فِي يُؤْيُؤٍ وَوَعْوَعَا
واليا كذا والواو" أي مثل الألف في أن كلا منهما إذا صحب أكثر من أصلين حكم بزيادته "إن لم يقعا" مكررين "كما هما في يؤيؤ" اسم طائر ذي مخلب يشبه الباشق "ووعوعا" إذا صوت؛ فهذا النوع يحكم فيه بأصالة حروفه كلها، كما حكم بأصالة حروف سمسم.
والتقسيم السابق في الألف يأتي هنا أيضا؛ فتقول: كل من الياء والواو له ثلاثة أحوال: فإن صحب أصلين فقط فهو أصل كبيت وسوط، وإن صحب ثلاثة فصاعدا مقطوعا بأصالتها فهو زائد إلا في الثنائي المكرر كما تقدم في المتن، وإن صحب أصلين وثالثا محتملا، فإن كان المحتمل همزة أو ميما مصدره حكم بزيادة المصدر منهما وأصالة الياء والواو، نحو: أيدع ومزود، إلا أن يدل دليل على أصالة المصدر وزيادتهما كما في أولق عند من يقول "ألق فهو مألوق" أي جن فهو مجنون، وكما في أيطل لما تقدم من قولهم فيه إطل، أو أصالة الجميع كما في مريم ومدين؛ فإن وزنهما فعلل، لا فعيل؛ لأنه ليس في الكلام، ولا مفعل وإلا وجب الإعلال، وإن كان المحتمل غيرهما حكم بأصالته وزيادة الياء والواو، مالم يدل دليل على خلاف ذلك كما في نحو: يهير وهو الحجر الصلب، وقال ابن السراج: اليهير اسم من أسماء اليهير أي من السراب؛ فإنه قضى فيه يزيادة الياء الأولى دون الثانية؛ لأنه ليس في الكلام فعيل، ولا خفاء في زيادتها في نحو: يحمر، وكما في عزويت وهو اسم موضع، وقيل: هو القصير أيضا؛ فإنه قضي فيه بأصالة الواو وزيادة الياء والتاء؛ لأنه لا يمكن أن يكون وزنه فعويلا؛ لأنه ليس في الكلام، ولا فعليلا لأن الواو لا تكون أصلا في بنات الأربعة، ولا فعويتا لأن الكلمة تصير بغير لام؛ فتعين أن يكون وزنه فعليتا مثل عفريت.
واعلم أن الياء تزاد في الاسم أولى، نحو: يلمع، وثانية، ونحو: ضيغم، وثالثة،
نحو: قضيب، ورابعة، نحو: حذرية، وخامسة، نحو: سلحفية، قيل: وسادسة، نحو: مغناطيس، وسابعة، نحو: خنزوانية، وتزاد في الفعل أولى، نحو: يضرب، وثانية، نحو: بيطر، وثالثة عند من أثبت فعيل في أبنية الأفعال، نحو: رهيأ، ورابعة، نحو: قلسيت، وخامسة، نحو: تقلسيت، وسادسة، نحو: اسلنقيت.
والواو تزاد في الاسم ثانية، نحو: كوثر، وثالثة، نحو: عجوز، ورابعة، نحو: عرقوة، وخامسة، نحو: قلنسوة، وسادسة، نحو: أربعاوي، وتزاد في الفعل ثانية، نحو: حوقل، وثالثة، نحو: جهور، ورابعة، نحو: اغدودن.
تنبيهان: الأول: مذهب الجمهور أن الواو لا تزاد أولا، قيل: لثقلها، وقيل: لأنها إن زيدت مضمومة اطرد همزها، أو مكسورة فكذلك، وإن كان همز المكسورة أقل، أو مفتوحة فيتطرق إليها الهمز؛ لأن الاسم يضم أوله في التصغير، والفعل يضم أوله عند بنائه للمفعول؛ فلما كانت زيادتها أولا تؤدي إلى قلبها همزة رفضوه؛ لأن قلبها همزة قد يوقع في اللبس، وزعم قوم أن واو ورنتل زائدة على سبيل الندور؛ لأن الواو لا تكون أصلا في بنات الأربعة، وهو ضعيف؛ لأنه يؤدي إلى بناء وفنعل وهو مفقود، والصحيح أن الواو أصلية، وأن اللام زائدة مثلها في فحجل بمعنى فحج، وهدمل بمعنى هدم؛ فإن لزيادة اللام آخرا نظائر، بخلاف زيادة الواو أولا.
الثاني: إذا تصدرت الياء وبعدها ثلاثة أصول فهي زائدة كما سبق في يلمع؛ وإذا تصدرت وبعدها أربعة أصول في غير المضارع فهي أصل كالياء في يستعور، وهو اسم مكان بالحجاز، وهو أيضا اسم شجر يستاك به؛ لأن الاشتقاق لم يدل على الزيادة في مثله إلا في المضارع، ا. هـ.
932-
"
وَهكَذَا هَمْزٌ وَمِيمٌ سَبَقَا
…
ثَلَاثَةً تَأْصِيْلُهَا تَحَقَّقَا
أي الهمزة والميم متساويان في أن كلا منهما إذا تصدر وبعده ثلاثة أحرف مقطوع بأصالتها فهو زائد، نحو أحمد ومسجد؛ لدلالة الاشتقاق في أكثر الصور على الزيادة؛ فحمل عليه ما سواه.
فخرج بقيد التصدر الواقع منهما حشوا أو آخرا؛ فإنه لا يقضي بزيادته إلا بدليل كما سيأتي بيانه.
وبقيد الثلاثة، نحو: أكل ومهد، ونحو: إصطبل ومرزجوش.
وبقيد الأصالة، نحو: أمان ومعزى.
وبقيد التحقق، نحو: أرطى؛ فإنه سمع في المدبوغ به مأروط، ومرطي؛ فمن قال مأروط جعل الهمزة أصلية والألف زائدة، ومن قال مرطي جعل الهمزة زائدة والألف بدلا من ياء أصلية؛ فوزنه على الأول فعلى وألفه زائدة للإلحاق؛ فلو سمي به لم ينصرف للعلمية وشبه التأنيث، ووزنه على الثاني أفعل؛ فلو سمي به لم ينصرف للعلمية ووزن الفعل، والقول الأول أظهر؛ لأن تصاريفه أكثر؛ فإنهم قالوا "أرطت الأديم" إذا دبغته بالأرطى، و"أرطت الإبل" إذا أكلته، و"آرطت الأرض" إذا أنبتته. وقيل أيضا:"أرطت الأرض" إذا أنبتت الأرطي، وكذا الأولق؛ لأنه قيل: هو من ألق فهو مألوق إذا جن، فالهمزة أصل والواو زائدة، وقيل: هو من "ولق" إذا أسرع؛ فالهمزة زائدة والواو أصل، ووزنه أفعل، والأول أرجح. وكذا الأوتكي لنوع من التمر رديء دائر بين أن يكون وزن أفعلى كأجفلى، وفوعلى كخوزلى. ويخرج به أيضا نحو: موسى فإن ميمه محتملة الأصالة والزيادة، ولكن الأرجح الزيادة كما مر.
تنبيهات: الأول: محل الحكم بزيادة ما استكمل القيود المذكورة من الحرفين المذكورين ما لم يعارضه دليل على الأصالة من اشتقاق ونحوه، فإن عارضه دليل على الأصالة عمل بمقتضى الدليل، كما في ميم مرجل ومغفور ومرعزي، حكم بأصالتها على أن بعدها ثلاثة أصول.
أما "مرجل" فمذهب سيبويه وأكثر النحويين أن ميمه أصل؛ لقولهم "مرجل الحائك الثوب" إذا نسجه موشى بوشي يقال له المراجل، قال ابن خروف: المرجل ثوب يعمل بدارات كالمراجل وهي قدور النحاس، وقد ذهب أبو العلاء المعري إلى زيادة ميم "مرجل" اعتمادا على الأصل المذكور، وجعل ثبوتها في التصريف كثبوت ميم تمسكن من المسكنة، وتمندل من المنديل، وتمدرع إذا لبس المدرعة، والميم فيها زائدة، ولا حجة له في ذلك؛ لأن الأكثر في هذا تسكن، وتندل، وتدرع، قال أبو عثمان: هو الأكثر في كلام العرب.
وأما "مغفور" فعن سيبويه فيه قولان: أحدهما أن الميم زائدة، والآخر أنها أصل، لقولهم "ذهبوا يتمغفرون" أي يجمعون المغفور، وهو ضرب من الكمأة.
وأما "مرعزى" فذهب سيبويه إلى أن ميمه زائدة، وذهب قوم منهم الناظم إلى أنها أصل، لقولهم كساء ممرعز، دون مرعز.
وكما في همزة "إمعة" وهو الذي يكون تبعا لغير لضعف رأيه، والذي يجعل دينه تبعا لدين غيره ويقلده من غير برهان، حكم بأصالة همزته على أن بعدها ثلاثة أصول؛ فوزنه فعلة لا إفعلة لأنه صفة، وليس في الصفات إفعلة، وأمرة مثل إمعة وزنا ومعنى وحكما، وهو الذي يأتمر لكل من يأمره لضعف رأيه، ويقال أيضا: إمع، وإمر.
الثاني: أفهم قوله "سبقا" أنهما لا يحكم بزيادتهما متوسطتين، ولا متأخرتين إلا بدليل.
ويستثنى من ذلك الهمزة المتأخرة بعد ألف وقبلها أكثر من أصلين، كما سيأتي في كلامه.
فمثال ما حكم فيه بزيادة الهمزة وهي غير مصدرة شمأل، واحبنطأ.
ومثال ما حكم في بزيادة الميم وهي غير مصدرة دلامص وزرقم، وبابه.
أما الشمأل فالدليل على زيادة همزتها سقوطها في بعض لغاتها، وفيها عشر لغات شمأل، وشأمل، بتقديم الهمزة على الميم، وشمال على وزن قذال، وشمول بفتح الشين وشمل بفتح الميم، وشمل بإسكان الميم، وشيمل على وزن صيقل، وشمال على وزن كتاب، وشميل على وزن طويل، وشمأل بتشديد اللام، واستدل ابن عصفور وغيره على زيادة همزة شمأل بقولهم "شملت الريح" إذا هبت شمالا، واعترض بأنه يحتمل أن يكون أصله شمألت فنقل؛ فلا يصح الاستدلال به.
وأما احبنطأ فالدليل على زيادة همزته سقوطها في الحبط، ويقال:"حبط بطنه" انتفخ.
وأما دلامص ويقال فيه مالص ودملص ودميلص، وهو البراق –فلقولهم "درع دلاص، ودليص، ودلصته أنا" وذهب أبو عثمان إلى أن الميم في دلامص أصل وإن وافق دلاصا في المعنى؛ فهو عنده من باب سَبِط وسِبَطْر.
وأما زرقم وبابه –نحو: ستهم، ودلقم، وضرزم، وفسحم، ودردم –فلأنها م الزرقة والسته والاندلاق وهو الخروج، والضرز وهو البخيل – يقال ناقة ضرزة أي قليلة اللبن- والانفساح، والدرد وهو عدم الأسنان، والوصف منه أدْرَد، ودَرِد.
الثالث: أفهم قوله "تأصيلها تحققا" أنهما إذا سبقا ثلاثة لم يتحقق تأصيل جميعها، بل كان في أحدها احتمال، أنه لا يقدم على الحكم بزيادتهما إلا بدليل، وهو خلاف ما جزم به في التسهيل –وهو المعروف- من أن الهمزة والميم إذا سبقا ثلاثة أحرف أحدها يحتمل الأصالة والزيادة؛ أنه يحكم بزيادة الهمزة والميم وأصالة ذلك المحتمل، إلا أن يقوم دليل بخلاف ذلك، ولذلك حكم بزيادة همزة أفعى وأيدع، وميم موسى ومزود، وجاء في ميم مجن عن سيبويه قولان أصحهما أنها زائدة؛ فإن دل الدليل على أصالة الهمزة والميم وزيادة ذلك المحتمل حكم بمقتضاه، كما حكم بأصالة همزة أرطى فيمن قال: أديم مأروط، وهمزة أولق فيمن قال: ألق فهو مألوق كما سبق، وبأصالة ميم مهدد ومأجج، وزيادة أحد المثلين؛ إذ لو كانت ميمه زائدة لكان مفعلا فكان يجب إدغامه، وأجاز السيرافي في مهدد ومأجج أن تكون الميم زائدة، ويكون فكهما شاذا كما فك الأجل في قوله [من الرجز] :
1217-
ألْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الأَجْلَلِ
…
[الواسعِ الفضلِ الوَهُوبِ المُجْزِل]
الرابع: تزاد الهمزة في الاسم أولى كأحمر، وثانية كشأمل، وثالثة كشمأل، ورابعة كحطائط وهو القصيير، وخامسة كحمراء، وسادسة كعقرباء وهي بلد، وسابعة كبرناساء، والبرناساء: الناس.
1217- التخريج: الرجز لأبي النجم في الأغاني 10/ 157، 158، 163، 165؛ وجمهرة اللغة ص471؛ وخزانة الأدب 2/ 392، 394؛ والدرر 6/ 238؛ وشرح التصريح 2/ 403؛ وشرح شواهد الشافية ص313؛ والطرائف الأدبية ص57؛ والكتاب 4/ 214؛ والمقاصد النحوية 4/ 595؛ وبلا نسبة في الأشباه والأنظار 1/ 51؛ وأوضح المسالك 4/ 412؛ وسر صناعة الإعراب ص503.
شرح المفردات: الأجلل: أي الأجل. الواسع الفضل: الكثير الإحسان. الوهوب: الكثير الوهب، أي العطاء. المجزل: المكثر.
الإعراب: "الحمد": مبتدأ مرفوع بالضمة. "لله": جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. "العلي": نعت "الله" مجرور بالكسرة. "الأجلل": نعت ثان لـ"الله". "الواسع": نعت ثالث لـ"الله"، وهو مضاف. "الفضل": مضاف إليه مجرور. "الوهوب": نعت رابع لـ"الله". "المجزل": نعت خامسا لـ"الله" مجرور.
الشاهد فيه قوله: "الأجلل" حيث فك الإدغام، لإقامة الوزن، والقياس "الأجل".
والميم تزاد أولى كمرحب، وثانية كدملص، وثالثة كدلمص، ورابعة كزرقم، وخامسا كضارم؛ لأنه من الضبر وهو شدة الخلق، وذهب ابن عصفور إلى أنها في ضُبَارِم أصلية، قال في الصحاح: الضبارم بالضم الشديد الخلق من الأسْد، ا. هـ.
933-
شرح ابن عقيل
933-
كَذَاكَ هَمْزٌ آخِرٌ بَعْدَ أَلِفْ
…
أكْثَرَ مِنْ حَرْفَيْنِ لَفْظُهَا رَدِفْ
أي يحكم بزيادة الهمزة أيضا باضطراد إذا وقعت آخرا بعد ألف، قبل تلك الألف أكثر من حرفين، نحو حمراء وعلباء وقرفصاء؛ فخرج بقيد الآخر الهمزة الواقعة في الحشو، وبقيد قبلها ألف الواقعة آخرا وليست بعد ألف؛ فإنه لا يقضي بزيادة هاتين، إلا بدليل كما سبق في حطائط واحبنطأ، وبقيد أكثر من حرفين، نحو: ماء وشاء وكساء ورداء؛ فالهمزة في ذلك ونحوه، أصل أو بدل من أصل، لا زائدة.
تنبيه: مقتضى قوله "أكثر من حرفين" أن الهمزة يحكم بزيادتها في ذلك، سواء قطع بأصالة الحروف التي قبل الألف كلها أم قطع بأصالة الحرفين واحتمل الثالث، وليس كذلك؛ لأن ما آخره همزة بعد ألف بينها وبين الفاء حرف مشدد، نحو: سلاء وحواء، أو حرفان أحدهما لين، نحو: زيزاء وقوباء؛ فإنه محتمل لأصالة الهمزة وزيادة أحد المثلين، أو اللين، وللعكس؛ فإن جعلت الهمزة أصلية كان سلاء فعالا وحواء فعالا من الحواية، وإن جعلت زائدة كان سلا فعلاء وحواء من الحوة؛ فإن تأيد أحد الاحتمالين بدليل حكم به وألغي الآخر، ولذلك حكم على حواء بأنه همزته زائدة إذا لم يصرف، وبأنها أصل إذا صرف، نحو: حواء للذي يعاني الحيات، والأولى في سلاء أن تكون همزته أصلا؛ لأن فعالا في النبات أكثر من فعلاء؛ فلو قال الناظم "أكثر من أصلين" لكان أجود، ا. هـ.
934-
وَالنُّون فِي الآخِرِ كالهَمْز وفِي
…
نحْوِ غَضَنْفَرٍ أصَالَةً كُفِي
"وَالنُّون فِي الآخِرِ كالهَمْز" أي فيقضى بزيادتها بالشرطين المذكورين في الهمزة، وهما: أن يسبقها ألف، وأن يسبق تلك الألف أكثر من أصلين، نحو: عثمان وغضبان، بخلاف نحو: أمان وزمان ومكان.
ويشترط لزيادة النون –مع ما ذكر- أن تكون زيادة ما قبل الألف على حرفين ليست بتضعيف أصل؛ فالنون في نحو: جنحان أصل لا زائدة، وهذا الشرط مستفاد من قوله سابقا "واحكم بتأصيل حروف سمسم" وقد اقتضى إطلاقه أنه يقضي بزيادة النون عينا فيما يتوسط فيه بين الألف والفاء حرف مشدد، نحو: حسان ورمان، أو حرف لين، نحو: عقيان وعنوان، وهذا الإطلاق على وفق ما ذهب إليه الجمهور؛ فإنهم يحكمون بزيادة النون في مثل حسان وعقيان إلا أن يدل دليل على أصالتها، بدلالة منع صرف حسان على زيادة نونه في قول الشاعر [من الوافر] :
1218-
أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ حَسَّانَ عَنِّي
…
مُغَلْغَلَةً تَدُبُّ إلى عُكَاظِ
لكنه ذهب في التسهيل والكافية إلى أن النون في ذلك كالهمزة في تساوي الاحتمالين؛ فلا يلغى أحدهما إلا بدليل؛ فكان ينبغي له أن يقيد إطلاقه بذلك، وهذا مذهب لبعض المتقدمين.
وزاد بعضهم لزيادتها آخرا شرطا آخر، وهو أن لا يكون في اسم مضموم الأول مضعف الثاني اسما لنبات، نحو: رمان؛ فجعلها في ذلك أصلا؛ لأن فعالا في أسماء النبات أكثر من فعلان وإلى هذا ذهب في الكافية حيث قال:
فمل عن الفعلان والفعلاء
…
في النبت للفعال كالسلاء
ورد بأن زيادة الألف والنون آخرا أكثر من مجيء النبات على فعال. ومذهب الخليل وسيبويه أن نون رمان زائد، قال سيبويه: وسألته –يعني الخليل_ عن الرمان إذا سمي به، فقال: لا أصرفه في المعرفة، وأحمله على الأكثر، إذ لم يكن له معنى يعرف به. وقال
1218- التخريج: البيت لأمية بن خلف الخزاعي في المقاصد النحوية 4/ 563.
اللغة: المغلغلة: الرسالة المحمولة من بلد إلى بلد. عكاظ: سوق جاهلية كان القوم يجتمعون فيها للتفاخر.
الإعراب: ألا: حرف تنبيه واستفتاح. من: اسم استفهام في محل رفع مبتدأ. مبلغ: خبر المبتدأ مرفوع. حسان: مفعول به لـ"مبلغ". عني: جار ومجرور متعلقان بـ"مبلغ". مغلغلة: مفعول به لـ"مبلغ" منصوب. تدب: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره:"هي". إلى عكاظ: جار ومجرور متعلقان بـ"تدب".
وجملة "ألا من مبلغ
…
": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تدب": في محل نصب نعت "مغلغلة".
الشاهد فيه قوله: "حسان" حيث منع من الصرف لزيادة الألف والنون فيه.
الأخفش: نونه أصلية مثل قراص وحماض؛ لأن فعالا أكثر من فعلان، يعني في النبات؛ والصحيح ما ذهب إليه، لا لما ذكره بل لثبوتها في الاشتقاق. قالوا: أرض مَرْمَنَة لكثيرة الرمان، ولو كانت النون زائدة لقالوا مَرَمَّة.
"و" النون "في نحو غضنفر" وعقنقل، وقرنفل، وحبنطأ، وورنتل –مما هو فيه متوسط، وتوسطه بين أربعة أحرف بالسوية، وهو ساكن، وغير مدغم– "أصالة كفي" كفي: مجهول، فيه ضمير النون هو المفعول الأول ناب عن الفاعل، وأصالة: نصب بالمفعول الثاني، أي أطردت زيادة النون فيما تضمن القيود المذكورة لثلاثة أمور: أولها أن النون في ذلك واقعة موقع ما تيقنت زيادته كياء سميدع وواو فدوكس، وألف عذافر، وجخادب1. ثانيها: أنها تعاقب حرف اللين غالبا، كقولهم للغليظ الكفين: شرنبث وشرابث، وللضخم جرنفش وجرافش، ولنبت عرنقصان وعريقصان. ثالثها: أن كل ما عرف له اشتقاق أو تصريف وجدت فيه زائدة فيحمل غير عليه، وقد خرج بالقيد الأول النون الواقعة أولا فإنها أصل، نحو: نهشل، إلا أن يقضي بزيادتها دليل كما في نحو: نرجس؛ لأنها لوكانت أصلا لكان وزنه فعلل وهو مفقود. وبالقيد الثاني، نحو: قنطار وقنديل وعنقود وخندريس وعندليب، فإنها أصل إلا أن يقضي دليل بالزيادة، كما في نحو: عنبس –لأنه من العبوس_ وحنظل لقولهم: حظلت الإبل، وعنسل لأنه من العسلان، وعرند لأنه من قولهم: شيء عرد أي صلب، وكنهبل لقولهم فيه: كهبل، ولعدم النظير على تقدير الأصالة. وبالقيد الثالث، نحو: غرنيق وهو السيد الرفيع، وخرنوب، وكنأبيل، فالنون أصلية؛ إذ ليس في اللام فعنيل ولا فعنول ولا فنعليل. وبالرابع، نحو: عجنس فإنه تعارضت فيه زيادة النون مع زيادة التضعيف؛ فغلب التضعيف لأنه الأكثر، وجعل وزنه فعلل كعدبس قال أبو حيان: والذي أذهب إليه أن النونين زائدتان ووزنه فعنل. والدليل على ذلك أنا وجدنا النونين مزيدتين فيما عرف له اشتقاق، نحو: ضفنط وزونك، ألا ترى أنه من الضفاطة والزوك؛ فيحمل ما لا يعرف له اشتقاق على ذلك.
تنبيهات: الأول: بقي مما تزاد فيه النون باطراد ثلاثة مواضع: المضارع كنضرب، والانفعال وفروعه كالانطلاق، والافعنلال كالاحرنجام، وإنما سكت عنها لوضوحها.
1 السميدع: الذئب، السيف، الرجل الخفيف. الفدوكس: الأسد، الرجل الشجاع. العذافر: الشديد من الإبل. الجخادب: العظيم الخلق.
الثاني: إنما لم يذكر التنوين، ونون التثنية والجمع، وعلامة الرفع في الأمثلة الخمسة، ونون الوقاية، ونون التوكيد؛ لأن هذه زيادة متميزة، مقصود الباب تمييز الزيادة المحتاجة إلى تمييز لاختلاطها بأصول الكلمة حتى صارت جزأ منها.
الثالث: اعلم أن النون تزاد أولى، نحو: نضرب، وثانية، نحو: حنظل، وثالثة، نحو: غضنفر، ورابعة، نحو: رعشن، وخامسة، نحو: عثمان، وسادسة، نحو: زغفران، وسابعة، نحو: عبوثران.
935-
وَالْتَّاءُ فِي التَّأْنِيْثِ والمُضَارَعَهْ
…
ونَحْوِ الاِسْتِفْعَالِ المُطَاوَعَهْ
936-
وَالهَاءُ وَقْفَاً كَلِمَهْ وَلَمْ تَرَهْ
…
وَاللَاّمُ فِي الإشَارَةِ المُشْتَهِرَهْ
"والتاء" تزاد في أربعة مواضع: "في التأنيث" كضربت، وضاربة، وضربة وأنت وفروعه على المشهور1، "و" في "المضارعة" كتضرب، "و" في "نحو الاستفعال" من المصادر، وذلك الافتعال كالاستخراج والاقتدار، وفروعهما، والتفعيل والتفعال كالترديد والترداد، دون فروعهما، "و" في نحو:"المطاوعة" كتعلم تعلما، وتدحرج تدحرجا، وتغافل وتغافلا، ولا يقضي بزيادتها في غير ما ذكر إلا بدليل.
واعلم أنه قد زيدت التاء أولا وآخرا وحشوا؛ فإما زيادتها أولا فمنه مطرد وقد تقدم، ومنه مقصود على السماع كزيادتها في تنضب، وتنفل، وتدرأ، وتحلئ، وأما زيادتها آخرا فكذلك منه مطرد وقد تقدم، ومنه مقصور عل السماع، كالتاء في نحو: رغبوت ورحموت وملكوت وجبروت، وفي ترتموت وهو صوت القوس عند الرمي؛ لأنه من الترنم، ووزنه تفعلوت، وفي عنكبوت، ومذهب سيبويه أن نون عنكبوت أصل؛ لقولهم في معناه العنكب؛ فهو عند رباعي، وذهب بعض النحاة إلى أنه ثلاثي ونونه زائدة، وأما زيادتها حشوا فلا تطرد إلا في الاستفعال والافتعال وفروعهما، وقد زيدت حشوا في ألفاظ قليلة، ولقلة زيادتها حشوا ذهب الأكثر إلى أصالتها في يستعور، وإلى كونها بدلا من الواو في كلتا.
1 المشهور أن الضمير من "أنت" هو "أن"، والتاء حرف دال على تأنيث المخاطب المفرد أو المثنى أو الجمع، ويقابله قولان آخران: أولهما أن الضمير هو التاء و"أن" حرف عماد كما قيل في "إياك" ونحوه، وثانيهما أن الضمير هو مجموع "أن" والتاء.
"وَالهَاءُ وَقْفَاً كَلِمَهْ وَلَمْ تَرَهْ" أي الهاء من حروف الزيادة كما سبق، إلا أن زيادتها قليلة في غير الوقف، ولم تطرد إلا في الوقف على ما الاستفهامية مجرورة، نحو:"لمه"، وعلى الفعل المحذوف اللام جزما أو وقفا، وعلى كل مبني على حركة لازمة إلا ما تقدم استثناؤه في باب الوقف، وهي واجبة في بعض ذلك، وجائزة في بعضه، وعلى ما تقدم في بابه، وأنكر المبرد زيادتها، وقال: إنها إنما تلحق في الوقف بعد تمام الكلمة للبيان، كما في نحو:{مَالِيَهْ} 1، و"يا زيداه" وللإمكان، كما في نحو:"دعه، وقه" كما قدمته؛ فهي كالتنوين وباء الجر، والصحيح أنها من حروف الزيادة وإن كانت زيادتها قليلة، والدليل على ذلك قولهم في أمات: أمهات، ووزنه فعلهات؛ لأنه جمع أم، وقد قالوا: أمات، والهاء في الغالب فيمن يعقل، وإسقاطها فيما لا يعقل، وقالوا في أم: أمهة، ووزنها فعله’، وأجاز ابن السراج أن تكون أصلية، وتكون فعله مثل قبرة أبهة، ويقوي قوله ما حكاه صاحب كتاب العين من من قولهم: تأمهت أما، بمعنى اتخذت، ثم حذفت الهاء فبقي أم، ووزنه فع؛ فإن جمع أمهة، وأمات جمع أم، وما ذهب إليه ابن السراج ضعيف؛ لأنه خلاف الظاهر، وأما حكاية صاحب العين فلا يحتج بها؛ لما فيه من الخطأ والاضطراب، قال في الفتح: ذاكرت بكتاب العين يوما شيخنا أبا علي؛ فأعرض عنه، ولم يرضه؛ لما فيه من القول المردود والتصريف الفاسد.
وزيدت الهاء في قولهم: "أهرقت الماء؛ فأنا أهريقه إهراقة" والأصل أراق يريق إراقة، وألف أراق منقلبة عن الياء، وأصل يريق يؤريق، ثم أبدلوا من الهمزة هاء، وإنما قالوا: يهريقه، وهو لا يقولون: أأريقه؛ لاستثقالهم الهمزتين، وقالوا أيضا: أهرق الماء يهرقه إهراقا، ولا جواب للمبرد عن زيادتها في أهراق إلا دعوى الغلط من قائله؛ لأنه لما أبدل الهمزة هاء توهم أنها فاء الكلمة؛ فأدخل الهمزة عليها وأسكنها، وادعى الخليل زيادة الهاء في هركولة وأنها هفعولة، وهي العظيمة الوركين؛ لأنها تركل في مشيها، والأكثرون على أصالتها، وأنها فِعَْلَوَْلَة.
وقال أبو الحسن: إنها زائدة في هبلع وهو الأكول، وهجرع وهو الطويل، فهما عنده هفلع؛ لأن الأول من البلع، والثاني من الجرع وهو المكان لسهل، وحجة الجماعة أن
1 الحاقة: 28.
العرب تقول في الهِجْرَعَيْن: هذا أهجرُ من هذا، أي أطول، وكذلك تقول في هلقامة وهو الأسد والضخم الطويل أيضا، ويجوز أن تكون زائدة في سهلب وهو الطويل لأن السلب أيضا الطويل، يقال: قرن سهلب1 وسلب أي طويل، ويجوز أن يكون من باب سبطر وسبط.
تنبيه: التحقيق أن لا تذكر هاء السكت مع حروف الزيادة لما تقدم.
"وَاللَاّمُ فِي الإشَارَةِ المُشْتَهِرَهْ" أي من حروف الزيادة واللام، والقياس يقتضي أن لا تزاد لبعدها من حروف المد؛ فلهذا كانت أقل الحروف زيادة ولم تطرد زيادتها إلا في الإشارة، نحو: ذلك وتلك وهناك، وأُولَالِك، وما سواها فبابه السماع، وقد سمع من كلامهم قولهم في عبد: عبدل، وفي الأفجح –وهو المتباعد الفخذين-: فحجل، وفي الهيق- وهو الظليم-: هيقل، وفي الفيشة –وهي الكمرة-: فيشلة، والطيس –وهو الكثير-: طيسل، ونقل عن أبي الحسن أن لام عبدل أصل، وهو مركب من عبد الله كما قالوا: عبشمي، ويبعده قولهم في زيد: زيدل، على أنه قال في الأوسط: اللام تزاد في عبدل وحده، وجمعه عبادلة؛ فيكون له قولان، نعم البواقي يحتمل أن تكون من مادتين كسبط وسبطر.
تنبيهان: الأول: حق لام أن لا تذكر مع أحرف الزيادة؛ لما قلناه في هاء السكت من أنها كلمة برأسها.
الثاني: ذكر في النظم من أحرف الزيادة تسعة، وسكت عن السين، وهي تزاد باطراد مع التاء في الاستفعال وفروعه، قيل: وبعد كاف المؤنثة وقفا، نحو: أكرمتكس وهي الكسكسة، ويلزم هذا القائل أن يعد شين الكشكشة، نحو: أكرمتكش، والغرض من الإتيان بهما بيان كسرة الكاف؛ فحكمهما حكم هاء السكت في الاستقلال، ولا تطرد زيادتها في غير ذلك، بل تحفظ كسين قدموس بمعنى قديم، وأسطاع يسطيع بقطع الهمزة وضم أول المضارع، فإن أصله عن سيبويه أطاع يطيع، وزيدت السين عوضا عن حركة عين الفعل؛ لأن أصل أطاع أطوع. والعذر للناظم أن السين لا تطرد زيادتها إلا في موضع واحد، وقد
1 كذا في هذين الموضعين بتقديم الهاء على اللام، والذي في القاموس المحيط وغيره "سلهب" وذلك كما تقدم في مواضع من هذا الباب.
مثل به في زيادة التاء؛ إذ قال "ونحو الاستفعال" فكأنه اكتفى بذلك، ولهذا قال في الكافية في ذكره زيادة التاء:
ومع سين زيد في استفعال
…
وفرعه كاستقص ذا استكمال
ا. هـ.
937-
وَامْنَعْ زِيَادَةً بِلَا قَيْدٍ ثَبَتْ
…
إنْ لَمْ تَبَينْ حُجَّةٌ كَحَظِلتْ
"وَامْنَعْ زِيَادَةً بِلَا قَيْدٍ ثَبَتْ" أي متى وقع شيء من هذه الحروف العشرة خاليا عما قيدت به زيادة فهو أصل "إنْ لَمْ تَبَينْ حُجَّةٌ" على زيادته "كحظلت" الإبل، إذا تأذت من أكل الحنظل؛ فسقوط النون في الفعل حجة على زيادتها في الحنظل، مع أنها خلت من قيد الزيادة وهو كونها آخرا بعد ألف مسبوق بأكثر من أصلين أو واقعة كما هي في، نحو: عضنفر كما سبق بيانه. وقد تقدمت أمثلة كثيرة مما حكم فيه بالزيادة لحجة مع خلوه من قيد الزيادة، فليراجع.