المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌القاعدة الرابعة توهم المعطلة في نصوص الصفات التمثيل والمحاذير المترتبة على ذلك قال - شرح التدمرية - الخميس

[محمد بن عبد الرحمن الخميس]

الفصل: ‌ ‌القاعدة الرابعة توهم المعطلة في نصوص الصفات التمثيل والمحاذير المترتبة على ذلك قال

‌القاعدة الرابعة

توهم المعطلة في نصوص الصفات التمثيل

والمحاذير المترتبة على ذلك

قال شيخ الإسلام:

"وهذا يتبين بالقاعدة الرابعة: وهي: أن كثيراً من الناس يتوهم في بعض الصفات أو في كثيرا منها أو أكثرها أو كلها ـ أنها تماثل صفات المخلوقين، ثم يريد أن ينفي ذلك الذي فهمه فيقع في أربعة أنواع من المحاذير:

أحدهما: كونه مثل ما فهمه من النصوص بصفات المخلوقين، وظن أن مدلول النصوص هو التمثيل.

الثاني: أنه إذا جعل ذلك هو مفهومها وعطله: بقيت النصوص معطلة عما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله، فيبقى مع جنايته على النصوص وظنه السيئ الذي ظنه بالله ورسوله، حيث ظن أن الذي يفهم من كلامهما هو التمثيل الباطل، قد عطل ما أودع الله ورسوله في كلامهما من إثبات الصفات لله، والمعاني الإلهية اللائقة بجلال الله سبحانه.

الثالث: أنه ينفي تلك الصفات عن الله عز وجل بغير علم، فيكون معطلاً لما يستحقه الرب تعالى.

الرابع: أنه يصف الرب بنقيض تلك الصفات من صفات الموات والجمادات، أو صفات المعدومات، فيكون قد عطّل صفات الكمال التي يستحقها الرب تعالى، ومثله بالمنقوصات والمعدومات، وعطل النصوص عما دلت عليه من الصفات، وجعل مدلولها هو التمثيل بالمخلوقات

ص: 253

فيجمع في الله وفي كلام الله بين التعطيل والتمثيل، فيكون ملحداً في أسمائه وآياته.

مثال ذلك: أن النصوص كلها دلّت على وصف الإله بالعلو والفوقية على المخلوقات، واستوائه على العرش، فأما علوّه ومباينته للمخلوقات فيُعلم بالعقل الموافق للسمع، وأما الاستواء على العرش فطريق العلم به هو السمع، وليس في الكتاب والسنة وصفٌ له بأنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا مباينه ولا مداخله.

فيظن المتوهم أنه إذا وصف بالاستواء على العرش كان استواؤه كاستواء الإنسان على ظهور الفلك والأنعام، كقوله:{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ*لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِه} [الزخرف: 12ـ13] ، فيتخيل أنه إذا كان مستوياً على العرش كان محتاجاً إليه كحاجة المستوي على الفلك والأنعام، فلو انخرقت السفينة لسقط المستوي عليها، ولو عثرت الدابة لخرّ المستوي عليها، فقياس هذا أنه لو عدم العرش لسقط الرب تبارك وتعالى، ثم يريد ـ بزعمه ـ أن ينفي هذا فيقول: ليس استواؤه بقعود ولا استقرار.

ولا يعلم أن مسمى (القعود) و (الاستقرار) يقال فيه ما يقال في مسمى (الاستواء) !، فإن كانت الحاجة داخلة في ذلك فلا فرق بين الاستواء والقعود والاستقرار، وليس هو بهذا المعنى مستوياً ولا مستقراً ولا قاعداً، وإن لم يدخل في مسمى ذلك إلا ما يدخل في مسمى (الاستواء) فإثبات أحدهما ونفي الآخر تحكّم

وقد عُلم أن بين مسمى (الاستواء) و (الاستقرار) و (القعود) فروقاً معروفة، ولكن المقصود هنا أن يُعلم خطأ من ينفي الشيء مع إثبات نظيره.

وكان هذا الخطأ من خطئه في مفهوم استوائه على العرش، حيث ظن أنه مثل استواء الإنسان على ظهور الأنعام والفلك.

وليس في اللفظ ما يدل على ذلك؛ لأنه أضاف الاستواء إلى نفسه الكريمة، كما أضاف إليها سائر أفعاله وصفاته، فذكر أنه خلق ثم استوى،

ص: 254

كما ذكر أنه قدَّر فهدى، وأنه بنى السماء بأيد، وكما ذكر أنه مع موسى وهارون يسمع ويرى، وأمثال ذلك.

فلم يذكر استواءً مطلقاً يصلح للمخلوق ولا عاماً يتناول المخلوق، كما لم يذكر مثل ذلك في سائر صفاته، وإنما ذكر استواءً أضافه إلى نفسه الكريمة.

فلو قُدِّر ـ على وجه الفرض الممتنع ـ أنه هو مثل خلقه ـ تعالى الله عن ذلك ـ لكان استواؤه مثل استواء خلقه.

أما إذا كان هو ليس مماثلاً لخلقه، بل قد عُلم أنه الغني عن الخلق، وأنه الخالق للعرش ولغيره، وأن كل ما سواه مفتقر إليه وهو الغني عن كل ما سواه، وهو لم يذكر إلا استواءً يخصه، لم يذكر استواءً يتناول غيره ولا يصلح له، كما لم يذكر في علمه وقدرته ورؤيته وسمعه وخلقه إلا ما يختص به، فكيف يجوز أن يُتوهم أنه إذا كان مستوياً على العرش كان محتاجاً إليه، وأنه لو سقط العرش لخرَّ من عليه؟! سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً.

هل هذا إلا جهل محضٌ وضلالٌ ممن فهم ذلك، أو توهمه، أو ظنه ظاهر اللفظ ومدلوله، أو جوّز ذلك على رب العالمين الغني عن الخلق، بل لو قُدِّر أن جاهلاً فهم مثل هذا، أو توهمه لبُيِّن له أن هذا لا يجوز، وأنه لم يدل اللفظ عليه أصلاً، كما لم يدل على نظائره في سائر ما وصف به الرب نفسه.

فلما قال سبحانه وتعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47] فهل يتوهم متوهم أن بناءه مثل بناء الآدمي المحتاج، الذي يحتاج إلى زُبُل ومجارف وأعوان وضرب لَبِن وجَبْل طين.

ثم قد عُلم أن الله تعالى خلق العالم بعضه فوق بعض ولم يجعل عاليه إلى سافله، فالهواء فوق الأرض، وليس مفتقراً إلى أن تحمله، والسموات فوق الأرض، وليست مفتقرة إلى حمل الأرض لها، فالعليُّ الأعلى رب كل شيء ومليكه إذا كان فوق جميع خلقه كيف يجب أن يكون محتاجاً إلى

ص: 255

خلقه أو عرشه؟! أو كيف يستلزم علوه على خلقه هذا الافتقار وهو ليس بمستلزم في المخلوقات؟!. وقد عُلم أن ما ثبت لمخلوق من الغنى عن غيره فالخالق سبحانه أحقُّ به وأوْلَى.

وكذلك قوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك: 16] من توهم أن مقتضى هذه الآية أن يكون الله في داخل السموات، فهو جاهلٌ ضالٌ بالاتفاق، وإن كنا إذا قلنا: إن الشمس والقمر في السماء، يقتضي ذلك، فإن حرف (في) متعلق بما قبله وما بعده، فهو بحسب المضاف والمضاف إليه.

ولهذا يُفرَّق بين كون الشيء في المكان، وكون الجسم في الحيِّز، وكون العَرَض في الجسم، وكون الوجه في المرآة، وكون الكلام في الورق، فإن لكل نوع من هذه الأنواع خاصية يتميز بها عن غيره، وإن كان حرف (في) مستعملاً في ذلك كله.

فلو قال قائل: العرش في السماء أم في الأرض؟ لقيل: في السماء.

ولو قيل: الجنة في السماء أم في الأرض؟ لقيل الجنة في السماء.

ولا يلزم من ذلك أن يكون العرش داخل السموات، بل ولا الجنة.

وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا سألتم الله الجنة فسلوه الفردوس، فإنها أعلى الجنة، وأوسط الجنة، وسقفها عرش الرحمن"1.

فهذه الجنة سقفها الذي هو العرش فوق الأفلاك، مع أن الجنة في السماء، والسماء يُراد بها العلو، سواءً كان فوق الأفلاك أو تحتها، قال تعالى:{فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج: 15]، وقال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً} [الفرقان: 48] .

ولما كان قد استقر في نفوس المخاطبين أن الله هو العلي الأعلى، وأنه فوق كل شيء، كان المفهوم من قوله:{مَنْ فِي السَّمَاءِ} أنه في السماء، أنه في العلو وأنه فوق كل شيء.

1 أخرجه البخاري في صحيحه (6/11 برقم 279.) وفي (13/4.4 برقم 7423) .

ص: 256

وكذلك الجارية لما قال لها: "أين الله؟ " قالت: في السماء1، إنما أرادت العلو مع عدم تخصيصه بالأجسام المخلوقة وحلوله فيها.

وإذا قيل: "العلو" فإنه يتناول ما فوق المخلوقات كلها، فما فوقها كلها هو في السماء، ولا يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف وجوديٌّ يحيط به، إذ ليس فوق العالم شيء موجود إلا الله، كما لو قيل: إن العرش في السماء، فإنه لا يقتضي أن يكون العرش في شيء آخر موجود مخلوق.

وإذا قُدِّر أن "السماء" المراد بها الأفلاك كان المراد أنه عليها، كما قال:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْل} [طه: 71]، وكما قال:{فَسِيرُوا فِي الْأَرْض} [آل عمران: 137]، وكما قال:{فَسِيحُوا فِي الْأَرْض} [التوبة: 2]، ويُقال: فلان في الجبل، وفي السطح، وإن كان على أعلى شيء فيه".

معاني الكلمات:

يتوهم: التوهم هو ظن الشيء على خلاف ما هو عليه.

في بعض الصفات أو أكثر منها: الأشعري والماتريدي يتوهم أن جميع الصفات إثباتها تمثيل ما عدا سبع أو ثمان من الصفات.

أو كلها أنها تماثل صفات المخلوقين: الجهمي والباطني والمعتزلي يزعمون أن إثبات الصفات جميعاً فيه تمثيل.

ثم يريد: أي ذلك المتوهم وهو المعطل.

أن ينفي ذلك الذي فهمه: حيث توهم التشبيه في إثبات صفات الله، فيجعل ظاهر النصوص غير مراد، فيرد المعنى الصحيح الذي هو الحق لاعتقاده أنه معنى فاسد.

عناصر الموضوع:

1 ـ موضوع القاعدة الرابعة:

موضوع القاعدة الرابعة هي في بيان ما يترتب من ظن المعتزلة أن ظاهر نصوص الصفات هو التشبيه والتمثيل.

1 حديث الجارية أخرجه مسلم في صحيحه (1/381ـ382 برقم 537) .

ص: 257

ر2 ـ على من يرد شيخ الإسلام بالقاعدة الرابعة؟:

يرد شيخ الإسلام بهذه القاعدة على عامة المعطلة والممثلة في ظنهم السيئ بالله تعالى، حيث اعتقدوا أن صفاته إثباتها يستلزم التشبيه وجنايتهم على النصوص بالتحريف.

3 ـ الصلة بين القاعدتين الثالثة والرابعة:

بعد أن تكلم شيخ الإسلام في القاعدة الثالثة عن الظاهر وحكمه ناسب أن يتكلم عن ما يترتب على القول بأن ظاهر نصوص الصفات هو التمثيل.

4 ـ شرح القاعدة الرابعة:

اعلم أن كثيراً من الناس يتوهم في بعض الصفات التي دلت عليها النصوص أو كثير منها أو كلها أنها تماثل صفات المخلوقين، ثم يريد أن ينفي ذلك الوهم الذي يتوهمه فيقع في أربعة محاذير:

1 ـ أنه فهم من النصوص صفات تماثل المخلوقين وظن أن ذلك هو مدلول النص وهذا فهم خاطئ، فتمثيل الخالق بالمخلوق كفر وضلال لأنه تكذيب لقوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .

2 ـ أنه جنى على النصوص حيث نفى ما تدل عليه من المعاني الإلهية ثم أثبت لها معاني من عنده لا يدل عليه ظاهر اللفظ.

3 ـ أنه نفى ما دلت عليه ظاهر النصوص من الصفات بغير علم فيكون بذلك قائلاً على الله ما لا يعلم فهذا حرام بالنص والإجماع.

4 ـ إنه إذا نفى عن الله ما تقتضيه النصوص من صفات الكمال لزم أن يكون الله سبحانه متصفاً بنقيضها من صفات النقص، وهذا لا يجوز في حق الله تعالى.

ص: 258

5 ـ ما تدور عليه القاعدة:

محور هذه القاعدة ومدارها على بيان ما يترتب من التوهم في صفات الله كلها أو بعضها أنها تماثل صفات المخلوقين.

6 ـ ظن المعطل: الظن السيئ بالله تعالى:

نهى الله تعالى عن الظن السيئ في الأمور كلها فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]، فنهى الله عز وجل عن كثير من الظن السيئ بالمؤمنين حيث قال:{إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} وذلك كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وكظن السوء الذي يقترن به كثير من الأقوال والأفعال المحرمة، فإن بقاء الظن السوء بالقلب، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك بل لا يزال به، حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي وفي ذلك أيضاً إساءة الظن بالمسلم وبغضه وعداوته المأمور بخلافها فكيف بالظن السيئ بالله تعالى.

فمن أكبر الظن وأبشعه أن يتوهم مماثلة الله تعالى بالمخلوقين، وهذا خلاف ما فطر عليه العباد من أنه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما ذاته لا تشبه سائر الذوات، فكذلك صفاته لا تشبه سائر الصفات.

7 ـ معنى قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47] وبيان ما وقع فيه المعطل من الظن السيئ بالله:

يقول تعالى مبيناً لقدرته العظيمة: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا} أي: خلقناها وأتقناها وجعلناها سقفاً للأرض وما عليها.

{بِأَيْدٍ} أي: بقوة وقدرة عظيمة: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} لأرجائها وأنحائها.

وإنا لموسعون أيضاً على عبادنا بالرزق الذي ما ترك دابة في مهامه القفار، ولجج وأقطار العالم السفلي والعلوي، إلا أوصل إليها من الرزق، ما يكفيها، وساق إليها من الإحسان ما يغنيها فسبحان الله عمَّ بجوده جميع المخلوقات، وتبارك الذي وسعت رحمته جميع البريات،

ص: 259

ومع هذا يتوهم المعطل والممثل أن بناء الله للسماء كبناء المخلوق لسقف البيت، بحيث يحتاج إلى زنبيل ومجارف وطوب وأسمنت وغير ذلك، وهذا ظن فاسد بالله تعالى. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

8 ـ معنى قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك: 16] : وبيان ما وقع فيه المعطل من الظن السيئ بالله من خلال هذه الآية:

أأمنتم من في السماء وهو الله تعالى العالي على خلقه أن يخسف بكم الأرض فتهلكوا أو تتلفوا، وهذا تهديد ووعيد لمن استمر في طغيانه وعصيانه الموجب للنكال وحلول العقوبة، فيتوهم المعطل والممثل هذه الآية أن السماء تحيط به تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ومنشأ هذا الوهم ظنه أن (في) التي للظرفية تكون بمعنى واحد في جميع الموارد، وهذا ظن فاسد فإن (في) تختلف معناها بحسب متعلقها وعلى هذا فيخرج قوله تعالى:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} على أحد وجهين:

1 ـ إما أن تكون السماء بمعنى العلو، فمعنى كونه في السماء أنه في العلو المطلق فوق جميع المخلوقات.

2 ـ وإما أن تكون في: بمعنى على، وعلى هذا فيكون معنى الآية {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} أي على السماء، أي فوقه، والله تعالى فوق السموات وفوق كل شيء.

9 ـ جناية المعطل على النصوص:

جنى المعطل على النصوص بتأويل النصوص على خلاف ظاهرها، والقول بالتأويل يعتبر محاولة لتكييف الصفة على نحو (ما) على غير الظاهر، بينما كان منهج القرآن والسنة هو إثبات الصفة كما وردت لا إثبات كيفية للصفات، لأن الكيف هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله، فترك الوحي، واتباع الرأي، والتأويلات الفاسدة، عزل للكتاب والسنة كمصدرين للهداية في واقع الحياة، وليس بعد الهداية إلا الغواية، قال تعالى:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلال} [يونس: 32] .

ص: 260

10.

ـ من ظن أن نصوص الصفات تماثل صفات المخلوقين قد جمع بين التمثيل والتعطيل:

من ظن أن نصوص الصفات تماثل صفات المخلوقين وأن إثبات الصفات يستلزم التشبيه، وأن ظاهر النصوص تشبيه فقد جمع بين تشبيهين وتعطيلين.

فالتمثيلان: حيث اعتقد تشبيه الله بالمخلوقات أولاً، ثم فرَّ منه فشبهه بالجمادات أو المعدومات.

والتعطيلان: حيث عطل الآيات الدالة على الصفة والنافية للماثلة، ثم عطَّل الله عن صفاته.

11 ـ الأسئلة والأجوبة الواردة على القاعدة الرابعة:

س1 ـ اذكر المحاذير الأربعة التي يقع فيها من يتوهم التمثيل ثم ينفي الصفات؟

ج ـ أولاً: المحاذير المتعلقة بالنصوص:

1 ـ تمثيل ما فهمه من صفات الله بصفات المخلوقين فجعل ظاهر النصوص هو التمثيل.

2 ـ تعطيل النصوص عما دلت عليه من إثبات الصفات اللائقة بالله تعالى.

ثانياً: المحاذير المتعلقة بالله تعالى:

1 ـ تعطيل الله تعالى عن صفات الكمال بغير علم.

2 ـ تمثيل الله بالمنقوصات من الجمادات أو الأموات أو المعدومات. فيكون قد جمع بين تمثيلين وتعطيلين.

فالتمثيلان: حيث اعتقد تشبيه الله بالمخلوقات أولاً، ثم فرَّ منه فشبهه بالجمادات أو المعدومات.

والتعطيلان: حيث عطل الآيات الدالة على الصفة والنافية للماثلة، ثم عطَّل الله عن صفاته.

ص: 261

فجمع هذا التمثيل بين الإلحاد في أسماء الله، بتعطيله عن الكمال وتشبيهه بالمنقوصات، والإلحاد في آياته، بجعلها دالة على التمثيل ثم تعطيلها عما دلت عليه من الصفات.

س2 ـ كيف تجيب على من ينفي الاستواء بحجة أن إثباته يستلزم الافتقار؟

ج ـ نجيب عليه بما يلي:

1 ـ أن الاستواء مضاف إلى الله تعالى مختص به فلا يلزم مماثلته لاستواء خلقه.

2 ـ أن الله تعالى ليس مثل خلقه فكذلك استواؤه ليس مثل استوائهم.

3 ـ ثبت بالضرورة غنى رب العالمين عن العالمين، فلا يلزم من استوائه افتقاره إلى العرش.

4 ـ أن جميع الصفات لا يتوهم فيها النقص فكذلك الاستواء.

5 ـ ثبت أن بعض المخلوقات بعضها فوق بعض ومع ذلك فليس الأعلى مفتقراً إلى الأدنى كالسماء والأرض، والخالق الأعلى أولى بعدم الافتقار.

س3 ـ كيف تجيب على من فسّر قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} أي داخل السماء؟

ج ـ نجيب عليه بما يلي:

1 ـ أن السماء يراد بها العلو فيكون المعنى في العلو.

2 ـ أن (في) تأتي بمعنى (على) فيكون المعنى على السماء.

* والخلاصة في هذه الآية: (في السماء) أن لها ثلاث معاني وهي:

1 ـ أن معناها (داخل السماء) وهذا قول الغالطين من المبتدعة.

2 ـ أن معناها (في العلو) فتكون السماء بمعنى العلو مطلقاً.

3 ـ أن معناها (على السماء) فتكون في بمعنى على، كما هو مشهور في اللغة، والمعنيان الأخيران قال بهما أهل السنة والجماعة.

ص: 262

س4 ـ ما الفرق بين العلو والاستواء؟

ج ـ الفرق بينهما ما يلي:

1 ـ أن العلو صفة ذاتية ملازمة لله تعالى، وأما الاستواء فهو صفة فعلية اختيارية فعلها بعد أن لم يكن فاعلاً لها.

2 ـ أن العلو ثابت بالنقل والعقل والفطرة، وأما الاستواء فهو ثابت بالنقل فقط.

3 ـ أن العلو على جميع المخلوقات، وأما الاستواء فهو لا يضاف إلا إلى العرش.

* وهاتان الصفتان هما الفيصل بين أهل السنة وأهل البدعة، فقد نفاهما جميع الفرق الكلامية من الفلاسفة والباطنية، والمعتزلة والجهمية، والأشاعرة والماتريدية، وآمن بهما أهل السنة والجماعة.

ص: 263