المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب حكم كتاب القاضى إلى القاضى - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٢٩

[المرداوي]

الفصل: ‌ باب حكم كتاب القاضى إلى القاضى

بسم الله الرحمن الرحيم

[333 ظ]

‌ بَابُ حُكْمِ كِتَابِ القَاضِى إِلَى القَاضِى

ــ

بابُ حُكْمِ كِتابِ القاضى إلى القاضى

ص: 5

يُقْبَلُ كِتَابُ القَاضِى إلَى القَاضِى فِى المَالِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ

ــ

قوله: يُقْبَلُ كِتابُ القاضِى إلَى القاضِى فى المالِ، وما يُقْصَدُ به المالُ؛

ص: 6

المَالُ؛ كَالْقَرْضِ، وَالْغَصْبِ، وَالْبَيْعِ، وَالإِجَارَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالصُّلْحِ، وَالوَصِيَّةِ لَهُ، وَالجِنَايَةِ المُوجِبَةِ لِلْمَالِ، وَلَا يُقْبَلُ فِى حَدٍّ للهِ تَعَالَى. وَهَلْ يُقْبَلُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ؛ مِثْلَ القِصَاصِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالخُلْعِ، وَالعِتْقِ، وَالنَّسَبِ، وَالكِتَابَةِ، وَالتَّوْكِيلِ، وَالوَصِيَّةِ إلَيْهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَأَمّا حَدُّ القَذْفِ، فَان قُلْنَا: هُوَ لِلهِ تَعَالَى. فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ. وَإنْ قُلْنَا: لِلْآدَمِىِّ. فَهُوَ كَالْقِصَاصَ.

ــ

كالْقَرْضِ، والْغَصْبِ، والْبَيْعِ، والْإِجارَةِ، والرَّهْنِ، والصُّلْحِ، والْوصِيَّةِ له، والْجِنايَةِ المُوجِبَةِ للْمالِ. بلا نِزاعٍ.

قوله: ولا يُقْبَلُ فى حَدٍّ للهِ تعالَى. وهو المذهبُ. وعليه الأصحابُ. وقطَعُوا به. وذكَر فى «الرِّعايةِ» رِوايةً، يُقْبَلُ.

ص: 7

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وهل يُقْبَلُ فِيما عَدا ذلك؛ مِثْلَ القِصاصِ، والنِّكاحِ، والطَّلاقِ، والخُلْعِ، والْعِتْقِ، والنَّسَبِ، والْكِتابَةِ، والتَّوْكِيلِ، والْوَصِيَّةِ إليه؟ على رِوايتَيْن. قال فى «الهِدايةِ»: يُخَرّجُ على رِوايتَيْن. وقال فى «الخُلاصةِ» : فيه

ص: 8

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَجْهان. وأطْلَقهما فى «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ أحدُهما، يُقْبَلُ. وهو المذهبُ.

وهو ظاهرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ. قال الزَّرْكَشِىُّ: يَحْتَمِلُه كلامُ الْخِرَقِىِّ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْم» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» . نقَل جماعَةٌ عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، يُقْبَلُ حتى فى قَوَدٍ. ونَصَرَه القاضى وأصحابُه. وجزَم به فى «الرَّوْضَةِ»

ص: 9

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِها. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يُقْبَلُ فى ذلك. قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو مُخْتارُ كثيرٍ مِن أصحابِ القاضى. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: والمذهبُ، أنَّها لا تُقْبَلُ فى القِصاص،. قال فى «العُمْدَةِ»: ويُقْبَلُ فى كل حقٍّ، إلَاّ فى الحُدودِ والقِصاصِ.

وقال ابنُ حامِدٍ: لا يُقْبَلُ فى النِّكاحِ. ونحوُه قولُ أبى بَكْرٍ. وعنه ما يدُلُّ على

ص: 10

وَيَجُوزُ كِتَابُ القَاضِى فِيمَا حَكَمَ بِهِ لِيُنْفِذَهُ فِى المَسَافَةِ القَرِيبَةِ وَمَسَافَةِ القَصْرِ، وَيَجُوزُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ ليَحْكُمَ بِهِ فِى الْمَسَافَةِ

ــ

قبولِه، إلَّا فى الدِّماءِ والحُدودِ. قال فى «الفُروعِ» وغيرِه: وعنه، لا يُقْبَلُ فيما لا يُقْبَلُ فيه إلَّا رَجلان.

فائدة: قال فى «الفُروعِ» : وفى هذه المَسْألَةِ ذكَرُوا، أنَّ كِتابَ القاضى [إلى القاضى](1)، حُكْمُه كالشَّهادَةِ على الشَّهادَةِ؛ لأنَّه (2) شَهادَةٌ على شهادةٍ.

وذكَرُوا، فيما إذا تغَيَّرَتْ حالُه، أنَّه أصْل، ومَن شَهِدَ عليه فَرْعٌ- وجزَم به ابنُ (3) الزَّاغُونِىِّ وغيرُه- فلا يجوزُ نقْضُ الحُكْمِ بإنْكارِ القاضى الكاتِبِ، ولا يقْدَحُ فى عَدَالَةِ البَيِّنَةِ، بل يمْنَعُ إنْكارُه الحُكْمَ، كما يَمْنَعُ رُجوعُ شُهودِ الأَصْلِ الحُكْمَ.

فدَلَّ ذلك على أنه فَرْعٌ لمَنِ شَهِدَ عندَه، وهو أصْل لمَن شَهِدَ عليه، ودلَّ ذلك، أنَّه يجوزُ أنْ يكونَ شُهودُ فرْعٍ فَرْعًا لأَصْل، يؤَيِّدُه قولُهم فى التَّعْليلِ: إنَّ الحاجَةَ داعِيَةٌ إلى ذلك. وهذا المَعْنَى مَوْجُودٌ فى فَرْعِ الفَرْعِ. انتهى.

قوله: ويَجُوزُ كِتابُ الْقَاضِى فيما حَكَمَ به ليُنْفِذَه فى المسافَةِ القَرِيبَةِ ومَسَافَةِ القَصْرِ. ولو كانا ببَلَدٍ واحدٍ، بلا نِزاعٍ. وعندَ الشَّيْخِ تَقِىِّ الدِّينِ، رحمه الله،

(1) سقط من: الأصل.

(2)

فى الأصل: «لأنها» .

(3)

سقط من: الأصل.

ص: 11

البَعِيدَةِ دُونَ الْقَرِيبَةِ.

ــ

وفى حقِّ اللهِ تعالَى أيضًا. وتقدَّم قريبًا، هل التَّنْفِيذُ حُكْمٌ، أمْ لا؟.

ص: 12

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: ويَجُوزُ فيما ثَبَتَ عِنْدَه ليَحْكُمَ به فى المسافَةِ الْبَعِيدَةِ، دُونَ الْقَرِيبَةِ.

وهذا المذهبُ. وعليه الأصحابُ. وعنه، فوقَ يَوم. وهو قولٌ فى «المُحَرَّرِ» وغيرِه، وعندَ الشَّيْخِ تَقِىِّ الدِّينِ، رحمه الله، وقال: خرَّجْتُه فى المذهبِ، وأقَلُّ مِن يومٍ، كخَبَرٍ. انتهى يعْنِى، إذا أَخْبَرَ حاكِمٌ لآخَرَ بحُكْمِه، يجبُ العمَلُ به. فلَوْلَا أنّ حُكْمَ الحاكمِ كالخَبَرِ، لَما اكْتَفَى فيه بخَبَرِه، ولَما جازَ

ص: 13

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للحاكم الآخر العَمَلُ به حتى يشْهَدَ به شاهِدان. قالَه ابنُ نَصْرِ اللهِ. وقال القاضى: ويكونُ فى كتابه «شَهِدا عنْدِى بكذا» ولا يكْتُبُ «ثَبَتَ عنْدِى» لأنَّه حُكْمٌ بشَهادَتِهما، كبَقِيَّةِ الأحْكامِ. وقالَه ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه. قال الشيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: والأَوَّلُ أشْهَرُ- أنَّه (1) خَبَرٌ بالثُّبوتِ، كشُهودِ الفَرْعِ- لأنَّ الحُكْمَ أمْرٌ ونَهْىٌ يتَضَمَّنُ إلْزامًا. انتهى. فعليه، لا يمْتَنِعُ كِتابَتُه «ثَبَتَ عنْدِى» قال فى «الفُروعِ»: فيَتَوَجَّهُ، لو أَثْبَتَ حاكِمٌ مالِكِىٌّ وقْفًا لا يراه- كوَقْفِ الإِنْسانِ على نفْسِه- بالشَّهادَةِ. على الخَطِّ، فإنْ (2) حَكَمَ للخِلافِ فى العَمَلِ بالخَط، كما هو المُعْتادُ، فلحاكمٍ حَنْبَلِىٍّ يرَى صِحَّةَ الحُكْمِ، أنْ ينفِذَه فى مَسافَةٍ قَرِيبَةٍ، وإنْ لم يَحْكُمِ المالِكِىُّ، بل قال: ثَبَتَ كذا. فكذلك؛ لأنَّ الثُّبوتَ عندَ المالِكِىِّ حُكْمٌ. ثم إنْ رأَى الحَنْبَلِىُّ الثُّبوتَ حُكْمًا، أنْفَذَه (3)، وإلَّا فالخِلافُ فى قُرْبِ المَسافَةِ، ولُزومِ الحَنْبَلِىِّ تَنْفِيذُه، يَنْبَنِى على لُزومِ تَنْفيذِ الحُكْمِ المُخْتَلَفِ فيه، على ما تقدَّم. وحُكْمُ المالِكِىِّ، مع عِلْمِه باخْتِلافِ العُلَماءِ فى الخَطِّ، لا يمْنَعُ كوْنَه مُخْتَلَفًا فيه، ولهذا لا يُنْفِذُه الحَنَفِيَّةُ حتى يُنْفِذَه حاكِمٌ.

وللحَنْبَلِىِّ الحُكْمُ بصِحَّةِ الوَقْفِ المذْكورِ مع بُعْدِ المَسافَةِ، ومع قُرْبِها الخِلافُ؛ لأنَّه نَقَلَ إليه ثُبوتَه مُجَرَّدًا. قالَه ابنُ نَصْرِ اللهِ. وقال: ومِثْلُ ذلك، لو ثَبَتَ عندَ حَنْبَلِىٍّ وَقْفٌ على النَّفْسِ، ولم يحْكُمْ به، ونَقَلَ الثُّبوتَ إلى حاكمٍ شافِعِىٍّ، فله الحُكْمُ وبُطْلانُ الوَقْفِ. وأمْثِلتُه كثيرةٌ.

فائدة: لو سَمِعَ البَيِّنَةَ، ولم يُعَدِّلْها، وجعَلَه إلى الآخَرِ، جازَ مع بُعْدِ

(1) فى الأصل، ا:«لأنه» .

(2)

فى الأصل، ا:«فإنه» .

(3)

فى النسخ: «نفذه» .

ص: 14

وَيَجُوزُ أنْ يَكْتُبَ إلَى قَاضٍ مُعَيَّنٍ، وَإلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ كِتَابِى هَذَا مِنْ قُضَاةِ المُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ.

وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ، يُحْضِرُهُمَا القَاضِى الكَاتِبُ فَيَقْرَؤُهُ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ يَقُولُ: أُشْهِدُكُمَا أن هَذَا كِتَابِى إِلَى

ــ

المَسافَةِ. قالَه فى «التَّرْغيبِ» . واقْتَصَرَ عليه فى «الفُروعِ» .

تنبيه: قولُه: ويَجُوزُ أن يَكْتُبَ إلى قاضٍ مُعَيَّنٍ، وإلى مَن يَصِلُ إليه كِتابِى هذا مِن قُضاةِ المسْلِمِين وحُكَّامِهِمْ. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: وتَعْيِينُ القاضى الكاتِبِ، كشُهودِ الأَصْلِ، وقد يُخْبِرُ (1) المَكْتُوبَ إليه. قال الأصحابُ فى شُهودِ الأصْلِ: يُعْتَبَرُ تَعْيِينُهم لهم (2). قال القاضى: حتى لو قال تابِعِيَّان: أَشْهَدَنا صَحابِيَّان. لم يَجُزْ حتى يُعَيِّناهُما.

(1) فى الأصل: «يجيز» .

(2)

فى الأصل: «له» .

ص: 15

فُلانِ بْنِ فُلانٍ. وَيَدْفَعُهُ [334 و] إلَيْهِمَا، فَإذَا وَصَلَا إلَى المَكْتُوبِ إلَيْهِ، دَفَعَا إِلَيْهِ الكِتَابَ وَقَالَا: نَشْهَدُ أنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ إلَيْكَ، كَتَبَهُ مِنْ عَمَلِهِ، وَأشْهَدَنَا عَلَيْهِ. وَالاحْتِيَاطُ أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ، وَيَخْتِمَهُ. وَلَا يُشْتَرَطُ خَتْمُهُ.

ــ

قوله: فاذا وصلا إلى الْمكْتُوبِ إِليه، دَفَعا إليهِ الكِتابَ، وقالا: نَشْهَدُ أنَّ هذا كِتابُ فُلانٍ إليْكَ، كَتَبَه مِن عَمَلِه، وأشْهَدَنا عليه. والاحْتِياطُ أنْ يَشْهَدا بما فيه.

فيَقُولَان (1): وأشْهَدَنا عليه. قالَه الْخِرَقِىُّ وجماعَةٌ واعْتَبَر الْخِرَقِىُّ أيضًا، وجماعةٌ، قوْلَهما: قُرِئ علينا. وقولَ الكاتبِ: اشْهَدا عَلَىَّ. والذى قدَّمه فى «الفُروعِ» ، أنَّهما إذا وَصَلا، قالا: نَشْهَدُ أنَه كِتابُ فُلانٍ إليكَ، كَتَبَه بعَمَلِه (2). مِن غيرِ زِيادَةٍ على ذلك. قال الزَّرْكَشِىُّ: الذى يَنْبَغِى قَبُولُ شَهادَةِ مَن شَهِدَ، أنَ هذا كِتابُ فُلانٍ إليكَ، كَتَبَه مِن عَمَلِه، إذا جَهِلا ما فيه، قوْلًا واحدًا؛ لانتِفاءِ الجَهالَةِ. انتهى. وفى كلامِ أبى الخَطَّابِ، كَتَبَه بحَضْرَتِنا، وقال لنا: اشْهَدا علَىَّ أَنِّى (3) كَتَبْتُه فى عَمَلِى بما ثَبَتَ عندِى، وحَكَمْتُ به مِن كذا وكذا. فيَشْهَدان بذلك. قال الزَّرْكَشِىُّ: وقال القاضى: يكْفِى أنْ يقولَ: هذا كِتابِى إلى فُلانٍ.

مِن غيرِ أنْ يقولَ: اشْهَدا علىَّ. انتهى. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: كِتابُه فى غيرِ عَمَلِه أو بعدَ عَزْلِه، كخَبَرِه. على ما تقدَّم.

(1) فى الأصل، ط:«فيقول» .

(2)

فى الأصل: «بعلمه» .

(3)

سقط من: الأصل، ط.

ص: 16

وَإِنْ كَتَبَ كِتَابًا وَأَدْرَجَهُ وَخَتَمَهُ، وَقَالَ: هَذَا كِتَابِى إِلَى

ــ

فائدة: قال ابنُ نَصْرِ اللهِ فى «حَواشِى الفُروعِ» : هل يجوزُ أنْ يشْهَدَ على القاضى- فيما أَثْبَتَه وحَكَمَ به- الشاهِدان اللَّذان شَهِدا عندَه بالحقِّ المَحْكُومِ به؟ لم أجِدْ لأصحابِنا فيها نصًّا، ومُقْتَضَى قاعِدَةِ المذهبِ، أنَّها لا (1) تُقْبَلُ؛ لأنَّها تَتَضَمَّنُ الشَّهادةَ عليه بقَبُولِه شَهادَتَهما، وإثْباتِه بها الحَقَّ والحُكْمَ؛ فالثُّبوتُ والحُكْمُ مَبْنِيَّان على قَبُولِ شَهادَتِهما، وشَهادَتُهما عليه (2) بقَبُولِه شَهادَتَهما نَفْعٌ لهما، فلا يجوزُ قبولُها، وإذا بَطَلَتْ بعْضُ الشَّهادَةِ، بَطَلَتْ؛ لأنَّها لا تَتَجَزَّأُ. وفى «رَوْضَةِ الشَّافِعِيَّةِ» عن أبى طاهِرٍ، يجوزُ أنْ يكونَ الشَّاهِدان بحُكْمِ القاضى هما اللَّذانِ شَهِدا عندَه وحكَم بشَهادَتِهما؛ لأنَّهما الآنَ يشْهَدان على فِعْلِ القاضى.

قال أبو طاهِرٍ: وعلى هذا تَفَقَّهْتُ، وأدْرَكْتُ القُضاةَ. انتهى. وهذا فيما إذا كانتْ شَهادَتُهما على الحُكْمِ رُبَّما تَحْتَمِلُ قَبُولَه على ما فيه، وأما على الثُّبوتِ، فهذا فى غايَةِ البُعْدِ. وقد أَفْتَى بالمَنْعِ قاضِى القُضاةِ بَدْرُ الدِّينِ العَيْنِىُّ الحَنَفِىُّ (3)، وقاضى القُضاةِ البِساطِىُّ المالِكِىُّ. ويأْتِى التَّنْبِيهُ على ذلك فى مَوانِعِ الشَّهادَةِ.

قوله: وإنْ كَتَبَ كِتابًا، وأدْرَجَه وخَتَمَه، وقالَ: هذا كِتابِى إلى فُلانٍ (4)، اشْهَدا عَلَىَّ بما فيه. لم يَصِحَّ؛ لأنَّ أحمدَ- رحمه الله قال فى مَن كَتَبَ وَصِيَّةً

(1) سقط من: الأصل.

(2)

سقط من: ط.

(3)

محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد، بدر الدين العينى، أبو محمد الحنفى، وحيد دهره وعمدة المؤرخين، قاضى القضاة الحنفية بالديار المصرية، برع فى الفقه والتفسير والحديث واللغة والتاريخ، وله مصنفات عدة. توفى سنة خمس وخمسين وثمانمائة. شذرات الذهب 7/ 262. الأعلام للزركلى 8/ 38.

(4)

بعده فى الأصل: «من غير أن يقول» .

ص: 17

فُلَانٍ، اشْهَدَا عَلَىَّ بِمَا فِيهِ. لَمْ يَصِحَّ؛ لِأنَّ أحْمَدَ قَالَ فِى مَنْ كَتَبَ وَصِيَّةً وَخَتَمَهَا، ثُمَّ أَشْهَدَ عَلَى مَا فِيهَا: فَلَا، حَتَّى يُعْلِمَهُ مَا فِيهَا.

وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ لِقَوْلِهِ: اذَا وُجِدَتْ وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةً عِنْدَ رَأْسِهِ، مِنْ غَيْرِ أنْ يَكُونَ أشْهَدَ، أوْ أعْلَمَ بِهَا أحَدًا عِنْدَ مَوْتِهِ، وَعُرِفَ خَطُّهُ وَكَانَ مَشْهورًا، فَإنَّهُ يَنْفُذُ مَا فِيهَا. وَعَلَى هَذَا، إذَا عَرَفَ المَكْتُوبُ الَيْهِ أَنَّهُ خَطُّ القَاضِى الكَاتِبِ وَخَتْمُهُ، جَازَ قَبُولُهُ.

وَالعَمَلُ عَلَى الأَوَّلِ.

ــ

وخَتَمَها، ثُمَّ أَشْهَد على ما فيها: فلا، حَتَّى يُعْلِمَ ما فيها. وهذا المذهبُ. قال المُصَنِّفُ هنا: والعَمَلُ عليه. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال الزَّركَشِىُّ: هذا المذهبُ المَشْهورُ. وهو مُقْتَضَى قولِ الْخِرَقِىِّ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه.

وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه.

ويَتَخَرَّجُ الْجَوازُ لقَوْلِه: إذا وُجِدَتْ وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةً عِنْد رَأْسِه، مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ أَشْهَدَ، أو أَعْلَمَ بها أحَدًا عِنْدَ مَوْتِه، وعُرِفَ خَطُّه وكَانَ

ص: 18

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَشْهُورًا، فإنَّه يَنْفُذُ ما فيها. وهذا روايةٌ مخرِّجةٌ، خرَّجَها الأصحابُ. واخْتارَ هذه الرِّوايةَ المُخَرِّجةَ فى الوَصِيَّةِ المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفائقِ» ،

ص: 19

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرُهم. على ما تقدَّم فى أوَّلِ كتابِ الوَصايَا.

ص: 20

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعلى هذا، إذا عَرَفَ الْمَكْتُوبُ إليه أَنه خَطُّ الْقاضِى الْكاتِبِ وخَتْمُه، جازَ قَبُولُه. على الصَّحيحِ، على هذا التَّخْريجِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ،

ص: 21

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الرِّعايةِ» . وقيل: لا يقْبَلُه. ذكَرَه فى «الرِّعايةِ» . قال الزَّرْكَشِىُّ: ظاهرُ هذا، أنَّ على هذه الرِّوايةِ، يُشْتَرَطُ لقَبُولِ الكتابِ أنْ يعْرِفَ المكْتُوبُ إليه أنَّه خَطُّ القاضِى الكاتِبِ وخَتْمُه. وفيه نظَرٌ. وأشْكَلُ منه حِكايَةُ ابنِ حَمْدانَ قَوْلًا بالمَنْعِ؛ فإنَّه إذَنْ تَذْهبُ فائدةُ الرِّوايةِ. والذى يَنْبَغِى على هذه الرِّوايةِ، أنْ لا يشْتَرِطَ شيئًا مِن ذلك. وهو ظاهرُ كلامِ أبى البَرَكاتِ، وأبى محمدٍ فى «المُغْنى» .

نعم، إذا قيلَ بهذه (1) الرِّوايةِ، فهل يُكْتَفَى بالخَطِّ المُجَرَّدِ مِن غيرِ شهادَةٍ؟ فيه وَجْهان، حكاهُما أبو البَرَكاتِ. وعلى هذا يُحْمَلُ كلامُ ابنِ حَمْدانَ وغيرِه.

انتهى. وعندَ الشيْخِ تَقِىِّ الدِّينِ، رحمه الله، مَن عُرِفَ خطُّه بإقْراِر، أو إنْشاءٍ، أو عَقْدٍ أو شَهادَةٍ؛، عُمِلَ به كَمَيِّتٍ، فإنْ حضَر وأنْكَرَ مضْمُونه، فكاعْتِرافِه بالصَّوْتِ وإنْكارِ مضْمُونِه. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، فى كتابٍ

(1) فى ط: «هذه» .

ص: 22

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أصْدَرَه الى السُّلْطانِ، فى مَسْأَلَةِ الزِّيارَةِ (1): وقد تَنازَعَ الفُقَهاءُ فى كتابِ الحاكمِ، هل يحْتاجُ الى شاهِدَيْنِ على لَفْظِه، أم واحدٍ؟ أو (2) يُكْتَفَى بالكِتابِ المَخْتومِ، أم يُقْبَلُ الكِتابُ بلا ختْمٍ ولا شاهِدٍ؟ على أرْبَعَةِ أقْوالٍ معْروفَةٍ فى مذهبِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، وغيرِه. نقَله ابنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةِ فى «تَعْلِيقِه» (3). وذكَر الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، قوْلًا فى المذهبِ، أنَّه يَحْكُمُ بخَطِّ شاهدٍ مَيِّتٍ، وقال: الخَطُّ كاللَّفْظِ، إذا عرَفَ أنَّه خطُّه. وقال: أنَّه مذهبُ جُمْهورِ العُلَماءِ، وهو يعْرفُ أنَّ هذا خطُّه، كما يعْرِفُ أنَّ هذا صَوْتُه.

واتَّفَقَ العُلَماءُ على أنَّه يشْهَدُ على الشَّخْصِ إذا عرَفَ صَوْتَه مع إمْكانِ الاشْتِباهِ، وجوَّزَ الجُمْهورُ، كالإِمامِ مالِكٍ والإِمامِ أحمدَ، رَحِمَهُما اللهُ تعالَى، الشَّهادَةَ على الصَّوْتِ مِن غيرِ رُؤْيَةِ المَشْهودِ عليه، والشَّهادَةُ على الخَطِّ أضْعَفُ، لكِنَّ جَوازَه قَوِىٌّ، أَقْوَى مِن مَنْعِه. انتهى.

فوائد؛ الأُولَى، قال فى «الرَّوْضَةِ»: لو كَتَبَ (4) شاهِدان الى شاهِدَيْن مِن بَلَدِ المَكْتُوبِ إليه بإِقامَةِ الشَّهادَةِ عندَه عنهما، لم يَجُزْ؛ لأنَّ الشَّاهِدَ إنَّما يصِحُّ أنْ

(1) وهى مسألة شد الرحال لزيارة القبور، التى كانت مثار خصومة عنيفة على شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، من المقلدين عباد القبور والموتى.

(2)

فى الأصل: «و» . وفى ا: «أم» .

(3)

فى ط.، ا:«تعليقته» .

(4)

فى الأصل: «كاتب» .

ص: 23

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يشْهَدَ على غيرِه إذا سمِعَ منه لَفْظَ الشهادَةِ، وقال: اشْهَدْ علَىَّ. فأمَّا أنْ يشْهَدَ عليه بخَطِّه، فلا؛ لأنَّ الخُطُوطَ يدْخُلُ عليها العِلَلُ، فإنْ قامَ بخطِّ كلِّ واحدٍ مِن الشاهِدَيْن شاهِدان، ساغَ له الحُكْمُ به.

الثَّانيةُ، يُقْبَلُ كتابُ القاضِى فى الحَيوانِ بالصِّفَةِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. جزَم به فى «المُحَرَّرِ» وغيرِه. قال فى «الفُروعِ»: ويُقْبَلُ كِتابُه فى حَيوانٍ فى الأصحِّ. وقيل: لا يُقْبَلُ. وأطْلَقَهما فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» . فعلى المذهبِ، لو كتَبَ القاضِى كِتابًا فى عَبْدٍ، أو حَيوانٍ بالصِّفَةِ، ولم يَثْبُتْ له مُشارِكٌ فى صِفَتِه، سُلِّمَ إلى المُدَّعِى، فإنْ كانَ غيرَ عَبْدٍ وأمَةٍ، سُلِّمَ إليه مَخْتومًا، وإنْ كان عَبْدًا أو أمَةً، سُلِّمَ إليه مَخْتومَ العُنُقِ بخَيْطٍ لا يخْرُجُ مِن رَأْسِه، وأُخِذَ منه كَفِيلٌ؛

ص: 24

فَإِذَا وَصَلَ الكِتَابُ، فَأَحضَرَ المَكْتُوبُ الَيْهِ الْخَصْمَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ فِى الْكِتَابِ، فَقَالَ: لَسْتُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بِهِ بَيِّنَةٌ، فَإنْ ثَبَتَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ،

ــ

ليَأْتِىَ به إلى الحاكمِ الكاتِبِ، ليَشْهَدَ الشُّهودُ عندَه على عَيْنِه دُون حِلْيَتِه، ويقْضِى له به، ويكْتُبُ له بذلك كِتابًا آخَرَ إلى مَن أنْفَذَ (1) العَيْنَ المُدَّعاةَ إليه، ليَبْرَأَ كَفِيلُه.

وإنْ كانَ المُدَّعَى (2) جارِيَةً، سُلمَتْ إلى أمِينٍ يُوَصِّلُها. وإنْ لم يَثْبُتْ له ما ادَّعاه، لَزِمَه ردُّه ومُؤْنته منذُ تَسَلمَه، فهو فيه كالغاصِبِ سَواءٌ، فى ضَمانِه، وضَمانِ نَقْصِه، ومَنفَعَتِه. قال فى «الفُروعِ»: فَكَمَغْصُوبٍ؛ لأنَّه أخَذه بلا حَقٍّ. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وقدمه فى «الفُروعِ». وقال فى «الرِّعايةِ»: لا يرُدُّ نفْعَه. قال فى «الفُروعِ» : ولم يَتَعَرضُوا لهذا فى المَشْهودِ عليه، فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُه، فالمُدَّعَى عليه ولا بَيِّنَةَ أَوْلَى. انتهى. وهذا كلُّه على المذهبِ، وعليه الأكْثَرُ. وقيل: يحْكُمُ القاضِى الكاتِبُ بالعَيْنِ الغائِبَةِ بالصِّفَةِ المُعْتَبَرَةِ إذا ثَبَتَتْ هذه الصِّفَةُ التَّامَّةُ؛ فإذا وصَلَ الكِتابُ إلى القاضِى المَكْتُوبِ إليه، سلَّمَها إلى المُدَّعِى، ولا ينفِذْها إلى الكاتِبِ لتَقُومَ البَيِّنَةُ على عَيْنِها. وقال فى «الرِّعايةِ»: وتَكْفِى الدَّعْوى بالقِيمَةِ. وقال فى «التَّرْغيبِ» ، على الأوَّلِ: لو ادَّعَى على رَجُلٍ

(1) فى الأصل، ط:«نفذ» .

(2)

بعده فى الأصل: «عليه» .

ص: 25

فَقَالَ: المَحْكُومُ عَلَيْهِ غَيْرِى. [334 ظ] لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا بِبَيِّنَةَ تَشْهَدُ أَنّ فِى الْبَلَدِ مَنْ يُسَاوِيهِ فِيمَا سُمِّىَ وَوُصِفَ بِهِ، فَيَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ حَتَّى يَعْلَمَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا.

ــ

دَيْنًا صِفَتُه كذا، ولم يذْكُرِ اسْمَه ونَسَبَه، لم يحْكُمْ- عليه، بل يكْتُبُ إلى قاضِى البَلَدِ الذى فيه المُدَّعَى عليه-كما قُلْنا فى المُدَّعَى به- ليَشْهَدَ على عَيْنِه. وكذا قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رَحِمَهُ اللهُ تعالَى فيه: هل يحْضُرُ ليَشْهَدَ الشُّهودُ على عَيْنِه، كما فى

ص: 26

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المَشْهُودِ به؟ قال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» (1): إنْ كتَبَ بثُبوتٍ، أو إقْرارٍ بدَيْنٍ، جازَ، وحَكَمَ به المَكْتُوبُ إليه، وأخَذَ به المَحْكُومُ عليه، وكذا عَيْنًا، كَعَقارٍ مَحْدُودٍ، أو عَيْنٍ مَشْهورَةٍ لا تَشْتَبِهُ، وإنْ كان غيرَ ذلك، فالوَجْهان.

وقالَه الشَّارِحُ أيضًا.

الثَّالثةُ، قال فى «الفُروعِ»: وظاهرُ كلامِهم، أنَّه لا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الجَدِّ فى

(1) انظر المغنى 14/ 76.

ص: 27

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

النَّسَبِ بلا حاجَةٍ. قال فى «المُنْتَقَى» فى صُلْحِ الحُدَيْبِيَةِ: فيه أنَّ المَشْهودَ عليه إذا عُرِفَ باسْمِه واسْمِ أبِيه، أَغْنَى عن ذِكْرِ الجَدِّ. وكذا ذكَرَه غيرُه. وقال فى «الرِّعايةِ»: ويكْتُبُ فى الكِتابِ اسْمَ الخَصْمَيْن واسْمَ أبوَيْهِما وجدَّيْهما وحِلْيَتَيهما. قال ابنُ نَصْرِ اللهِ فى «حَواشِى الفُروعِ» : ولو لم يُعْرَفْ

ص: 28

وَإنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ القَاضِى الكَاتِبِ بِعَزْلٍ، أوْ مَوْتٍ، لَمْ يَقْدَحْ فى كِتَابِهِ، وَإنْ تَغَيَّرَتْ بِفِسْقٍ، لَمْ يَقْدَحْ فِيمَا حَكَمَ بِهِ، وَبَطَلَ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بهِ، وَإنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ المَكْتُوبِ إلَيْهِ، فَلِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ قَبُولُ اَلكِتَابِ، وَالعَمَلُ بِهِ.

ــ

بذِكْرِ جَدِّه، ذُكِرَ مَن يُعْرَفُ به، أو ذُكِرَ له مِن الصِّفاتِ ما يَتَمَيَّزُ به عمَّنْ يُشارِكُه فى اسْمَ جَدِّه.

قوله: وإنْ تَغيَّرَتْ حالُ الْقاضِى الْكاتِبِ بعَزْلٍ، أو مَوْتٍ، لم يَقْدَحْ فِى كِتابِه.

هذا الصَّحيحُ مِن المذهبِ. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» - ونَصراه- و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظمِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الرِّعايةِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: حُكْمُه كما لو فسَقَ،

ص: 29

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَيَقْدَحُ خاصَّةً فيما ثَبَتَ عندَه ليَحْكُمَ به، فأمَّا ما حَكَمَ به، فلا يقْدَحُ فيه. قوْلًا

ص: 30

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واحدًا، كما قال المُصَنِّفُ.

ص: 31

فَصْلٌ: وَإذَا حَكَمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ إلَى الحَاكِمِ

ــ

قوله: وإذا حَكَمَ عليه، فَقال لَه: اكْتُبْ - لى - إلى الحاكمِ الْكاتِبِ أَنَّكَ حَكَمْتَ علىَّ، حَتَّى لا يَحْكُمَ علىَّ ثَانِيًا. لم يَلْزَمْه ذلكَ، ولَكِنَّه يَكْتُبُ له مَحْضَرًا

ص: 32

الْكَاتِبِ أَنَّكَ حَكَمْتَ عَلَيَّ، حَتَّى لَا يَحْكُمَ عَلَيَّ ثَانِيًا. لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ مَحْضَرًا بِالْقَضِيَّةِ.

وَكُلُّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ عِنْدَ حَاكِمٍ حَقٌّ، أَوْ ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهُ، مِثْلَ أَنْ أَنْكَرَ وَحَلَّفَهُ الحَاكِمُ، فَسَأَلَ الحَاكِمَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا

ــ

بالقَضِيَّةِ (1). فيَلْزَمُه أنْ يُشْهِدَ عليه بما جَرَى؛ لِئَلَّا يحْكُمَ عليه الكاتِبُ.

قوله: وكُلُّ مَن ثَبَتَ له عِنْدَ حاكِمٍ حَقٌّ، أو ثَبَتَتْ بَراءَتُه، مِثْلَ أنْ أنْكَرَ وحَلَّفَه الْحاكِمُ، فَسَأَلَ الْحاكِمَ أنْ يَكْتُبَ له مَحْضَرًا بما جَرَى؛ ليُثْبِتَ حَقَّهُ أو بَرَاءَتَه،

(1) في النسخ: «بالقصة» .

ص: 33

بِمَا جَرَى، لِيُثْبِتَ حَقَّهُ أَوْ بَرَاءَتَهُ، لَزِمَهُ إجَابَتُهُ.

ــ

لَزِمَه إِجابَتُه. هذا المذهبُ مُطْلَقًا. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال في «الرِّعايتَيْن»: وإنْ قال: أشْهِدْ لى عليكَ بما جرَى لى عنْدَك في ذلك وفى غيرِه؛ مِن حقٍّ، وإقْرَارٍ، وإنْكارٍ، ونُكُولٍ، ويَمِينٍ ورَدِّها، وإبْراءٍ، ووَفاء، وثُبوتٍ، وحُكْمٍ، وتنْفِيذٍ، وجَرْحٍ، وتَعْدِيلٍ، وغيرِ ذلك. أو: احْكُمْ (1) بما ثَبَتَ عنْدَك. لَزِمَه. انتهى. وقيل: إنْ ثَبَتَ حقُّه

(1) في ط، ا:«حكم» .

ص: 34

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بِبَيِّنَةٍ، لم يَلْزَمْه ذلك. وأطلَقهما في «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» .

فائدتان؛ إحْداهما، لو سأَلَه، مع الإشْهادِ، كِتابَةَ ما جرَى، وأتاه بوَرَقَةٍ، إمَّا مِن عنْدِه أو مِن بَيْتِ المالِ، لَزِمَه ذلك. على الصَّحيحِ مِن المذهب. قال في «الفُروعِ»: لَزِمَه ذلك في الأصحِّ. وصحُّحه فى «المُغْنِى» ، و «الشَرْحِ» ، و «تَصْحيحِ المُحَرِّرِ» . وقدَّمه في «النَّظْمِ» وغيرِه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وأَطْلَقَهما في «المُحَرِّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، وغيرِهم. وعنْدَ الشَيْخِ تَقِىِّ الدِّينِ، رحمه الله، يَلْزَمُه إنْ تضَرَّرَ بتَرْكِه.

الثَّانيةُ، ما تَضَمَّنَ الحُكْمَ بِبَيِّنَةٍ يُسَمَّى سِجِلًّا، وغيرُه يُسَمَى مَحْضَرًا. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. جزَم به في «المُحَرَّرِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ،

ص: 35

وَإنْ سَأَلَ مَنْ ثَبَتَ مَحْضَرُهُ عِنْدَ الحَاكِمِ، أَنْ يُسَجِّلَ بِهِ، فَعَلَ ذَلِكَ، وَجَعَلَهُ نُسْخَتَيْنِ؛ نُسْخَةً يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، وَالأُخْرَى يَحْبِسُهَا عِنْدَهُ، وَالْوَرَقُ مِنْ بَيْتِ المَالِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ، فَمِنْ مَالِ المَكْتُوبِ لَهُ. وَصِفَةُ المَحْضَرِ: بِسْمِ الله اِلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،

ــ

و «الحاوِى» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال المُصَنِّفُ هنا: وأمَّا السِّجِلُّ، فهو لأنْفاذِ ما ثَبَتَ عندَه والحُكْمِ به. وقال في «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «التَّرْغيبِ»: المَحْضَرُ شَرْحُ ثُبوتِ الحَقِّ عندَه، لا الحُكْمُ بثُبوتِه. قال في «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى»: وما تضَمَّنَ الحُكْمَ بِبَيِّنَةٍ، سِجِلٌ - وقيل: هو إنْفاذُ ما ثَبَتَ عندَه والحُكْمُ به - وما سِوَاه مَحْضَرٌ، وهو شَرْحُ ثُبوتِ الحقِّ عندَ الحاكمِ بدُونِ حُكْمٍ.

ص: 36

حَضَرَ [335 و] القَاضِىَ فُلَانَ بْنَ فُلانٍ الفُلَانِىَّ، قَاضِىَ عَبْدِ اللهِ الإِمَامِ، عَلَى كَذَا وَكَذَا. وَإِنْ كَانَ نَائِبًا، كَتَبَ: خَلِيفَةُ القَاضِى

فُلانٍ، قَاضِى عَبْدِ اللهِ الإِمَامِ، في مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ، بِمَوْضِعِ كَذَا، مُدَّعٍ، ذَكَرَ أنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، وَأحْضَرَ مَعَهُ مُدَّعَى عَلَيْهِ، ذَكَرَ أنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، فَادَّعَى عَلَيْهِ كَذَا، فَأقَرَّ لَهُ،

ــ

قوله في صِفَةِ المَحْضَرِ: في مَجْلِسِ حُكْمِه. هذا إذا ثَبَتَ الحقُّ بغيرِ إقْرارٍ،

ص: 37

أو فَأَنْكَرَ، فَقَالَ القَاضِى لِلْمُدَّعِى: أَلَكَ بَيِّنَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.

فَأَحْضَرَهَا، وَسَأَلَهُ سَمَاعَهَا، فَفَعَلَ، أَوْ فَأَنكَرَ، وَلَمْ تَقُمْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَسَأَلَ إِحْلَافَهُ، فَأَحْلَفَهُ. وَإنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ، ذَكَرَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ حَكَمَ عَلَيْهِ بِنُكولِهِ. وَإِن رَدَّ اليَمِينَ فحَلَّفَهُ، حَكَى ذَلِكَ.

ــ

فأمَّا إنْ ثَبَتَ الحقُّ بالإقْرارِ، لم يَذْكُرْ «في مَجْلِسِ حُكْمِه» .

ص: 38

وَسَأَلهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى، فَأَجَابَهُ إِلَيْهِ، في يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا. وَيُعْلِمُ فِي الإِقْرَارِ وَالإِحْلَافِ: جَرَى الأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ. وَفِى الْبَيِّنَةِ: شَهِدَ عِنْدِى بذَلِكَ.

وَأمَّا السِّجِلُّ، فَهُوَ لانْفَاذِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، وَالْحُكْمِ بِهِ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 39

وَصِفَتُهُ أَنْ يَكْتُبَ: هَذَا مَا أَشْهَدَ عَلَيْه القَاضِى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ - وَيَذْكُرُ مَا تَقَدَّمَ - مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الشُّهُودِ، [335 ظ] أَشْهَدَهُمْ

أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَقَدْ عَرَفَهُمَا بِمَا رَأى مَعَهُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمَا، بِمَحْضَر مِنْ خَصْمَيْنِ. ويَذْكُرُهُمَا إِنْ كَانَا مَعْرُوفَيْنِ، وَإلَّا قَالَ: مُدَّع وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، جَازَ حُضُورُهُمَا، وَسَمَاعُ الدَّعْوَى مِنْ أحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ، مَعْرِفَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ. وَيَذْكُرُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، وَإقْرَارَهُ طَوْعًا في صِحَّةٍ مِنْهُ، وَسَلَامَةٍ، وَجَوَازِ أمْرٍ بِجَمِيعِ مَا سُمَىَ وَوُصِفَ بِهِ، في كِتَابٍ نسَخْتُهُ. وَيَنْسَخُ الْكِتَابَ المُثْبَتَ،

ــ

وقولُه في صِفَةِ السِّجِلِّ: بمَحْضَرٍ مِنْ خَصْمَيْن. يفْتَقِرُ الأمْرُ إلى حُضُورِهما.

على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه الأَصْحابُ. وقَطَعُوا به. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ

ص: 40

أَوِ الْمَحْضَرَ جَمِيعَهُ، حَرْفًا بِحَرْفٍ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ قال: وَإنَّ القَاضِىَ أَمْضَاهُ، وَحَكَمَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ الوَاجِبُ عَلَيْهِ في مِثْلِهِ، بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ ذَلِكَ وَالإِشْهَادَ بِهِ، الْخَصْمُ المُدَّعِى - وَيَذْكُرُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ - وَلَمْ يَدْفَعْهُ الْخَصْمُ الحَاضِرُ مَعَهُ بِحُجَّةٍ، وَجَعَلَ كُلَّ ذِى حجَّةٍ عَلَى حجَّتِهِ، وَأَشْهَدَ القَاضِى فُلَانٌ عَلَى إِنْفَاذِهِ وَحُكْمِهِ وَإمْضَائِهِ، مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الشُّهُودِ في مَجْلِسِ حُكْمِهِ، في الْيَوْمِ المُؤَرَّخِ في أعْلَاهُ، وَأَمَرَ بِكَتْبِ. هَذَا السِّجلِّ نُسْختَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ. يُخَلِّدُ نُسْخَةً مِنْهُمَا دِيوانَ الْحُكْمِ، وَيَدْفَعُ الأُخْرَى إِلَى مَنْ كَتَبَهَا لَهُ، وَكُلُّ

ــ

الدِّينِ: الثُّبوتُ المُجَرَّدُ لا يفْتَقِرُ إلى حُضُورِهما، بل إلى دَعْواهما، لكِنْ قد تَكونُ الباءُ باءَ السَّبَبِ لا الظَّرْفِ، كالأُولَى. وهذا يَنْبَنِى على أنَّ الشُّهادةَ، هل تفْتَقِرُ إلى حُضورِ الخَصْمَيْن؟ فأمَّا التَّزْكِيَةُ، فلا. قال: وظاهِرُه أنْ لا حُكْمَ فيه بإقْرارٍ ولا

ص: 41

وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُجَّةٌ وَوَثِيقَة فِيمَا أَنْفَذَهُ فِيهِمَا. وَهَذَا يُذْكَرُ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ. وَلَوْ قَالَ: إِنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ مَا في كِتَابٍ نُسْخَتُه كَذَا. وَلَمْ يَذْكُرْ: بِمَحْضَرٍ مِنَ الخَصْمَيْنِ، سَاغَ ذَلِكَ؛ لِجَوَازِ القَضَاءِ عَلَى الغَائِبِ. وَمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنَ الْمَحَاضِرِ والسِّجِلَّاتِ في كُلِّ أُسْبُوعٍ، أَوْ شَهْرٍ، عَلَى قِلَّتِهَا وَكَثْرتِهَا، يَضُمُّ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ، وَيَكْتُبُ عَلَيْهَا: مَحَاضِرُ وَقْتِ كَذَا، في سَنَةِ كَذَا.

ــ

نُكُولٍ ولا رَدٌّ، وليسَ كذلك. قالَه في «الفُروعِ» .

ص: 42