المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الدعاوى والبينات - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٢٩

[المرداوي]

الفصل: ‌باب الدعاوى والبينات

‌بَابُ الدَّعَاوَى وَالبيِّنَاتِ

ــ

بابُ الدَّعاوَى والبَيِّناتِ

فائدة: واحِدُ الدَّعاوَى: دَعْوَى. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: مَعْناها فى اللُّغَةِ إضافَةُ الإنْسانِ إلى نفْسِه شيئًا؛ مِلْكًا، أو اسْتِحْقاقًا، أو صِفَةً، ونحوَه، وفى الشَّرْعِ، إضافَتُه إلى نفْسِه اسْتِحْقاقَ شئٍ فى يَدِ غيرِه، أو فى ذِمَّتِه. وقال ابنُ عَقِيلٍ: الدَّعْوَى الطَّلَبُ؛ لقوْلِه تعالَى: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} (2). زادَ ابنُ أبي الفَتْحِ، زاعِمًا مِلْكَه. انتهى. وقيلَ: هى طَلَبُ حقٍّ مِن خَصْمٍ عندَ حاكمٍ، وإخْبارُه (1) باسْتِحْقاقِه، وطَلَبُه منه. وقال فى «الرِّعايةِ»: قلتُ: هى إخْبارُ (2) خَصْمٍ باسْتِحْقاقِ شئٍ مُعَيَّنٍ أو مَجْهولٍ؛ كوَصِيَّةٍ وإقْرارٍ عليه، أو عندَه له، أو

(1) فى الأصل: «إجباره» .

(2)

فى الأصل: «إجباره» .

ص: 119

المُدَّعِى مَنْ إذَا سَكَتَ تُرِكَ، وَالمُنْكِرُ مَنْ إذَا سَكَتَ لَمْ يُتْرَكْ.

ــ

لمُوَكِّلِه، أو توْكيلِه، أو للهِ حِسْبَةً، يطْلُبُه منه عندَ حاكمٍ.

قوله: المُدَّعِى مَن إِذا سكَت تُرِكَ، والمُنْكِرُ مَن إذا سكَت لم يُتْرَكْ. هذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجِيزِ» ، وغيرِهم.

وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيلَ: المُدَّعِى مَن يدَّعِى خِلافَ الظَّاهرِ، وعكْسُه المُنْكِرُ. وأطْلَقَهما فى «المُسْتَوْعِبِ». وقال الشَّارِحُ: وقيل: المُدَّعِى مَن يلْتَمِسُ بقَوْلِه أخْذَ شئٍ مِن يَدِ غيرِه، وإثْباتَ حَقٍّ فى ذِمَّتِه، والمُدَّعَى عليه مَن يُنْكِرُ ذلك. وقدَّم هو أيضًا والمُصَنِّفُ، أنَّ المُدَّعَى عليه مَن يُضافُ إليه اسْتِحْقاق شئٍ

عليه. وقد يكونُ كلُّ واحدٍ منهما مُدَّعيًا ومُدَّعًى عليه؛ بأنْ يخْتَلِفا فى العَقْدِ، فيَدَّعِى كلُّ واحدٍ منهما أنَّ الثَّمَنَ غيرُ الذى ذكَرَه صاحِبُه. انتهى. وقيل: هو مَن

ص: 120

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا سكَت تُرِكَ مع إمْكانِ صِدْقِه. قال الزَّرْكَشِىُّ: ولا بُدَّ مِن هذا القَيْدِ. وقيل: المُدَّعِى هو الطَّالِبُ، والمُنْكِرُ هو المَطْلوبُ. وقيل: المُدَّعِى مَن يدَّعِى أمْرًا باطِنًا خَفِيًّا، والمُنْكِرُ مَن يدَّعِى أمْرًا ظاهِرًا جَلِيًّا. ذكَرَها فى «الرِّعايةِ» ، وذكَر أقْوالًا أُخَرَ، وأكْثَرُها يعُودُ إلى الأَوَّلِ. ومِن فَوائدِ الخِلافِ، لو قال الزَّوْجُ: أسْلَمْنا معًا. فالنِّكاحُ باقٍ. وادَّعَتِ الزَّوْجَةُ أنَّها أسْلَمَتْ قبلَه، فلا نِكاحَ.

فالمُدَّعِى هى الزَّوْجَةُ. على المذهبِ. وعلى القولِ الثَّاني، المُدَّعِى هو الزَّوْجُ.

تنبيه: قال بعْضُهم: الحَدُّ الأوَّلُ فيه نظَرٌ؛ لأنَّ كُلَّ ساكِتٍ لا يُطالِبُ بشئٍ فإنَّه مَتْروك»، وهذا أعَمُّ مِن أنْ يكونَ مُدَّعِيًا أو مُدَّعًى عليه، فيُتْرَكُ مع قِيامِ الدَّعْوَى، فتَعْرِيفُه بالسُّكوتِ وعَدَمِه ليس بشئٍ، والأَوْلَى أنْ يُقالَ: المُدَّعِى مَن يُطالِبُ غيرَه بحَقٍّ يذْكُرُ اسْتِحْقاقَه عليه، والمُدَّعَى عليه المُطالَبُ؛ بدَليلِ قوْلِه، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ:«البَيِّنَةُ علَى المُدَّعِى» (1). وإنَّما تكونُ البَيِّنَةُ مع المُطالَبَةِ، وأمَّا مع عَدَمِها، فلا. انتهى. ويُمْكِنُ أنْ يُجابَ بأنْ يُقالَ: المُرادُ بتَعْريفِ المُدَّعِى والمُدَّعَى عليه حالُ المُطالَبَةِ؛ لأنَّهم ذكَروا ذلك ليُعْرفَ (2) مَن عليه البَيِّنَةُ ممَّنْ عليه اليَمِينُ، وإنَّما يُعْرَفُ ذلك بعدَ المُطالَبَةِ. وقال ابنُ نَصْرِ اللهِ

فى «حَواشِى الفُروعِ» : قوْلُهم: المُدَّعِى مَن إذا سكَت تُرِكَ. يَنْبَغِى أنْ يُقَيَّدَ ذلك إنْ لم تَتَضَمنْ دَعْواه شيئًا إنْ لم يُثْبتْه، لَزمَه حدٌّ أو تَعْزيزٌ، كَمَنِ ادَّعَى على إنْسانٍ أنَّه زَنَى بابْنَتِه، أو أنَّه سرَق له شيَئًا، فإنَّه قاذِفٌ فى الأُولَى، ثَالِبٌ (3) لعِرْضِه فى الثَّانيةِ؛ فإنْ لم تثْبُتْ دَعْواه، لَزِمَهُ حدُّ القَذْفِ فى الأُولَى، والتَّعْزِيرُ فى الثَّانيةِ.

(1) تقدم تخريجه فى 16/ 252.

(2)

فى الأصل: «لتعريف» .

(3)

ثلَب فلانًا: عابه وتنقَّصه.

ص: 121

وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالإنْكَارُ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ.

وَإذَا تَدَاعَيَا عَيْنًا، لَمْ تَخْلُ مِنْ ثَلَاَثةِ أقْسَام؛ أحَدُهَا، أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَهِىَ لَهُ مَعَ يَمِينهِ أَنَّهَا لَهُ، لَا حَقَّ لِلْاَخَرِ فِيهَا، إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ.

ــ

وقد يُجابُ بأنَّه مَتْروكٌ مِن حيثُ الدَّعْوَى، مَطْلوبٌ بما تَضَمَّنَتْه، فهو مَتْروكٌ مُطابقةً، مَطْلوبٌ تَضَمُّنًا.

فائدتان؛ إحْداهما، قولُه: ولا تَصِحُّ الدَّعْوَى والإنْكارُ إلَّا مِن جائزِ التَّصَرُّفِ. وهو صحيحٌ، ولكِنْ تصِحُّ على السَّفيهِ فيما يُؤْخَذُ به حالَ سَفَهِه وبعدَ فَكِّ حَجْرِه، ويحْلِفُ إذا أنْكَرَ. وتقدَّم ذلك أيضًا في أوَّلِ بابِ طَريقِ الحُكْمِ وصِفَتِه. وقال في «الرِّعايةِ»: وكل منهما رَشِيدٌ يصِح تَبَرعُه وجَوابُه بإقْرارٍ أو إنْكارٍ، وغيرِهما.

الثَّانيةُ، قولُه (1): وإذا تَداعَيا عَينًا، لم تَخْلُ مِن أقْسام ثَلَاثةٍ؛ أحدُها، أنْ تكُونَ في يَدِ أحَدِهما، فهي له مع يَمِينِه أَنَّها له، لا حَق للآخَرِ فيها، إذا لم تَكُنْ بَيِّنَةٌ.

(1) سقط من: ط.

ص: 122

وَلَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً، أحَدُهُمَا رَاكِبُهَا، أوْ لَهُ عَلَيْهَا حِمْلٌ، وَالْآخَرُ آخِذٌ

ــ

بلا نِزاعٍ. لكِنْ لا يثْبُتُ المِلْكُ له بذلك كثُبوتِه بالبَيِّنَةِ، فلا شُفْعَةَ له بمُجَردِ اليَدِ.

ولا تضْمَنُ عاقِلَةُ صاحبِ الحائطِ المائلِ بمُجَردِ اليَدِ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ لا تثْبُتُ به الحُقوقُ، وإنَّما تُرَجحُ به الدَّعْوَى. ثم في كلامِ القاضى، في مَسْأَلةِ النَّافِى للحُكْمِ، يَمِينُ المُدَّعَي عليه دَليلٌ. وكذا قال فى «الرَّوْضَةِ» . وفيها أيضًا، إنَّما لم يَحْتَجْ إلى دَليلٍ؛ لأنَّ اليَدَ دَليلُ المِلْكِ. وقال فى «التَّمْهيدِ»: يَدُه بَيَّنَةٌ. وإنْ كان المُدَّعَى عليه دَيِّنًا، فَدَليلُ العَقْلِ على بَراءةِ ذِمَّتِه بَيِّنَةٌ؛ حتى يجُوزَ له أنْ يَدعُوَ الحاكِمَ إلى الحُكْمِ بثُبوتِ العَيْنِ له دُونَ المُدَّعِى وبَراءَةِ ذِمَّتِه مِن الدَّيْنِ: قال في «الفُروعِ» : كذا قالَ. ثم قال: ويَنْبَغِى، على هذا، أنْ يحْكِىَ في الحُكْمِ صُورَةَ الحالِ، كما قالَه أصحابُنا في قِسْمَةِ عَقارٍ لم يثْبُتْ عندَه المِلْكُ، وعلى كلامِ أبي الخَطابِ، يُصَرِّحُ في القِسْمَةِ بالحُكْم، وأما على كلامِ غيرِه، فلا حُكْمَ، وإنْ سأَلَه المُدَّعَى عليه مَحْضرًا بما جرَى، أَجابَه، ويذْكُرُ فيه أن الحاكِمَ بَقَّى العَيْنَ بيَدِه؛ لأنَّه لم يثْبُتْ ما يرْفَعُها ويزيلُها.

قوله: وإنْ تَنازَعا دابَّةً؛ أحَدُهَما راكِبُها، أو له عليها حِمْلٌ، والآخَرُ آخِذٌ بزِمامِها، فهي للأَوَّلِ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا. وعليه جماهيرُ الأَصحابِ. وجزَم به

ص: 123

بِزِمَامِهَا، فَهِىَ لِلْأَوَّلِ.

ــ

فى «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» و «الوَجيزِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. وقدمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: هي للثَّانِي إذا كانَ مُكارِيًا.

فائدتان؛ إحْداهما، لو كانَ لأحَدِهما عليها حِمْلٌ، والآخَرُ راكِبَها، فهي للرَّاكِبِ. قالَه المُصَنفُ والشارِحُ. فإنِ اخْتلَفا في الحِمْلِ، فادَّعاه الرَّاكِبُ وصاحِبُ الدَّابَّةِ، فهي للرَّاكِبِ، وإنْ تَنازَعا قَمِيصًا؛ أحدُهما لابِسُه، والآخَرُ آخِذٌ بكُمِّه، فهو للابسِه، بلا نِزاعٍ. كما قالَ المُصَنفُ هنا. فإنْ كان كُمُّه في يَدِ أحَدِهما وباقِيه مع الآخَرِ، أو تَنازَعا عِمامَة، طَرَفُها في يَدِ أحَدِهما، وباقِيها في يَدِ

ص: 124

وَإنْ تَنَازَعَا قَمِيصًا، أحَدُهُمَا لَابِسُهُ، وَالْآخَرُ آخِذ بِكُمِّهِ، فَهُوَ لِلَابِسِهِ.

ــ

الآخَرِ، فهما فيها سَواءٌ. ولو كانتْ دارٌ فيها أرْبَعُ بُيوتٍ، في أحَدِها ساكِنٌ وفي الثلَاثةِ ساكِنٌ، واختَلَفا، فلِكُل واحدٍ منهما ما هو ساكِنٌ فيه. وإنْ تَنازَعا السَّاحَةَ التي يُتَطَرَّقُ منها إلى البُيوتِ، فهي بينَهما نِصْفان.

الثانيةُ، لو ادَّعَيَا شاةً مسْلُوخَةً؛ بيَدِ أحَدِهما جِلْدُها ورَأسُها وسَواقِطُها، وبيَدِ الآخَرِ بَقِيَّتُها، وادَّعَى كلُّ واحدٍ منهما كلَّها، وأقاما بينتَيْن بدَعْواهما؛ فلكُلِّ واحدٍ منهما ما بيَدِ صاحبِه.

ص: 125

وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الدَّارِ وَالْخَيَّاطُ الإبرَةَ وَالمِقَصَّ، فَهُمَا لِلْخَيَّاطِ، وإنْ تَنَازَعَ هُوَ وَالقَرَّابُ القِرْبَةَ، فَهِىَ لِلْقَرَّابِ.

ــ

قوله: وإنْ تَنازَعَ صاحِبُ الدّارِ والخَيَّاطُ الإبرَةَ والمِقَصَّ، فهما للخَيَّاطِ، وإنْ تَنازَعَ هو والْقَرابُ القِرْبَةَ، فهي للقَرَّابِ. بلا نِزاعٍ فيهما.

ص: 126

وَإنْ تَنَازَعَا عَرْصَةً فِيهَا شَجَرٌ، أَوْ بِنَاءٌ لأَحَدِهِمَا، فَهِىَ لَهُ.

وإنْ تَنَازَعَا حَائِطًا مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أحَدِهِمَا وَحْدَهُ، أوْ مُتَّصِلًا بِهِ اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إِحْدَاثُهُ، أوْ لَهُ عَلَيْهِ أزَجٌ، فَهُوَ لَهُ، وَإنْ كَانَ [340 و] مَحْلُولًا مِنْ بِنَائِهِمَا، أَوْ مَعْقُودًا بِهِمَا، فَهُوَ بَيْنَهُمَا،

ــ

وقوله: وإنْ تَنازَعا عَرْصَةً فيها شَجَرٌ، أو بِناءٌ لأحَدِهما، فهي لهُ.

هذا المذهبُ مُطْلَقًا. وعليه جماهيرُ الأصْحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «المُحَررِ» ، و «الشرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا تكونُ له إلَّا ببَينةٍ.

قوله: وإنْ تَنازَعا حائِطًا مَعْقُودًا ببِناءِ أحَدِهما وحْدَه، أو مُتَّصِلًا به اتِّصَالًا

ص: 127

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا يُمْكِنُ إحْدَاثُه، أوله عليه أزَجٌ -وهو ضَرْب مِن البِناءِ، ويُقالُ له: طَاقٌ- فهو له. يعْنِي، بِيَمِينه. وهذا المذهبُ (1) بهذا الشَّرْطِ. أعْنِي، إذا كان مُتَّصِلًا اتِّصَالًا لا يُمْكِنُ إحْداثُه. وعليه الأصحابُ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وكذا لو كان له عليه سُتْرَةٌ، لكِنْ لو كانَ مُتَّصِلًا ببِناءِ أحَدِهما اتِّصالًا (2) يُمْكِنُ إحْداثُه، فظاهِرُ

كلامِ المُصَنِّفِ هنا، أنَّه لا يُرَجَّحُ بذلك. وهو ظاهِرُ كلامِه فى «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وهو صحيح. وهو المذهبُ.

اخْتارَه القاضى وغيرُه. وقدمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: هو كما لو لم يُمْكِنْ إحْداثُه. وهو ظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ في آخِرِ بابِ الصُّلْحِ.

(1) سقط من: الأصل.

(2)

بعده في الأصل: «لا» .

ص: 128

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لو كان له عليه جُذُوعٌ، لم يُرَجَّحْ بذلك. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ.

قدمه في «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، وغيرِهم. ذكَرَه في «المُحَرَّرِ» وغيرِه في بابِ أحْكامِ الجوارِ.

قال في «عُيونِ المَسائِلِ» : لا يُقَدَّمُ صاحِبُ الجُذوعِ، ويُحْكَم لصاحبِ الأزَجِ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ حُدوثُه بعدَ كَمَالِ البِناءِ، ولأَنَّا قُلْنا: له وَضْعُ خَشَبه على حائطِ جارِه ما لم يَضُرَّ؛ فلِهَذَا لم يَكُنْ دَلالَةً على اليَدِ، بخِلافِ الأزَجِ لا يجوزُ عمَلُه على حائطِ جارِه. انتهى. وقيل: يُرَجَّحُ بذلك أيضًا. وتأْتِى المَسْأَلَةُ قريبًا بأعَمَّ مِن هذا.

ص: 129

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وإنْ كانَ مَحْلُولًا مِن بِنائِهِما -أيْ غيرَ مُتَّصِل ببِنائِهما- أو مَعْقُودًا بهما، فهو بينَهما. بلا نِزاعٍ. ويتَحالَفَان، فيَحْلِفُ كلُّ واحد منهما للآخَرِ أن نِصْفَه له. على الصّحيحِ مِن المذهبِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الفُروعَ» . وقال المُصَنفُ، والشَّارِحُ، والزركَشِىُّ: وإن حَلَفَ كلُّ واحدٍ منهما على جميعِ الحائطِ أنَّه له، جازَ. قال الزَّرْكَشِىُّ: قلتُ: والذي يَنْبَغِى، أنْ

ص: 130

وَلَا تُرَجَّحُ الدَّعْوَى بِوَضْعِ خَشَبِ أحَدِهِمَا عَلَيْهِ، وَلَا بِوُجُوهِ الآجُرِّ، وَالتَّزْوِيقِ، وَالتَّجْصِيصِ، وَمَعَاقِدِ الْقِمْطِ في الخُصِّ.

ــ

تجِبَ اليمِينُ على حَسَبِ الجوابِ.

قوله: ولا تُرَجَّحُ الدَّعْوَى بوَضْعِ خَشَبِ أحَدِهما عليه، ولا بوُجُوهِ الآجُرِّ، والتَّزْوِيقِ، والتَّجْصِيصِ، ومَعاقِدِ القِمْطِ في الْخُصِّ. هذا الصَّحيحُ مِن المذهبِ.

ص: 131

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعليه الأصحابُ. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهمِ. قال المُصَنفُ والشارِحُ: قال أصحابُنا: لا تُرَجَّحُ دَعْوَى أحَدِهما بوَضْعِ خشَبِه على الحائطِ. وقَطَعا بذلك في وُجُوهِ الآجُرِّ، والتَّزْويقِ، والتَّجْصِيصِ، ومَعاقِدِ القِمْطِ في الخُصِّ (1)،

(1) في الأصل، ا:«الجص» .

ص: 132

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ونحوِها. ويَحْتَمِلُ أنْ تُرَجحَ الدَّعْوَى بوَضْعِ خَشَبِ أحَدِهما عليه. وإليه مَيْلُ المُصَنِّفِ والشَّارِحِ. وتقدَّم كلامُه في «عُيونِ المَسائلِ» في الجُذوعِ.

ص: 133

وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ في سُلَّمٍ مَنْصُوبٍ، أوْ دَرَجَةٍ، فَهِىَ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ، إلَّا أنْ يَكُونَ تَحْتَ الدَّرَجَةِ مَسْكَنٌ لِصَاحِبِ

السُّفْلِ، فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا. وَإِنْ تَنَازَعَا في السَّقْفِ الَّذِي بَيْنَهُمَا، فَهُوَ بَيْنَهُمَا.

ــ

قوله: وإنْ تَنازَعَ صاحِبُ العُلْوِ والسُّفْلِ في سُلَّم مَنْصُوبٍ، أو دَرَجَةٍ، فهي لصاحِبِ العُلْوِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ تحتَ الدَّرَجَةِ مَسْكَنٌ لصاحِبِ السُّفْلِ، فيَكُونُ بينَهما. بلا نِزاعٍ. لكِنْ لو كان في الدَّرَجَةِ طاقَةٌ ونحوُها ممَّا يُرْتَفَقُ به، لم يَكُنْ ذلك له. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: متى كانَ له في الدَّرَجَةِ طاقَةٌ أو نحوُها، كانت بينَهما.

وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وأطْلَقَ وَجْهَيْنِ في «المُحَرَّرِ» في بابِ أحْكامِ الجِوارِ.

ص: 135

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وإنْ تَنازَعا في السَّقْفِ الَّذِى بينَهما، فهو بينَهما. هذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقال ابنُ عَقِيلٍ: هو لرَبِّ العُلْوِ.

فائدة: لو تَنازَعا الصَّحْنَ والدَّرَجَةُ في الصَّدْرِ، فبينَهما. وإنْ كانتْ في الوَسَطِ، فما إليها بينَهما، وما وَراءَه لرَبِّ السُّفْلِ. على الصَحَّيحِ مِن المذهبِ.

ص: 136

وَإِنْ تَنَازَعَ الْمُؤجِرُ وَالمُسْتَأجِرُ في رَفٍّ مَقْلُوعٍ أَوْ مِصْرَاعٍ لَهُ شَكْلٌ مَنْصُوبٌ في الدَّارِ، فَهُوَ لِصَاحِبِهَا، وَإِلَاّ فَهُوَ بَيْنَهُمَا.

ــ

وقيلَ: بينَهما. والوَجْهان؛ إنْ تَنازَعَ رَبُّ بابٍ بصَدْرِ الدَّرْبِ، ورَبُّ بابٍ بوَسَطِه في صَدْرِ البابِ. قالَه في «التَّرْغيبِ» وغيرِه في الصُّلْحِ.

قوله: وإنْ تَنازَعَ المُوجِرُ والمُسْتَأجِرُ في رَفٍّ مَقْلُوعٍ أو مِصْراعٍ له شكْلٌ

ص: 137

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَنْصُوبٌ في الدَّارِ، فهو لصاحِبِها. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه الأصحابُ. وقطَع به أكثرُهم. وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرَى»: فهو للمُؤْجِرِ، في الأصحِّ، والَاّ فهو بينَهما. يعْنى، وإنْ لم يَكُنْ له شَكْلٌ منْصوبٌ، فهو بينَهما.

وهذا المذهبُ. جزَم به في «المُحَرَّرِ» و «الوَجيزِ» ، و «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» .

وقدَّمه في «الرِّعايةِ الصُّغْرَى» ، و «الفُروعِ» . والمَنْصوصُ عن الإمامِ أحمدَ،

ص: 138

وَإِنْ تَنَازَعَا دَارًا فِي أَيْدِيهِمَا، فَادَّعَاهَا أَحَدُهُمَا، وَادَّعَى الآخَرُ

ــ

رحمه الله، أنَّه لرَبِّ الدَّارِ مُطْلَقًا. وهو المُؤْجِرُ. كما يدْخُلُ في البَيْعِ عندَ الإطْلاقِ. ولعَلَّه المذهبُ. وقيل: هو بينَهما مُطْلَقًا. وهو ضَعيفٌ جِدًّا. وقدَّم في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، أنَّه بينَهما نِصْفان ويَحْلِفان. وقال فى «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، بعدَ أنْ قدَّم الأوَّلَ: وقيل: ما يدْخُلُ في مُطْلَقِ البَيْعِ لِلْمُؤْجِرِ، وما لا يدْخُلُ فيه ولا جَرتْ به العادَةُ فلِلْمُسْتَأْجِرِ، وفيما جَرَتْ به العادَةُ ولا يدْخُلُ في البَيْعِ أوْجُهٌ؛ الثَّالثُ، أنَّه مع شَكْلٍ له مَنْصُوبٍ في المَكانِ للمُؤْجِرِ، وإلَّا فلِلْمُسْتَأْجِرِ. انتهى.

قوله: وإنْ تَنازَعا دَارًا في أَيْدِيهِما، فادَّعاها أَحَدُهُما، وادَّعَى الآخَرُ نِصْفَها،

ص: 139

نِصْفَهَا، جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَالْيَمِينُ عَلَى مُدَّعِى النِّصْفِ.

ــ

جُعِلَتْ بَيْنَهُما نِصْفَيْنِ، والْيَمِينُ على مُدَّعِى النِّصْفِ. وهذا المذهبُ. نصَّ عليه.

ص: 140

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجزَم به في «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «المُحَرَّرِ» .

وقدَّمه فى «المُغْنِي» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» . وذكَر أبو بَكْرٍ، وابنُ أبي مُوسى، وأبو الفَرَجِ، أنَّهما يتَحالَفان. وكذا الحُكْمُ لو ادَّعَى أقَلَّ

ص: 141

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِن نِصْفِها، وادَّعَى الآخَرُ كلَّها أو أكثرَ ممَّا بَقِىَ. وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرُهما إنَّما فرَضُوا المسْألةَ في ذلك.

ص: 142

وَإِنْ تَنَازَعِ الزَّوْجَانِ أَوْ وَرَثتهُمَا في قُمَاشِ البَيْتِ، فَمَا كَانَ يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ فهُوَ لِلرَّجُلِ، وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَراةِ، وَمَا يَصْلُحُ

لَهُمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا.

ــ

قوله: وإنْ تَنازَعَ الزَّوْجان أو وَرَثَتُهما في قُماشِ البَيْتِ، فما كانَ يَصْلُحُ للرِّجالِ فهُو للرَّجُلِ، وما يَصْلُحُ للنساءِ فهو للْمَرْأةِ، وما كان يَصْلُحُ لهما فهو بينَهما. هذا المذهبُ. نصَّ عليه. وجزَم به في «الشَّرْحِ» ، و «الْخِرَقِىِّ» ، و «الوَجيزِ» ،

ص: 146

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، مع أنَّ كلامَهم مُحْتَمِلْ للخِلافِ. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. وقيل: الحُكْمُ كذلك إنْ لم تَكُنْ عادَةٌ. فإنْ كانَ ثَمَّ عادَةٌ، عُمِلَ بها.

نقَل الأَثْرَمُ، المُصْحَفُ لهما، فإنْ كانت (1) لا تَقْرَأ أو لا تُعْرَفُ بذلك، فهو له.

وجزَم به الزَّرْكَشِيُّ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقال القاضى: إن كان بيَدِهما

(1) بعده في ا: «المرأة» .

ص: 147

وَإِنِ اخْتَلَفَ صَانِعَانِ في قُمَاشِ دُكَّانٍ لَهُمَا، حُكِمَ بِآلةِ كُلِّ صِنَاعَةٍ لِصَاحِبِهَا، في ظَاهِرِ كَلَامِ [340 ظ] أحْمَدَ وَالْخِرَقِىِّ.

ــ

المُشاهَدَةِ، فبينَهما، وإن كانَ بيَدِ أحَدِهما المُشاهَدَةِ، فهو له. كما يأْتِى عنه في المَسْألَةِ التي بعدَها.

قوله: وإنِ اخْتَلَفَ صانِعان في قُماشِ دُكًانٍ لهما، حُكِمَ بآلةِ كل صِناعَةٍ لصاحِبِها، في ظاهِرِ كَلامِ الإمامِ أحْمَدَ رحمه الله والْخِرَقِىِّ. وهو

ص: 148

وَقَالَ القَاضِى: إنْ كَانَتْ أيْدِيهِمَا عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الحُكْمِ، فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ طَرِيقِ المُشَاهَدَةِ، فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ.

ــ

المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم.

وقال القاضى: إنْ كانتْ أيدِيهما عليه مِن طَريقِ الحُكْمِ، فكذلك، وإنْ

ص: 149

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كانتْ مِن طَريقِ المُشاهَدَةِ، فهو بينَهما على كلِّ حالٍ. وتقدَّم كلامُه في المَسْألةِ التي قبلَها. قلتُ: يَحْتَمِلُ أنْ تكونَ حِكايَةُ المُصَنِّفِ عن القاضِى راجِعَةً (1) إلى المَسْألتَيْنْ. وهو أوْلَى. لكِن الشارِحَ لم يذْكُرْه إلَّا في هذه المَسْأَلَةِ. وتَنَبَّهَ ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» لذلك، فقال: الخِلافُ عائدٌ إلى المَسْألتَيْن. وصرَّح به المُصَنَّفُ فى «المُغْنِي» . وكذا فى «الفُروعِ» . قلتُ: وكلامُه في «الهِدايةِ» ،

(1) في الأصل، ط:«راجع» .

ص: 150

وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا: هُوَ لَهُ. فَهُوَ مَعَ يَمِينِهِ، إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ.

ــ

و «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِى» مُحْتَمِلٌ أيضًا. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: وكلامُ القاضى فى «التَّعْليقِ» يقْتَضِى أنَّ المُدَّعَى به متى كان بيَدَيْهما، مثْلَ أنْ يكُونَا بدُكانٍ، فكالزَّوْجَيْنِ.

ص: 151

وَإنْ كَانَ لِأحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، حُكِمَ له بِهَا.

ــ

قوله: وإنْ كان لأحَدِهما بَيِّنَة، حُكِمَ له بها. إن كانتِ البَيِّنَةُ للمُدَّعِى وحدَه، و (1) كانتِ العَيْنُ في يَدِ المُدَّعَى عليه، فإنَّه يُحْكَمُ له بها مِن غيرِ يَمِينٍ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وعليه الأصحابُ. قال المُصَنِّفُ: بغيرِ خِلافٍ في المذهبِ. ثم قال: قال الأصحابُ: لا فَرْقَ بينَ الحاضِرِ والغائبِ، والحَىِّ

(1) بعده في الأصل: «إن» .

ص: 152

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والمَيِّتِ، والعاقِلِ والمَجْنونِ، والصَّغِيرِ والكَبِرِ. وقال الشَّافِعِيُّ، رحمه الله: إذا كانَ المَشْهودُ عليه لا يُعَبِّرُ عن نفْسِه، أحْلِفَ المَشْهودُ له؛ لأنَّه يُعَبِّرُ عن نفْسِه في دَعْوَى القَضاءِ والإِبْراءِ، فَيَقُومُ الحاكِمُ مَقامَه. قال المُصَنِّفُ: وهذا حسَنٌ.

ومالَ إليه. قلتُ: قد تقدَّمَتِ المَسْألَةُ بأعَمَّ مِن هذا في قوْلِ المُصَنفِ في بابِ طَريقِ الحُكْمِ وصِفَتِه: وإنِ ادَّعَى على غائبٍ، أو مُسْتَتِرٍ في البَلَدِ، أو مَيِّتٍ، أوِ صَبِىٍّ، أو مَجْنُونٍ، وله بَيِّنَة، سَمِعَها الحاكِمُ وحكَم بها، وهل يحْلِفُ المُدَّعِى أنَّه لم يَبْرَأْ إليه منه ولا مِن شئٍ منه؟ على رِوايتَيْن. وذكَرْنا الصَّحيحَ من المذهبِ منهما هناك،

ص: 153

وَإنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيَنةٌ، حُكِمَ بِهَا لِلْمُدَّعِى، في ظَاهِرِ المَذْهَبِ. وَعَنْهُ، إِنْ شَهِدَتْ بَيَنةُ المُدَّعَى عَلَيْهِ أنَهَا لَه، نُتِجَتْ

ــ

ثم رأيْتُ الزرْكَشِى حكَى كلامَه في «المُغْنِي» ، وقال: هذا عَجِيبٌ منه؛ فإنَّه ذكَر في «مُخْتَصَرِه» و «مُخْتَصَرِ» غيرِه، أن الدَّعْوى إذا كانتْ على غائبٍ أو غيرِ مُكَلَّفٍ، فهل يحْلِفُ مع البَينةِ؟ على رِوايتَيْن. انتهى. وإن كانتِ البَيِّنَةُ للمُدَّعَى عليه وحدَه، فلا يَمِينَ عليه. على المذهبِ. وفيه احْتِمالٌ، ذكَرَه المُصَنِّفُ.

قوله: وإنْ كان لكلِّ واحِدٍ بَيِّنَةٌ، حُكِمَ بها للْمُدعى، في ظَاهِرِ الْمذهَبِ.

يعْنِي تُقدَّمُ بَيِّنَةُ الخارِجِ؛ وهو المُدَّعِى. وهو المذهبُ كما قال. وعليه جماهيرُ

ص: 154

في مِلْكِهِ، أوْ قَطِيعَة مِنَ الإمَامِ، قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ، وإلَّا فَهِىَ لِلْمُدَّعِى بِبَينتِهِ. وقَالَ الْقَاضِى فِيهِمَا: إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ بَيِّنةِ الدَّاخِلِ تَرْجِيحٌ،

لَمْ يُحْكَمْ بِهَا، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ أبُو الخَطَّابِ: فِيهِ رِوَايَةٌ أخْرَى، أنَهَا مُقَدَّمَة بِكُلِّ حَالٍ.

ــ

الأصحابِ، وسَواءٌ كانَ بعدَ زَوال يَدِه أو لا. قال الإمامُ أحمدُ، رحمه الله: البَيِّنَةُ للمُدَّعِى، ليس لصاحِبِ الدَّارِ بَيِّنَة. قال فى «الانْتِصارِ»: كما لا تُسْمَع بَيِّنَةُ منكِرٍ أوَّلا. قال الشارحُ: هذا المَشْهورُ. قال الزرْكَشِيُّ: هذا المَشْهورُ مِن الرِّواياتِ، والمُختارُ للأَصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه، وقدَّمه في

ص: 155

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُروعِ» وغيرِه. وقال هو وغيرُه: هذا المذهبُ. وهو مِن المُفْرَداتِ.

وعنه، إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ المُدَّعَى عليه أنَّها له، نُتِجَتْ في مِلْكِه، أو قَطِيعَةٌ مِنَ الإمامِ، قُدِّمَتْ بَيِّنتُه، وإلَّا فهي للمُدَّعِى ببَينتِه. قال القاضى فيهما: إذا لم يَكُنْ مع بَيِّنةِ الدَّاخِلِ ترْجِيحٌ، لم يُحْكَمْ بها، رِوايَةً واحِدَةً. وقال أبو الخَطَّابِ: فيه رِوايَةٌ

ص: 156

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أخرَى، أنَّها مُقَدَّمَة بكُلِّ حالٍ. يعْنِي، تُقَدَّمُ بَيِّنةُ الدَّاخِلِ بكُل حالٍ. واخْتارَها أبو محمدٍ الجَوْزِىُّ. وعنه، يُحْكَمُ بها للمُدَّعِى إنِ اخْتَصَّتْ بَيِّنتُه بسَبَبٍ أو سَبْقٍ. فعلى هذه الرِّوايةِ والرِّوايةِ الثَّانيةِ، يَكفِى سَبَبٌ مُطْلَقٌ، على الصَّحيحِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وعنه، تُعْتَبَرُ إفادَتُه للسَّبْقِ. وأطلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» . ويأْتِى نقْلُه في «الوَسِيلَةِ» .

فائدة: لو أقامَ كلُّ واحدٍ منهما بَيِّنةً أنَها نُتِجَتْ في مِلْكِه، تَعارَضَتَا. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» . وقدَّم في «الإرْشادِ» ، أنَّ بَيِّنَةَ

ص: 157

فَإِنْ أقامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً أنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الْخَارِجِ، وَأَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الدَّاخِلِ، فَقَالَ القَاضِى: تُقَدُّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ.

وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَينّةَ الْخَارِجِ.

ــ

المُدَّعِى تُقَدَّمُ.

قوله: فإنْ أقامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةَ أنَّهُ اشْتَراها مِن الخَارِجِ، وأقامَ الخارِجُ بَيِّنَةَ أنَّه اشْتَراها مِن الدَّاخِلِ، فقال القاضِى: تُقَدَّمُ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ. كذا قال المُصَنِّفُ،

ص: 158

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والشَّارِحُ، وابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» . وقدَّمه في «الرَّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «تَسْهِيلِ الحَلْوانِيِّ» . قالَه في

«تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . وقيل: تُقدَّمُ بَيِّنةُ الخارِجِ. وقيل: يتَعارَضَان. وأطْلَقَهُنَّ في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «النَّظْمِ» .

ص: 159

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، لو كانتْ في يَدِ أحَدِهما، وأقامَ كلُّ واحدٍ منهما بَيِّنَةً أنَّه اشْتَرَاها مِن زَيْدٍ، أو (1) نَهَبَها منه، فعنه، أنَّه كَبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ والخارِجِ على ما سَبَق. وهي المذهبُ عندَ القاضِى. وعنه، يتَعارَضان؛ لأنَّ سبَبَ اليَدِ نفْسُ المُتَنازَعِ فيه فلا تَبْقَى مُؤثِّرَةً، لأنَّهما اتَّفَقَا على أنَّ مِلْكَ هذه الدَّارِ لزَيْدٍ. وهذه الرِّوايةُ اخْتِيارُ أبي بَكْرٍ، وابنِ أبي مُوسى، وصاحِبِ «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ،

و «الحاوِى» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وهو المذهبُ. ويأتِى معْنَى ذلك في أثْناءِ القِسْمِ الثَّالثِ. واخْتارَ أبو بَكْر هنا وابنُ أبي مُوسى، أنَّه يُرَجَّحُ بالقُرْعَةِ.

ونصَّ عليه في رِوايةِ ابنِ مَنْصُورٍ. واطْلَقَهما في «الفُروعِ» .

(1) في الأصل: «و» .

ص: 160

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثَّانيةُ، لا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ قبلَ بَيِّنَةِ الخارِجِ وتعْدِيلِها. على الصّحيحِ مِن المذهبِ. وفيه احْتِمالٌ، وتُسْمَعُ بعدَ التَّعْديلِ قبلَ الحُكْمِ، وبعدَه قبلَ التَّسْليمِ، وأيُّهما (1) تُقَدِّمُ؟ فيه الرِّواياتُ. وإن كانتْ بَيِّنَةُ أحَدِهما غائبةً حينَ رَفَعْنا يدَه،

(1) في ط، 1:«أيها» .

ص: 161

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فجاءَتْ وقد ادَّعَى المُدَّعِى مِلْكًا مُطْلَقًا، فهي بَيِّنَةُ خارِجٍ. وإنِ ادَّعاه مُسْتَنِدًا إلى ما قبلَ يَدِه، فهي بَيِّنَةُ داخِلٍ، كما لو أحْضَرَها بعدَ الحُكْمِ وقبلَ التسْليمِ.

ص: 162

فَصْل: الْقِسْمُ الثَّانِي، أنْ تَكُونَ العَيْنُ في يَدَيْهِمَا، فَيَتَحَالَفَانِ، وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا.

ــ

قوله: القِسْمُ الثَّانِي، أنْ تَكُونَ العَيْنُ في أيْدِيهما، فيتَحالَفان، وتُقْسَمُ بَيْنَهُما.

لأنَّ يَدَ كلِّ واحدٍ منهما على نِصْفِها، والقَوْلُ قولُ صاحِبِ اليَدِ مع يَمِينِه، فيَمِينُ كلِّ واحدٍ منهما على النِّصْفِ الذي بيَدِه. وهذا هو المذهبُ. وعليه الأصحابُ.

ص: 164

وإنْ تَنَازَعَا مُسَنَّاةً بَيْنَ نَهْرِ أحَدِهِمَا وَأرْضِ الْآخَرِ، [341 و] تَحَالَفَا، وَهِيَ بَيْنَهُمَا. وإنْ تَنَازَعَا صَبِيًّا في يَدَيْهِمَا، فَكَذَلِكَ.

ــ

وقطَع به أكثرُهم. وقال في «التَّرْغيبِ» : وعنه، يُقْرَعُ، فمَن قَرَع، أخَذَه بيَمِينِه.

فائدة: لو نَكَلا عن اليَمِينِ، فالحُكْمُ كذلك.

قوله: وإنْ تَنازَعا مُسَنَّاةً بَيْنَ نَهْرِ أحَدِهما وأرْضِ الآخَرِ، تَحالَفا، وهي بَيْنَهُما. هذا المذهبُ. وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النظْمِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ،

و «الرَّعايةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم.

وقيل: هي لرَبِّ النهْرِ. وقيل: هي لرَبُّ الأرْضِ.

قوله: وإنْ تَنازَعا صَبِيًّا في أيْدِيهِما، فكذلك. [يعْنِي، صَبيًّا](1) دُونَ التَّمْييزِ،

(1) سقط من: الأصل.

ص: 165

وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا، فَقَالَ: إنِّي حُرُّ. فَهُوَ حُرُّ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَة بِرِقِّهِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَالطِّفْلِ.

ــ

فيتَحالَفَانِ، وهو بينَهما رَقِيقٌ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الوَجِيزِ» ، و «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» .

قوله: وإنْ كانَ مُمَيِّزًا، فَقالَ: إنِّي حُرٌّ. فهو حُرٌّ، إلَّا أنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ برِقِّه. وهو المذهبُ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. وجزَم به في «الوَجِيزِ» .

وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَرَاه. وقدَّمه في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» .

ص: 166

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ كالطِّفْلِ. وهو لأبِى الخَطَّابِ في «الهِدايةِ» .

ص: 167

فَإنْ كَانَ لِأحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، حُكِمَ لَهُ بِهَا. وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَيِّنَةٌ، قُدِّمَ أسْبَقُهُمَا تَارِيخًا، فَإنْ وُقِّتَتْ إحْدَاهُمَا، وَأطْلِقَتِ الأخْرَى، فَهُمَا سَوَاءٌ. ويَحْتَمِلُ تَقْدِيمُ المُطْلَقَةِ.

ــ

قوله: فإنْ كانَ لأحَدِهما بَيِّنَةٌ، حُكِمَ له بها -بلا نِزاعٍ- وإنْ كان لكلِّ واحدٍ

ص: 168

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بَيِّنَة، قُدِّمَ أسْبَقُهمَا تارِيخًا. مثْلَ أنْ [تَشْهَدَ إحْداهما](1) أنَّها له منذُ سنَةٍ، وتَشْهَدَ الأخْرَى أنَّها للآخَرِ منذُ سَنَتَيْنِ، فتُقَدم أسْبَقُهما تارِيخًا. وهذه رِوايَة عن الإمامِ أحمدَ، رحمه الله. نَصَرَها القاضى وأصحابُه. وقال: هذا قِياسُ المذهبِ. وقطَع به في «الوَسِيلَةِ» وإذا كانتِ العَيْنُ بيَدِ ثالثٍ. جزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الشرْحِ» . وظاهرُ كلامِ الْخِرَقِى التَسْوِيَةُ بينَهما. وهو المذهبُ. وإليه مَيْلُ المُصَنفِ والشَّارِح. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعَايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروع». قلتُ: وجزَم به في «الوَجيزِ» أيضًا، فقال أولًا: وإنْ كان لكِّل واحدٍ بَيِّنَةٌ، قُدِّم أسْبَقُهما تارِيخًا. وقال ثانيًا: فإنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةَ أحدِهما بالمِلْكِ له منذُ سنَةٍ، وبَينةُ الآخَرِ بالمِلْكِ له منذُ شَهْر، فهما سَواءٌ. ولا يظْهَرُ الفَرْقُ بينَ المَسْألتَيْن، والذي يظْهَرُ، أنَه تابَعَ المُصَنَّفَ في المَسْأَلَةِ الأولَى

(1) في الأصل: «يشهد أحدهما» .

ص: 169

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتابعَ «المُحَرَّرَ» في الثَّانيةِ، فحصَل الخَلَلُ والتَّناقُضُ بسبَبِ ذلك؛ لأنَّ المُصَنِّفَ لم يذْكُرِ الثانيةَ لأنَّها عَيْنُ الأولَى، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» لم يذْكُرِ الأولَى؛ لأنها عَيْنُ الثَّانيةِ، وصاحبُ «الوَجِيزِ» جَمَع بينَهما. وحصَل له نظِيرُ ذلك في كتابِ الصيْدِ، وبابِ الذَّكاةِ، فيما إذا رَماه فوَقَعَ في ماءٍ، أو ذَبَحَه ثم غَرِقَ في ماءٍ، كما تقدَّم التَّنْبِيهُ على ذلك هناك.

فائدة: مثْلُ ذلك في الحُكْمِ، لو شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ باليَدِ مِن سنَةٍ، وبَينةً باليَدِ مِن سَنَتَيْن. قالَه في «الانْتِصارِ» .

قوله: فإنْ وُقِّتَتْ إحْداهُما وأطْلِقَتِ الأخْرَى، فهما سَواءً. اخْتارَه القاضى وغيرُه. وجزَم به في «الوَجِيزِ» . ونَصَره المُصَنِّفُ والشَّارِحُ. وهذا بِناءً مِن المُصَنِّفِ على ما قالَه قبلَ ذلك مِن تقْديمِ أسْبَقِهما تارِيخًا. والصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّهما سَواءٌ، على ما تقدَّم في التي قبلَها، بل هنا أوْلَى. وقدَّمه فى «الهِدايةِ» ،

ص: 170

وَإِنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِالْمِلْكِ، وَالأخْرَى بِالْمِلْكِ وَالنِّتاَجِ أَوْ سَبَبٍ مِنْ أسْبَابِ الْمِلْكِ، فَهَلْ تُقَدَّمُ بِذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْن.

ــ

و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعَايةِ» ، و «النَّظْمِ» . وصحَّحه في «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . واخْتارَه

القاضى وغيرُه. ويَحْتَمِلُ تقْديمَ المُطْلَقَةِ. قالَه أبو الخَطَابِ. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» . وفي «مُخْتَصَرِ ابنِ رَزِين» ، تُقَدَّمُ المُؤقَّتَةُ.

قوله: وإنْ شَهِدَتْ إحْداهُما بالمِلْكِ، والأخْرَى بالمِلْك وَالنِّتاجِ، أو سَبَبٍ مِن أسْبابِ المِلكِ، فهل تُقَدَّمُ بِذلك؟ على وَجْهَيْن. وأطْلَقَهما في «الشَّرْحِ» ، و «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ؛ أحدُهما، لا تُقدَّمُ بذلك، بل هما سَواءٌ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به الخِرَقِى، وصاحِبُ «الوَجيزِ» . وقامه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الخُلاصةِ» .

ص: 171

وَلَا تُقَدَّمُ إِحْدَاهُما بكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَلَا اشْتِهَارِ العَدَالَةِ، وَلَا الرَّجُلَانِ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَيُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ،

في أحَدِ الْوَجْهَيْنَ.

ــ

والوَجْهُ الثَّانى، تُقَدَّمُ بذلك. وهو قولُ القاضى وجماعَةٍ مِن أصحابِه، فيما إذا كانتِ العَيْنُ في يَدِ غيرِهما. وعنه، تقَدَّمُ بسَبَبٍ مُفيدٍ للسَّبْقِ؛ كالنتاجِ والإقْطاعِ. قال في «المُحَررِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهما: فعليها والتي قبلَها المُؤقتَةُ والمُطْلَقَةُ سَواءٌ. وقيل: تُقَامُ المُطْلَقَةُ. فجَعَل الخِلافَ المُتَقدِّمَ في المَسْألةِ التي قبلَ هذه مَبْنِيًّا على هاتَيْن الروايتَيْن. وفى «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ البَغْداديِّ» ، تُقَدمُ ذاتُ السبَبَيْن على ذاتِ السبَبِ، وشُهودُ العَيْنِ على الإقْرارِ.

قوله: ولا تُقَدَّم إحْداهُما بكَثْرَةِ العَدَدِ. وهو المذهبُ. وعليه الأصحابُ.

ص: 172

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال فى «الرِّعايةِ

الصُّغْرى»: هذا الأشْهَرُ. ويتَخَرَّجُ تقْديمُ أكْثَرِهما عَدَدًا.

قوله: ولا اشْتِهارِ الْعَدالَةِ. وهو المذهبُ. وعليه أكثرُ الأصحابِ. ونصَّ عليه. وجزَم به في «المُنَوِّرِ» . وصحَّحه في «النَّظْمِ» ، و «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» .

وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» . وعنه، تُقَّدم مَن اشْتَهَرَتْ

عَدالَتُه. جزَم به فى «الوَجيزِ» . واخْتارَه ابنُ أبي مُوسى، وأبو الخَطَّابِ،

ص: 173

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأبو محمدٍ الجَوْزِىُّ، وقال: ويتَخَرجُ منه الترْجِيحُ بالعَدْلِ. وحكاهُما في «المُحَررِ» وَجْهَيْن وأطْلَقَهما.

قوله: ولا الرَّجُلان على الرَّجُلِ من المَرْأتَينِ. هذا المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهِدايةِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، وغيرِهم. وقامه في «المُحَرَّرِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقيل: يُقَدَّمُ الرجُلان على الرَّجُلِ والمَرْأتَيْن. قال الشارِحُ بعدَ ذِكْرِ هذه المَسائلِ الثَّلَاثةِ، وقدَّم أنَّه لا تَرْجِيحَ بذلك: ويتَخَرَّجُ أنْ يُرَجَّحَ بذلك، مَأخوذًا مِن قولِ الْخِرَقِى: ويُقَدِّمُ الأعْمَى أوْثَقَهما في نفْسِه. وقالَه أبو الخَطابِ في «الهِدايةِ» ؛ لأنَّ أحَدَ الخَبَرْين يُرَجَّحُ بذلك، فكذلك الشَّهادَةُ، ولأنَّها خبَرٌ، ولأنَّ الشَّهادةَ إنَّما اعْتُبِرَتْ لغَلَبَةِ الظَّنِّ بالمَشْهودِ، وإذا كثرُ العَدَدُ أو قَوِيَتِ العَدَالَةُ، كان الظنُّ أقْوَى. قالَه الشَّارِحُ.

قوله: ويُقَدَّمُ الشَّاهِدان على الشَّاهِدِ واليَمِينِ، في أحَدِ الوَجْهَين. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» . وهما احْتِمالَانِ مُطْلَقَان في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» . أحدُهما، لا يُقَدَّمُ الشَّاهِدان على الشَّاهدِ

ص: 174

وَإذاَ تًسَاوَتَا، تَعَارَضَتَا، وَقُسِمَتِ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ. وَعَنْهُ، أنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا. وَعَنْهُ، أنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ

قَرَعَ صَاحِبَهُ، حَلَفَ وَأخَذَهَا.

ــ

واليَمينِ. وهو المذهبُ على ما اصْطَلَحْناه. جزَم به في «المُنَورِ» . وصحَّحه في «النَّظْمِ» ، و «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» . والوَجْهُ الثاني، يُقَدَّمان على الشاهدِ واليَمينِ. اخْتارَه المُصَنفُ، والشارِحُ. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «الخُلاصَةِ». وجزَم به في «الوَجيزِ». قلتُ: وهو الصَّوابُ، وهو المذهبُ.

قوله: وإذا تَساوَتا، تَعارَضَتا. بلا نِزاعٍ.

وقوله: وقُسِمَتِ العَيْنُ بينَهما بغيرِ يَمِينٍ. يعْنِي، إذا كانتِ العَيْنُ في أيْدِيهما.

ص: 175

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهذا إحْدَى الرِّواياتِ؛ فتُستَعْمَلُ البَيِّنَتان بقِسْمَةِ العَيْن بينَهما بغيرِ يَمِينٍ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وصحّحه في «المُغْنِي» ، و «الشَرْحِ» .

وعنه، أنَّهما يتَحالَفَان، كَمَنْ لا بَيِّنَةَ لهما. فيَسْقُطان بالتَّعارُضِ. وهذه الرِّوايةُ هي المذهبُ. وجزَم به في «العُمْدَةِ». وعليها جماهيرُ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ»: اخْتارَه الأكثرُ، وهو الذي ذكَرَه الْخِرَقِىُّ. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرعايتَيْن» ، و «الفُروعِ». قال الزَّرْكَشِى: اخْتارَه كثيرٌ

ص: 176

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِن الأصحابِ. وقال: ولعَل مَنْشَأ الخِلافِ إذا تَعارضَ الدَّلِيلان، هل يَتَوَقفُ المُجْتَهِدُ أو يَتَخَيَّرُ في العَمَلِ بأحَدِهما؟ فيه خِلافٌ. انتهى. ويحْلِفُ كلُّ واحدٍ منهما على النِّصْفِ المَحْكُومِ له به. قالَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم. وقال الزَّرْكَشِيُّ في الصُّلْحِ، عندَ قَوْلِ الْخِرَقِى: وكذلك إنْ كان مَحْلولاً مِن بِناءَيْهما: وصِفَةُ اليَمِينِ، قال أبو محمدٍ: أنْ يحْلِفَ

كلُّ واحدٍ منهما على نِصفِ الحائطِ أنَّه له، ولو حلَف كلُّ واحدٍ منهما على جميعِ الحائطِ أنَّه له دُونَ صاحبِه، جازَ، وكان بينَهما. قال الزرْكَشِى:[قلتُ: الذي](1) يَنْبَغِي أنْ تجِبَ اليَمِينُ على حسَبِ الجَوابِ. [انتهى. وتقدَّم هذا أيضًا](1).

وعنه، أنَّه يُقْرَعُ بينَهما، فَمَنْ قرَع صاحِبَه، حلَف وأخذَها. فتُسْتَعْمَلُ البَيِّنَتَان بالقُرْعَةِ. ونصَر فى «عُيونِ المسائلِ» ، أنهما يَسْتَهِمان على مَن [يَحْلِفُ و](2) تكونُ العَيْنُ له. ونقَلَه صالِحٌ عن الإِمام أحمدَ، رحمه الله. قال الزَّرْكَشِى، ورَدَّ رِواية بالقرْعَةِ: فيَحْتَمِل أنها بينَ البَيِّنَتَيْن. وهو ظاهرُ ما في «الروايتَيْن» للقاضِي، ويَحْتَمِلُ أنها بينَ المُتَداعِيَيْن. وهو الذي حَكاه الشرِيفُ، فقال: وعنه، يُقْرَعُ بينَهما (3). إلَّا أن شيْخَنا كان يقولُ: يُقْرَعُ بينَ المُتَداعِيَيْن لا البَيِّنَتَيْن. انتهى.

وحكَى ابنُ شِهَاب في «عُيونِ المَسائل» رِوايةً، إنّه يُوقَفُ الأمْرُ حتى

(1) سقط من: الأصل.

(2)

سقط من: ا.

(3)

سقط من: الأصل.

ص: 177

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَتَبَيَّنَ أو يصْطَلِحا عليه. وذكَر في «الوَسِيلَةِ» الروايةَ الأولَى والثَّانيةَ، فيما إذا كانتِ العَيْنُ بيَدِ أحَدِهما. وقال في «الفُروعِ»: وعلى الروايةِ الأولَى والثَّالثةِ، هل يحْلِفُ كل واحدٍ منهما للآخَرِ؟ فيه رِوايَتان. قال شيْخُنا في «حَواشِيه» على «الفُروع»: أمَّا على رِوايَةِ القُرْعَةِ، فلا يظْهَرُ حَلِفُ كل واحدٍ منهما للآخَرِ، بل الذي يحْلِفُ، هو الذي تخْرُجُ له القُرْعَةُ، وهكذا ذكَرَها في «المُقْنِعِ» ، و «الكافِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرعايةِ» ، فلَعلَّ كلامَ المُصَنفِ وَهْمٌ.

انتهى.

تنبيه: قولُه في الرِّوايةِ الأولَى: قُسِمَتِ العَيْنُ بينَهما بغيرِ يَمِينٍ. وهو الصَّحيحُ على هذه الرِّوايةِ. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «القَواعِدِ الفِقْهيَّةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وصححه المُصَنفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ.

وقدَّمه في «الرِّعايةِ» في مَوْضِعٍ. وعنه، يحْلِفُ كل واحدٍ منهما للآخَرِ. اخْتارَه الْخِرَقِى وغيرُه. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، كما تقدَّم. وقولُه في الرِّوايةِ الثَّانيةِ: كَمَنْ لا بَيِّنَةَ لهما. تقَدَّم حُكْمُ ذلك في أوَّلِ هذا القِسْمِ، فَلْيُعاوَدْ (1).

(1) تقدم في صفحة 164.

ص: 178

فَإنِ ادَّعَى أحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ، لَمْ تُسْمَعِ البَينةُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ: وَهِيَ مِلْكُهُ. وَتَشْهَدَ [341 ظ] البَيِّنَةُ بِهِ.

ــ

قوله: فإنِ ادَّعَى أحَدُهما أنَّه اشْتَراها مِن زَيْدٍ، لم تُسْمَعِ البَيِّنَةُ على ذلك حتى يَقُولَ: وهي في مِلْكِه. وتَشْهَدَ البَيِّنَةُ به. فإذا قالَه وشَهِدَتِ البَيِّنَةُ به، حُكِمَ له بها، وكذا، إنْ شَهِدَتْ أنَّه باعَه إيَّاها وسلَّمَها إليه، حُكِمَ له بها، فإنْ لم يذْكُرْ إلَاّ التَّسْلِيمَ، لم يُحْكَمْ. وقال في «الكافِى»: إذا كانتْ في يَدِ زَيْدٍ دارٌ، فادَّعَى آخَرُ أنَّه ابْتاعَها مِن غيرِه وهي مِلْكُه، وأقامَ بذلك بَيِّنةً، حُكِمَ له بها، وإنْ شَهِدَتْ أنَّه باعَه إيَّاها وسَلَّمَها إليه، حُكِمَ له بها، لأنَّه لم يُسَلِّمْها إليه إلَّا وهي في يَدِه، وإنْ لم يذْكُرِ المِلْكَ ولا التَّسْلِيمَ، لم يُحْكَمْ له بها؛ لأنَّه يُمْكِنُ أنْ يَبِيعَه ما لا يَمْلِكُه، فلا يُزالُ به صاحِبُ اليَدِ. فظاهِرُ كلامِه، أنَّ الشهادةَ بالتَّسْليمِ كافِيَة في الحُكْمِ له بها. وقال في «الفُروعِ»: وإنْ أقامَ كلُّ واحدٍ بَيِّنةً بشِرائِها مِن زَيْدٍ بكذا، وقيل أو لم يُقَلْ: وهي مِلْكُه، بل تحتَ يدِه وَقْتَ البَيْعِ. فظاهِرُ ما قدَّمه اشْتِراطُ الشَّهادَةِ بالمِلْكِ، كما هو ظاهِرُ «المُقْنِعِ» . والقولُ الثَّانى مُوافِق لظاهِرِ «الكافِى» .

واعلمْ أنَّ فَرْضَ هذه المَسْألَةِ فيما إذا كانتِ العَيْنُ في يَدِ غيرِ البائعِ، كما صرَّح به

ص: 179

فَإنِ ادَّعَىِ أحَدُهُمَا انَهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ، وَهِيَ مِلْكُهُ، وَادَّعَى الآخَرُ أنهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَمْرٍو، وَهِيَ مِلْكُهُ، وَأقَامَا بِذَلِكَ بَيِّنَتَيْنِ، تَعَارَضَتَا.

ــ

فى «الكافِى» وغيرِه.

تنبيهات؛ أحدُها، قولُه: فإنِ ادَّعَى أحَدُهما أنَّه اشْتَراها مِن زَيْدٍ، وهي مِلْكُه، وادَّعَى الآخَرُ أنَّهُ اشْتراها مِن عَمْرو، وهي مِلْكُه، وأقاما بذلك بَيِّنَتَيْن، تَعارَضَتا.

مُرادُه، إذا لم يُؤَرَّخا. قالَه فى «الفُروعِ» وغيرِه. فإنْ كانتْ في يَدِ أحَدِهما، انْبَنَى ذلك على بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ والخارِجِ، على ما تقدَّم.

ص: 180

وَإِنْ أَقَامَ أحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأقَامَ الآخَرُ بَيِّنَةً أنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ، أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ، أَوْ اعْتَقَهُ، قُدِّمَتْ بَيِّنتُهُ.

وَلَوْ أقامَ رَجُل بَيِّنَةً أنَّ هَذِهِ الدَّارَ لأبِى، خَلَّفَهَا تَرِكَةً، وَأقَامَتِ

ــ

الثانى، قولُه: وإنْ أقامَ أحَدُهما بَيِّنَةً أنها مِلْكُه، وأقامَ الآخَرُ بَيِّنَةً أنَّه اشْتَراها منه، أو وَقَفَها عليه، أو أعْتَقَه، قُدِّمَتْ بَيِّنَتُه. بلا نِزاع. قال في «المُحَررِ» ، و «الرِّعايةِ» ، وغيرِهما: قُدِّمَتْ بَينتُه؛ داخِلًا كانَ أو خارِجًا. قال في «الفُروعِ» : قُامَتِ الثانيةُ. ولم يرْفَعْ يدَه، كقَوْلِه: أبْرَأنِي مِن الدَّيْنِ.

الثَّالثُ، قولُه: ولَو أقامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أن هذه الدَّارَ لأبِى، خَلفَها تَرِكَة، وأقامَتِ امْرَأته بَيِّنَةً أنَّ أباه أصْدَقَها إيَّاهَا، فهي للْمَرْأةِ. سواءٌ كانتْ داخِلَةً أو خارِجَةً.

ص: 181

امْرَأَتُهُ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ أَصْدَقَهَا إِيَّاهَا، فَهِىَ لِلْمَرْأَةِ.

فَصْلٌ: الْقِسْمُ الثَّالِثُ، تَدَاعَيَا عَيْنًا فِى يَدِ غَيْرِهِمَا، فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، حَلَفَ وَأَخَذَهَا.

ــ

قوله: القِسْمُ الثَّالِثُ، تَدَاعَيا عَيْنًا فى يَدِ غَيْرِهما. اعلمْ أنَّهما إذا تَداعَيَا عَيْنًا فى يَدِ غيرِهما فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يُقِرَّ بها لهما، أو يُنْكِرَهما ولم يُنازِعْ فيها، أو يدَّعِيَها لنَفْسِه، أو يُقِرَّ بها لأحَدِهما بعَيْنِه، أو يُقِرَّ بها لأحَدِهما لا بعَيْنِه، فيقولَ: لا أعْلَمُ عَيْنَه منهما. أو يُقِرَّ بها لغيرِهما؛ فإنْ أقَرَّ بها فما، [فهى لهما] (1)؛ لكُلِّ واحدٍ منهما الجُزْءُ الذى أقَرَّ به. جزَم به فى «الشَّرْحِ» وغيرِه. وإنْ أقَرَّ بها لأحَدِهما وقال: لا أعْرِفُ عَيْنَه منهما. فَتَارَةً يُصَدِّقانِه وتارَةً يُكَذِّبانِه، أو أحَدُهما. فإَنْ صدَّقاه، لم يحْلِفْ، وإنْ كذَّباه أو أحدُهما، حلَف يَمِينًا واحدةً ويُقْرَعُ بينَهما، فَمَنْ قرَع، حلَف وهى له. هذا المذهبُ. نصَّ عليه. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وفيه وَجْةٌ آخَرُ، أنَّه لا يَحْلِفُ. ذكَرَه فى «القاعِدَةِ الأخِيرَةِ». قال الزَّرْكَشِىُّ: ولم يتَعرَّضِ الْخِرَقِىُّ لوُجوبِ اليَمِينِ على المُقِرِّ. وكذلك الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، فى رِوايةِ

(1) سقط من: الأصل.

ص: 182

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابنِ مَنْصُورٍ، إذا قال: أَوْدَعَنِى أحدُهما لا أعْرِفُه عَيْنًا. أُقْرِعَ بينَهما. وحَمَلَه القاضى على ما إذا صدَّقاه فى عدَمِ العِلْمِ. فعلى الأوَّلِ، إنْ عادَ بَيِّنَهُ. فقِيلَ: كَتَبْييِنه ابْتِداءً. ونقَل المَيْمُونِىُّ، إنْ أبَى اليَمِينَ مَن قرَع، أخَذَها أيضًا. وقيلَ لجماعَةٍ مِن الأصحاب: لا يجوزُ أنْ يُقالَ: ثبَت الحقُّ لأحَدِهما لا بعَيْنِه بإقْرارِه. وإلَّا لصَحَّتِ الشَّهادَةُ لأَحَدِهما لا بعَيْنِه. فقالوا: الشَّهادَةُ لا تصِحُّ لمَجْهولٍ ولا به، ولهما القُرْعَةُ بعدَ تحْلِيفِة الواجِبِ وقبلَه. فإنْ نَكَل، قُدِّمَتْ، ويحْلِفُ للمَقْروعِ إنْ كذَّبه، فإنْ نَكَل أخَذ منه بدَلَها، وإنْ أقَرَّ بها لأحَدِهما بعَيْنِه، حلَف وهى له، ويَحْلِفُ أيضًا المُقِرُّ للآخَرِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيل: لا يحْلِفُ له.

فعلى المذهبِ، إنْ نَكَلَ، أخَذ منه بدَلَها، وإذا أخَذَها (1) المُقَرُّ له، فأقامَ الآخَرُ بَيِّنَةً، أخَذَها منه. قال فى «الرَّوْضَةِ»: وللمُقَرِّ له قِيمَتُها على المُقِرِّ. وإنْ أنْكَرَهما ولم يُنازِعْ، فقال فى «الفُروعِ»: نقَل الجماعَةُ عن الإمامِ أحمدَ، رحمه الله وجزَم به الأكثرُ- يُقْرَعُ بينَهما، كإقْرارِه لأحَدِهما لا بعَيْنِه. وقال فى «الواضِحِ»: وحكَى أصحابُنا، لا يُقْرَعُ؛ لأنَّه لم يَثْبُتْ لهما حقٌّ، كشَهادَةِ

(1) فى الأصل: «أخذه» .

ص: 183

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

البَيِّنَةِ بها لغيرِهما، وتُقَرُّ بيَدِه حتى يظْهَرَ ربُّها. وكذا فى «التَّعْليقِ» مَنْعًا. أوْمَأَ إليه الإمامُ أحمدُ، رحمه الله، ثم تَسْلِيمًا. فعلى الأوَّلِ، إنْ أخَذَها مَن قرَع، ثم عَلِمَ أنَّها للآخَرِ، فقد مَضَى الحُكْمُ. نَقَلَه المَرُّوذِىُّ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقال فى «التَّرْغيبِ» ، فى التى بيَدِ ثالثٍ غيرِ مُنازِعٍ ولا بَيِّنَةَ: كالتى بيَدَيْهما. وذكَرَه ابنُ رَزِينٍ وغيرُه. وقال فى «التَّرْغيبِ» : ولو ادَّعى أحدُهما الكُلَّ، والآخَرُ النِّصْفَ، فكالتى بيَدَيْهما؛ إذِ اليَدُ المُسْتَحِقَّةُ الوَضْعَ (1) كَمَوْضوعَةٍ. وفى «التَّرْغيبِ» أيضًا، لو ادَّعى كلُّ واحدٍ نِصْفَها، فصَدَّقَ أحدَهما وكذَّب الآخَرَ ولم يُنازِعْ، فقيل: يُسَلِّمُ إليه. وقيل: يحْفَظُه حاكِمٌ. وقيل: يَبْقَى بحالِه. ونقَل حَنْبَلٌ، وابنُ مَنْصُورٍ فى التى قبلَها، لمُدَّعِى كلِّها نِصْفُها، ومَنْ قرَع فى النِّصْفِ الآخَرِ، حلَف وأخذَه. قال فى «القاعِدَةِ الأخيرةِ»: وإنْ قالَ مَنْ هى فى يَدِه: ليستْ لِى، ولا أعْلَمُ لمَنْ هى. ففيها ثَلَاثةُ أوْجُهٍ؛ أحدُها، يقْتَرِعان عليها، كما لو أقَرَّ بها لأحَدِهما مُبْهَمًا. والثَّانى، تُجْعَلُ عندَ أمِينِ الحاكمِ. والثَّالثُ، تُقَرُّ فى يَدِ مَنْ هى فى يَدِه. والأوَّلُ ظاهِرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، فى رِوايةِ صالحٍ، وأبى طالب، وأبى النَّضْرِ، وغيرِهم. والوَجْهان الأخِيران مُخَّرجان مِن مسْألةِ مَنْ فى يَدِه شئٌ مُعْتَرِفٌ بأنَّه ليسَ له ولا يَعْرِفُ مالِكَه، فادَّعاه مُعَيَّنٌ، فهل يُدْفَعُ إليه أمْ لا؟ وهل يُقَرُّ فى يَدِ مَنْ هو فى يَدِه أمْ ينْتَزِعُه الحاكِمُ؟ فيه خِلافٌ. انتهى. وإنِ ادَّعاها لنَفْسِه، وهو قولُ المُصَنِّفِ: وإنِ ادَّعاها صاحِبُ اليَدِ لنَفْسِه. فقال

(1) فى الأصل: «الموضع» .

ص: 184

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القاضى: يحْلِفُ لكُلِّ واحدٍ منهما، وهى له. وهو المذهبُ. قدَّمه فى «الفُروعِ» وغيره. وجزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ». وقال أبو بَكْرٍ: بل يُقْرَعُ بينَ المُدَّعِيَيْن، فتكونُ لمَنْ تخْرجُ له القُرْعَةُ. قال الشَّارِحُ: يَنْبَنِى على أنَّ البَيِّنَتَيْن إذا تعَارَضَتا لا تسْقُطان، فرُجِّحَت إحْدَى البَيِّنَتَيْن بالقُرْعَةِ. فعلى المذهبِ، إنْ نَكَلَ، أخَذَها منه وبَدَلها، واقْتَرَعا عليها. على الصَّحيح مِن المذهبِ. جزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِى» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. ويَحْتَمِلُ أنْ يقتَسِماها، كما لو أقَرَّ بها لهما ونَكَل عن اليَمِينِ. قال فى «الوَجيزِ»: وإنْ نَكَلَ، لَزِمَ لهما العَيْنُ أو عِوَضُها. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: قد يقالُ: تُجْزِئْ يمينٌ واحدةٌ. ويقالُ: إنَّما تجِبُ العَيْنُ، يقْتَرِعان عليها. ويقالُ: إذا اقْتَرَعا على العَيْنِ، فَمَنْ قرَع، فللآخَرِ أنْ يدَّعِىَ عليه بها. ويقالُ: إنَّ القارِعَ هنا يحْلِفُ ثم يأْخُذُها؛ لأنَّ النُّكُولَ غايَتُه أنَّه بَدَلٌ (1)، والمَطْلوبُ ليس له هنا بَدَلُ (1) العَيْنِ، فيُجْعَل كالمُقِرِّ، فيَحْلِفُ المُقَرُّ له. وإنْ أقَرَّ لغيرِهما، فقد تقدَّم حُكْمُه مُسْتَوْفًى فى أثْناءِ بابِ طَريقِ الحُكمِ وصِفَتِه.

فائدة: لو لم تَكُنْ بيَدِ أحدٍ، فَنَقَلَ صالِحٌ، وحَنْبَلٌ، هى لأحَدِهما بقُرْعَةٍ، كالتى بيَدِ ثالثٍ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وذكَر جماعةٌ، تُقسَمُ بينَهما، كما لو كانتْ بيَدَيْهما. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» .

وأَطْلَقَهما فى «القاعِدَةِ الأَخيرةِ» .

(1) فى ط، ا:«بذل» .

ص: 185

فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَبْدًا، فَأَقَرَّ لأَحَدِهِمَا، لَمْ يُرَجَّحْ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ كَانَ لأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، حُكِمَ لَهُ بِهَا.

وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَيِّنَة، تَعَارَضَتَا، وَالْحُكْمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

ــ

قوله: فإنْ كان الْمُدَّعَى عَبْدًا، فأَقَر لأحَدِهما، لم يُرَجَّحْ بإقْرارِه، وإنْ كان لأحَدِهما بَيِّنَةٌ، حُكِمَ له بها. وجزَم به فى «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ». وقال فى «الفُروعِ»: وإنِ ادَّعَيا رِقَّ بالغٍ ولا بَيِّنَةَ، فصَدَّقَهُما، فهو لهما، وإنْ صدَّق أحدَهما، فهو له، كمُدَّعٍ واحدٍ، وفيه رِوايَةٌ ذكَرَها القاضى، وجماعَةٌ، وعنه، لا يصِحُّ إقْرارُه؛ لأنَّه مُتَّهَمٌ. نَصَرَه القاضى وأصحابُه. وإنْ جحَد، قُبِلَ قولُه.

على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وحُكِىَ، لا يُقْبَلُ قولُه. انتهى.

قوله: وإنْ كان لكُلِّ واحِدٍ بَيِّنَةٌ، تَعارَضَتا، والحُكْمُ على ما تَقَدَّمَ. وكذا قال

ص: 186

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الشَّارِحُ، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» . وقال فى «الفُروعِ» ، فيما إذا ادَّعَيا رِقَّ بالغٍ: وإنْ أَقاما بَيِّنَتَيْن، تَعارَضَتا، ثم إنْ أَقَرَّ لأحَدِهما، لم تُرَجَّحْ به على رِوايةِ اسْتِعْمالِها، وظاهِرُ «المُنْتَخَبِ» مُطْلَقًا.

فائدة: لو أقامَ بَيِّنَةً برِقِّه وأَقامَ بَيِّنَةً بحُرِّيَّتِه، تَعارَضَتَا. على الصَّحيحِ مِن

ص: 187

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى». وقيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةَ الحُرِّيَّةِ. وقيلَ عكْسُه.

فائدة: لو كانتِ العَيْنُ بيَدِ ثالثٍ أقَرَّ بها لهما أو لأَحدِهما لا بعَيْنِه، أو ليستْ بيَدِ أحدٍ وأَقامَا بَيِّنَتَيْن، ففيها رِواياتُ التَّعارُضِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ». وقال فى «التَّرْغيبِ»: إنْ تَكاذَبا فلم يُمْكِنِ الجَمْعُ، فلا، كشَهادَةِ بَيِّنَةٍ بقَتْلٍ فى وَقْتٍ بعَيْنِه، وأُخْرَى بالحياةِ فيه. ونقَل جماعةٌ، القُرْعَةُ

ص: 188

فَإِنْ أَقَرَّ صَاحِبُ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا، لَمْ يَتَرَجَّحْ بِذَلِكَ.

ــ

هنا، والقِسْمَةُ فيما بأَيْدِيهما. واخْتارَه جماعةٌ. وقال فى «عُيونِ المَسائلِ»: إنْ تَداعَيا عَيْنًا بيَدِ ثالثٍ، وأَقامَ كلُّ واحدٍ البَيِّنَةَ أنَّها له، سقَطَتا واسْتَهَما على مَنْ يحْلِفُ، وتكونُ العَيْنُ له. والثَّانيةُ، يَقِفُ الحُكْمُ حتى يأْتِيا [بأمْرٍ بَيِّنٍ](1)، قال: لأنَّ إحْداهما كاذِبَةٌ فَسَقَطَا، كما لو ادَّعَيا زَوْجِيَّةَ امْرَأةٍ، وأقامَ كلُّ واحدٍ البَيِّنَةَ، وليستْ بيَدِ أحَدِهما، فإنَّهما يسْقُطان، كذا هنا.

قوله: وإنْ أقَرَّ صَاحِبُ اليَدِ لأحَدِهما، لم يُرَجَّحْ بذلك. يعْنِى، إذا أقاما بَيِّنَتَيْن بعدَ أنْ أنْكَرَهما. وإقامَةُ البَيِّنَتَيْن؛ تارَةً تكونُ قبلَ إقْرارِه لأحَدِهما، وتارَةً تكونُ بعدَ إقْرارِه؛ فإنْ أَقاماهُما قبْلَ إقْرارِه- وهو مُرادُ المُصَنِّفِ هنا- فحُكْمُ التَّعارُضِ بحالِه، وإقْرارُه باطِلٌ على رِوايَتَىْ الِاسْتِعْمالِ: وهو صحيحٌ مَسْمُوعٌ على رِوايةِ

(1) فى الأصل: «بامرأتين» ، وفى ا:«بأمارتين» .

ص: 189

وَإِنِ ادَّعَاهَا صَاحِبُ الْيَدِ لِنَفْسِهِ، فَقَالَ القَاضِى: يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهِىَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ يُقْرَعُ بَيْنَ المُدَّعِيَيْنِ، فَتَكُونُ لِمَنْ تَخْرُجُ لَهُ الْقُرْعَةُ.

ــ

التَّساقُطِ. قالَه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاوِى» ، وغيْرُهم مِن الأصحابِ. وإنْ كان إقْرارُه قبلَ إقامَةِ البَيِّنَتَيْن، فالمُقَدَّمةُ كبَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، والمُؤَخَّرَةُ كَبَيِّنَةِ الخارِجِ فيما ذكَرَه. قالَه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِى» ، و «الفُروعَ» ، وغيرِهم.

فائدة: لو ادَّعاها أحدُهما وادَّعَى (1) الآخَرُ نِصْفَها وأَقاما بَيِّنَتَيْن، فهى لمُدَّعِى الكُلِّ إنْ قَدَّمْنا بَيِّنَةَ الخارِجِ، وإلَّا فهى لهما. وإنْ كانتْ بيَدِ ثالثٍ، فقد ثَبَتَ أحدُ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 190

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نِصْفَيْها لمُدَّعِى الكُلِّ، وأمَّا الآخَرُ، فهل (1) يقْتَسِمانِه، أو يقْتَرِعان عليه، أو

(1) فى الأصل: «قال» .

ص: 191

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يكونُ للثَّالثِ مع يَمِينِه، على رِواياتِ التَّعارُضِ؟ قالَه فى «المُحَرَّرِ» وغيرِه. قال

ص: 192

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى «الفُروعِ» : فلمُدَّعِى كلِّها نِصْفٌ، والآخَرُ للثَّالثِ بيَمِينِه، وعلى اسْتِعْمالِهما، يقْتَسِمانِه أو يقْتَرِعان.

ص: 193

وَإنْ كَانَ فِى يَدِ رَجُلٍ [342 و] عَبْدٌ، فَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ، وَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ زَيْدًا أَعْتَقَهُ، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً، انْبَنَى عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ، وَإنْ كَانَ الْعَبْدُ فِى يَدِ زَيْدٍ، فَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ مَا إِذَا ادَّعَيَا عَيْنًا فِى يَدِ غَيْرِهِمَا.

ــ

قوله: وإنْ كان فى يَدِ رَجُلٍ عَبْدٌ، فادَّعَى أنَّه اشْتَرَاه مِن زَيْدٍ، وادَّعَى العَبْدُ أنَّ

ص: 195

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زَيْدًا أعْتَقَه، وأقامَ كُلُّ واحِدٍ بَيِّنَة، انْبَنَى على بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ والخارِجِ. مُرادُه، إذا كانتِ البَيِّنَتَان مُؤرَّخَتَيْن بتاريخٍ واحدٍ، أو مُطْلقَتَيْن، أو إحْداهما مُطْلَقَةً. ونَقولُ: هما سَواءٌ. قالَه الشَّارِحُ، وابنُ مُنَجَّى. فإنْ كانَ فى يَدِ المُشْتَرِى، فالمُشْتَرِى داخِلٌ والعَبْدُ خارِجٌ. هذا إحْدَى الرِّوايتَيْن. وجزَم به ابنُ مُنَجَّىِ فى «شَرْحِه». قال فى «المُحَرَّرَ»: ولو كانَ العَبْدُ بيَدِ أحَدِ المُتَدَاعِيَيْن، أو يَدِ نفْسِه وادَّعى عِتْقَ نفْسِه، وأَقَامَا بَيِّنَتَيْن بذلك، صحَّحْنا أسْبَقَ التَّصَرُّفَيْن إنْ عُلِمَ التَّاريخُ، وإلَّا تَعارَضَتَا. نصَّ عليه؛ إلْغاءً لهذه اليَدِ للعِلْمِ بمُسْتَنَدِها. واخْتارَه أبو بَكْرٍ. وعنه، أنَّها يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ، فلا تَعارُضَ، بلِ الحُكْمُ على الخِلافِ فى الدَّاخِلِ والخارِجِ.

وهذه الرِّوايةُ هى التى جزَم بها المُصَنفُ هنا. وأَطْلَقَهما فى «الفُروعِ» . وتَقدَّم فى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ والخارِجِ شئٌ مِن ذلك.

ص: 196

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وإنْ كانَ العَبْدُ فى يَدِ زَيْدٍ - يعْنِى البائعَ- فالحُكْمُ فيه حُكْمُ ما إذا ادَّعيا عَيْنًا فى يَدِ غيْرِهما. على ما تَقدَّم قريبًا. قال فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهما: ومَن ادَّعى أنَّه اشْتَرَى أو اتَّهَبَ مِن زَيْدٍ عَبْدَه، وادَّعَى آخَرُ كذلك، أو ادَّعَى العَبْدُ العِتْقَ، وأَقاما بَيِّنَتَيْن بذلك، صحَّحْنا أسْبَقَ التَّصَرُّفَيْن إنْ عُلِمَ التَّاريخُ،

ص: 197

وَإِنْ كَانَ فِى يَدِهِ عَبْدٌ، فَادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلَانِ؛ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشتَرَاهُ مِنِّى بِثَمَنٍ سَمَّاهُ، فَصَدَّقَهُمَا، لَزِمَهُ الثَّمَنُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإنْ أَنكَرَهُمَا، حَلَفَ لَهُمَا، وَبَرِئَ، فَإنْ صَدَّقَ أَحدَهُمَا، لَزِمَهُ مَا ادَّعَاهُ، وَحَلَفَ لِلْآخَرِ، وَإنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةَ، فَلَهُ الثَّمَنُ، وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ، وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، فَأَمكَنَ صِدْقُهُمَا؛ لِاخْتِلَافِ تَارِيخِهِمَا، أَو إِطْلَاقِهِمَا، أَوْ إِطْلَاقِ إِحْدَاهُمَا وَتَأْرِيخِ الأُخْرَى، عُمِلَ بِهِمَا، وَإِنِ اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا، تَعَارَضَتَا، وَالْحُكْمُ عَلَى مَا

ــ

وإلَّا تَعارَضَتا، فَيَسْقُطان أو يُقْسَمُ؛ فيَكونُ نِصْفُه مَبِيعًا ونِضفُه حُرًّا، ويَسْرِى العِتْقُ إلى جَمِيعِه إنْ كان البائِعُ مُوسِرًا، ويُقْرَعُ كما سَبَق. وعنه، تُقدَّمُ بَيِّنَةُ العِتْقِ؛ لإمْكانِ الجَمْعِ.

قوله: وإنْ كان فى يَدِه عَبْدٌ، فادَّعَى عليه رَجُلان، كُلُّ وَاحِدٍ منهما أنَّه اشْتَراه

ص: 198

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِنِّى بثَمَنٍ سَمَّاه، فصَدَّقَهما، لَزِمَه الثَّمَنُ لكُلِّ واحِدٍ منهما، وإنْ أنْكَرَهما، حَلَفَ لهما وبَرِئَ، وإنْ صَدَّقَ أحَدَهما، لَزِمَه ما ادَّعاهُ، وحَلَفَ للآخَرِ، وإنْ كانَ لأحَدِهما بَيِّنَة، فله الثَّمَنُ، ويَحْلِفُ للآخَرِ- بلا نِزاعٍ أعْلَمُه- وإنْ أقامَ كُلُّ واحِدٍ منهما بَيِّنَةً، فأَمْكَنَ صِدْقُهما؛ لاخْتِلافِ تارِيخِهما، أَو إطْلاقِهما، أو إطْلاقِ إحْداهُما وتَأْرِيخِ الأُخْرَى، عُمِلَ بهما. وهذا هو المذهبُ. جزَم به فى

«الشرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِى» ، و «الفُروعِ». وقيلَ: إنْ لم يُؤَرَّخا أو إحْداهما، تَعَارَضَتَا.

ص: 199

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وَإنِ اتَّفَقَ تارِيخُهما، - تَعَارَضَتا، والحُكْمُ على ما تَقَدَّمَ. فى تَعارُضِ البَيِّنَتَيْن. وهذا بلا نِزاعٍ.

ص: 200

وَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ بَاعَنِى إِيَّاهُ بِأَلْفٍ، وَأَقامَ بَيِّنَةً، قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا. وَإِنْ لَمْ تَسْبِقْ إِحْدَاهُمَا، تَعَارَضَتَا.

ــ

قوله: وإنِ ادَّعَى كُلُّ واحِدٍ منهما أنَّه باعَنِى إيَّاه بألْفٍ، وأقامَ بَيِّنَةً، قُدِّمَ أسْبَقُهما تارِيخًا. بلا نِزاعٍ، وهى له. قال فى «الفُروعِ»: وللثَّانِى الثَّمَنُ.

فإنْ لم تَسْبِقْ إحْداهما، تَعارَضَتا. يعْنِى، فيها رِواياتُ التَّعارُضِ، بلا نِزاعٍ.

فعلى رِوايةِ القِسْمَةِ، يتَحالَفان ويرْجِعُ كل واحدٍ منهما على البائعِ بنِصْفِ الثَّمَنِ، وله الفَسْخُ، فإنْ فسَخَ، رجَع بكُلِّ الثَّمَنِ، فلو فسَخ أحدُهما، فلِلْآخَرِ أخذُه كلِّه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ». وقال فى «المُغنِى» (1): هذا إذا لم يَكُنْ حُكِمَ له بنِصْفِها ونِصْفِ الثَّمَنِ. وعلى رِوايةِ القُرْعَةِ، هى لمَنْ قرَع، وعلى رِوايةِ التَّساقُطِ، يُعْمَلُ كما سَبَق.

(1) انظر: المغنى 14/ 298.

ص: 201

وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا: غَصَبَنِى إيَّاهُ. وَقَالَ الْآخَرُ: مَلَّكَنِيهِ. أَوْ: أَقَرَّ لِى بِهِ. وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ [342 ظ] بَيِّنَةً، فَهُوَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَلَا يَغرَمُ لِلْآخَر شَيْئًا.

ــ

تنبيه: يُشْترَطُ أنْ يقولَ عندَ قوْلِه: باعَنِى إيَّاه بأَلْفٍ. فيقولَ: وهو مِلْكُه. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيلَ: يصِحُّ ولو لم يقُلْ ذلك، بل قال: وهى تحتَ يَدِه وَقْتَ البَيْعِ. وتقدَّم التَّنْبِيهُ على ذلك عندَ قوْلِه: فإنِ ادَّعَى أحدُهما أنَّه اشْتَرَاها مِن زَيْدٍ، لم تُسْمَعِ البَيِّنَةُ حتى يقولَ: وهى مِلْكُه.

فائدة: لو أُطْلِقَتِ البَيِّنَتَان أو إحْداهُما فى هذه المَسْأَلَةِ، تَعَارَضَتا فى المِلْكِ إذَنْ لا فى الشِّراءِ؛ لجوازِ تعَدُّدِه، وإنِ ادَّعاه البائعُ إذَنْ لنَفْسِه، قُبِلَ إنْ سقَطَتا، فيَحْلِفُ يَمِينًا. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيلَ: يَمِينَيْنِ. وإنْ قُلْنا: لا تَسْقُطان. عُمِلَ بها بقُرْعَةٍ، أو يُقْسَمُ لكلِّ واحدٍ نِصْفُها بنِصْفِ الثَّمَنِ، على رِوايَتَىِ القُرْعَةِ والقِسْمَةِ.

قوله: وإنْ قال أحَدُهما: غَصَبَنِىٍ إيَّاه. وقال الآخَرُ: مَلَّكَنِيه. أَوْ: أقَرَّ لِى به. وأَقامَ كُل واحِدٍ بَيِّنَة، فهو (1) للْمَغْصُوبِ منه، ولا يَغْرَمُ للْآخَرِ شَيْئًا. بلا نِزاع. لأنَّه لا تَعارُضَ بينَهما؛ لجوازِ أنْ يكونَ غَصَبَه مِن هذا، ثم مَلَّكَه

(1) فى النسخ: «فهى» . والمثبت من المقنع.

ص: 202

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الآخَرَ.

فائدة: لو ادَّعَى أنَّه أَجَرَه البَيْتَ بعَشَرَةٍ، فقال المُسْتَأْجِرُ: بل كلُّ الدَّارِ.

وأَقاما بَيِّنَتَيْن.، فقيل: تُقدَّمُ بَيِّنَةُ المُسْتَأْجِرِ للزِّيادَةِ. وقيل: يتَعارَضانِ ولا قِسْمَةَ هنا (1). وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» .

وأَطْلَقَهما فى «الفُروعِ» . وتقدَّم فى أوائلِ طَريقِ الحُكْمِ وصِفَتِه، [ما يصِحُّ](2)

(1) فى الأصل: «بينهما» .

(2)

فى الأصل: «فالصحيح» .

ص: 203

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سَماعُ البَيِّنَةِ فيه قبلَ الدَّعْوَى وما لا يصِحُّ.

ص: 204