المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثاني "باب إعراب الصحيح [الآخر] - شرح التسهيل = تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد - ق ١ - جـ ١

[بدر الدين الدماميني]

الفصل: ‌الباب الثاني "باب إعراب الصحيح [الآخر]

‌الباب الثاني "باب إعراب الصحيح [الآخر]

"

ولا يعترض بأنه أسقط نحو: ظبي ودلو؛ [إذ] ليسا بصحيحي الآخر، من أن إعرابهما إعراب الصحيح الآخر، لأنا نقول: المعتل الآخر عند النحوي عبارة عن المقصور والمنقوص، والصحيحه بخلافهما، فهو أعلم منه عند التصريفي من وجه، فنحو: زيد صحيح /الآخر عندهما، ونحو: القاضي معتل الآخر عندهما، ونحو: ظبي ودلو معتل الآخر عند التصريفي صحيحه عند النحوي، كذا قال ابن هشام، وفيه نظر.

"الإعراب" في الاصطلاح "ما جيء به" جنس، أي: شيء يقتضيه جيء به "لبيان مقتضى العامل" أي: لبيان الأمر الذي يقتضيه العامل، أي: يطلبه. وهذا فصل أخرج به ما سوى الإعراب، والمراد بالعامل: ما اثر في آخر الكلمة أثرا له تعلق بالمعنى التركيبي، فخرج مثل التقاء الساكنين المؤثر للحركة مثلا نحو: من ابنك ومن الرجل، فإنه وإن كان شيئا أثر في آخر الكلمة التي هي

ص: 123

كسرة في الأول وفتحه في الثاني، لكن هذا الأثر لا تعلق له بالمعنى الحاصل من تركيب الحرف مع مجروره، وإنما هو أمر يرجع بمجرد اللفظ، ودخل من العوامل ما كان زائدا وما كان غير زائد.

أما الثاني فكالفعل من قام زيد، لأنه شيء أثر في آخر (زيد) حركة الرفع ولها تعلق بالمعنى الحادث بالتركيب من حيث كونها علامة على فاعلية زيد.

وأما الأول فكـ (من) الزائدة في قولك: ما قام من رجل، فإنها أثرت كسرة (رجل)، ولها تعلق بالمعنى التركيبي من حيث أنها علامة على أن مدخولها محل لما دل عليه الحرف من نصوصية الاستغراق، وكذا الباء من نحو:

ما زيد بقائم، فإنها زائدة للتأكيد، وقد أثرت الكسرة التي هي علامة على أن مدخولها هو متعلق ما دلت عليه من التأكيد الحادث بالتركيب "من حركة"، هذا وما بعده بيان لجنس الحد إذ كان مبهما لصلاحيته لكل ما لا يعقل، والحركة ضمة أو فتحة أو كسرة. "أو حرف"، وهو الواو والألف والياء والنون عند من يراه. "أو سكون"، وهو كون الحرف خاليا عن الحركة.

وتعبيره بسكون –كما صنع- أولى من تسكين، لأن السكون لفظ والتسكين فعل. "أو حرف" للحرف، وفهم ذلك من جعله قسيما للسكون؛ إذ لو أريد به ما هو أعم من حذف الحركة والحرف للزم كون الشيء قسيما لنفسه ولغيره، وهو باطل.

وتعريف المصنف للإعراب بما ذكره مبني على أن الإعراب لفظي، وهو مذهب المحققين، وكثير من المتأخرين يرون أنه معنوي ويفسرونه بتغير آخر الكلمة لاختلاف العامل لفظا أو تقديرا، والكلام على ذلك تصحيحا وإبطالا يطول.

ص: 124

"وهو" أي: الإعراب "في الاسم أصل" وفي الفعل فرع وعكس بعضهم، وقال الكوفيون: أصل فيهما، والأول هو المرجح عند الحذاق، واستدلوا عليه بما تقريره: أن الاسم والفعل يطرأ على صيغهما معان مختلفة قد يحصل بينها لبس فيرفعه الإعراب، أما المعاني المختلفة التي تطرأ على الاسم فهي الفاعلية والمفعولة والإضافية، ولاشك في أنهما يحصل بينهما في بعض الأحيان لبس نحو: ما أحسن زيد، ولو سكن آخر كل الكلمتين فإنه يحتمل –حينئذ- أن يكون (زيد) مفعولا به و (أحسن) فعلا ماضيا و (ما) اسما، والمراد [التعجب، ويحتمل أن يكون (زيد) فاعلا بـ (أحسن)، و (ما) حرف نفي، والمراد] الإخبار بأن زيدا لم يحسن، ويحتمل أن تكون [ما] استفهامية مبتدأ و (أحسن) اسم تفضيل مرفوعا على أنه خبر المبتدأ و (زيد) مجرورا مضافا إليه، والمراد السؤال عما هو أحسن من زيد.

وأما المعاني المختلفة التي تطرأ على الفعل المضارع فليست هي عين المعاني المتقدمة، وإنما هي معان أخر.

كقولهم: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، فإنه يحتمل النهي عن أكل واحد من الفعلين مطلقا ويحتمل [النهي] عن الجمع بينهما ويحتمل النهي عن

ص: 125

الأول دون الثاني، وهذه معان مختلفة ليست بفاعلية ولا مفعولية ولا إضافة، ولا يخفى حصول اللبس بينهما لو ترك إعراب الفعلين لكن الإعراب /يتعين في الاسم طريقا لرفع اللبس، كما يتعين قولك: ما أحسن [زيدا -بالنصب- للتعجب، وقولك: ما أحسن] زيد –بالرفع- للإخبار بنفي الإحسان عنه، وما أحسن زيد –برفع (أحسن) وخفض (زيد) للاستفهام عما هو الأحسن منه، ولا يتعين الإعراب في الفعل طريقا لرفع اللبس؛ لوجود طريق أخرى تقوم مقامه في رفع الإلباس، وبيانه أن الإلباس قد يندفع بالإعراب فيه، كما يتعين قولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن –جزم الفعلين- للنهي عن كل واحد، ولا تأكل السمك وتشرب اللبن –بجزم الأول ونصب الثاني للنهي عن الجمع بينهما، ولا تأكل السمك وتشرب اللبن –بجزم الأول ورفع الثاني- للنهي عن الأول خاصة.

وقد يندفع الإلباس بغير الإعراب، كما إذا قلت: لا يكن منك أكل سمك ولا شرب لبن، فيكون نهيا عن كل منهما، ولا تأكل السمك شاربا اللبن، فيكون نهيا عن الجمع، ولا يكن منك أكل السمك ولك شرب اللبن، فيكون نهيا عن الأول فقط، فلما لم ين عن إعراب الاسم محيص في إزالة اللبس استحق أن يكون أصلا فيه، ولما كان ثم ممدوحة عن إعراب الفعل في إزالة اللبس نقص عن الرتبة المتقدمة فجعل فيه فرعا لا أصلا. وهذا أحسن تقرير يظهر لي في هذا المحل، ولي بحث فيه، أرجو أن أذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى.

وإنما قيدنا حصول الإلباس ببعض الأحيان؛ لأن الإعراب قد يدخل

ص: 126

فيما لا إلباس فيه نحو: شرب زيد الماء حملا على ما فيه الإلباس ليجري الباب على سنن واحد.

فإن قلت: بماذا يتعلق الجار والمجرور من قول المصنف: (هو في الاسم [أصل])؟

قلت: بمحذوف؛ إذ المعنى: ودخوله أو وجوده في الاسم أصل، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فارتفع الضمير وانفصل.

ويحتمل أن يتعلق بـ (أصل)، والمعنى أنه متأصل في الاسم "لوجوب قبوله بصيغة واحدة معاني مختلفة"، وقد عرفت معناه بالتقرير المتقدم.

"والفعل والحرف ليسا كذلك"، أي: ليسا مثل الاسم في وجوب قبول معان مختلفة بصيغة واحدة.

ونقضه أبو حيان بنحو: (من) فإنها للابتداء وللتبعيض ولبيان الجنس مثلا.

قلت: لا يرد، لأن الكلام في المعاني الطارئة بالتركيب لا المعاني الإفرادية.

نعم: يرد أن الحرف إنما نفى عنه وجوب القبول، ولا يلزم منه انتفاء الجواز، والمقصود نفي القبول عنه أصلا ورأسا، ولذا لم يعرب في وقت من الأوقات، وخالفه المضارع فقبل جوازا لا وجوبا فأعرب بشرطه على وجهة الفرعية كما هو مقرر.

"فبنيا"، أي: الفعل والحرف "إلا" الفعل "المضارع فإنه شابه الاسم بجواز شبه ما وجب له"، أي: للاسم وذكر الشبه هنا فاسد، بل الجائز هنا هو عين الواجب هناك لا شبهه، فإن الذي اوجب إعراب الاسم على ما ذكره هو القبول للمعاني المختلفة بصيغة واحدة، وذلك بعينه ثابت للفعل

ص: 127

لا أن الموجود شبهه. وإنما يصح قوله لو نص على تلك المعاني المختلفة بأسمائها، "فأعرب" المضارع لامتيازه عن الحرف وبقية الأفعال بهذه المزية.

"ما لم يتصل به نون توكيد" خفيفة أو ثقيلة فإنه يبني حينئذ لاتصالها، ولو فصل بينها وبين الفعل ألف اثنين او واو جماعة أو ياء مخاطبة بقي على إعرابه؛ لأن موجب البناء عند اتصال النون هو التركيب، وهو مفقود بحصول الحاجز، إذ لا تركب ثلاثة أشياء فتجعل شيئا واحدا. هذا هو المذهب المشهور، وهو اختيار المصنف [رحمه الله تعالى]، وذهب قوم / [منهم

ص: 128

الأخفش إلى أن المضارع مبني مع تأكيده بالنون مطلقا لأنها من خواص الفعل، فتأكيده بها مبعد لمقتضى الإعراب وهو شبه الاسم فيرجع إلى أصله من البناء.

ورده المصنف [رحمه الله تعالى] بلزوم بناء المجزوم والمقرون بحرف التنفيس والمسند إلى ياء المخاطبة، واللام باطل.

وذهب بعضهم إلى أن المضارع معرب مطلقا اتصلت به نون توكيد أو لم تتصل.

"أو" نون "إناث".

وكلامه يوهم أن الاتصال مشروط وأن تخلفه ممكن، وقوله في الخلاصة:

وفعل أمر ومضى بنيا

وأعربوا مضارعا إن عربا

من نون توكيد [مباشر] ومن

نون إناث كيرعن من فتن

سالم من هذه الإيهام. وصرح المصنف في الشرح بأن المتصل بنون

ص: 129

الإناث مبني بلا خلاف، وعلل بناءه بالحمل على الماضي المتصل بها، وأيضا بتركيبه معها، لأن الفاعل كالجزء من فعله.

ولا يرد ما اتصل به ألف اثنين أو واو جماعة أو ياء مخاطبة، لشبهه بالمثنى والمجموع، أيضا بنقصان شبهه بالاسم، لأن النون لا تلحق الأسماء.

قلت: هذا معارض: لاعتراضه على الأخفش بما تقدم آنفا [فتأمله].

وما في شرح المصنف [رحمه الله] من التصريح بنفي الخلاف في بناء المضارع الذي اتصلت به نون الإناث مقدوح فيه، فقد ذهب ابن درستويه والسهيلي وابن طلحة وطائفة إلى أنه معرب تقديرا.

ص: 130

"ويمنع إعراب الاسم مشابهة الحرف بلا معارض" ولم يعتبر المصنف مشابهة غير الحرف أصلا، وادعى أنه ظاهر مذهب /سيبويه وابن الحاجب وجماعة اعتبروا مع ذلك مشابهة الأمر والماضي، وذهب قوم إلى أن الاسم يبنى لشبه الحرف وتضمن معناه ووقوعه موقع المبني ومضارعته لما وقع موقع المبني وإضافته إلى مبني، وسيأتي إن شاء الله تعالى في ذلك الكلام.

وقيد المشابهة بانتفاء المعارض احترازا ن (أي)، فإنها معربة مع مشابهتها الحرف شرطية [كانت] أو استفهامية وموصولة، لكن عارض ذلك لزومها الإضافة فكان الشبه كالمنتفي بسبب تغليب المعارض، لأنه داع على ما هو مستحق بالأصالة.

"والسلامة [منها] "، [أي] من المشابهة السالمة من المعارض "تمكن". لكن إن كان الاسم الذي ثبت له هذا التمكن منصرفا سمي ذلك الاسم أمكن، وإن كان غير منصرف سمي غير أمكن، لنقصه من جهات التمكن الجر بالكسرة، وظاهر هذا الكلام أو صريحه أن الاسم لا يبنى إلا لشبه الحرف، وقد صرح به في غير هذا الكتاب وهو مخالف لقوله فيما يأتي: وبني المضمر لشبهه بالحرف وضعا [وافتقارا] وجمودا أو للاستغناء باختلاف صيغه لاختلاف المعاني.

ص: 131

"وأنواعه"، أي:[أنواع] لإعراب الذي هو جنس لها. "رفع ونصب وجر" وبدأ بالرفع كما فعله كثيرون، إذ هو أشرف؛ لأنه إعراب العمد، ولا يخلو منه كلام، وثني بالنصب، لأنه أوسع مجالا، فإن أنواعه أكثر.

قال أبو حيان: ولو بدأ بالجر، لأنه مختص بالاسم الذي الإعراب فيه [أصل] لاتجه أيضا. "وجزم"، وهو سكون أو حذف، وبعضهم عبر هنا عن الأنواع بالألقاب.

وفي [شرح] ابن أم قاسم: أن من حق اللقب أن يصدق على ما لقب به، وهذا ليس كذلك، إذ لا يقال: الإعراب رفع وكذا البواقي، ومن قال: ألقاب الإعراب فمراده ألقاب أنواع الإعراب.

"وخص الجر بالاسم لأن عامله لا يستقل"؛ لافتقاره إلى ما يتعلق به "فيحمل" بنصب الفعل بأن مضمرة بعد الفاء الواقعة بعد النفي "غيره" أي: غير الجر "عليه" أي: على الجر "بخلاف الرفع والنصب"؛ لقوة عاملهما بالاستقلال فجعل المضارع للاسم فيهما بطريق الحمل والتفريغ، واختص الجر بالاسم لضعفه وتقاعده عن أن يحمل غيره عليه.

ص: 132

"وخص الجزم بالفعل لكونه فيه" حينئذ "كالعوض من الجر" جبرا لما فاته من المشاركة فيه، فحصل لكل واحد من صنفي المعرب ثلاثة أوجه أوجه الإعراب بتعادل، وذلك أن الجزم راجح باستغناء عامله عن تعلقه بغيره، والجر راجح بكونه ثبوتيا، فتعادلا بذلك، إذ الجزم غير ثبوتي، ولذا قال بعضهم: الجزم ليس بإعراب، وإنما هو عدم الإعراب.

قلت: إذا كان عبارة عن السكون أو صيرورة ما قبل الآخر آخرا بالحذف كان ثبوتيا لا عدميا، فتأمله.

"والإعراب بالحركة" في الاسم والفعل نحو: زيد يقوم "والسكون" في الفعل نحو: لم يقم.

"أصل وينوب عنهما"، أي: عن الحركة والسكون "الحرف" في الاسم نحو: لم يغز ولم يرم ولم يخش، وفيه لف ونشر مرتب.

"فارفع بضمة" نحو يقوم زيد.

"وانصب بفتحة" نحو: لن أضرب زيدا.

"وجر بكسرة" نحو: مررت بزيد "واجزم بسكون" نحو: لم أضرب.

"إلا في مواضع النيابة" كما يأتي مفصلا.

قال ابن [أم] قاسم: وكان القياس أن يقال: برفعة ونصبة وجرة، لأن الضم والفتح والكسر للبناء، ولكنهم أطلقوا ذلك على سبيل التوسع. انتهى.

ص: 133

وفيه نظر؛ إذ لا خلاف أن الحركات ثلاث: ضمة وفتحة وكسرة، وإنما أكثر البصريين قصدوا/ الفرق في ألقاب المعربات والمبنيات لا في ألقاب الحركات؛ ولهذا يقول بعضهم: مرفوع ومضموم، أما الأول فللفرق الذي أراده، وأما الثاني فلأنه لم يجد من حيث اللغة أن يسمى ما وجد فيه الضم مضموما وكذا الباقي، ويقول في [نحو] (حيث): هو مضموم لذلك. ولم يقل فيه: هو مرفوع، لأن حقيقة قولنا: مرفوع إنه عمدة؛ لأن ذلك إعراب العمد، أي: إعراب ما هو أحد جزئي الجملة، وهذا المعنى منتف في (حيث) ونحوه.

"وتنوب الفتحة عن الكسرة في جر ما لا ينصرف" نحو: مررت بأحمد، ويرد عليه نحو عرفات من قوله تعالى {فإذا أفضتم من عرفات} ، لكونه غير منصرف وجره بالكسرة، وقد يجاب بأنا لا نسلم بأن عرفات غير منصرف، بل هو منصرف كما صرح به الزمخشري، أو لا يوصف بالانصراف وعدمه كما ذهب إليه بعضهم، سلمناه لكن كلامه الآتي يخصصه فإنه سينص على أن نحو: مسلمات يستوي نصبه وجره في أنهما

ص: 134

بالكسرة وإن سمي به على اللغة الفصحى، فكأنه قال [هنا] في [جر] مالا ينصرف إلا ما سنذكره.

"إلا أن يضاف" نحو: مررت بأحسنكم.

"أو يصحب الألف واللام" معرفة كانت نحو: صليت في المساجد أو زائدة كالداخلة [على زيد] في قوله:

رأيت [الوليد] بن اليزيد مباركا

شديدا بأعباء الخلافة كاهله

أو موصولة كقوله:

ص: 135

وما أنت باليقظان ناظرة إذا

رضيت بما ينسيك ذكر العواقب

قلت: هذا مبني على أن أل [قد] توصل بالصفة المشبهة، وقد صرح بعض المحققين بإنكاره كما سيأتي إن شاء الله تعالى؛ لأنها للثبوت ولا تؤول بالفعل، ولهذا كانت الداخلة على اسم التفضيل ليست موصولة بالاتفاق، ثم تمثيل المصنف والشارحين للمعرفة بـ (الأعمى ظالأصم) وللموصولة بـ (اليقظان) تحكم بحت.

"أو بدلها"، وهو أم في لغة حمير وطيئ، وبعضهم يقول: وبعض طيئ. كقول الشاعر:

ص: 136

أأن شمت من نجد بريقا تألقا

تبيت بليل ام أرمدا اعتاد أولقا

الأولق: شبه الجنون.

فإن قلت: كان القياس أن يقول: أو بدلهما، ليعود الضمير على الألف واللام.

قلت: إما أن يكون أعاده عليهما باعتبار كونهما أداة، أو راعى مذهب من يقول: أن اللام هي المعرفة وحدها، فأعاد الضمير عليها، أو رأى أن المبدل إنما هو الميم عن اللام وأما الهمزة فثابتة في كلتا الأداتين.

"و" تنوب "الكسرة عن الفتحة في نصب أولات" نحو: {وإن كن أولات حما} . "و" نصب "الجمع بزيادة ألف وتاء" هذا ظرف مستقر في محل نصب على الحال من الجمع، والعامل هو (نصب) المقدر الذي ذكرناه. واحترز المصنف – [رحمه الله][تعالى] –بـ (زيادة (، في قوله: بزيادة ألف

ص: 137

وتاء على نحو قضاة وأبيات؛ إذ كل [واحد] منهما يصدق عليه أنه [جمع] بألف وتاء لا جمع بزيادة ألف وتاء فإن ألف قضاة منقلبة عن أصل وتاء أبيات أصل.

وألغى المصنف لفظ الزيادة في الألفية:

ومابتا وألف قد جمعها

يكسر في الجر وفي النصب معا

وكأنه فعل ذلك لاعتقاده أن الباء للآلة وأنها متعلقة بـ[جمع] مثلها في كتبت بالقلم، فلا يرد قضاة ولا أبيات، إذ ليست الألف والتاء في شيء منهما آلة استعين بها على الجمع، وأما هنا فكأنه رأى أن الباء قد يتوهم كونها للمصاحبة لا للاستعانة فرفع الوهم بقيد الزيادة فاستقام.

فإن قلت: لم جعلت الظرف – وهو قوله: بزيادة ألف وتاء – مستقرا، / وهلا جعلته لغوا بنفس الجمع؟ \قلت: لأنه لو كان كذلك لكانت الباء للآلة فلم تكن فائدة في إدخال لفظ: (بزيادة)، وإنما يصح الاحتراز بها إذا جعل الظرف مستقرا والباء للمصاحبة كما قررناه، وإنما أفرد (أولات) بالذكر، لعدم اندراجها في الجمع؛ إذ لا واحد لها من لفظها.

قال أبو عبيدة: واحدها ذات. "وإن سمي به" أي: بالجمع بزيادة

ص: 138

ألف وتاء "فكذلك" تنوب فيه الكسرة عن الفتحة في حال النصب، وأما رفعه وجره فعلى الأصل بالضمة والكسرة:"والأعرف حينئذ" أ]: حين إذ أعرب هذا الإعراب "بقاء تنوينه" كقوله تعالى:

{فإن أفضتم من عرفات} "وقد يجعل كأرطاه علما". هذا قسيم: (فكذلك)، ومعنى كونه كأرطاة علما: أنه يمنع الصرف فيجر بالفتحة، فتحصلنا من ذلك في هندات ونحوه مسمى به على ثلاث لغات:

إحداهما استصحاب ما كان [له] قبل التسمية من [ثبوت] التنوين [ونصبه وجره].

الثانية – [استصحاب ما قبل التسمية من الإعراب بالكسرة نصبا وجرا، ولكن يحذف تنوينه، وهذه اللغة أجازها البصريون ومنعها الكوفيون].

الثالثة جعله كاحد مسمى به مختتما بتاء التأنيث، فيمنع الصرف كرطاة علما، وهذه اللغة منعها البصريون وأجازها الكوفيون، وأنشدوا قول

ص: 139

امرئ القيس:

تنورتها من اذعات واهلها

بيترب أدنى دارها نظر عالي

بفتح التاء من (أذرعات)، ويروي أيضا بالوجهين الآخرين، على أن

ص: 140

في التمثيل بعرفات وأذرعات نظرا، إذ لا واحد لكل منهما، لأنه لم يوجد أذرعة ولا عرفة.

قال الفراء: لا واحد لعرفات يصحح جمعه، وقول الناس:[نزلنا] عرفة.

شبيه بمولد وليس بعربي محض. كذا في الصحاح وهو عجيب.

فقد ثبت في الحديث: "الحج عرفة"، وعلى تقدير تسليم أنه مولد وليس بعربي محض كما قال الفراء فعرفة وعرفات مدلولها واحد، وليس ثمة أماكن متعددة كل منهما عرفة جمعت على عرفات. وهنا انقضى الكلام على نيابة حركة عن حركة، ثم شرع المصنف في ذكر نيابة الحرف عن الحركة فقال:

"وتنوب الواو عن الضمة" نحو: جاء أخوك.

"والألف عن الفتحة" نحو: رأيت خالك "والياء عن الكسرة" نحو: مررت بأخيك. "فيما أضيف إلى غير ياء المتكلم" كما مثلنا، وأما [ما] أضيف إليها فلا تتأتى النيابة فيه نحو: جاء أخي ورأيت أخي ومررت بأخي "من أب وأم وحم" ووزن كل من الثلاثة فعل: بفتح العين، بدليل لغة القصر، وبدليل

ص: 141

جمعهن على أفعال وقال الفراء: أخ فعل: بإسكان العين بدليل أخو. ولنا ما تقدم وذاك قليل. والحم: أبو زوج المرأة وغيره من أقاربه، [هذا هو المشهور]، و [قد] يطلق على أقارب الزوجة "غير مماثل" بنصب غير على أنه حال من (حم) فقط.

فإن قلت: هو نكرة فيمتنع عن تأخير الحال.

قلت: لا، بل هو معرفة؛ لأنه علم مسماه لفظ (حم) في مثل قولك: جاء حم (قرروا) مفعول بـ (مماثل) وهو بفتح القاف وسكون الراء، [وواو] مثل: دلو، ويطلق على قدح من خشب، وعلى ميلغ الكلب، وعلى معان أخر. "وقرءا" بفتح القاف وسكون الراء وهمزة مكسورة كخبء، وهو الوقت والحيض والطهر "وخطأ" بفتح [الخاء] المعجمة والطاء المهملة وهمزة مقصورة، وهو ضد الصواب.

"وفم" بالعطف على أب أو على حم، فهو مقصود الجر بمن، ليدخل فيما أضيف إلى غير ياء المتكلم. "بلا ميم" فأما إذا كان بميم فلا تنوب

ص: 142

فيه الحروف عن الحركات، ووزنه فعل: بفتح الفاء و [سكون] العين.

وقال الفراء: فعل: /كقفل، بدليل فوك، ولنا قولهم حالة التعويض، فم، بفتح الفاء على الألإصح "و" تنوب الأحرف المذكورة عن الحركات "في ذي" وهو معطوف على قوله: فيما أضيف إلى غير ياء المتكلم، وإنما فعل ذلك، لأنه لا يضاف إلى ضمير أصلا لا ياء المتكلم ولا غيرها، وهذا هو المشهور. والمبرد يجيز إضافته إلى المضمر نحو: ذوه وذي فيكون كإخوته من بقية هذه الأسماء، فيشترط في إعرابه هذا الإعراب أن يكون مضافا إلى غير ياء المتكلم، ووزنه فعل بفتح الفاء والعين بدليل ذواتا مال، ولامه ياء، لقلة باب القوة.

ص: 143

وقال الخليل: فعل: بإسكان العين، وللام واو [وفيه نظر] وقال ابن كيسان: الوزنان محتملان.

واحترز المصنف بقوله: "بمعنى صاحب" من ذي التي يشار بها.

قلت: لا وجه لهذا الاحتراز مع كونه يتكلم في المعربات.

واعلم أن اللام محذوفة في جميع متصرفات (ذو) إلا في (ذوات) جمع (ذات) وعن بعضهم: أصل ذات ذواة كنواة؛ لقولهم في المثنى: ذواتا، فحذفت العين لكثرة الاستعمال.

قال في المعرب: ذو يقتضي موصوفا ومضافا إليه نحو: رجل ذو مال، ومؤنثه امرأة ذات مال، هذا أصل هذه الكلمة، ثم اقتطعوا عنها مقتضاها

ص: 144

وأجروها مجرى الأسماء المستقلة، فقالوا: ذات قديمة وذات محدثة، ونسبوا إليها كما هي من غير تغيير علامة التأنيث فقالوا: الصفات الذاتية، فاستعملوها بمعنى النفس والشيء. "والتزم نقص هن" وهو الشيء المكر الذي يستهجن ذكره من العورة والفعل القبيح وغير ذلك، ومنه:"من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا". "أعرف من إلحاقه بهن"، أي بالأسماء المذكورة في الإعراب من يقول: هنوك وهناك وهنيك، فيجريه مجرى الأب. "وقد تشدد نونه" أي: نون (هن) كقوله:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

وهني جاذ بين لهزمتي هن

كنى بهن المشدد عن ذكره وجاذ بجيم وذال معجمة أي: ثابت على القيام يقال: جذى وأجذى أيضا إذا ثبت قائما، واللهزمتان: بكسر اللام والزاي

ص: 145

عظمان نائتان في اللحيين تحت الأذنين، كذا في الصحاح، لكن الشاعر استعملها في جانبي الفرج على جهة الإستعارة.

وعد ابن الجواليقي تشديد نون الهن من لحن العوام في كتابه الموضوع لذلك، [وجعله] كقولهم: مية ورية بالتشديد في مائة ورئة "وخاء اخ و [باء] أب" حكاهما الأزهري، وصرح بأن ذلك لغة وأنه يقال: استأببت فلانا [أي]: اتخذته أبا. وفي الكشاف في

ص: 146

[تفسير] سورة عبس: والأب: المرعى، لأنه يؤب أي: يؤم وينتجع، والأب والأم أخوان، قال:

جذمنا قيس ونجد دارنا

ولنا الأب به والمكرع

انتهى، فلعل من سمى الأب أبا بالتشديد راعى فيه من المعنى ما روعي في اسم المعنى كما أن من سمى الوالدة أما راعى فيها كونها تؤم أي: تقصد. "وقد يقال أخو" كما في قوله:

[ما] المرء أخوك إن لم تلفه وزرا

عند الكريهة معوانا على النوب

الوزر: الملجأ، والنوب: جمع نوبة وهي نزول الأمر. "وقد يقصر حم وهما"، أي أب وأخ، فيقال: أباك وأخاك وحماك كعصاك مطلقا، لكن قصر حم أشهر؛ ولذا قدمه، وأما قصر أب فحكاه الفراء، وأنكر قصر أخ،

ص: 147

لكن هشام أجازه واستشهد عليه بما رواه من قولهم: / مكره أخاك لا بطل.

"أو يلزمها النقص" أي: يلزم الكلم الثلاث أبا وأخا وحما، والمراد بالنقص هنا: حذف الآخر وجعل ما قبله آخرا "كيد ودم"، فتعرب حينئذ بالحركات. قال الراجز:

بأنه اقتدى عدي في الكرم

ومن يشابه أبه فما ظلم

قلت: يحتمل أنه حذف الياء من الأول والألف من الثاني للضرورة، فإن نقل أحد من الأئمة أنه لغة فذاك وإلا لم يثبت نقص أب بهذا الشاهد.

وحكى أبو زيد: هذا أخك، وحكى الفراء: هذا حمك "وربما قصرا"، أي: يد ودم، وهذا حكم ذكره استطرادا، واستشهد على قصر يده بقوله:

ص: 148

يا رب سار [بات] ما توسدا

إلا ذراع العنس أو كف اليدا

والعنس: على زنة الغلس بعين مهملة فنون فسين مهملة الناقة الصلبة، قيل: ويحتمل اليدا في البيت أن يكون مثنى معربا بحركة مقدرة على لغة من يلزم المثنى الألف في جميع الحالات، وحذف النون للضرورة، والتعسف فيه ظاهر.

واستشهد على قصر دم بقوله:

غفلت ثم أتت تطلبه

فإذا هي بعظام ودما

"أو ضعف دم"، فتشدد ميمه كقوله:

أهان دمك فرغا بعد عزته

يا عمرو بغيك على الحسد

ص: 149

الفرغ: الهدر، يقال: ذهب دمه فرغا، أي: هدرا لم يطلب به، وكقول تأبط شرا:

حيث التقت بكر وفهم كلها

والدم يجري بينهم كالجدول

بتشديد الميم "وقد تثلث فاء فم" مع ثبوت الميم، والمراد من تثليث الفاء دخول كل من الحركات الثلاث فيها، فتفتح تارة وتضم تارة وتكسر تارة "منقوصا" حال من فم من كونه مضافا إليه، لأن المضاف جزؤه كما في قوله تعالى:{ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا} وقد عرفت المراد بالنقص ما هو؟ فيما تقدم تقريبا. "أو مقصورا" مثل عصا، فتثلث فاؤه في هذه الحالة كحالة نقصه؛ فهذه ست لغات.

"أو بضعف" فم بأن تشديد ميمه ويدل عليه قول بعض العرب: أفمام. "مفتوح الفاء"، فيقال: فم بفتح الفاء وتشديد الميم، وهذه لغة سابعة "أو مضمومها"، فيقال: فم بضم الفاء وتشديد الميم، وهذه لغة ثامنة، وحكى صاحب اليواقيت: فيه الكسر مع التشديد، فهذه لغة تاسعة.

ص: 150

"أو تتبع" بالبناء للمفعول لمناسبة ما تقدم. "فاؤه حرف إعرابه"، فتضم الفاء في مثل: هذا فم، وتفتح، في مثل: رأيت فما، وتكسر في مثل: نظرت إلى فم وهذه لغة عاشرة، قيل: وهذه أضعف اللغات فيه.

فإن قلت: لم لم يقل حركة إعراب؟

قلت: ليدخل مثل: هذا فمي بكسر الفاء تبعا لحرف الإعراب باعتبار حركته التي ليست إعرابية، ولو قال: حركة إعرابه، لم يدخل [فيه] مثل هذا.

"كما فعل بفاء مرء"، حيث اتبعت فاؤه وهي الميم حرف إعرابه وهو الهمزة، فقيل: هذا مرء –بضم الميم- ورأيت مرءا-بفتحها-ومررت بمرء بكسرها.

"وعيني امرئ" وهو مرادف للمرء "وابنم" وهو (ابن) زيدت عليه الميم، تقول: هذا امرؤ وابنم –بضم الراء والنون- ورايت امرءا وابنما- بفتحها- ومررت بامرئ وابنم بكسرهما.

واعلم أن في مرء لغات أخر: فتح الميم على كل حال، وهي اللغة الشائعة، وبها جاء القرآن، وكسرها على كل حال وبها قرأ الحسن: (بين

ص: 151

المرء وقلبه) وقرأ ابن [أبي] إسحاق: (بين المرء) بضم الميم. وفي امرئ وابنم لغة أخرى غير الإتباع، وهي فتح الراء والنون مطلقا، وعلى هذا فكان الأولى بالمصنف أن يقول: كما فعل بفاء مرء قليلا، وعيني امرئ وابنم غالبا. لئلا/يتوهم أن ليس فيهن إلا الإتباع، ولا سيما وهو في هذا الفصل قد استطرد في لغات ما مثل به من يد ودم. "ونحوهما فوك وأخواته على الأصح".

أعلم أن في إعراب الأسماء الستة مذاهب كثيرة، ونحن نقتصر منها

ص: 152

على ما ذكره المصنف في المتن وهو مذهبان:

أحدهما: أنها معربة بالحروف، وقد سبق، ونصره في الشرح بأن الإعراب أنما جيء به لبيان مقتضى العامل، فلا فائدة في جعل مقدر متنازع فيه دليلا وإلغاء ظاهر واف بالدلالة المطلوبة.

الثاني: أنها معربة بحركات مقدرة على حرف العلة وأتبع ما قبل الآخر [الآخر]، فإذا قلت: قام أبوك، فالأصل: قام أبوك بضم الباء إتباع لضمة الواو، ثم استثقلت الضمة على الواو فحذفت.

وإذا قلت: رأيت أباك فاصله [رأيت] أبوك بفتح الباء اتباعا لحركة الواو ثم قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.

فإن قلت: حركة الباء عارضة فلا تنتهض موجبة لقلب الواو المتحركة ألفا.

قلت: حركة الباء في الأصل غير عارضة لبناء الكلمة عليها، غير أنهم قدروا حذفها والإتيان بحركة الإتباع ليجزي الباب [في الكل] على سنن واحد، فعوملت هذه الحركة مع عروضها معاملة الأصلية في إيجابها لقلب حرف العلة المتحرك بعدها، فلحظت فيها جهة العروض من حيث الإتباع، وجهة الأصالة من حيث نيابتها، عن الحركة الأصلية. وإذا قلت: مررت بأبيك، فالأصل بأبوك بكسر الباء وإتباعا لكسرة الواو، ثم استثقلت كسرة الواو

ص: 153

فحذفت ثم قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فصار بأبيك. ولا خفاء بما في هذا التقدير من التكليف للإتيان بما يوجب زيادة الثقل من غير داع إليه.

قيل: وهذا هو مذهب سيبويه والفارسي وجمهور البصريين.

وقال المصنف: إنه الأصح ورجحه بجريانه على ما تقرر في الإعراب من أن الأصل فيه أ، يكون بحركات ظاهرة أو مقدرة، فإذا أمكن التقدير مع وجود النظير لم يعدل عنه، وقد أمكن في هذه الأسماء. ورجحه بغير ذلك مما يطول إيراده وتعقبه.

فإن قلت: على ماذا يعود الضمير من قوله: ونحوهما؟

قلت: على القسمين السابقين أعني ما اتبعت فاؤه وما اتبعت عينه؛ وذلك لأن الأسماء الستة على هذا القول منها ما أتبع عينه وإعرابه نحو: أبوك، ومنها ما أتبع فاؤه حرف إعرابه نحو: ذو مال.

وقال بعض الشارحين: يعود على امرئ وابنم ففاته ما قلناه، فتأمله.

وقد عرفت أن الفم على وجهين: مستعمل بالميم ومستعمل بدونها، والثاني ليس فيه إلا لغة واحدة [على ما يشعر به كلام المصنف] وهي استعماله بالأحرف الثلاثة.

والأول فيه عشر لغات، فاللغات إذن إحدى عشرة، وقد تقدمت وفات

ص: 154

المصنف من اللغات ما حكاه ابن سيده، ففي المخصص:

قال ابن دريد: فاه وفوه. وفي المحكم لم ينسب ذلك إلى ابن دريد ولا غيره بل جزم به من عند نفسه فقال: الفاه والفوه والفيه سواء. ثم قال ما معناه: وجمع فوه على أفواه واضح، وأما فيه وأفواه فمن باب ريح وأرواح، إذ لم يسمع أفياه، وأما فاه وأفواه فلأن الاشتقاق يؤذن بأنه واوي لا يائي.

فصارت اللغات أربع عشر "وربما قيل فا دون إضافة صريحة نصبا" يشير [بذلك] إلى ما أنشده الكوفيون من قول العجاج.

ص: 155

خالط من سلمى خياشيم وفا ...........................

فخرجه أبو الحسن وتابعه المصنف على أنه حذف المضاف إليه ونوى ثبوته، أراد: خياشيمها وفاها، فبقي على حاله مع المضاف إليه، ولذلك قال: دون إضافة صريحة/.

قال الشيخ جمال الدين بن هشام: وقد سئل عيسى بن عمر أتقول:

ص: 156

هذا فو؟ ، فقال: بل أقول: قبح الله ذاقا. قال: وذلك دليل على أنه يجوز وإن لم تكن إضافة ألبتة لا صريحة ولا منوية "ولا يخص بالضرورة نحو" قول الشاعر:

كالحوت لا يرويه شيء يلقمه

"يصبح ظمآن وفي البحر فمه"

ص: 157

بل يجوز في السعة "خلافا لأبي علي" الفارسي.

وقد ورد في الحديث [الصحيح]: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".

لكن فوه أفصح من فمه، والسبب فيه أن الحاجة إلى إبدال الواو ميما عند القطع عن الإضافة هي خوف سقوط العين للساكنين، ولا ساكنين في حال الإضافة إذ لا تنوين في المضاف، فالأولى ترك إبدالهما ميما. وقد جمع الفرزدق. بين الميم والواو في قوله: هما نفثا في في [من] فمويهما

ص: 158

وهو جمع بين البدل والمبدول منه.

قال الرضي الإستراباذي: وتكلف بعضهم معتذرا بأن قال: الميم بدل من الهاء التي هي اللام قدمت على العين.

قلت: واعتذر بعضهم أيضا بأن قال: يحتمل الواو إنما هي بدل من الهاء وليست المبدلة منها الميم، والواو أخت الألف والألف أخت الهاء، ويدل على تقاربهما أيضا تعاقبهما على عضة لاما لقولهم عضاه وعضوات.

ص: 159

"وتنوب النون عن الضمة في" كل "فعل" مضارع، وحذف المصنف هذا القيد، للاستغناء عن وجهة أن كلامه في المعربات، ولا يعرب من الألإعال سواه "اتصل به ألف اثنين" سواء كان ضميرا مثل: الزيدان يقومان؛ أو علامة مثل: يقومان الزيدان "أو واو جمع"، سواء في ذلك الضمير والعلامة نحو: الزيدون يقومون، ويقومون الزيدون.

[قلت: التعبير بجماعة اولى من التعبير بجمع لشموله لنحو: الزيدون يقومون]، وزيد وبكر وعمرو يقومون، بخلاف الجمع فإنه لا يشمل الصورة الثانية اصطلاحا، كما أن التعبير باثنين –مثل ما فعله المصنف- أولى من التعبير بالمثنى، لاختصاص المثنى عرفا بنحو: الزيدان، وشمول الاثنين له ولنحو: زيد وعمرو. "أو ياء مخاطبة"، نحو: تقومين، ولا تكون عند الجمهور إلا ضميرا، وهي عند الأخفش المازني حرف خطاب.

وإنما أعربت هذه الأمثلة بالنون؛ لأنه لما اشتغل محل الإعراب –وهو اللام- بالفتحة لتناسب الألف وبالضمة لتناسب الواو وبالكسرة لتناسب الياء، لم يمكن دوران الإعراب عليه، ولم يكن فيه علة البناء حتى يمنع الإعراب بالكلية، فجعلت النون بدلا من الضمة لمشابهتها في الغنة للواو، وإنما، خص هذا الإبدال بالفعل اللاحق به الألف والواو [والياء] دون يخشى ويدعو ويرمي والقاضي وغلامي –وإن كان الإعراب في جميعها مقدارا لمانع-

ص: 160

ليكون الفعل اللاحق به ذلك الضمير كالاسم المثنى والمجموع بالواو والنون؛ وذلك لكون ألف (يضربان) مشابها للألف (ضاربان) وواو (يضربون) مشابها لواو (ضاربون) وإن كان بينهما فرق من حيث إن اللاحق بالاسم حرف، وحملت الياء في (تفعلين) على أختيها الألف والواو في إلحاق النون.

وإنما جاز وقوع علامة رفع الفعل بعد فاعله أعني الألف والواو والياء،

لأن الضمير المرفوع المتصل كالجزء خاصة إذا كان على حرف ولا سيما إذا كان ذلك الحرف من حروف المد واللين "مكسورة" بالنصب على انه حال من النون "بعد الألف"، حملا على نون المثنى بالألف، كسرا. "غالبا" لغيره أشار بذلك إلى/فتحها في بعض الأحيان كقراءة من قرأ:{أتعدانني} بفتح النون حكاها أبو طاهر أحمد بن علي في كتابه الموضوع في القراءات العشر عن عبد الوارث قال: وهي لغة شاذة. وعبد الوارث هذا من رواة أبي عمرو

ص: 161

ابن العلاء. "مفتوحة بعد أختها" الواو والياء طلبا للتخفيف أو حملا على نون الجمع، "وليست" النون المذكورة "دليل الإعراب خلافا للأخفش" فإنه ذهب إلى أن هذه الأمثلة معربة بحركات مقدرة في آخر الفعل، وأن ثبوت النون وحذفها دليل على ذلك المقدر.

وزعم الفارسي: أن هذه الأمثلة معربة ولا حرف إعراب لها؛ لأنه يكون النون؛ إ لا يحذف الإعراب إذا كان صحيحا، ولا الألف والواو والياء، لأنهن فاعلات، ولا آخر الفعل لاشتغاله بحركات المناسبة للأحرف الثلاثة.

ولقائل أن يقول: هذا الأخير مردود بأن ذلك لا يمنع من كونه حرف إعراب، بدليل المحي والمتبع والمضاف للياء.

"وتحذف" النون المذكورة "جزما ونصبا" نحو: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا).

فإن قلت: علام نصبا؟

قلت: أما [جزما فعلى الظرفية]، والمعنى: وتحذف وقت جزم، فحذف

ص: 162

المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، كقولهم: جئتك صلاة العصر وقدوم الحاج، أي: وقت صلاة العصر ووقت قدوم الحاج.

وأما نصبا فظاهر، إذ هو معطوف على جزما، ولك تقدير الوقت معه، أي:[وقت جزم و] وقت نصب، ولك ألا تقدره [معه] وتجعل الوقت منصبا عليهما جميعا الأول أحسن.

فإن قلت: فلم لم تجعل ذلك من قبيل النصب على إسقاط الخافض، أي: تحذف في جزم ونصب؟

قلت: لأن إسقاط الخافض من هذا ونحوه ليس بقياس، فلا يصار إليه لغير ضرورة.

وفي كلام المصنف مؤاخذة من وجهين:

الأول: أن قوله (وتحذف جزما ونصبا) لا يقتضي أن الحذف هو الإعراب كما هو مذهب الجمهور.

الثاني: أنك قد عرفت آنفا أن الأخفش يرى أن الإعراب في الأمثلة المذكورة مقدر وأن ثبوت النون وحذفها دليل على ذلك المقدر، فكان حق المصنف أن يقدم قوله:(وتحذف جزما ونصبا) ثم يقول: وليس ثبوتها وحذفها دليل الإعراب خلافا للأخفش.

فإن قلت: حمله على ذلك قوله: (ونون التوكيد): ليجمع محال الحذف على نسق.

ص: 163

قلت: هذا مخل بحكاية تمام قول الأخفش كما رأيت، وليس جمع المحال التي تحذف فيها النون على نسق بالذي يوجب ارتكاب هذا الإختلال، فقد كان يمكنه الجمع بين ذكر محال الحذف وعدم الإخلال بأن يصنع ما ذكرناه ثم يقول: وتحذف أيضا لنون التوكيد [فتتم الفائدة].

"و" تحذف النون المذكورة أيضا "لنون التوكيد" كراهة لتوالي الأمثال نحو: (أتحاجوني) بتخفيف النون {أفغير الله تأمروني أعبد} بتخفيفها أيضا.

والقول بأن المحذوف نون الرفع هو قول سيبويه واختاره المصنف، وقال:

ص: 164

إن أكثر المتأخرين يقول: إن المحذوف نون الوقاية، وحجتهم أن الثقل بالثانية حصل كما قال الجمهور في ثانية:{تلظى} و: {تلهى} ، ولأن نون الرفع أثر عامل فحذفها يقتضي مؤثرا بلا أثر، ولأن نون الرفع تقي الفعل من الكسر فتفي بالغرضين جميعا، ولأن نون الرفع للمعنى ونون الوقاية للفظ. واحتج لسيبويه بأنه يلزم تغيير النونين جميعا إذا كان المتصل بالفعل واوا أو ياء؛ لأن نون الرفع تكسر حينئذ على تقدير أن يكون المحذوف نون الوقاية./ "أو تدغم" نون الرفع "فيها"، أي: في نون الوقاية كقراءة من قرأ بالتشديد في (أتحاجوني)(تأمروي) ولا يقال: يحتمل أن يكون هذا مؤكدا بالنون الخفيفة أدغمت في نون الوقاية، لأنا نقول لو كان كذلك للزم حذف واو الجمع؛ لالتقائها ساكنة مع نون التوكيد الساكنة.

"وندر" بالدال المهملة أي: شذ "حذفها" أي: حذف نون الرفع "مفردة في

ص: 165

الرفع نظما ونثرا" خلافا لمن يرى أن حذفها مخصوص بالشعر، والكلام في نصب نظما ونثرا كما سبق في جزما ونصبا، فمثال حذفها واقعة في النظم قوله:

أبيت أسرى وتبيتي تدلكي

وجهك بالعنبر والمسك الذكر

فالشاهد فيه في موضعين، إذ الأصل: وتبيتن تدلكين، كذا قالوا.

قلت: إنما يتم ذلك إن كان مقصوده مجرد الإخبار بصورة الحال، وأما إن كان مقصوده الإنكار لحالها أو التعجب منها، وذلك بأن تقدر همزة الاستفهام الإنكاري أو التعجبي محذوفة ويجعل (تبيتي) منصوبا بأن مضمرة بعد الواو في جواب الاستفهام، أي: أأبيت أسري وتبيتي تدلكي، أنكر قضية الجمع بين الحالتين أو تعجب منها، فالشاهد إذن في (تدلكي) فقط، إذ هو مرفوع قطعا، ومثال حذف

ص: 166

النون واقعة في النثر قراءة عن أبي عمرو: (قالوا ساحران تظاهرا) بتشديد الظاء أي: أنتما ساحران تتظاهران، فحذف المبتدأ وهو ضمير المخاطبين وأدغمت التاء في الظاء وحذفت نون الرفع.

وفي الحديث: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا" فحذفت من (لا تدخلوا ولا تؤمنوا).

"وما جئ به لا لبيان مقتضى عامل من شبه الإعراب"، لبيان الجنس أتى به لرفع الإبهام عن (ما)، و (شبه): بكسر الشين وسكون الباء، وبفتحهما لغتان بمعنى الشبيه، أي: من الأمر المشابه للإعراب [أي]:

ص: 167

في كونه حركة ضم أو فتح أو كسر، وكونه في آخر الكلمة لا في أولها ولا في حشوها "ليس" هو أي: ما جيء به لا لبيان مقتضى عامل من شبه الإعراب "حكاية"، نحو: من زيدا، وهذا هو الصحيح، وقال الكوفيون: هي حركة إعراب. "أو إتباعا" كقراءة زيد ين علي وغيره {الحمد لله} بكسر الدال وقراءة الحسن: (للملائكة اسجدوا) بضم التاء [ثم] الذي يظهر أن إتباع الشيء للشيء هو الإتيان به تبعا له ومناسبا له وحينئذ فتارة يكون الإتباع لحركة الحرف وتارة لذات الحرف كقولهم في عسيت بفتح السين: عسيت بكسرها اتباعا للياء، كذا وجهه النحاة.

ثم كسرة الإتباع أما لكسرة متأخرة نحو: (الحمد لله) كما سبق،

ص: 168

أو متقدمة نحو: {فلإمه الثلث} بكسر الهمزة، وإما لياء متأخرة كما في غلامي وعسيت، بكسر السين، أولياء متقدمة نحو:{في إم الكتاب} بكسر الهمزة في قراءة الأخوين، وهي لغة قريش وهذيل وهوازن، ثم الكسرة التي تتبع: إما لغير الإتباع كما قدمنا، وإما للإتباع نحو: كسرة عين (عصي) فإنها لإتباع كسرة الصاد التي هي إتباع للياء. وقولهم: لتسلم الياء

ص: 169

غير محرر بدليل السلامة في (حيض)، وإنما يدخل في كلام المصنف إتباع الآخر لما بعده؛ لأن كلامه في الحركات المشبهة لحركات الإعراب –ونص ابنه في آخر باب المضمر من شرح الخلاصة على أن الكسرة نحو: غلامي إتباع للياء كما ذكرنا "أو نقلا" كقراءة ورش {ألم تعلم ان الله} "أو تخلصا من سكونين" نحو: {من يشأ الله يضلله} {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} .

ص: 170

فإن قلت: الجمهور يقولون: /كسرة الميم من نحو: غلامي، لمناسبة الياء، وظاهره أنها ليست حركة إتباع فنقص المصنف عدها على رأيهم.

قلت: إذا فسر الإتباع بما ذكرناه كان كلامه شاملا لحركة [آخر] المضاف إلى ياء المتكلم، وليس ثم نص ينافي الإتباع بما تقدم، وقد عرفت أن ابنه نص على أنها حركة إتباع. "فهو بناء": إما أن تكون الفاء رابطة لجواب الشرط إن قدرت (ما) شرطية، أو داخلة على خبر المبتدأ المتضمن لمعنى الشرط إن جعلت (ما) موصولة، ولا يدفع ذلك كون الفعل لفظا، لأنا نجعله إذ ذاك بمعنى المستقبل، كما نقول: الذي أتاني فله درهم، على أنه لو جعلت (ما) موصولة وبقي الماضي على معنى المضي أمكن دخول الفاء أيضا كما ستعرفه في باب المبتدأ إن شاء الله تعالى.

"وأنواعه"، أي: أنواع البناء "ضم" نحو: {من قبل ومن بعد} . "وفتح" نحو: أين وكيف. "وكسر" نحو: نزال وأمس. "ووقف": من وقد، ولم يفرق المصنف في التعبير في جانبي الإعراب والبناء فعبر بالأنواع في الموضعين، وابن الحاجب –رحمه الله [تعالى]- فرق بينهما فعبر في جانب

ص: 171

إعراب الاسم بالأنواع، وفي جانب بنائه بالألقاب، ووجهه الغجدواني بأنه إنما لم يقل لحركات البناء والوقف أنواعا لفقد ما يكون جنسا شاملا لها نظرا إلى الأصل، إذ الأصل أن يكون البناء منحصرا في واحد وهو السكون بالنقل فإنهم قالوا: الأصل في البناء السكون فلما كان من حق البناء ألا يشمل هذه الأشياء نظرا إلى الأصل لم يطلق عليها اسم الأنواع رعاية لجانب الأصل.

ص: 172