المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كسر أول الجمع إذا كان مضموما - شرح التعريف بضروري التصريف

[ابن إياز النحوي]

الفصل: ‌كسر أول الجمع إذا كان مضموما

قال:

«فإن اتصلت الياء الساكنة بالآخر لفظاً أو تقديراً أو كانت عين فعل وصفا، وقيت الابدال بجعل الضمة كسرة» .

قلت:

اعلم أن سيبويه والأخفش اتفقا على أنه ي‌

‌كسر أول الجمع إذا كان مضموما ً

وثانيه ياء لتظهر الياء وذلك نحو: "بيض" والأصل: "بيض" بضم الياء لأنه جمع "أبيض" كـ "حمر" في جمع: "أحمر" لكت أبدلت الضمة كسرة لذلك.

واختلفا في المفرد فقاسه سيبويه على الجمع في القلب فراراً من القلب، وخالفه الأخفش فأبقى الضمة فانقلبت واوا، فحجة الأول أن تغيير الحركة أهون من تغيير الحرف، ألا ترى إلى قلة:"بوع المتاع" وكثرة: "بيع" مذهبه أبداً اعتبار قلة التغيير، ألا ترى إلى مذهبه في:"مفعول" من الياء، وقوله: لولا مع الضمر حرف الجر، لأن تغيير شيء واحد أسهل من تغيير أشياء، وهي المضمرات الواقعة بعدها عند جعل لولا على أصلها.

وحجة الثاني أن الجمع أثقل من الواحد فكان أحوج إلى التخفيف فيه فيكسروا أوله لتسلمه ياؤه التي هي أخف من الواو.

ص: 154

ألا تراهم قالوا في جمع: "صائم: صوم، وصوم، وصيم"، وفي جمع:"قائل: قول، وقتيل"، ولم يقولوا في قولهم:"رجل حوال" أي: حسن الحيلة" موسر وموقن" والأصل: "ميسر وميقن" لأنهما من اليسار واليقين دليل على ذلك، أيضا فإنهم قالوا:"قضو ورمو" فلم يغيروه.

وأيضا فقد قالوا: "الطابي والمضوفة" وهما من "الطيب وضاف يضيف" إلا مال والتجأ.

ولقائل أن يجيب عن الأول بما تقدم من قلة التغيير، وعن الثاني بالبعد عن الطرف، وغير خفي أن القرب منه له أثر في الإعلال، والبعد عنه له أثر في التصحيح، دليله إعلال "صيم" وصحة "صوام" إلا شاذا.

وعن الثالث أن الفعل قصد به هنا التعجب فلو غير لاختل هذا المعنى، ولأنهم فرقوا بين الاسم والفعل، والفعل تأتي في آخره ياء قبلها ضمة ولا يأتي ذلك في الاسم.

ص: 155

وعن الرابع أنه شاذ خرج تنبيها على الأصل كـ"القود والقصوى" وعندي أنه بعد عن الطرف أيضا. أما قولهك: "طوبي" فلأن ألف التأنيث بنيت الكلمة عليها، ولهذا سبق بها في الجمع، ويجرون التأنيث بها مجرى ياء "شين" فهي لازمة.

وأما "مضوفة" فلأن الكلمة أيضا مبنية على الياء فلا يسوغ تقدير انفصالها لأن: "مفعلا" يأتي بغير تاء.

وهنا تنبيهان:

الأول: أن "معيشة" عند سيبويه يجوز أن تكون: (مفعلة) بكسر العين فنقلبت الكسرة من الياء إلى العين، وأن تكون:(مفعلة) بضمها، فنقلت الضمة إلى العين ثم أبدلت كسرة.

وعند الأخفش لا تكون إلا (مفعلة) بالكسر إذا لو كانت بالضم لقيل: "معوشة"

ص: 156

والثاني: أنك لو بنيت من البيع مثل: "ترتب" قلت على قول سيبويه: "تبيع" بضم التاء وكسر الياء والأصل: "تبيع" كـ"برثن" فنقلت ضمة الياء إلى الباء وابدلت كسرة.

وعلى قول الأخفش: "تبوع" فحوللت الضمة إلى الياء وقلبت الياء واوا.

وقوله: (إذا اتصلت الياء الساكنة بالآخر) لفظاً نحو: "بيض" فإن الياء متصلة بالضاد، أو تقديرا نحو:"معيشة" فإن التاء للتأنيث هي الآخر لفظاً، والياء الساكنة متصلة بالشين، لكن تاء التأنيث يقدر سقوطها فالشين آخر تقديراً، فاعرفه.

وقوله: (إذا كانت عين فعل وصفا) يريد نحو قولهم: "قسمة ضيزى" و"مشية حبكي"، والأصلي:"ضيزى وحبكى" بضم الأول فأبدلت الضمة كسرة لما تقدم// وإنما لما يجعلوا الكسرة أصلا لعدم: (فعلى) صفة في كلامهم.

وقيده المصنف (بكون فعل وصفا) احترازاً من: "طوبي" و"كوهي" فإنه لم تقلب الفتحة كسرة حيث كانا اسمين غير وصفين، وكأنهم قصدوا إلى الفرق بينهما،

ص: 157

وخصوا قلب الضمة كسرة بالصفة لأنها أثقل، فهي إلى الياء الخفيفة أحوج، ولأن الصفة أولى بالتغيير من الاسم المحض لقربها من الفعل.

وقوله: (وقيت الابدال بجعل الضمة كسرة) ظاهر.

قال:

«وكذلك يفعل بكل ضمة تلتها ياء، أو واو وهي آخر اسم، أو مدغمة في ياء، أو هي آخر اسم لفظاً أو تقديراً» .

قلت:

مثال الياء التي تلت الضمة فأبدلت كسرة طلباً لسلامة الياء ياء: "أظب" جمع: "ظبي" أصله بضم الباء كـ"أفلس" لكن أبدلت كسرة فاستثقلت الضمة والكسرة على الباء فحذفتا، فالتقى ساكنان: الياء والتنوين فحذفت الياء، فقيل:"أظب" ووزنه: (أفع).

ومثال الواو واو: "أدل" جمع" دلو" والأصل: "أدلو" فأبدلت الضمة كسرة، والواو ياء على ما ذكرناه.

وعلته أنه ليس في الكلام اسم متمكن في آخره واو قبلها ضمة، فالتمكن احترازاً من:"هذوان" وقعت الواو أخيرة وقبلها ضمة لكنه مبني.

ص: 158

وآخره واو؛ احتراز من"أفعوان، وعنفوان، وقحدوه، وقلنسوه.

وقبلها ضمة: احتراز من: "دلو"

فإن قيل: فهلا تركت الواو بحالها من غير قلب؟

والجواب من وجهين:

أحدهما: اختيار أبي الفتح، وهو أن الأسماء يلحقها الجر وياء النسب والإضافة إلى ياء المتكلم، فكان يلزم أن يقال:"ادولو" فتجتمع ضمة وواو، وكسرة كذلك:"أدلوي" فتجتمع ضمة واو، ووكسرة، وياءان؛ وكذلك:"أدلومي" مع ياء المتكلم فتجتمع ضمة، وكسرة، وواو، وياؤ واحدة، وذلك مستثقل، فقلبت الواو ياء لأن على كل حال أخف من الواو.

وأما الفعل فقد أمن لحاق ذلك أجمع له. لا جرم جاء فيه كـ"يغزو ويدعو" نعم لو سميت "يغزو" رجلا وهو مجرد من الضمير لقلبت الضمة كسرة، والواو ياء فقلت:"هذا يغز، ومررت بيغر" منونين في حالتي الرفع والجر كـ"جوار"، و"رأيت يغزي" غير منون في حالة النصب ك، "جواري"، ولو سيمت به، وفيه ضمير لحكيته لأنه جملة.

ص: 159

والثاني: قاله أبو عثمان، وهو أنهم "قلبوا أواخر الأسماء لتكون أواخرها مخالفة لأواخر الأفعال؟

وقال أبو الفتح: «فيه تسامح. لأنه لا يجب أن يكون آخر الاسم أبدا يخالف آخر الفعل، ألا ترى أن آخر: "ضارب" كآخر: "يضرب"»

فإن قيل: إنما أراد المعتل دون الصحيح؟

قيل: قد راينا آخر"يزم" كآخر: "رام". انتهى كلامه.

وأقول: لو مثل "بالرامي" بالألف واللام لكان أحسن، وذلك لأن معهما تثبت الياء فيكون آخر:"يرمي" كآخر: "الرامي" لفظاً؛ وأما إذا حذفتها وجب حذف الياء للتنوين، ولا يكون لفظاً كآخره، ونظيره قول عبد القاهر: لو مثل أبو علي المقصور باللام لكان أحسن لتثبت الألف، فأما إذا مثل بالمنكر حذفت الألف.

ص: 160

وهنا تنبيه: وهو أنه لما كرهت الواو على ما ذكرناه بدئ بتغيير الحركة الضعيفة اعتباطاً، وقلبوها كسرة، وتوصلوا بذلك إلى قلب الواو قلباً صناعيا، وهذا أحسن من قبل الواو ياء بغير توصل لقوة الحروف.

وقد نقل بعض المتأخرين ممن أدركته خلاف هذا عن أبي علي، وكان كثير الحذف مشهور بذلك.

وقوله: (أو مدغمة في ياء هي آخر اسم لفظاً أو تقديراً) يعني نحو: "مرمي" في اسم المفعول من: "رميت" وأصله: "مرموي" فلما اجتمعت الياء والوا، والثاني ساكن قلبت الواو ياء، والضمة التي قبلها كسرة، وادغمت الياء التي هي آخر لفظاً؟

ويعني بالتقدير نحو: "مرمية" وهذا ظاهر.

قال:

"وبكل ضمة واو قبل تاء التأنيث، فإن كانت في غير واو لم تبدل إلا إن قدر () التاء.

قلت:

يعني أنك لو بنيت من: "غزوت" مثل: "ترقوة" لقلت: "غزوية"، والأصل:"غزووة" فالواو الأولى المضمومة لام الكلمة، والثانية زائدة بإزاء الواو في:"ترقوة"، فلما اجتمعت// الواو أن قبل الأول ضمة وذلك مستثقل، قلبت الضمة،

ص: 161

فانقلبت الواو الأخيرة ياء فقيل: "غزوية" قال ابن السراج: وهذا يدل على صحة قول الأخفش في: (افعوعل) من"القول": "أقويل"، والأصل:"أقووول" بثلاث واوات، فقلبت الواوين الأخيرين ياءين كراهية لاجتماعهما.

قال أبو الفتح: والخليل يقول: "أموول"، ولا يلزمه ما ذكره ابن السراج لأن الواو وقد ثبتت في الفعل في الموضع الذي لا يثبت مثله في الاسم، وذلك نحو:"يغزو" وقد تقدم.

وقوله: (فإن كان في غير واو لم تبدل) يعني أنك لو بنيت من: "رميت" مثل ذلك لقلت "رميوة"، ولا تبدل الضمة كسرة لأنا إنما أبدلناها هناك طلباً لزوال الواوين، وهنا لم يجتمعا، ولا يكره الواوان ضم ما قبلهما لأن الكلمة مبنية على التأنيث فهي حشو، وإنما نغير إذا كان طرفا؛ ولهذا قال: إلا إن قدراً طرفا التاء. يعني أن التاء داخلة على المذكر فحينئذ يجب ابدال الضمة كسرة فنقول: "رمية" فافهمه.

ص: 162

قال:

«وفي ضمة متلوة الياء المدغمة وفيها نفسها مبدوابها [الضم] وجهان، وقد تعطى فعل وصفا ما له اسماً من بقاء الضمة والقلب» .

قلت:

يعني أنه يجوز في "عصي" جمع: "عصا" ضم العين وكسرها، والضم الأصل، والكسر اتباع للصاد، وليكون العمل من وجه واحد فمتلوة الياء المدغمة الصاد، والذي قبلها العين.

وقوله: (وفيها نفسها مبدواً بها الضم) يرجع إلى المتلوة، أي: وإن كانت الضمة في متلوة الياء لا في الذي قبلها جاز الضم والكسر. كقولهم: "قرن ألوى" و"قرون لي" بضم اللام من "لي" وكسرها.

وقوله" (وقد تعطي فعل وصفا) إلى آخره. يريد أن منهم من يقول: "جلوذي" كـ"طوبي" فيبقى الضمة ويقلب الياء واواً كما يفعل ذلك في الاسم وأتى بلفظ "قد" ايذاناً بقلة هذا.

ص: 163

قال:

«فصل. تحذف الياء المدغمة في مثلها قبل مدغمة في مثلها إن كانت زائدة ثالثة غير متحدة للتصغير، أو ثالثة عينا، ويفتح ما قبلها مكسوراً» .

قلت:

يعني نحو قولك في النسب إلى: "غني، وصبي: عنوي، وصبوي" والأصل: "غنيي" فالياء الأولى زائدة للمد، والثانية لام لامه من:"الغنية، وصبو" لأنه من "صبوت" فاجتمعت الياء والوا، وسبقت الأولى بالسكون فقلبت الواو ياء وادغمت في الياء، ووزنهما:(فعنل) فلما أريد النسب إليهما حذفت الياء الزائدة، وهي المشار إليها بقوله:"تحذف الياء المدغمة في مثلها" فبقي: "غني وصبي" فأبدل الكسرة فتحة لأنهما ثلاثيان مسكوران الحشو.

ومثله قولهم في "النمر: نمري"

نعم. هذا هو بالفتح أجدر لإعتلاله، وصحة ذلك فانقلبت الياء ألفا، ثم قلبت واواً فقيل:"غنوي، وصبوي" وإنما حملعم على هذا الحذف والتغيير الفرار من الجمع بين أربع ياءات وكسرتين لو بنيت على لفظه. وهذا معنى قوله: "ياء مدغمة في مثلها" أي: هذا الحذف والتغيير كان لوقوعهما قبل ياء مدغمة في مثلها.

وهنا تنبيه:

وهو أن ابن الحاجب قال في شرح تصريفه: "وجاء أميي" بخلاف "غنوي" فإنه لم يجيء"غنيي" لأنهم قالوا: "غنيي" يجمعوا بين كسرتين وأربع ياءات. و"أميي" ليس قبل الياء الأولى كسرة، فاغتفر فيه هذه اللغة، ولم يغتفر في:"غنيي". انتهى كلامه.

ص: 164

وأرى فيه نظراً؛ وذلك أن العبدي وجماعة من النحاة نقلوا أنه قيل: "عديي" فجمع بين أربع ياءات وكسرتين.

وعندي أن الفرق بينهما أن الياء الأولى: "أمية"للتصغير، والياء الثانية منقلبة عن الواو وذلك لأنها تصغير:"أمة" وأصل "أمة: "أموة" بدليل قولهم في الجمع: "أموات" ثم لما اجتمعت الياء والواو ساكنة قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء، بخلاف الياء الأولى في: "غنيي" فإنها زائدة لغير معنى، واحتمل ذلك النقل في "أميي" فحافظة على العين، وكان ذلك أحسن من "عديي" لأنه فيه احتمالاً للنقل من غير محافظة على شيء.

وقوله: "إن كانت زائدة ثالثة غير متحددة للتصغير" يحترز به من نحو"أسيد، وحمير" في تصغير: "أسود، وحار" والياء الأولى فيهنا للتصغير، والياء الثانية في:"أسيد" منقلبة عن الواو، والأصل:"أسيود" وقد يستعمل ذلك حملا على: ()، // والياء الأولى في "حمير" للتصغير، والثانية منقلبة عن ألف "حمار لما

ص: 165

وقعت بعدها، ويتعذر النطق بالألف لسكون ياء التصغير قبلها.

قال أبو الفتح نص في كتاب: سر الصناعة على أن الألف في هذا النحو تبدل في التصغير واوا () تبدل ياء لما تقدم من اجتماعهما، وفيه تعسف. فإذا نسبت إلى ذلك حذفت الأصلية، واثبت الزائدة فقلت:"أسدي، وحميري"، وإنما وحب الحذف كراهة للثقل باجتماع أربع ياءات يتوسطها حرف مكسور، ووجب حذف الثانية لأن حذف الأولى كان يبقيها مكسور، والكسرة على الياء المتحرك ما قبلها مستثقلة، وأيضا كان يؤدي إلى اجتماع ياءين وكسرتين وهو مجتنب.

وقوله: "أو ثالثة عيناً" يريد نحو: "تحية" فإنك تنسب إليها: "تحوي" وذلك لأن أصلها: "تحيية" ووزنها: (تفعلة) نقلت حركة الياء الأولى وهي العين إلى الحاء، ثم أدغمت الياء في الياء، فلما أردت النسب فررت من اجتماع الياءات، حذفت العين لأنها مشابهة في اللفظ للياء الزائدة في:"حنفية وبخيلة" وابدلت من الكسرة فتحة، وقلبت الياء ألفا، والألف واواً، فوزنه الآن:(تفلي) فنقول في مثله من: "وعد": "تودي"

ص: 166

وهنا تنبيه:

وهو أن أهل التصريف نصوا على أنه ليس في اللغة العربية ما حذفت عينه سوى:

"مدرسة () " في قول أبي إسحاق، ولا يذكرون مع ذلك "تحويا" وشبهه، وكان ذلك لعروض الحذف.

وقوله: "ويفتح ما قبلها مكسوراً" ظاهر، إذ نقول:"غنوي" فنفتح النون، وقد كانت مكسورة في:"غني" وكذلك في "تحية"

قال:

«وإن كانت ثانية فتجب فإن كان أصلها واواً ردت إليه وتبدل الثانية واواً.»

أقول:

إذا نسبت: "لية" منقلبة عن الواو، والأصل:"لوية" لأنه من: "لويت" لكن قلبت الواو ياء لاجتماعهما وسبق الأولى ساكنة، فإذا أردت النسب حركت الأولى بالفتح فعادت إلى الواو لأنها قلبت لما كانت ساكنة، وقد فعد ذلك.

قال أبو علي الفارسي: «وقد قالوا في النسب إلى "الرمل"رملي وإلى: "الحمص: " حمصي" ففتحوا العين الساكنة مع أنه لا يفضي إلى تخفيف، ففتحها للإفضاء إليه كما في"لية أول" قم قلبت الياء الثانية وهي اللام ألفا، وقلبت الألف واواً

ص: 167

فقيل: "لووي" فهذا معنى قوله: «فإن كان أصلها واوً ردت إليه وإن لم يكن أصلها ذاك فتحت فقط، كقولك: "حيوي" لأن الياء الأولى عين، إذا هي "حييت.»

وقوله: "وتبدل الثانية واواً" أي تبدل الثانية في "لية" واواً لقولك: "لووي" وقد صرح بأن الياء تبدل واواً في غير توسط، والمشهور ما قدمته من تعذر قلب الياء ألفا ثم قلب الألف واواً، وهو الأولى. ألا ترى أنه لولا إرادة ذلك لما كان لفتح الياء الأولى وجه، وأيضا فإنهم قالوا:"فاضوي" ففتحوا الضاد لما أرادوا قلب الياء.

نعم: لما كانت الواو منقلبة عن الألف المنقلبة عن الياء أطلق عليها أنها منقلبة عن الياء، والياء الأصل الأول، وهي الملفوظ بها بخلاف الألف فإنه محكوم به تقديرا.

قال:

«وإن فصلهما حرف لين حذف أيضا، وإن زيدتا، أو وقعتا بعد ثلاثة أحرف [حذفتا]» ؟

أقول:

الهاء في" فصلهما" يعود إلى العين، أي: وإن فصل العين عن اللام حرف لين

ص: 168

حذف، وذلك نحو:"حنيفة، وشنوءة" تقول: "حنفي، شنئي" فكأنهم أرادوا بذلك الفرق بين النسب إلى: (فعلية وفعول، وفعولة وفعول) فذو الياء يحذف حرف منه، وتفتح كسرته، أو ضمته، والمجرد منها يبقى على حاله.

وخص الأول بالحذف لأنه ثقيل يناسبه فكأم تخفيفه أولى، وأيضا فإنه لا مندوحة عن حذف الياء، فلما دخله التغيير بحذفها كان تغييره أولى مما لا يدخله تغيير، ألا ترى أنه لا يرخم إلا ما أحدث فيه النداء البناء، وما بقى على إعرابه فإنه لا يرخم، // فكذلك

ص: 169

(جاه إذ أصله): وجه لما غيرت الكلمة بتقديم عينها على فائها كان القياس أن يقال: "جوه" بواو ساكنة، لكن حديث غيرت بالتقديم غيرت بتحريك عينها، فانقلبت الفاء لتحركها وانفتاح ما قبلها فوزنها:(عفل) فلو بنيت مثله من: "أأأه" لقلت: "وأاه" والأصل: "واأة" فقلبت الهمزة الثانية ياء لاجتماع الهمزتين، ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، والأصل: الأةل: "أوا" لأن أصل "أأأة": "أوأة" ولهذا قيل في تصغيرها: "أوياه".

وهنا تنبيهان

الأول: أنه إنما تحذف هذه الواو والياء بشرط أن تكون العين صحيحة فلا تقول في "طويلة: طولي" لئلا يلزم القلب بعد الحذف.

وأن لا تكون العين واللام من جنس واحد، فلا تقول في:"شديد: شددي" لئلا يلقتي المثلان.

والثاني: " أن حرف العلة وأن فصل العين لا يحذف مطلقاُ بل إذا كان في المؤنث، فإن ورد الحذف في غيره كان قليلا كقولهم في "ثقيف: ثقفي" وعكسه: "عميري" في عميرة كلب.

ص: 170

وكلام المصنف خال من التقييد.

وقوله: "وإن زيدتا أو وقعتا بعد ثلاثة أحرف".

كذا وجدتها في النسخة التي وصلت إلى وأحسبه: "وإن زيدتا وقعتا" وذلك نحو: "ترقوة، وزبينة" تقول في النسب إليه: "ترقوي، وزباني" فتحذفهما لاستثقال الكسرة عليهما ولطول الكلمة.

وقيد الزيادة بأن تكون بعد ثلاثة أحرف لأنها لو كانت حشوا لم تحذف البتة. نحو: "فدوكس، وسميدع وعذافر، نقول: "فدوكسي سميدعي عذافري" هذا واضح.

قال:

«تبدل واواً أيضا بعد فتح ما ليته أن كان مكسوراً الياء الواقعة ثالثة بعد متحرك، أو قبل ياء أدغمت في أخرى من كلمتها وتحذف رابعة فصاعدا» .

أقول:

يعني نحو قولك في النسب إلى: "غم، وشج، عموي، وشجوي" ألا ترى أنك لما أردت إلحاق الياء المشددة آخر هذه الضرب أبدلت من كسرة الياءين فتحة كراهة لاجتماع الكسرتين واليائين فانقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار مقصوراً كـ (حصي)، ثم قلبت الألف واوا فقيل:"عمي، وشجوي".

ص: 171

وقوله: "الواقعة ثالثة" احتراز من الواقعة رابعة فإنه لا يتعين فيها القلب بل أنت متخير فيها بين الحذف والقلب، كما سيأتي بعون الله سبحانه.

وقوله: "بعد متحرك" كأنه يحترز به من قول يونس في النسبة إلى: "ظبية: ظبيوي" لأنه يحرك الياء ويفتحها فتقلب الياء ألف وإن كان أصلها السكون.

نقل أن الخليل كان يقدره في بنات الياء دون بنات الوا ذلك لأنه فر من اجتماع الياءات في: "طيء" فحرك وقلب، وأما نحو:"عرؤة" فلا تجتمع فيه الياءات فلا وجه للتحريك والقلب.

ص: 172

قال العبدي في البرهان: " وأما يونس فقال إذا حذفت الياء لا يمتنع أن تكون الكلمة في الأصل على مثال: (فعلة وفعلة) فحذفت الضمة والكسرة فبقي: "ظبية ورمية" استثقالا لهاتين الحركتين مع وجود تاء التأنيث المقارنة لحروف المد واللين على ما مضي، فيصير كأنك تنسب إلى: "ظب" فابدلت من الكسرة فتحة ومن الياء ألفا ثم قلبتها واوا فقلت: "ظبوي" وفي: "دمية: دموي" فابدلت من الضمة كسرة، وعاملت الياء معاملة ياء "قاض" ثم ابدلت الكسرة فتحة، والياء ألفا ثم قلبتها واوا كما فعلت في ذلك في: "شج وعم" حتى قلت: "شجوي، وعموي" وفيه نظر استقصيته في (شرح الفصول) إن شاء الله تعالى.

وقوله: "تحذف رابعة فصاعداً" يعني: نحو قولك في النسب إلى "قاض".

ص: 173

قاضي" وإنما جاز الحذف هنا بخلاف: "شج" لأن الثلاثي أعدل الأوزان، وأحقها، والحذف منه أخلق به، والرباعي قد تجاوز ذلك فدخله التخفيف بالحذف.

() //امتناع ترخيم الأول وجوازه في الثاني.

وهنا تنبيه: وهو أنه لا يجب الحذف في () يجوز وليس في كلامه تبين بل هو مرسل.

وإذا كانت الياء خامسة فصاعدا وجب حذفها، تقول في النسب إلى: "مشتر: مشتري، ولا يجوز الابدال وعلته الطول وكثرة الحروف، وهذا جلي؟

قال"

«كذا ما وقع هذا الموقع من ألف وواو تلت ضمة»

أقول:

يعني أن الألف متى وقعت ثالثة فأردت النسب إلى ما هي فيه نحو: "عصا، ورجا" فإنك تقلب منها واواً وتكسرها لأجل الياء كقولك" "عصوي، ورجوي"، ولا تقلبها ياء فرقت في ذلك بين ما أصله الواو والياء، فإن القلب إلى الواو، وإنما ردت الألف ولم تقر لأن هذه الياء تلزم كسر ما قبلها، وقد علم أن الألف لا تثبت مع التحريك بل تصير همزة فكأن الرد إلى ذلك الأصل أولى من إدخال الكلمة حرفا ليس منها.

ص: 174

نعم يمكن الرد إلى الياء فيما أصل الألف ذلك لئلا تتوالى الياءات والكسرتان فعدل إلى اجتماعهما وهي الواو، أو لا ترى ذلك اجتماعهما ردفين في القصيدة الواحدة نحو:"سعيد، وعمود، وكثير، وقدور" ولا يجوز مع واحد منهما الألف البتة، ولذلك قال أبو عثمان في الخصاص، أو غيرها: إذا خففت الهمزة في "جيئل" لا يجوز قلب الياء ألفا على مذهب من أجرى العارض مجرى اللازم، واعتد به فقال في: رؤيا تخفيف. رؤيا فقلب الواو لاجتماعهما، والسابق ساكن، وذلك لشدة الشبه بينهما وبعدهما من الألف.

فإن قيل: فياء المتكلم يلزم ما قبلها الكسرة ومع ذلك قد سلمت الألف قبلها في "عصاي، وهداي" فهلا كانت ياء النسبة كذلك؟

قيل: كسر ما قبلها وإن كان لازما لكن التغيير في النسب أكثر، ألا ترى أنه ينكسر ما قبلها، وأنها تنقل الاسم إلى الصفة بعد أن لم يكن يوصف به، وأنه يصير حرف إعراب

ص: 175

الكلمة حشوًا، وتكون هي حرف للإعراب () أن الألف لا تحذف في الإضافة إلى ياء المتكلم أين وقعت.

نقول في: "حباري: حباراي" ويحذف هذا في النسب على طريق الوجوب، كذلك، "حباري" وقد أوضحت ذلك فاعرفه.

وإن وقعت رابعة سكن ثاني الكلمة نحو: "ملهى" وإن وقعت خامس فصاعداً وجب حذفها تقول في: "قبعثرى: قبعثري" لا غرو في ذلك لما تقدم.

وقوله: "أو واو تلت ضمة" يريك أنك لو بنيت مثل: (فعلة) بضم العين من: "رميت" لقلت: "رموة" وذلك مع بناء الكلمة على تاء التأنيث؛ فإذا نسبت إليه قلت: "رموي" وإذا كانت رابعة نحو: "مريوة" فأنت مخير في إقراراها وحذفها تقول: "مريوي، مريي".

وإذا كانت خامسة نحو: "قلنسوة" وجب حذفها في النسب تقول:

"قلنسي" وكذلك ما زاد.

ص: 176

وقوله: "تلت ضمة" لا حاجة إليه إذا لا تثبت الألف إلا كذلك، لأنه إن انكسر ما قبلها وجب قبلها ياء؛ فأما "حذوة" فإنه شاذ.

وقال أبو الفتح: "صحح كراهة اللبس إذ: "حيدوة": (فعلوه) قلو: قلبت الواو ياء لكان) فعلية) كـ "هدية" ولم يعلم انقلاب الياء غير الواو، وإن يفتح ما قبلها قلبب ألفا.

قال:

«فإن وقعت الألف لغير تأنيث أجيز قبلها واواً، وقد تقلب رابعة للتأنيث فيما يسكن ثانيه» .

أقول:

الألف متى وقعت رابعة فإما أن تكون منقلبة عن حرف أصلي كـ "مغزى، وملهى"، والأصل:"مغزو، وملهو" لأنهما من"الغزو واللهو" لكن قلبت ياء لوقوعها رابعة ثم قللبت ألف لتحركها وانفتاح ما قبلها، فهذه مختار في النسب قبلها واواً كقولك:"مغزوي، وملهوي" ويجوز حذفها كقولك: "مغزي، وملهي" فوجه الأول:

أنها منقلبة عن أصل، والأصل يحافظ عليه. ووجه الثاني: كونها بعد ثلاثة أحرف فحذفت استخفافاً وأيضا تقدم أن النسب باب تغيير فجاز حذفها فيه.

وهنا تنبيه: وهو أنه إنما قال: "فإن وقعت لغير تأنيث" ولم يقل" فإن وقعت أصلية، ليدخل فيه "أرطي" ونحوه إذا ألفه ليست أصلية بل زائدة للالحاق بجعفر، فحكمها حكم الأصلية، فنقول: "أرطوي، وأرطي".

ص: 177

وقوله: "وقد تقلب رابعة، إنما أتى بـ "قد" للتقليل، ولأن الحذف إذا كانت [الألف] للتأنيث رابعة كثير، والقلب قليل، تقول في: "سكرى وسكروي" فوجه الأول// أنها زائدة [فحذفها] أولى من حذف الأصل، ولأن الكلمة تغلب بها، ولأن الياء يجب حذفها في الاسم المنسوب والألف أختها في التأنيث فحمل عليها في الحذف.

والثاني: أنها جرت مجرى الحروف الأصلية في بناء الكلمة عليها، وأنها لا تفارقها، ولذلك اعتدوا تأنيثها بتأنيثين، وقد يرون قلبها ألفا مع قلبها واوا فيقولون:"حبلاوي".

وقوله: "فيما يسكن ثانية" يحترز به من مثل: "جمزى بشكي" فإنه لا يجوز في ألفه القلب، وعللوه بأن الحركة عندهم جارية مجرى الحرف، فكأن الألف إذا خامسة، والألف كذلك يجب حذفها كقولك في:"مصطفى: مصطفي"

وعندي أن المانع من ذلك يجوز أن يكون هربا من اجتماع أربع متحركات في كلمة، وذلك منتف في اللغة فاعرفه.

ص: 178

قال:

«قد يقال: مرموي ورامواي في النسب إلى مرمى ورام [وكذا ما أشبههما]» .

قلت:

اعلم أن الأصل: "مرمي وراموي" لأن اسم المفعول من: "رميت" فلما جمعت الواو والياء، وسبقت الأولى بالسكون قلبت الواو الأولى وأدغمت الياء في الياء، وقلبت ضمة الميم كسرة، فالياء الأولى زائدة، والثانية لام، فإذا نسبت إليه ففيه وجهان:

أحدهما: أن يعامل معالمة: "عدي" فيحذفوا الياء الأولى لأنها ساكنة زائدة، وتبدل من كسرة الميم فتحة، ومن الياء ألفا، ثم تقلب الألف واواً فنقول:"مرموي".

والآخر: أن تحذفهما جميعا فنقول: "مرمي" فوزن الأول: (مفعلي) ووزن الياني: (مفعي) إذ هو محذوف اللام. وأما: "رامي" ففيه إشكال لأنه إن كانت ياؤه المشددة للنسب فمتى أردت أن تنسب إليه وجب حذفها، ولا يجوز حذف واحدهما.

نعم إن أراد بـ "رامي" أنه (فاعول) كـ "عاقول" فقلبت الواو لما قدمنا جاز حينئذ "راموي" لأنهما ليستا زائدتين، وبل الأولى زائدة، والثانية لام؛ وإن كان "رامي" منقوصا، وجاز فيه:"رامي" بحذف الياء، وو"راموي" بابدالها واواً. وهذا بين.

قال:

«وتحذف أيضا كل ياء تطرفت لفظاً أو تقديراً بعد ياء مكسورة مدغم فيها أخرى ما لم

ص: 179

يكن ذلك في فعل أو جار عليه».

قلت:

يشير إلى "محي" وهو اسم الفاعل من: "حييته" كـ "مكسر" اسم افعل من: "كسرته" وأصله: "محيي" الياء المشددة عين، والثانية لام؛ فإذا نسبت إليه تصورت أنك حذفت الياء الأخيرة، لئلا تجمع خمس ياءات. كذا قال العبدي في برهانه.

وأرى ها هنا تفصيلا، وهو أنه إن كان النسب إليه وهو منكر مرفوع أو مجرور، فلا حاجة إلى أن يقال التي هي لام حذفت لئلا تجتمع خمس ياءات لأنها محذوفة لالتقاء الساكنين هي والتنوين وإن نسبت إليه وهو منصوب أو معرف بلام أو إضافة فالقول [ما] قال العبدي، ولعل ذلك () فلا غنى عن حذف إحدى اليائين لئلا كـ"هدى" فتقول:"محيوي" كـ "هدوي" والوزن: (مفعي) لأنه محذوف اللام.

ص: 180