الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
ذكر فيه البغي
وهو لغة التعدي واستغنى عن تعريفه شرعًا بتعريف الباغية لاستلزامها له فقال الجماعة (الباغية فرقة) من المسلمين (خالفت الإِمام) الأعظم أو نائبه لأحد شيئين إما (لمنع حق) وجب عليها من زكاة أو حكم عليها من أحكام الشريعة المتعلقة بالله أو بآدمي أو الدخول تحت طاعته بالقول والمباشرة باليد لحاضر والإشهاد على الدخول لمن غاب عنه إن كان كل منهما من أهل الحل والعقد واعتقاد ذلك ممن لا يعبأ به ولا يعرف فإنه حق لخبر من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية (أو) خالفته (لخلعه) أي إرادتها خلعه أي عزله لحرمة ذلك عليهم وإن جار كما قال عياض جمهور أهل السنة من الحديث والفقه والكلام أنه لا يخلع السلطان بالظلم والفسق وتعطيل الحقوق ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه اهـ.
أي إلا أن يقوم عليه إمام عدل فيجوز لما روى ابن القاسم عن مالك من قام على إمام يريد إزالة ما بيده إن كان أي المقوم عليه مثل عمر بن عبد العزيز وجب على الناس الذب عنه والقيام معه وأما غيره فلا دعه وما يراد منه ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما اهـ.
ــ
لباغية: ح لما فرغ من الكلام على القتل والجرح أتبع ذلك بالكلام على الجنايات التي توجب العقوبة بسفك الدماء أو ما دونه وهي سبع البغي والردة والزنا والقذف والسرقة والحرابة والشرب وبدأ بالبغي لأنه أعظمها مفسدة إذ فيه إذهاب الأنفس والأموال غالبًا وعرفه ابن عرفة فقال هو الامتناع من طاعة من ثبتت إمامته في غير معصية بمغالبة ولو تأويلًا اهـ.
وقوله بمغالبة نحوه لابن الحاجب وهو قيد زائد على المصنف ولا بد منه وكأنهم يعنون بالمغالبة المقاتلة فمن خرج عن طاعة الإِمام من غير مغالبة لم يكن باغيًا ومثل ذلك ما وقع لبعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنه مكث شهرًا لم يبايع الخليفة ثم بايعه اهـ.
وانظر إذا كلف الإِمام أو نائبه الناس بمال ظلمًا فامتنعوا من إعطائه فجاء لقتالهم هل يجوز لهم أن يدفعوا عن أنفسهم فإن تعريف ابن عرفة يقتضي أنهم بغاة لأنه لم يأمرهم بمعصية وإن حرم عليه قتالهم لأنه جائز وتعريف المصنف يقتضي أنهم غير بغاة لأنهم لم يمنعوا حقًّا ولا أرادوا خلعه وهو صريح ما يأتي لابن عرفة عن سحنون واعلم أن الإِمام تثبت بأحد أمور ثلاثة إما ببيعة أهل الحل والعقد وإما بعهد الإِمام الذي قبله له وإما بتغلبه على الناس وحينئذ فلا يشترط فيه شرط لأن من اشتدت وطأته وجبت طاعته وأهل الحل والعقد
ومقتضى الظاهر أن يقول ثم ينتقم من الآخر إلا أن يريد ثم ينتقم من كلهما في الآخرة وعبر المصنف بفرقة جريًا على الغالب وإلا فالواحد قد يكون باغيًا ولا بد أن يكون الخروج مغالبة فمن خرج على الإِمام لا على سبيل المغالبة فلا يكون من الباغية والمراد بالمغالبة إظهار القهر وإن لم يقاتل كما استظهره بعض وقيل المراد بها المقاتلة واللام بمعنى على أو للاختصاص في قوله (فللعدل قتالهم وإن تأولوا) كقتال أبي بكر مانعي الزكاة لزعم بعضهم أنه عليه الصلاة والسلام أوصى بالخلافة لعلي وتأول آخرين أن المخاطب بأخذها المصطفى بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] الآية وأما غير العدل فليس له قتالهم لاحتمال أن يكون خروجهم لفسقه وجوره وإن منع خروجهم عليه لذلك ما مر والمبالغة راجعة لقوله خالفت الإِمام ولقوله فللعدل قتالهم والعدل يقاتلهم قتالًا (كالكفار) أي كقتالهم فيقاتل الباغية بعد أن يدعوهم إلى الدخول تحت طاعته وموافقة جماعة المسلمين إلا أن يعاجلوه بالقتل ويقاتلهم بالسيف والرمي بالنبل والمنجنيق والتغريق والتحريق وقطع الميرة والماء عنهم إلا أن يكون فيهم نساء أو ذرية
ــ
من اجتمع فيه ثلاث صفات العدالة والعلم بشروط الإمامة والرأي وشروط الإمامة ثلاثة كونه مستجمعًا لشروط القضاء وكونه قرشيًّا وكونه ذا نجدة وكفاية في المعضلات ونزول الدواهي والملمات انظر ق (فللعدل قتالهم) قول ز وأما غير العدل فليس له قتالهم الخ. أي لأن الواجب عليه حينئذ ترك الفسق ثم يدعوهم لطاعته ابن عرفة الصقلي صوب شيخنا لقاضي أبو الحسن قول سحنون يجب قتال أهل العصبية إن كان الإِمام عدلًا وقتال من قام عليه فإن كان غير عدل فإن خرج عليه عدل وجب الخروج معه ليظهر دين الله وإلا وسعك الوقوف إلا أن يريد نفسك أو مالك فادفعه عنهما ولا يجوز لك دفعه عن الظالم قال ابن عرفة بعد هذا وغيره من القول وظاهر ما تقدم منه إعانة غير عدل مطلقًا وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام فسق الأئمة قد يتفاوت ككون فسق أحدهم بالقتل وفسق الآخر بانتهاك حرمة الإبضاع وفسق الآخر بالتعرض للأموال فيقدم هذا على المتعرض للدماء والإبضاع فإن تعذر قدم المتعرض للإبضاع على المتعرض للدماء قال فإن قيل أيجوز القتال مع أحد هؤلاء لإقامة ولايته وإدامة نصرته وهو معصية قلنا نعم دفعًا لما بين مفسدتي الفسوقين وفي هذا وقفة وإشكال من جهة كونه إعانة على معصية قال ولكن درء ما هو أشد من تلك المعصية يجوزه قلت ونحوه خروج فقهاء القيروان مع أبي يزيد الخارجي على الثالث من بني عبيد وهو إسماعيل لكفره وفسق أبي يزيد والكفر أشد اهـ.
(كالكفار) قول ز وهذا أولى مما نقله الشارح عن ابن بشير الخ. في كلامه خلل لأن هذه الأولوية موضوعة في غير محلها وصوابه لو قال وهذا أولى من قول الشارح وتت لا يمنعه من ذلك أي التحريق ونحوه وجود النساء والذرية الخ. وما فيهما نحوه لضيح وابن عبد السلام قال طفى ولم يدعموه بنقل والأول هو الصواب الموافق للنقل وقول ز خلاف ما عند ابن بشير أي من أن الرعادات لا تنصب عليهم ونصه يمتاز قتال البغاة من قتال الكفار بأحد عشر وجهًا أن يقصد
فلا يرميهم بالنار قاله في النوادر كما في ق وابن عرفة وهذا أولى مما نقله الشارح عن ابن بشير من أن ذراريهم لا تسبى أي لأنهم مسلمون والتشبيه بالكفار يفيد سبيهم ويفيد أنهم إن تترسوا بذرية تركوا أي إلا أن يخاف على أكثر المسلمين فقول الشارح وتت لا يمنعه من ذلك أي التحريق ونحوه وجود النساء والذرية بحمل على الخوف العام لا مطلقًا وإلا خالف مفاد التشبيه والنوادر وما مر من رميهم بالمنجنيق عبر عنه بعضهم بأن في قوله كالكفار إشارة إلى أنه ينصب عليهم الرعادات أي المجانيق خلاف ما عند ابن بشير ومثل الباغية الخوارج لطلب مال أو ملك فقتالهم فرض وقتلهم قربى قاله ابن العربي ومن ذلك مقاتلة السلطان ابن عثمان إلى قزلباش فإنه جائز لتحيزهم ودعواهم إلى بدعتهم وإن لم يحصل منهم قتل من ظهروا به من أهل السنة ولا إكراهه على سب الشيخين ولا إجلاؤه من دياره وبلاده كما يفيده الشيخ أحمد بابا ونحوه يستفاد من ابن عرفة خلافًا لما يفيده البرموني من اشتراط ذلك كله في جواز قتالهم فإنه غير معول عليه (و) إن ظفرنا على البغاة (لا يسترقوا) لأنهم أحرار مسلمون وحذف النون مع لا النافية جائز على قلة ومنه خبر لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا وليست ناهية لأن النهي من الشارع والمصنف مخبر بالحكم لاناه (ولا يحرق) الإِمام ولا نائبه (شجرهم ولا ترفع رؤوسهم) عند القدرة عليهم وقتلهم (بأرماح) بمحل قتلهم وأولى بغيره لأن ذلك مثلة
ــ
بالقتال ردعهم لا قتلهم وأن يكف عن مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا تقتل أسراهم ولا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم ولا يستعان عليهم بمشرك ولا يوادعهم على مال ولا تنصب عليهم الرعادات ولا تحرق مساكنهم ولا يقطع شجرهم اهـ. بخ
انظره في ق وقول ز ومثل الباغية الخوارج الخ. قال ابن عرفة وقتال الخوارج إن بانوا ودعوا لبدعتهم قال الصقلي عن ابن سحنون فرض الشيخ عن سحنون سن علي رضي الله تعالى عنه قتالهم ولم يكفرهم إذ لم يسبهم ولم يبح أموالهم ولهم حكم المسلمين في أمهات أولادهم ومدبريهم وعددهم ووصاياهم ورد أموالهم لأربابها إن عرفوا وإلا تصدق بها إن أيس منهم ولا قود عليهم ولا قصاص ولا حد ولا صداق في استباحة فرج الصقلي وبعض أصحابه إن سبوا حرة أو أمة فأولدوها لحق الولد بأبيه إذ لا حد عليه في وطئه لتأويله وولد الأمة كولد مستحقة وفيها لمالك إن خرجوا فأصابوا الدماء والأموال ثم تابوا وضعت عنهم كحد الحرابة الدماء وما استهلكوه من مال ولو كانوا أملياء ويؤخذ منهم ما وجد بأيديهم من مال بعينه ويؤخذون بحقوق الناس اهـ.
(ولا ترفع رؤوسهم بأرماح) قول ز بمحل قتلهم وأولى بغيره الخ. تبع تت وفيه نظر بل إنما يمنع رفع رؤوسهم بأرماح إلى محل آخر لبلد أو وال وأما رفعها على الأرماح في محل القتل فجائز كالكفار فلا فرق بين البغاة والكفار في هذا ولذا لم يذكره ابن بشير في الأمور التي يمتاز فيها قتالهم عن قتال الكفار كما تقدم عنه وفي الذخيرة عن النوادر ولا يبعث بالرؤوس إلى الآفاق أنَّه مثلة اهـ.
وهي حرام بخلاف الكفار فترفع بأرماح بمحلهم فقط ويمنع حمل الرأس منهم لبلد أو وال كما قدم المصنف في باب الجهاد (ولا يدعوهم) بفتح الدال أي لا يتركوهم أي الإِمام ونوابه الذين معه كما مر في قوله فاللإمام قتالهم فلذا جمع هنا وإلا لقال ولا يدعهم (بمال) يؤخذ منهم بل يتركهم مجانًا حيث كفوا عن البغي وطلبوا أيامًا حتى ينظروا في أمرهم ولم يحش منهم التحيل للغدر (واستعير بمالهم) من سلاح وكراع فقط كما في النقل بضم الكاف أي خيل (عليهم أن احتيج له) والاقتصار على الخيل لأنها الغالب في القتال وإلا فلو قاتلوا على إبل أو قيلة لكان الحكم كذلك (ثم) بعد الاستعانة به والاستغناء عنه (رد) إليهم (كغيره) أي كما يرد غير ما يستعان به لأنهم مسلمون فإن قيل الرد فرع الأخذ وهو منتف فأين الرد فالجواب أنه لما قدر عليهم صار المال كأنه ملك لإمام فلذا عبر بالرد قاله د (وإن أمنوا) بالبناء للمفعول مخفف الميم أي أمن الإِمام والناس منهم بالظهور عليهم مع عدم الخوف أو بعدم انحيازهم إلى فئة (لم يتبع منهزمهم ولم يدفف) بإهمال الدال وإعجامها أي لم يجهز بالزاي المنقوطة (على جريحهم) كما وقع لعلي يوم الجمل فإن خيف منهم أو انحازوا إلى فئة اتبع منهزمهم ودفف أي أجهز على جريحهم كما وقع لعلي يوم صفين (وكره للرجل قتل أبيه) دنية من الباغين مسلمًا أم لا بارزة أم لا وأولى أمه (وورثه) إن كان مسلمًا لأنه عمد غير عدوان لا قتل جده أو أخيه أو ابن فلا يكره وإنما هو خلاف الأولى على ما فهم مق قول النص لا بأس بذلك لما غيره خير منه ويحتمل أنه للجواز المستوى (ولم يضمن) باغ (متأول) ولو غنيًّا (أتلف نفسًا) حال بغيه فلا دية عليه (أو مالًا) ثم تاب ورجع لأن الصحابة أهدرت الدماء التي كانت في حروبهم وفهم من قوله أتلف أنه لو كان موجود الردة لربه وهو كذلك ترغيبًا لهم في الرجوع إلى الحق قاله تت وقوله ترغيبًا تعليل لقوله لم يضمن الخ لا لمفهوم أتلف كما يوهمه سياقه (و) الباغي المتأول إن أقام قاضيًا وحكم حكمًا صوابًا (مضى حكم قاضيه) لئلا تضيع الحقوق وكذا ما ثبت عنده ولم يحكم به فيحكم به من بعده من غير قضاة أهل البغي بما ثبت عند قاضيه للعلة المذكورة (وحد إقامة) عطف خاص على عام ونص عليه لعظمة الحد فإن قيل إذا كان حكمه صوابًا فلا يتوهم عدم إمضائه حتى ينص عليه قلت لأنه لما خرج عن طاعة الإِمام ربما يتوهم عدم الاعتداد بما حكم به خصوصًا في الزكوات والحدود التي هي من متعلقات الإِمام (ورد ذمي) خرج على الإِمام (معه) أي مع الباغي المتأول استعان به (لذمته) من غير غرم عليه لما أتلف من نفس أو مال فيوضع
ــ
نقلة طفى ففرض المسألة في البعث بها للآفاق كالكفار (ولا يدعوهم بمال) قول ز بفتح الدال الخ على هذا حمله غ وأما مق فجعله بسكون الدال مضارع دعا فقال أي لا يعطيهم مالًا على الدخول في طاعته لأن خروجهم معصية (ثم رد كغيره) أي كغير المحتاج إليه فإنه يرد وذلك أن الإِمام إذا ظفر بمال لهم فإنه يوقف حتى يرد إليهم كما قاله في النوادر ونحوه
عنه ما يوضع عن المتأول (وضمن) بالباغي (المعاند) وهو غير المتأول (النفس) كلًّا أو بعضًا فيقتص منه (والمال) قائمًا أو فائتًا لظلمه وتسببه في إتلافه من غير عذر (والذمي معه) أي مع الباغي المعاند (ناقض) وهذا كله إن كان خروج المعاند على العدل فإن خرج على غيره فليس بمعاند والذمي معه غير ناقض (والمرأة) المسلمة المتأولة (لمقاتلة) بالسلاح (كالرجل) المتأول فلا تضمن نفسًا ولو قتلت ولا مالًا وأما غير المتأولة مع غير المتأول فكالرجل أيضًا لكن في الجملة لأنها إن أسرت والحرب قائم أو قاتلت بحجارة أو بسلاح ولم تقتل أحدًا في الصورتين فليس للعدل قتلها كما في النوادر وابن شاس وأولى رميها بتراب في وجوه العسكر بخلاف الرجل فإنه يقتل حالة قتاله سواء قاتل بسلاح أو بغيره وكذا بعد أسره وتقدم في باب الجهاد أن المرأة الكافرة إذا قاتلت بالسلاح ولم تقتل أحدًا إنها تقتل ولو بعد الأسر بخلاف هذه هنا فإنها إنما تقتل إن قتلت المعاندة أحدًا ولو بحجر ولو بعد أسرها وأما إن قاتلت بالحجارة فحكمها في البابين واحد.
ــ
في الجواهر ونقله ق عن عبد الملك وبه تعلم ما في ز عن د والله أعلم. (والذمي معه ناقض) محله ما لم يكن المعاند أكرهه على الخروج على الإِمام فلا يكون ناقضًا إذا لم يقاتل فإن قاتل كان ناقضًا لامتناع تعلق الإكراه يفتال من لا يحل قتاله انظر ابن عرفة (والمرأة المقاتلة كالرجل) قول ز أو قاتلت بحجارة أو بسلاح الخ. بل الذي في الجواهر أنها إذا قاتلت بالسلاح فإنها تقتل في حال مقاتلتها ظاهرة وإن لم تقتل أحدًا ونصها الفرع الثاني إذا قاتل النساء مع الرجال بالسلاح فلأهل العدل قتلهن في القتال وإن لم يكن قتالهن إلا بالتحريض ورمي الحجارة فلا يقتلن ولو أسرن وكن يقاتلن قتال الرجال لم يقتلن إلا أن يكون قتلن فيقتلن قال الشيخ أبو محمَّد يريد في غير أهل التأويل اهـ.
ولا يخفى له صريح في قتلها حال القتال إذا قاتلت بالسلاح وإن لم تقتل أحدًا خلاف ما في ز عنه وقول ز أن الرجل يقتل بعد أسره يعني والحرب قائمة وأما إذا انقطعت الحرب وقد أسر فلا يقتل لقولهم ولا يتبع منهزم الخ. انظر ابن عرفة.