الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
184-
مدارك العلوم في العيان
…
محصورة في الحد والبرهان
185-
وقال قوم عند أصحاب النظر
…
حسٌّ وإخبار صحيح والنظر
ــ
الشرح
هذه مسائل مبنية على علم المنطق، والمؤلف رحمه الله أتى بها ملجأ إليها، وإلا فنحن في غنى عن المنطق فالصحابة رضي الله عنهم لم يدرسوا المنطق، ولا عرفوا المنطق، والتابعون كذلك.
والمنطق حدث أخيراً، ولا سيما بعد افتتاح بلاد الفرس والرومان حيث انتشرت كتب الفلاسفة، ولا سيما أنها دعمت بعمل من الخلافة كما فعل المأمون، الذي قال عنه شيخ الإسلام رحمه الله: لا اعتقد أن الله يغفل للمأمون عما صنع بهذه الأمة (1) ، أو كلمة نحوها والعياذ بالله، فقد جر الناس إلى سوء، ودعاهم إلى ضلاله، والله حسيبه.
لكن علم المنطق كتب فيه العلماء رحمهم الله وحذروا منه، وممن كتب في الرد على المنطق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (2)، فقد كتب في الرد عليهم كتابين أحدهما مطول والآخر مختصر؛ المطول: الرد على المنطقيين، والمختصر: نقض المنطق، وهذا الأخير أحسن لطالب العلم؛ لأنه أوضح وأحسن ترتيباً، وقد ذكر رحمه الله في مقدمة كتاب الرد على المنطقيين قال:
(1) انظر بيان تلبيس الجهمية 2/80.
(2)
انظر مجموع الفتاوى 9/82.
((إن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد)) ، فالبليد يبقى ساعات ليحل سطراً مما كتب فيه، والذكي لا يحتاج إليه، وإذا كان الذكي لا يحتاج إليه والبليد لا ينتفع به، إذاً فإن دراسته مضيعة وقت.
وهذا الكلام من شيخ الإسلام يدل على أن أدنى أحواله الكراهة، والعلماء رحمهم الله اختلفوا فيه؛ فمنهم من حرمه ومنهم من قال: ينبغي أن يعلم، ومنهم من فصل، فقال: الإنسان الذي عنده منعة لا يؤثر على عقيدته فإنه ينبغي أن يتعلمه ليحاج به قومه، أي قوم المنطق، ومن لم يكن كذلك فلا يتعلمه لأنه ضلال.
والصحيح أنه لا يتعلمه مطلقاً؛ لأنه مضيعة وقت، لكن إذا اضطر إلى شيء منه فليراجع ما اضطر إليه فقط، ليكون تعلمه إياه كأكل الميتة، يحل للضرورة وبقدر الضرورة، فإذا كان هناك اضطرار أخذ من علم المنطق ما يضطر إليه فقط، أما أن يتوسع ويضيع وقته فيه فلا.
وذلك لأنه ما ادخل علم المنطق على المسلمين إلا البلاء، حتى أوصلهم إلى أن يقولوا على الله ما لا يعلمون، وينكروا على الله ما وصف به نفسه، فالمسألة خطيرة، والله عز وجل نزل الكتاب تبياناً لكل شيء، لا يحتاج الناس إلى شيء بعد كتاب الله، وأمر عند التنازع أن يرد إلى الكتاب والسنة، قال تعالى (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء: الآية59)) .
وقول المؤلف رحمه الله:
مدارك العلوم في العيان
…
محصورة في الحد والبرهان
يعني المؤلف رحمه الله بذلك أن الشيء يدرك بأمرين: حده ودليله؛ الحد في قوله: (في الحد)، والدليل في قوله:(والبرهان) يعني الدليل، فكل المعلومات محصورة في الحد والدليل.
والحد يكون به التصور، والدليل يكون به النفي أو الإثبات، والأسبق الحد، ولهذا يقال الحكم على الشيء فرع عن تصوره تصور أولاً ثم احكم بالإثبات أو بالنفي، وهذا حق لأنني مثلاً لا يمكن أن أقول إن الأمر بالمعروف واجب حتى أعرف ما هو المعروف وما معنى الأمر، فحينئذٍ أقول هو واجب، أما أن يقال لي: الأمر بالمعروف واجب، وأنا لا اعرف معنى الأمر ولا أعرف معنى المعروف، فهذا سبق للشيء قبل أوانه.
وكثير من العلماء - ولا سيما الفقهاء - يحدون الشيء بحكمه، وعلى هذا فيتضمن الحكم الحد، لكن هذا عند المناطقة ممنوع، كما قيل:
وعندهم من جملة المردود أن تدخل الأحكام في الحدود
وقوله: (مدارك العلوم
…
محصورة في الحد والبرهان) هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله؛ أن جميع الأشياء محصورة بالحد والبرهان، وهذا في الأمور المعقولة قد يكون مقبولاً، أي أن نحد أولاً ثم نحكم ثانياً، لكن هناك أشياء لا تتوقف على العقل، بل تعرف بالحس، فإذا قلنا: إن مدارك العلوم محصورة في الحد والبرهان خرج عن هذا جميع المحسوسات، وهذا لاشك أنه نقص، لأننا نعلم بالحس أحياناً أكثر مما نعلم بالعقل، والحس يشترك في العلم به عامة الناس وخاصة الناس، والعقل لا يشترك فيه إلا من كان ذا عقل وذكاء.
ولهذا قال: (وقال قوم) وهذا قول ثان (عند أصحاب النظر) أي من أصحاب النظر (حس وإخبار صحيح والنظر) أي قال قوم من العلماء رحمهم الله: إن مدارك العلوم ثلاثة: الحس، والخبر الصحيح، والنظر، وهو العقل، يعني أن الأشياء تدرك بواحدة من هذه الأمور الثلاثة.
الحس: وهو ما يدرك بإحدى الحواس الخمسة، وهو السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، هذه الحواس ما أدرك بها فهو مدرك بالمحسوس، فإذا أخذت عسلاً فشربته أدركت حلاوته بالذوق، وإذا أخذت طيباً فشممته أدركته بالشم، وإذا رأيت شبحاً فأدركت أنه إنسان فبالبصر، وإذا سمعت صوتاً فأدركت أنه صوت فهو بالسمع، وإذا وقعت يدي على شيء لين فأدركت ليونته فهو باللمس.
هذا لا شك أن كل إنسان يدركه حتى الصبي، بل حتى البهائم، فالبهائم إذا رأت الشيء الأخضر قربت منه على أنه علف، وإذا شمت الشيء فرت منه على أنه سيئ، ولهذا فإنك تقدم لها أحياناً طعاماً له رائحة منتنة، وطعاما بدون رائحة، فتجدها تأكل مما لا رائحة فيه، وتدع الذي فيه الرائحة المنتنة، كما أنك تشاهد البقرة وهي من أبلد البهائم تنفض العلف بفمها وتأخذ الشيء الطيب، كما تختار أنت التمرة الطيبة من التمر، فهذا الإدراك بالحس متفق عليه بين جميع المدركين من البهائم والآدميين.
والإدراك بالحس أمر يقيني أحياناً، وظني أحياناً؛ فأحيانا تدرك الشيء يقيناً على ما هو عليه، وأحياناً تدركه ظنا، ولذلك يرى الإنسان الشبح البعيد فيظنه رجلاً فإذا دنا منه فإذا هي شجرة ملتفة على بعضها، وأحياناً يرى حيوانا بعيداً فيظنه ذئبا فإذا دنا منه فإذا هو غزال، وأحيانا يرى الشيء متحركا
وهو ساكن، أو ساكنا وهو متحرك.
إذا الإدراك بهذه الأمور الحسية لا يكون يقينياً على كل حال، بل يكون يقينياً وقد يكون ظنياً، وذلك حسب القوة والقرب.
والإدراك الثاني: هو الإخبار الصحيح، فالإخبار الصحيح مما تدرك به العلوم، فنحن لم نعلم عما مضى من الأمم والرسل إلا عن طريق الخبر الصحيح، قال الله تعالى:(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ)(إبراهيم: الآية9)) ، فالذي أعلمنا هذا هو الله عز وجل، وكذلك الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي دلنا أن هناك ثلاثة من بني إسرائيل انطبق علهم الغار، وتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم هو النبي صلى الله عليه وسلم في الخبر الصحيح (1) .
والثالث: النظر، والنظر يعني العقل، ولهذا يقال: أدلة نظرية، وأدلة أثرية، فالنظرية هي ما يدرك بالعقل، لأن في الاستدلال بالعقل ينظر الإنسان ثم يحكم، والأثرية ما اثر من الكتاب والسنة.
وهذا القول أصح لكن هذا القول اخرج الحد، كأنه يقول: لا ضرورة للحد، كل أحد يعرف الإنسان، ولو سألت: ما هو الإنسان؟ كان الجواب عند القوم الأولين أن يقولوا: الإنسان حيوان ناطق، أما هؤلاء فيقولون: الإنسان، هو الإنسان، هذا معروف بالحس.
أما أولئك فيقولون: الإنسان حيوان ناطق؛ حيوان لأن فيه حياة، ناطق لأن هذا هو الفصل المميز بينه وبين بقية الحيوانات؛ لأن كل الحيوانات بهيم
(1) رواه البخاري كتاب البيوع، باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه
…
، رقم (2215) .
لأنها لا تنطق، لكنها مع ذلك فيما بينها تنطق وتعرف، حتى معنى الصوت، حتى إن الذكور إذا احتاجت الإناث أو بالعكس فلها نغمة غير نغمتها التي تحتاج إلى الطعام، حتى إن الهرة إذا نادت أولادها لها نغمة غير النغمة الأخرى، لأنها تنطق بكلام يفهم، ولذلك تجدها إذا وجدت طعاماً ثم نادت أولادها بصوت خاص اجتمعوا عليها.
وكذلك الديك فإن له مناطق، فهو يؤذن وهذا معروف، ويقطقط إذا رأى هراً أو شيئا يستنكره، وهذا معناه احتجاج، وكذلك يدعو غيره إذا رأى حبة، فبعض الديكة عندها إيثار عظيم، فلو كان جائعاً جدا ثم رأى حبة فإنه ينادي الدجاج، ونداؤه للدجاج بنغمة خاصة.
ومعنى ذلك أن كل شيء له منطق لكن نحن لا نفهمه، قال الله عز وجل:(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)(الإسراء: الآية44)) .
والمهم أن أصحاب القول الثاني يقولون: لا حاجة للحد لأن الأمور معروفة، لأنك ربما لو حددت شيئا على حسب قواعد المنطق جعلته خفياً على الناس، فأيهما أوضح: أن تقول: الإنسان بشر، أو تقول: الإنسان حيوان ناطق؟ ، لا شك أن الأول أوضح وأبين.
فالحاصل أن هؤلاء يقولون: لا حاجة للحد؛ لأن الأمور معروفة إما بالحس وإما بالأخبار الصحيحة أو بالنظر.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
186-
فالحد وهو أصل كل علم
…
وصف محيط كاشف فأفتهم
187-
وشرطه طرد وعكس وهو إن
…
أنبا عن الذوات فالتام استبن
188-
وإن يكن بالجنس ثم الخاصه
…
فذاك رسم فافهم المحاصه
ــ
الشرح
قوله: (فالحد) بدأ المؤلف بتعريف الحد تفريعاً على القول الأول، فقال:(فالحد وهو أصل كل علم) لكن قوله وهو أصل كل علم، فيه نظر، فمن الذي قال إنه أصل كل علم؟ بل من قال إن العلوم تفتقر إليه؟ ، لأن القول الثاني الذي ذكره يقول: إن الحد لا نفتقر إليه، فكيف نقول إنه أصل كل علم.
ولهذا تجد هؤلاء القوم الذين يرون هذا يتعبون في صياغة الحد، فيأتي بجملة، ثم يأتي آخر فيقول: هذه غير جامعة، ومعنى غير جامعة أنه يخرج منها بعض الأفراد، ويأتي آخر بحد فيقول الثاني: غير مانع، ومعنى غير مانع أنه يدخل فيه ما ليس منه، فتجدهم يتعبون في صياغة الحدود، مع أنها أمر واضح، فنحن نقول: إن الحد لا شك أنه يبين في بعض الأحيان، ويوضح، لكن ليس لنا أن ندعي أنه أصل كل علم.
فالحد (وصف محيط كاشف فأفتهم) وهذا تعريف الحد: (وصف محيط) أي جامع، (كاشف) يعني مانع، فلابد أن يكون جامعاً مانعاً، هذا هو الحد.
فإذا قلت: ما هي الطهارة؟ فالطاهرة على الرأي الثاني هي: أن يتنظف
الإنسان مما ينبغي أن يتنظف منه، وعلى الرأي الأول، فالطهارة هي: ارتفاع الحدث وما في معناه وزوال الخبث. فارتفاع الحدث وما في معناه، أي ما في معنى ارتفاع الحدث لا ما في معنى الحدث.
فتجد أن هذا ربما لايفهمه إلا القليل، لكن إذا قلت: الطهارة التنظف مما ينبغي التنظف منه إن كان حدثاً أو خبثاً، كان التعريف واضحاً، لكن الأول جامع مانع في الواقع، لكن فيه صعوبة في صياغته وفي فهمه.
وقوله رحمه الله: (وشرطه) أي شرط صحته (طرد وعكس) يعني يشترط أن يكون مطردا منعكساً، مطرداً: يعني الجامع، منعكساً: يعني المانع، يعني يشترط أن يكون مطرداً تدخل فيه جميع الأفراد، ومنعكساً يخرج منه ما ليس منه.
فلو قيل لك: ما هو الإنسان؟ فقلت: الإنسان جثة ذو روح، فالحد هنا غير صحيح؛ لأنه غير مانع فيدخل فيه البعير، لأن البعير جثة ذو روح، وإذا قال آخر: الإنسان جثة ذو روح طبيب، فالحد أيضاً غير جامع، لأنه ليس كل إنسان طبيباً، فيخرج منه بعض الناس وهو من ليس بالطبيب، فيكون هذا لم يجمع الناس كلهم، فهو غير مطرد؛ لأنه غير جامع، فلابد في الحد أن يكون مطرداً منعكساً.
وكذلك لو قلنا: عضو الهيئة رجل يأمر الناس بالمعروف وينهى عن المنكر، فهذا الحد غير صحيح، لأنه غير مانع، فإنه يدخل فيه من ليس من أعضاء الهيئة، حيث يدخل فيه كل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكروهو من غير أعضاء الهيئة، أما إذا قلت: رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
بتكليف من السلطان، فهذا صحيح؛ لأنه جامع ومانع.
وإذا قلنا: رجل الهيئة رجل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، مكلف من ذي السلطان، عليه شماغ. فهذا الحد غير صحيح لأنه غير جامع، لأن بعضهم ليس عليه شماغ.
إذاً الجامع: الشامل لجميع المحدود، والمانع: هو ما يمنع دخول غير المحدود فيه.
فإذا عرفنا الطهارة بأنها إزالة الخبث، كان هذا الحد غير جامع؛ لأنه لا يدخل فيه الطهارة من الحدث.
وإذا قلنا: الطهارة هي ارتفاع الحدث الواجب رفعه وزوال الخبث. كان هذا الحد غير جامع؛ لأنه يخرج بذلك الطهارة المسنونة.
فالمهم أن الحد لابد أن يكون جامعاً مانعاً، فانظر هذه التعقيدات، ونحن يمكننا أن نسلم من هذا ونقول: المحدودات معروفة، لكن مع ذلك يقولون: لا يمكن أن تدرك المعلوم إلا بمعرفة حده أولاً، ثم الدليل وهو البرهان الذي يقتضي إثباته أو نفيه، فالدليل هنا صحيح؛ فلابد من دليل يثبت الشيء أو ينفيه، لكن كوننا لا ندرك المعلومات إلا بهذا ففيه نظر.
ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة هو القول الثاني: إن مدارك العلوم التي تدرك بها العلوم ثلاثة: الحس، والإخبار الصحيح، والعقل.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وهو إن أنبا عن الذوات فالتام استبن) بعد أن عرف المؤلف رحمه الله الحد وذكر شرطه، شرع في ذكر أقسام الحد وهي كما يلي:
أولاً: الحقيقي التام وهو ما أنبأ عن الذوات، أي عن حقيقة الذات، فإذا
أنبأ عن حقيقة الذات مع جنس قريب فهو تام.
مثال ذلك: الإنسان حيوان ناطق، هذا أنبأ عن حقيقة الإنسان أنه حيوان، وأنه ناطق، والجنس هنا قريب.
ويوضح ذلك أن كلمة حيوان لو وضع بدلاً منها جثة فقلنا: الإنسان جثة ناطقة، صح. لكن جثة أبعد عن الإنسانية من حيوان، لأن الجثة تشمل الحيوان الذي فيه الروح، والذي ليس فيه الروح، فهي جنس بعيد وحيوان جنس قريب:، فإذا كان الجنس قريباً مع ذكر الفصل فإن هذا يكون حداً تاماً، ويسمونه حداً حقيقياً تاماً.
ثانياً: الحقيقي الناقص، وهو الذي ينبئ عن الحقيقة بجنس بعيد، وذلك مثل قولنا: الإنسان جثة ناطقة، فهذا حد ناقص؛ لأنه أنبأ عن الذات بجنس بعيد، وهذا هو النوع الثاني للحد.
وإن يكن بالجنس ثم الخاصه فذاك رسم فافهم المحاصه
ثالثاً: الرسمي التام وهو ما كان بالجنس القريب والخاصة، والخاصة أي ما يختص به الإنسان ولكنه ليس فصلاً.
مثال ذلك أن تقول الإنسان حيوان ضاحك، فوصف ضاحك لا يلازم الإنسان كما يلازمه ناطق، لكنهم يقولون - وقد لا نسلم لهم -: إنه من خصائص الإنسان، وإنه لا يضحك إلا الإنسان. فهي من خصائصه لكن ليست من لوازمه؛ أما النطق فمن لوازمه، حيث الأصل أنه ناطق، لكن ليس الضحك من لوازمه؛ لأن الأصل أنه غير ضاحك، لأن الضحك له سبب فيكون هذا للجنس ثم الخاصة وهذا يسمونه حداً بالرسم، وليس حقيقياً.
رابعاً: الرسمي الناقص وهو ما كان بالجنس البعيد والخاصة مثل: الإنسان جثة ضاحك.
إذاً إذا كان الحد ينبئ عن الذات فهو الحقيقي، ثم إن كان بجنس قريب فهو التام، وإن كان بجنس بعيد فهو الناقص، وما أنبأ عن الخصائص فهذا الرسم، ويكون تاماً إن كان بجنس قريب، وناقصاً إن كان بجنس بعيد.
خامساً: الحد بالأظهر، والحد بالأظهر يسمى حداً لفظياً، ومعناه أن تفسر الكلمة بما هو أوضح منها عند المخاطبة.
مثال ذلك: ((العيش)) عندنا هو القمح، فإذا كنت تخاطب أحداً من بلد آخر كسوريا أو مصر أو العراق، فمعنى ((العيش)) عنده الخبر، فإذا أردت أن تعرِّف له العيش فإنك تقول: البر، فيكون البر تعريفاً ((للعيش)) عندنا باللفظ، أي إنك أتيت بمرادف أظهر.
وكذلك إذا سأل سائل فقال: ماهو الهر؟ فقلنا (البَسّ) . يكون هذا تعريفاً لفظياً لا معنوياً؛ لأن المعنى لم يتغير، بل المعنى هو نفسه، لكن أتينا بلفظ مرادف أظهر، ويسمى هذا تعريفاً لفظياً.
واشتهر عند العامة كسر كلمة ((بِسْ)) ، والصواب أن تقول:((بَسْ)) بفتح الباء، كما جاء في القاموس (1)، قال: البس: الهر أو القط.
إذاً صار الحد ينقسم إلى خمسة أقسام، هي: حقيقي تام، هو الذي ينبئ من الذات مع الجنس القريب والفاصل، مثاله: الإنسان حيوان ناطق، وحقيقي ناقص، وهو الذي ينبئ عن الذات مع الجنس البعيد والفاصل، مثل
(1) انظر القاموس، ص 51
أن تقول: الإنسان جثة ناطقة، ورسمي تام، وهو الذي ينبئ عن الذات مع الجنس القريب ولا يذكر معه الفاصل وإنما يذكر معه الخصائص. مثاله الإنسان حيوان ضاحك، ورسمي ناقص، وهو الذي ينبئ عن الذات مع الجنس البعيد ولا يذكر معه الفاصل وإنما يذكر معه الخصائص، مثاله: الإنسان جثة ضاحك، ولفظي، وهو أن يفسره بكلمة أظهر عند المخاطب.
وفي ذلك قال رحمه الله:
............. وهو إن
…
أنبا عن الذوات فالتام استبن
وإن يكن بالجنس ثم الخاصه
…
فذاك رسم فافهم المحاصه
إذاً المؤلف رحمه الله لم يستوعب الأقسام الخمسة، وإنما أتى بقسمين فقط: الأول: الحقيقي التام، والثاني: الرسمي التام؛ الجنس - يعني الجنس القريب - ثم الخاصة.
وقوله: (فافهم المحاصه) ، المحاصة معناها المقاسمة، بمعنى أن يأخذ كل واحد من الشريكين حصته، أي افهم المحاصة بين الرسمي وبين الحقيقي، وقد جاء به هنا لتكميل البيت، وإلا فلسنا بحاجة إليه.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
189-
وكل معلوم بحص وحجى
…
فنكره جهل قبيح في الهجا
ــ
الشرح
يقول رحمه الله هنا: إن كل شيء معلوم بالحس أو بالعقل فإن إنكاره جهل قبيح، ويسمى مثل هذا الإنكار مكابرة.
وهذا يرد به على السوفسطائية، وهم الذين ينكرون الحقائق والمحسوسات، ويقولون: كل شيء فهو شك، وقال بعضهم: جزمك بأن كل شيء فهو شك، هو أيضاً شك، فإذا قلت: أنا أشك، قلنا: وهذا شك، إذا قلت: أنا اشك بأني أشك. قلنا أيضاً: وهذا شك، وهلم جرا؛. فهؤلاء ينكرون حتى الحقائق، حتى إنه يكلمك ويخاطبك، ويقول: أنا لا ادري هل أنا أنت أو أنت أنا؟! وهذا موجود، ويقال: إنهم إذا أرادوا النوم جميعاً ربطوا في رجل كل واحد خيطاً يخالف خيط الآخر، حتى إذا صحا لا يغلط، ويظن نفسه رفيقه، وهذا شيء عجيب، ويذكر عنهم أشياء عجيبة غير ذلك.
فنقول: هؤلاء لا شك قالوا قولاً قبيحاً؛ لأن هذا يؤدي إلى أن يشكوا حتى في الله، وفي السموات، وفي الأرضين، حتى في كل شيء، وهو كذلك، فهم يشكون في كل شيء، ثم إن بعضهم يقول: ما دمت جزمت بالشك فأنا شاك به، وحينئذٍ لا يمكن أن أصل إلى يقين أبداً.
وكذلك الذي ينكر ما ثبت بالعقل، فإذا قيل له: كل حادث فلابد له من محدث، قال: لا أسلم بهذا، فنقول له: من القبيح أن تنكر شيئاً معلوماً
بالضرورة من العقل، ويعتبر هذا منه مكابرة، وموقفنا من المكابر الإعراض عنه وتركه، قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ)(يونس: 96)(وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ)(يونس: 97) ، فنتركه حتى إذا جاءه الأجل عرف، لأن المكابر لا تستطيع أن تقنعه إطلاقاً، إن أتيته بدليل أنكره، أمكنه الإنكار، أو حرفه إن لم يمكنه الإنكار، فكيف تصنع مع هذا؟!.
ولذلك فنحن نقول: إن الذين ينكرون المحسوسات جهال، وجهلهم قبيح، والذين ينكرون العقليات التي ليست وهميات أيضاً جهال؛ وجهلهم قبيح.
وقد قلت: العقليات الصريحة دون الوهميات؛ لئلا يحتج علينا المعتزلة والأشاعرة والجهمية وغيرهم، الذين سلكوا تحكيم العقل في الأمور الغيبية، حتى في صفات الله، حيث قالوا: لا نقبل إلا ما أملت علينا عقولنا.
فنقول: هذه العقول التي زعمتموها هي عقول وهمية وخيالات لا أصل لها؛ لأن العقل الصريح لا يمكن أن يناقض النقل الصحيح من الكتاب والسنة أبداً، وهذه قاعدة مطردة.
ومعنى قولنا: العقل الصريح أي الخالص من دائين عظيمين، وهما: الشبهة، والشهوة، ولا أعني شهوة الفرج بل أعني شهوة الإرادة، فالشبهة ألا يكون عنده علم، والشهوة ألا يكون له إرادة صالحة؛ لأن كل الانحرافات عن الحق لا تخرج عن أحد هذين السببيين، وهما الشبهة والشهوة؛ فإما جهل وإما سوء إرادة؛ لذا يقول المؤلف رحمه الله:(فنكره جهل قبيح في الهجا) يعني بالتتبع نجد أن إنكاره جهل قبيح. 0
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
190-
فإن يقم بنفسه فجوهر
…
أو لا فذاك عرض مفتقر
ــ
الشرح
يعني بذلك رحمه الله أن كل الموجودات بل كل المعلومات لا تخلوا من حالين: إما شيء قائم بنفسه، وإما شيء قائم بغيره.
ومن مصطلحاتهم: أن القائم بنفسه يسمى جوهراً - وليس المقصود بالجوهر الذي هو نوع من الزينة، بل الجوهر أي القائم بنفسه، فجسم الإنسان جوهر، والشمس جوهر، والقمر جوهر، وكل شيء قائم بنفسه يمكن أن نسميه جوهراً.
ثم قال رحمه الله: (أو لا) ؛ يعني لا يقوم بنفسه بل بغيره (فذاك عرض) سواءً كان لازماً أم طارئاً، وعلى هذا فالطول والقصر واللون والقوة والضعف وما أشبه ذلك تسمى عرضاً، ففلان جوهر، وكونه طويلاً أو قصيراً عرض، والباب جوهر، وكونه احمر أو أبيض أو أسود هذا عرض.
فلو قال قائل: ما الفائدة من معرفتنا لهذه الأمور؟
فنقول: ليس فيه فائدة؛ ولكن كما قلنا: لما أدخل المتكلمون هذه المسائل وهذه البحوث في عقائدهم اضطر علماء أهل السنة إلى أن يتدخلوا في الموضوع لئلا يبقى الميدان خالياً من أهل الحق.
وقوله رحمه الله: (فذاك عرض مفتقر) أي مفتقر لغيره لأنه لا يقوم بنفسه، وأنت بمجرد أن يقال لك طول أو قصر، تعرف أنه عرض قائم بغيره؛ لأنه ليس هناك شيء يسمى طويلاً وشيء آخر يسمى قصيراً.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
191-
والجسم ما ألف من جزأين
…
فصاعداً فاترك حديث المين
ــ
الشرح
ذكر المؤلف رحمه الله تعريف الجسم فقال: (والجسم ما ألف من جزئين فصاعدا) يعني أن الجسم كل شيء مؤلف من جزئين أو أكثر، والواقع أن كل شيء 0 وإن صغر - مؤلف من جزئين، حتى نصل إلى شيء كرأس الإبرة، وهو الفرد المطلق، والناس مختلفون في وجود الفرد المطلق. هل هو ممكن أو لا؟ ويقال: إنه ما من شيء إلا ويمكن أن يتجزأ. ولمزيد علم في ذلك يمكن الرجوع في وقتنا هذا إلى علماء الذرة، فهم الذين يعرفون هذه الأشياء، وما يمكن أن يشطر وما لا يمكن أن يشطر.
فعند المناطقة أن الجسم كل شيء مؤلف من جزئين، أما المعاني فهي غير مؤلفة من جزئين، وكذلك الصفات غير مؤلفة من جزئين، فلا تكون أجساماً، لكن الله قادر على أن يجعل هذه الأوصاف والمعاني أجساماً، فالأعمال يوم القيامة تجعل أجساماً وتوزن، والموت يكون كبشاً ويذبح بين الجنة والنار، مع أن الموت معنى.
وقد أدى القول بان الجسم ما ألف من جزئين إلى إنكار الصفات، قالوا: لأننا إذا أثبتنا الصفات والصفات لا تقوم إلا بجسم، والجسم مؤلف من جزئين، فيكون الرب عز وجل مؤلفاً من جزئين، وهذا ممتنع.
وقد بينا فيما سبق أنه لا يجوز إطلاق لفظ الجسم نفياً ولا إثباتاً، فلا نقول: إن الله جسم ولا ليس بجسم؛ لأن ذلك لم يرد في الكتاب والسنة لا نفيه ولا إثباته، لكن يستفصل في المعنى، فإن أردت بالجسم الشيء المركب من أعضاء وأجزاء فهذا شيء ممنوع، وإن أردت بالجسم الشيء القائم بنفسه المتصف بما يليق به فهذا حق، فإن الله تعالى قائم بنفسه متصف بما يليق به.
ثم قال رحمه الله: (فاترك حديث المين) وحديث المين: يعني حديث الكذب.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
192-
ومستحيل الذات غير ممكن
…
وضده ما جاز فاسمع زَكَني
ــ
الشرح
هنا بدأ بالمستحيل والجائز وينبغي أن يضاف الواجب أيضاً، والمستحيل ما لا يمكن وجوده، والجائز ما يمكن وجوده وعدمه، والواجب ما لا يمكن عدمه، والموجودات إما من قبيل الجائز أو من قبيل الواجب أو من قبيل المستحيل.
ونرجع في استحالة الشيء وعدمه قطعاً إلى الشرع؛ أي إلى الكتاب والسنة، فيما يتعلق بالشرعيات، وإلى الواقع وأهل الخبر فيما سوى ذلك، وإلا لأمكن كل واحد أن يقول: هذا مستحيل، كما قال أهل التعطيل: إن الله مستحيل أن يكون له وجه، ومستحيل أن يكون له يد، ومستحيل أن يكون له عين، وما أشبه ذلك.
لكن الكلام على الواقع، فالمستحيل غير ممكن، والواجب غير ممكن عدمه، والجائز ما أمكن وجوده وعدمه.
ولنضرب لهذا أمثلة: فوجود إله مع الله مستحيل ولا شك، وعدم الله مستحيل، ووجود الله واجب، ووجود الآدمي جائز؛ لأن الله تعالى جائز أن يخلق الآدميين وجائز ألا يخلق، وتعذيب الله سبحانه وتعالى للطائع ممتنع وإن كان يمكن أن يقع، لكنه ممتنع شرعاً، وممتنع عقلاً من وجه آخر، ممتنع شرعاً لأن الله تعالى أخبر أنه لا يظلم أحداً، وتعذيب الطائع ظلم، قال الله تعالى:(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً)
(طه: الآية112) إذاً فهو مستحيل شرعاً، وهو مستحيل عقلاً بالنسبة لله عز وجل؛ لأن الله منزه عن الظلم لذاته. فإن قال قائل: إنه جاء في الحديث: ((إن الله لو عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم)) (1)، وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لن يدخل أحد الجنة بعمله)) قالوا: ولا أنت؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)) (2) . قلنا لا إشكال، أما الأول: فمعناه أن الله لو عذب أهل سمواته وأرضه لعذبهم وهم مستحقون للعذاب، وهو غير ظالم، وهم إنما يستحقون متى خالفوا؛ بترك الطاعة أو بفعل المعصية.
وأما الثاني: فالباء في قوله: ((بعمله)) للمعاوضة، يعني لو رجعنا إلى التعويض لم يدخل أحد الجنة؛ لأن الإنسان لو حُوسب على أدنى نعمة من الله لهلك، لكن برحمة الله سبحانه وتعالى.
(1) رواه أبو داود، كتاب السنة، باب في القدر، رقم (4699) ، ووابن ماجه، كتاب المقدمة، باب في القدر، رقم (77) .
(2)
تقدم تخريجه ص 345.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
193-
والضد والخلاف والنقيض
…
والمثل والغيران مستفيض
ــ
الشرح
يقول رحمه الله: إن العلم بهذه الأشياء مستفيض، لكن لا حاجة لنا به وإن كان مستفيضاً، وهي:
الأول: الضد، ضد الشيء هو الذي لا يمكن أن يجتمع معه، لكن يمكن أن يعدما جميعاً، يعني لا يجتمعان ويجوز أن يرتفعا، وهذا هو الضد.
مثال ذلك: اللون الأبيض والأسود، فهذان ضدان، يعني لا يمكن أن يكون شيء أبيض أسود، لكنهما يرتفعان فيمكن أن يكون الشيء أحمر، فكل شيئين لا يجتمعان ولكنهما يرتفعان؛ أي يجوز ارتفاعهما فإنهما يسميان ضدين.
الثاني: الخلاف: الخلافان هما اللذان يجتمعان ويرتفعان، ولكن كل واحد منهما غير الثاني، حيث يعني غيران يجتمعان ويرتفعان.
مثاله: الحركة والبياض هذان خلافان؛ لأن كل واحد منهما يخالف الآخر، ولكنهما يجتمعان ويرتفعان، فقد يكون الشيء لا متحركاً ولا أبيض يعني ساكناً أسود، وقد يكون متحركاً أسود، وقد يكون أبيض ساكناً إذاً يجتمعان من كل وجه، ويرتفعان من كل وجه، وحقيقتهما غير متماثلة لأنهما خلافان.
الثالث: النقيض: ونقيض الشيء ما لا يجتمع معه لكن لا يرتفعان، فلابد
من وجود أحدهما، فالنقيضان ما لا يجتمعان ولا يرتفعان، بل لابد من وجود أحدهما.
مثاله: الوجود والعدم: فهما نقيضان لأن المعدوم غير موجود، والموجود غير معدوم.
ولا يمكن أن يجتمعا، وكذلك لا يمكن أن يرتفعا، فلا يمكن أن يكون الشيء لا موجوداً ولا معدوماً، بل لابد أن يكون إما موجوداً وإما معدوماً.
ومثل ذلك: الحركة والسكون، فهما نقيضان؛ لأنهما لا يجتمعان ولا يرتفعان، لأنه ما من شيء إلا وهو متحرك أو ساكن ولابد.
الرابع: المثل: أي المثلان، والمثلان هما شيء واحد فلا يصح أن نقول: إنهما متغايران، كالجلوس والقعود مثلاً، فالجلوس والقعود شيء واحد، هذا إذا أريد بالقعود قعود الإنسان بجسمه، أما إذا أريد بالقعود التأخر مثل قوله تعالى:(وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)(التوبة: الآية46)) ، فهذا غير هذا.
والخامس: الغيران: وهما اللذان أحدهما غر الآخر، وهذا يشمل كل ما سبق، يعني الغيران تشمل الضد والخلاف والنقيض، وأما المثل فليس غير المثل بل هو المثل.
وقوله: (مستفيض) أي معلوم مشهور عند علماء المنطق، ولكن كما سبق فنحن لا نستفيد من هذا، وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال: كنت أعلم دائماً أن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد (1)
(1) انظر مجموع الفتاوى 9/82
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
194-
وكل هذا علمه محقق
…
فلم نطل فيه ولم ننمق
195-
والحمد لله على التوفيق
…
لمنهج الحق على التحقيق
ــ
الشرح
قوله: (وكل هذا علمه محقق) عند أهل المنطق (فلم نطل فيه ولم ننمق) وفي قوله: (ولم ننمقُ) رفع الفعل مراعاة للروي، وإلا كان الواجب أن يقول: ولم ننمقِ، أو ولم ننمقْ، لكن لا بأس، لأن النظم كما قال الحريري في الملحة: صلف يعسف الناس ولا يعسفونه، وقد قال:
وجائز في صنعة الشعر الصلف أن يصرف الشاعر ما لا ينصرف
وقوله: (فلم نطل فيه ولم ننمق)، يعني رحمه الله: أننا ما اطلنا فيه، ولا نمقنا، ولا حسنّا، ولا زينّا.
ثم حمد الله عز وجل على إكمال هذه المنظومة فقال:
والحمد لله على التوفيق
…
لمنهج الحق على التحقيق
لأن من وفقه الله لمنهج الحق فقد انعم عليه نعمة كبيرة، لأن الهداية - مع أن أكثر أهل الأرض على ضلال - نعمة الله، ونجاة من الله سبحانه وتعالى ينجي بها العبد، فيستحق عز وجل أن يحمد عليها.
وقوله: (على التحقيق) يعني أن هذا المنهج - وهو منهج أهل السنة والجماعة وهو منهج التحقيق، وليس ما يدعيه أهل الكلام، وذلك لأن أهل
الكلام إذا أرادوا أن يتكلموا قالوا: قال أهل التحقيق، أو: اجمع أهل التحقيق، وهذا دعوى، فالتحقيق هو محاولة الوصول إلى الحق، ولا نعلم أحداً يحاول الوصول إلى الحق وهو أقرب إلى الحق من أهل السنة والجماعة.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
196-
مسلماً لمقتضى الحديث
…
والنص في القديم والحديث
197-
لا أعتني بقول غير السلف
…
موافقاً أئمتي وسلفي
ــ
الشرح
قوله: (مسلماً) يعني حال كونه مسلماً، (لمقتضى الحديث) أي لما يقتضيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم، و (والنص) يعني القرآن، (في القديم) أي في الزمان القديم، (والحديث) يعني الزمان الحديث، ولا يخفى ما في هذا البيت من الجناس، وهو اتفاق اللفظين مع اختلاف المعنى، لأن قوله:(الحديث) في الشطر الأول يعني الحديث النبوي، وقوله:(الحديث) في الشطر الثاني يعني الجديد ضد القديم.
وقد يقول قائل: لماذا قدم المؤلف رحمه الله الحديث على النص وهو القرآن، مع أن القرآن أشرف؟ فنقول: إنه يجوز تقديم غير الأشرف على الأشرف لمراعاة نسق الكلام، وانظر إلى موسى وهارون، فمع أن موسى أشرف، وهو يقدم بالذكر، لكن في سورة طه قال تعالى:(بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى)(طه: الآية70)) ، وذلك لأجل أن تتناسب هذه الآية مع الآيات الأخرى.
ثم قال المؤلف:
لا اعتني بقول غير السلف
…
موافقًا أئمتي وسلفي
يعني لا أهتم بقول غير السلف، حال كوني موافقاً أئمتي وسلفي، وهذا تحدث بنعمة الله عز وجل عليه، وليس من باب الفخر والعلو.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
198-
ولست في قولي بذا مقلداً
…
إلا النبي المصطفى مبدي الهدى
ــ
الشرح
يعني لا أقلد فيما ذهبت إليه إلا محمداً صلى الله عليه وسلم، وفهم من كلامه انه يجوز أن يسمى إتباع النبي صلى الله عليه وسلم تقليداً، وهذا مختلف فيه؛ فمنهم من يقول: لا تسم نفسك مقلداً للرسول، ولكن سم نفسك متبعاً للرسول.
ولا شك أن هذا هو الأولى؛ لأن الأصل في التقليد قبول قول القائل بدون دليل، وقبولنا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم قبول بدليل، ولهذا ينبغي أن نسمي ذلك اتباعاً، كما قال تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران: الآية31)) ، وقال:(فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(الأعراف: الآية 158) .
لكن لا بأس أن نتسامح ونقول من باب التجوز: إن هذا تقليد.
وقوله: (إلا النبي المصطفى) يعني بذلك محمداً صلى الله عليه وسلم، والمصطفى اسم مفعول من الصفوة، وأصلح المصتفى، ولكن قلبت التاء طاءً لعلة تصريفية، والمصطفى: يعني الذي اصطفاه الله عز وجل وجعله من صفوة خلقه.
وقوله: (مبدي الهدى) أي مظهره، قال الله تعالى:(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(الشورى: الآية52))
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
199-
صلى عليه الله ما قطر نزل
…
وما تعانى ذكره من الأزل
ــ
الشرح
قوله رحمه الله: (صلى عليه الله) الصلاة من الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يعني ثناءه عليه في الملأ الأعلى.
وقوله: (ما قطر نزل) يعني مدة نزول القطر، والذي يحصي نزول القطر هو الله عز وجل، يعني صلى الله عليه صلوات كثيرة كثيرة كقطرات المطر.
وقوله: (وما تعانى ذكره من الأزل) يعني وأصلي عليه أيضاً ما تعانى - وفي بعض النسخ تعالى - ذكره من الأزل، يعني ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، (من الأزل) أي من الماضي القديم، وتعانى من الاعتناء، والمهم أنه يصلي عليه - جزاه الله خيرا - بهذا القدر الكثير الذي لا يحصى، وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم أهل لذلك.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
200-
وما انجلى بهديه الديجور
…
وراقت الأوقات والدهور
ــ
الشرح
قوله: (وما انجلى بهديه الديجور) أي الظلام، وما أكثر ما انجلى الظلام بهدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وما أكثر المتبعين له الذين اهتدوا بهديه صلى الله عليه وسلم، واستناروا بنوره.
قوله: (وراقت الأوقات والدهور) أي صارت رائقة محبوبة، والمراد بذلك تكثير الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم أهل لذلك، فصلوات الله وسلامه عليه.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
201-
وآله وصحبه أهل الوفا
…
معادن التقوى وينبوع الصفا
ــ
الشرح
قوله رحمه الله: (وآله) عطفاً على قوله (صلى عليه الله) ، يعني وصلى على أهله وصحبه، وآله إذا لم يقترن معها شيء فأصح الأقوال أنهم أتباعه على دينه.
وأما (صحبه) فهم أصحابه، والصحابي: من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مؤمناً به ومات على ذلك، ويشمل أي اجتماع سواء كان طويلاً أو قصيراً.
وقوله: (أهل الوفا) يعني أصحاب الوفا، فإنه لا أحد من أتباع الأنبياء أوفى من صحابة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا هجروا أوطانهم، وتركوا أموالهم إلى الله ورسوله، ونصروا الله ورسوله، وجاهدوا في الله حتى فتح الله بهم قلوباً غلفاً، وآذاناً صماً، وفتحوا البلاد وأنجوا العباد وصار لهم من المكانة ما ليس لغيرهم من أتباع الرسل.
قوله: (معادن التقوى وينبوع الصفا) يعني أنهم معادن التقوى، والمعادن جمع معدن، وهو ما يكون في الأرض من غير جنسها، مما خبأته الأرض من أطايب العناصر؛ كالذهب والفضة وما أشبه ذلك، هؤلاء هم معادن التقوى، أي تقوى الله عز وجل.
قوله: (وينبوع الصفا) ينبوع: يعني الماء النابع من الأرض، والصفا: من الصفوة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم هم صفوة هذه الأمة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
202-
وتابعً وتابعٍ للتابع
…
خير الورى حقًا بنص الشارع
ــ
يلونهم)) (1)
الشرح
قوله (تابع) : أي تابع للصحابة، (وتابعٍ للتابع) : أي تابع التابعين، وهذه هي القرون المفضلة، ولهذا قال:(خير الورى حقًا)، حقاً: مفعول مطلق لعامل محذوف، والتقدير أُحِقُّ ذلك حقا وأثبته إثباتاً، (بنص الشارع) وهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويطلق على الله أيضاً، قال الله تعالى:(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً)(الشورى: الآية13)) ، وقال تعالى:(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ)(الجاثية: الآية18)) ، والرسول صلى الله عليه وسلم شارع يشرع للناس ويبين لهم الطريق، فقد نص صلى الله عليه وسلم على أن خير الناس قرنه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم (2) .
(1) تقدم تخريجه ص 59.
(2)
تقدم تخريجه ص 59.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
203-
ورحمة الله مع الرضوان
…
والبر والتكريم والإحسان
204-
تهدى مع التبجيل والأنعام
…
مني لمثوى عصمة الإسلام
ــ
الشرح
قوله: (ورحمة الله) مبتدأ، و (تهدى) خبر المبتدأ.
وقوله: (رحمة الله مع الرضوان) أي مع رضاه عز وجل، ورضاه أخص من رحمته؛ لأن رحمته تنقسم إلى قسمين: عامة لجميع الخلق، وخاصة بالمؤمنين، أما الرضا فهو خاص بالمؤمنين، ولا يمكن أن يرضى الله عن الكافرين، ولا عن أعمالهم، فلذلك صار الرضوان أخص.
قوله: (والبر والتكريم والإحسان) ؛ (البر) : الخير الكثير، (والتكريم) أي مِنّا لهم، وإكرامنا إياهم وهم أموات بإكرام آرائهم وأقوالهم، واحترامها، وعدم الاعتراض عليها، والدعاء لهم، وسؤال العفو لهم إذا أخطأوا، وما أشبه ذلك. (والإحسان) أي الإحسان إليهم بالدعاء، وكان المؤمنون يقولون:(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ)(الحشر: الآية10)) .
وقوله رحمه الله: (تهدي مع التبجيل والإنعام) التبجيل: غاية التكريم، (تهدى) أي من المؤلف رحمه الله، (والإنعام منّي) الإنعام: يعني الأفضال، والنعمة هي الفضل.
وقوله: (لمثوى عصمة الإسلام) مثوى عصمة الإسلام هي قبورهم، فكأنه دعا لأهل عصمة الإسلام أن يضع الله في قبورهم الرحمة والرضوان والبر والتكريم والإحسان إلى آخره، وعصمة الإسلام: يعني الذين بهم عصم الإسلام، وهم العلماء الربانيون الذين علموا الحق، وعملوا بالحق، ودعوا إلى الحق، ودافعوا للحق، هؤلاء هم الأئمة رحمة الله عليهم.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
205-
أئمة الدين هداة الأمة
…
أهل التقى من سائر الأئمة
ــ
الشرح
قوله: (أئمة الدين هداة الأمة)، (هداة) : جمع هادٍ، والمراد بالهداية هنا هداية الدلالة والإرشاد، لأنه لا أحد يهدي أحداً هداية توفيق إلا رب العالمين عز وجل.
قوله: (أهل التقى من سائر الأئمة) سائر أي جميع، وسائر تطلق بمعنى جميع، وتطلق بمعنى بعض، فأما إطلاقها بمعنى جميع فهي مشتقة من السؤر لأنه محيط بالبيت، وأما بمعنى باقٍ فهي مشتقة من السؤر وهو بقية شراب الحيوان؛ كسؤر الهرة، وسؤر الإنسان، وما أشبه ذلك.
والمراد المعنى الأول أي من سائر الأئمة، والأئمة: جمع إمام، وهو من تميز بشيء متبوع عليه، وليس كل عالم إماماً، فالعلماء الأجلاء هم الذين تميزوا بالتحقيق والتدقيق والتحرير حتى تبعهم الناس، هؤلاء أئمة، لكن منهم أئمة اشتهروا وانتشرت آراؤهم، وكاد المسلمون يجمعون على أنهم أئمة، ومنهم أئمة دون ذلك.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
206-
لا سيما أحمد والنعمان
…
ومالك محمد الصنوان
ــ
الشرح
قوله: (لا سيما أحمد)، لا سيما: كلمة يؤتى بها لبيان أن ما بعدها أولى مما قبلها، (أحمد) يعني به ابن حنبل، (النعمان) يعني به أبا حنيفة، (مالك) يعني به مالك بن أنس إمام دار الهجرة، (محمد) : يعني به الشافعي، (الصنوان) لأنه رحمه الله كان مطلبياً، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:((إن عم الرجل صنو أبيه)) (1) ، فهو صنوان للرسول عليه الصلاة والسلام، وتراجم هؤلاء الأئمة الأربعة معروفة مشهورة، فلا نطيل بذكرها.
(1) رواه مسلم، كتاب الزكاة، باب في تقديم الزكاة ومنعها، رقم (983) .
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
207-
من لازمٌ لكل أرباب العمل
…
تقليد حبر منهم فاسمع تخل
ــ
الشرح
قوله رحمه الله: (مَن لازم لكل أرباب العمل) من: اسم موصول، ولازم: خبر مقدم، وتقليد مبتدأ مؤخر، يعني من تقليد حبر منهم لازم لكل أرباب العمل، إذاً في العبارة تقديم وتأخير؛ حيث تقدم الخبر على المبتدأ، يعني أنه يلزم لكل إنسان يعمل أن يقلد واحداً من هؤلاء الأربعة، فهذا معنى كلام المؤلف رحمه الله، وهذا قول ضعيف جداً، لأن مقتضاه انه لا يجوز العمل بقول خارج عن أقوال هؤلاء الأئمة الأربعة رحمهم الله، والأمر ليس كذلك، ولا يلزم إتباع أحد على كل حال إلا الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فهو الذي يلزم إتباع قوله على كل حال.
أما هؤلاء الأئمة الأربعة رحمهم الله فإنه لا يلزمنا أن نأخذ بقولهم، ولنا أن نخرج عن أقوالهم.
ولكن لا شك أنهم إذا أطبقوا على شيء فإنه أقرب إلى الصواب، والخروج عنه يحتاج إلى تأن وهذه قاعدة ينبغي أن تعرف، وهي أنك إذا رأيت الجمهور على قول فلا تخرج عنه إلا بعد التأني والتريث والنظر في الأدلة والتدبر فيها؛ لأن قول الجمهور لا يستهان به، وقول الجمهور أقرب للحق من قول الواحد، فلا تفرح أن تجد قولاً غريباً تخرج به أمام الناس، ليصدق قول الناس عليك: خَالِفْ تُعرفْ، وبعض الناس يقول: خَالِفْ تُذْكَر. بل كن مع الجماعة، لكن إذا بان أن الحق في خلاف الجمهور، فالواجب عليك إتباع الحق. إذاً فكلام المؤلف رحمه الله فيه نظر.
وقوله: (تخل)، أي: تخلى من اللوم.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
208-
ومن نحا لسبلهم من الورى
…
ما دارت الأفلاك أو نجم سرى
209-
هدية مني لأرباب السلف
…
مجانباً للخوض من أهل الخلف
ــ
الشرح
قوله رحمه الله: (ومن نحا لسبلهم من الورى) ، (من نحا) ؛ أي من اتجه وأخذ، (لسبلهم) أي طرقهم) ، (من الورى) أي من الخلق.
قوله: (ما دارت الأفلاك أو نجم سرى) يعني مدة دوران الأفلاك، وسريان النجم، والنجم هنا عام يشمل كل نجم، فما أكثر هذا الدعاء الذي ذكره المؤلف رحمه الله، ما دام شاملاً لكل الأفلاك، أو لكل دورة من دورات الأفلاك، وسريان النجم!
قوله: (هدية مني لأرباب السلف)، أي: لأصحاب السلف.
قوله: (مجانباً للخوض من أهل الخلف) لأن هذه العقيدة مبنية على طريق السلف، وإن كان فيها بعض الشيء الذي نبهنا عليه أثناء الشرح به، لكنها في الجملة سلفية محضة.
ثم قال المؤلف رحمه الله تعالى:
210-
خذها هديت واقتف نظامي
…
تفز بما أملت والسلام
ــ
الشرح
يعني أنك إذا أخذتها واتبعت نظامي، أي منظومي فيها، فإنك تفوز بما أمَّلت، (والسلام) . أي: وتفوز بالسلام أي: الأمان من التخليط في الاعتقاد.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين