الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم الخروج إلى البادية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وإمام المتقين نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلم تسليما.
أما بعد:
فهذا جواب ما سأل عنه الأخ من السؤالات، أما (السؤال الأول) فهو: ما حكم الخارج إلى ماله في البادية لأجل إصلاحه، ونيته الرجوع إلى بلده وهل يكون عاصيا أم لا؟
(الجواب) وبالله التوفيق: إن الذي نعتقده، وندين الله به في هذه المسائل وغيرها من أصول الدين وفروعه هو ما عليه سلفنا الصالح وعلماؤنا المحققون من الاعتقاد الصحيح لا نخرج عما قالوه واعتقدوه؛ لأنهم على أصل عظيم، وصراط مستقيم، ومنهج واضح سليم؛ فحسبنا أن نسير على منهاجهم ونقتفي آثارهم، وبالله العصمة والتوفيق.
فأما مسألة الخارج من دار هجرته بعدما نزل لأجل تصليح ماله، ونيته الرجوع إلى بلده هل يكون عاصيا؟
(فالجواب) : هذا الخارج لا يطلق عليه أنه عاصٍ لله، ولا يدخل في حكم الوعيد المرتب على من تعرب بعد الهجرة بل يُحب، ويوالى لأن خروجه ليس معصية؛ فيعامل بما يعامل به من لم يخرج من بلده لأنه من جملة المهاجرين، وليس له نية إلا الرجوع إلى وطنه والهجرة مع إخوانه؛ فلا يحكم عليه بردة، بل ولا بمعصية.
باع بيته وخرج إلى البادية وليس من نيته الرجوع
(وأما المسألة الثانية) : وهي ما حكم الذي باع بيته، وخرج إلى البادية، وليس من نيته الرجوع والسكنى، وهو ثابت على ما هو عليه من الإسلام، والتزام شرائعه ومحبة المسلمين، لكن محبته لصيرورته مع البادية.
(فالجواب) : أن هذا يكون مرتكبا معصية، ومتعربا بعد هجرته، وهو داخل في حكم الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم عن علي -رضي الله- عنه لما عد الكبائر قال: التعرب بعد الهجرة، وفراق الجماعة - يعني جماعة المسلمين -، ونكث الصفقة - يعني نكث بيعة الإمام-؛ فجعل التعرب بعد الهجرة من الكبائر، ولكن لا يكون خروجه وتعربه كفرا ولا ردة، بل هو مسلم عاص يوالى ويحب على ما معه من الإيمان، ويبغض على ما معه من المعصية؛ ولا يعامل بالتعنيف، لأنه بتعربه بعد هجرته لا يدخل في حكم المرتدين، ولا يعامل بما يعامل به المرتد.
باع بيته وخرج إلى البادية ويصدر منه مسبة للدين
(وأما المسألة الثالثة) : وهي ما حكم الذي باع بيته بعد ما نزله، ثم خرج إلى البادية، ومع ذلك يصدر منه مسبة للدين، وأهل الدين، ويفعل أشياء من المكفرات، وقد قامت عليه الحجة ما حكمه؟
(الجواب) : إن هذا إذا كان بهذه الصفة، فهو مرتد قد خرج من الإسلام، ولا ينفعه ما فعله أولا، لأن إقامته عند إخوانه وسماع النصائح والمواعظ وسماع القرآن من أعظم قيام الحجة عليه، لأنه عرف وأنكر. وقد كان سابقا من جملة المسلمين، وإنما رغب عن السكنى، وفعل ما فعل من المسبة وغيرها لخبث في قلبه؛ فهذا يعادى ولا يوالى، ويبغض ولا يحب، وهجره من الواجبات الشرعية إلا إن حصل منه توبة صادقة، فالتوبة تهدم ما قبلها ولا يحال بينه وبين التوبة، والتوبة معروضة، وبابها مفتوح لمن وفقه الله وهداه.
الهجرة وأنواعها
(المسألة الرابعة) : ما يقال في الهجرة من بين ظهراني المشركين من البادية والحاضرة وفضلها؟ وما الواجب منها؟ وما المستحب؟ وهل بين بادية نجد وغيرهم كعنزة والظفير ومن والاهم من بادية الشمال
ومن جنوب، إلى ما لا يخفى على المسؤول؟
الجواب: الهجرة من واجبات الدين، ومن أفضل الأعمال الصالحة، وهي سبب لسلامة دين العبد وحفظ لإيمانه، وهي أقسام: الأول: هجر المحرمات التي حرمها الله في كتابه وحرمها رسوله –صلى الله عليه وسلم على جميع المكلفين وأخبر أن من هجرها فقد هجر ما حرمه الله عليه، وقد أخبر –صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه:"المهاجر من هجر ما نهى الله عنه" 1 وهذا أمر مجمل شامل لجميع المحرمات القولية والفعلية.
(القسم الثاني) : الهجرة من كل بلد تظهر فيها شعائر الشرك وأعلام الكفر، ويعلن فيها بالمحرمات. والمقيم فيها لا يقدر على إظهار دينه والتصريح بالبراءة من المشركين وعداوتهم، ومع هذا يعتقد كفرهم وبطلان ما هم عليه؛ لكن إنما جلس بين ظهرانيهم شحا بالمال والوطن، فهذا عاص ومرتكب محرما، وداخل في حكم الوعيد، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} 2 إلى قوله: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} 3. فلم يعذر الله إلا المستضعف الذي لا يقدر على التخلص من أيدي المشركين، ولو قدر ما عرف سلوك الطريق وهدايته إلى غير ذلك من الأعذار، وقال صلى الله عليه وسلم "من جامع المشرك أو سكن معه فإنه مثله" 4، فلا يقال: إنه بمجرد المجامعة، والمساكنة يكون كافرا بل المراد أن من عجز عن الخروج من بين ظهراني المشركين، وأخرجوه معهم كرها فحكمه حكمهم في القتل، وأخذ المال، لا في الكفر، وأما إن خرج معهم لقتال المسلمين
1 البخاري: الإيمان (10)، والنسائي: الإيمان وشرائعه (4996)، وأبو داود: الجهاد (2481) ، وأحمد (2/192،2/209) .
2 سورة النساء آية: 97.
3 سورة النساء آية: 99.
4 أبو داود: الجهاد (2787) .