الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحريم الربا
(مسألة) في تحريم الربا وما يفعل من المعاملات بين الناس اليوم ليتوصلوا بها إلى الربا، وإذا حل الدين يكون المديون معسرا، فيقلب الدين في معاملة أخرى بزيادة مال، وما يلزم ولاة الأمور في هذا؟ وهل يرد على صاحب المال رأس ماله دون ما زاد في معاملة الربا؟
(الجواب) : المراباة حرام بالكتاب والسنة والإجماع، وقد (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، ولعن المحلل والمحلل له)، قال الترمذي: حديث صحيح؛ فالاثنان ملعونان. وكان أصل الربا في الجاهلية أن الرجل يكون له على الرجل المال المؤجَّل، فإذا حلَّ الأجل قال له: أتقضي أم تربي؟ فإن وفَّاه وإلا زاد هذا في الأجل، وزاد هذا في المال؛ فيتضاعف المال والأصل واحد؛ وهذا الربا حرام بإجماع المسلمين.
وأما إذا كان هذا هو المقصود، ولكن توسلوا بمعاملة أخرى فهذا تنازع فيه المتأخرون من المسلمين، وأما الصحابة فلم يكن فيهم نزاع أن هذا محرم؛ فإنما الأعمال بالنيات، والآثار عنهم بذلك كثيرة مشهورة. والله -تعالى- حرَّم الربا لما فيه من ضرر المحتاجين وأكل المال بالباطل، وهو موجود في المعاملات الربوية. وأما إذا حلَّ الدَّيْن، وكان الغريم معسرا لم يجز بإجماع المسلمين أن يقلب بالقلب لا بمعاملة ولا غيرها، بل يجب إنظاره، وإن كان موسرا، كان عليه الوفاء؛ فلا حاجة إلى القلب لا مع يساره، ولا مع إعساره، والواجب على ولاة الأمور بعد تعزير المتعاملين بالمعاملة الربوية بأن يأمروا المدين أن يؤدي رأس المال، ويسقطوا الزيادة الربوية؛ فإن كان معسرا وله مغلات يوفَّي منها، وُفِّيَ دينه منها بحسب الإمكان، والله أعلم.
المتاجرة بالعملة
(مسألة) فيمن اشترى الفلوس أربعة عشر قرطاسا بدرهم ويصرفها ثلاثة عشر بدرهم، هل يجوز؟
(الجواب) : إذا كان يصرفها للناس بالسعر العام جاز ذلك، وإن اشتراها رخيصة. وأما من باع سلعة بدراهم، فإنه لا يجب عليه أن يقتص عن شيء منها فلوسا إلا باختياره، وكذلك من اشتراها بدراهم فعليه أن يوفيها دراهم؛ فإن تراضيا على التعويض عن الثمن أو بعضه بفلوس بالسعر الواقع، جاز، والله أعلم.
التفاضل في الربوي للحاجة وانتفاء الضرر
(مسألة) في بيع الأكاديس الإفرنجية بالدراهم الإسلامية مع العلم بأن التفاوت بينهما يسير لا يقوم بمؤنة الضرب، بل فضة هذه الدراهم أكثر، هل تجوز المقايضة بينهما أم لا؟
(الجواب) : هذه المقايضة تجوز في أظهر قولي العلماء، والجواز فيه له مأخذان، بل ثلاثة: أحدها: أن هذه الفضة معها نحاس، وتلك فضة خالصة، والفضة المقرونة بالنحاس أقل، فإذا بيع مائة درهم من هذه بسبعين –مثلا- من الدراهم الخالصة، فالفضة التي في المائة أقل من سبعين، فإذا جعل زيادة الفضة بإزاء النحاس جاز على أحد قولي العلماء الذين يجوزون مسألة (مد عجوة) كما هو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين، وهي –أيضا- مذهب مالك وأحمد في المشهور عنه، إذا كان الربوي تبعا لغيره كما إذا باع شاة ذات لبن بلبن، أو دارا مموَّهة بالذهب بذهب، والسيف المحلى بفضة بفضة أو ذهب، ونحو ذلك. والذين منعوا عن مسألة (مد عجوة) وهو بيع الربوي بجنسه إذا كان معهما، أو مع أحدهما من غير جنسه قد علَّله طائفة منهم من أصحاب الشافعي وأحمد بأن الصفقة إذا اشتملت على عوضين
مختلفين انقسم الثمن عليهما بالقيمة، وهذه علة ضيقة؛ فإن الانقسام إذا باع شقصا مشفوعا، وما ليس بمشفوع كالعبد والسيف والثوب إذا كان لا يحل عاد الشريك إلى الأخذ بالشفعة، فأما انقسام الثمن بالقيمة لغير حاجة فلا دليل عليه. والصحيح عند أكثرهم كون ذلك ذريعة إلى الربا، بأن يبيع ألف درهم في كيس بألفي درهم، ويجعل الألف الزائدة في مقابلة الكيس كما يجوِّز ذلك من يجوِّزه من أصحاب أبي حنيفة. والصواب في مثل هذا أنه لا يجوز، لأن المقصود بيع دراهم بدراهم متفاضلة، فمتى كان المقصود ذلك حرم التوسل إليه بكل طريق، فإنما الأعمال بالنيات. وكذلك إذا لم يعلم مقدار الربوي، بل يخرص خرصا مثل القلادة التي بيعت يوم خيبر، وفيها خرز مغلف بذهب فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تباع حتى تُفَصَّل" 1، فإن تلك القلادة لما فصلت كان ذهب الخرز أكثر من ذلك الذهب المفرد فنهى النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- عن بيع هذا بهذا حتى تفصل، لأن الذهب المفرد يجوز أن يكون أنقص من الذهب المقرون؛ فيكون قد باع ذهبا بذهب مثله، وزيادة خرز، وهذا لا يجوز.
وإذا علم المأخذ فإذا كان المقصود بيع دراهم بدراهم مثلها، وكان المفرد أكثر من المخلوط كما في الدراهم الخالصة بالمغشوشة بحيث تكون الزيادة في مقابلة الخلط، لم يكن في هذا من مفسدة الربا شيء، إذ ليس المقصود بيع دراهم بدراهم أكثر منها، ولا هو بما يحتمل أن يكون فيه ذلك؛ فيجوز التفاوت.
(المأخذ الثاني) : مأخذ من يقول يجوز بيع الربوي بالربوي على سبيل التحري والخرص عند الحاجة إلى ذلك إذا تعذر الكيل أو الوزن، كما يقول ذلك مالك والشافعي وأحمد في بيع العرايا بخرصها كما مضت فيه
1 مسلم: المساقاة (1591)، والنسائي: البيوع (4573)، وأبو داود: البيوع (3352) ، وأحمد (6/21) .
السنة في جواز الرطب بالتمر خرصا لأجل الحاجة. ويجوز ذلك في كل الثمار في أحد الأقوال في مذهب أحمد وغيره، وفي الثاني: لا يجوز، وفي الثالث: يجوز في العنب والرطب خاصة، كما يقوله من يقوله من أصحاب الشافعي، وكما يقول نظير ذلك مالك وأصحابه في بيع الموزون على سبيل التحري عند الحاجة، كما يجوز بيع الخبز بالخبز على وجه التحري. وجوَّزوا بيع اللحم باللحم على وجه التحري في السفر، قالوا: لأن الحاجة تدعو إلى ذلك ولا ميزان عندهم؛ فيجوز كما جازت العرايا؛ وفرَّقوا بين ذلك وبين الكيل، فإن الكيل ممكن ولو بالكف. وإذا كانت السنة قد مضت بإقامة التحري والاجتهاد مقام العلم بالكيل أو الوزن عند الحاجة، فمعلوم أن الناس يحتاجون إلى بيع هذه الدراهم المغشوشة بهذه الخالصة، وقد عرفوا مقدار ما فيها من الفضة بإخبار أهل الضرب وإخبار الصيارفة وغيرهم ممن سبك هذه الدراهم، وعرف قدر ما فيها من الفضة، فلم يبق في ذلك جهل مؤثر، بل العلم بذلك أظهر من العلم الخرص أو نحو ذلك.
وهم إنما مقصودهم دراهم بدراهم بقدر نصيبهم، ليس مقصودهم أخذ فضة زائدة، ولو وجدوا من يضرب لهم هذه الدراهم فضة خالصة من غير اختيارهم بحيث تبقى في بلادهم لفعلوا ذلك، وأعطوه أجرته؛ فهم ينتفعون لما يأخذونه من الدراهم الخالصة، ولا يتضررون بذلك، وكذلك أرباب الخالصة إذا أخذوا هذه الدراهم فهم ينتفعون بذلك لا يتضررون. وهذا مأخذ ثالث يبين الجواز، وهو أن الربا إنما حرم لما فيه من أخذ الفضل، وذلك ظلم يضر المعطي، فحرم لما فيه من الضرر، وإذا كان كل من المتقايضين مقايضه أنفع له من كسر دراهمه، وهو إلى ما يأخذه محتاج كان ذلك مصلحة لهما هما يحتاجان
إليها، والمنع من ذلك مضرة عليهما؛ والشارع لا ينهى عن المصالح الراجحة، ويوجب المضرة المرجوحة كما قد عرف ذلك من أصول الشرع. وهذا كما أن من أخذ السفتجة من المقرض، وهو أن يقرضه دراهم يستوفيها منه في بلد آخر، مثل أن يكون المقرض غرضه حمل دراهم إلى بلد آخر، والمقترض له دراهم في ذلك البلد، وهو محتاج إلى دراهم في بلد المقرض، فيقترض منه في بلد دراهم المقرض، ويكتب له سفتجة أي: ورقة إلى بلد فيها دراهم المقترض، فهذا يجوز في أصح قولي العلماء، وقيل: ينهى عنه؛ لأنه قرض جرَّ منفعة والقرض إذا جر منفعة كان ربا. والصحيح الجواز لأن المقترض رأى النفع بأمن خطر الطريق إلى نقل دراهمه إلى ذلك، وقد انتفع المقرض أيضا بالوفاء في ذلك البلد، وأمن خطر الطريق إذا نقل دراهمه إلى بلد دراهم المقترض؛ فكلاهما منتفع بهذا الاقتراض؛ والشارع لا ينهى عما ينفع الناس ويصلحهم ويحتاجون إليه، وإنما ينهى عما يضرهم ويفسدهم، وقد أغناهم الله عنه، والله أعلم.
الأكل بعوض
(مسألة) في جندي له أقطاع، ويجيء عند فلاحيه فيطعمونه، هل يأكل؟
(الجواب) : إذا أكل وأعطاهم عوض ما أكل فلا بأس، والله أعلم.
الأموال المكسوبة من الخمر والحشيش
(مسألة) في الأموال المكسوبة من الخمر والحشيش، هل يأكلها الفقير أو أعوان ولي الأمر؟
(الجواب) : المال المكسوب من الخمر والحشيشة يتصدق به، وإذا تصدق به جاز للفقير أكله، ويجوز أن يعطيه ولي الأمر لأعوانه، والله أعلم.
العمل في المكان المغصوب
(مسألة) : في رجل يطحن في طواحين السلطان يستأجرها، وهو يعلم أن بعضها ما هو غصب، وفي رجل يعمل في زرع السلطان، هل
نصيبه منه حلال أو ما يكسبه الأول من الطاحون؟
(الجواب) : أما الأراضي السلطانية والطواحين السلطانية التي يعلم أنها مغصوبة، فيجوز للإنسان أن يعمل فيها مزارعة بنصيب من الزرع، ويجوز أن يستأجرها، ويجوز أن يعمل فيها بأجرته مع الضامن. وأما إذا علم أنها مغصوبة، ولم يعرف لها مالك معين، فهذه فيها نزاع؛ والأظهر أنه يجوز العمل فيها، إذا كان العامل لا يأخذ إلا أجرة عمله، فإنه حينئذ لا يكون قد ظلم أحدا شيئا. والعمل فيها خير من تعطيلها على كل تقدير، وهذا إن أمكن أن ترد إلى أصحابها وإلا صرفت في مصالح المسلمين، والمجهول كالمعدوم. وأما إذا عرف أن للأرض مالكا معينا، وقد أخذت منه بغير حق، فلا يعمل فيها بغير إذنه، أو إذن وليه، أو وكيله، والله أعلم.
القصاص من السكران
(مسألة) في رجل أمسك رجلا، وقدمه لرجل سكران بيده سيف، فضربه السكران، فقتل. هل يلزم الذي أمسكه (القود) أم لا؟
(الجواب) : يجب القود على هذا الذي أمسكه وقدمه إلى الذي ضربه بالسيف حتى مات في أظهر قولي العلماء، كما هو قول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه، والله أعلم.
صيال البهائم
(مسألة) في راكب فرس مسربة دباب، ومعه دب فجعل الفرس، ورأى راكبه، ثم هرب ورأى رجلا، فمات؟
(الجواب) : لا ضمان على صاحب الفرس، والحال هذه لكن الدباب عليه العقوبة، والله أعلم.
قتل الجماعة بالواحد
(مسألة) في ثلاثة من اللصوص أخذ اثنان منهم مالا، والثالث قتل الجمال هل تقتل الثلاثة؟
(الجواب) إذا كان الثلاثة حرامية اجتمعوا ليأخذوا المال بالمحاربة قتل الثلاثة، وإن كان الذي باشر القتل واحدا منهم، والله أعلم1.
سرق كيل غلة وبذره ولم يعرف مالكه
(مسألة) فيمن سرق كيل غلة وبذره ولم يعرف مالكه، هل يجوز له الزرع كله؟
(الجواب) : أما مقدار الزرع فيتصدق به بلا ريب، وأما الزيادة ففيها نزاع، وأعدل الأقوال أن يجعل ذلك مزارعة، فيأخذ نصيبه، ونصيب البذر يتصدق به عنه، والله أعلم.
اختلاط الحرام بالحلال
(مسألة) في رجل يختلط ماله الحلال بالحرام؟
(الجواب) : يخرج قدر الحرام بالميزان فيدفعه إلى صاحبه، وقدر الحلال حلاله، وإن لم يعرفه أو تعذرت معرفته تصدق به عنه، والله أعلم.
زكاة الإبل
(مسألة) في الرجل له جمال، ويشتري لها أيام الرعي مرعى، هل فيها زكاة؟
(الجواب) : إذا كانت راعية أكثر الحول مثل أن يشتري لها المرعى ثلاثة أشهر أو أربعة فإنه يزكيها، هذا أظهر قولي العلماء.
زكاة الزروع
(مسألة) في مقطع له فلاح، والزرع بينهما مناصفة، فهل عليه عشر؟
(الجواب) : ما ثبت على ملك الإنسان فعليه عشره، فالأرض المقطعة إذا كانت المقاسمة نصفين فعلى الفلاح تعشير نصفه، وعلى المقطع تعشير نصفه، هذا على القول الصحيح الذي عليه عمل المسلمين قديما وحديثا، وهو قول من قال إن المزارعة صحيحة سواء كان البذر من المالك أو من العامل، وأما من قال إن المزارعة باطلة فعنده لا يستحق المقطع إلا أجرة المثل أو الزرع كله
1 أي: إذا كانوا من المشتركين في قطع الطرق، وقتل الناس لأخذ أموالهم، وأما إذا كانوا لصوصا غير قتلة، وانفرد أحدهم بقتل الجمال أو غيره فلا يقتل إلا القاتل.
لرب البذر العامل، وحينئذ فالعشر كله على العامل، فإن أراد المقطع أن يأخذ نصف المغل مقاسمة، ويجعل العشر كله على صاحب النصف الآخر لم يكن له هذا باتفاق العلماء، والله أعلم.
زكاة المال
(مسألة) في رجل تحت يده مال فوق النصاب فأخرج منه شيئا من زكاة الفرض ظنا منه أنه قد حال عليه الحول، ثم تبين أنه لم يحل الحول فيمن يخرج الزكاة، وفي نفسه إذا كان الحول حال فهي زكاة، وإلا تكون سلفا على ما يجب بعد، هل يجزي في الصورتين؟.
(الجواب) : نعم يجب ذلك من الزكاة في الصورتين جميعا إذا وجبت الزكاة، والله أعلم.
بيع الآبق
(مسألة) في مملوك لشخص مسلم مقيم في بلاد التتر، ثم إن المملوك هرب من عند أستاذه من تلك البلاد، وجاء إلى بلاد الشام، وهو في الرق. والآن المملوك يختار البيع، فهل يجوز لأحد أن يبيعه ليحفظ ثمنه لأستاذه، ويوصل ذلك إليه أم لا؟
(الجواب) : نعم يجوز إذا كان في رجوعه إلى تلك البلاد ضرر عليه في دينه أو دنياه، فإنه يباع في هذه البلاد بدون إذن أستاذه، والله أعلم.
مشيئة الله
(مسألة) في أقوام يقولون: المشيئة، مشيئة الله في الماضي والمستقبل. وأقوام يقولون: المشيئة في المستقبل لا في الماضي، ما الصواب؟
(الجواب) : الماضي مضى بمشيئة الله، والمستقبل لا يكون إلا أن يشاء الله؛ فمن قال في الماضي أن الله خلق السماوات -إن شاء الله-، أو أرسل محمدا -إن شاء الله- فقد أخطأ، ومن قال خلق الله السماوات بمشيئة الله وأرسل محمدا بمشيئة الله ونحو ذلك فقد أصاب. ومن قال أنه يكون في الوجود
شيء بدون مشيئة الله فقد أخطأ، ومن قال: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن: فقد أصاب. وكل ما تقدم فقد كان بمشيئة الله قطعا؛ فالله خلق السماوات بمشيئته قطعا، وأرسل محمدا بمشيئته قطعا، والإنسان الموجود خلْق الله بمشيئته قطعا؛ وإن شاء الله أن يغير المخلوق من حال إلى حال فهو قادر على ذلك، فما خلقه فقد كان بمشيئته قطعا، وإن شاء الله أن يغيره غيره بمشيئته قطعا؛ والله أعلم.
التحايل على القصاص والدية
(مسألة) في طائفة تسمى العشير قيس ويمن يكثر القتل بينهم ولا يبالون به، وإذا طلب منهم القاتل أحضروا شخصا غير القاتل يتفقون معه على أن يعترف بالقتل عند ولي الأمر، فإذا اعترف جهزوا إلى المتولي مَنْ يدعي أنه من قرابة المقتول ويقول: أنا قد أبرأت هذا القاتل مما استحقه عليه؛ ويجعلون ذلك ذريعة إلى سفك الدماء وإقامة الفتن، فإذا رأى ولي الأمر وضع دية المقتول الذي لا يعرف قاتله من الطوائف الذين أثبت أسماءهم في الديوان على جميع الطوائف منهم، هل له ذلك أم لا؟ أو رأى وضع ذلك على أهل محلة القاتل كما نقل بعض الأئمة رضي الله عنهم؟ أو رأى تعزير هؤلاء العشير عند إظهارهم الفتن وسفك الدماء والعناد بوضع مال عليهم يؤخذ منهم ليكف نفوسهم العادية عن ذلك كله، فهل ذلك صحيح أم لا؟ وهل يثاب على ذلك؟ أفتونا مأجورين.
(فأجاب) الحنفي عن هذا السؤال بانقسامه على أهل المحلة التي وجد فيها قتيل لم يعرف قاتله، ووضع الدية عليهم دون التعزير بأخذ الأموال.
(وأجاب الشيخ) -أيده الله-: الحمد لله، إذا عرف القاتل فلا توضع الدية على أهل مكان المقتول باتفاق الأئمة، وإذا لم يعرف قاتله لا ببينة ولا إقرار ففي مثل هذا تُشرع القسامة، فإذا كان هناك لوث حلف المدعون
خمسين يمينا عند الجمهور مالك والشافعي وأحمد كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم -في قصة القتيل الذي وجد بخيبر، فإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه. ومذهب أبي حنيفة يحلف المدعى عليهم أولا؛ فإن مذهبه أن اليمين لا تكون إلا في جانب المدعى عليه.
والجمهور يقولون: هي في جنبه أقوى المتداعيين، فأما إذا عرف القاتل، فإن كان قتله لأخذ مال فهو محارب يقتله الإمام حدا، وليس لأحد أن يعفو عنه لا أولياء المقتول ولا غيرهم، وإن قتل لأمر خاص، فهذا أمره إلى أولياء المقتول، فإن عفوا عنه
…
1 وللإمام في مذهب مالك أن يجلده مائة جلدة ويحبسه سنة، فهذا التعزير يُحَصِّلُ المقصود.
وعلى هذا، فإن كان أولياء المقتول قد رضوا بقتل صاحبهم فلا أرغم الله إلا بآنافهم، وإذا قيل: توضع الدية في بعض الصور على أهل المكان مع القسامة، فالدية لورثة المقتول لا لبيت المال، ولم يقل أحد من الأئمة: إن دية المقتول لبيت المال، وكذلك لا توضع الدية بدون قسامة باتفاق الأئمة.
وهؤلاء المعروفون بالفتن والعناد، لولي الأمر أن يمسك منهم مَنْ عرف بذلك فيحبسه، وله أن ينقله إلى أرض أخرى ليكف بذلك عدوانه، وله أن يعزر أيضا مَنْ ظهر الشر منه بما يكف به شره وعدوانه. ففي العقوبات الجارية على سنن العدل والشرع ما يعصم الدماء والأموال، ويغني ولاة الأمور عن وضع جنايات تفسد العباد والبلاد.
ومن اتُّهِمَ بقتلٍ وكان معروفا بالفجور، فلولي الأمر عند طائفة من العلماء أن يعاقبه تعزيرا على فجوره وتقريرا له؛ وبهذا وأمثاله يحصل مقصود السياسة العادلة. والله أعلم.
فائي يأخذ منه رؤساء القرى شيئا يضيفون به المنقطعين وغيرهم
(مسألة) في رجل فائي يأخذ منه رؤساء القرى شيئا يضيفون به
1 هكذا في الأصل، بلا جواب الشرط وهو: سقط القود ووجبت الدية.
المنطعين وغيرهم ويجبون من المساكين والأرامل مالا فيعطونه، هل يكون حلالا أم حراما؟
(الجواب) : إذا اشتروا منهم شيئا وأعطوهم ثمنه من مال يعلمون أنه مغصوب أخذ من أصحابه ظلما، لم يكن لهم أن ينتفعوا به؛ لكن هذا المال إذا اشتروا لهم به ما يطلبونه منهم، لم يكن عليهم منه شيء، إذا كانوا مكرهين على ذلك. فينبغي لمن يتقي أن يظلم وأن يظلم إن اشترى المظلمة بأموالهم ما يطلبونه منه لئلا يظلم غيره، ولا يكون هو مظلوما وهو مكره على هذا العمل. ومع هذا فالمال الذي جمعوه من الناس، وقد تعذر رده على أصحابه إذا أعطوه للفائي عوضا مما أخذوه منه بغير اختياره فهو أحق به ممن يعطاه من غير معاوضة، والظالم في الحقيقة هو الذي أخذ الأموال بغير حق، لا من أخذ عوض ماله من مال لا يعلم له مستحقا معينا، والله أعلم.
(مسألة) في نوبة الوكلاء والشحاني يحفظ الغلال على الفلاحين، هل هي حلال؟
(الجواب) : إذا كان يحفظ الزرع لصاحب الأرض والفلاح، فله أجرته عليها، فإذا كانت المؤونة التي يأخذها من الفلاح بقدر حقه عليه: فلا بأس، والله أعلم
أخذ الزكاة ممن ليس عنده نصاب
(مسألة) في قرية بها فلاحون، وهي نصفان: أحد فلاحي النصفين له غنم تجب فيها الزكاة؛ والنصف الآخر ليس لفلاحيه غنم قدر ما تجب فيه الزكاة؛ فألزم الإمام أهل القرية بزكاة الغنم على الفلاحين، فهل تجب على من له النصاب؛ وإذا وجبت عليه فهل يجوز للإمام أن يأخذ ممن ليس له نصاب؟
(الجواب) : تجب إن كان المطلوب هو مقدار ما فرضه الله على من تجب عليه الزكاة اختصوا بأدائه، وإن كان المطلوب فوق الواجب على سبيل الظلم، اشترك فيه الجميع بحسب أموالهم. والله أعلم.
سامري ضرب مسلما وشتمه
(مسألة) في سامري ضرب مسلما وشتمه.
(الجواب) تجب عقوبته عقوبة بليغة تردعه وأمثاله، والله أعلم.
رجل استأجر قطع أرض وقف وغرس فيها غراسا ومضت مدة الاستئجار
(مسألة) في رجل استأجر قطع أرض وقف وغرس فيها غراسا، وأثمر؛ ومضت مدة الاستئجار، فأراد نظار الوقف قلع الغراس، فهل لهم ذلك، أو أجرة المثل، وهل يثاب ولي الأمر على مساعدته؟
(الجواب) : ليس لأهل الأرض قلع الغراس بل لهم المطالبة بأجرة المثل، أو تملك الغراس بقيمته، أو ضمان نقصه إذا قلع. وما دام باقيا فعلى صاحبه أجرة مثله، وعلى ولي الأمر منع الظالم من ظلمه، والله أعلم.
حديثمن شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه)
(مسألة) في قوله عليه السلام: "من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاقتلوه" 1 هل لهذا الحديث أصل؟ ومَنْ رواه؟
(الجواب) : نعم له أصل، وهو مروي من وجوه متعددة، وهو ثابت عند أهل الحديث؛ لكن أكثر العلماء يقولون: هو منسوخ، وتنازعوا في ناسخه على عدة أقاويل: ومنهم من يقول: بل حكمه باق، وقيل: بل الوجوب منسوخ، والجواز باقٍ، وقد رواه أحمد والترمذي وغيرهما ورواه ابن ماجه، ولا أعلم أحدا قدح فيه.2 والله أعلم.
1 أبو داود: الحدود (4485) .
2 لعله يريد الحديث المروي بهذا المعنى عن عدة من الصحابة. وأما اللفظ الذي سئل عنه فقد رواه أحمد والحارث بن أبي أسامة من طريق الحسن البصري عن عبد الله بن عمرو، وأعلوه بأن الحسن لم يسمع من عبد الله بن عمرو.
هل يصح للشريك شفعة
(مسألة) في رجل له ملك وله شركة فيه فاحتاج إلى بيعه، فأعطاه إنسان فيه شيئا معلوما فباعه، فقال: زن لي ما قلت فنقصه بغير المثل، فهل يصح للشريك شفعة أم لا؟ وهل يصح شفعة أم لا؟
(الجواب) : إذا باعه بثمن معلوم كان على المشتري أداء ذلك الثمن، وإن كان البيع فاسدا قد فات كان عليه قيمة مثله. وإذا كان الشقص مشفوعا فللشريك فيه الشفعة، والله أعلم.
أكرهها زوجها على إبرائه من الصداق
(مسألة) في بنت يتيمة تحت الحجر مزوجة، قال لها الزوج: أبرئيني من صداقك وأنت طالق ثلاثا، فمن شدة الضرب والفزع وهبته. ثم رجعت فندمت، هل لها أن ترجع ولا يحنثان أم لا؟
(الجواب) : إذا أكرهها على الهبة أو كانت تحت الحجر لم تصح الهبة، ولم يقع الطلاق، والله أعلم.
زُوجت بإذنها وإذن أخيها وسنها اثنتا عشرة سنة
(مسألة) في بنت يتيمة ليس لها أب، ولا لها وليٌّ إلا أخوها وسنها اثنتا عشرة سنة، ولم تبلغ الحلم، وعقد عليها أخوها بإذنها فهل يجوز ذلك أم لا؟
(الجواب) : بل هذا العقد صحيح في مذهب أحمد المنصوص عنه في أكثر أجوبته الذي عليه عامة أصحابه، ومذهب أبي حنيفة أيضا؛ لكن أحمد في المشهور عنه يقول: إذا زوجت بإذنها وإذن أخيها لم يكن لها الخيار إذا بلغت. وأبو حنيفة، وأحمد في رواية يقول: تُزَوَّجُ بلا إذنها، ولا لها الخيار إذا بلغت، وهذا أحد القولين في مذهب مالك أيضا؛ ثم عنه رواية: إن دعت حاجة إلى نكاحها، ومثلها يوطأ جاز، وقيل: تزوج ولها الخيار إذا بلغت، وقال ابن بشر: اتفق المتأخرون أنه يجوز نكاحها إذا خيف عليها
الفساد.
والقول الثالث: وهو قول الشافعي وأحمد في رواية، ومالك في الرواية الأخرى أنها لا تُزوَّجُ حتى تبلغ إذا لم يكن لها أب وجد؛ قالوا: لأنه ليس لها ولي مجبر، وهي في نفسها الإذن لها بعد البلوغ، فتعذر تزويجها بإذنها وإذن وليها. والقول الأول أصح بدلالة الكتاب والسنة والاعتبار؛ فإن الله تعالى يقول:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَاّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً} 1.
وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن هذه الآية نزلت في اليتيمة تكون في حِجر وليها، فإن كان لها مال وجمال تزوجها، ولم يُقْسِط في صداقها، وإن لم يكن لها مال لم يتزوجها، فنهي أن يتزوجها حتى يقسط في صداقها من أجل رغبته عن نكاحها إذا لم يكن لها مال.
وقوله: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} 2 يفتيكم ويفتيكم في المستضعفين، فقد أخبرت عائشة في هذا الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم أن هذه الآية نزلت في اليتيمة تكون في حجر وليها، وأن الله أذن له في تزويجها إذا أقسط في صداقها، وقد أخبر أنها في حجره، فدل على أنها محجور عليها.
وأيضا فقد ثبت في السنن من حديث أبي موسى وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تنكح اليتيمة حتى تستأذن، فإن سكتت فقد أذنت، وإن أبت فلا جواز عليها" 3 فجَوَّز تزويجها بإذنها، ومنعه بدون إذنها، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"لا يُتْمَ بعد احتلامٍ" 4 ولو أريد باليتيم ما بعد البلوغ فبطريق المجاز؛ فلا بد أن يعم ما قبل البلوغ وما بعده، أما تخصيص لفظ يتيم بما بعد البلوغ فلا
1 سورة النساء آية: 127.
2 سورة النساء آية: 127.
3 النسائي: النكاح (3270)، وأبو داود: النكاح (2093) ، وأحمد (2/259،2/475) .
4 أبو داود: الوصايا (2873) .
يحتمله اللفظ بحال
ولأن الصغير المميز يصح لفظه مع إذن وليه، كما يصح إحرامه بالحج بإذن الولي، وكما يصح تصرفه في البيع وغيره بإذن وليه عند أكثر العلماء كما دل ذلك القرآن بقوله:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} 1 الآية، فأمر بالابتلاء قبل البلوغ وذلك قد لا يتأتى إلا بالبيع، ولا تصح وصيته وتدبيره عند الجمهور وكذلك إسلامه، كما يصح صومه وصلاته وغير ذلك لما له في ذلك من المنفعة، فإذا زوجها الولي بإذنها من كفء جاز، وكان هذا تصرفا بإذنها، وهو مصلحة لها، وكل واحد من هذين مُصَحح لتصرف المميز. والله أعلم.
سألها الهبة ثم طلقها هل لها الرجوع في الهبة
(مسألة) في رجل طلق زوجته وسألها الصلح فصالحها وكتب لها دينارين، فقال لها: هبيني الدينار الواحد فوهبته؛ ثم طلقها. فهل لها الرجوع في الهبة -والحال هذه-؟
(الجواب) : نعم لها أن ترجع فيما وهبته -والحال هذه-؛ فإنه سألها الهبة، وطلقها مع ذلك، وهي لم تطب نفسها أن يأخذ مالها بسؤالها ويطلقها. والله أعلم.
الوكالة في قبض الدين والإبراء منه
(مسألة) في رجل وَكَّلَ رجلا على قبض ديون له، ثم صرفه وطالبه لما بقي عليه، ثم إن الوكيل المتصرف كتب مبارأة بينه وبين من عليه الدين بغير أمر الموكل، فهل يصح الإبراء؟
(الجواب) : إن لم يكن في وكالته إثبات ما يقتضي أنه مأذون له في الإبراء، لم يصح إبراؤه من دين هو ثابت للموكل، وإن كان أقر بالإبراء قبل إقراره فيما هو وكيل فيه، كالتوكيل بالقبض إذا أقر بذلك، والله أعلم.
التسوية بين الأبناء في العطايا
(مسألة) في رجل ترك أولادا ذكورا وإناثا وتزوجوا (؟) الإناث قبل
1 سورة النساء آية: 6.
موت أبيهم فأخذوا (؟) الجهاز جملة كثيرة، ثم لما مات الرجل لم يرث الذكورإلا شيئا يسيرا، فهل على البنات أن يتحاصوهم (؟) والذكور في الميراث والذين معهم أم لا؟ 1.
(الجواب) : يجب على الرجل أن يسوي بين أولاده في العطية، ولا يجوز أن يفضل بعضا على بعض كما أمر النبي –صلى الله عليه وسلم بذلك حيث نهى عن الجور في التفضيل، وأمر برده. فإن فعل ومات قبل العدل، كان الواجب على مَنْ فُضِّلَ أن يتبع العدل بينه وبين إخوته، فيقتسمون جميع المال الأول والآخر على كتاب الله –تعالى- للذكر مثل حظ الأنثيين، والله أعلم.
حلف بالطلاق ما بقي يشارك رجلا
(مسألة) في رجل حلف بالطلاق ما بقي يشارك رجلا، وهو شريكه، فقال له رجل: قل: إن شاء الله، فقال، فهل إذا استمر على شركته يحنث؟
(الجواب) لا يقع به طلاق، والحالة هذه، والله أعلم.
تفضيل إحدى الزوجتين على الأخرى
(مسألة) في رجل له امرأتان ويفضل الواحدة على الأخرى في النفقة وسائر الحقوق، حتى أنه هجرها. فما يجب عليه؟
(الجواب) : يجب أن يعدل بين المرأتين، وليس له أن يفضل إحداهما في القَسْمِ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما أكثر من الأخرى جاء يوم القيامة وشقه مائل"2. وإن لم يعدل بينهما، فإما أن يمسكها بمعروف، وإما أن يسرح بإحسان، والله أعلم.
1 يظهر أن هذه المسألة كتبت بأغلاطها كما وردت من بعض العامة ونحن لم نصححها لكثرتها مع أننا نصحح غيرها من الغلط القطعي لاعتقادنا أنه من خطأ النساخ ولكن وضعنا بجانبها علامة الاستفهام (؟) .
2 الترمذي: النكاح (1141)، والنسائي: عشرة النساء (3942)، وأبو داود: النكاح (2133)، وابن ماجه: النكاح (1969) ، وأحمد (2/347،2/471)، والدارمي: النكاح (2206) .
وضع يده على الأرض وادعى أنه استأجرها وذلك بغير طريق شرعي
(مسألة) فيمن استأجر أرض وقف من الناظر على الوقف النظر الشرعي ثلاثين سنة بأجرة المثل، وأثبت الإجارة عند حاكم من الحكام، وأنشأ عمارة، وعَرَّشَ في المكان مدة أربع سنين ثم سافر، والمكان في إجارته؛ وغاب إحدى عشرة سنة. فلما حضر وجد بعض الناس قد وضع يده على الأرض، وادعى أنه استأجرها، وذلك بغير طريق شرعي، فهل له نزع هذا الثاني وطلبه بتفاوت الأجرة؟
(الجواب) : إن كان الثاني قد استأجر المكان مِنْ غير مَنْ له ولاية الإيجار، واستأجره مع بقاء إجارة صحيحة عليه، فالإجارة باطلة، ويده بدعائه مستحقة للرفع والإزالة. وإذا كان الثاني استأجرها وتسلمها، وهي في إجارة الأول، فالأول مخير: بين أن يفسخ الإجارة، وتسقط عنه الإجارة من حين الفسخ، ويطالب أهل المكان بالإجارة لهذا الثاني المتولي عليه يطلبون منه أجرة المثل، إن كانت الإجارة فاسدة، وإن كانت صحيحة طالبوه بالمشي، وبين إن وصى الإجارة ويعطى أهل المكان أجرتهم، ويطالب الغاصب بأجرة المثل من حين استيلائه على ما استأجره.
مما يقدح في عدالة الرجال ومروءتهم
(مسألة) في رجل مقبول القول عند الحكام يخرج للفرجة في الزهر في مواسم الفرج حيث يكون مجمع الناس، ويرى المنكر ولا يقدر على إزالته، ويُخرج امرأته أيضا معه هل يجوز ذلك وهل يقدح في عدالته؟
(الجواب) : ليس للإنسان أن يحضر الأماكن التي يشهد فيها المنكرات ولا يمكنه الإنكار، إلا لموجب شرعي، مثل أن يكون هناك لما يحتاج إليه لمصلحة دينه أو دنياه لا بد فيه من حضوره، أو يكون مكرها. فأما حضوره لمجرد الفرجة وإحضاره امرأته تشاهد ذلك، فهذا مما يقدح
في عدالته ومروءته، إذا أصر عليه، والله أعلم.
العاقد للأنكحة بولي وشاهدي عدل، هل للحاكم منعه
(مسألة) فيمن يعقد عقود الأنكحة بولي وشاهديْ عدل، هل للحاكم منعه؟
(الجواب) : ليس للحاكم أن يمنع المذكور أن يتوكل للولي فيعقد العقد على الوجه الشرعي، لكن من لا ولي لها لا تزوج إلا بإذن السلطان، وهو الحاكم، والله أعلم.
إيقاع الحلف بالطلاق ثلاثا مرة واحدة
(مسألة) في رجل عنده طرق من الفروع يفتي من حلف بالطلاق الثلاث بواحدة، وربما يقول: لا شيء عليه، فهل ينكر عليه ويمنع من ذلك؟
(الجواب) أما المفتي المذكور فينظر فيما يفتي به فإن كان يفتي بما يسوغ فيه الاجتهاد لم ينكر عليه، وإن خالف الإجماع أنكر عليه، وكذلك إن خالف نصا من الكتاب أو السنة أنكر عليه. وقد تنازع العلماء فيمن حلف ليفعلن شيئا، أو لا يفعله بالطلاق أو العتاق أو الظهار أو الحرام أو صدقة المال، إذا حنث فقال بعضهم: يلزمه ما حلف به، وقال بعضهم: لا شيء عليه، وقال بعضهم: تلزمه كفارة يمين، وأما إن أوقع الثلاث بكلام واحد أو طلقها في الحيض، فهذا فيه نزاع بين السلف والخلف.
طعام الزواج وطعام العزاء وطعام الختان وطعام الولادة.
(مسألة) في طعام الزواج وطعام العزاء وطعام الختان وطعام الولادة؟
(الجواب) : أما وليمة العرس فهي سنة، والإجابة إليها مأمور بها. وأما وليمة الموت فبدعة مكروه فعلها والإجابة إليها. وأما وليمة الختان فهي جائزة، من شاء فعلها، ومن شاء تركها، وكذلك وليمة الولادة إلا أن يكون قد عق عن الولد؛ فإن العقيقة عنه سنة؛ والله أعلم.
الاستيلاء على أرض الغير بغير وجه حق
(مسألة) في رجل له أرض ملك، وهي بيده ثلاثون سنة، فجاء
رجل جذ زرعه منها ثم زرعها في ثاني سنة، فما يجب عليه؟
(الجواب) : ليس لأحد أن يستولي عليه بغير حق؛ بل له أن يطالب من زرعه في ملكه بأجرة المثل، وله أن يأخذ الزرع إذا كان قائما ويعطيه نفقته، والله أعلم.
تزوج امرأة بكرا ثم ادعى أنها كانت ثيبا
(مسألة) في امرأة بكر تزوجها رجل ودخل بها، ثم ادعى أنها كانت ثيبا، وتحاكما إلى حاكم، فأرسل معها امرأتين فوجدوها كانت بكرا، فأنكر ونكل عن المهر، فما يجب عليه؟
(الجواب) : ليس له ذلك، بل عليه كمال المهر، كما قال زرارة، وقضى الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون: أن من أغلق الباب وأرخى الستر، فقد وجبت عليه العدة والمهر، والله أعلم.
زيادة الإيجار في نهاية مدة العقد
(مسألة) في رجل أجر رجلا عقارا مدة، وفي أواخر المدة زاد رجل في أجرتها، فأجره، فعارضه المستأجر الأول، وقال: هذه في إجارتي، هل له ذلك؟
(الجواب) : إذا كان قد أجر المدة التي تكون بعد إجارة الأول، لم يكن للأول اعتراض عليه في ذلك، والله أعلم.
ضمان الأجير المشترك
(مسألة) فيمن كان له ذهب مخيط في ثوبه فأعطاه للغسال نسيانا، فلما رده الغسال إليه بعد غسله، وجد مكان الذهب مفتقا ولم يجده، فما الحكم فيه؟
(الجواب) : إما أن يحلف المدعى عليه بما يبرئه، وإما أن يحلف المدعي أنه أخذ الذهب بغير حق ويضمنه، فإن كان الغسال معروفا بالفجور، وظهرت الريبة بظهور الفتق، جاز ضربه وتقريره، والله أعلم.
ضمان الشيء المستعار
(مسألة) في رجلين عند أمير، فقال الأمير لأحدهما: اطلب لي سيف رفيقك على سبيل العارية، فأجاب، فأخذه الأمير، فعدم عنده، هل تلزم المطالبة للأمير أو للرسول الذي استعاره؟
(الجواب) : إذا كان الرسول لم يكذب ولم يتعد، فلا ضمان عليه، بل الضمان على المستعير إن كان فرط، أو اعتدى باتفاق العلماء، وإلا ففي ضمانه نزاع، والله أعلم.
ضرب غيره فعطل منفعة أصبعه
(مسألة) فيمن ضرب غيره فعطل منفعة أصبعه؟
(الجواب) : إذا تعطلت منفعة أصبعه بالجناية التي اعتدى فيها وجبت دية الإصبع، وهي عشر الدية الكاملة، والله أعلم.
الرجوع في الشهادة
(مسألة) في شهود شهدوا بما أوجب الحد، ولما شَخَصَ قالوا: غلطنا، ورجعوا، فهل يقبل رجوعهم؟
(الجواب) : نعم إذا رجع عن شهادته قبل الحكم بها لم يحكم بها، وإذا كان يعلم أنه قد غلط وجب عليه أن يرجع، ولا يقدح ذلك في دينه ولا في عدالته، والله أعلم.
القول بأن الخير من الله والشر من أنفسنا
(مسألة) فيمن يقول: الخير من الله، والشر من أنفسنا؟
(الجواب) : مذهب أهل السنة والجماعة: أن الله خالق كل شيء، وربه ومليكه، لا رب غيره، ولا خالق سواه، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم. والعبد مأمور بطاعة الله وطاعة رسوله، منهي عن معصية الله ومعصية رسوله؛ فإن أطاع كان ذلك نعمة من الله أنعم بها عليه، وكان له الأجر والثواب بفضل الله ورحمته، وإن عصى كان مستحقا للذم والعقاب، وكان لله عليه الحجة البالغة، ولا حجة
لأحد على الله.
وكل ذلك كائن بقضاء الله وقدره ومشيئته وقدرته، لأنه يحب الطاعة ويأمر بها، ويثيب أهلها ويكرمهم، ويبغض المعصية وينهى عنها، ويعاقب أهلها ويهينهم. وما يصيب العبد من النعم فالله أنعم بها عليه، وما يصيبه من الشر فبذنوبه ومعصيته، كما قال تعالى:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} 1 أي: ما أصابك من خصب ونصر وهدًى فالله أنعم به عليك، وما أصابك من جدب وذل وشر فبذنوبك وخطاياك.
وكل الأشياء كائنة بمشيئة الله وقدرته وخلقه، فلا بد أن يؤمن بقضاء الله وقدره خيره وشره وحلوه ومره، وأن يؤمن بشرع الله وأمره. فمن نظر إلى الحقيقة القدرية وأعرض عن الأمر والنهي والوعد والوعيد كان مشابها للمشركين، ومن نظر إلى الأمر والنهي وكذب بالقضاء والقدر كان مشابها للمجوس، ومن آمن بهذا وبهذا: فإذا أحسن حمد الله، وإذا أساء استغفر الله، وعلم إن ذلك كله بقضاء الله وقدره: فهو من المؤمنين.
فإن آدم –عليه السلام لما أذنب تاب فاجتباه ربه وهدى، وإبليس أصر واحتج بالقدر فلعنه الله وأقصاه. فمن تاب كان آدميا، ومن أصر واحتج بالقدر كان إبليسيا. فالسعداء يتبعون أباهم آدم، والأشقياء يتبعون عدوهم إبليس. فنسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا آمين.
1 سورة النساء آية: 79.