الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أغلق عليها. قال العيني: والظاهر أن المراد أن المرأة بعد موت زوجها لا يتعرض لها فإن جميع ما في بيته لها وإن لم يشهد لها زوجها بذلك، وإنما يحتاح إلى الإشهاد والإقرار إذا علم أنه تزوّجها فقيرة وأن ما في بيتها من متاع الرجال وبه قال مالك انتهى.
(وقال الحسن) البصري مما لم يقف عليه الحافظ ابن حجر مطولاً (إذا قال لمملوكه عند الموت
كنت أعتقتك جاز) وعتق وخالفه الجمهور فقالوا لا يعتق إلا من الثلث. (وقال الشعبي): عامر بن شراحيل (إذا قالت المرأة عند موتها إن زوجي قضاني) أدّاني حقي (وقبضت) ذلك (منه جاز) إقرارها.
(وقال بعض الناس): قيل المراد السادة الحنفية (لا يجوز إقراره) أي المريض لبعض الورثة السوء الظن به) أي بهذا الإقرار (للورثة) ولأبي ذر عن الحموي بسوء الموحدة بدل اللام. قال العيني: لم يعلل الحنفية عدم جواز إقرار المريض لبعض الورثة بهذه العبارة بل لأنه ضرر لبقية الورثة، ومذهب المالكية كأبي حنيفة إذا اتهم وهو اختيار الروياني من الشافعية والأظهر عندهم أنه يقبل مطلقًا كالأجنبي لعموم أدلة الإقرار لأنه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكذوب ويتوب فيها الفاجر فالظاهر أنه لا يقر إلا بتحقيق (ثم استحسن) أي بعض الناس (فقال: يجوز إقراره) أي المريض (بالوديعة والبضاعة والمضاربة) والفرق بين هذه والدين أن مبني الإقرار بالدين على اللزوم ومبني الإقرار بهذه على الأمانة وبين اللزوم والأمانة فرق ظاهر قاله العيني.
(وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم)(إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) أي أكذب في الحديث من غيره
لأن الصدق والكذب يوصف بهما القول لا الظن وهذا طرف من حديث وصله المؤلّف في الأدب وساقه هنا لقصد الردّ على من أساء الظن بالمريض فمنع تصرّفه وهذا مبني على تعليل بعض الناس بسوء الظن وقد علّلوا بخلافه كما مر (ولا يحل مال المسلمين) أي المقر لهم من الورثة (لقول النبي صلى الله عليه وسلم) السابق موصولاً في كتاب الإيمان من حديث أبي هريرة (آية المنافق إذا ائتمن خان).
قال الكرماني فإن قلت: ما وجه دلالته عليه؟ قلت: إذا وجب ترك الخيانة وجب الإقرار بما عليه فإذا أقرّ فلا بدّ من اعتبار إقراره وإلاّ لم يكن لإيجاب الإقرار فائدة.
(وقال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} [النساء: 58] فلم يخصّ وارثًا ولا غيره) أي لم يفرّق بين الوارث وغيره في ترك الخيانة ووجوب أداء الأمانة إليه فيصح الإقرار للوارث أو غيره قاله الكرماني، ونازع العيني البخاري في الاستدلال بهذه الآية لما ذكره بأنه على تقدير تسليم اشتغال ذمّة المريض بشيء في نفس الأمر لا يكون إلاّ دينًا مضمونًا فلا يطلق عليه الأمانة قال فلا يصح الاستدلال بالآية الكريمة على ذلك على أن يكون الدين في ذمته (فيه) أي في قوله آية المنافق إذا ائتمن خان (عبد الله بن عمرو) بفتح العين (عن النبي صلى الله عليه وسلم) ولفظه "أربع من كنّ فيه كان منافقًا خالصًا" وفيه "وإذا ائتمن خان" وقد سبق في كتاب الإيمان.
2749 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ أَبُو سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» .
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن داود أبو الربيع) الزهراني العتكي قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الزرقي مولاهم المدني قال: (حدّثنا نافع بن مالك بن عامر أبو سهيل) بضم السين مصغرًا الأصبحي (عن أبيه) مالك (عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم) أنه (قال):
(آية)(المنافق) أي علامته (ثلاث) فإن قلت: القياس جمع آية ليطابق ثلاث. أجيب: بأن الثلاث اسم جمع ولفظه مفرد على أن التقدير آية المنافق معدودة بالثلاث، وسقط لفظ ثلاث لأبي ذر (إذا حدّث) في كل شيء (كذب وإذا ائتمن) أمانة (خان) فيها (وإذا وعد) بخير في المستقبل (أخلف) فلم يفِ.
9 - باب تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]
وَيُذْكَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ. وَقَوْلِهِ عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] فَأَدَاءُ الأَمَانَةِ أَحَقُّ مِنْ تَطَوُّعِ الْوَصِيَّةِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا
صَدَقَةَ إِلَاّ عَنْ ظَهْرِ غِنًى». وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يُوصِي الْعَبْدُ إِلَاّ بِإِذْنِ أَهْلِهِ. وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ» .
وهذا الحديث قد سبق في كتاب الإيمان. (باب تأويل قول الله) ولأبي ذر قوله تعالى ({من بعد وصية} توصون) ولأبي ذر يوصي ({بها أو دين}) أي بيان المراد بتقديم الوصية في الذكر على الدين مع أن الدين هو المقدم في الأداء. قال ابن كثير: أجمع العلماء سلفًا وخلفًا أن الدين مقدّم على الوصية وبعده
الوصية ثم الميراث وذلك عند إمعان النظر يفهم من فحوى الآية.
(ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية). رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن عليّ بن أبي طالب بلفظ قال: إنكم تقرؤون من بعد وصية يوصي بها أو دين وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية الحديث. وفيه الحرث الأعور تكلم فيه، لكن قال الترمذي إن العمل عليه عند أهل العلم، وقد قال السهيلي: قدمت الوصية في الذكر لأنها تقع على سبيل البرّ والصلة بخلاف الدين لأنه يقع قهرًا فكانت الوصية أفضل فاستحقت البداءة، وقيل الوصية تؤخذ بغير عوض فهي أشق على الورثة من الدين وفيها مظنة التفريط فكانت أهم فقدمت وقد نازع بعضهم في إطلاق كون الوصية مقدمة على الدين في الآية لأنه ليس فيها صيغة ترتيب بل المراد أن المواريث إنما تقع بعد قضاء الدين وإنفاذ الوصية وأتى بأو التي للإباحة وهي كقولك جالس الحسن أو ابن سيرين أي لك مجالسة كلٌّ منهما اجتمعا أو افترقا.
(وقوله) بالجر عطفًا على سابقه وزاد أبو ذر: عز وجل ({إن الله يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها})[النساء: 58] خطاب يعمّ المكلفين والأمانات وإن نزلت يوم الفتح في عثمان بن طلحة لما أغلق باب الكعبة وأبى أن يدفع المفتاح ليدخل فيها فلوى عليّ يده وأخذه منه فأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يردّه عليه (فأداء الأمانة) الذي هو واجب (أحق من تطوّع الوصية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم) فيما وصله في كتاب الزكاة (لا صدقة) كاملة (إلا عن ظهر غنى) لفظ ظهر مقحم والمديون ليس بغني فالوصية التي لها حكم الصدقة تعتبر بعد الدين قاله الكرماني. (وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله ابن أبي شيبة (لا يوصي العبد إلا بإذن أهله) أي سيده (وقال النبي صلى الله عليه وسلم) مما سبق موصولاً في باب كراهية التطاول على الرقيق من كتاب العتق (العبد راع في مال سيده).
2750 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا. فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو حَكِيمًا لِيُعْطِيَهُ الْعَطَاءَ فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا. ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ
دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، إِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ هَذَا الْفَىْءِ فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهُ. فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تُوُفِّيَ رحمه الله".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي بكسر الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير) بن العوّام (أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني) بتكرير الإعطاء مرتين (ثم قال لي):
(يا حكيم إن هذا المال) في الرغبة والميل إليه كالفاكهة (خضر) في المنظر (حلو) في الذوق وذكر الخبر هنا وأنّثه في الزكاة وتقدم توجيهه ثم (فمن أخذه بسخاوة نفس) من غير حرص عليه أو بسخاوة نفس المعطي (بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس) بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة مكتسبًا له بطلب النفس وحرصها عليه وتطلعها إليه (لم يبارك له فيه) أي للآخذ في المأخوذ (وكان كالذي يأكل ولا يشبع) أي كذي الجوع الكاذب بسبب علة من غلبة خلط سوداوي أو آفة ويسمى جوع الكلب كلما ازداد أكلاً ازداد جوعًا (واليد العليا) المنفقة (خير من اليد السفلى) المنفق عليها (قال حكيم: فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا) بفتح الهمزة وتقديم الراء الساكنة على الزاي آخره همزة مضمومة أي لا آخذ من أحد (بعدك شيئًا) من ماله (حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئًا) خوف الاعتياد فتتجاوز به نفسه إلى ما لا يريده (ثم إن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (دعا) بحذف الضمير ولأبي ذر عن المستملي دعاه أي حكيمًا (ليعطيه فيأبى) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي فأبى بلفظ الماضي (أن يقبله فقال) أي عمر (يا معشر المسلمين إني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبى) بلفظ المضارع ولأبي ذر: فأبى (أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي رحمه الله لعشر سنين من إمارة معاوية مبالغة في الاحتراز ولم يظهر لي وجه المطابقة، وما ذكروه لا يخلو من تعسف كبير، فالله أعلم.
وهذا