الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل واذا كَانَت اللَّذَّة مَطْلُوبَة لنَفسهَا فَهِيَ انما تذم اذا اعقبت الما اعظم
مِنْهَا اَوْ منعت لَذَّة خيرا مِنْهَا وتحمد اذا اعانت على اللَّذَّة المستقرة وَهُوَ نعيم الاخرة الَّتِي هِيَ دائمة عَظِيمَة كَقَوْلِه تَعَالَى وَكَذَلِكَ مكنا ليوسف فِي الارض يتبوا مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نصيب برحمتنا من نشَاء وَلَا نضيع اجْرِ الْمُحْسِنِينَ ولأجر الاخرة خير للَّذين امنوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ سُورَة يُوسُف 56 57
وَقَالَ تَعَالَى بل تؤثرون الْحَيَاة الدُّنْيَا والاخرة خير وابقى سُورَة الاعلى 16 17 وَقَالَ تَعَالَى عَن السَّحَرَة الَّذين امنوا {فَاقْض مَا أَنْت قَاض إِنَّمَا تقضي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا} الى قَوْله {وَالله خير وَأبقى} سُورَة طه 72 73
وَالله سُبْحَانَهُ انما خلق الْخلق لدار الْقَرار وَهِي الْجنَّة وَالنَّار فَأَما الدَّار الدُّنْيَا فمنقطعة ولذاتها لَا تصفوا وَلَا تدوم ابدا بِخِلَاف الاخرة فَإِن لذاتها وَنَعِيمهَا صَاف من الكدر دَائِم غير مُنْقَطع لَيْسَ فِيهَا حزن وَلَا نصب وَلَا لغوب واهل الْجنَّة لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يبصقون وَلَا يَمْتَخِطُونَ بل فِيهَا مَا تشْتَهي الانفس وتلذ الاعين
وهم فِيهَا خَالدُونَ فشهوة النُّفُوس وَلَذَّة الْعُيُون هُوَ النَّعيم الْخَالِص وَالْخُلُود هُوَ الدَّوَام والبقاء {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} سُورَة السَّجْدَة 17 فَإِن الله اعد لِعِبَادِهِ الصَّالِحين مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا اذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر بله مَا اطلعهم عَلَيْهِ
وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ الَّذِي قَالَه العَبْد الصَّالح حَيْثُ قَالَ يَا قوم اتبعوني اهدكم سَبِيل الرشاد ياقوم انما هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا مَتَاع وان الاخرة هِيَ دَار الْقَرار سُورَة غَافِر 38 39 فَأخْبر ان الدُّنْيَا مَتَاع نتمتع بهَا الى غَيرهَا وان الاخرة هِيَ المستقر
واذا عر ف ان لذات الدُّنْيَا وَنَعِيمهَا انما هِيَ مَتَاع ووسيلة الى لذات الاخرة وَكَذَلِكَ خلقت فَكل لَذَّة اعانت على لذات الاخرة فَهُوَ مِمَّا امْر الله بِهِ وَرَسُوله ويثاب على تَحْصِيل اللَّذَّة بِمَا يئوب اليه مِنْهَا من لذات الْآخِرَة الَّتِي اعانت هَذِه عَلَيْهَا وَلِهَذَا كَانَ الْمُؤمن يُثَاب على مَا يقْصد بِهِ وَجه الله من اكله وشربه ولباسه ونكاحه وشفاء غيظه بقهر عدوه فِي الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَلَذَّة علمه وايمانه وعبادته وَغير ذَلِك ولذات جسده وَنَفسه وروحه من اللَّذَّات الحسية والوهمية والعقلية
وكل لَذَّة اعقبت الما فِي الدَّار الاخرة اَوْ منعت لَذَّة الاخرة فَهِيَ مُحرمَة مثل لذات الْكفَّار والفساق بعلوهم فِي الارض وفسادهم مثل اللَّذَّة الَّتِي تحصل بالْكفْر والنفاق كلذة الَّذين اتَّخذُوا من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله وَلَذَّة عقائدهم الْفَاسِدَة وعباداتهم الْمُحرمَة وَلَذَّة غلبهم للْمُؤْمِنين الصَّالِحين وَقتل النُّفُوس بِغَيْر حَقّهَا وَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر وَلِهَذَا اخبر الله ان لذاتهم املاء ليزدادوا اثما وانها مكر واستدراج مثل اكل الطَّعَام الطّيب الَّذِي فِيهَا سم وَهَذَا الْمَعْنى قد قَرّرته ايضا فِي قَاعِدَة السكر
واما اللَّذَّة الَّتِي لَا تعقب لَذَّة فِي دَار الْقَرار وَلَا الما وَلَا تمنع لَذَّة دَار الْقَرار فَهَذِهِ لَذَّة بَاطِلَة اذ لَا مَنْفَعَة فِيهَا وَلَا مضرَّة وزمانها يسير لَيْسَ لتمتع النَّفس بهَا قدر وَهِي لَا بُد ان تشغل عَمَّا هُوَ خير مِنْهَا فِي الاخرة وان لم تشغل عَن اصل اللَّذَّة فِي الاخرة
وَهَذَا هُوَ الَّذِي عناه النَّبِي صلى الله عليه وسلم بقوله كل لَهو يلهو بِهِ الرجل فَهُوَ بَاطِل الا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امْرَأَته فانهن من الْحق رَوَاهُ مُسلم وَكَقَوْلِه لعمر لما دخل عَلَيْهِ وَعِنْده جواري يضربن بالدف فأسكتهن لدُخُوله وَقَالَ ان هَذَا
رجل لَا يحب الْبَاطِل فَإِن هَذَا اللَّهْو فِيهِ لَذَّة وَلَوْلَا ذَلِك لما طلبته النُّفُوس
وَلَكِن مَا اعان على اللَّذَّة الْمَقْصُودَة من الْجِهَاد وَالنِّكَاح فَهُوَ حق واما مَا لم يعن على ذَلِك فَهُوَ بَاطِل لَا فَائِدَة فِيهِ وَلَكِن اذا لم يكن فِيهِ مضرَّة راجحة لم يحرم وَلم ينْه عَنهُ وَلَكِن قد يكون فعله مَكْرُوها لِأَنَّهُ يصد عَن اللَّذَّة الْمَطْلُوبَة اذ لَو اشْتغل اللاهي حِين لهوه بِمَا يَنْفَعهُ وَيطْلب لَهُ اللَّذَّة الْمَقْصُودَة لَكَانَ خيرا لَهُ والنفوس الضعيفة كنفوس الصّبيان وَالنِّسَاء قد لَا تشتغل اذا تركته بِمَا هُوَ خير مِنْهَا لَهَا بل قد تشتغل بِمَا هُوَ شَرّ مِنْهُ اَوْ بِمَا يكون التَّقَرُّب الى الله بِتَرْكِهِ فَيكون تمكينها من ذَلِك من بَاب الاحسان اليها وَالصَّدَََقَة عَلَيْهَا كإطعامها واسقائها فَلهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ان بعض انواع اللَّهْو من الْحق وَكَانَ الْجَوَارِي الصغيرات يضربن بالدف عِنْده وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يمكنهن من عمل هَذَا الْبَاطِل بِحَضْرَتِهِ احسانا اليهن
وَرَحْمَة بِهن وَكَانَ هَذَا الامر فِي حَقه من الْحق الْمُسْتَحبّ الْمَأْمُور بِهِ وان كَانَ هُوَ فِي حقهن من الْبَاطِل الَّذِي لَا يُؤمر اُحْدُ سواهن بِهِ كَمَا كَانَ اعطاؤه الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم مَأْمُورا بِهِ فِي حَقه وجوبا أَو استجابا وَإِن لم مَأْمُور بِهِ لأحد كَمَا كَانَ مزاحه مَعَ من يمزح مَعَه من الاعراب وَالنِّسَاء وَالصبيان تطييبا لقُلُوبِهِمْ وتفريحا لَهُم مُسْتَحبا فِي حَقه يُثَاب عَلَيْهِ وان لم يكن اولئك مأمورين بالمزح مَعَه وَلَا منهيين عَن ذَلِك
فالنبي صلى الله عليه وسلم يبْذل للنفوس من الاموال وَالْمَنَافِع مَا يتألقها بِهِ على الْحق الْمَأْمُور وَيكون المبذول مِمَّا يلتذ فِيهِ الاخذ وَيُحِبهُ لَان ذَلِك وَسِيلَة الى غَيره وَلَا يفعل صلى الله عليه وسلم ذَلِك مَعَ من لَا يحْتَاج الى ذَلِك كالمهاجرين والانصار بل بذل لَهُم انواعا اخر من الاحسان وَالْمَنَافِع فِي دينهم ودنياهم
وَعمر رضي الله عنه لَا يحب هَذَا الْبَاطِل وَلَا يحب سَمَاعه
وَلَيْسَ هُوَ مَأْمُورا اذ ذَاك من التَّأْلِيف بِمَا امْر بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى تصبر نَفسه على سَمَاعه فَكَانَ اعراض عمر عَن الْبَاطِل كمالا فِي حَقه وَحَال النَّبِي صلى الله عليه وسلم اكمل
ومحبة النُّفُوس للباطل نقص لَكِن لَيْسَ كل الْخلق مأمورين بالكمال وَلَا يُمكن ذَلِك فيهم فَإِذا فعلوا مَا بِهِ يدْخلُونَ الْجنَّة لم يحرم عَلَيْهِم مَا لَا يمنعهُم من دُخُولهَا
وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم انه قَالَ كمل من الرِّجَال كثير وَلم يكمل من النِّسَاء الا اربعة