المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه - شرح النووي على مسلم - جـ ٦

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِمَا وَتَخْفِيفِهِمَا)

- ‌(بَابٌ فَضْلُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ قَبْلَ الْفَرَائِضِ وَبَعْدَهُنَّ وَبَيَانُ

- ‌(باب جَوَازِ النَّافِلَةِ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَفِعْلِ بَعْضِ الركعة

- ‌(بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَعَدَدِ رَكَعَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

- ‌(باب التَّرْغِيبِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَهُوَ التَّرَاوِيحُ)

- ‌(باب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر)

- ‌(بَابُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ)

- ‌(باب الحث على صلاة الوقت وان قلت)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي بَيْتِهِ وَجَوَازِهَا فِي الْمَسْجِدِ)

- ‌(باب فَضِيلَةِ الْعَمَلِ الدَّائِمِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وغيره)

- ‌(باب أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو

- ‌(باب فضائل القرآن وما يتعلق به)

- ‌(باب الْأَمْرِ بِتَعَهُّدِ الْقُرْآنِ وَكَرَاهَةِ قَوْلِ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا

- ‌(باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن)

- ‌(باب نزول السكينة لقراءة القرآن)

- ‌(باب فَضِيلَةِ حَافِظِ الْقُرْآنِ)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْحُذَّاقِ فِيهِ)

- ‌(باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظه)

- ‌(باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ وَتَعَلُّمِهِ)

- ‌(باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ)

- ‌(باب فَضْلِ الْفَاتِحَةِ وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ)

- ‌(باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي)

- ‌(باب فَضْلِ قراءة قل هو الله أحد)

- ‌(باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ)

- ‌(باب فضل من يقول بِالْقُرْآنِ وَيُعَلِّمُهُ وَفَضْلِ مَنْ تَعَلَّمَ حِكْمَةً)

- ‌(باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه)

- ‌(باب تَرْتِيلِ الْقِرَاءَةِ وَاجْتِنَابِ الْهَذِّ وَهُوَ الْإِفْرَاطُ)

- ‌(باب مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَاتِ)

- ‌(باب الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا)

- ‌(بَابُ اسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ)

- ‌(كتاب الجمعة يُقَالُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا حَكَاهُنَّ

- ‌(كتاب صلاة العيدين هِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ

- ‌(كتاب صلاة الاستسقاء أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ

- ‌(كِتَاب الْكُسُوفِ يُقَالُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِفَتْحِ الْكَافِ

- ‌(كتاب الجنائز)[916]الْجِنَازَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ جَنَزَ إِذَا سَتَرَ ذَكَرَهُ بن

- ‌(قَالُوا فَخَرَجَ الْحَدِيثُ مُطْلَقًا حَمْلًا عَلَى مَا كَانَ مُعْتَادًا

- ‌(قَوْلُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ الْقَائِلُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ هُوَ

الفصل: ‌(باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه

‌(بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَعَدَدِ رَكَعَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ)

وَأَنَّ الْوِتْرَ رَكْعَةٌ وَأَنَّ الرَّكْعَةَ صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قِيَامُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ وَحَدِيثُ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ مِنْهُنَّ الْوِتْرُ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ إِذَا جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ وَمِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا

ص: 16

ثَلَاثَ عَشْرَةَ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَعَنْهَا كَانَ لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً أَرْبَعًا أَرْبَعًا وَثَلَاثًا وَعَنْهَا كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ ثَمَانِيًا ثُمَّ يُوتِرُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ

ص: 17

يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَقَدْ فَسَّرَتْهَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَعَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ صَلَاتَهُ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ سَبْعٌ وَتِسْعٌ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا من حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ صَلَاتَهُ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ سُنَّةُ الصُّبْحِ وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ طَوِيلَتَيْنِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِخْبَارُ كُلِّ واحد من بن عباس وزيد وعائشة بما شاهد وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فَقِيلَ هُوَ مِنْهَا وَقِيلَ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْهَا فَيَحْتَمِلُ أَنَّ إِخْبَارَهَا بِأَحَدَ عَشْرَةَ هُوَ الْأَغْلَبُ وَبَاقِي رِوَايَاتِهَا إِخْبَارٌ مِنْهَا بِمَا كَانَ يَقَعُ نَادِرًا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَأَكْثَرُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وأقله

ص: 18

سَبْعٌ وَذَلِكَ بِحَسَبِ مَا كَانَ يَحْصُلُ مِنِ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ أَوْ ضِيقِهِ بِطُولِ قِرَاءَةٍ كَمَا جاء في حديث حذيفة وبن مَسْعُودٍ أَوْ لِنَوْمٍ أَوْ عُذْرِ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ كِبَرِ السِّنِّ كَمَا قَالَتْ فَلَمَّا أَسَنَّ صَلَّى سَبْعَ رَكَعَاتٍ أَوْ تَارَةً تَعُدُّ الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ فِي أَوَّلِ قِيَامِ اللَّيْلِ كَمَا رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ وَرَوَتْهَا عَائِشَةُ بَعْدَهَا هَذَا فِي مُسْلِمٍ وَتَعُدُّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ تَارَةً وَتَحْذِفُهُمَا تَارَةً أَوْ تَعُدُّ إِحْدَاهُمَا وَقَدْ تَكُونُ عَدَّتْ رَاتِبَةَ الْعِشَاءِ مَعَ ذَلِكَ تَارَةً وَحَذَفَتْهَا تَارَةً قَالَ الْقَاضِي وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ وَأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ مِنَ الطَّاعَاتِ الَّتِي كُلَّمَا زَادَ فِيهَا زَادَ الْأَجْرُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَيُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْوِتْرِ رَكْعَةٌ وَأَنَّ الرَّكْعَةَ الْفَرْدَةَ صَلَاةٌ صَحِيحَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ الْإِيتَارُ بِوَاحِدَةٍ وَلَا تَكُونُ الرَّكْعَةُ الْوَاحِدَةُ صَلَاةً قَطُّ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّ عَلَيْهِ

[736]

قَوْلُهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَبْلَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَضْطَجِعُ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وفي حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ كَانَ بَعْدَ صَلَاةِ اللَّيْلِ قَبْلَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَالَ وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ سُنَّةٌ قَالَ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى أَنَّهُ بِدْعَةٌ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ مَرْجُوحَةٌ قَالَ فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ الِاضْطِجَاعِ قَبْلَهُمَا قَالَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي الِاضْطِجَاعِ قبلهما أنه سنة فكذا بعدهما قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَأَنَّهُ تَارَةً كَانَ يَضْطَجِعُ قَبْلُ وَتَارَةً بَعْدُ وَتَارَةً لَا يَضْطَجِعُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ أَوِ الصَّوَابُ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ بالاضطجاع بعدها وقبلها وحديث بن عَبَّاسٍ قَبْلَهَا فَلَا يُخَالِفُ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يلزم من الاضطجاع قبلها أن لا يضطجع بعد ولعله صل ى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 19

تَرَكَ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ لَوْ ثَبَتَ التَّرْكُ وَلَمْ يَثْبُتْ فَلَعَلَّهُ كَانَ يَضْطَجِعُ قَبْلُ وَبَعْدُ وَإِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فِي الْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ بَعْدَهَا مَعَ رِوَايَاتِ الْفِعْلِ الْمُوَافِقَةِ لِلْأَمْرِ بِهِ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ لَمْ يَجُزْ رَدُّ بَعْضِهَا وَقَدْ أَمْكَنَ بِطَرِيقَيْنِ أَشَرْنَا إِلَيْهِمَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اضْطَجَعَ قَبْلُ وَبَعْدُ وَالثَّانِي أَنَّهُ تَرَكَهُ بَعْدُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاضْطِجَاعِ وَالنَّوْمِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ فِي النَّوْمِ لِأَنَّ الْقَلْبَ فِي جَنْبِهِ الْيَسَارِ فَيَعْلَقُ حِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَغْرِقُ وَإِذَا نَامَ عَلَى الْيَسَارِ كَانَ فِي دَعَةٍ وَاسْتِرَاحَةٍ فَيَسْتَغْرِقُ قَوْلُهَا حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذِّنُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ اتِّخَاذِ مُؤَذِّنٍ رَاتِبٍ لِلْمَسْجِدِ وَفِيهِ جَوَازُ إِعْلَامِ الْمُؤَذِّنِ الْإِمَامَ بِحُضُورِ الصَّلَاةِ وَإِقَامَتِهَا وَاسْتِدْعَائِهِ لَهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ قَوْلُهَا فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ هُمَا سُنَّةُ الصُّبْحِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَخْفِيفِهِمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ قَوْلُهَا لَيُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَالَّذِي جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ لَا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي الْآخِرَةِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ قَوْلُهَا وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ وَأَنَّ أَقَلَّ الْوِتْرِ رَكْعَةٌ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا

[737]

قَوْلُهَا يُصَلِّي مَنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي آخِرِهَا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ أَرْبَعًا ثُمَّ ثَلَاثًا وَفِي رِوَايَةٍ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَشْرَ رَكَعَاتٍ وَيُوتِرُ بسجدة وفي حديث بن عَبَّاسٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِلَى آخِرِهِ وَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى هَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِرَكْعَةٍ وَلَا بِإِحْدَى عَشْرَةَ وَلَا بِثَلَاثَ عَشْرَةَ بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَمَا بَيْنَهُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ جَمْعُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ التَّسْلِيمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمْرِهِ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى

[738]

قَوْلُهَا كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنِّ وَطُولِهِنَّ مَعْنَاهُ هُنَّ فِي نِهَايَةٍ مِنْ كَمَالِ الْحُسْنِ وَالطُّولِ مُسْتَغْنِيَاتٍ بِظُهُورِ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ عَنِ السُّؤَالِ عَنْهُ وَالْوَصْفِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُ فِي تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ قَالَ تَطْوِيلُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ تَكْثِيرِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَالَ طَائِفَةٌ تَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ وَقَالَ طَائِفَةٌ تَطْوِيلُ الْقِيَامِ فِي اللَّيْلِ أَفْضَلُ وَتَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي النَّهَارِ أَفْضَلُ وَقَدْ سَبَقَتِ

ص: 20

الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً بِدَلَائِلِهَا فِي أَبْوَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قوله صلى الله عليه وسلم إن عيني تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي هَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَسَبَقَ فِي حَدِيثِ نَوْمِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْوَادِي فَلَمْ يَعْلَمْ بِفَوَاتِ وَقْتِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ لَا بِالْقَلْبِ وَأَمَّا أَمْرُ الْحَدَثِ وَنَحْوِهِ فَمُتَعَلِّقٌ بِالْقَلْبِ وَأَنَّهُ قِيلَ إِنَّهُ فِي وَقْتٍ يَنَامُ قَلْبُهُ وَفِي وَقْتٍ لَا يَنَامُ فَصَادَفَ الْوَادِي نَوْمَهُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهَا كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يُوتِرُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ هَذَا الْحَدِيثُ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ فِيمَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْهُمَا فَأَبَاحَا رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا وَقَالَ أَحْمَدُ لَا أَفْعَلُهُ وَلَا أَمْنَعُ مَنْ فَعَلَهُ قَالَ وَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ قُلْتُ الصَّوَابُ أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَهُمَا صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا لِبَيَانِ جَوَازِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَبَيَانِ جَوَازِ النَّفْلِ جَالِسًا وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَى ذَلِكَ بَلْ فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّاتٍ قَلِيلَةٍ وَلَا تَغْتَرَّ بِقَوْلِهَا كَانَ يُصَلِّي فَإِنَّ الْمُخْتَارَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ لَفْظَةَ كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا الدَّوَامُ وَلَا التَّكْرَارُ وَإِنَّمَا هِيَ فِعْلٌ مَاضٍ يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِهِ مَرَّةً فَإِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّكْرَارِ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا تَقْتَضِيهِ بِوَضْعِهَا وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها كُنْتُ أُطَيِّبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ أَنْ صَحِبَتْهُ عَائِشَةُ إِلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فَاسْتَعْمَلَتْ كَانَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يُقَالُ لَعَلَّهَا طَيَّبَتْهُ فِي إِحْرَامِهِ بِعُمْرَةٍ لِأَنَّ الْمُعْتَمِرَ لَا يَحِلُّ لَهُ الطِّيبُ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْإِجْمَاعِ فَثَبَتَ أَنَّهَا اسْتَعْمَلَتْ كَانَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا قَالَهُ الْأُصُولِيُّونَ وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَا حَدِيثَ الرَّكْعَتَيْنِ جَالِسًا لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَائِشَةَ مَعَ رِوَايَاتِ خَلَائِقَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ آخِرَ صَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم فِي اللَّيْلِ كَانَ وِتْرًا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ بِالْأَمْرِ بِجَعْلِ آخِرِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وِتْرًا مِنْهَا اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا وصلاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَشْبَاهِهَا أَنَّهُ يُدَاوِمُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَيَجْعَلُهُمَا آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ بَيَانِ الْجَوَازِ وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الصَّوَابُ وَأَمَّا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ تَرْجِيحِ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَرَدِّ رِوَايَةِ

ص: 21

الرَّكْعَتَيْنِ جَالِسًا فَلَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ إِذَا صَحَّتْ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا تَعَيَّنَ وَقَدْ جَمَعْنَا بَيْنَهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بِشْرٍ الْحَرِيرِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِهِمَا تِسْعَ رَكَعَاتٍ يُوتِرُ مِنْهُنَّ كَذَا فِي بَعْضِ الْأُصُولِ مِنْهُنَّ وَفِي بَعْضِهَا فِيهِنَّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ مِنْهَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِهَا رَكْعَتَا وَهُوَ الْوَجْهُ وَيُتَأَوَّلُ الْأَوَّلُ عَلَى تَقْدِيرٍ يُصَلِّي مِنْهَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَوْلُهَا وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ أَيْ بِرَكْعَةٍ

[739]

قَوْلُهُ وَثَبَ أَيْ قَامَ بِسُرْعَةٍ فَفِيهِ الِاهْتِمَامُ بِالْعِبَادَةِ وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهَا بِنَشَاطٍ وَهُوَ بَعْضُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ قَوْلُهَا ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ أَيْ سُنَّةَ الصُّبْحِ

[740]

قَوْلُهُ عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ بِرَاءٍ ثُمَّ زَايٍ قَوْلُهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ صَلَاتِهِ الْوِتْرُ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ جَعْلُ آخِرِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وِتْرًا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً

ص: 22

وَسَبَقَ تَأْوِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ جَالِسًا

[741]

قَوْلُهَا كَانَ يُحِبُّ الْعَمَلَ الدَّائِمَ فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْقَصْدِ في العبادة وأنه ينبغي للإنسان أن لا يَحْتَمِلَ مِنَ الْعِبَادَةِ إِلَّا مَا يُطِيقُ الدَّوَامُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُحَافِظُ عَلَيْهِ قَوْلُهَا كَانَ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ قَامَ فَصَلَّى الصَّارِخُ هُنَا هُوَ الدِّيكُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ قَالُوا وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ صِيَاحِهِ

[743]

قَوْلُهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الْكَلَامِ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الْقَاضِي وَكَرِهَهُ الكوفيون وروى عن بن مَسْعُودٍ وَبَعْضِ السَّلَفِ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِغْفَارٍ وَالصَّوَابُ الْإِبَاحَةُ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَوْنُهُ وَقْتَ اسْتِحْبَابِ الِاسْتِغْفَارِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْكَلَامِ

[744]

قَوْلُهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

ص: 23

يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَإِذَا أَوْتَرَ قَالَ قُوْمِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَهَا فَأَوْتَرَتْ فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ جَعْلُ الْوِتْرِ آخِرَ اللَّيْلِ سَوَاءٌ كَانَ لِلْإِنْسَانِ تهجد أم لَا إِذَا وَثِقَ بِالِاسْتِيقَاظِ آخِرَ اللَّيْلِ إِمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِإِيقَاظِ غَيْرِهِ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِالنَّوْمِ عَلَى وِتْرٍ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَثِقْ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ قَوْلُهُ فِي أَبِي يَعْفُورَ وَاسْمُهُ وَاقِدٌ وَيُقَالُ وَقْدَانُ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ وَقِيلَ عَكْسُهُ وَكِلَاهُمَا بِاتِّفَاقٍ وَهَذَا أَبُو يَعْفُورَ بِالْفَاءِ وَالرَّاءِ أَبُو يَعْفُورَ الْأَصْغَرُ السامري الكوني التَّابِعِيُّ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ بِسْطَاسٍ وَاتَّفَقَا فِي كُنْيَتِهِمَا وَبَلَدِهِمَا وَتَبَعِيَّتِهِمَا وَيَتَمَيَّزَانِ بِالِاسْمِ وَالْقَبِيلَةِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ يُقَالُ فِيهِ أَبُو يَعْفُورَ الْأَكْبَرُ وَالثَّانِي الْأَصْغَرُ وَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُهُمَا أَيْضًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ

[745]

قَوْلُهَا مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْتَهَى وِتْرُهُ إلى السحروفي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ فِيهِ جَوَازُ الْإِيتَارِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ فَالصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَالْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالْفِرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَيَمْتَدُّ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي وَفِي وَجْهٍ يَدْخُلُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَفِي وَجْهٍ لَا يَصِحُّ الْإِيتَارُ بِرَكْعَةٍ إِلَّا بَعْدَ نَفْلٍ

ص: 24

بَعْدَ الْعِشَاءِ وَفِي قَوْلٍ يَمْتَدُّ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقِيلَ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَوْلُهَا وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ مَعْنَاهُ كَانَ آخِرَ أَمْرِهِ الْإِيتَارُ فِي السَّحَرِ وَالْمُرَادُ بِهِ آخِرُ اللَّيْلِ كَمَا قَالَتْ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْإِيتَارِ آخِرَ اللَّيْلِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَاضِي كَرْمَانَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا

[746]

قَوْلُهُ فَيَجْعَلُهُ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ الْكُرَاعُ اسْمٌ لِلْخَيْلِ قَوْلُهُ رَاجَعَ امْرَأَتَهُ وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا هِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْكَسْرُ أَفْصَحُ قَوْلُهُ فَأَتَى بن عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ فَقَالَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ وَيَعْرِفُ أَنَّ غَيْرَهُ أَعْلَمُ مِنْهُ بِهِ أَنْ يُرْشِدَ

ص: 25

السَّائِلَ إِلَيْهِ فَإِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ وَيَتَضَمَّنُ مَعَ ذلك الإنصاف والاعتراف بالفضل لأهله والتواضع قوله نُهِينَا أَنْ نَقُولَ فِي هَاتَيْنِ الشِّيعَتَيْنِ شَيْئًا فَأَبَتْ فِيهِمَا إِلَّا مُضِيًّا الشِّيعَتَانِ الْفِرْقَتَانِ وَالْمُرَادُ تِلْكَ الْحُرُوبُ الَّتِي جَرَتْ قَوْلُهَا فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْقُرْآنَ مَعْنَاهُ الْعَمَلُ بِهِ وَالْوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِهِ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِهِ وَالِاعْتِبَارُ بِأَمْثَالِهِ وَقَصَصِهِ وَتَدَبُّرُهُ وَحُسْنُ تِلَاوَتِهِ قَوْلُهَا فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ صَارَ تَطَوُّعًا فِي حَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 26

وَالْأُمَّةِ فَأَمَّا الْأُمَّةُ فَهُوَ تَطَوُّعٌ فِي حَقِّهِمْ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَلَفُوا فِي نَسْخِهِ فِي حَقِّهِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا نَسْخُهُ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَلَوْ قَدْرَ حَلْبِ شَاةٍ فَغَلَطٌ وَمَرْدُودٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ مَعَ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ لَا وَاجِبَ إِلَّا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ قَوْلُهَا كُنَّا نَعُدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ فِيهِ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ وَالتَّأَهُّبُ بِأَسْبَابِ الْعِبَادَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَالِاعْتِنَاءُ بِهَا قَوْلُهَا فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ فِيهِ اسْتِحْبَابُ السِّوَاكِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ قَوْلُهَا وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَى قَوْلِهَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ هَذَا قَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ قَرِيبًا قَوْلُهَا فَلَمَّا سَنَّ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ سَنَّ وَفِي بَعْضِهَا أَسَنَّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ قَوْلُهَا وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ الليل صلى من النهار ثنتي عَشْرَةَ رَكْعَةً هَذَا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْأَوْرَادِ وَأَنَّهَا إِذَا فَاتَتْ تُقْضَى

ص: 27

قوله

[747]

عن يونس عن بن شهاب عن السائب بن يزيد وعبيد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ عَنْ عَبْدِ الرحمن بن عبد القارىء قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ هَذَا الْإِسْنَادُ وَالْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِأَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ هَكَذَا مَرْفُوعًا وَجَمَاعَةً رَوَوْهُ مَوْقُوفًا وَهَذَا التَّعْلِيلُ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ ثُمَّ فِي مَوَاضِعَ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَيَّنَّا أَنَّ الصَّحِيحَ بَلِ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ ومحققوا الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا رُوِيَ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا أَوْ مَوْصُولًا وَمُرْسَلًا حُكِمَ بِالرَّفْعِ وَالْوَصْلِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّافِعُ وَالْوَاصِلُ أَكْثَرَ أَوْ أقَلَّ فِي الْحِفْظِ وَالْعَدَدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ فِيهِ رِوَايَةَ صَحَابِيٍّ عَنْ تَابِعِيٍّ وَهُوَ السَّائِبُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيَدْخُلُ فِي رِوَايَةِ الْكِبَارِ عن الصغار وقوله القارىء بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَارَةِ الْقَبِيلَةِ الْمَعْرُوفَةِ سبق بيانه مرات

ص: 29

[748]

صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْمِيمِ يُقَالُ رَمِضَ يَرْمَضُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ وَالرَّمْضَاءُ الرَّمَلُ الَّذِي اشْتَدَّتْ حَرَارَتُهُ بِالشَّمْسِ أَيْ حِينَ يَحْتَرِقُ أَخْفَافُ الْفِصَالِ وَهِيَ الصِّغَارُ مِنْ أَوْلَادِ الْإِبِلِ جَمْعُ فَصِيلٍ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الرَّمْلِ وَالْأَوَّابُ الْمُطِيعُ وَقِيلَ الرَّاجِعُ إِلَى الطَّاعَةِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الصَّلَاةِ هَذَا الْوَقْتَ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ أَفْضَلُ وَقْتِ صَلَاةِ الضُّحَى وَإِنْ كَانَتْ تَجُوزُ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم

[749]

صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْأَفْضَلِ وَهُوَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَسَوَاءٌ نَوَافِلُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَلَوْ جَمَعَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ تَطَوُّعَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ عِنْدَنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَوْتِرُوا قَبْلَ الصُّبْحِ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ

ص: 30

السُّنَّةَ جَعْلُ الْوِتْرِ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَعَلَى أَنَّ وَقْتَهُ يَخْرُجُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ من مذهبنا

ص: 31

وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ يَمْتَدُّ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْفَرْضَ

[752]

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ وَعَلَى اسْتِحْبَابِهِ آخر الليل

ص: 32

قَوْلُهُ إِنَّكَ لَضَخْمٌ إِشَارَةٌ إِلَى الْغَبَاوَةِ وَالْبَلَادَةِ وَقِلَّةِ الْأَدَبِ قَالُوا لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ يَكُونُ لِلضَّخْمِ غَالِبًا وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَطَعَ عليه الكلام أجله قَبْلَ تَمَامِ حَدِيثِهِ قَوْلُهُ أَسْتَقْرِئُ لَكَ الْحَدِيثَ هو بالهمزة من القرأة ومعناه اذكره وأت بِهِ عَلَى وَجْهِهِ بِكَمَالِهِ قَوْلُهُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ كَانَ الْأَذَانُ بِأُذُنَيْهِ قَالَ الْقَاضِي المراد بالأذان هنا

ص: 33

الإقامة وهو اشارة إلى شدة تخفيفها بالسنة إِلَى بَاقِي صَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ بَهْ بَهْ هُوَ بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهَاءٍ سَاكِنَةٍ مُكَرَّرَةٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَهْ مَهْ زَجْرٌ وكف وقال بن السِّكِّيتِ هِيَ لِتَفْخِيمِ الْأَمْرِ بِمَعْنَى بَخٍ بَخٍ قَوْلُهُ أَبُو نَضْرَةَ الْعَوَقِيُّ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَوَاوٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَقَافٍ مَنْسُوبٌ إِلَى الْعَوَقَةِ بَطْنٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ فَتْحَ الْوَاوِ واسكانها والصواب المشهور المعروف الفتح لاغير قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم

[755]

فِي حَدِيثِ جابر مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ

ص: 34

مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فِيهِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْوِتْرِ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ لِمَنْ وَثِقَ بِالِاسْتِيقَاظِ آخِرَ اللَّيْلِ وَأَنَّ مَنْ لَا يَثِقُ بِذَلِكَ فَالتَّقْدِيمُ لَهُ أَفْضَلُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَيُحْمَلُ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ فمن ذلك حديث أوصاني خليلي أن لا أَنَامَ إِلَّا عَلَى وِتْرٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يَثِقُ بِالِاسْتِيقَاظِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرَ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ أَنْ يَشْهَدَهَا مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَفِيهِ دَلِيلَانِ صَرِيحَانِ عَلَى تَفْضِيلِ صَلَاةِ الْوِتْرِ وَغَيْرِهَا آخر الليل

[756]

قوله صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة طُولُ الْقُنُوتِ الْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ هُنَا الْقِيَامُ بِاتِّفَاقِ العلماء فيما

ص: 35

عَلِمْتُ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ يَقُولُ كَقَوْلِهِ إِنَّ تَطْوِيلَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ كَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا وَأَيْضًا فِي أَبْوَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ

[757]

قَوْلُهُ إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِيهِ إِثْبَاتُ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَيَتَضَمَّنُ الْحَثَّ عَلَى الدُّعَاءِ فِي جَمِيعِ سَاعَاتِ اللَّيْلِ رَجَاءَ مُصَادَفَتِهَا

[758]

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَفِيهِ مَذْهَبَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ سَبَقَ إِيضَاحُهُمَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَمُخْتَصَرُهُمَا أَنَّ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ يُؤْمِنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ عَلَى مَا يَلِيقُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ ظَاهِرَهَا الْمُتَعَارَفُ فِي حَقِّنَا غَيْرُ مُرَادٍ وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي تَأْوِيلِهَا مَعَ اعْتِقَادِ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ وَعَنِ الِانْتِقَالِ والحركات وسائر سمات الخلق والثاني مذهب أكثرالمتكلمين وَجَمَاعَاتٍ مِنَ السَّلَفِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ هُنَا عَنْ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهَا تُتَأَوَّلُ عَلَى مَا يَلِيقُ بها

ص: 36

بِحَسَبِ مَوَاطِنِهَا فَعَلَى هَذَا تَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا تَأْوِيلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ تَنْزِلُ رَحْمَتُهُ وَأَمْرُهُ وَمَلَائِكَتُهُ كَمَا يُقَالُ فَعَلَ السُّلْطَانُ كَذَا إِذَا فَعَلَهُ أَتْبَاعُهُ بِأَمْرِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ وَمَعْنَاهُ الْإِقْبَالُ عَلَى الداعين بالإجابة واللطف والله أعلم قوله ص يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الصَّحِيحُ رِوَايَةُ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ كَذَا قَالَهُ شُيُوخُ الْحَدِيثِ وَهُوَ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ بلفظه ومعناه قال ويحتمل أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ بَعْدَ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ مَنْ يَدْعُونِي بَعْدَ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أعلم بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فِي وَقْتٍ فَأَخْبَرَ بِهِ ثُمَّ أُعْلِمَ بِالْآخَرِ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَأَعْلَمَ بِهِ وَسَمِعَ أَبُو هُرَيْرَةَ الْخَبَرَيْنِ فَنَقَلَهُمَا جَمِيعًا وَسَمِعَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ خَبَرَ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ فَقَطْ فَأَخْبَرَ بِهِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَفِيهِ رَدٌّ لِمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي مِنْ تَضْعِيفِ رِوَايَةِ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ وَكَيْفَ يُضَعِّفُهَا وَقَدْ رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادٍ لَا مَطْعَنَ فِيهِ عَنِ الصَّحَابِيَّيْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ مُكَرَّرٌ للتوكيد والتعظيم قوله ص فلما يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى امْتِدَادِ وَقْتِ الرَّحْمَةِ وَاللُّطْفِ التَّامِّ إِلَى إِضَاءَةِ الْفَجْرِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ إِلَى إِضَاءَةِ الْفَجْرِ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ آخِرَ

ص: 37

اللَّيْلِ لِلصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَغَيْرِهَا مِنَ الطَّاعَاتِ أفضل من أوله وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ أَبُو الْمُوَرِّعِ هُوَ مُحَاضِرٌ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَرِّعُ بِكَسْرِ الرَّاءِ هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ أَبُو الْمُوَرِّعِ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي كتب الحديث بن المورع وكلاهما صحيح وهو بن الْمُوَرِّعِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْمُوَرِّعِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ عَنْ مُحَاضِرٍ يَنْزِلُ اللَّهُ فِي السَّمَاءِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ فِي السَّمَاءِ وَهُوَ صَحِيحٌ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى غَيْرَ عَدُومٍ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَدِيمٍ وَالثَّانِيَةِ عَدُومٍ وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ أَعْدَمَ الرَّجُلُ إِذَا افْتَقَرَ فَهُوَ مُعْدِمٌ وَعَدِيمٌ وَعَدُومٌ وَالْمُرَادُ بِالْقَرْضِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَمَلُ الطَّاعَةِ سَوَاءٌ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالذِّكْرُ وَغَيْرُهَا مِنَ الطَّاعَاتِ وَسَمَّاهُ سبحانه وتعالى قَرْضًا مُلَاطَفَةً لِلْعِبَادِ وَتَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى الطَّاعَةِ فَإِنَّ الْقَرْضَ إِنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ يَعْرِفُهُ الْمُقْتَرِضُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُؤَانَسَةٌ وَمَحَبَّةٌ فَحِينَ يَتَعَرَّضُ لِلْقَرْضِ يُبَادِرُ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ بِإِجَابَتِهِ لِفَرَحِهِ بِتَأْهِيلِهِ لِلِاقْتِرَاضِ مِنْهُ وَإِدْلَالِهِ عَلَيْهِ وَذِكْرِهِ لَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ قَوْلُهُ ثُمَّ يَبْسُطُ يديه سبحانه

ص: 38