المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(كتاب الجمعة يقال بضم الميم وإسكانها وفتحها حكاهن - شرح النووي على مسلم - جـ ٦

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِمَا وَتَخْفِيفِهِمَا)

- ‌(بَابٌ فَضْلُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ قَبْلَ الْفَرَائِضِ وَبَعْدَهُنَّ وَبَيَانُ

- ‌(باب جَوَازِ النَّافِلَةِ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَفِعْلِ بَعْضِ الركعة

- ‌(بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَعَدَدِ رَكَعَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

- ‌(باب التَّرْغِيبِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَهُوَ التَّرَاوِيحُ)

- ‌(باب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر)

- ‌(بَابُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ)

- ‌(باب الحث على صلاة الوقت وان قلت)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي بَيْتِهِ وَجَوَازِهَا فِي الْمَسْجِدِ)

- ‌(باب فَضِيلَةِ الْعَمَلِ الدَّائِمِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وغيره)

- ‌(باب أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو

- ‌(باب فضائل القرآن وما يتعلق به)

- ‌(باب الْأَمْرِ بِتَعَهُّدِ الْقُرْآنِ وَكَرَاهَةِ قَوْلِ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا

- ‌(باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن)

- ‌(باب نزول السكينة لقراءة القرآن)

- ‌(باب فَضِيلَةِ حَافِظِ الْقُرْآنِ)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْحُذَّاقِ فِيهِ)

- ‌(باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظه)

- ‌(باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ وَتَعَلُّمِهِ)

- ‌(باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ)

- ‌(باب فَضْلِ الْفَاتِحَةِ وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ)

- ‌(باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي)

- ‌(باب فَضْلِ قراءة قل هو الله أحد)

- ‌(باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ)

- ‌(باب فضل من يقول بِالْقُرْآنِ وَيُعَلِّمُهُ وَفَضْلِ مَنْ تَعَلَّمَ حِكْمَةً)

- ‌(باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه)

- ‌(باب تَرْتِيلِ الْقِرَاءَةِ وَاجْتِنَابِ الْهَذِّ وَهُوَ الْإِفْرَاطُ)

- ‌(باب مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَاتِ)

- ‌(باب الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا)

- ‌(بَابُ اسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ)

- ‌(كتاب الجمعة يُقَالُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا حَكَاهُنَّ

- ‌(كتاب صلاة العيدين هِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ

- ‌(كتاب صلاة الاستسقاء أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ

- ‌(كِتَاب الْكُسُوفِ يُقَالُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِفَتْحِ الْكَافِ

- ‌(كتاب الجنائز)[916]الْجِنَازَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ جَنَزَ إِذَا سَتَرَ ذَكَرَهُ بن

- ‌(قَالُوا فَخَرَجَ الْحَدِيثُ مُطْلَقًا حَمْلًا عَلَى مَا كَانَ مُعْتَادًا

- ‌(قَوْلُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ الْقَائِلُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ هُوَ

الفصل: ‌(كتاب الجمعة يقال بضم الميم وإسكانها وفتحها حكاهن

الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمُوا وَبِالثَّانِيَةِ كَذَلِكَ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَنَفِّلًا فِي الثانية وهم متفرضون وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ المفترض خلف المتنفل والله أعلم

‌(كتاب الجمعة يُقَالُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا حَكَاهُنَّ

الْفَرَّاءُ وَالْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَوَجَّهُوا الْفَتْحَ بِأَنَّهَا تَجْمَعُ النَّاسَ وَيَكْثُرُونَ فِيهَا كَمَا يُقَالُ هُمَزَةٌ وَلُمَزَةٌ لِكَثْرَةِ الْهَمْزِ وَاللَّمْزِ وَنَحْوَ ذَلِكَ سُمِّيَتْ جُمُعَةً لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمَّى الْعَرُوبَةَ

[844]

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم إذا أراد)

ص: 130

أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَهَذِهِ الثَّانِيَةُ محمولة

ص: 131

عَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَاهَا مَنْ أَرَادَ الْمَجِيءَ فَلْيَغْتَسِلْ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بَعْدَهُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ

ص: 132

عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَالْمُرَادُ بِالْمُحْتَلِمِ الْبَالِغُ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا وَفِي رِوَايَةٍ لَوِ اغْتَسَلْتُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ فَحُكِيَ وُجُوبُهُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ حَكَوْهُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وحكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ بِظَوَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ مِنْهَا حَدِيثُ الرَّجُلِ الَّذِي دَخَلَ وَعُمَرُ يَخْطُبُ وَقَدْ تَرَكَ الْغُسْلَ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ عُثْمَانَ فَعَلَهُ وأقره عمر وحاضروا الْجُمُعَةِ وَهُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَهُ وَلَأَلْزَمُوهُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي السُّنَنِ مَشْهُورٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَمِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَوِ اغْتَسَلْتُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لَكَانَ أَفْضَلَ وَأَكْمَلَ وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْعِبَادَاتِ وَأَجَابُوا عَنِ الأحاديث

ص: 133

الْوَارِدَةِ فِي الْأَمْرِ بِهِ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ

[846]

وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ أَيْ مُتَأَكِّدٌ فِي حَقِّهِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ حَقُّكَ وَاجِبٌ عَلَيَّ أَيْ مُتَأَكِّدٌ لَا أَنَّ الْمُرَادَ الْوَاجِبُ الْمُحَتَّمُ الْمُعَاقَبُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمِنْبَرِ لِلْخُطْبَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَلْيَكُنْ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ لِيَبْلُغَ صَوْتُهُ جَمِيعَهُمْ وَلْيَنْفَرِدَ فَيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ وَفِيهِ أَنَّ الْخَطِيبَ يَكُونُ قَائِمًا وَسُمِّيَ مِنْبَرًا لِارْتِفَاعِهِ مِنَ النَّبْرِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ

[845]

قَوْلُهُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ قَالَهُ تَوْبِيخًا لَهُ وَإِنْكَارًا لِتَأَخُّرِهِ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ فِيهِ تَفَقُّدُ الْإِمَامِ رَعِيَّتَهُ وَأَمْرُهُمْ بِمَصَالِحِ دِينِهِمْ وَالْإِنْكَارُ عَلَى مُخَالِفِ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرَ الْقَدْرِ وَفِيهِ جَوَازُ الْإِنْكَارِ عَلَى الْكِبَارِ فِي مَجْمَعٍ مِنَ النَّاسِ وَفِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ قَوْلُهُ شُغِلْتُ الْيَوْمَ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ فِيهِ الِاعْتِذَارُ إِلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَغَيْرِهِمْ وَفِيهِ إِبَاحَةُ الشُّغْلِ وَالتَّصَرُّفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ النِّدَاءِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَ الْغُسْلَ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فَرَأَى اشْتِغَالَهُ بِقَصْدِ الْجُمُعَةِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَجْلِسَ لِلْغُسْلِ بَعْدَ النِّدَاءِ وَلِهَذَا لَمْ يَأْمُرْهُ عُمَرُ بِالرُّجُوعِ لِلْغُسْلِ قَوْلُهُ سَمِعْتُ النِّدَاءَ هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ قَوْلُهُ وَالْوُضُوءَ أَيْضًا هُوَ مَنْصُوبٌ أَيْ وَتَوَضَّأْتُ الْوُضُوءَ فَقَطْ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ

[847]

قَوْلُهُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ أَيْ يَأْتُونَهَا قَوْلُهُ مِنَ الْعَوَالِي هِيَ الْقُرَى الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ هُوَ بِالْمَدِّ جَمْعُ عَبَاءَةٍ بِالْمَدِّ وَعَبَايَةٍ بِزِيَادَةِ يَاءٍ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ كُفَاةٌ هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ جَمْعُ كَافٍ كَقَاضٍ وَقُضَاةٍ وَهُمُ الْخَدَمُ الَّذِينَ يَكْفُونَهُمُ الْعَمَلَ قَوْلُهُ لَهُمْ تَفَلٌ هُوَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ ثُمَّ فَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ أَيْ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم للذين جاؤا وَلَهُمُ الرِّيحُ الْكَرِيهَةُ لَوِ اغْتَسَلْتُمْ فِيهِ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ أَرَادَ الْمَسْجِدَ أَوْ مُجَالَسَةَ النَّاسِ أَنْ يَجْتَنِبَ الرِّيحَ الْكَرِيهَةَ فِي بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ

[844]

[846]

قوله ص إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وغسل الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ فَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْغُسْلَ مَشْرُوعٌ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الْجُمُعَةَ مِنَ الرِّجَالِ سَوَاءٌ الْبَالِغُ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَالثَّانِي صَرِيحٌ فِي الْبَالِغِ وَفِي أَحَادِيثَ أُخَرَ أَلْفَاظٌ تَقْتَضِي دُخُولَ النِّسَاءِ كَحَدِيثِ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ فَيُقَالُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ إِنَّ الْغُسْلَ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُرِيدِ الْجُمُعَةِ وَمُتَأَكِّدٌ فِي حَقِّ الذُّكُورِ أَكْثَرَ مِنَ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِنَّ قَرِيبٌ مِنَ الطِّيبِ وَمُتَأَكِّدٌ فِي حَقِّ الْبَالِغِينَ أَكْثَرَ مِنَ الصِّبْيَانِ وَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُرِيدٍ لَهَا وَفِي وَجْهٍ لِأَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً وَفِي وَجْهٍ يستحب لمن

ص: 134

يَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ وَوَجْهٌ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ أَرَادَ حُضُورَ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا كَغُسْلِ يَوْمِ الْعِيدِ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَاللَّهُ أعلم قوله ص

[846]

فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَوَادٍ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَسِوَاكٌ وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ وَاجِبٍ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَسِوَاكٌ وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ مَعْنَاهُ وَيُسَنُّ السِّوَاكُ وَمَسُّ الطِّيبِ وَيَجُوزُ يَمَسُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي مُحْتَمِلٌ لِتَكْثِيرِهِ وَمُحْتَمِلٌ لِتَأْكِيدِهِ حَتَّى يَفْعَلَهُ بِمَا أَمْكَنَهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ الْمَكْرُوهُ لِلرِّجَالِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ فَأَبَاحَهُ لِلرَّجُلِ هُنَا لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ غَيْرِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[850]

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ مَعْنَاهُ غُسْلًا كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي الصِّفَاتِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ الْمُرَادُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ حَقِيقَةً قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ مُوَاقَعَةُ زَوْجَتِهِ لِيَكُونَ أَغَضَّ لِلْبَصَرِ وَأَسْكَنَ لِنَفْسِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً الْمُرَادُ بِالرَّوَاحِ الذَّهَابُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَاتِ هُنَا لَحَظَاتٌ لَطِيفَةٌ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَالرَّوَاحُ عِنْدَهُمْ بَعْدَ الزَّوَالِ وَادَّعَوْا أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه وبن حَبِيبٍ الْمَالِكِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ اسْتِحْبَابُ التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا أَوَّلَ النَّهَارِ وَالسَّاعَاتُ عِنْدَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَالرَّوَاحُ يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ لُغَةُ الْعَرَبِ الرَّوَاحُ الذَّهَابُ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ آخِرَهُ أَوْ فِي اللَّيْلِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ وَالْمَعْنَى لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَكْتُبُ مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وهو كالمهدي

ص: 135

بَدَنَةً وَمَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ الثَّالِثَةِ ثُمَّ الرَّابِعَةِ ثُمَّ الْخَامِسَةِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ السَّادِسَةِ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَلَمْ يَكْتُبُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَحَدًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْجُمُعَةِ مُتَّصِلًا بِالزَّوَالِ وَهُوَ بَعْدَ انْفِصَالِ السَّادِسَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنَ الْهَدْيِ وَالْفَضِيلَةِ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلِأَنَّ ذِكْرَ السَّاعَاتِ إِنَّمَا كَانَ لِلْحَثِّ فِي التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا وَالتَّرْغِيبِ فِي فَضِيلَةِ السَّبْقِ وَتَحْصِيلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَانْتِظَارِهَا وَالِاشْتِغَالِ بِالتَّنَفُّلِ وَالذِّكْرِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَحْصُلُ بِالذَّهَابِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا فَضِيلَةَ لِمَنْ أَتَى بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّ النِّدَاءَ يَكُونُ حِينَئِذٍ وَيَحْرُمُ التَّخَلُّفُ بَعْدَ النِّدَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ تَعْيِينُ السَّاعَاتِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَمْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ إِنَّ مَنْ جَاءَ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ مِنْ هَذِهِ السَّاعَاتِ وَمَنْ جَاءَ فِي آخِرِهَا مُشْتَرَكَانِ فِي تَحْصِيلِ أَصْلِ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْكَبْشِ وَلَكِنْ بَدَنَةُ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ مَنْ جَاءَ فِي آخِرِ السَّاعَةِ وَبَدَنَةُ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةٌ وَهَذَا كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُطْلَقُ عَلَى اثْنَيْنِ وَعَلَى أُلُوفٍ فَمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ هُمْ عَشَرَةُ آلَافٍ لَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَمَنْ صَلَّى مَعَ اثْنَيْنِ لَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ لكن درجات الأول أكمل وأشباه هذا كثيرة مَعْرُوفَةٌ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ جَوَابٌ عَنِ اعْتِرَاضٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ أَمَّا لُغَاتُ هَذَا الْفَصْلِ فَمَعْنَى قَرَّبَ تَصَدَّقَ وَأَمَّا الْبَدَنَةُ فَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدَةِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِ بَدَنِهَا وَخَصَّهَا جَمَاعَةٌ بِالْإِبِلِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْإِبِلُ بِالِاتِّفَاقِ لِتَصْرِيحِ الْأَحَادِيثِ بِذَلِكَ وَالْبَدَنَةُ

ص: 136

وَالْبَقَرَةُ يَقَعَانِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِاتِّفَاقِهِمْ وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْوَاحِدَةِ كَقَمْحَةٍ وَشَعِيرَةٍ وَنَحْوِهُمَا مِنْ أَفْرَادِ الْجِنْسِ وَسُمِّيَتْ بَقَرَةٌ لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ تَشُقُّهَا بِالْحِرَاثَةِ وَالْبَقْرُ الشَّقُّ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ بَقَرَ بَطْنَهُ وَمِنْهُ سُمِّيَ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ رضي الله عنه لِأَنَّهُ بَقَرَ الْعِلْمَ وَدَخَلَ فِيهِ مَدْخَلًا بَلِيغًا وَوَصَلَ مِنْهُ غَايَةً مَرْضِيَّةً وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم كَبْشًا أَقْرَنَ وَصَفَهُ بِالْأَقْرَنِ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ وَأَحْسَنُ صُورَةً وَلِأَنَّ قَرْنَهُ يُنْتَفَعُ بِهِ وَالدَّجَاجَةُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَيُقَالُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ وَغَيْرُهُمْ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تعالى وإذا حضر القسمة وَأَمَّا فِقْهُ الْفَصْلِ فَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى التَّبْكِيرِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَأَنَّ مَرَاتِبَ النَّاسِ فِي الْفَضِيلَةِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ وَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ وَفِيهِ أَنَّ الْقُرْبَانَ وَالصَّدَقَةَ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ بَعْدَ الْكَبْشِ بَطَّةٌ ثُمَّ دَجَاجَةٌ ثُمَّ بَيْضَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ الْكَبْشِ دَجَاجَةٌ ثُمَّ عُصْفُورٌ ثُمَّ بَيْضَةٌ وَإِسْنَادَا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَانِ وَفِيهِ أَنَّ التَّضْحِيَةَ بِالْإِبِلِ أَفْضَلُ مِنَ الْبَقَرَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ الْإِبِلَ وَجَعَلَ الْبَقَرَةَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِبِلَ أَفْضَلُ مِنَ الْبَقَرِ فِي الْهَدَايَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْأُضْحِيَّةِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ الْإِبِلَ أَفْضَلُ ثُمَّ الْبَقَرَ ثُمَّ الْغَنَمَ كَمَا فِي الْهَدَايَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ أَفْضَلَ الْأُضْحِيَّةِ الْغَنَمُ ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الْإِبِلُ قَالُوا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْهَدَايَا وَأَمَّا تَضْحِيَتُهُ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا تَرْجِيحُ الْغَنَمِ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَمَكَّنْ ذَلِكَ الْوَقْتَ إِلَّا مِنَ الْغَنَمِ أَوْ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ضَحَّى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم حضرت الملائكة يستمعون قالوا هولاء الْمَلَائِكَةُ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَظِيفَتُهُمْ كِتَابَةُ حَاضِرِي الْجُمُعَةِ

[851]

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم إِذَا قُلْتَ

ص: 137

لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَدْ لَغَيْتَ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ هِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا هُوَ فَقَدْ لَغَوْتَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ لَغَا يَلْغُو كَغَزَا يَغْزُو وَيُقَالُ لَغِيَ يَلْغَى كَعَمِيَ يَعْمَى لُغَتَانِ الْأُولَى أَفْصَحُ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي هَذِهِ الثَّانِيَةَ الَّتِي هِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه وَهَذَا مِنْ لَغِيَ يَلْغَى وَلَوْ كَانَ مِنَ الأول لقال والغوا بضم الغين قال بن السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ مَصْدَرُ الْأَوَّلِ اللَّغْوُ وَمَصْدَرُ الثَّانِي اللَّغْيُ وَمَعْنَى فَقَدْ لَغَوْتَ أَيْ قُلْتَ اللَّغْوَ وَهُوَ الْكَلَامُ الْمَلْغِيُّ السَّاقِطُ الْبَاطِلُ الْمَرْدُودُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ قُلْتَ غَيْرَ الصَّوَابِ وَقِيلَ تَكَلَّمْتَ بِمَا لَا يَنْبَغِي فَفِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ حَالَ الْخُطْبَةِ وَنَبَّهَ بِهَذَا عَلَى مَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ أَنْصِتْ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَسَمَّاهُ لَغْوًا فَيَسِيرُهُ مِنَ الْكَلَامِ أَوْلَى وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ إِذَا أَرَادَ نَهْيَ غَيْرِهِ عَنِ الْكَلَامِ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ بِالسُّكُوتِ إِنْ فَهِمَهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَهْمُهُ فَلْيَنْهَهُ بِكَلَامٍ مُخْتَصَرٍ وَلَا يَزِيدُ عَلَى أَقَلِّ مُمْكِنٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكَلَامِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعَيِّ قَالَ الْقَاضِي قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لِلْخُطْبَةِ وَحُكِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَبَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلا إذا تلى فِيهَا الْقُرْآنَ قَالَ وَاخْتَلَفُوا إِذَا لَمْ يَسْمَعِ الْإِمَامُ هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِنْصَاتُ كَمَا لَوْ سَمِعَهُ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَلْزَمُهُ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَحَدُ قولي الشافعي

ص: 138

لَا يَلْزَمُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَالِ لخطبة وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حنيفة يجب الانصات بخروج الإمام

[852]

قوله ص فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَفِي رِوَايَةٍ قَائِمٌ يُصَلِّي وَفِي رِوَايَةٍ وَهِيَ

ص: 139

سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ قَوْلُهُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ الْمَضْمُومَةِ قَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي وَقْتِ هَذِهِ السَّاعَةِ وَفِي مَعْنَى قَائِمٌ يُصَلِّي فَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ مِنْ بَعْدِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ قَالُوا وَمَعْنَى يُصَلِّي يَدْعُو وَمَعْنَى قَائِمٌ مُلَازِمٌ وَمُوَاظِبٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ مِنْ حِينِ خُرُوجِ الْإِمَامِ إِلَى فَرَاغِ الصَّلَاةِ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ حَتَّى يَفْرُغَ وَالصَّلَاةُ عِنْدَهُمْ عَلَى ظَاهِرِهَا وَقِيلَ مِنْ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الصَّلَاةِ وَقِيلَ آخِرَ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ هَذَا آثَارٌ مُفَسِّرَةٌ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ قَالَ وَقِيلَ عِنْدَ الزَّوَالِ وَقِيلَ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ نَحْوَ ذِرَاعٍ وَقِيلَ هِيَ مَخْفِيَّةٌ فِي الْيَوْمِ كُلِّهِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقِيلَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ الْقَاضِي وَلَيْسَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ وَقْتٌ لَهَا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ بَلِ

ص: 140

الصَّوَابُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ

[853]

قَوْلُهُ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ مِنْ قَوْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ بَلَغَ بِهِ أبا مُوسَى وَلَمْ يَرْفَعْهُ قَالَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي بُرْدَةَ كَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بردة وتابعه واصل الا حدب ومخالد رَوَيَاهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفٌ وَلَا يَثْبُتُ قَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ خَالِدٍ قُلْتُ لِمَخْرَمَةَ سَمِعْتُ مِنْ أَبِيكَ شَيْئًا قَالَ لَا هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَهَذَا الَّذِي اسْتَدْرَكَهُ بَنَاهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ لَهُ وَلِأَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَقْفٌ وَرَفْعٌ أَوْ إِرْسَالٌ وَاتِّصَالٌ حَكَمُوا بِالْوَقْفِ وَالْإِرْسَالِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ ضَعِيفَةٌ مَمْنُوعَةٌ وَالصَّحِيحُ طَرِيقَةُ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَمُحَقِّقِي الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِالرَّفْعِ وَالِاتِّصَالِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحًا فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَسَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ بَعْدَهَا وَقَدْ رُوِّيْنَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ ذَاكَرْتُ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ حَدِيثَ مَخْرَمَةَ هَذَا فَقَالَ مُسْلِمٌ هُوَ أَجْوَدُ حَدِيثٍ وَأَصَحُّهُ في بيان ساعة الْجُمُعَةِ

[854]

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ

ص: 141

وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْفَضَائِلَ الْمَعْدُودَةَ لَيْسَتْ لِذِكْرِ فَضِيلَتِهِ لِأَنَّ إِخْرَاجَ آدَمَ وَقِيَامَ السَّاعَةِ لَا يُعَدُّ فَضِيلَةً وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعِظَامِ وَمَا سَيَقَعُ لِيَتَأَهَّبَ الْعَبْدُ فِيهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِنَيْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَدَفْعِ نِقْمَتِهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بن العزى فِي كِتَابِهِ الْأَحْوَذِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الْجَمِيعُ مِنَ الْفَضَائِلِ وَخُرُوجُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ هُوَ سَبَبُ وُجُودِ الذُّرِّيَّةِ وَهَذَا النَّسْلِ الْعَظِيمِ وَوُجُودِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا طَرْدًا بَلْ لِقَضَاءِ أَوْطَارٍ ثُمَّ يَعُودُ إِلَيْهَا وَأَمَّا قِيَامُ السَّاعَةِ فَسَبَبٌ لِتَعْجِيلِ جَزَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَإِظْهَارِ كَرَامَتِهِمْ وَشَرَفِهِمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَزِيَّتُهُ عَلَى سائر الأيام وفيه دليل لمسئلة غَرِيبَةٍ حَسَنَةٍ وَهِيَ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتَ طَالِقٌ فِي أَفْضَلِ الْأَيَّامِ وَفِيهَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا تَطْلُقُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالثَّانِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَأَمَّا إِنْ أَرَادَ أَفْضَلَ أَيَّامِ السَّنَةِ فَيَتَعَيَّنُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَإِنْ أَرَادَ أَفْضَلَ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ فَيَتَعَيَّنُ الْجُمُعَةُ وَلَوْ قَالَ أَفْضَلُ لَيْلَةٍ تَعَيَّنَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَهِيَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ قَبْلَ مُضِيِّ أَوَّلِ ليلة من العشر طلقت فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنَ الشَّهْرِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ لَيْلَةٍ مِنَ الْعَشْرِ أَوْ أكْثَرَ لَمْ تَطْلُقْ إِلَّا فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ مِثْلِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ هِيَ مُنْتَقِلَةٌ لَا تَطْلُقُ إِلَّا فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ مِنَ الشَّهْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[855]

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم نَحْنُ الْآخِرُونَ وَنَحْنُ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ الْآخِرُونَ فِي الزَّمَانِ وَالْوُجُودِ السَّابِقُونَ بِالْفَضْلِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ فَتَدْخُلُ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْجَنَّةَ قَبْلَ سَائِرِ الأمم

ص: 142

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم بَيْدَ أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أُوتِيَتِ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدَهِمْ هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ لَفْظَةُ بَيْدَ تَكُونُ بِمَعْنَى غَيْرَ وَبِمَعْنَى عَلَى وَبِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ هُنَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَيُقَالُ مَيْدَ بِمَعْنَى بَيْدَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا هَدَانَا اللَّهُ لَهُ فِيهِ دَلِيلٌ لِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم الْيَهُودُ غَدًا أَيْ عِيدُ الْيَهُودِ غَدًا لِأَنَّ ظُرُوفَ الزَّمَانِ لَا تَكُونُ أَخْبَارًا عَنِ الْجُثَثِ فَيُقَدَّرُ فِيهِ مَعْنًى يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ خَبَرًا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَهَذَا يَوْمُهُمْ أَيِ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ قَالَ الْقَاضِي الظَّاهِرُ أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ تَعْظِيمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ وَوُكِّلَ إِلَى اجْتِهَادِهِمْ لِإِقَامَةِ شَرَائِعِهِمْ فِيهِ فَاخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمْ فِي تَعْيِينِهِ وَلَمْ يَهْدِهِمُ اللَّهُ لَهُ وَفَرَضَهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مُبَيَّنًا وَلَمْ يَكِلْهُ إِلَى اجْتِهَادِهِمْ فَفَازُوا بِتَفْضِيلِهِ قَالَ وَقَدْ جَاءَ أَنَّ مُوسَى عليه السلام أَمَرَهُمْ بِالْجُمُعَةِ وَأَعْلَمَهُمْ بِفَضْلِهَا فَنَاظَرُوهُ أَنَّ السَّبْتَ أَفْضَلُ فَقِيلَ لَهُ دَعْهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَلَوْ كَانَ مَنْصُوصًا لَمْ يَصِحَّ اخْتِلَافُهُمْ فِيهِ بَلْ كَانَ يَقُولُ خَالِفُوا فِيهِ قلت ويمكن

ص: 143

أَنْ يَكُونَ أُمِرُوا بِهِ صَرِيحًا وَنُصَّ عَلَى عَيْنِهِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ يَلْزَمُ تَعْيِينُهُ أَمْ لَهُمْ إِبْدَالُهُ وَأَبْدَلُوهُ وَغَلِطُوا فِي إِبْدَالِهِ

[856]

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم أَضَلَّ اللَّهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْهُدَى وَالْإِضْلَالَ وَالْخَيْرَ وَالشَّرَّ كُلَّهُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ فِعْلُهُ خِلَافًا للمعتزلة

ص: 144

[850]

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَمَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ التَّهْجِيرُ التَّبْكِيرُ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ أَيِ التَّبْكِيرِ إِلَى كُلِّ صلاة هكذا فَسَّرُوهُ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ الْحَرْبِيُّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنِ الْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِ التَّهْجِيرُ السَّيْرُ فِي الْهَاجِرَةِ وَالصَّحِيحُ هُنَا أَنَّ التَّهْجِيرَ التَّبْكِيرُ وَسَبَقَ شرح تمام الحديث قريبا قوله مَثَّلَ الْجَزُورَ ثُمَّ نَزَّلَهُمْ حَتَّى صَغَّرَ إِلَى مَثَلِ الْبَيْضَةِ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ الْأَوَّلُ مَثَّلَ بِتَشْدِيدِ الثاء وفتح الميم ونزلهم أَيْ ذَكَرَ مَنَازِلَهُمْ فِي السَّبْقِ وَالْفَضِيلَةِ وَقَوْلُهُ صَغَّرَ بِتَشْدِيدِ الْغَيْنِ وَقَوْلُهُ مَثَلِ الْبَيْضَةِ هُوَ بفتح الميم والثاء المخففة

[850]

قوله ص فَإِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَسَبَقَ فِي الحديث

ص: 145

الْآخَرِ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا بَلْ ظَاهِرُ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ يَحْضُرُونَ وَلَا يَطْوُونَ الصُّحُفَ فَإِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ طَوَوْهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْجُلُوسِ لِلْخُطْبَةِ أَوَّلَ صُعُودِهِ حَتَّى يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْخُطْبَةِ

[857]

قوله ص مَنِ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِيهِ فَضِيلَةُ الْغُسْلِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ وَتَحْسِينُ الْوُضُوءِ وَمَعْنَى إِحْسَانِهِ الْإِتْيَانُ بِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَدَلْكُ الْأَعْضَاءِ وَإِطَالَةُ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ وَتَقْدِيمُ الْمَيَامِنِ وَالْإِتْيَانُ بِسُنَنِهِ الْمَشْهُورَةِ وَفِيهِ أَنَّ التَّنَفُّلَ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ أَنَّ النَّوَافِلَ الْمُطْلَقَةَ لَا حَدَّ لَهَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ وَفِيهِ الْإِنْصَاتُ لِلْخُطْبَةِ وَفِيهِ أَنَّ الْكَلَامَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ لَا بَأْسَ بِهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى ثُمَّ أَنْصَتَ هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْمُحَقَّقَةِ الْمُعْتَمَدَةِ بِبِلَادِنَا

ص: 146

وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْجُمْهُورِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ بِبِلَادِنَا انْتَصَتَ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنِ الْبَاجِيِّ وَآخَرُونَ انْتَصَتَ بِزِيَادَةِ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ قَالَ وَهُوَ وَهْمٌ قُلْتُ لَيْسَ هُوَ وَهْمًا بَلْ هِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْمُخْتَصَرِ يُقَالُ أنصت ونصت وانتصت ثلاث لغات وقوله ص فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ هُمَا شَيْئَانِ مُتَمَايِزَانِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فَالِاسْتِمَاعُ الْإِصْغَاءُ وَالْإِنْصَاتُ السُّكُوتُ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا وَقَوْلُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْإِمَامِ وَعَادَ الضمير إليه للعلم به وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَفَضْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَزِيَادَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ هُوَ بِنَصْبِ فَضْلَ وَزِيَادَةَ عَلَى الظَّرْفِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْمَغْفِرَةِ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَصَارَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الْجَمِيلَةَ فِي مَعْنَى الْحَسَنَةِ الَّتِي تُجْعَلُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَالْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَتِهَا إِلَى مِثْلِ الْوَقْتِ مِنَ الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ حَتَّى تَكُونَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَيُضَمُّ إِلَيْهَا ثَلَاثَةٌ فَتَصِيرُ عَشَرَةً قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم ومن مس الحصا لغا فيه النهى عن مس الحصا وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَبَثِ فِي حَالَةِ الْخُطْبَةِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِقْبَالِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ عَلَى الْخُطْبَةِ وَالْمُرَادُ بِاللَّغْوِ هُنَا الْبَاطِلُ الْمَذْمُومُ الْمَرْدُودُ وقد سبق بيانه قريبا

[858]

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثم نَرْجِعُ فَنُرِيحُ نَوَاضِحَنَا وَفُسِّرَ الْوَقْتُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَفِي حديث سهل

ص: 147

[859]

مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ

[860]

وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا زَالَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ وَفِي رِوَايَةٍ مَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ فَيْئًا نَسْتَظِلُّ بِهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَعْجِيلِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ إِلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إِلَّا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ فجوازها قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ الْقَاضِي وَرُوِيَ فِي هَذَا أَشْيَاءُ عَنِ الصَّحَابَةِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْجِيلِهَا وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الْغَدَاءَ وَالْقَيْلُولَةَ فِي هَذَا الْيَوْمِ إِلَى مَا بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُمْ نُدِبُوا

ص: 148

إِلَى التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا فَلَوِ اشْتَغَلُوا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَهَا خَافُوا فَوْتَهَا أَوْ فَوْتَ التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا وَقَوْلُهُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِشِدَّةِ التَّبْكِيرِ وَقِصَرِ حِيطَانِهِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ كان قد صار فيء يسير وقوله وما نجد فَيْئًا نَسْتَظِلُّ بِهِ مُوَافِقٌ لِهَذَا فَإِنَّهُ لَمْ يَنْفِ الْفَيْءَ مِنْ أَصْلِهِ وَإِنَّمَا نَفَى مَا يُسْتَظَلُّ بِهِ وَهَذَا مَعَ قِصَرِ الْحِيطَانِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ مُتَّصِلَةً بِهِ قَوْلُهُ نُرِيحُ نَوَاضِحَنَا هُوَ جَمْعُ نَاضِحٍ وَهُوَ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسْتَقَى بِهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يَنْضَحُ الْمَاءَ أَيْ يَصُبُّهُ وَمَعْنَى نُرِيحُ أَيْ نُرِيحُهَا مِنَ الْعَمَلِ وَتَعَبِ السَّقْيِ فَنُخَلِّيهَا مِنْهُ وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الرَّوَاحَ لِلرَّعْيِ قَوْلُهُ كُنَّا نُجَمِّعُ هُوَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ نُصَلِّي الْجُمُعَةَ

[861]

قَوْلُهُ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَائِمًا ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَذْكُرُ النَّاسَ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِمًا فَمَنْ نَبَّأَكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِسًا فَقَدْ كَذَبَ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لَا تَصِحُّ مِنَ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ إِلَّا قَائِمًا في الخطبتين

ص: 149

وَلَا يَصِحُّ حَتَّى يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِخُطْبَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي ذَهَبَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ إِلَى اشْتِرَاطِ الْخُطْبَتَيْنِ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ وعن الحسن البصري وأهل الظاهر ورواية بن الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَصِحُّ بِلَا خُطْبَةٍ وحكى بن عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا قَائِمًا لِمَنْ أَطَاقَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ قَاعِدًا وَلَيْسَ الْقِيَامُ بِوَاجِبٍ وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ وَاجِبٌ لَوْ تَرَكَهُ أَسَاءَ وَصَحَّتِ الْجُمُعَةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ الْجُلُوسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا شَرْطٍ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ فَرْضٌ وَشَرْطٌ لِصِحَّةِ الْخُطْبَةِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ يَقُلْ هَذَا غَيْرُ الشَّافِعِيِّ وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ ثَبَتَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ قوله ص صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي

[862]

وَقَوْلُهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْخُطْبَةِ الْوَعْظُ وَالْقُرْآنُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ الْخُطْبَتَانِ إِلَّا بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِمَا وَالْوَعْظِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَاجِبَاتٌ فِي الْخُطْبَتَيْنِ وَتَجِبُ قِرَاءَةُ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فِي إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ وَيَجِبُ الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ يَكْفِي مِنَ الْخُطْبَةِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَكْفِي تَحْمِيدَةٌ أَوْ تَسْبِيحَةٌ أَوْ تَهْلِيلَةٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً وَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُهَا مَعَ مُخَالَفَتِهِ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ فَقَدْ وَاللَّهِ صَلَّيْتُ مَعَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْ صَلَاةٍ الْمُرَادُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ لا الجمعة

[863]

قَوْلُهُ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ فَانْفَتَلَ النَّاسُ إِلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَأُنْزِلَتْ هذه

ص: 150

الْآيَةُ الَّتِي فِي الْجُمُعَةِ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَفِي الْأُخْرَى أَنَا فِيهِمْ فِيهِ مَنْقَبَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَجَابِرٍ وَفِيهِ أَنَّ الْخُطْبَةَ تَكُونُ مِنْ قِيَامٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ قَالَ تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا وَأَجَابَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَشْتَرِطُ أَرْبَعِينَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ رَجَعُوا أَوْ رَجَعَ مِنْهُمْ تَمَامُ أَرْبَعِينَ فَأَتَمَّ بِهِمُ الْجُمُعَةَ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ الْحَدِيثَ وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ انْتِظَارُهَا فِي حَالِ الْخُطْبَةِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَاتِ مسلم هذه قوله اذ أَقْبَلَتْ سُوَيْقَةٌ هُوَ تَصْغِيرُ سُوقٍ وَالْمُرَادُ الْعِيرُ الْمَذْكُورَةُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ الْإِبِلُ الَّتِي تَحْمِلُ الطَّعَامَ أَوِ التِّجَارَةَ لَا تُسَمَّى عِيرًا إِلَّا هَكَذَا وَسُمِّيَتْ سُوقًا لِأَنَّ الْبَضَائِعَ تُسَاقُ إِلَيْهَا وَقِيلَ لِقِيَامِ النَّاسِ فِيهَا عَلَى سُوقِهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ أَنَّ خُطْبَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الَّتِي انْفَضُّوا عَنْهَا إِنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَظَنُّوا أَنَّهُ لَا شَيْءَ

ص: 151

عَلَيْهِمْ فِي الِانْفِضَاضِ عَنِ الْخُطْبَةِ وَأَنَّهُ قَبْلَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ إِنَّمَا كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْخُطْبَةِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا أَشْبَهُ بِحَالِ الصَّحَابَةِ وَالْمَظْنُونِ بِهِمْ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَدَعُونَ الصَّلَاةَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنَّهُمْ ظَنُّوا جَوَازَ الِانْصِرَافِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ قَالَ وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَوْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا خَطَبَ قَطُّ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَهَا

[864]

قَوْلُهُ انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا رَأَوْا تجارة أولهوا انفضوا إليها وتركوك قائما هَذَا الْكَلَامُ يَتَضَمَّنُ إِنْكَارَ الْمُنْكَرِ وَالْإِنْكَارَ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ إِذَا خَالَفُوا السُّنَّةَ وَوَجْهُ اسْتِدْلَالِهِ بِالْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حسنة مع قوله تعالى فَاتَّبِعُوهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم صَلُّوا كما رأيتموني أصلي

[865]

قَوْلُهُ سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فِيهِ اسْتِحْبَابُ اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ وَهُوَ سُنَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ وَدْعِهِمْ أَيْ تَرْكِهِمْ وَفِيهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ وَمَعْنَى الْخَتْمِ الطَّبْعُ والتغطية

ص: 152

قَالُوا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى خَتَمَ اللَّهُ على قلوبهم أي طبع وَمِثْلُهُ الرَّيْنُ فَقِيلَ الرَّيْنُ الْيَسِيرُ مِنَ الطَّبْعِ وَالطَّبْعُ الْيَسِيرُ مِنَ الْأَقْفَالِ وَالْأَقْفَالُ أَشَدُّهَا قَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي هَذَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَقِيلَ هُوَ إِعْدَامُ اللُّطْفِ وَأَسْبَابُ الْخَيْرِ وَقِيلَ هُوَ خَلْقُ الْكُفْرِ فِي صُدُورِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ السُّنَّةِ قَالَ غَيْرُهُمْ هُوَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ هُوَ عَلَامَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِهِمْ لِتَعْرِفَ بِهَا الْمَلَائِكَةُ مَنْ يمدح ومن يذم

[866]

قَوْلُهُ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا أَيْ بَيْنَ الطُّولِ الظَّاهِرِ وَالتَّخْفِيفِ الْمَاحِقِ

[867]

قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم مساكم وَيَقُولُ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خير الحديث

ص: 153

كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرَ الْهَدْيَ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جُمَلٌ مِنَ الْفَوَائِدِ وَمُهِمَّاتٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَالضَّمِيرُ فِي قوله يقول صبحكم مساكم عَائِدٌ عَلَى مُنْذِرِ جَيْشٍ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم بُعِثْتُ أَنَا والساعة روى بنصبها ورفعها والمشهور نصبها على المفعول معه وَقَوْلُهُ يَقْرُنُ هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ الفصيح وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَقَوْلُهُ السَّبَّابَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُشِيرُونَ بِهَا عِنْدَ السَّبِّ وَقَوْلُهُ خَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ هُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ فِيهِمَا وَبِفَتْحِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ أَيْضًا ضَبَطْنَاهُ بِالْوَجْهَيْنِ وَكَذَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ بِالْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَوَيْنَاهُ فِي مُسْلِمٍ بِالضَّمِّ وَفِي غَيْرِهِ بِالْفَتْحِ وَبِالْفَتْحِ ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ وَفَسَّرَهُ الْهَرَوِيُّ عَلَى رِوَايَةِ الْفَتْحِ بِالطَّرِيقِ أَيْ أَحْسَنُ الطُّرُقِ طَرِيقُ مُحَمَّدٍ يُقَالُ فُلَانٌ حَسَنُ الْهَدْيِ أَيِ الطَّرِيقَةِ وَالْمَذْهَبِ اهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الضَّمِّ فَمَعْنَاهُ الدَّلَالَةُ وَالْإِرْشَادُ قَالَ الْعُلَمَاءُ لَفْظُ الْهَدْيِ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا بِمَعْنَى الدَّلَالَةِ وَالْإِرْشَادِ وَهُوَ الَّذِي يُضَافُ إِلَى الرُّسُلِ وَالْقُرْآنِ وَالْعِبَادِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هي أقوم يبشر المؤمنين وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ أَيْ بَيَّنَّا لَهُمُ الطَّرِيقَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ وَالثَّانِي بِمَعْنَى اللُّطْفِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ وَالتَّأْيِيدِ وَهُوَ الَّذِي تَفَرَّدَ اللَّهُ بِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَقَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ حَيْثُ جَاءَ الْهُدَى فَهُوَ لِلْبَيَانِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمُ الْفَاسِدِ فِي إِنْكَارِ الْقَدَرِ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ مُثْبِتِي الْقَدَرِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلى صراط مستقيم فَفَرَّقَ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالْهِدَايَةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ هَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَالْمُرَادُ غَالِبُ الْبِدَعِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هِيَ كُلُّ شَيْءٍ عُمِلَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْبِدْعَةُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ وَمُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمُبَاحَةٌ فَمِنَ الْوَاجِبَةِ نَظْمُ أدلة المتكلمين

ص: 154

لِلرَّدِّ عَلَى الْمَلَاحِدَةِ وَالْمُبْتَدِعِينَ وَشِبْهُ ذَلِكَ وَمِنَ الْمَنْدُوبَةِ تَصْنِيفُ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبِنَاءُ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَمِنَ الْمُبَاحِ التَّبَسُّطُ فِي أَلْوَانِ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَالْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ ظَاهِرَانِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا الْمَبْسُوطَةِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ فَإِذَا عُرِفَ مَا ذَكَرْتُهُ عُلِمَ أَنَّ الْحَدِيثَ مِنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ قَوْلُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التَّرَاوِيحِ نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِ الْحَدِيثِ عَامًّا مَخْصُوصًا قَوْلُهُ كُلُّ بِدْعَةٍ مُؤَكَّدًا بِكُلِّ بَلْ يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ مَعَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ هُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى النَّبِيُّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم أَيْ أَحَقُّ قَالَ أَصْحَابُنَا فَكَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا اضْطُرَّ إِلَى طَعَامِ غَيْرِهِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ إِلَيْهِ لِنَفْسِهِ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْذُهُ مِنْ مَالِكِهِ الْمُضْطَرِّ وَوَجَبَ عَلَى مَالِكِهِ بَذْلُهُ لَهُ صلى الله عليه وسلم قَالُوا وَلَكِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَمَا وَقَعَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الضَّيَاعُ بِفَتْحِ الضَّادِ العيال قال بن قُتَيْبَةَ أَصْلُهُ مَصْدَرُ ضَاعَ يَضِيعُ ضَيَاعًا الْمُرَادُ مَنْ تَرَكَ أَطْفَالًا وَعِيَالًا ذَوِي ضَيَاعٍ فَأَوْقَعَ الْمَصْدَرَ مَوْضِعَ الِاسْمِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يُخَلِّفْ بِهِ وَفَاءً لِئَلَّا يَتَسَاهَلَ النَّاسُ فِي الِاسْتِدَانَةِ وَيُهْمِلُوا الوفاء فزجرهم عن ذَلِكَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَبَادِي الْفُتُوحِ قَالَ صلى الله عليه وسلم مَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ أَيْ قَضَاؤُهُ فَكَانَ يَقْضِيهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الدَّيْنِ أَمْ كَانَ يَقْضِيهِ تَكَرُّمًا وَالْأَصَحُّ عِنْدهُمْ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ هَذِهِ مِنَ الْخَصَائِصِ أَمْ لَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ أَنْ يَقْضِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ دَيْنَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ إِذَا لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً وَكَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ سَعَةٌ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَهَمَّ مِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَمْثِيلٌ لِمُقَارَبَتِهَا وَأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا إِصْبَعٌ أُخْرَى كَمَا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِتَقْرِيبِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُدَّةِ وَأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا كَنِسْبَةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْإِصْبَعَيْنِ تَقْرِيبًا لَا تَحْدِيدًا قَوْلُهُ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ

ص: 155

يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يُفَخِّمَ أَمْرَ الْخُطْبَةِ وَيَرْفَعَ صَوْتَهُ وَيُجْزِلَ كَلَامَهُ وَيَكُونَ مُطَابِقًا لِلْفَصْلِ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ مِنْ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ وَلَعَلَّ اشْتِدَادَ غَضَبِهِ كَانَ عِنْدَ إِنْذَارِهِ أَمْرًا عَظِيمًا وَتَحْدِيدِهِ خَطْبًا جَسِيمًا قَوْلُهُ وَيَقُولُ أَمَّا بَعْدُ فِيهِ اسْتِحْبَابُ قَوْلِ أَمَّا بَعْدُ فِي خُطَبِ الْوَعْظِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا فِي خُطَبِ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ وَقَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ بَابًا فِي اسْتِحْبَابِهِ وَذَكَرَ فِيهِ جُمْلَةً مِنَ الْأَحَادِيثِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَوَّلِ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ فَقِيلَ دَاوُدُ عليه السلام وَقِيلَ يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ وَقِيلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِنَّهُ فَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ دَاوُدُ وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ فَصْلُ الْخِطَابِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ قَوْلُهُ كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ إِلَى آخِرِهِ فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ يَجِبُ حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْخُطْبَةِ وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُهُ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ

[868]

قَوْلُهُ إِنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وكان يرقى من هذه الريح أما ضمادا فَبِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَشَنُوءَةُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَضَمِّ النون

ص: 156

وَبَعْدَهَا مَدَّةٌ وَيَرْقِي بِكَسْرِ الْقَافِ وَالْمُرَادُ بِالرِّيحِ هُنَا الْجُنُونُ وَمَسُّ الْجِنِّ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَرْقِي مِنَ الْأَرْوَاحِ أَيِ الْجِنِّ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يُبْصِرُهُمُ النَّاسُ فَهُمْ كَالرُّوحِ وَالرِّيحِ قَوْلُهُ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ ضَبَطْنَاهُ بِوَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا نَاعُوسُ بِالنُّونِ وَالْعَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَالثَّانِي قَامُوسُ بِالْقَافِ وَالْمِيمِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَكْثَرُ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقَعَ فِيهَا قَاعُوسُ بِالْقَافِ وَالْعَيْنِ قَالَ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ تَاعُوسُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ نَاعُوسُ بِالنُّونِ وَالْعَيْنِ قَالَ وَذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ فِي أَطْرَافِ الصَّحِيحَيْنِ وَالْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ قَامُوسُ بِالْقَافِ وَالْمِيمِ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الصَّوَابُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ قاموس البحر وسطه وقال بن دُرَيْدٍ لُجَّتُهُ وَقَالَ صَاحِبُ كِتَابِ الْعَيْنِ قَعْرُهُ الْأَقْصَى وَقَالَ الْحَرْبِيُّ قَامُوسُ الْبَحْرِ قَعْرُهُ وَقَالَ أَبُو مَرْوَانَ بْنُ سَرَّاجٍ قَامُوسٌ فَاعُولٌ مِنْ قَمَسْتُهُ إِذَا غَمَسْتُهُ فَقَامُوسُ الْبَحْرِ لُجَّتُهُ الَّتِي تَضْطَرِبُ أَمْوَاجُهَا وَلَا تَسْتَقِرُّ مِيَاهُهَا وَهِيَ لَفْظَةٌ عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ لَمْ أَجِدْ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ ثَلْجًا وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْحُسَيْنِ قَاعُوسُ الْبَحْرِ بِالْقَافِ وَالْعَيْنِ صَحِيحٌ بِمَعْنَى قَامُوسٍ كَأَنَّهُ مِنَ الْقَعْسِ وَهُوَ تَطَامُنُ الظَّهْرِ وَتَعَمُّقُهُ فَيَرْجِعُ إِلَى عُمْقِ الْبَحْرِ وَلُجَّتِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي رضي الله عنه وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَصْفَهَانِيُّ وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ نَاعُوسُ الْبَحْرِ بِالنُّونِ وَالْعَيْنِ قَالَ

ص: 157

وَفِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ قَامُوسُ وَهُوَ وَسَطُهُ وَلُجَّتُهُ قَالَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مَوْجُودَةً فِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ الَّذِي رَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ لَكِنَّهُ قَرَنَهُ بِأَبِي مُوسَى فَلَعَلَّهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى قَالَ وَإِنَّمَا أَوْرَدَ مِثْلَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَطْلُبُهَا فَلَا يَجِدُهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ فَيَتَحَيَّرُ فَإِذَا نَظَرَ فِي كِتَابِي عَرَفَ أَصْلَهَا وَمَعْنَاهَا قَوْلُهُ هَاتِ هُوَ بِكَسْرِ التَّاءِ قَوْلُهُ أَصَبْتُ مطهرة هي بكسر الميم وفتحها حكاها بن السكيت وغيره الكسر أَشْهَرُ

[869]

قَوْلُهُ عَبْدُ الْمَلَكِ بْنُ أَبْجَرَ بِالْجِيمِ قَوْلُهُ وَاصِلُ بْنُ حَيَّانَ بِالْمُثَنَّاةِ قَوْلُهُ لَوْ كُنْتُ تَنَفَّسْتُ أَيْ أَطَلْتُ قَلِيلًا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ مُشَدَّدَةٍ أَيْ عَلَامَةٌ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ الْمِيمُ فِيهَا زَائِدَةٌ وَهِيَ مَفْعَلَةٌ قَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ غَلِطَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي جَعْلِهِ الْمِيمَ أَصْلِيَّةً قال القاضي عياض قال شيخنا بن سَرَّاجٍ هِيَ أَصْلِيَّةٌ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ الْهَمْزَةُ فِي وَاقْصُرُوا هَمْزَةُ وَصْلٍ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفًا لِلْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْأَمْرِ بِتَخْفِيفِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا لِأَنَّ المراد

ص: 158

بِالْحَدِيثِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَكُونُ طَوِيلَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخُطْبَةِ لَا تَطْوِيلًا يَشُقُّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَهِيَ حِينَئِذٍ قَصْدٌ أَيْ مُعْتَدِلَةٌ وَالْخُطْبَةُ قَصْدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَضْعِهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ مِنَ الْفَهْمِ وَذَكَاءِ الْقَلْبِ قَالَ الْقَاضِي فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ذَمٌّ لِأَنَّهُ إِمَالَةُ الْقُلُوبِ وَصَرْفُهَا بِمَقَاطِعِ الْكَلَامِ إِلَيْهِ حَتَّى يَكْسِبَ مِنَ الْإِثْمِ بِهِ كَمَا يَكْسِبُ بِالسِّحْرِ وَأَدْخَلَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْكَلَامِ وَهُوَ مَذْهَبُهُ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَدْحٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ بِتَعْلِيمِهِمُ الْبَيَانَ وَشَبَّهَهُ بِالسِّحْرِ لِمَيْلِ الْقُلُوبِ إِلَيْهِ وَأَصْلُ السِّحْرِ الصَّرْفُ فَالْبَيَانُ يَصْرِفُ الْقُلُوبَ وَيَمِيلُهَا إِلَى مَا تَدْعُو إِلَيْهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا التَّأْوِيلُ الثاني هو الصحيح المختار قوله عن بن أَبْجَرَ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ خَطَبَنَا عَمَّارٌ هَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وقال تفرد به بن أَبْجَرَ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَخَالَفَهُ الْأَعْمَشُ وَهُوَ أَحْفَظُ بِحَدِيثِ أَبِي وَائِلٍ فَحَدَّثَ به عن أبي وائل عن بن مَسْعُودٍ هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مثل هذا الاستدراك مردود لأن بن أبجر ثقة يوجب قَبُولُ رِوَايَتِهِ

[870]

قَوْلُهُ فَقَدْ رَشَدَ بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِهَا قَوْلُهُ إِنَّ رَجُلًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ قُلْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى قَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ لِتَشْرِيكِهِ فِي الضَّمِيرِ الْمُقْتَضِي لِلتَّسْوِيَةِ وَأَمَرَهُ بِالْعَطْفِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى بِتَقْدِيمِ اسْمِهِ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ وَلَكِنْ لِيَقُلْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ أَنَّ الْخُطَبَ شَأْنُهَا الْبَسْطُ وَالْإِيضَاحُ وَاجْتِنَابُ الْإِشَارَاتِ وَالرُّمُوزِ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 159

كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا لِيُفْهَمَ وَأَمَّا قَوْلُ الْأُولَيَيْنِ فَيُضَعَّفُ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا أَنَّ مِثْلَ هَذَا الضَّمِيرِ قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَإِنَّمَا ثَنَّى الضَّمِيرَ ها هنا لِأَنَّهُ لَيْسَ خُطْبَةَ وَعْظٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيمُ حُكْمٍ فَكُلَّمَا قَلَّ لَفْظُهُ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى حِفْظِهِ بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْوَعْظِ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ حِفْظُهُ وَإِنَّمَا يُرَادُ الِاتِّعَاظُ بِهَا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا مَا ثَبَتَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ باسناد صحيح عن بن مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُطْبَةَ الْحَاجَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا وَاللَّهُ أعلم قوله قال بن نُمَيْرٍ فَقَدْ غَوِي هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ غَوِيَ بِكَسْرِ الْوَاوِ قَالَ الْقَاضِي وَقَعَ فِي رِوَايَتَيْ مُسْلِمٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ وَهُوَ مِنَ الْغَيِّ وَهُوَ الِانْهِمَاكُ فِي الشَّرِّ

[871]

قوله سمع النبي صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ فِي الْخُطْبَةِ وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهَا وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا وُجُوبُهَا وَأَقَلُّهَا آية

ص: 160

[873]

قَوْلُهُ مَا حَفِظْتُ ق إِلَّا مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ اخْتِيَارِ ق أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْبَعْثِ وَالْمَوْتِ وَالْمَوَاعِظِ الشَّدِيدَةِ وَالزَّوَاجِرِ الْأَكِيدَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْقِرَاءَةِ فِي الْخُطْبَةِ كَمَا سَبَقَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ قِرَاءَةِ ق أَوْ بَعْضِهَا فِي كُلِّ خُطْبَةٍ قَوْلُهُ عَنْ أُخْتٍ لِعَمْرَةَ هَذَا صَحِيحٌ يُحْتَجُّ بِهِ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ تَسْمِيَتِهَا لِأَنَّهَا صَحَابِيَّةٌ وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ قَوْلُهُ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ سَعِيدٌ عَنْ خُبَيْبٍ هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن خبيب يَسَافٍ الْأَنْصَارِيُّ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ قَوْلُهَا وَكَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاحِدًا إِشَارَةً إِلَى حِفْظِهَا وَمَعْرِفَتِهَا بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقُرْبِهَا مِنْ مَنْزِلِهِ قَوْلُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ سَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَرِوَايَاتِ جَمِيعِ شُيُوخِهِمْ قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ صَوَابَهُ أَسْعَدُ وَغَلِطَ فِي زَعْمِهِ وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِي الْغَلَطِ اغْتِرَارُهُ بِمَا فِي كِتَابِ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ البَيِّعِ فَإِنَّهُ قَالَ صَوَابُهُ أَسْعَدُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ سَعْدٌ وَحَكَى مَا ذَكَرَهُ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَالَّذِي فِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ ضِدُّ مَا قَالَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَارِيخِهِ سَعْدٌ وَقِيلَ أَسْعَدُ وَهُوَ وَهْمٌ فَانْقَلَبَ الْكَلَامُ عَلَى الحكم وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ سَيِّدُ الْخَزْرجِ وَأَخُوهُ هَذَا سَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ جَدُّ يَحْيَى وَعَمْرَةَ أَدْرَكَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ كَثِيرُونَ فِي الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْمُنَافِقِينَ قَوْلُهُ

ص: 161

[874]

عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رضي الله عنه حِينَ رَفَعَ بِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ يَدَيْهِ فِي الْخُطْبَةِ قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ما يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ هَذَا فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَرْفَعَ الْيَدَ فِي الْخُطْبَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ إِبَاحَتَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَيْهِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ حِينَ اسْتَسْقَى وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ هَذَا الرفع كان لعارض

[875]

قَوْلُهُ بَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَارْكَعْ وَفِي رِوَايَةٍ قُمْ فَصَلِّ

ص: 162

الرَّكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ لَا قَالَ ارْكَعْ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ فَقَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ لِيُصَلِّ

ص: 163

رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَجَلَسَ فَقَالَ يَا سُلَيْكُ قُمْ وَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ثُمَّ قَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ الْجَامِعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِيهِمَا لِيَسْمَعَ بَعْدَهُمَا الْخُطْبَةَ وَحُكِيَ هَذَا الْمَذْهَبُ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا يُصَلِّيهِمَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم وَحُجَّتُهُمُ الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ لِلْإِمَامِ وَتَأَوَّلُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْقِيَامِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَيَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ يَرُدُّهُ صَرِيحُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا وَهَذَا نَصٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ تَأْوِيلٌ وَلَا أَظُنُّ عَالِمًا يَبْلُغُهُ هَذَا اللَّفْظُ صَحِيحًا فَيُخَالِفُهُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَيْضًا جَوَازُ الْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ لِحَاجَةٍ وَفِيهَا جَوَازُهُ لِلْخَطِيبِ وَغَيْرِهِ وَفِيهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِرْشَادُ إِلَى الْمَصَالِحِ فِي كُلِّ حَالٍ وَمَوْطِنٍ وَفِيهَا أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ وَأَنَّ نَوَافِلَ النَّهَارِ رَكْعَتَانِ وَأَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ فِي حَقِّ جَاهِلِ حُكْمِهَا وَقَدْ أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا فَوَاتَهَا بِالْجُلُوسِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَالِمِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ أَمَّا الْجَاهِلُ فَيَتَدَارَكُهَا عَلَى قُرْبٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْمُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لَا تُتْرَكُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ تُبَاحُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيَلْحَقُ بِهَا كُلُّ ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ كَقَضَاءِ الفائتة

ص: 164

وَنَحْوِهَا لِأَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ فِي حَالٍ لَكَانَ هَذَا الْحَالُ أَوْلَى بِهَا فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ فَلَمَّا تُرِكَ لَهَا اسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ وَقَطَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَهَا الْخُطْبَةَ وَأَمَرَهُ بِهَا بَعْدَ أَنْ قَعَدَ وَكَانَ هَذَا الْجَالِسُ جَاهِلًا حُكْمَهَا دَلَّ عَلَى تَأَكُّدِهَا وَأَنَّهَا لَا تُتْرَكُ بِحَالٍ وَلَا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[876]

قَوْلُهُ انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ غَرِيبٌ جَاءَ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيَّ فَأُتِيَ بِكُرْسِيٍّ حَسِبْتُ قَوَائِمَهُ حَدِيدًا قَالَ فَقَعَدَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأَتَمَّ آخِرَهَا هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النسخ حسبت ورواه بن أَبِي خَيْثَمَةَ فِي غَيْرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ خِلْتُ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ بِمَعْنَى حَسِبْتُ قال القاضي ووقع في نسخة بن الْحَذَّاءِ خَشَبٍ بِالْخَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَفِي كِتَابِ بن قتيبة خلب بضم لخاء وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَفَسَّرَهُ بِاللِّيفِ وَكِلَاهُمَا تَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ حَسِبْتُ بِمَعْنَى ظَنَنْتُ كَمَا هُوَ فِي نُسَخِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَقَوْلُهُ رَجُلٌ غَرِيبٌ يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ لَا يَدْرِي مَا دِينُهُ فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَلَطُّفِ السَّائِلِ فِي عِبَارَتِهِ وَسُؤَالِهِ الْعَالِمَ وَفِيهِ تَوَاضُعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرِفْقُهُ بِالْمُسْلِمِينَ وَشَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ وَخَفْضُ جَنَاحِهِ لَهُمْ وَفِيهِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى جَوَابِ الْمُسْتَفْتِي وَتَقْدِيمُ أَهَمِّ الْأُمُورِ فَأَهَمِّهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ سَأَلَ عَنِ الْإِيمَانِ وَقَوَاعِدِهِ الْمُهِمَّةِ وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ جَاءَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِيمَانِ وَكَيْفِيَّةِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ وَجَبَ إِجَابَتُهُ وَتَعْلِيمُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَقُعُودُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْكُرْسِيِّ لِيَسْمَعَ الْبَاقُونَ كَلَامَهُ وَيَرَوْا شخصه الكريم

ص: 165

وَيُقَالُ كُرْسِيٌّ بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَالضَّمُّ أَشْهَرُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا خُطْبَةُ أَمْرٍ غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَلِهَذَا قَطَعَهَا بِهَذَا الْفَصْلِ الطَّوِيلِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا كَانَتِ الْجُمُعَةَ وَاسْتَأْنَفَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فَصْلٌ طَوِيلٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ كَلَامَهُ لِهَذَا الْغَرِيبِ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْخُطْبَةِ فَيَكُونُ مِنْهَا ولا يضر المشي في أثنائها قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الجمعة سورة الجمعة وفي الثانية المنافقين فيه اسْتِحْبَابُ قِرَاءَتِهِمَا بِكَمَالِهِمَا فِيهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ آخَرِينَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمُعَةِ اشْتِمَالُهَا عَلَى وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهَا مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْحَثِّ عَلَى التَّوَكُّلِ وَالذِّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِرَاءَةُ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ لِتَوْبِيخِ حَاضِرِيهَا مِنْهُمْ وَتَنْبِيهِهِمْ عَلَى التَّوْبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا

ص: 166

فِيهَا مِنَ الْقَوَاعِدِ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِي مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنِ اجْتِمَاعِهِمْ فِيهَا

[877]

قَوْلُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِ سَبِّحِ اسم ربك الأعلى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا بِهِمَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْقِرَاءَةُ في العيد بقاف وَاقْتَرَبَتْ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي وَقْتٍ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ وَفِي وَقْتٍ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاكَ وَفِي وَقْتٍ يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ قَافْ وَاقْتَرَبَتْ وَفِي وَقْتٍ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاكَ

[879]

قَوْلُهُ عَنْ مُخَوِّلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ أَمَّا مُخَوِّلٌ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْأَصْوَبُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هَذَا عَنِ الْجُمْهُورِ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ وَأَمَّا الْبَطِينُ فَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ قَوْلُهُ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ

ص: 167

يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ من الدهر فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ مُوَافِقِينَا فِي اسْتِحْبَابِهِمَا فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهُ لَا تُكْرَهُ قِرَاءَةُ آيَةِ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا السُّجُودِ ذَكَرَ مَالِكٌ وَآخَرُونَ ذَلِكَ وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمَرْوِيَّةِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هريرة وبن عباس رضي الله عنهم

[881]

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ

ص: 168

فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلُّوا أَرْبَعًا وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ بَعْدَهَا وَالْحَثُّ عَلَيْهَا وَأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْمَلَهَا أَرْبَعٌ فَنَبَّهَ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا عَلَى الْحَثِّ عَلَيْهَا فَأَتَى بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَذَكَرَ الْأَرْبَعَ لِفَضِيلَتِهَا وَفَعَلَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي أَوْقَاتٍ بَيَانًا لِأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ أَمَرَنَا بِهِنَّ وَحَثَّنَا عَلَيْهِنَّ

ص: 169

وَهُوَ أَرْغَبُ فِي الْخَيْرِ وَأَحْرَصُ عَلَيْهِ وَأَوْلَى بِهِ قَوْلُهُ قَالَ يَحْيَى أَظُنَّنِي قَرَأْتُ فَيُصَلِّي أَوْ أَلْبَتَّةَ مَعْنَاهُ أَظُنُّ أَنِّي قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ فِي رِوَايَتِي عَنْهُ فَيُصَلِّي أَوْ أَجْزِمُ بِذَلِكَ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَالَ أَظُنُّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ أو أجزم بها

[883]

قوله بْنُ أَبِي الْخُوَارِ هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَوْلُهُ صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِهَا فِي الْمَسْجِدِ إِذَا رَآهَا وَلِيُّ الْأَمْرِ مَصْلَحَةً قَالُوا وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ ضَرَبَهُ الْخَارِجِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَقْصُورَةِ فَأَجَازَهَا كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَصَلُّوا فِيهَا مِنْهُمُ الْحَسَنُ والقاسم بن محمد وسالم وغيرهم وكرهها بن عمر والشعبي وأحمد واسحاق وكان بن عُمَرَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَقْصُورَةِ خَرَجَ مِنْهَا إِلَى الْمَسْجِدِ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّمَا يَصِحُّ فِيهَا الْجُمُعَةُ إِذَا كَانَتْ مُبَاحَةً لِكُلِّ أَحَدٍ فَإِنْ كَانَتْ مَخْصُوصَةً بِبَعْضِ النَّاسِ مَمْنُوعَةً مِنْ غَيْرِهِمْ لَمْ تَصِحَّ فِيهَا الْجُمُعَةُ لِخُرُوجِهَا عَنْ حُكْمِ الْجَامِعِ قَوْلُهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِذَلِكَ أن لا نوصل صلاة حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا أَنَّ النَّافِلَةَ الرَّاتِبَةَ وَغَيْرَهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ لَهَا عَنْ مَوْضِعِ الْفَرِيضَةِ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَأَفْضَلُهُ التَّحَوُّلُ إِلَى بَيْتِهِ وَإِلَّا فموضع آخر

ص: 170