الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ مَعْنَاهُ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ عُقَدِ الشَّيْطَانِ وَآثَارِ تَثْبِيطِهِ وَاسْتِيلَائِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ عَنْهُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الذِّكْرُ وَالْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَنْ يُصْبِحُ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي فَإِنَّ ذَلِكَ نَهْيٌ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَقُولَ هَذَا اللَّفْظَ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ صِفَةِ غَيْرِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْبُخَارِيَّ بَوَّبَ لِهَذَا الْحَدِيثِ بَابَ عَقْدِ الشَّيْطَانِ عَلَى رَأْسِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمَازِرِيُّ وَقَالَ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَعْقِدُ قَافِيَةَ رَأْسِهِ وَإِنْ صَلَّى بَعْدَهُ وَإِنَّمَا يَنْحَلُّ عُقَدُهُ بِالذِّكْرِ وَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ قَالَ وَيُتَأَوَّلُ كَلَامُ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ اسْتِدَامَةَ الْعُقَدِ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَجَعَلَ مَنْ صَلَّى وَانْحَلَّتْ عُقَدَهُ كَمَنْ لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ لِزَوَالِ أَثَرِهِ
(باب اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي بَيْتِهِ وَجَوَازِهَا فِي الْمَسْجِدِ)
وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الرَّاتِبَةُ وَغَيْرُهَا إِلَّا الشَّعَائِرَ الظَّاهِرَةَ وَهِيَ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَالتَّرَاوِيحُ وَكَذَا مَا لَا يَتَأَتَّى فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَيُنْدَبُ كَوْنُهُ فِي الْمَسْجِدِ هِيَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ
[777]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا مَعْنَاهُ صَلُّوا فِيهَا وَلَا تَجْعَلُوهَا كَالْقُبُورِ مَهْجُورَةً مِنَ الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ به صَلَاةُ النَّافِلَةِ أَيْ صَلُّوا النَّوَافِلَ فِي بُيُوتِكُمْ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ هَذَا فِي الْفَرِيضَةِ وَمَعْنَاهُ اجْعَلُوا بَعْضَ فَرَائِضِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لِيَقْتَدِيَ بِكُمْ مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ مِنْ نِسْوَةٍ وَعَبِيدٍ وَمَرِيضٍ وَنَحْوِهِمْ قَالَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بَلْ هُوَ فِي النَّافِلَةِ لِإِخْفَائِهَا وَلِلْحَدِيثِ الْآخَرِ أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا الْمَكْتُوبَةَ قُلْتُ الصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ النَّافِلَةُ وَجَمِيعُ أَحَادِيثِ الْبَابِ تَقْتَضِيهِ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْفَرِيضَةِ وَإِنَّمَا حَثَّ عَلَى النَّافِلَةِ
فِي الْبَيْتِ لِكَوْنِهِ أَخْفَى وَأَبْعَدَ مِنَ الرِّيَاءِ وَأَصْوَنَ مِنَ الْمُحْبِطَاتِ وَلِيَتَبَرَّكَ الْبَيْتُ بِذَلِكَ وَتَنْزِلَ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَالْمَلَائِكَةُ وَيَنْفِرُ مِنْهُ الشَّيْطَانُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا
[779]
قَوْلُهُ بُرَيْدٌ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ أَنَّ بُرَيْدًا بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتُ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فِيهِ النَّدْبُ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْبَيْتِ وَأَنَّهُ لَا يُخْلَى مِنَ الذِّكْرِ وَفِيهِ جَوَازُ التَّمْثِيلِ وَفِيهِ أَنَّ طُولَ الْعُمْرِ فِي الطَّاعَةِ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ يَنْتَقِلُ إِلَى خَيْرٍ لِأَنَّ الحي يستلحق بِهِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ بِمَا يَفْعَلُهُ مِنَ الطَّاعَاتِ
[780]
قوله ص سُورَةُ الْبَقَرَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ بِلَا كَرَاهَةَ وَأَمَّا مَنْ كَرِهَ قَوْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا فغالط وسبقت
الْمَسْأَلَةُ وَسَنُعِيدُهَا قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في أبواب فضائل القرآن قوله ص إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ يَنْفِرُ وَرَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ يَفِرُّ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ
[781]
قَوْلُهُ احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُجَيْرَةً بِخَصَفَةٍ أَوْ حَصِيرٍ فَصَلَّى فِيهَا فَالْحُجَيْرَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ تَصْغِيرُ حُجْرَةٍ وَالْخَصَفَةُ وَالْحَصِيرُ بِمَعْنًى شَكَّ الرَّاوِي فِي الْمَذْكُورَةِ مِنْهُمَا وَمَعْنَى احْتَجَرَ حُجْرَةً أَيْ حَوَّطَ مَوْضِعًا مِنَ الْمَسْجِدِ بِحَصِيرٍ لِيَسْتُرَهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَارٌّ وَلَا يَتَهَوَّشَ بِغَيْرِهِ وَيَتَوَفَّرَ خُشُوعُهُ وَفَرَاغُ قَلْبِهِ وَفِيهِ جَوَازُ مِثْلِ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَضْيِيقٌ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَنَحْوِهِمْ وَلَمْ يَتَّخِذْهُ دَائِمًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَحْتَجِرُهَا بِاللَّيْلِ يصلي فيها وينحتها بِالنَّهَارِ وَيَبْسُطُهَا كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَعَادَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ وَفِيهِ جَوَازُ النَّافِلَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَفِيهِ جَوَازُ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ وَجَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ وَفِيهِ تَرْكُ بَعْضِ الْمَصَالِحِ لِخَوْفِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى أُمَّتِهِ وَمُرَاعَاةِ مَصَالِحِهِمْ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِوُلَاةِ الْأُمُورِ وَكِبَارِ النَّاسِ وَالْمَتْبُوعِينَ فِي عِلْمٍ وَغَيْرِهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَأَصْلُ التَّتَبُّعِ الطَّلَبُ وَمَعْنَاهُ هُنَا طَلَبُوا مَوْضِعَهُ وَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ قَوْلُهُ وَحَصَبُوا الْبَابَ أَيْ رَمَوْهُ بِالْحَصْبَاءِ وَهِيَ الْحَصَى الصِّغَارُ تَنْبِيهًا لَهُ وَظَنُّوا