المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(كتاب الكسوف يقال كسفت الشمس والقمر بفتح الكاف - شرح النووي على مسلم - جـ ٦

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِمَا وَتَخْفِيفِهِمَا)

- ‌(بَابٌ فَضْلُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ قَبْلَ الْفَرَائِضِ وَبَعْدَهُنَّ وَبَيَانُ

- ‌(باب جَوَازِ النَّافِلَةِ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَفِعْلِ بَعْضِ الركعة

- ‌(بَابُ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَعَدَدِ رَكَعَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

- ‌(باب التَّرْغِيبِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وَهُوَ التَّرَاوِيحُ)

- ‌(باب الندب الأكيد إلى قيام ليلة القدر)

- ‌(بَابُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ودعائه بالليل)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ)

- ‌(باب الحث على صلاة الوقت وان قلت)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي بَيْتِهِ وَجَوَازِهَا فِي الْمَسْجِدِ)

- ‌(باب فَضِيلَةِ الْعَمَلِ الدَّائِمِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وغيره)

- ‌(باب أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن أو

- ‌(باب فضائل القرآن وما يتعلق به)

- ‌(باب الْأَمْرِ بِتَعَهُّدِ الْقُرْآنِ وَكَرَاهَةِ قَوْلِ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا

- ‌(باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن)

- ‌(باب نزول السكينة لقراءة القرآن)

- ‌(باب فَضِيلَةِ حَافِظِ الْقُرْآنِ)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْحُذَّاقِ فِيهِ)

- ‌(باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظه)

- ‌(باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ وَتَعَلُّمِهِ)

- ‌(باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ)

- ‌(باب فَضْلِ الْفَاتِحَةِ وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ)

- ‌(باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي)

- ‌(باب فَضْلِ قراءة قل هو الله أحد)

- ‌(باب فَضْلِ قِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ)

- ‌(باب فضل من يقول بِالْقُرْآنِ وَيُعَلِّمُهُ وَفَضْلِ مَنْ تَعَلَّمَ حِكْمَةً)

- ‌(باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه)

- ‌(باب تَرْتِيلِ الْقِرَاءَةِ وَاجْتِنَابِ الْهَذِّ وَهُوَ الْإِفْرَاطُ)

- ‌(باب مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَاتِ)

- ‌(باب الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا)

- ‌(بَابُ اسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ)

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ)

- ‌(كتاب الجمعة يُقَالُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا حَكَاهُنَّ

- ‌(كتاب صلاة العيدين هِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ

- ‌(كتاب صلاة الاستسقاء أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ

- ‌(كِتَاب الْكُسُوفِ يُقَالُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِفَتْحِ الْكَافِ

- ‌(كتاب الجنائز)[916]الْجِنَازَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ جَنَزَ إِذَا سَتَرَ ذَكَرَهُ بن

- ‌(قَالُوا فَخَرَجَ الْحَدِيثُ مُطْلَقًا حَمْلًا عَلَى مَا كَانَ مُعْتَادًا

- ‌(قَوْلُهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُوسَى بْنِ طَلْحَةَ الْقَائِلُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ هُوَ

الفصل: ‌(كتاب الكسوف يقال كسفت الشمس والقمر بفتح الكاف

وَهِيَ الرِّيحُ الشَّرْقِيَّةُ وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ وَهِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَهِيَ الرِّيحُ الْغَرْبِيَّةُ

‌(كِتَاب الْكُسُوفِ يُقَالُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِفَتْحِ الْكَافِ

وَكُسِفَا بِضَمِّهَا وَانْكَسَفَا وَخَسَفَا وَخُسِفَا وَانْخَسَفَا بِمَعْنًى وَقِيلَ كَسْفُ الشَّمْسِ بِالْكَافِ وَخَسْفُ الْقَمَرِ بِالْخَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَكْسَهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَسَفَ الْقَمَرُ ثُمَّ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْخُسُوفَ وَالْكُسُوفَ يَكُونُ لِذَهَابِ ضَوْئِهِمَا كُلِّهُ وَيَكُونُ لِذَهَابِ بَعْضِهِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْإِمَامُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ الْخُسُوفُ فِي الْجَمِيعِ وَالْكُسُوفُ فِي بَعْضٍ وَقِيلَ الْخُسُوفُ ذَهَابُ لَوْنِهِمَا وَالْكُسُوفُ تَغَيُّرُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ رُوِيَتْ عَلَى أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ ذَكَرَ مُسْلِمٌ مِنْهَا جُمْلَةً وَأَبُو دَاوُدَ أُخْرَى وَغَيْرُهُمَا أُخْرَى وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُسَنُّ فِعْلُهَا جَمَاعَةً وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فُرَادَى وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهَا فَالْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَقِرَاءَتَانِ وَرُكُوعَانِ وَأَمَّا السُّجُودُ فَسَجْدَتَانِ كَغَيْرِهِمَا وَسَوَاءٌ تَمَادَى الْكُسُوفُ أَمْ لَا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هُمَا رَكْعَتَانِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ عَمَلًا بِظَاهِرِ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ عَائِشَةَ من رواية عروة وعمرة وحديث جابر وبن عباس وبن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ ركعة ركوعان وسجدتان قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ وَبَاقِي الرِّوَايَاتِ الْمُخَالِفَةِ مُعَلَّلَةٌ ضَعِيفَةٌ وحملوا حديث بن سَمُرَةَ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ بِهِ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ عَائِشَةَ وعن بن عَبَّاسٍ وَعَنْ جَابِرٍ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثلاث ركعات ومن رواية بن عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ)

ص: 198

رَكَعَاتٍ قَالَ الْحُفَّاظُ الرِّوَايَاتُ الْأُوَّلُ أَصَحُّ وَرُوَاتُهَا أَحْفَظُ وَأَضْبَطُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسُ رَكَعَاتٍ وَقَدْ قَالَ بِكُلِّ نَوْعٍ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الرِّوَايَاتِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِ الْكُسُوفِ فَفِي بَعْضِ الأوقات تأخر انجلاء الكسوف فزاد عدد الركوع وَفِي بَعْضِهَا أَسْرَعَ الِانْجِلَاءُ فَاقْتَصَرَ وَفِي بَعْضِهَا تَوَسَّطَ بَيْنَ الْإِسْرَاعِ وَالتَّأَخُّرِ فَتَوَسَّطَ فِي عَدَدِهِ وَاعْتَرَضَ الْأَوَّلُونَ عَلَى هَذَا بِأَنَّ تَأَخُّرَ الِانْجِلَاءِ لَا يُعْلَمُ فِي أَوَّلِ الْحَالِ وَلَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَدِ اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ عَدَدَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ سَوَاءٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ مَنْوِيٌّ مِنْ أَوَّلِ الْحَالِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ إسحاق بن راهويه وبن جرير وبن الْمُنْذِرِ جَرَتْ صَلَاةُ الْكُسُوفِ فِي أَوْقَاتٍ وَاخْتِلَافُ صِفَاتِهَا مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ جَوَازِ جَمِيعِ ذَلِكَ فَتَجُوزُ صَلَاتُهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ الثَّابِتَةِ وَهَذَا قَوِيٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِيَامِ الثَّانِي فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إِلَّا بِقِرَاءَتِهَا فِيهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ الثَّانِي وَالرُّكُوعَ الثَّانِي مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَقْصَرُ مِنَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَالرُّكُوعِ وَكَذَا الْقِيَامُ الثَّانِي وَالرُّكُوعُ الثَّانِي مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَقْصَرُ مِنَ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا مِنَ الثَّانِيَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ مِنَ الثَّانِيَةِ هَلْ هُمَا أَقْصَرُ مِنَ الْقِيَامِ الثَّانِي وَالرُّكُوعِ الثَّانِي مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَيَكُونُ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَدُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ أَمْ يَكُونَانِ سَوَاءً وَيَكُونُ قَوْلُهُ دُونَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ أَيْ أَوَّلُ قِيَامٍ وَأَوَّلُ رُكُوعٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فِيهِمَا كَمَا جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ قِيَامٍ وَأَدَّى طُمَأْنِينَتَهُ فِي كُلِّ رُكُوعٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَفَاتَهُ الْفَضِيلَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ السُّجُودِ فَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يُطَوِّلُهُ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِهِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ يُسْتَحَبُّ إِطَالَتُهُ نَحْوَ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَيَقُولُ فِي كُلِّ رَفْعٍ مِنْ رُكُوعٍ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ يَقُولُ عَقِبَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ إِلَى آخِرِهِ

ص: 199

وَالْأَصَحُّ اسْتِحْبَابُ التَّعَوُّذِ فِي ابْتِدَاءِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ قِيَامٍ وَقِيلَ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْخُطْبَةِ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ فقال الشافعي واسحاق وبن جَرِيرٍ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يُسْتَحَبُّ بَعْدَهَا خُطْبَتَانِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ

[901]

قَوْلُهُ فَأَطَالَ الْقِيَامَ جِدًّا وَأَطَالَ الرُّكُوعَ جِدًّا ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ لَا يُطَوِّلُ السُّجُودَ وَحُجَّةُ الْآخَرِينَ الْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ بِتَطْوِيلِهِ وَيُحْمَلُ هَذَا الْمُطْلَقُ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ جِدًّا بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أي جد جِدًّا قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ وَصَفَ الصَّلَاةَ ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ فِي اسْتِحْبَابِ الْخُطْبَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَفِيهِ أَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تَفُوتُ بِالِانْجِلَاءِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ يَكُونُ أَوَّلُهَا الْحَمْدَ لِلَّهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَفْظَةَ الْحَمْدُ لِلَّهِ مُتَعَيَّنَةٌ فَلَوْ قَالَ مَعْنَاهَا لَمْ تَصِحَّ خُطْبَتُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يخسفان لموت

ص: 200

أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُمْ قَالُوا كَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْكَلَامَ رَدًّا عَلَيْهِمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ بَعْضَ الْجَاهِلِيَّةِ الضُّلَّالَ كَانُوا يُعَظِّمُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فَبَيَّنَ أَنَّهُمَا آيَتَانِ مَخْلُوقَتَانِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا صُنْعَ لَهُمَا بَلْ هُمَا كَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ يَطْرَأُ عَلَيْهِمَا النَّقْصُ وَالتَّغَيُّرُ كَغَيْرِهِمَا وَكَانَ بَعْضُ الضُّلَّالِ مِنَ الْمُنَجِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُ لَا يَنْكَسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ لَا يُغْتَرُّ بِأَقْوَالِهِمْ لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَادَفَ مَوْتَ إِبْرَاهِيمَ رضي الله عنه قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَكَبِّرُوا وَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا فِيهِ الْحَثُّ عَلَى هَذِهِ الطَّاعَاتِ وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ إِنْ مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ بِكَسْرِ هَمْزَةِ إِنْ وَإِسْكَانِ النُّونِ أَيْ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ قَالُوا مَعْنَاهُ ليس أحدا مَنَعَ مِنَ الْمَعَاصِي مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا أَشَدَّ كَرَاهَةً لَهَا مِنْهُ سُبْحَانَهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا مَعْنَاهُ لَوْ تَعْلَمُونَ مِنْ عِظَمِ انْتِقَامِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَهْلِ الْجَرَائِمِ وَشِدَّةِ عِقَابِهِ وَأَهْوَالِ الْقِيَامَةِ وَمَا بَعْدَهَا كَمَا عَلِمْتُ وَتَرَوْنَ النار كما رأيت في مقامي هذا وفي غيره لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَقَلَّ ضَحِكُكُمْ لِفِكْرِكُمْ فِيمَا عَلِمْتُمُوهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ مَعْنَاهُ مَا أَمَرْتُ بِهِ مِنَ التَّحْذِيرِ وَالْإِنْذَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أُرْسِلَ بِهِ

ص: 201

وَالْمُرَادُ تَحْرِيضُهُمْ عَلَى تَحَفُّظِهِ وَاعْتِنَائِهِمْ بِهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِنْذَارِهِمْ قَوْلُهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ فَقَامَ فَكَبَّرَ وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ فِيهِ إِثْبَاتُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ فِعْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي تُصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَى الْمُصَلَّى لِخَوْفِ فَوَاتِهَا بِالِانْجِلَاءِ فَالسُّنَّةُ الْمُبَادَرَةُ بِهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُهَا جَمَاعَةً وَتَجُوزُ فُرَادَى وَتُشْرَعُ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ وَسَائِرِ مَنْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَوْلُهَا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَقَالَ فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ الثَّانِي مِثْلَهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي صِفَةِ سَائِرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ رَفْعٍ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الْكُسُوفِ سَوَاءٌ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا لِلصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجُ اللَّهُ عَنْكُمْ مَعْنَاهُ بَادِرُوا بِالصَّلَاةِ

ص: 202

وَأَسْرِعُوا إِلَيْهَا حَتَّى يَزُولَ عَنْكُمْ هَذَا الْعَارِضُ الَّذِي يُخَافُ كَوْنُهُ مُقَدِّمَةَ عَذَابٍ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أُقَدِّمُ ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ وَمَعْنَاهُ أُقَدِّمُ نَفْسِي أَوْ رِجْلِي وَكَذَا صَرَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِضَبْطِهِ وَضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ أَقْدُمُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَضَمِّ الدَّالِ وَهُوَ مِنَ الْإِقْدَامِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ فِيهِ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مَوْجُودَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَمَعْنَى يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا لِشِدَّةِ تَلْهِيبِهَا وَاضْطِرَابِهَا كَأَمْوَاجِ الْبَحْرِ الَّتِي يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ هُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ مُعَذَّبٌ فِي نَفْسِ جَهَنَّمَ الْيَوْمَ عَافَانَا اللَّهُ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ فِيهِ التَّأَخُّرُ عَنْ مَوَاضِعِ الْعَذَابِ وَالْهَلَاكِ قَوْلُهُ فَبَعَثَ مُنَادِيًا بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً لَفْظَةُ جَامِعَةً مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْحَالِ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ

ص: 203

يُسْتَحَبُّ أَنْ يُنَادَى لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَلَا يُقَامُ قَوْلُهُ جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ مَحْمُولٌ عَلَى كُسُوفِ الْقَمَرِ لِأَنَّ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُسِرُّ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَيَجْهَرُ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ وَقَالَ أَبُو يوسف ومحمد بن الحسن وأحمد واسحق وَغَيْرُهُمْ يَجْهَرُ فِيهِمَا وَتَمَسَّكُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِأَنَّ الصَّحَابَةَ حَزَرُوا الْقِرَاءَةَ بِقَدْرِ الْبَقَرَةِ وغيرها ولو كان جهرا لعلم قدرها بلا حزر وقال بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ سَوَاءٌ قَوْلُهُ حَدَّثَنِي مَنْ أُصَدِّقُ حَسِبْتُهُ يُرِيدُ عَائِشَةَ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنِ الْجُمْهُورِ وَعَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِمْ مَنْ أُصَدِّقُ حَدِيثَهُ يُرِيدُ عَائِشَةَ وَمَعْنَى اللَّفْظَيْنِ مُتَغَايِرٌ فَعَلَى

ص: 204

رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ لَهُ حُكْمُ الْمُرْسَلِ إِنْ قُلْنَا بِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ قَوْلَهُ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ قَوْلُهُ رَكْعَتَيْنِ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ أَيْ في كل ركعة يركع ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ سِتُّ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعُ سَجَدَاتٍ أَيْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ رُكُوعٌ ثلاث مرات وسجدتان

[903]

قَوْلُهُ بَيْنَ ظَهْرَيِ الْحُجَرِ أَيْ بَيْنَهَا قَوْلُهَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى مُصَلَّاهُ تَعْنِي مَوْقِفَهُ فِي الْمَسْجِدِ فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَنْ تَكُونَ فِي الْجَامِعِ وَفِي جَمَاعَةٍ

ص: 205

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم رَأَيْتُكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ وَفِي آخِرِهِ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فِيهِ إِثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَتُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ وَمَعْنَى تُفْتَنُونَ تُمْتَحَنُونَ فَيُقَالُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ وَيَقُولُ الْمُنَافِقُ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ هَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم كَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ أَيْ فِتْنَةً شَدِيدَةً جِدًّا وَامْتِحَانًا هَائِلًا وَلَكِنْ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت

[904]

قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ طَوَّلَ الِاعْتِدَالَ الَّذِي يَلِي السُّجُودَ وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ وَلَا فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ أَبِي الزُّبَيْرِ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُطَوِّلُ الِاعْتِدَالَ الَّذِي يَلِي السُّجُودَ وَحِينَئِذٍ يُجَابُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بجوابين

ص: 206

أَحَدُهُمَا أَنَّهَا شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ فَلَا يُعْمَلُ بِهَا وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطَالَةِ تَنْفِيسُ الِاعْتِدَالِ وَمَدُّهُ قَلِيلًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ إِطَالَتُهُ نَحْوَ الرُّكُوعِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم عُرِضَ عَلَيَّ كُلُّ شَيْءٍ تُولَجُونَهُ أَيْ تَدْخُلُونَهُ مِنْ جَنَّةٍ وَنَارٍ وَقَبْرٍ وَمَحْشَرٍ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ تَحْتَمِلُ أَنَّهُ رَآهُمَا رُؤْيَةَ عَيْنٍ كَشَفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَأَزَالَ الْحُجُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا كَمَا فَرَّجَ لَهُ عَنِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى حِينَ وَصَفَهُ وَيَكُونُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ أَيْ فِي جِهَتِهِ وَنَاحِيَتِهِ أَوْ فِي التَّمْثِيلِ لِقُرْبِ الْمُشَاهَدَةِ قَالُوا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رُؤْيَةَ عِلْمٍ وَعَرْضَ وَحْيٍ بِإِطْلَاعِهِ وَتَعْرِيفِهِ مِنْ أُمُورِهَا تَفْصِيلًا مَا لَمْ يَعْرِفْهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَمِنْ عَظِيمِ شَأْنِهِمَا مَا زَادَهُ عِلْمًا بِأَمْرِهِمَا وَخَشْيَةً وَتَحْذِيرًا وَدَوَامَ ذِكْرٍ وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا وَلَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا قَالَ الْقَاضِي وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِأَلْفَاظِ الْحَدِيثِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الدَّالَّةِ عَلَى رُؤْيَةِ الْعَيْنِ كَتَنَاوُلِهِ صلى الله عليه وسلم الْعُنْقُودَ وَتَأَخُّرِهِ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُ لَفْحُ النَّارِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَعُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ حَتَّى لَوْ تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا أَخَذْتُهُ مَعْنَى تَنَاوَلْتُ مَدَدْتُ يَدَيَّ لِآخُذَهُ وَالْقِطْفُ بِكَسْرِ الْقَافِ الْعُنْقُودُ وَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالذِّبْحِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ وَفِيهِ أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ مَوْجُودَتَانِ الْيَوْمَ وَأَنَّ فِي الْجَنَّةِ ثِمَارًا وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا رَبَطَتْهَا أَيْ بِسَبَبِ هِرَّةٍ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ هَوَامُّهَا وَحَشَرَاتُهَا وَقِيلَ صِغَارُ الطَّيْرِ وَحَكَى الْقَاضِي فَتْحَ الْخَاءِ وَكَسْرَهَا وَضَمَّهَا وَالْفَتْحُ هُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُؤَاخَذَةُ بِالصَّغَائِرِ قَالَ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا عُذِّبَتْ عَلَيْهَا بِالنَّارِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا كَانَتْ كَافِرَةً فَزِيدَ فِي عَذَابِهَا بِذَلِكَ هَذَا كَلَامُهُ وَلَيْسَ بِصَوَابٍ بَلِ الصَّوَابُ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا عُذِّبَتْ بِسَبَبِ الْهِرَّةِ

ص: 207

وَهُوَ كَبِيرَةٌ لِأَنَّهَا رَبَطَتْهَا وَأَصَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الصَّغِيرَةِ يَجْعَلُهَا كَبِيرَةً كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهَا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي كُفْرَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ وَهِيَ الْأَمْعَاءُ قَوْلُهُ ثُمَّ تَأَخَّرَ وَتَأَخَّرَتِ الصُّفُوفُ خَلْفَهُ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى النِّسَاءِ ثُمَّ تَقَدَّمَ وَتَقَدَّمَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى قَامَ

ص: 208

فِي مَقَامِهِ فِيهِ أَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَضَبَطَ أَصْحَابُنَا الْقَلِيلَ بِمَا دُونَ ثَلَاثِ خُطُوَاتٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَقَالُوا الثَّلَاثُ مُتَتَابِعَاتٍ تُبْطِلُهَا وَيَتَأَوَّلُونَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْخُطُوَاتِ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً لَا مُتَوَالِيَةً وَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ خُطْوَتَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ انْتَهَيْنَا إِلَى النِّسَاءِ يُخَالِفُهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ لِلنِّسَاءِ وَفِيهِ حُضُورُهُنَّ وَرَاءَ الرِّجَالِ قَوْلُهُ آضَتِ الشَّمْسُ هُوَ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ هَكَذَا ضَبَطَهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ بِبِلَادِنَا وَكَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي قَالُوا وَمَعْنَاهُ رَجَعَتْ إِلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ قَبْلَ الْكُسُوفِ وَهُوَ مِنْ آضَ يَئِيضُ إِذَا رَجَعَ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَيْضًا وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا أَيْ مِنْ ضَرْبِ لَهَبِهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى تلفح وجوههم النار أَيْ يَضْرِبُهَا لَهَبُهَا قَالُوا وَالنَّفْحُ دُونَ اللَّفْحِ قال الله

ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك أَيْ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْهُ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَرَأَيْتُ فِيهَا

ص: 209

صَاحِبَ الْمِحْجَنِ هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ عَصَا مُغَفَّفَةُ الطَّرْفِ

[905]

قَوْلُهَا فَأَشَارَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى السَّمَاءِ فِيهِ امْتِنَاعُ الْكَلَامِ بِالصَّلَاةِ وَجَوَازُ الْإِشَارَةِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا إِذَا كَانَتْ لِحَاجَةٍ قَوْلُهَا تَجَلَّانِي الْغَشْيُ هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ وَرُوِيَ أَيْضًا بِكَسْرِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُمَا بِمَعْنَى الْغِشَاوَةِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ يَحْصُلُ بِطُولِ الْقِيَامِ فِي الْحَرِّ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ وَلِهَذَا جَعَلَتْ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ وَفِيهِ أَنَّ الْغَشْيَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَا دَامَ الْعَقْلُ ثَابِتًا قَوْلُهَا فَأَخَذْتُ قِرْبَةً مِنْ مَاءٍ إِلَى جَنْبِي فَجَعَلْتُ أَصُبُّ عَلَى رَأْسِي أَوْ عَلَى وَجْهِي مِنَ الْمَاءِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَكْثُرْ أَفْعَالُهَا مُتَوَالِيَةً لِأَنَّ الْأَفْعَالَ إِذَا كَثُرَتْ مُتَوَالِيَةً أَبْطَلَتِ الصَّلَاةَ قَوْلُهُ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ إِنَّمَا يَقُولُ لَهُ الْمَلَكَانِ السَّائِلَانِ مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ وَلَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ امْتِحَانًا لَهُ وَإِغْرَابًا عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَلَقَّنَ مِنْهُمَا إِكْرَامَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَفْعَ مَرْتَبَتِهِ فَيُعَظِّمُهُ هُوَ تَقْلِيدًا لَهُمَا لَا اعْتِقَادًا وَلِهَذَا يَقُولُ الْمُؤْمِنُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ وَيَقُولُ المنافق لا أدري فيثبت اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ

ص: 210

الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قَوْلُهُ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ لَا تَقُلْ كَسَفَتِ الشَّمْسُ وَلَكِنْ قُلْ خَسَفَتِ الشَّمْسُ هَذَا قَوْلٌ لَهُ انْفَرَدَ بِهِ وَالْمَشْهُورُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أول الباب

ص: 211

قَوْلُهُ فَفَزِعَ قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْفَزَعُ الَّذِي هُوَ الْخَوْفُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْفَزَعُ الَّذِي هُوَ الْمُبَادَرَةُ إِلَى الشَّيْءِ فَأَخْطَأَ بِدِرْعٍ حَتَّى أُدْرِكَ بِرِدَائِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لِشِدَّةِ سُرْعَتِهِ وَاهْتِمَامِهِ بِذَلِكَ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ رِدَاءَهُ فَأَخَذَ دِرْعَ بَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ سَهْوًا وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لِاشْتِغَالِ قَلْبِهِ بِأَمْرِ الْكُسُوفِ فَلَمَّا عَلِمَ أَهْلُ الْبَيْتِ أَنَّهُ تَرَكَ رِدَاءَهُ لَحِقَهُ بِهِ إِنْسَانٌ

[907]

قَوْلُهُ فِي الرواية الأولى من حديث بن عَبَّاسٍ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا قَدْرَ نَحْوَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ

ص: 212

قَدْرَ نَحْوَ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ لَكَانَ صَحِيحًا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ بِكُفْرِ الْعَشِيرِ وَبِكُفْرِ الْإِحْسَانِ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِكُفْرِ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْجَارَّةِ وَضَمِّ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَفِيهِ جَوَازُ إِطْلَاقِ الْكُفْرِ عَلَى كُفْرَانِ الْحُقُوقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّخْصُ كَافِرًا بِاللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذَا اللَّفْظِ مَرَّاتٍ وَالْعَشِيرُ الْمُعَاشِرُ كَالزَّوْجِ وَغَيْرِهِ فِيهِ ذَمُّ كُفْرَانِ الْحُقُوقِ لِأَصْحَابِهَا قَوْلُهُ تَكَعْكَعْتَ أَيْ تَوَقَّفْتَ وَأَحْجَمْتَ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ يُقَالُ تَكَعْكَعَ الرَّجُلُ وَتَكَاعَى وكع وكوعا إذا أحجم وجبن

[908]

قوله ثمان ركعات في أربع

ص: 213

سجدات أي ركع ثمان مَرَّاتٍ كُلُّ أَرْبَعٍ فِي رَكْعَةٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي الْكِتَابِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ

[910]

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بن عَمْرٍو فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ أَيْ رُكُوعَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَةِ رَكْعَةٌ وَقَدْ سَبَقَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِإِطْلَاقِ السَّجْدَةِ عَلَى رَكْعَةٍ قَوْلُهَا مَا رَكَعْتُ رُكُوعًا قَطُّ وَلَا سَجَدْتُ سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَقَامَ يُصَلِّي بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَمَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُهُ فِي صَلَاةٍ قَطُّ فِيهِمَا دَلِيلٌ لِلْمُخْتَارِ وَهُوَ اسْتِحْبَابُ تَطْوِيلِ السُّجُودِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ فِيهِمَا تَطْوِيلُ السُّجُودِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ مَعَ أَنَّ تَطْوِيلَ السُّجُودِ ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَتَيْ عَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى وَرَوَاهُ الْبُخَاريُّ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ وَأَبُو داود من طريق غيرهم فتكاثرت طُرُقُهُ وَتَعَاضَدَتْ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ

ص: 214

بِهِ

[912]

قَوْلُهُ فَقَامَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ هَذَا قَدْ يُسْتَشْكَلُ مِنْ حَيْثُ أَنَّ السَّاعَةَ لَهَا مُقَدِّمَاتٌ كَثِيرَةٌ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا وَلَمْ تَكُنْ وَقَعَتْ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجِ الدَّابَّةِ وَالنَّارِ وَالدَّجَّالِ وَقِتَالِ التُّرْكِ وَأَشْيَاءَ أُخَرَ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا قَبْلَ الساعة كفتوح الشام والعراق ومصر وغيرهما وَإِنْفَاقِ كُنُوزِ كِسْرَى فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِتَالِ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدِهَا لعل هذا الكسوف

ص: 215

قَبْلَ إِعْلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّانِي لَعَلَّهُ خَشِيَ أَنْ تَكُونَ بَعْضَ مُقَدِّمَاتِهَا الثَّالِثِ أَنَّ الرَّاوِيَ ظَنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ ظَنِّهِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَشِيَ ذَلِكَ حَقِيقَةً بَلْ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَعْجِلًا مُهْتَمًّا بِالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَمْرِ الْكُسُوفِ مُبَادِرًا إِلَى ذَلِكَ وَرُبَّمَا خَافَ أَنْ يَكُونَ نَوْعَ عُقُوبَةٍ كَمَا كَانَ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ تُعْرَفُ الْكَرَاهَةُ فِي وَجْهِهِ وَيَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَذَابًا كَمَا سَبَقَ فِي آخِرِ كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ فَظَنَّ الرَّاوِي خِلَافَ ذَلِكَ وَلَا اعْتِبَارَ بِظَنِّهِ

[913]

قَوْلُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَدْعُو وَيُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ حَتَّى جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ فَقَرَأَ سُورَتَيْنِ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ رَافِعٌ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يسبح ويهلل

ص: 216

وَيُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيَدْعُو حَتَّى حَسِرَ قَالَ فَلَمَّا حَسِرَ عَنْهَا قَرَأَ سُورَتَيْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ هَذَا مِمَّا يُسْتَشْكَلُ وَيُظَنُّ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ ابْتَدَأَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ بَعْدَ انْجِلَاءِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ صَلَاتِهَا بَعْدَ الِانْجِلَاءِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ جَمَعَ الرَّاوِي جَمِيعَ مَا جَرَى فِي الصَّلَاةِ مِنْ دُعَاءٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَحْمِيدٍ وَقِرَاءَةِ سُورَتَيْنِ فِي الْقِيَامَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَكَانَتِ السُّورَتَانِ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ تَتْمِيمًا لِلصَّلَاةِ فَتَمَّتْ جُمْلَةُ الصَّلَاةِ رَكْعَتَيْنِ أَوَّلُهَا فِي حَالِ الْكُسُوفِ وَآخِرُهَا بَعْدَ الِانْجِلَاءِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ تقديره لابد مِنْهُ لِأَنَّهُ مُطَابِقٌ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِقَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَلِرِوَايَاتِ بَاقِي الصَّحَابَةِ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ أَيْضًا لِيَتَّفِقَ الرِّوَايَتَانِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنِ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا مُسْتَقِلًّا بَعْدَ انْجِلَاءِ الْكُسُوفِ لِأَنَّهَا صَلَاةَ كُسُوفٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ رَافِعٌ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يُسَبِّحُ إِلَى قَوْلِهِ وَيَدْعُو فِيهِ دَلِيلٌ لِأَصْحَابِنَا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ وَرَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي دَعَوَاتِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ حَسِرَ عَنْهَا أَيْ كَشَفَ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى جُلِّيَ عَنْهَا قَوْلُهُ كُنْتُ أَرْتَمِي بَأَسْهُمٍ أَيْ أَرْمِي كَمَا قَالَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى يُقَالُ أَرْمِي وَأَرْتَمِي وَتَرَامَى وَتَرَمَّى كَمَا قَالَهُ فِي الرِّوَايَةِ الأخيرة قوله

ص: 217

[915]

زِيَادُ بْنُ عِلَاقَةَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ إِنَّ الشمس والقمر آيتان لا يكسفان لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَجَمِيعِ فُقَهَاءِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فِي اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ لِكُسُوفِ الْقَمَرِ عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا تُسَنُّ لِكُسُوفِ الْقَمَرِ هَكَذَا وَإِنَّمَا تُسَنُّ رَكْعَتَانِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ فُرَادَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 218