الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ تَرْتِيبَ الْآيِ لَا تَرْتِيبَ السُّوَرِ قَوْلُهُ (وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ) هَذَا دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي الْمَوْقِفِ الْمُسْتَحَبِّ لِلرَّمْيِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو الْمُحَيَّاةِ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(باب اسْتِحْبَابِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا)
(وَبَيَانِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ)
[1297]
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنَى لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حجتي
هَذِهِ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَصَلَ مِنًى رَاكِبًا أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا وَلَوْ رَمَاهَا مَاشِيًا جَازَ وَأَمَّا مَنْ وَصَلَهَا مَاشِيًا فَيَرْمِيَهَا مَاشِيًا وَهَذَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَمَّا الْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ فِيهِمَا جَمِيعَ الْجَمَرَاتِ مَاشِيًا وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَرْمِي رَاكِبًا وَيَنْفِرُ هَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يُسْتَحَبُّ يوم النحر أن يرمي ماشيا قال بن المنذر وكان بن عمر وبن الزُّبَيْرِ وَسَالِمٌ يَرْمُونَ مُشَاةً قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّمْيَ يُجْزِيِهِ عَلَى أَيِّ حَالٍ رَمَاهُ إِذَا وَقَعَ فِي الْمَرْمَى وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ (فَهَذِهِ اللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ وَمَعْنَاهُ خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ وَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ مُسْلِمٍ وَتَقْدِيرُهُ هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي أَتَيْتُ بِهَا فِي حَجَّتِي مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَالْهَيْئَاتِ هِيَ أُمُورُ الْحَجِّ وَصِفَتُهُ وَهِيَ مناسككم فخذوها عني واقبلوها وحفظوها وَاعْمَلُوا بِهَا وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلَاةِ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَعَلِي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَوْدِيعِهِمْ وَإِعْلَامِهِمْ بِقُرْبِ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم وَحَثِّهِمْ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِالْأَخْذِ عَنْهُ وَانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ مِنْ مُلَازَمَتِهِ وَتَعْلَمِ أُمُورِ الدِّينِ وَبِهَذَا سُمِّيَتْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1298]
قَوْلُهَا (حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ بِلَالٌ وَأُسَامَةُ أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ وَالْآخَرُ يَرْفَعُ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الشَّمْسِ) فِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَتِهَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَنْكَرَ
ذَلِكَ وَكَرِهَهُ وَهُوَ غَلَطٌ وَسَبَقَ بَيَانُ إِبْطَالِهِ وَفِيهِ الرَّمْيُ رَاكِبًا كَمَا سَبَقَ وَفِيهِ جَوَازُ تَظْلِيلِ الْمُحْرِمِ عَلَى رَأْسِهِ بِثَوْبٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ سَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَوْ نَازِلًا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ فَعَلَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أنه لافدية وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ تَحْتَ خَيْمَةٍ أَوْ سَقْفٍ جَازَ وَوَافَقُونَا عَلَى أَنَّهُ إِذَا كان الزمان يسيرا في المحمل لافدية وَكَذَا لَوِ اسْتَظَلَّ بِيَدِهِ وَقَدْ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ قَالَ صَحِبْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَمَا رَأَيْتُهُ مُضْرِبًا فُسْطَاطًا حَتَّى رَجَعَ رواه الشافعي والبيهقي بإسناد حسن وعن بن عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ أَبْصَرَ رَجُلًا عَلَى بَعِيرِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَدِ اسْتَظَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ فَقَالَ أضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا مِنْ مُحْرِمٍ يُضْحِي لِلشَّمْسِ حَتَّى تَغْرُبَ إِلَّا غَرَبَتْ بِذُنُوبِهِ حَتَّى يَعُودَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ أُمِّ الحصين وهذا المذكور في مسلم ولأنه لَا يُسَمَّى لُبْسًا وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَضَعِيفٌ كَمَا ذَكَرْنَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ وكذا فعل عمر وقول بن عُمَرَ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ وَلَوْ كَانَ فَحَدِيثُ أُمِّ الْحُصَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (سَمِعَتْهُ يَقُولُ إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ حَسِبْتُهَا قَالَتْ أَسْوَدُ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) الْمُجَدَّعُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ والجدع الْقَطْعُ مِنْ أَصْلِ الْعُضْوِ وَمَقْصُودُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى نِهَايَةِ خِسَّتِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ خَسِيسٌ فِي الْعَادَةِ ثُمَّ سَوَادُهُ نَقْصٌ آخَرُ وَجَدْعُهُ نَقْصٌ آخَرُ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ وَمَنْ هَذِهِ الصِّفَاتُ مَجْمُوعَةٌ فِيهِ فَهُوَ فِي نِهَايَةِ الْخِسَّةِ وَالْعَادَةُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَهَنًا فِي أَرْذَلِ الْأَعْمَالِ فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ