الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
امْرَأَتِهِ وَزَوْجَتِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْعَقْدِ قَالَ الْفَرَّاءُ الْعَرَبُ تَقُولُ نُكْحُ الْمَرْأَةِ بِضَمِّ النُّونِ بُضْعُهَا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْفَرْجِ فَإِذَا قَالُوا نكحها أرادوا أصاب نكحها وهو فرجها وقل ما يُقَالُ نَاكَحَهَا كَمَا يُقَالُ بَاضَعَهَا هَذَا آخِرُ ما نقله الواحدي وقال بن فَارِسٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ النِّكَاحُ الوطء وقد يكون العقد وَيُقَالُ نَكَحْتُهَا وَنَكَحَتْ هِيَ أَيْ تَزَوَّجَتْ وَأَنْكَحْتُهُ زَوَّجْتُهُ وَهِيَ نَاكِحٌ أَيْ ذَاتُ زَوْجٍ وَاسْتَنْكَحَهَا تَزَوَّجَهَا هَذَا كَلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَمَّا حَقِيقَةُ النِّكَاحِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي تَعْلِيقِهِ أَصَحُّهَا أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَطْنَبَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَالْأَحَادِيثُ وَالثَّانِي أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّالِثُ حَقِيقَةٌ فيهما بالاشتراك والله أعلم
(باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة)
(واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم)
[1400]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمَعْشَرُ هُمُ الطَّائِفَةُ
الَّذِينَ يَشْمَلُهُمْ وَصْفٌ فَالشَّبَابُ مَعْشَرٌ وَالشُّيُوخُ مَعْشَرٌ وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْشَرٌ وَالنِّسَاءُ مَعْشَرٌ فَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ وَالشَّبَابُ جَمْعُ شَابٍّ وَيُجْمَعُ عَلَى شُبَّانٍ وَشَبَبَةٍ وَالشَّابُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا هُوَ مَنْ بَلَغَ وَلَمْ يُجَاوِزْ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَمَّا الْبَاءَةُ فَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ الْبَاءَةُ بِالْمَدِّ وَالْهَاءِ وَالثَّانِيَةُ الْبَاةُ بِلَا مَدٍّ وَالثَّالِثَةُ الْبَاءُ بِالْمَدِّ بِلَا هَاءٍ وَالرَّابِعَةُ الْبَاهَةُ بِهَاءَيْنِ بِلَا مَدٍّ وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْجِمَاعُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْمَبَاءَةِ وَهِيَ الْمَنْزِلُ وَمِنْهُ مَبَاءَةُ الْإِبِلِ وَهِيَ مَوَاطِنُهَا ثُمَّ قِيلَ لِعَقْدِ النِّكَاحِ بَاءَةٌ لِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَوَّأَهَا مَنْزِلًا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنَى وَاحِدٍ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِهِ وَهِيَ مُؤَنُ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ وَيَقْطَعَ شَرَّ مَنِيَّهُ كَمَا يَقْطَعُهُ الْوِجَاءُ وَعَلَى هَذَا القول وقع الْخِطَابِ مَعَ الشُّبَّانِ الَّذِينَ هُمْ مَظِنَّةُ شَهْوَةِ النِّسَاءِ وَلَا يَنْفَكُّونَ عَنْهَا غَالِبًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَنُ النِّكَاحِ سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَا يُلَازِمُهَا وَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ مُؤَنَ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْهَا فَلْيَصُمْ ليدفع شهوته والذي حمل القائلين بهذا على هذا أَنَّهُمْ قَالُوا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ قَالُوا وَالْعَاجِزُ عَنِ الْجِمَاعِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الصَّوْمِ لِدَفْعِ الشَّهْوَةِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ الْبَاءَةِ عَلَى الْمُؤَنِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّ تَقْدِيرَهُ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْجِمَاعِ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْوِجَاءُ فَبِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ رَضُّ الْخُصْيَتَيْنِ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ الصَّوْمَ يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ وَيَقْطَعُ شَرَّ الْمَنِيِّ كَمَا يَفْعَلُهُ الْوِجَاءُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِالنِّكَاحِ لِمَنِ اسْتَطَاعَهُ وَتَاقَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَمْرُ نَدْبٍ لَا إِيجَابَ فَلَا يَلْزَمُ التَّزَوُّجُ وَلَا التَّسَرِّي سَوَاءٌ خَافَ الْعَنَتَ أَمْ لَا هَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَلَا يُعْلَمُ أَحَدٌ أَوْجَبَهُ إِلَّا دَاوُدَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَلْزَمُهُ إِذَا خَافَ الْعَنَتَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى قَالُوا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَشْرِطْ بَعْضُهُمْ خَوْفَ الْعَنَتَ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ التَّزْوِيجُ فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوَطْءُ وَتَعَلَّقُوا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَعَ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ وَغَيْرَهَا مِنَ الْآيَاتِ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إلى قوله تعالى وما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَخَيَّرَهُ سبحانه وتعالى بَيْنَ النِّكَاحِ وَالتَّسَرِّي قَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ هَذَا حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ سبحانه وتعالى خَيَّرَهُ بَيْنَ
النِّكَاحِ وَالتَّسَرِّي بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ وَاجِبًا لَمَا خَيَّرَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسَرِّي لِأَنَّهُ لَا يصح عند الأصوليين التخيير بين واجب وغيره لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ حَقِيقَةِ الْوَاجِبِ وَأَنَّ تَارِكَهُ لَا يَكُونُ آثِمًا وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي فَمَعْنَاهُ مَنْ رَغِبَ عَنْهَا إِعْرَاضًا عنها غير معتقد على ما هي والله أعلم أما الْأَفْضَلُ مِنَ النِّكَاحِ وَتَرْكِهِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا النَّاسُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ قِسْمٌ تَتُوقُ إِلَيْهِ نَفْسُهُ وَيَجِدُ الْمُؤَنَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ النِّكَاحُ وَقِسْمٌ لَا تَتُوقُ وَلَا يَجِدُ الْمُؤَنَ فَيُكْرَهُ لَهُ وَقِسْمٌ تَتُوقُ وَلَا يَجِدُ الْمُؤَنَ فَيُكْرَهُ لَهُ وَهَذَا مَأْمُورٌ بِالصَّوْمِ لِدَفْعِ التَّوَقَانِ وَقِسْمٌ يَجِدُ الْمُؤَنَ وَلَا تَتُوقُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّ تَرْكَ النِّكَاحِ لِهَذَا وَالتَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ أَفْضَلُ وَلَا يُقَالُ النِّكَاحُ مَكْرُوهٌ بَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ النِّكَاحَ لَهُ أَفْضَلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (إِنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَلَا نُزَوِّجُكَ جَارِيَةً شَابَّةً لَعَلَّهَا تُذَكِّرُكَ بَعْضَ مَا مَضَى مِنْ زَمَانِكَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ عَرْضِ الصَّاحِبِ هَذَا عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ زَوْجَةٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ صَالِحٌ لِزَوَاجِهَا عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ قَرِيبًا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ نِكَاحِ الشَّابَّةِ لِأَنَّهَا الْمُحَصِّلَةُ لِمَقَاصِدِ النِّكَاحِ فَإِنَّهَا أَلَذُّ اسْتِمْتَاعًا وَأَطْيَبُ نَكْهَةً وَأَرْغَبُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ النِّكَاحِ وَأَحْسَنُ عِشْرَةً وَأَفْكَهُ مُحَادَثَةً وَأَجْمَلُ مَنْظَرًا وَأَلْيَنُ مَلْمَسًا وَأَقْرَبُ إِلَى أَنْ يُعَوِّدَهَا زَوْجُهَا الْأَخْلَاقَ الَّتِي يَرْتَضِيهَا وَقَوْلُهُ تُذَكِّرُكَ بَعْضَ مَا مَضَى مِنْ زَمَانِكَ مَعْنَاهُ تَتَذَكَّرُ بِهَا بَعْضَ مَا مَضَى مِنْ نَشَاطِكَ وَقُوَّةِ شَبَابِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُنْعِشُ البدن قوله (ان عثمان دعا بن مَسْعُودٍ وَاسْتَخْلَاهُ فَقَالَ لَهُ) هَذَا الْكَلَامُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِسْرَارِ بِمِثْلِ هَذَا فَإِنَّهُ مِمَّا يُسْتَحَى مِنْ ذِكْرِهِ بَيْنَ النَّاسِ وَقَوْلُهُ أَلَا نُزَوِّجُكَ جَارِيَةً بِكْرًا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْبِكْرِ وَتَفْضِيلِهَا عَلَى الثَّيِّبِ وَكَذَا
قَالَهُ أَصْحَابُنَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ جَارِيَةً شَابَّةً قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ دَخَلْتُ أَنَا وَعَمِّي عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ الْقَاضِي وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَا وَعَمَّايَ عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْأَسْوَدَ أَخُو عَبْدِ الرحمن بن يزيد لاعمه وَعَلْقَمَةُ عَمُّهُمَا جَمِيعًا وَهُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ قَوْلُهُ (فَذَكَرَ حَدِيثًا رُئِيتُ أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ مِنْ أَجْلِي) هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا رَأَيْتُ وَهُمَا صَحِيحَانِ
الْأَوَّلُ مِنَ الظَّنِّ وَالثَّانِي مِنَ الْعِلْمِ
[1401]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) سَبَقَ تَأْوِيلُهُ وَأَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ تَرَكَهَا إِعْرَاضًا عَنْهَا غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لَهَا على مَا هِيَ عَلَيْهِ أَمَّا مَنْ تَرَكَ النِّكَاحَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُهُ كَمَا سَبَقَ أَوْ تَرَكَ النَّوْمَ عَلَى الْفِرَاشِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ أَوْ لِاشْتِغَالِهِ بِعِبَادَةٍ مَأْذُونٍ فِيهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ هَذَا الذَّمُّ وَالنَّهْيُ قوله (إن النبي صلى الله عليه وسلم حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا) هُوَ مُوَافِقٌ لِلْمَعْرُوفِ مِنْ خُطَبِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّهُ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا فَخَطَبَ لَهُ ذَكَرَ كَرَاهِيَتَهُ وَلَا يُعَيِّنُ فَاعِلَهُ وهذا مِنْ عَظِيمِ خُلُقِهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصُ وَجَمِيعُ الْحَاضِرِينَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَبْلُغُهُ ذَلِكَ وَلَا يَحْصُلُ تَوْبِيخُ صَاحِبِهِ فِي الْمَلَأِ
[1402]
قَوْلُهُ (رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ التَّبَتُّلُ هُوَ الِانْقِطَاعُ عَنِ النِّسَاءِ وَتَرْكُ النِّكَاحِ انْقِطَاعًا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَأَصْلُ التَّبَتُّلِ الْقَطْعُ وَمِنْهُ مَرْيَمُ الْبَتُولُ وَفَاطِمَةُ الْبَتُولُ لِانْقِطَاعِهِمَا عَنْ نِسَاءِ زَمَانِهِمَا دِينًا وَفَضْلًا وَرَغْبَةً فِي الْآخِرَةِ وَمِنْهُ صَدَقَةٌ بَتْلَةٌ أَيْ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ تَصَرُّفِ مَالِكِهَا قَالَ الطَّبَرِيُّ التَّبَتُّلُ هُوَ تَرْكُ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا وَالِانْقِطَاعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّفَرُّغِ لِعِبَادَتِهِ وَقَوْلُهُ رَدَّ عَلَيْهِ التَّبَتُّلَ مَعْنَاهُ نَهَاهُ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَى النِّكَاحِ وَوَجَدَ مُؤَنَهُ كَمَا سَبَقَ ايضاحه وعلى من أضربه التَّبَتُّلُ بِالْعِبَادَاتِ الْكَثِيرَةِ الشَّاقَّةِ أَمَّا الْإِعْرَاضُ