الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) هَذَا مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ الْمُهِمَّةِ وَمِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُعْطِيَهَا صلى الله عليه وسلم ويدخل فيها مَا لَا يُحْصَى مِنَ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ بِأَنْوَاعِهَا فَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَرْكَانِهَا أَوْ بَعْضِ شُرُوطِهَا أَتَى بِالْبَاقِي وَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْلِ غَسَلَ الْمُمْكِنَ وَإِذَا وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ مِنَ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ أَوْ لِغَسْلِ النَّجَاسَةِ فَعَلَ الْمُمْكِنَ وَإِذَا وَجَبَتْ إزالة منكرات أو فطرة جماعة من تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَأَمْكَنَهُ الْبَعْضُ فَعَلَ الْمُمْكِنَ وَإِذَا وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بَعْضَ عَوْرَتِهِ أَوْ حَفِظَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ أَتَى بِالْمُمْكِنِ وَأَشْبَاهُ هَذَا غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَصْلِ ذَلِكَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَاتَّقُوا الله ما استطعتم وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ فَفِيهَا مَذْهَبَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فاتقوا الله ما استطعتم وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوِ الصَّوَابُ وَبِهِ جَزَمَ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً بَلْ قَوْلُهُ تَعَالَى فاتقوا الله ما استطعتم مُفَسِّرَةٌ لَهَا وَمُبَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ بِهَا قَالُوا وَحَقَّ تُقَاتِهِ هُوَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابُ نَهْيِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ سبحانه وتعالى إِلَّا بِالْمُسْتَطَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَقَالَ تَعَالَى وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ من حرج وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَاذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ) فَهُوَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فَإِنْ وُجِدَ عُذْرٌ يُبِيحُهُ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ أَوَ التَّلَفُّظِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ إِذَا أُكْرِهَ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي هَذَا الْحَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا مرة واحدة بأصل الشرع وقد تجب زِيَادَةٌ بِالنَّذْرِ وَكَذَا إِذَا أَرَادَ دُخُولَ الْحَرَمِ لِحَاجَةٍ لَا تُكَرَّرَ كَزِيَارَةٍ وَتِجَارَةٍ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ أَوْجَبَ الْإِحْرَامَ لِذَلِكَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(باب سَفَرِ الْمَرْأَةِ مَعَ مَحْرَمٍ إِلَى حَجٍّ وَغَيْرِهِ)
[1338]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثًا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) وَفِي رِوَايَةٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ
وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَحِلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ مِنَ الدَّهْرِ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا أَوْ زَوْجُهَا وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةِ مُسْلِمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو حُرْمَةٍ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةِ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَفِي رِوَايَةٍ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُسَافِرِ امْرَأَةٌ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ هَذِهِ رِوَايَاتُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَلَا تُسَافِرْ بَرِيدًا وَالْبَرِيدُ مَسِيرَةُ نِصْفِ يَوْمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ اخْتِلَافُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِاخْتِلَافِ السَّائِلِينَ وَاخْتِلَافِ الْمَوَاطِنِ وَلَيْسَ فِي النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم وَاللَّيْلَةُ أَوِ الْبَرِيدُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ تُسَافِرُ ثَلَاثًا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ لَا وَسُئِلَ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ لَا وَسُئِلَ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمًا فَقَالَ لَا وَكَذَلِكَ الْبَرِيدُ فَأَدَّى كُلٌّ مِنْهُمْ مَا سَمِعَهُ وَمَا جَاءَ مِنْهَا مُخْتَلِفًا عَنْ رِوَايَةِ وَاحِدٍ فَسَمِعَهُ فِي مَوَاطِنَ فَرَوَى تَارَةً هَذَا وَتَارَةً هَذَا وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ تَحْدِيدٌ لِأَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ وَلَمْ يُرِدْ صلى الله عليه وسلم تَحْدِيدَ أَقَلِّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا تُنْهَى عَنْهُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ سَوَاءٌ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أو يوما أو بريدا أو غير ذلك لرواية بن عَبَّاسٍ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ آخِرُ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ السَّابِقَةِ لَا تُسَافِرِ امْرَأَةٌ إِلَّا مَعَ ذِي
مَحْرَمٍ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يُسَمَّى سَفَرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ يَلْزَمُهَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ إِذَا اسْتَطَاعَتْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تعالى ولله على الناس حج البيت وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ الْحَدِيثَ وَاسْتِطَاعَتُهَا كَاسْتِطَاعَةِ الرَّجُلِ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الْمَحْرَمِ لَهَا فَأَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَرِطُهُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَحُكِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَقَالَ عطاء وسعيد بن جبير وبن سِيرِينَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ بَلْ يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَى نَفْسِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْصُلُ الْأَمْنُ بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ أَوْ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ وَلَا يَلْزَمُهَا الْحَجُّ عِنْدَنَا إِلَّا بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَوْ وُجِدَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ ثِقَةٌ لَمْ يَلْزَمْهَا لَكِنْ يَجُوزُ لَهَا الْحَجُّ مَعَهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَلْزَمُهَا بِوُجُودِ نِسْوَةٍ أَوِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ يَكْثُرُ الْأَمْنُ وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ بَلْ تَسِيرُ وَحْدَهَا فِي جُمْلَةِ الْقَافِلَةِ وَتَكُونُ آمِنَةً وَالْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابِهِ هُوَ الْأَوَّلُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي خُرُوجِهَا لِحَجِّ التَّطَوُّعِ وَسَفَرِ الزِّيَارَةِ وَالتِّجَارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْفَارِ الَّتِي لَيْسَتْ وَاجِبَةً فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ فِيهَا مَعَ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ إِلَّا مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي غَيْرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ إِلَّا الْهِجْرَةَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تُهَاجِرَ مِنْهَا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَمٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ إِقَامَتَهَا فِي دَارِ الْكُفْرِ حَرَامٌ إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ إِظْهَارَ الدِّينِ وَتَخْشَى عَلَى دِينِهَا وَنَفْسِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ التَّأَخُّرُ عَنِ الْحَجِّ فَإِنَّهُمِ اخْتَلَفُوا فِي الْحَجِّ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْبَاجِيُّ هَذَا عِنْدِي فِي الشَّابَّةِ وَأَمَّا الْكَبِيرَةُ غَيْرُ الْمُشْتَهَاةِ فَتُسَافِرُ كَيْفَ شَاءَتْ فِي كُلِّ الْأَسْفَارِ بِلَا زَوْجٍ وَلَا مَحْرَمٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَاجِيُّ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَظِنَّةُ الطَّمَعِ فِيهَا وَمَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ وَلَوْ كانت
كَبِيرَةً وَقَدْ قَالُوا لِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ وَيَجْتَمِعُ فِي الْأَسْفَارِ مِنْ سُفَهَاءِ النَّاسِ وَسَقَطِهِمْ مَنْ لَا يَرْتَفِعُ عَنِ الْفَاحِشَةِ بِالْعَجُوزِ وَغَيْرِهَا لِغَلَبَةِ شَهْوَتِهِ وَقِلَّةِ دِينِهِ وَمُرُوءَتِهِ وَخِيَانَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ بِرِوَايَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِمَذْهَبِهِمْ أَنَّ قَصْرَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي سَفَرٍ يَبْلُغُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ فَاسِدٌ وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ بِرِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا سَبَقَ وَبَيَّنَّا مَقْصُودَهَا وَأَنَّ السَّفَرَ يُطْلَقُ عَلَى يَوْمٍ وَعَلَى بَرِيدٍ وَعَلَى دُونَ ذَلِكَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْجَوَابَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ إِيضَاحًا بَلِيغًا فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[827]
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ جَمِيعَ الْمَحَارِمِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ فَيَجُوزُ لَهَا الْمُسَافَرَةُ مع محرمها بالنسب كابنها وأخيها وبن أخيها وبن أُخْتِهَا وَخَالِهَا وَعَمِّهَا وَمَعَ مَحْرَمِهَا بِالرَّضَاعِ كَأَخِيهَا من الرضاع وبن أخيها وبن أُخْتِهَا مِنْهُ وَنَحْوِهِمْ وَمَعَ مَحْرَمِهَا مِنَ الْمُصَاهَرَةِ كأبي زوجها وبن زَوْجِهَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا يَجُوزُ لِكُلِّ هَؤُلَاءِ الْخَلْوَةُ بِهَا وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ بِشَهْوَةٍ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَوَافَقَ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا بن زَوْجِهَا فَكَرِهَ سَفَرَهَا مَعَهُ لِفَسَادِ النَّاسِ بَعْدَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يَنْفِرُونَ مِنْ زَوْجَةِ الْأَبِ نَفْرَتِهِمْ مِنْ مَحَارِمِ النَّسَبِ قَالَ وَالْمَرْأَةُ فِتْنَةٌ إِلَّا فِيمَا جَبَلَ اللَّهُ تَعَالَى النُّفُوسَ عَلَيْهِ مِنَ النَّفْرَةِ عَنْ مَحَارِمِ النَّسَبِ وَعُمُومُ هَذَا الْحَدِيثِ يَرُدُّ عَلَى مَالِكٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحْرَمِ مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَيْهَا وَالْخَلْوَةُ بِهَا وَالْمُسَافَرَةُ بِهَا كُلُّ مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا فَقَوْلُنَا عَلَى التَّأْبِيدِ احْتِرَازٌ مِنْ أُخْتِ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَنَحْوِهِنَّ وَقَوْلُنَا بِسَبَبٍ مُبَاحٍ احْتِرَازٌ مِنْ أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا فَإِنَّهُمَا تَحْرُمَانِ عَلَى التَّأْبِيدِ وليستا محرمين لِأَنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَا يُوصَفُ بِالْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلِ مُكَلَّفٍ وَقَوْلُنَا لِحُرْمَتِهَا احْتِرَازٌ مِنَ الْمُلَاعَنَةِ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ وليست محرما لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا لَيْسَ لِحُرْمَتِهَا بَلْ عُقُوبَةً وَتَغْلِيظًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لاتشدوا الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ
مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) فِيهِ بَيَانُ عَظِيمِ فَضِيلَةِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَمَزِيَّتِهَا عَلَى غَيْرِهَا لِكَوْنِهَا مَسَاجِدَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلِفَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهَا وَلَوْ نَذَرَ الذَّهَابَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَزِمَهُ قَصْدُهُ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَوْ نَذَرَهُ إِلَى الْمَسْجِدَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَقَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ أَصْحَابِهِ يُسْتَحَبُّ قَصْدُهُمَا وَلَا يَجِبُ وَالثَّانِي يَجِبُ وَبِهِ قَالَ كَثِيرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا بَاقِي الْمَسَاجِدِ سِوَى الثَّلَاثَةِ فَلَا يَجِبُ قَصْدُهَا بِالنَّذْرِ وَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرٌ قَصْدُهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيَّ فَقَالَ إِذَا نَذَرَ قَصْدَ مَسْجِدِ قُبَاءٍ لَزِمَهُ قَصْدُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَلْزَمُهُ قَصْدُ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ أَيُّ مَسْجِدٍ كَانَ وَعَلَى مَذْهَبِ الْجَمَاهِيرِ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَقَالَ أَحْمَدُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي شَدِّ الرِّحَالِ وَإِعْمَالِ الْمَطِيِّ إِلَى غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ كَالذَّهَابِ إِلَى قُبُورِ الصَّالِحِينَ وَإِلَى الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا هُوَ حَرَامٌ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إِلَى اخْتِيَارِهِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ قَالُوا وَالْمُرَادُ أَنَّ الْفَضِيلَةَ التَّامَّةَ إِنَّمَا هِيَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ خَاصَّةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَعْجَبْنَنِي وآنَقْنَنِي) قَالَ الْقَاضِي مَعْنَى آنَقْنَنِي أَعْجَبْنَنِي وَإِنَّمَا كَرَّرَ الْمَعْنَى لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا لِلْبَيَانِ وَالتَّوْكِيدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صلوات من ربهم ورحمة وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ الرَّحْمَةُ وَقَالَ تَعَالَى فَكُلُوا