المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المقدمة إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور - الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني - مقدمة

[الشاطبي الأصولي النحوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌منهجنا في تحقيق الكتاب

- ‌أولاً: المقابلة بين النسخ:

- ‌ثانياً: التعليق:

- ‌ثالثاً: الآيات القرآنية:

- ‌رابعاً: الأحاديث والآثار:

- ‌خامساً: عزو الأقوال والنصوص:

- ‌سادساً: ترجمة الأعلام:

- ‌سابعاً: شرح الكلمة الغريبة:

- ‌ثامناً: التعريف بالفِرَق:

- ‌تاسعاً: التعريف بالبلدان والأماكن:

- ‌عاشراً: الفهارس:

- ‌ الدراسة

- ‌الباب الأول التعريف بالمؤلف

- ‌الفصل الأول عصر المؤلِّف

- ‌المبحث الأول الحالة السياسية

- ‌المبحث الثاني الحالة الاجتماعية

- ‌المبحث الثالث الحالة العلمية

- ‌الفصل الثاني حياة المؤلف الشخصية

- ‌المبحث الأول اسمه، وكنيته، ونسبه

- ‌المبحث الثاني مولده، ونشأته، وموطنه

- ‌المبحث الثالث محنته، وما ابتلي به، واتهامه من خصومه

- ‌1 - القول بأن الدعاء لا ينفع وأنه لا فائدة فيه

- ‌2 - اتهم رحمه الله بالرفض وبغض الصحابة رضي الله عنهم:

- ‌3 - اتهم الإمام الشاطبي رحمه الله بالقول بجواز القيام على الأئمة حيث قال:

- ‌4 - اتهم الإمام الشاطبي رحمه الله بالتزام الحرج والتنطُّع في الدين:

- ‌5 - اتهم أيضاً بمعاداة أولياء الله:

- ‌6 - اتهم رحمه الله بأنه مخالف للسنة والجماعة، حيث قال:

- ‌المبحث الرابع وفاته

- ‌الفصل الثالث حياة المؤلف العلمية

- ‌المبحث الأول طلبه للعلم وشيوخه

- ‌4 - أبو علي منصور بن عبد الله الزواوي

- ‌11 - أبو جعفر أحمد بن آدم الشقوري

- ‌المبحث الثاني: تلاميذه

- ‌المبحث الثالث ثقافته ومؤلفاته

- ‌فأما كتبه المطبوعة فهي:

- ‌1 - الموافقات في أصول الشريعة:

- ‌2 - الاعتصام:

- ‌3 - الإفادات والإنشادات:

- ‌4 - فتاوى الإمام الشاطبي:

- ‌وأما كتبه التي لم تطبع بعد، فمنها:

- ‌1 - شرح جليل على الخلاصة في النحو: (في أربعة أسفار):

- ‌2 - كتاب المجالس:

- ‌3 - شرح رجز ابن مالك في النحو (الألفية)

- ‌4 - عنوان الاتفاق في علم الاشتقاق

- ‌5 - أصول النحو

- ‌المبحث الرابع مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌المبحث الخامس عقيدته

- ‌أولاً: مسألة كلام الله تعالى:

- ‌ثانياً: مسألة رؤية الله تعالى يوم القيامة:

- ‌ثالثاً: مسألة الاستواء:

- ‌رابعاً: مسألة علو الله تعالى:

- ‌خامساً: بقية الصفات السمعية:

- ‌الباب الثاني التعريف بالكتاب وطبعاته ونُسَخِه الخَطِّيَّة:

- ‌الفصل الأول التعريف بالكتاب

- ‌المبحث الأول اسم الكتاب

- ‌المبحث الثاني موضوع الكتاب

- ‌المبحث الثالث سبب تأليف الكتاب

- ‌المبحث الرابع توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلِّفه

- ‌المبحث الخامس قيمة الكتاب العلمية

- ‌الفصل الثاني التعريف بطبعات الكتاب ونُسَخِه الْخَطِّيَّة

- ‌المبحث الأول التعريف بطبعات الكتاب

- ‌المبحث الثاني التعريف بنسخ الكتاب الخطِّيَّة

- ‌النسخة الأولى:

- ‌النسخة الثانية:

- ‌النسخة الثالثة:

- ‌النسخة الرابعة:

- ‌النسخة الخامسة:

- ‌النسخة السادسة:

- ‌نماذج للمخطوطات

الفصل: ‌ ‌المقدمة إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور

‌المقدمة

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد: فقد حذر الله عز وجل من التفرق والاختلاف بعد الائتلاف، فقال سبحانه وتعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران: 105]، وقال سبحانه وتعالى:{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)} [يونس: 19].

وقال تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)} [الأنعام: 159].

وقال تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)} [الروم: 31، 32].

وذكر الله عز وجل اختلاف بني إسرائيل في التوراة، فقال سبحانه

ص: 5

وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110)} [هود: 110].

والاختلاف واقع في هذه الأمة أكثر من غيرها من الأمم.

فعن عوف بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار". قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: "الجماعة"(1).

وقد أمرنا الله عز وجل أن نعتصم بحبله جميعًا ولا نتفرق، فقال سبحانه وتعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وبيَّن قبل ذلك أن مفتاح الاعتصام وعدم الفرقة هو تقوى الله حق تقاته، فأمر به قبل الأمر بالاعتصام، فقال سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} .

والذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا ليسوا من الذين اتقوا الله حق تقاته، بل هم من الذين اتبعوا أهواءهم، وامتلأت قلوبهم بالبغي والحسد والكبر والهوى وغير ذلك مما ينافي تقوى الله.

وقد بيَّن الله عز وجل هؤلاء في مواطن من كتابه، وبين السبب الذي لأجله اختلفوا وتفرقوا، فقال تَعَالَى:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)} [البقرة: 213].

(1) انظر تخريجه في النص المحقق (ص 15).

ص: 6

فبين سبحانه وتعالى أن الناس كانوا أمة واحدة، فاختلفوا، وأن سبب الاختلاف بينهم هو البغي والظلم.

وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)} [آل عمران: 19].

وبيَّن سبحانه وتعالى أن من أسباب البغي والظلم الْمُوقِعِ في الاختلاف: الحسد الذي يجعل الحاسد يرفض الحق وهو يعرفه، ويجادل عن الباطل، فقال سبحانه وتعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)} [البقرة: 109].

ثم بيَّن أن فريقًا من الناس يعرفون سبيل الرشد ولا يتخذونه سبيلاً؛ استكباراً وعناداً، وهذا من الظلم والبغي، وإن يروا سبيل الغي والضلال يتخذوه سبيلاً، ولذلك صرفهم الله عن طريق الحق جزاءً وفاقاً، فقال سبحانه وتعالى:{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)} [الأعر اف: 146].

كما بيَّنْ الله عز وجل أن من سننه في خلقه أن يوقع بينهم العداوة والبغضاء إذا تركوا شيئاً من شرعه ولم يعملوا به، فقال سبحانه وتعالى عن النصارى:{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)} [المائدة: 14].

وقد اختلفت هذه الأمة كما اختلف مَنْ قبلها من الأمم؛ مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم"(1)، وظهرت فيها الفرق التي أخبر

(1) انظر تخريجه في النص المحقق (1/ 16، 2/ 92، 3/ 128، 186، 188).

ص: 7

عنها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الافتراق، وادَّعت كل فرقة أنها على الحق وما عداها على الباطل.

ولكن مع وجود هذا الاختلاف والتفرق، فلا يزال في الأمة طائفة منصورة قائمة بالحق، داعية إليه، لا يضرها من خالفها، ولا من خذلها، إلى أن يأتي أمر الله وهم على ذلك.

ولذلك اهتم سلف هذه الأمة بالدعوة إلى الاعتصام بالكتاب والسنة، والتحذير من البدع والأهواء، وكثرت أقوالهم ومؤلفاتهم في هذه المسألة.

فكُتِبَتْ كتب كثيرة في السنة وبيان منهج السلف الصالح، وفي الرد على أهل الأهواء والبدع.

ومن هذه الكتب الكثيرة، كتاب الإمام أحمد رحمه الله تعالى في "الرد على الجهمية"، وكتاب "السنة" لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، وكتاب "خلق أفعال العباد" للبخاري، وكتاب "السنة" لابن أبي عاصم، وكتاب "السنة" لمحمد بن نصر المروزي، وكتاب "الشريعة" للآجري، و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" للالكائي، وغير ذلك من كتب السلف رضوان الله عليهم.

وبعض هذه الكتب، عُنِيَ فيها مؤلفوها بالكتابة في التحذير من الأهواء والبدع، فألف ابن وضاح القرطبي كتابه "البدع والنهي عنها"، وألف أبو بكر الطرطوشي كتابه "الحوادث والبدع"، وألف أبو شامة كتاب "الباعث على إنكار البدع والحوادث"، ولكن اقتصرت هذه الكتب -في الغالب- على النقل المجرد للنصوص الواردة في التحذير من البدع والنهي عنها، دون تحليل لمعانيها، وتحقيق مسائلها، مما جعل الإمام الشاطبي يقوم بتصنيف كتابه الفذ "الاعتصام"، الذي أشار رحمه الله تعالى فيه إلى هذه الكتب السابقة، ومأخذه عليها، فقال: "وإذا استقام هذا الأصل -أي كَتْبَ العلم لحفظ الدين- فَاحْمِلْ عَلَيْهِ كَتْبَ الْعِلْمِ مِنَ السُّنَنِ وَغَيْرِهَا إِذَا خِيفَ عَلَيْهَا الِانْدِرَاسُ، زِيَادَةً عَلَى مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ؛ مِنَ الْأَمْرِ بِكَتْبِ الْعِلْمِ، وأنا

ص: 8

أَرْجُو أَنْ يَكُونَ كَتبُ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي وَضَعْتُ يَدِي فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنِّي رَأَيْتُ بَابَ الْبِدَعِ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ مُغْفَلاً جِدًّا إِلَّا مِنَ النَّقْلِ الْجَلِيِّ؛ كَمَا نَقَلَ ابْنُ وَضَّاحٍ، أَوْ يُؤْتَى بِأَطْرَافٍ مِنَ الْكَلَامِ لَا يَشْفِي الْغَلِيلَ بِالتَّفَقُّهِ فِيهِ كَمَا يَنْبَغِي، ولم أجده عَلَى شِدَّةِ بَحْثِي عَنْهُ، إِلَّا مَا وَضَعَ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الطَّرْطُوشِيُّ، وَهُوَ يَسِيرُ فِي جَنْبِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيهِ، وَإِلَّا مَا وَضَعَ النَّاسُ فِي الْفِرَقِ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ، وَهُوَ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ الْبَابِ وَجُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ، فَأَخَذْتُ نَفْسِي بِالْعَنَاءِ فِيهِ، عَسَى أَنْ يَنْتَفِعَ واضعه، وقارئه، وَنَاشِرُهُ، وَكَاتِبُهُ، وَالْمُنْتَفِعُ بِهِ، وَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ، إِنَّهُ ولي ذلك ومُسْدِيه بسعة رحمته" (1).

انتهي كلامه رحمه الله تعالى.

ويمتاز كتاب الشاطبي من غيره من الكتب الأخرى التي ألفت في البدع بميزات عدة، أهمها:

1 -

دراسته للآيات والأحاديث والآثار الواردة في معنى البدعة، والتحذير منها، والأمر بلزوم السنة دراسة تحليلية، قائمة على الاستنباط والدقة في الفهم، والتحقيق العلمي للمسائل التي يطرقها.

2 -

الترتيب العلمي والتسلسلي لموضوعات الكتاب، مما يساعد القارئ على استيعاب موضوعاته، وفهمها.

3 -

قوة الشاطبي العلمية، والعقلية، ورصانة أسلوبه، ودقة عباراته وألفاظه.

4 -

شمولية الكتاب لموضوعه، وجمعه لأطراف القضية التي تصدَّى لها، فقد عرَّف البدعة، والمسائل المتعلقة بها، وأسبابها، وذم البدع، وبيَّن سوء منقلب أصحابها، وأن البدع كلها مذمومة، ثم بيَّن مأخذ أهل البدع في الاستدلال، وحكم البدع الحقيقية والإضافية، وبيَّن أن البدع ليست على مرتبة واحدة، وناقش مسألة: هل البدع تدخل في الأمور العادية أو هي خاصة بالأمور العبادية فقط، وعقد فصلاً مُهِمّاً عن الفرق بين البدع

(1)(3/ 16).

ص: 9

والمصالح المرسلة والاستحسان، ثم درس حديث الافتراق دراسة وافية من حيث معناه، وما يندرج تحته من مسائل مُهِمَّة، وأخيرًا عقد باباً لبيان الصراط المستقيم الذي ينبغي للمسلم سلوكه، وهذا ترتيب دقيق، يدل على عظم فقه صاحبه رحمه الله تعالى.

5 -

مناقشته للشُّبَه التي تمسك بها أهل البدع، وجعلوها أدلة لبدعهم، وقيامه بنقضها وبيان خطأ الاستدلال بها، وأنها لا تخفي على الراسخين.

وقد طبع الكتاب عدة طبعات، معظمها مليئة بالسقط والتصحيف والأخطاء (1)، لا يزال معها الكتاب بحاجة إلى خدمة؛ من ضبط نصٍّ، وتخريج أحاديث وآثار، وتعليق على ما لا بُدَّ منه، وغير ذلك؛ مما دفعنا إلى إعادة تحقيقه، والتعليق عليه، فقام الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشقير بكتابة قسم الدراسة من بدايته إلى نهاية المبحث الخامس:(قيمة الكتاب العلمية)، وتحقيق الأبواب الثلاثة الأولى.

وقام الدكتور سعد بن عبد الله آل حميّد بتحقيق الباب الرابع والخامس والسادس والسابع.

وقام الدكتور هشام بن إسماعيل الصيني بتحقيق الباب الثامن والتاسع والعاشر، وكتابة الملحق الخاص بالفرق في نهاية الكتاب.

وما سوى ذلك فهو عمل مشترك بين المحققين.

وأصل هذا العمل كان رسائل علمية بجامعة أم القرى، فالقسم الأول هو أطروحه الدكتور محمد الشقير للماجستير، وقد نوقشت بتاريخ 1415 هـ، والقسم الثالث هو أطروحة الدكتور هشام الصيني للماجستير أيضاً، وقد نوقشت بتاريخ 1413 هـ.

وأما القسم الثاني فلم يتم الاتفاق بين دار ابن الجوزي وبين الطالب

(1) ولا نستثني من ذلك سوى الطبعة التي قام بتحقيقها الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان فهي أحسن الطبعات السابقة؛ كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

ص: 10

الذي قام بتحقيقه، فقام الدكتور سعد الحميد بتحقيقه، وكان هذا من أسباب تأخير صدور هذه الطبعة.

وفيما يلي وصف لخطة العمل في هذا الكتاب:

فقد قسمنا الكتاب إلى قسمين، تعقبها الفهارس.

* القسم الأول: الدراسة، وفيه بابان:

- الباب الأول: التعريف بالمؤلف، وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأول: عصر المؤلف، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: الحالة السياسية.

المبحث الثاني: الحالة الاجتماعية.

المبحث الثالث: الحالة العلمية.

الفصل الثاني: حياة المؤلف الشخصية، وفيه أربعة مباحث:

المبحث الأول: اسمه وكنيته ونسبه ونسبته.

المبحث الثاني: مولده ونشأته وموطنه.

المبحث الثالث: محنته وما اتهم به.

المبحث الرابع: وفاته.

الفصل الثالث: حياة المؤلف العلمية، وفيه خمسة مباحث:

المبحث الأول: طلبه للعلم وشيوخه.

المبحث الثاني: تلاميذه.

المبحث الثالث: ثقافته ومؤلفاته.

المبحث الرابع: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه.

المبحث الخامس: عقيدته.

- الباب الثاني: التعريف بالكتاب وطبعاته ونُسَخِه الْخَطِّيَّة، وفي فصلان:

ص: 11