الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث الحالة العلمية
لقد كان الزمن الذي عاش فيه الإمام الشاطبي من أفضل الأزمنة العلمية، سواء في المشرق أو في المغرب، فقد عاش الإمام الشاطبي في القرن الثامن الهجري، وهو قرن حافل بشخصيات علمية ومؤلفات رائعة في جميع الفنون.
ففي المشرق كان زمن الإمام ابن القيم، والحافظ الذهبي، والإمام ابن كثير، والإمام ابن رجب، وأمثال هؤلاء العلماء الكبار.
وفي المغرب أيضاً كان المستوى العلمي في أروع مراحله، إذ نجد العلماء الكبار، والفنون المتعددة، والمناظرات العلمية، واهتمام الأمراء بالعلم، وغير ذلك من صور الرقي العلمي.
يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور: "وكان العلماء من سائر الفنون متوافرين في بلاد الأندلس. وهذه طائفة كانت في عصر واحد أواخر القرن الثامن، من سنة 772 حتى 800 ما منها إلا إمام يُعْنَى إليه ويعتمد في علمه عليه؛ مثل ابن جُزَيّ وابن لب وابن الفخار وابن الجياب وابن عاصم في الفقهاء، وأبي حيان وابن الصايغ في النحاة، والشاطبي في الأصول وفلسفة الشريعة، وابن الخطيب وابن زمرك والوزير ابن عاصم في رجال القلم والسياسة، وابن هذيل الحكيم في الفلسفة. إنما كان القضاء الأخير على العلم بالأندلس في القرن التاسع"(1).
وقد كان لاهتمام أمراء الدولة النصرية بالعلم وتشجيعهم لأهله دور
(1)"أليس الصبح بقريب" لابن عاشور (ص 79).
هام في رفع المستوى العلمي في مملكتهم، خاصة في عهد السلطان أبي الحجاج يوسف بن إسماعيل النصري المتوفي سنة 755 هـ، فقد كان عالماً أديباً شغوفاً بالعلوم (1).
واشتهر الأمير أبو الوليد إسماعيل بن السلطان يوسف الثاني المتوفي سنة 805 هـ بحبه للأدباء والعلماء، وله في الأدب كتاب "نثير الجمان في شعر من نظمني وإياه الزمان"، وقد ترجم فيه لأعلام عصره في الشعر والأدب.
وأما عن المراكز العلمية في مملكة غرناطة، فاشتهر منها مركزان:
الأول: الجامع الأعظم، وقد كان مقصداً لطلاب العلم، كما كان مقصداً للعباد. ومن أشهر مدرسيه: أبو سعيد فرج بن لب، وأبو بكر أحمد بن جُزَيّ.
الثاني: المدرسة النصرية، وقد أنشئت هذه المدرسة في عهد السلطان يوسف أبي الحجاج المتوفي سنة 755 هـ، وقد قال عنها لسان الدين ابن الخطيب:"جاءت نسيجة وحدها بهجة وصدراً وظرفاً وفخامة"(2).
وممن قام بالتدريس فيها محمد بن علي بن أحمد الخولاني المعروف بابن الفخار المتوفي سنة 754 هـ (3)، وفرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي المتوفي سنة 783 هـ (4).
وقد كان من أسباب هذه النهضة العلمية في غرناطة: تجمع مسلمي الأندلس فيها بسب استيلاء النصارى على مدنهم، فاجتمعت في غرناطة ثقافات عديدة، وقدرات علمية متنوعة.
وأما المذهب السائد عند أهل الأندلس فهو مذهب الإمام مالك رحمه الله (5)، فقد كان هو العمدة في الفتوى والقضاء (6).
(1) انظر: "الإحاطة في أخبار غرناطة" لابن الخطيب (1/ 20).
(2)
نفس المرجع (1/ 509).
(3)
نفس المرجع (3/ 35).
(4)
نفس المرجع (4/ 254).
(5)
انظر: "الإحاطة في أخبار غرناطة" لابن الخطيب (1/ 134).
(6)
"فتاوى الإمام الشاطبي"(ص 31).