الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلام في
المقدمات
فيها مسائل
الأولى
أصول النحو: علم يبحث فيه عن أدلة النحو الإجمالية، من حيث هي أدلته، وكيفية الاستدلال بها، وحال المستدل.
فقولي (علم) ، أي صناعة فلا يرد ما أورد على التعليل به في حد أصول الفقه، من كونه يلزم عليه فقده، إذا فقد العالم به، لأنه صناعة مدونة، مقررة وجد العالم به، أم لا.
وقولي (عن أدلة النحو) يخرج كل صناعة سواه، وسوى النحو.
وأدلة النحو الغالبة أربعة.
قال ابن جني في الخصائص: " أدلة النحو ثلاثة: السماع، والإجماع، والقياس ".
وقال ابن الأنباري في أصوله:" أدلة النحو ثلاثة: نقل، وقياس، واستصحاب حال ".
فزاد الاستصحاب ولم يذكر الإجماع، فكأنه لم ير الاحتجاج به في العربية، كما هو رأي قوم.
وقد تحصل مما ذكراه أربعة، وقد عقدت لها أربعة كتب.
وكل من الإجماع والقياس لا بد له من مستند من السماع كما هما في الفقه كذلك، ودونها الاستقراء والاستحسان، وعدم النظير، وعدم الدليل، المعقود لها الكتاب الخامس.
وقولي (الإجمالية) احتراز في البحث عن التفصيلية، كالبحث عن دليل خاص بجواز العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، وبجواز الإضمار قبل
الذكر في باب الفاعل والمفعول، وبجواز مجيء التمييز مؤكدا، ونحو ذلك، فهذه وظيفة علم النحو نفسه، لا أصوله.
وقولي (من حيث هي أدلته) بيان لجهة البحث عنها، أي البحث عن القرآن بأنه حجة في النحو، لأنه أفصح الكلام، سواء كان متواترا أم آحادا، وعن السنة كذلك بشرطتها الآتي، وعن كلام من يوثق بعربيته كذلك وعن إجماع أهل البلين كذلك، أي إن كلا مما ذكر يجوز الاحتجاج به دون غيره، وعن القياس وما يجوز من العلل فيه وما لا يجوز.
وقولي (وكيفية الاستدلال بها) ، أي عند تعارضها ونحوه، كتقديم السماع على القياس واللغة الحجازية على التميمية إلا لمانع، وأقوى العلتين على أضعفهما، وأخف الأقبحين على أشدهما قبحا، إلى غير ذلك. وهذا هو المعقود له من الكتاب السادس.
وقولي (وحال المستدل) ، أي المستنبط للمسائل من الأدلة المذكورة، أي صفاته وشروطه، وما يتبع ذلك من صفة المقلد والسائل. وهذا هو الموضوع له الكتاب السابع.
وبعد أن حررت هذا الحد بفكري وشرحته، وجدت ابن الأنباري قال: " أصول النحو أدلة النحو التي تفرعت منها فروعه وأصوله، كما أن أصول الفقه أدلة الفقه التي تنوعت عنها جملته وتفصيله.
وفائدته التعويل في إثبات الحكم على الحجة والتعليل والارتفاع عن حضيض التقليد إلى يفاع الاطلاع على الديل، فإن المخلد إلى التقليد لا يعرف وجه الخطأ من الصواب، ولاينفك في أكثر الأمر عن عوارض الشك والارتياب ".
هذا جميع ما ذكره في الفصل الأول بحروفه.
المسألة الثانية
للنحو حدود شتى، وأليقها بهذا الكتاب قول ابن جني (في الخصائص):
" هو انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب وغيره كالتثنية، والجمع، والتحقير، والتكسير، والإضافة، والنسب، والتركيب، وغير ذلك ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة، فينطق بها، وإن لم يكن منهم، وإن شد بعضهم عنها رد به إليها.
وهو في الأصل مصدر شائع، أي نحوت نحوا، كقولك، قصدت قصدا ثم خص به انتحاء هذا هذا القبيل من العلم، كما أن الفقه،
في الأصل مصدر فقهت الشيء، أي عرفته، ثم خص به علم الشريعة من التحليل والتحريم، وكما أن بيت الله خص به الكعبة، وإن كانت البيوت كلها لله، وله نظائر في قصر ما كان شائعا في جنسه على أحد أنواعه. وقد استعملته العرب ظرفا، وأصله المصدر. انتهى.
وقال صاحب (المستوفي):" النحو صناعة علمية ينظر لها أصحابها في ألفاظ العرب من جهة ما يتألف بحسب استعمالهم لتعرف النسبة بين صيغة النظم وصورة المعنى، فيتوصل بإحداهما إلى الأخرى ".
وقال الخضراوي:
" النحو علم بأقيسة تغيير ذوات
الكلم وأواخرها بالنسبة إلى لغة لسان العرب ".
وقال ابن عصفور:
" النحو علم مستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي ائتلف منها ".
وانتقده ابن الحاج بأنه ذكر ما يستخرج به النحو وتبيين ما يستخرج به الشيء ليس تبيينا لحقيقة النحو، وبأن فيه المقاييس شيء غير النحو، وعلم مقاييس كلام العرب هو النحو.
وقال صاحب (البديع):
" النحو صناعة علمية يعرف بها أحوال كلام العرب من جهة ما يصح ويفسد في التأليف ليعرف الصحيح من الفاسد ".
وبهذا يعلم أن المراد بالعلم المصدر به حدود العلوم: الصناعة، ويندفع الإيراد الأخير على كلام ابن عصفور.
وقال ابن السراج في (الأصول):
" النحو علم استخرجه المتقدمون من استقراء كلام العرب ".
المسألة الثالثة
(حد اللغة، وهل هي بوضع الله أو البشر)
قال في (الخصاص):
" حد اللغة: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ".
واختلف هل هي بوضع الله أو البشر؟ على مذاهب:
أحدها: وهو مذهب الأشعري أنها بوضع الله.
واختلف على هذا: هل وصل إلينا علمها بالوحي إلى نبي من أنبيائه، أو بخلق أصوات في بعض الأجسام تدل عليها، واسماعها لمن عرفها ونقلها، أو بخلق العلم الضروري في بعض العباد بها؟
على ثلاثة مذاهب، أرجحها الأول، ويدل له ولأصل المذهب قوله تعالى: وعلم آدم الأسماء كلها، أي أسماء المسميات.
قال ابن عباس: علمه اسم الصحفة، والقدر، حتى الفسوة والفسية.
وفي رواية عنه: عرض عليه أسماء ولده إنسانا إنسانا، والدواب فقيل: هذا الحمار، هذا الجمل، هذا الفرس.
أخرجهما ابن أبي حاتم في تفسيره.
وتعليمه تعالى دال على أن الواضع دون البشر، وأن وصولها بالوحي إلى آدم.
ومال إلى هذا القول ابن جني، ونقله عن شيخه أبي علي الفارسي، وهما من المعتزلة.
والمذهب الثاني: أنها اصطلاحية، وضعها البشر، ثم قيل: وضعها آدم.
وتأول ابن جني الآية على أن معنى (علم آدم): أقدره على وضعها.
وقيل: لعله كان يجتمع حكيمان، أو ثلاثة فصاعدا، فيحتاجون إلى الإبانة عن الأشياء المعلومة، فوضعوا لكل واحد منها لفظا، إذا ذكر عرف به.
وقيل: أصل اللغات كلها من الأصوات المسموعات، كدوي الريح والرعد، وخرير الماء، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونهيق الحمار، ونحو ذلك، ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد.
واستحسنه ابن جني.
والمذهب الثالث: الوقف، أي لا يدري: أهي من وضع الله أو البشر لعدم دليل قاطع في ذلك.
وهو الذي اختاره ابن جني أخيرا.
تنبيهان:
الأول: زعم بعضهم أنه لا فائدة لهذا الخلاف. وليس كذلك، بل ذكر له فائدتان:
الأولى: فقهية، ولذا ذكرت هذه المسألة في أصوله.
والأخرى: نحوية، ولهذا ذكرها في أصوله تبعا لابن جني في (الخصائص) ، وهي جواز قلب اللغة، فإن قلنا: أنها اصطلاحية جاز، وإلا فلا.
وإطباق أكثر النحاة على أن المصحفات ليست بكلام ينبغي أن يكون في هذا الأصل.
الثاني: قال ابن جني:
الصواب، وهو رأي أبي الحسن الأخفش، سواء قلنا بالتوقيف أن بالاصطلاح – أن اللغة لم توضع كلها في وقت واحد، بل وقعت متلاحقة متتابعة.
قال الأخفش: اختلاف لغات العرب إنما جاء من قبل أن أول ما وضع منها وضع على خلاف، وإن كان كله مسوقا على
صحة وقياس، ثم أحدثوا من بعد أشياء كثيرة لا حاجة إليها، غير أنها على قياس ما كان وضع في الأصل مختلفا.
قال: وبجوز أن يكون الموضوع الأول ضربا واحدا، ثم رأى من جاء من بعد أن خالف قياس الأول إلى قياس ثان جار في الصحة مجرى الأول.
قال وأما أي الأجناس الثلاثة: الاسم، والفعل، والحرف، وضع قبل؟ فلا يدرى ذلك، ويحتمل في كل من الثلاثة وضع قبل.
وبه صرح أبو علي.
قال: وكان الأخفش يذهب إلى أن ما غير لكثرة استعماله، إنما تصورته العرب قبل وضعه، وعلمت أنه لابد من كثرة استعمالها إياه، فابتدءوا بتغييره، علما بأن لابد من كثرته الداعيه إلى تغييره.
قال: ويجوز أن يكون كانت قديما معربة، فلما كثرت غيرت فيما بعد.
قال: والقول عندي هو الأول، لأنه أدل على حكمتها وأشهد لها بعلمها بمصاير أمرها، فتركوا بعض الكلام مبنيا غير معرب، نحو: أمس، وأين، وكيف، وكم، وإذا، وحيث، وفبل، علما بأنهم سيستكثرون منها فيما بعد، فيجب لذلك تغييرها.
المسألة الرابعة
في مناسبة الألفاظ للمعاني
قال في (الخصائص):
هذا موضع شريف، نبه عليه الخليل، وسيبويه، وتلقته الجماعة بالقبول.
قال الخليل: كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة، فقالوا: صر، وفي صوت البازي تقطيعا، فقالوا: صرصر.
وقال سيبويه في المصادر التي جاءت على الفعلان: إنها تأتي للضطراب والحركة، نحو: الغليان، والغثيان، فقابلوا
بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال.
قال ابن جني: وقد وجدت أشياء كثيرة من هذا النمط.
من ذلك المصادر الرباعية المضعفة، تأتي للتكرير، نحو: الزعزعة، والقلقلة، والصلصلة، والقعقعة، والقرقرة.
والفعلي تأتي للسرعة، نحو: الجمزي، والولقي.
ومن ذلك باب استفعل، جعلوه للطلب، لما فيه من تقدم حروف زائدة على الأصول، كما يتقدم الطلب الفعل، وجعلوا الأفعال الواقعة من غير طلب إنما تفجأ حروفها الأصول أو ما ضارع
الأصول، نحو: خرج، وأكرم.
وكذلك جعلوا تكرير العين دالا على تكرير الفعل، نحو، فرح، وكسر، فجعلوا قوة اللفظ لقوة المعنى وخصوا بذلك العين، لأنها أقوى من الفاء واللام، إذ هي واسطة لهما، ومكنوفة بهما فصارا كأنهما سياج لها ومبذولان للعوارض دونها، ولذلك تجد الإعلال بالحذف فيهما دونها.
ومن ذلك قولهم: الخضم لأكل الرطب، والقضم لأكل اليابس، فاختاروا الخاء لرخاوتها للرطب، والقاف لصلابتها لليابس.
والنضح للماء ونحوه، والنضخ أقوى منه، فجعلوا الحاء لرقتها للماء الخفيف، والخاء لغلظتها لما هو أقوى.
ومن ذلك قولهم: القد طولا، والقط عرضا، لأن الطاء أحصر للصوت، وأسرع قطعا له من الدال المستطيلة، فجعلوها لقطع العرض لقربه وسرعته، والدال المستطيلة لما طال من الأثر، وهو قطعه طولا.
وهذا الباب واسع جدا، لايمكن استقصاؤه.
المسألة الخامسة
الدلالات النحوية ثلاث: لفظية، وصناعية، ومعنوية.
قال في (الخصائص):
" وهي في القوة على هذا الترتيب ".
قال:
" وإنما كانت الصناعية أقوى من المعنوية من قبل أنها، وإن لم تكن لفظا، فإنها صورة يحملها اللفظ، ويخرج عليها، ويستقر على المثال المعتزم بها.
فلما كانت كذلك لحقت بِحُكْمِهِ، وجرت مجرى اللفظ المنطوق به، فدخلا بذلك في باب المعلوم بالمشاهدة.
وأما المعنى فدلالته لاحقة بعلوم الاستدلال،
وليست في حيز الضروريات.
مثال ذلك الأفعال، ففي كل واحد منها الدلالات الثلاث فإنه يدل بلفظه على مصدره وببنائه وصيغته على زمانه، وبمعناه على فاعله. فالأولان مسموعان، والثالث إنما يدرك من جهة أن كل فعل لابد له من فاعل، لأن وجود فعل من غير فاعل محال.
قال الخضراوي في (الإفصاح):
"ودلالة الصيغة هي المسماة دلالة التضمن، والدلالة المعنوية هي المسماه دلالة
اللزوم ".
وقال أبو حيان في (تذكره):
"في دلالة الفعل ثلاثة مذاهب:
أحدها: إنما يدل على الحدث بلفظه، وعلى الزمان بصيغته، أي كونه على شكل مخصوص، ولذلك تختلف الدلالة على الزمان باختلاف الصيغ ولا تختلف الدلالة على الحدث باختلافها.
والثاني: أنه يدل على الحدث بالصيغة، واختلافها من كونه واقعا، أو غير واقع، وينجر مع ذلك الزمان، فيدل عليه الفعل باللزوم دلالة السقف على الحائط.
والثالث: عكسه، أنه يدل على الزمان بذاته، لأن صيغته تدل على الزمان الماضي والمستقبل بالذات ودلالته على الحدث بالانجرار."
المسألة السادسة
الحكم النحوي ينقسم إلى: واجب، وممنوع، وحسن، وقبيح، وخلاف الأولى، وجائز على السواء.
فالواجب: كرفع الفاعل، وتأخره عن الفعل، ونصب المفعول، وجر المضاف إليه، وتنكير الحال والتمييز، وغير ذلك.
والممنوع كأضداد ذلك.
والحسن: كرفع المضارع الواقع جزاء بعد شرط ماض.
والقبيح: كرفعه بعد شرط مضارع.
وخلاف الأولى: كتقديم الفاعل في نحو: ضرب غلامه زيدا.
والجائز على السواء: كحذف المبتدأ، أو الخبر، أو إثباته حيث لا مانع من الحذف، ولا مقتضى له.
وقد اجتمعت الاقسام الستة في عمل الصفة المشبهة فإنها إما أن تكون بـ (أل) ، أو لا، ومعمولها إما مجرد، أو مقرون بـ (أل) أو إلى ضمير، أو إلى مضاف ضمير، أو إلى مجرد. فهذه اثنا عشر قسما.
وعملها: إما رفع أو نصب، أو جر، فتلك ستة وثلاثون.
والجر ممنوع في أربع صور: أن تكون بـ (أل) والمعمول خال منها، ومن إضافة لما هي فيه: بأن يكون مجرد، أو مضاف إلى ضمير.
وخلاف الأولى في صورتين: أن تكون الصفة مجردة والمعمول مضاف إلى ضمير، أو إلى مضاف إلى ضمير.
والرفع قبيح في أربع صور: أن يكون المعمول مجردا، أو مضافا إلى مجرد، سواء كانت الصفة بـ (أل) أم دونها.
والحسن فيها النصب أو الجر، والنصب خلاف الأولى في أربع صور: أن تكون الصفة
مجردة والمعمول بـ (أل) ، أو مضاف إلى ما فيه (أل) ، أو إلى ضمير أو إلى مضاف إلىضمير.
وواجب في صورتين: أن تكون الصفة بـ (أل) ، والمعمول مجرد أو مضاف إلى مجرد.
وتجوز الأوجه الثلاثة على السواء في صورتين: أن تكون الصفة بـ (أل) والمعمول مقرون، أو مضاف إلى معرف بها.
المسألة السابعة
ينقسم أيضا إلى رخصة وغيرها.
والرخصة: ما جاز استعماله لضرورة الشعر ويتفاوت حسنا وقبحا.
وقد يلحق بالضرورة ما في معناها وهو الحاجة إلى تحسين النثر بالزدواج.
فالضرورة الحسنة: ما لا يستهجن، ولا تستوحش منه النفس، كصرف ما لا ينصرف، وقصر الجمع الممدود، ومد الجمع المقصور.
وأسهل الضرورات: تسكين عين (فعلة) في الجمع بالألف والتاء حيث يجب الإتباع كقوله:
فتستريح النفس من زفراتها
والضرورة المستقبحة: ما تستوحش منه النفس، كالأسماء المعدولة وما أدى إلى التباس جمع بجمع، كرد مطاعم إلى مطاعيم، او عكسه فإنه يؤدي إلى التباس مطعم بمطعام
قال حازم في (منهاج البلغاء):
" وأشد ما تستوحش منه النفس تنوين (أفعل من) "
قال: وأقبح ضرائر: الزيادة المؤدية لما ليس أصلا في كلامهم، كقوله:
من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور
أي أنظر.
أو الزيادة المؤدية لما يقل في الكلام، كقوله:
طأطأت شيمالي
أراد: شمالي.
وكذلك يستقبح النقص المجحف كقول لبيد:
درس المنا بمتالع فأبان
أراد المنازل.
وكذلك العدول عن صيغة لأخرى كقول الحطيئة:
جدلاء محكمة من نسج سلام
أراد سليمان.
وقد اختلف الناس في حد الضرورة، فقال ابن مالك: هو ما ليس للشاعر عنه مندوحة.
وقال ابن عصفور: الشعر نفسه ضرورة، وإن كان يمكنه الخلاص بعبارة أخرى.
قال بعضهم: وهذا الخلاف هو الخلاف الذي يعبر عنه الأصوليون بأن التعليل بـ (المظنة): هل يجوز أم لابد من حصول المعنى المناسب حقيقة؟
وأيد بعضهم الأول بأنه ليس في كلام العرب ضرورة إلا ويمكن تبديل تلك اللفظة، ونظم شيء مكانها.
المسألة الثامنة
قد يتعلق الحكم بشيئين فأكثر، فتارة يجوز الجمع بينهما، وتارة يمتنع.
فالأول: كمسوغات الابتداء بالنكرة، فإن كلا منها مسموع على انفراده، ولايمتنع اجتماع اثنين منها فأكثر.
و (أل) والتصغير من خواص الأسماء، ويجوز اجتماعهما، و (قد) والتاء من خواص الأفعال، ويجوز اجتماعهما.
والثاني كاللام من خواص الأسماء، وكذا الإضافة ولا يجوز الجمع بينهما.
وكذا التنوين مع الإضافة خاصتان ولا يجتمعان.
والسين و (سوف) من أداة الاستقبال، ولا يجتمعان.
والتاء والسين خاصتان ولا يجتمعان.
ومن القواعد المشتهرة قولهم: البدل والمبدل منه، والعوض والمعوض عنه، لايجتمعان.
ومن المهم الفرق بين البدل والعوض.
قال أبو حيان في تذكرته:
" البدل لغة: العوض، ويفترقان في الاصطلاح
فالبدل أحد التوابع، يجتمع مع المبدل منه، وبدل الحرف من غيره لا يجتمعان أصلا، ولا يكون إلا في موضع المبدل منه.
والعوض لا يكون في موضعه، وربما اجتمعا ضرورة.
وربما استعملوا العوض مرادفا للبدل في الاصطلاح ".
وقال ابن جني في (الخصائص):
" الفرق بين العوض والبدل أن البدل أشبه بالمبدل منه من العوض بالمعوض منه، وإنما
يقع البدل في موضع المبدل منه، والعوض لا يلزم فيه ذلك، ألا تراك تقول في الألف من (قام) إنها بدل من الواو التي هي عين الفعل، ولا تقول إنها عوض منها؟
وكذلك تقول في لام (غازي) و (داعي): إنها بدل من الواو ولا تقول إنها عوض منها.
وكذلك الحرف المبدل من الهمزة.
وتقول في التاء في (عدة) و (زنة): إنها عوض من فاء الفعل، ولا تقول إنها بدل منها.
وكذلك ميم (اللهم) عوض من (يا) في أوله.
وتاء (زنادقة) عوض من ياء (زناديق) ولا يقال: بدل وياء (أينق) عوض من عين (أنوق) فيمن جعلها (أيفل) ، ومن جعلها عينا مقدمة مغيرة إلى الياء جعلها بدلا من الواو.
فالبدل أعم تصرفا من العوض، فكل عوض بدل، وليس كل بدل عوضا ".
انتهى.
المسألة التاسعة
اختلف: هل بين العربي والعجمي واسطة؟
فقال ابن عصفور: نعم. قال في (الممتع):
" إذا نحن تكلمنا بهذه الألفاظ المصنوعة، كان تكلمنا بما لا يرجع إلى لغة من اللغات "
ورده الخضراوي بأن كل كلام ليس عربيا، فهو عجمي، ونحن كغيرنا من الأمم.
وقول أبو حيان في (شرح التسهيل):
"العجمي عندنا
هو كل ما نقل إلى اللسان العربي من لسان غيره، سواء كان من لغة الفرس، أو الروم، أو الحبش، أو الهند، أو البربر، أو الإفرنج، أو غير ذلك ". _ يوافق رأي ابن عصفور، حيث عبر بالنقل، ولا نقل في المصنوعة.
قال النحاة: وتعرف عجمة الاسم بوجوه (1):
أحدها: أن ينقل ذلك عن أحد الأئمة.
الثاني: خروجه عن أوزان الأسماء العربية، نحو: إبريسم، فإن مثل هذا الوزن مفقود في أبنية اللسان العربي (2).
الثالث: أن يكون في أوله نون ثم راء، نحو نرجس، فإن ذلك لا يكون في كلمة عربية.
الرابع: أن يكون آخره زاي بعد دال، نحو: المهندز، فإن ذلك لا يكون في كلمة عربية.
الخامس: أن يجتمع فيه الصاد والجيم، نحو: الصولجان، والجص.
(1) قلت: هذه الوجوه جميعا وغيرها ترجع لاستقراء كلام العرب من الأئمة المتقنين المتقدمين وهو أمر محتمل للخلاف لأنه لا يحيط بكلام العرب إلا نبي كما قال الشافعي.
ومن ذلك أنهم ذكروا أن التاء لا تجتمع مع الجيم إلا في ثلاث كلمات (تجر -
…
)
(2)
قال الزمخشري [الكشاف ج1/ص364]
((وقرأ الحسن (الأنجيل) بفتح الهمزة وهو دليل على العجمة لأن أفعيل بفتح الهمزة عديم في أوزان العرب))
السادس: أن يجتمع فيه الجيم والقاف، نحو: المنجنيق.
السابع: أن يكون خماسيا أو رباعيا عاريا من حروف الذلاقة، وهي الباء، والراء، والفاء، واللام، والميم، والنون، فإنه متى كان عربيا، فلابد أن يكون فيه شيء منها، نحو: سفرجل، وقذعمل، وقرطعب، وجحمرش.
المسألة العاشرة
قسم ابن الطراوة الألفاظ إلى: واجب، وممتنع، وجائز.
قال:
" فالواجب: رجل، وقائم، ونحوهما مما يجب أن يكون في الوجود، ولا ينفك الوجود عنه.
والممتنع: لا قائم، ولا رجل، إذ يمتنع أن يخلو الوجود من أن يكون لا رجل ولا قائم.
واجاز: زيد وعمرو، لأنه جائز أن يكون، وأن لا يكون ".
قال فكلام مركب من واجبين لا يجوز، نحو: رجل قائم،
لأنه لا فائدة فيه.
وكلام مركب من ممتنعين أيضا لا يجوز، لا رجل لا قائم، لأنه كذب، ولا فائدة فيه.
وكلام مركب من واجب وجائز صحيح، نحو: زيد قائم.
وكلام مركب من ممتنع وجائز لا يجوز ولا من واجب وممتنع نحو: زيد لا قائم، ورجل لا قائم، لأنه كذب، إذ معناه: لاقائم في الوجود.
وكلام مركب من جائزين لا يجوز، نحو: زيد أخوك، لأنه معلوم، لكن بتأخيره صار واجبا، فصح الإخبار به، لأنه مجهول في حق المخاطب.
فالجائز يصير بتأخيره واجبا.
ولو قلت: زيد قائم، صح، لأنه مركب من جائز وواجب، فلو قدمت وقلت: قائم زيد، لم يجز، لأن زيدا صار بتأخيره، واجبا، فصار الكلام مركبا من واجبين فصار بمنزلة: قائم رجل ".
قال أبو حيان: " وهذا مذهب غريب ".
قال:
" وما قاله أن الجائز يصير بتأخيره واجبا ممنوع، لأن معناه مقدما ومؤخرا واحد ".