الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب الثاني
في
الإجماع
والمراد به إجماع نحاة البلدين: البصرة والكوفة
قال في الخصائص:
وإنما يكون حجة إذا لم يخالف المنصوص ولا المقيس على المنصوص وإلا فلا لأنه لم يرد في القرآن ولا سنة أنهم لا يجتمعون على الخطأ كما جاء النص بذلك
في كل الأمة وإنما هو علم ينتزع من استقراء هذه اللغة فكل من فرق له عن علة صحيحة وطريق نهجة كان خليل نفسه وأبا عمرو فكره ".
" إلا أننا مع ذلك لا نسمح له بالإقدام على مخالفة الجماعة التي طال بحثها وتقدم نظرها إلا بعد إمعان وإتقان ".
انتهى.
وقال في موضع آخر:
" يجوز الاحتجاج بإجماع الفريقين وذلك كإنكار أبي العباس جواز تقديم خبر ليس عليها فأحد ما يحتج به عليه أن يقال له: هذا أجازه سيبويه
وكافة أصحابنا والكوفيون أيضا.
فإذا كان ذلك مذهبا للبلدين وجب أن تنفر عن خلافه ".
قال: " ولعمري إن هذا ليس بموضع قطع على الخصم لأن للإنسان أن يرتجل من المذاهب ما يدعو إليه القياس ما لم يخالف نصا ".
قال:
" فمما جاز خلاف الإجماع الواقع فيه منذ بدئ هذا العلم وإلى آخر هذا الوقت قولهم في (هذا جحر ضب خرب): إنه من الشاذ الذي لايحمل عليه ولا يجوز رد غيره إليه.
وأما أنا فعندي أن في القرآن مثل ذلك نيفا على ألف موضع وذلك أنه على حذف المضاف والأصل جحر ضب خرب جحره فجرى خرب وصفا على ضب وإن كان في الحقيقة لـ (الجحر) كما تقول مررت برجل قائم أبوه وإن كان القيام للأب لا للرجل ثم حذف الجحر المضاف إلى الهاء وأقيمت الهاء مقامه فارتفعت لأن المضاف المحذوف
كان مرفوعا فلما ارتفعت استتر الضمير المرفوع في نفس خرب. انتهى.
وقال غيره: إجماع النحاة على الأمور اللغوية معتبر خلافا لمن تردد فيه وخرقه ممنوع ومن ثم رد.
وقال ابن الخشاب في المرتجل:
" لو قيل: إن من الشرط لا موضع لها من الإعراب لكان قولا إجراء لها مجرى إن الشرطية وتلك لا موضع لها من الإعراب لكن مخالفة المتقدمين لا تجوز ". انتهى.
(مسألة)
وإجماع العرب أيضا حجة، ولكن أنى لنا بالوقوف عليه؟!
ومن صوره أن يتكلم العربي بشيء ويبلغهم ويسكتون عليه. قال ابن مالك في (شرح التسهيل):
(استدل على جواز توسط خبر (ما) الحجازية ونصبه بقوله الفرزدق:
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر
ورده المانعون بأن الفرزدق تميمي، تكلم بهذا معتقدا جوازه عند الحجازيين فلم يصب.
ويجاب بأن الفرزدق كان له أضداد من الحجازيين والتميميين، ومن مناهم أن يظفروا له بزلة يشنعون بها عليه، مبادرين لتخطئته.
ولو جرى شيء من ذلك لنقل؛ لتوفر الدواعي على التحدث بمثل ذلك إذا اتفق، ففي عدم نقل ذلك دليل على إجماع أضداده الحجازيين والتميميين على تصويبه قوله) انتهى.
فصل
مما يشبه تداخل اللغات السابق تركيبُ المذاهب، وقد عقد له ابن جني بابا في الخصائص).
ويشبهه في أصول الفقه إحداث قول ثالث، والتلفيق بين المذاهب، قال ابن جني:
وذلك أن تضم بعض المذاهب إلى بعض، وتنتحل بين ذلك مذهبا ثالثا.
مثاله أن المازني كان يعتقد مذهب يونس في رد المحذوف في التحقير، وإن غني المثال عنه، فيقول في تحقير
(يضع) اسم رجل: (يويضع).
وسيبويه إذا استوفى التحقير مثاله لا يرد، فيقول:(يضيع) وكان المازني يرى رأي سيبويه في صرف نحو جوار) علما، ويونس لا يصرفه.
فقد تحصل إذن للمازني مذهب مركب من مذهب الرجلين، وهو الصرف على مذهب سيبويه والرد على مذهب يونس.
فيقول في تحقير اسم رجل سميته (يرى) رأيت يريئيا، فرد الهمزة من (يرى) إذا أصله (يرأى)
على قول يونس، ويصرف على قول سيبويه.
ويونس يرد ولا يصرف، فيقول: رأيت يريئي.
وسيبويه يصرف ولا يرد فيقول: رأيت يريا؛ بإدغام ياء التحقير في الياء المنقلبة عن الألف.
فقد عرف تركب مذهب المازني عن مذهب الرجلين.
(مسألة)
قال أبو البقاء في (التبيين)
(جاء في الشعر (لولاي) و (لولاك) فقال معظم البصريين: الياء والكاف في موضع جر.
وقال الأخفش والكوفيون: في موضع رفع.
قال أبو البقاء: وعندي أنه يمكن أمران آخران:
أحدهما: أن لا يكون للضمير موضع؛ لتعذر العامل،
وإذا لم يكن عامل لم يكن عمل، وغير ممتنع أن يكون الضمير لا موضع له كالفصل.
ويمكن أن يقال: موضعه نصب؛ لأنه من ضمائر المنصوب، ولا يلزم من ذلك أن يكون له عامل مخصوص؛ ألا ترى أن التمييز في نحو عشرين درهما لا ناصب له على التحقيق، وإنما هو مشبه بالمفعول حيث كان فضلة.
وكذلك قولهم: لي ملؤه عسلا، فهذا منصوب، وليس له ناصب على التحقيق، وإنما هو مشبه بما له عامل.
ومثل ذلك يمكن في (لولاي) و (لولاك) وهو أن يجعل منصوبا حيث كان من ضمائر المنصوب.
فإن قيل: الحكم بأنه لا موضع له وأن موضعه نصب خلاف الإجماع، إذ الإجماع منحصر في قولين: إما الرفع وإما الجر، والقول بحكم آخر خلاف الإجماع وخلاف الإجماع مردود.
فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أن هذا من إجماع مستفاد من السكوت، وذلك أنهم لم يصرحوا بالمنع من قول ثالث، وإنما سكتوا عنه، والإجماع هو الإجماع على حكم الحادثة قولا.
والثاني أن أهل العصر الواحد إذا اختلفوا على قولين جاز لمن بعدهم إحداث قول ثالث.
هذا معلوم من أصول الشريعة، وأصولُ اللغة محمولة على أصول الشريعة.
وقد صنع مثل ذلك من النحويين على الخصوص أبو علي فإن له مسائل كثيرة قد سبق إليها بحكم، وأثبت هو فيها حكما آخر.
منها أن لفظة (كل) لا يدخلها الألف واللام في أقوال الأول، وجوز هو فيها ذلك، وقد أفردها بمسألة في (الحلبيات) واستدل على ذلك بالقياس.
فغيرُ ممتنع أن يذهب ذاهب هنا إلى مذهب ثالث؛ لوجود الدليل عليه) انتهى.