المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكتاب الثالث   في‌ ‌ القياس - الاقتراح في أصول النحو ط القلم

[الجلال السيوطي]

الفصل: الكتاب الثالث   في‌ ‌ القياس

الكتاب الثالث

في‌

‌ القياس

ص: 173

قال ابن الأنباري في (جدله)

هو حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه) انتهى.

وهو معظم أدلة النحو، والمعول في غالب مسائله عليه، كما قيل:

إنما النحو قياس يتبع

ص: 175

ولهذا قيل في حده: إنه علم بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب.

ص: 176

وقال صاحب (المستوفي) كل علم فبعضه مأخوذ بالسماع والنصوص، وبعضه بالاستنباط والقياس، وبعضه بالانتزاع من علم آخر.

قال (فالفقه بعضه بالنصوص الواردة في الكتاب والسنة، وبعضه بالاستنباط والقياس، والطب بعضه مستفاد من التجربة، وبعضه من علوم أخر،

ص: 177

والهيئة بعضها من علم التقدير، وبعضها تجربة يشهد بها الرصد، والموسيقى جلها منتزع من علم الحساب، والنحو بعضه مسموع مأخوذ من العرب، وبعضه مستنبط بالفكر والروية، وهو التعليلات، وبعضه يؤخذ من صناعة أخرى.

كقولهم: الحرف الذي تختلس حركته هو في حكم المتحرك لا الساكن، فإنه مأخوذ من علم العروض.

وكقولهم: الحركات أنواع: صاعد عال، ومنحدر

ص: 178

سافل ومتوسط بينهما، فإنه مأخوذ من صناعة الموسيقى) انتهى.

وقال ابن الأنباري في (أصوله)

اعلم أن إنكار القياس في النحو لا يتحقق؛ لأن النحو كله قياس، ولهذا قيل في حده: النحو علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، فمن أنكر القياس فقد أنكر النحو، ولا يعلم أحد من العلماء أنكره؛ لثبوته بالدلالة القاطعة، وذلك أنا أجمعنا على أنه إذا قال العربي: كتب زيد فإنه يجوز أن يسند هذا الفعل إلى كل اسم مسمى تصح منه الكتابة نحو عمرو وبشر وأزدشير إلى ما لا يدخل تحت الحصر، وإثبات ما لا يدخل تحت الحصر بطريق النقل محال.

ص: 179

وكذلك القول في سائر العوامل الداخلة على الأسماء والأفعال الرافعة والناصبة والجارة والجازمة؛ فإنه يجوز إدخال كل منها على ما لا يدخل تحت الحصرن وذلك بالنقل متعذر، فلو لم يجز القياس واقتصر على ما ورد في النقل من الاستعمال لبقي كثير من المعاني لا يمكن التعبير عنها لعدم النقلن وذلك مناف لحكمة الوضع، فوجب أن يوضع وضعا قياسيا عقليا لا نقليا، بخلاف اللغة، فإنها وضعت وضعا نقليا لا عقليا، فلا يجوز القياس فيها، بل يقتصر على ما ورد به النقل، ألا ترى أن (القارورة) سميت بذلك لاستقرار الشيء فيها، ولا يسمى كل مستقر فيه قارورة، وكذلك سميت (الدار) دارا لاستدارتها ولا يسمى كل مستدير دارا) انتهى.

ص: 180

فصل

للقياس أربعة أركان: أصل وهو المقيس عليه وفرع وهو المقيس وحكم وعلة جامعة قال ابن الأنباري:

" وذلك مثل أن تركب قياسا في الدلالة على رفع ما لم يسم فاعله فتقول: اسم أسند الفعل إليه مقدما عليه فوجب أن يكون مرفوعا قياسا على الأصل.

فالأصل هو الفاعل

والفرع هو ما لم يسم فاعله

والحكم هو الرفع

والعلة الجامعة هي الإسناد

والأصل في الرفع أن يكون للأصل الذي هو الفاعل

وإنما أجري على الفرع الذي هو ما لم يسم فاعله بالعلة الجامعة التي هي الإسناد ". انتهى.

وقد عقدت لهذه الأركان أربعة فصول:

ص: 181

الفصل الأول

في المقيس عليه

وفيه مسائل

الأولى

من شرطه ألا يكون شاذا خارجا عن سنن القياس فما كان كذلك لا يجوز القياس عليه كتصحيح استحوذ واستصوب واستنوق وكحذف نون التوكيد في قوله:

اضرب عنك الهموم طارقها

ص: 183

أي: اضربن

ووجه ضعفه في القياس أن التوكيد للتحقيق وإنما يليق به الإسهاب والإطناب لا الاختصار والحذف

وكحذف صلة الضمير دون الضمة في قوله:

له زجل كأنه صوت حاد

ص: 184

ووجه ضعفه في القياس أنه ليس على حد الوصل ولا حد الوقف لأن الوصل يجب أن تتمكن فيه واوه كما تمكنت في قوله: له زجل والوقف يجب أن تحذف فيه الواو والضمة معا فحذف الصلة وإبقاء الضمة منزلة بين منزلتين الوصل والوقف لم تعهد قياسا.

نعم يجوز على ما استعمل للضرورة في الضرورة.

قال أبو علي:

كما جاز لنا أن نقيس منثورنا على منثورهم كذلك

ص: 185

يجوز أن نقيس شعرنا على شعرهم فما أجازته الضرورة لهم أجازته وما لا فلا.

قال ابن جني:

" فإن قيل: هلا امتنع متابعتهم في الضرورة من حيث كان القوم لا يترسلون في عمل أشعارهم ترسل المولدين وإنما كان ارتجالا فضرورتهم إذن أقوى من ضرورتنا فينبغي أن يكون عذرهم فيه أوسع؟

قيل: ليس جميع الشعر القديم مرتجلا بل كان لهم فيه نحو ما للمولدين من الترسل.

روي عن زهير أنه عمل سبع قصائد في سبع سنين فكانت تسمى (حوليات زهير).

وعن ابن أبي حفصة قال: كنت أعمل القصيدة في أربعة

ص: 186

أشهر، وأحكّكها في أربعة أشهر، وأعرضها في أربعة أشهر ثم أخرج بها إلى الناس.

وحكاياتهم في ذلك كثيرة

وأيضا فإن من المولدين من يرتجل ".

الثانية

كما لا يقاس على الشاذ نطقا لا يقاس عليه تركا

قال في الخصائص:

" إذا كان الشيء شاذا في السماع مطردا في القياس تحاميت ما تحامت العرب من ذلك وجريت في نظيره على الواجب في أمثاله.

من ذلك امتناعك من (وذر) و (ودع) لأنهم لم يقولوهما

ص: 187

ولا منع أن يستعمل نظيرهما نحو: وزن ووعد وإن لم تسمعهما أنت ". انتهى

ص: 188

الثالثة

ليس من شرط المقيس عليه الكثرة فقد يقاس على القليل لموافقته للقياس ويمتنع على الكثير لمخالفته له.

مثال الأول: قولهم في النسب إلى شنوءة شنئي فلك أن تقول في ركوبة ركبي وفي حلوبة حلبي وفي قتوبة قتبي قياسا على شنئي وذلك أنهم أجروا فعولة مجرى فعيلة لمشابهتها إياه من أوجه:

- أن كلا منها ثلاثي.

- وأن ثالثه حرف لين.

- وأن آخره تاء التأنيث.

- وأن فعولا وفعيلا يتواردان نحو: أثيم وأثوم ورحيم ورحوم ومشي ومشو ونهي عن الشيء ونهو.

ص: 189

فلما استمرت حال فعيلة وفعولة هذا الاستمرار جرت واو شنوءة مجرى ياء حنيفة فكما قالوا حنفي قياسا قالوا شنئي قياسا.

قال أبو الحسن: فإن قلت: إنما جاء هذا في حرف واحد يعني شنوءة.

فالجواب:

أنه جميع ما جاء.

قال في الخصائص:

" وما ألطف هذا الجواب ومعناه أن الذي جاء في فعولة هو هذا الحرف والقياس قابله ولم يأت فيه شيء ينقضه.

فإذا قاس الإنسان على جميع ما جاء وكان أيضا صحيحا في القياس مقبولا فلا لوم.

ولما ذكرناه من المناسبة بين فعولة وفعيلة لم يجز في نحو ضرورة: ضرري

ص: 190

ولا يقال في حرورة: حرري لأن باب فعيلة المضاعف نحو جليلة لا يقال فيه جللي استثقالا بل هو جليلي.

ومثال الثاني: قولهم في ثقيف وقريش وسليم ثقفي وقرشي وسلمي فهو وإن كان أكثر من شنئي فإنه عند سيبويه ضعيف في القياس ولا يقال في سعيد سعدي ولا في كريم كرمي ".

ص: 191

الرابعة

القياس في العربية على أربعة أقسام:

حمل فرع على أصل.

حمل أصل على فرع.

حمل نظير على نظير.

حمل ضد على ضد.

وينبغي أن يسمى الأول والثالث: قياس المساوي والثاني: قياس الأولى والرابع: قياس الأدون.

فمن أمثلة الأول: إعلان الجمع وتصحيحه حملا على المفرد في ذلك كقولهم قيم وديم في قيمة

ص: 192

وديمة وزِوَجة وثورة في زوج وثور.

ومن أمثلة الثاني: إعلان المصدر لإعلان فعله وتصحيحه لصحته كـ (قمت قياما) و (قاومت قواما).

وفي الخصائص:

" من حمل الأصل على الفرع تشبيها له في المعني الذي أفاده ذلك الفرع من ذلك الأصل تجويز سيبويه في قولك: هذا حسن الوجه أن يكون الجر في الوجه تشبيها بـ الضارب الرجل الذي إنما جاز فيه الجر تشبيها بـ الحسن الوجه.

قال: فإن قيل: وما الذي سوغ لسيبويه هذا وليس

ص: 193

مما رواه عن العرب وإنما هو شيء رآه وعلل به؟

قيل: يدل على صحته ما عرف من أن العرب إذا شبهت شيئا بشيء مكنت ذلك الشبه الذي لهما وعمرت به الحال بينهما ألا تراهم لما شبهوا المضارع بالاسم فأعربوه تمموا ذلك المعنى بينهما بأن شبهوا اسم الفاعل بالفعل فأعملوه.

ولما شبهوا الوقف بالوصل في نحو قولهم:

ص: 194

عليه السلام والرحمت وقوله:

الله نجاك بكفي مسلمت

ص: 195

كذلك أيضا شبهوا الوصل بالوقف في قولهم سبسبا وكلكلا.

وكما أجروا غير اللازم مجرى اللازم في قوله:

ص: 196

فقلت أهي سرت أم عادني حلم

وقوله:

ومن يتق فإن الله معه

ص: 197

كذلك أجروا اللازم مجرى غيره في قوله تعالى (على أن يحيي الموتى)

فأجرى النصب مجرى الرفع الذي لايلزم فيه الحرف أصلا.

وكما حمل النصب على الجر في المثنى والجمع حمل الجر على النصب في ما لا ينصرف

وكما شبهت الياء بالألف في قوله:

كأن أيديهن بالقاع القرق

ص: 198

حملت الياء على الألف في قوله:

ولا ترضاها ولا تملق

ص: 199

وكما وضع الضمير المنفصل موضع المتصل في قوله:

قد ضمنت إياهم الأرض

ص: 200

وضع المتصل موضع المنفصل في قوله:

إلاك ديار

فلما رأى سيبويه العر إذا شبهت شيئا بشيئ فحملته على حكمه عادت أيضا فحملت الآخر على حكم صاحبه تثبيتا لهما

ص: 201

وتتميما لمعنى الشبه بينهما حكم أيضا بأن الوجه محمول على الرجل.

ولما كان النحاة بالعرب لاحقين وعلى سمتهم آخذين جاز لهم أن يروا فيه نحو ما رأوا ويحذوا على أمثلتهم التي حذوا

قال: ومن ومن حمل الأصل على الفرع حذف الحروف للجزم

وهي أصولي حملا على حذف الحركات له وهي زوائد وحمل الاسم على الفعل في منع الصرف وعلى الحرف في البناء وهو أصل عليهما

وحمل ليس وعسى في عدم التصرف على

ص: 202

ما ولعل

كما حملت ما على ليس في العمل.

انتهى.

وفي التذكرة لأبي حيان

ذكر بعضهم أنه إنما اشترط اتحاد الزمان في عطف الفعل على الفعل لأن العطف نظير التثنية فكما لا يجوز تثنية المختلفين لا يجوز عطف المختلفين في الزمان

قال أبو حيان:

"وهذا من حمل الأصل على الفرع لأن العطف أصل التثنية إلا أن يدعى أنه في الفعل نظير التثنية في الاسم ".

وأما الثالث:

فالنظير إما في اللفظ أو في المعنى أو فيهما

فمن أمثلة الأول زيادة إن بعد ما المصدرية الظرفية

ص: 203

والموصولة لأنهما بلفظ ما النافية.

ودخول لام الابتداء على ما النافية حملا لها في اللفظ على ما الموصولة

وتوكيد المضارع بالنون بعد لا النافية حملا لها في

ص: 204

اللفظ على لا الناهية.

وحذف فاعل أفعل به في التعجب لما كان مشبها لفعل الأمر في اللفظ.

وبناء باب (حذام) على الكسر تشبيها له بـ (دراك) و (نزال).

وبناء (حاشا) الاسمية لشبهها في اللفظ بـ (حاشا) الحرفية.

ومنها إدغام الحرف في مقاربة في المخرج.

ومن أمثلة الثاني: جواز (غير قائم الزيدان) حملا على (ما قام الزيدان) لأنه في معناه ولولا ذلك لم يجز لأن المبتدأ إما أن يكون ذا خبر أو أن يكون ذا خبر أو ذا خبر أو ذا مرفوع يغني عن الخبر.

ص: 205

ومنها إهمال (أن) المصدرية مع المضارع حملا على (ما) المصدرية.

ومن أمثلة الثالث اسم التفضيل وأفعل في التعجب فإنهم منعوا أفعل التفضيل أن يرفع الظاهر لشبه بـ (أفعل) في التعجب وزنا وأصلا وإفادة للمبالغة وأجازوا تصغير أفعل في التعجب لشبهه بأفعل التفضيل في ذلك.

ص: 206

قال الجوهري:

" ولم يسمع تصغيره إلا في أملح وأحسن ولكن النحويين قاسوه فيما عداهما ".

وأما الرابع: فمن أمثلته النصب بـ (لم) حملا على

ص: 207

الجزم بـ (لن).

فإن الأولى لنفي الماضي والثانية لنفي المستقبل.

وفي الجزولية: " قد يحمل الشيئ على مقابله وعلى مقابل مقابله

مثال الأول:

لم يضرب الرجل حمل الجزم على الجر.

ومثال الثاني: اضرب الرجل حمل الجزم فيه الكسر الذي هو مقابل الجر من جهة أن الكسر في البناء مقابل الجر في الإعراب

ومثال الثالث: اضرب الرجل حمل السكون فيه على الكسر

ص: 208

الذي هو مقابل للجر الذي هو مقابل للجزم والجزم مقابل السكون ".

الخامسة

اختلف هل يجوز تعدد الأصول المقيس عليها لفرع واحد؟

والأصح نعم ومن أمثلة ذلك: (أي) في الاستفهام والشرط فإنها أعربت حملا على نظيرتها (بعض) وعلى نقيضتها (كل).

ص: 209

الفصل الثاني

في المقيس

وهل يوصف بأنه من كلام العرب أو لا؟

قال المازني:

"ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب "

قال: " ألا ترى أنك لم تسمع أنت ولا غيرك اسم كل فاعل ولا مفعول وإنما سمعت البعض فقست عليه غيره فإذا سمعت (قام زيد) أجزت: طرف بشر وكرم خالد ".

قال أبو علي:

وكذلك يجوز أن تبني بإلحاق اللام ما شئت كقولك: خرجج ودخلل

ص: 211

وضربب من خرج ودخل وضرب على مثال شملل وصعرر ".

قال ابن جني:

" وكذلك تقول في مثال (صمحمح) من الضرب: ضربرب ومن القتل قتلتل ومن الشرب شربرب ومن الخروج خرجرج وهو من العربية بلا شك وإن لم تنطق العرب بواحد من هذه الحروف ".

قال: فإن قيل: فقد منع الخليل لما أنشد:

ترافع العز بنا فارفنععا

ص: 212

قياسا على قول العجاج:

تقاعس العز بنا فاقعنسسا

فدل على امتناع القياس في مثل هذه الأبنية.

فالجواب: أنه إنما أنكر ذلك لأنه فيما لامه حرف حلقي والعرب لم تبن هذا المثال مما لامه حرف حلق خصوصا وحرف الحلق فيه متكرر وذلك مستنكر عندهم مستثقل.

قال:

" فثبت إذن أن كل ما قيس على كلامهم فهو من كلامهم ولهذا قال من قال في العجاج ورؤبة: أنهما قاسا اللغة وتصرفا فيها وأقدما على ما لم يأت به من قبلهما ".

قال: " وذكر أبو بكر أن منفعة الاشتقاق لصاحبه أن يسمع

ص: 213

الرجل اللفظة فيشك فيها فإذا رأى الاشتقاق قابلا لها أنس بها وزال استحاشه منها وهذا تثبيت اللغة بالقياس "

وقال في موضع آخر من الخصائص:

"من قوة القياس عندهم اعتقاد النحويين أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم نحو قولك في بناء مثل (جعفر) من ضرب ضربب وهذا من كلامهم ولو بنيت منه ضورب أو ضيرب لم يكن من كلام العرب لأنه قياس على الأقل استعمالا والأضعف قياسا ". انتهى.

ص: 214

الفصل الثالث

في الحكم

فيه مسألتان:

الأولى

إنما يقاس على حكم ثبت استعماله عن العرب.

وهل يجوز أن يقاس على ما ثبت بالقياس والاستنباط؟

ظاهر كلامهم: نعم

وقد ترجم عليه في الخصائص: باب الاعتلال لهم بأفعالهم.

قال:

" من ذلك أن تقول: إذا كان اسم الفاعل _ على قوة

ص: 215

تحمله للضمير _ متى جرى على غير من هو له: صفة أو صلة أو خبرا لم يتحمل الضمير فما ظنك بالصفة المشبهة باسم الفاعل فإن الحكم الثابت للمقيس عليه إنما هو بالاستنباط والقياس على العل الرافع للظاهر حيث

ص: 216

لا تلحقه العلامات ".

الثانية

قال ابن الأنباري:

" اختلف في القياس على الأصل المختلف في حكمه.

فأجازه قوم لأن المختلف فيه إذا قام الدليل عليه صار بمنزلة المتفق عليه

ومنعه آخرون لأن المختلف فيه فرع لغيره فكيف يكون أصلا؟

وأجيب بأنه يجوز أن يكون فرعا لشيء آخر فإن اسم الفاعل فرع على الفعل وأصل للصفة المشبهة.

ص: 217

وكذلك لات فرع على لا ولا فرع على ليس فـ (لا) أصل لـ لات وفرع على ليس ولا تناقض في ذلك لاختلاف الجهة

ومن أمثلة القياس على المختلف فيه أن تستدل على أن (إلا) تنصب المستثنى فتقول: حرف قام مقام فعل يعمل النصب فوجب أن يعمل النصب كـ يا في النداء فإن إعمال يا في النداء مختلف فيه فمنهم من قال: إنه العامل ومنهم من قال فعل مقدر.

ص: 218

الفصل الرابع

في العلة

فيه مسائل:

الأولى

قال صاحب المستوفي:

"إذا استقريت أصول هذه الصناعة علمت أنها في غاية الوثاقة وإذا تأملت عللها عرفت أنها غير مدخولة ولا متسمح فيها.

وأما ما ذهب إليه غفلة العوام من أن علل النحو تكون واهية ومتمحلة واستدلالهم على ذلك بأنها أبدا تكون هي تابعة

ص: 219

للوجود لا الوجود تابعا لها فبمعزل عن الحق

وذلك أن هذه الأوضاع والصيغ وإن كنا نستعملها فليس ذلك على سبيل الابتداء والابتداع بل على وجه الاقتداء والاتباع ولابد فيها من التوقيف فنحن إذا صادفنا الصيغ المستعملة والأوضاع بحال من الأحوال وعلمنا أنها كلها أو بعضها من وضع واضع حكيم جل وتعالى تطلبنا بها وجه الحكمة لتلك الحال من بين أخواتها فإذا حصلنا عليه فذلك غاية المطلوب "

ص: 222

وقال ابن جني في الخصائص:

" اعلم أن علل النحويين أقرب إلى علل المتكلمين منها إلى علل المتفقهين وذلك أنهم إنما يحيلون على الحس ويحتجون فيه بثقل الحال أو خفتها على النفس وليس كذلك علل الفقه لأنها إنما هي أعلام وأمارات لوقوع الأحكام وكثير منه لا يظهر فيه وجه الحكمة كالأحكام التعبدية بخلاف النحو فإن كله أو غالبه مما تدرك علته وتظهر حكمته ".

قال سيبويه:

" وليس شيء مما يضطرون إلا وهم يحاولون

ص: 223

به وجها ".

نعم قد لا يظهر فيه وجه الحكمة.

قال بعضهم إذا عجز عن تعليل الحكم قال هذا تعبدي وإذا عجز النحوي عنه قال: هذا مسموع.

وهذا موضع آخر من الخصائص:

لاشك أن العرب قد أرادت من العلل والأعراض ما نسبناه إليها ألا ترى إلى أطراد رفع الفاعل ونصب المفعول والجر بحروفه والجزم بحروفه وغير ذلك من التثنية والجمع والإضافة والنسب والتحقير وما يطول شرحه.

فهل يحسن بذي لب أن يعتقد هذا كله اتفاق وقع وتوارد اتجه؟

ص: 224

فإن قلت فلعله شيئ طبعوا عليه من غير اعتقاد لعلة ولا لقصد من المقصود من القصود التي تنسبها إليهم بل لأن آخرا منهم حذرا على ما نهج الأول فقام به.

قيل: إن الله إنما هداهم لذلك وجبلهم عليه لأن في طباعهم قبولا له وانطواء على صحة الوضع فيه وتراهم قد اجتمعوا على هذه اللغة وتواردوا عليها.

فإن قلت: كيف تدعي الاجتماع وهذا اختلافهم موجود ظاهر ألا ترى إلى الخلاف في (ما) الحجازية والتميمية

ص: 225

إلى غير ذلك؟

قيل: هذا القدر والخلاف لقلته محتقر غير محتفل به وإنما هو في شيء من الفروع يسير فأما الأصول وما عليه العامة والجمهور فلا خلاف عليه.

وأيضا فإن أهل كل واحدة من اللغتين عدد كثير وخلق عظيم وكل منهم محافظ على لغته لا يخالف شيئا منها.

فهل ذلك إلا لأنهم يحتاطون ويقتاسون ولا يفرطون ولا يخلطون؟

ومع هذا فليس شيئ من مواضع الخلاف على قلته إلا وله وجه من القياس يؤخذ به.

ولو كانت اللغة حشوا مكيلا وحثوا مهيلا لكثر خلافها وتعادت أوصافها فجاء

ص: 226

عنهم جر الفاعل ورفع المضاف إليه والنصب بحروف الجزم.

وأيضا فقد ثبت عنهم التعليل في مواضع نقلت عنهم كما سيأتي.

الثانية

في أقسام العلل

قال أبو عبد الله الحسين بن موسى الدينوري الجليس في كتابه ثمار الصناعة:

"اعتلالات النحويين صنفان:

علة تطرد على كلام العرب وتنساق إلى قانون لغتهم

وعلة تظهر حكمتهم وتكشف عن صحة أغراضهم ومقاصدهم في موضوعاتهم.

وهم للأولى أكثر استعمالا وأشد تداولا، وهي واسعة الشعب، إلا أن مدار المشهورة منها على أربعة وعشرين نوعا؛ وهي:

علة سماع، وعلة تشبيه، وعلة استغناء، وعلة

ص: 227

استثقال، وعلة فرق، وعلة توكيد، وعلة تعويض، وعلة نظير، وعلة نقيض، وعلة حمل على المعنى، وعلة

ص: 228

مشاكلة، وعلة معادلة، وعلة قرب ومجاورة، وعلة وجوب، وعلة جواز، وعلة تغليب، وعلة اختصار، وعلة تخفيف، وعلة دلالة حال، وعلة أصل، وعلة تحليل، وعلة إشعار، وعلة تضاد، وعلة أولى.

ص: 229

وشرح ذلك التاج ابن مكتوم في تذكرته فقال:

قوله: علة سماع: مثل قولهم: امرأة ثدياء، ولا يقال: رجل أثدي، وليس لذلك علة سوى السماع.

وعلة تشبيه مثل إعراب المضارع لمشابهته الاسم وبناء بعض الأسماء لمشابهتها الحروف.

وعلة استغناء كاستغنائهم بـ ترك عن ودع

وعلة استثقال كاستثقالهم الواو في يعد لوقوعها بين ياء وكسرة

ص: 230

وعلة فرق وذلك فيما ذهبوا إليه من رفع الفاعل ونصب المفعول وفتح نون الجمع وكسر نون المثنى.

وعلة توكيد مثل إدخالهم النون الخفيفة والثقيلة في فعل الأمر لتأكيد إيقاعه.

وعلة تعويض مثل تعويضهم الميم في اللهم من حرف النداء.

وعلة نظير مثل كسرهم أحد الساكنين إذا التقيا في الجزم حملا على الجر إذ هو نظيره.

وعلة نقيض مثل نصبهم النكرة بـ لا حملا على نقيضها إن.

وعلة حمل على المعنى مثل (فمن جاءه موعظة) ذكر فعل الموعظة وهي مؤنثة حملا لها على المعنى وهو الوعظ

ص: 231

وعلة مشاكلة مثل قوله (سلاسلا وأغلالا)

وعلة معادلة مثل جرهم ما لا ينصرف بالفتح حملا على النصب ثم عادلوا بينهما فحملوا النصب على الجر في جمع المؤنث السالم.

وعلة مجاورة مثل الجر بالمجاورة في قولهم جحر ضب خرب وضم لام (الله) في (الحمد لله)

ص: 232

لمجاورتها الدال.

ص: 233

وعلة وجوب وذلك تعليلهم رفع الفاعل ونحوه.

وعلة جواز وذلك ما ذكروه في تعليل الإمالة من الأسباب المعروفة فإن ذلك علة لجواز الإمالة فيما أميل لا لوجوبها.

وعلة تغليب مثل (وكانت من القانتين)

وعلة اختصار مثل باب الترخيم و (لم يك)

ص: 234

وعلة تخفيف كالإدغام.

وعلة أصل كـ استحوذ ويؤكرم وصرف

ص: 235

ما لا ينصرف

وعلة أولى كقولهم: إن الفاعل أولى برتبة التقديم من المفعول

وعلة دلالة حال كقول المستهل الهلال أي هذا الهلال فحذف لدلالة الحال عليه.

وعلة إشعار كقولهم في جمع موسى موسون بفتح ما قبل الواو إشعار بأن المحذوف ألف.

وعلة تضاد مثل قولهم في الأفعال التي يجوز إلغاؤها متى تقدمت وأكدت بالمصدر أو بضميره لم تلغ أصلا لما بين

ص: 236

التأكيد والإلغاء من التضاد

قال ابن مكتوم

وأما علة التحليل فقد اعتاص علي شرحها وفكرت فيها أياما فلم يظهر لي فيها شيء.

وقال الشيخ شمس الدين بن الصائغ:

" قد رأيتها مذكورة في كتب المحققين كابن الخشاب

ص: 237

البغدادي حاكيا لها عن السلف في نحو الاستدلال على اسمية كيف بنفي حرفيتها لأنها مع الاسم كلام ونفي فعليتها لمجاورتها الفعل بلا فاصل فتحلل عقد شبه خلاف المدعي "

وأما الصنف الثاني

فلم يتعرض له الجليس ولا بينه وقد بينه ابن السراج في الأصول فقال:

"اعتلالات النحويين ضربان:

ضرب منها هو المؤدي إلى كلام العرب كقولنا: كل فاعل مرفوع وكل مفعول منصوب

وضرب يسمى علة العلة مثل أن يقولوا:

لم صار الفاعل مرفوعا والمفعول منصوبا؟ وهذا ليس يكسبنا أن نتكلم كما تكلمت العرب وإنما يستخرج منها حكمتها في الأصول التي وضعتها ويتبين به فضل

ص: 238

هذه اللغة على غيرها "

وقال ابن جني في الخصائص:

"هذا الذي سماه علة العلة إنما هو تجوز في اللفظ فأما في الحقيقة فإنه شرح وتميم للعلة ألا ترى أنه إذا قيل: فلم ارتفع الفاعل؟

قيل: لإاسناد الفعل إليه ولو شاء لابتدأ هذا فقال في جواب رفع زيد من قولنا قام زيد إنما ارتفع لإسناد الفعل إليه فكان مغنيا عن قوله إنه ارتفع لأنه فاعل حتى يسأل فيما بعد عن العلة التي لها رفع الفاعل ".

الثالثة

قال في الخصائص:

أكثر العلل عندنا مبناها على الإيجاب بها كنصب الفضلة

ص: 239

أو ما شابهها ورفع العمدة وجر المضاف إليه وغير ذلك وعلى هذا مفاد كلام العرب.

وضرب آخر يسمى علة وإنما هو في الحقيقة سبب يجوزه ولا يوجبه.

ومن ذلك أسباب الإمالة فإنها علة الجواز لا الوجوب.

وكذا علة قلب واو (وقتت) همزة وهي كونها انضمت ضما

ص: 240

لازما فإنها مع ذلك يجوز إبقاؤها واو فعلتها مجوزة لا موجبة "

قال:

وكذا كل موضع جاز فيه إعرابان فأكثر كالذي يجوز جعله بدلا وحالا وذلك النكرة بعد معرفة هي في المعنى هي نحو مررت بزيد رجل صالح ورجلا صالحا فإن علته لجواز ما جاز لا لوجوبه " انتهى

فظهر بهذا الفرق بين العلة والسبب وأن ما كان موجبا يسمى علة وما كان مجوزا يسمى سببا.

وقال في موضع آخر:

" اعلم أن محصول مذهب أصحابنا ومتصرف أقوالهم مبني على جواز تخصيص العلل فإنها وإن

ص: 241

تقدمت علل الفقه فأكثرها يجري مجرى التخفيف والفرق ولو تكلف متكلف نقضها لكان ذلك ممكنا وإن كان على غير قياس مستثقلا كما لو تكلف تصحيح فاء ميزان وميعاد ونصب الفاعل ورفع المفعول وليست كذلك علل المتكلمين لأنها لا قدرة على غيرها.

فإن علل النحويين متأخرة عن علل المتكلمين متقدمة علل المتفقهين

إذا عرفت ذلك فاعلم أن علل النحويين ضربان:

ص: 242

واجب لابد منه لأن النفس لا تطيق في معناه غيره وهذا لا حق بعلل المتكلمين

والآخر ما يمكن تحمله لكن على استكراه وهذا لاحق بعلل الفقهاء

فالأول: ما لابد للطبع منه كقلب الألف واو للضمة قبلها ومنع الابتداء بالساكن والجمع بين الألفين المدتين إذ لا يكون ما قبل الألف إلا مفتوحا فلو التقت ألفان مدتان لوقعت الثانية بعد ساكن.

والثاني: ما يمكن النطق به على مشقة كقلب الواو ياء بعد الكسرة إذ يمكن أن تقول في عصافير عصافور ولكن يكره

قلت: ومن الأول تقدير الحركات في المقصور

ومن الثاني تقدير الضمة والكسرة في المنقوص

وقال في موضع آخر:

" اعلم أن أصحابنا انتزعوا العلل من

ص: 243

كتب محمد بن الحسن وجمعوها منها بالملاطفة والرفق ".

الرابعة

قال ابن الأنباري:

اختلفوا في إثبات الحكم في محل النص: بماذا ثبت بالنص أم بالعلة؟

فقال الأكثرون: بالعلة لابالنص لأنه لو كان ثابتا به لا بها لأدى إلى إبطال الإلحاق وسد باب القياس لأن القياس حمل فرع على أصل بعلة جامعة فإذا فقدت العلة الجامعة بطل

ص: 244

القياس وكان الفرع مقتبسا من غير أصل وذلك محال ألا ترى أنا لو قلنا: إن الرفع والنصب في نحو ضرب زيد عمرا بالنص لا بالعلة لبطل الإلحاق بالفاعل والمفعول والقياس عليهما وذلك لا يجوز.

وقال بعضهم يثبت في محل النص بالنص وفيما عداه بالعلة وذلك نحو النصوص المنفولة عن العرب المقيس عليها بالعلة الجامعة في جميع أبواب العربية.

واستدل لذلك بأن النص مقطوع به والعلة مظنونة وإحالة الحكم على المقطوع له أولى من إحالته على المظنون.

ولا يجوز أن يكون الحكم ثابتا بالنص والعلة معا لأنه يؤدي

ص: 245

إلى أن يكون الحكم مقطوعا به مظنونا في حال واحدة محال.

وأجيب عن هذا الاستدلال بأن الحكم إ نما يثبت بطريق مقطوع به وهو النص ولكن العلة هي التي دعت إلى إثبات الحكم فنحن نقطع على الحكم بكلام العرب ونظن أن العلة هي التي دعت الواضع إلى الحكم فالظن لم يرجع إلى ما يرجع إليه القطع بل هما متغايران فلا منافاة ".

انتهى كلام ابن الأنباري.

الخامسة

العلة قد تكون بسيطة وهي التي يقع التعليل بها من وجه واحد كالتعليل بالاستثقال والجوار والمشابهة ونحو ذلك.

وقد تكون مركبة من عدة أوصاف اثنين فصاعدا كتعليل

ص: 246

قلب ميزان بوقوع الياء ساكنة بعد كسرة فالعلة ليس مجرد سكونها ولا وقوعها بعد كسرة بل مجموع الأمرين وذلك كثير جدا.

وقد يزاد في العلة صفة لضرب من الاحتياط بحيث لو أسقطت لم يقدح فيها كما سيأتي في القوادح.

وقال ابن النحاس في التعليقة:

" نعلل ابن عصفور حذف التنوين من العلم الموصوف بـ ابن مضاف إلى علم بعلة مركبة من مجموع أمرين وهو:

كثرة الاستعمال مع التقاء الساكنين

ص: 247

والنحاة لم يعللوه إلا بكثرة الاستعمال فقط بدليل حذفه م (هند بنت عاصم) على لغة من صرف هندا وإن لم يلتق هنا ساكنان وكأنه لما رأى انتقاض العلة احتاج إلى قوله:

ومن العرب

ص: 248

من يحذف لمجرد كثرة الاستعمال وهذه العلة الصحيحة المطرة في الجميع لا ما علل به أولا ".

ومن العلل المركبة قول الزمخشري في المفصل في الذي:

ولاستطالتهم إياه بصلته مع كثرة الاستعمال خففوه من غير وجه فقالوا: اللذ بحذف الياء ثم اللذ بحذف الحركة ثم حذفوه رأسا واجتزءوا بلام التعريف الذي في أوله وكذا فعلوا في (التي) "

وقال ابن النحاس:

" إنما التزموا الفصل بين (أن) إذا

ص: 249

خففت وبين خبرها إذا كان فعلا لعلة مركبة من مجموع أمرين وهما:

العوض من تخفيفها وإيلاؤها ما لم يكن يليها ".

السادسة

من شرط العلة أن تكون هي الموجبة للحكم في المقيس عليه ومن ثم خطأ ابن مالك البصريين في قولهم: إن علة إعراب المضارع مشابهته للاسم في حركاته وسكناته وإبهامه وتخصيصه فإن هذه الأمور ليست الموجبة لإعراب الاسم وإنما الموجب له قبوله بصيغة واحدة معاني مختلفة ولا يميزها إلا الإعراب تقول: ما أحسنْ زيدْ، فيحتمل النفي والتعجب والاستفهام.

ص: 250

فإن أردت الأول رفعت زيدا، أو الثاني نصبته أو الثالث جررته.

فلابد أن تكون هذه العلة هي الموجبة لإعراب المضارع فإنك تقول:

لا تأكل السمك وتشرب اللبن فيحتمل النهي عن كل منهما علة انفراده وعن الجمع بينهما وعن الأول فقط والثاني مستأنف ولا يبين ذلك إلا الإعراب بأن تجزم الثاني أيضا إن أردت الأول وتنصبه إن أردت الثاني وترفعه إن أردت الثالث.

ص: 251

السابعة

قال ابن الأنباري:

" اختلفوا في التعليل بالعلة القاصرة فجوزها قوم ولم يشترطوا التعدية في صحتها وذلك كالعلة في قولهم: ما جائت حاجتك؟

وعسى الغوير أبؤسا

فإن جاءت وعسى أجريا مجرى صار فجعل لهما اسم مرفوع وخبر منصوب ولا يجوز أن يجريا مجرى صار في غير هذين الموضعين فلا يقال: ما جاءت حالتك أي صارت ولا جاء زيد قائما أي صار زيد قائما

وكذلك لا يقال: عسى الغوير أنعما ولا عسى زيد قائما بإجراء عسى مجرى صار

واستدل على صحتها بأنها ساوت

ص: 252

العلة المتعدية في الإخالة والمناسبة وزادت عليها بظاهر النقل فإن لم يكن ذلك علما للصحة فلا أقل من أن يكون علما للفساد.

وقال قوم:

إنها علة باطلة لأن العلة إنما تراد للتعدية وهذه العلة لا تعدية فيها وإذا لم تكن متعدية فلا فائدة لها لأنها لا فرع لها فالحكم فيها ثابت بالنص لا بها

وأجيب:

بأنا لا نسلم أنها إنما تراد للتعدية، فإن العلة إنما كانت علة لإخالتها ومناسبتها لا لتعديتها.

ص: 253

ولا نسلم أيضا عدم فائدتها فإنها تفيد الفرق بين المنصوص الذي يعرف معناه والذي لا يعرف معناه

وتفيد أنه ممتنع رد غير المنصوص عليه وتفيد أيضا أن الحكم ثبت في المنصوص عليه بهذه العلة "

انتهى كلام ابن الأنباري

وقال ابن مالك في شرح التسهيل:

" عللوا سكون آخر الفعل المسند إلى التاء ونحوه بقولهم لئلا تتوالى أربع حركات فيما هو ككلمة واحدة وهذه العلة ضعيفة لأنها قاصرة إذ

ص: 254

لا يوجد التوالي إلا في الثلاثي الصحيح وبعض الخماسي كـ انطلق وانكسر والكثير لا يتوالى فيه ذلك والسكون عام في الجميع " انتهى

فمنع العلة القاصرة.

الثامنة

قال في الخصائص:

" يجوز التعليل بعلتين ومن أمثلة ذلك قولك: هؤلاء مسلمي فإن الأصل مسلموي فقلبت الواو ياء لأمرين كل منهما موجب للقلب:

أحدهما

اجتماع الواو والياء وسبق الأولى منهما بالسكون

ص: 255

والآخر

ياء المتكلم أبدا يكسر الحرف الذي قبلها

فوجب قلب الواو ياء وإدغامها ليمكن كسر ما تليه "

ومن ذلك قولهم:

سي في (لا سيما) أصله سوي قلبت الواو ياء إن شئت لأنها ساكنة غير مدغومة بعد كسرة وإن شئت لأنها ساكنة قبل ياء.

فهاتان علتان إحدهما كعلة قلب ميزان والأخرى كعلة طي مصدري طويت ولويت وكل منهما مؤثرة "

وقال في موضع آخر:

قد يكثر الشيء فيسأل عن علته كرفع الفاعل ونصب المفعول فيذهب قوم إلى شيء وآخرون إلى غيره فيجب إذن تأمل القولين واعتقاد أقواهما ورفض الآخر فإن تساويا في القوة لم ينكر اعتقادهما جميعا فقد يكون الحكم الواحد معلولا بعلتين " انتهى

ص: 256

وقال ابن الأنباري:

" اختلفوا في تحليل الحكم بعلتين فصاعدا:

فذهب قوم إلى أنه لا يجوز لأن هذه العلة مشبهة بالعلة العقلية والعلة العقلية لايثبت إلا بعلة واحدة فكذلك ما كان مشبها بها

وذهب قوم إلى الجواز وذلك مثل أن يدل على كون الفاعل ينزل منزلة الجزء من الفعل بعلل

كونه يسكن لام الفعل في نحو ضربت

ويمتنع العطف عليه إذا كان ضميرا متصلا ووقوع الإعراب بعده في الأمثة الخمسة واتصال تاء التأنيث بالفعل إذا كان الفاعل مؤنثا

ص: 257

وقولهم في النسب إلى كنت كنتي

وقولهم حبذا بالتركيب

ص: 258

ولا أحبذه أي لا أقول له حبذا

وقولهم في فحصت فحصط بالإبدال طاء لتجانس

ص: 259

الصاد في الإطباق وهذا الإبدال يكون في كلمة لا كلمتين

فهذه ثمان علل واستدل على على جواز ذلك بأن هذه العلة ليست موجبة وإنما هي إمارة ودلالة على الحكم بأنواع من الإمارات والدلالات فكذلك يجوز أن يستدل عليه بأ نواع من العلل

وأجيب: بأنه إن كان المعنى أنها ليست موجبة كالعلل العقلية كالتحرك لا يعلل إلا بالحركة والعالمية لا تعلل إلا بالعلم

فمسلم وإن كان المعنى أنها غير مؤثرة بعد الوضع

ص: 260

على الإطلاق فممنوع فإنها بعد الوضع بمنزلة العلل العقلية فينبغي أن يجري مجراها " انتهى

التاسعة

يجوز تعليل حمين بعلة واحدة قال في الخصائص

" سواء لم يتضادا أم تضادا كقولهم مررت بزيد فإنه يستدل به على أن الجار معدود من جملة الفعل ووجه الدلالة منه أن الباء فيه معاقبة لهمزة النقل في نحو أمررت زيدا فكما أن همزة أفعل موضوعة فيه كائنة من جملته فكذلك ما عاقبها من حروف الجر ينبغي أن يعد من

ص: 261

جملته لمعاقبته ما هو من جملته

ويستدل به أيضا على ضد ذلك وهو أن الجار جار مجرى بعض ما جره بدليل أنه لا يفصل بينهما فهذان تقديران مختلفان مقبولان في القياس متلقيان بالبشر والإيناس "

وقال في موضع آخر

" باب في أن سبب الحكم قد يكون سببا لضده على وجه

"هذا باب ظاهره التدافع وهو مع استغرابه صحيح واقع وذلك كقولهم القود والحوكة فإن القاعدة في مثله الإعلال بقلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها لكنهم

ص: 262

شبهوا حركة العين التابعة لها بحرف اللين التابع لها فكأن فعلا فعال فكما صح نحو جواب وهيام صح باب القود والغيب ونحوه فأنت ترى حركة العين التي هي سبب الإعلال صارت على وجه آخر سبب التصحيح وهذا مذهب غريب المأخذ " انتهى.

العاشرة

قال في الخصائص:

" هو نوع ظريف ذهب المبرد في

ص: 263

وجوب إسكان لام نحو:

ضربت إلى أنه لحركة ما بعده من الضمير لئلا يتوالى أربع حركات.

وذهب أيضا في حركة الضمير من ذلك إلى أنها لسكون ما قبله فاعتل لهذا بهذا ثم دار فاعتل لهذا بهذا.

قال:

وهو نظير ما أجازه سيبويه في جر الوجه من قولك الحسن الوجه "

قال:

إلا أن مسألة سيبويه أقوى من مسألة المبرد

ص: 264

لأن الشيء لا يكون علة على نفسه وإذا لم يكن كذلك كان من أن يكون علة علته أبعد "

الحادية عشرة

في تعارض العلل

قال في الخصائص:

" هو ضربان:

أحدهما: حكم واحد يتجاذبه علتان فأكثر

والآخر حكمان في شيء واحد مختلفان دعت إليهما علتان مختلفتان

فالأول ذكر في التعليل بعلتين

ص: 265

والثاني كإعمال أهل الحجاز (ما) وإهمال بني تميم لها

فألأولون لما رأواها داخلة على المبتدأ والخبر دخول ليس عليهما ونافية للحال نفيها إياها أجروها في الرفع والنصب مجراها

والآخرون لما رأواها حرفا داخلا بمعناه على الجملة المستقلة بنفسها ومباشرة لكل واحد من جزأيها أجروها مجرى هل ولذلك كانت عند سيبويه أقوى قياسا من لغة أهل الحجاز

ص: 266

وكذلك ليتما من ألغاها ألحقها بأخواتها ومن أعملها ألحقها بحروف الجر إذا دخلت عليها ما وفرق بينهما وبين أشبه بالفعل في الإفراد وعدد الحروف.

وكذلك هلم ألحقها أهل الحجاز باسم الفعل فلم يلحقوها العلامات وبنوا تميم يلحقونها العلامات اعتبارا لأصل

ص: 267

ما كانت عليه "

الثانية عشر

يجوز التعليل بالأمور العدمية كتعليل بعضهم بناء الضمير باستغناءه عن الإعراب باختلاف صيغة لحصول الامتياز بذلك.

ص: 268

خاتمة

قال أبو الزجاجي في كتاب إيضاح علل النحو:

القول في علل النحو

أقول أولا: إن علل النحو ليست موجبة وإنما هي مستنبطة أوضاعا ومقاييس وليست كالعلل الموجبة للأشياء المعلولة بها ليس

ص: 269

هذا من تلك الطرق.

وعلل النحو بعد هذا على ثلاثة أضرب: علل تعليمية وعلل قياسية وعلل جدلية نظرية.

فأما التعليمية: فهي التي يتوصل بها إلى تعلم كلام العرب لأنا لا نسمع نحن ولا غيرنا كل كلامها منها لفظا وإنما سمعنا بعضا فقسنا على نظيره مثال ذلك: أنا لما سمعنا قام زيد فهو قائم وركب فهو راكب عرفنا اسم الفاعل فقلنا ذهب فهو ذاهب وأكل فهو آكل وما أشبه ذلك وهذا كثير جدا وفي الإيمان إليه كفاية لمن نظر في هذا العلم.

فمن هذا النوع من العلل قولنا: إن زيدا قائم إن قيل: بم نصبتم زيدا؟

قلنا بأن لأنها تنصب الاسم وترفع الخبر لأنا كذلك علمناه ونعلمه

وكذلك قام زيد إن قيل: لم رفعتم زيدا؟

ص: 270

قلنا: لأنه فاعل اشتغل به فعله فرفعه

فهذا وما أشبهه من نوع التعليم وبه ضبط كلام العرب

فأما العلة القياسية فأن يقال لمن قال نصبت زيدا بـ إن في قوله: إن زيدا قائما: ولم وجب أن تنصب إن الاسم؟

فالجواب في ذلك أن يقول: لأنها وأخواتها ضارعت الفعل المتعدي إلى مفعول فحملت عليه فأعملت إعماله لما ضارعته فالمنصوب بها مشبه بالمفعول لفظا والمرفوع بها مشبه بالفاعل لفظا فهي تشبه من الأفعال ما قدم مفعوله على فاعله نحو ضرب أخاك محمد وما أشبه ذلك.

ص: 271

وأما العلل الجدلية النظرية فكل ما يعتل به في باب إن بعد هذا مثل أن يقال:

فمن أي جهة شابهت هذه الحروف الأفعال؟

وبأي الأفعال شبهتموها؟

أبالماضية أم بالمستقبلة أم الحادثة في الحال أم التراخية أم المنقضية بلا مهلة؟

وحين شبهتوها بالأفعال لأي شيء عدلتم بها إلى ما قدم مفعوله على فاعله نحو ضرب زيدا عمرو؟

وهلا شبهتوها بما قدم فاعله على مفعوله لأنه هو الأصل وذاك فرع ثان فأي علة دعتكم إلى إلحاقها بالفرع دون الأصل؟

إلى غير ذلك من السؤالات، فكل شيء اعتل به المسئول جوابا

ص: 272

عن هذه المسائل فهو داخل في الجدل والنظر

وذكر بعض شيوخنا أن الخليل بن أحمد رحمه الله سئل عن العلل التي يعتل بها في النحو فقيل له: عن العرب أخذتها أم اخترعتها من نفسك؟

فقال: إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها وعرفت مواقع كلامها وقام في عقولها علله وإن لم ينقل ذلك عنها واعتللت أنا بما عندي أنه علة لما عللته منه فإن أكن أصبت العلة فهو الذي التمست وإن تكن هناك علة غير ما ذكرت فالذي ذكرته محتمل أن يكون علة له ومثلي في ذلك مثل رجل

ص: 273

حكيم دخل دار محكمة البناء عجيبة النظم والأقسام وقد صحت عنده حكمه بانيها بالخبر الصادق أو بالبراهين الواضحة والحجج اللائحة فكلما وقف هذا الرجل في الدار على شيء منها قال: إنما فعل هذا هكذا لعلة كذا وكذا ولسبب كذا وكذا لعله سنحت له وخطرت بباله محتملة أن تكون علة لتلك فجائز أن يكون الحكيم الباني للدار فعل ذلك للعلة التي ذكرها هذا الذي دخل الدار وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة إلا

ص: 274

أن ما ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة لذلك

فإن سنحت لغيري علة لما عللته من النحو هي أليق مما ذكرته بالمعول فليأت بها.

وهذا كلام مستقيم وإنصاف من الخليل رحمة الله عليه.

وعلى هذه الأوجه الثلاثة مدار علل جميع النحو ".

هذا آخر كلام الزجاجي.

ص: 275

ذكر مسالك العلة

أحدها: الإجماع:

بأن يجمع أهل العربية على أن علة هذا الحكم كذا كإجماعهم على أن علة تقدير الحركات في المقصور التعذر وفي المنقوص الاستثقال.

الثاني: النص

بأن ينص العربي على العلة قال أبو عمرو: سمعت رجلا من اليمن يقول: فلان لغوب جائته كتابي فاحتقرها فقلت له: أتقول: جاءته كتابي؟

ص: 277

قال نعم أليس بصحيفة؟

قال ابن جني:

" فهذا الأعرابي الجلف علل هذا الموضع بهذه العلة واحتج لتأنيث المذكر بما ذكره ".

قال:

وعن المبرد أنه قال: سمعت عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير يقرأ: (ولا الليل سابقُ النهارَ) فقلت له: ما تريد؟

قال:

ص: 278

أردت (سابقٌ النهارَ)

فقيل له: فهلا قلته؟

فقال: لو قلته لكان أوزن "

قال ابن جني: " ففي هذه الحكاية لنا ثلاثة أغراض مستنبطة منها:

أحدها: تصحيح قولنا إن أصل كذا وكذا.

والآخر: قولنا: إنها فعلت كذا وكذا ألا تراه إنما طلب الخفة يدل عليه قوله: لكان أوزن أي أثقل في النفس واقوى

من قولهم: هنا درهم وازن أي ثقيل له وزن.

والثالث: أنها قد تنطق بالشيء غيره في نفسها أقوى منه لإيثارها الخفة "

وقال سيبويه: " سمعنا بعضهم يدعو على غنم رجل فقال: اللهم ضبعا

ص: 279

وذئبا، فقلنا له: ما أردت؟ قال: أردت: اللهم اجمع فيها ضبعا وذئبا، ففسر ما نوى.

فهذا تصريح منهم بالعلة.

انتهى

الثالث: الإيماء:

كما روي أن قوما من العرب أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من أنتم؟

فقالوا نحن بنوا غيان.

فقال: بل أنتم بنو رشدان

ص: 280

قال ابن جني: أشار إلى أن الألف والنون زائدتان، وإن كان لم يتفوه بذلك، غير أن اشتقاقه إياه من الغي بمنزلة قولنا نحن: إن الألف والنون فيه زائدتان.

ومن ذلك أيضا ما حكاه غير واحد: أن الفرزدق حضر مجلس ابن أبي إسحاق فقال له كيف تنشد هذا البيت:

وعينان قال الله كونا فكانتا فعولان بالألباب ما تفعل الخمر

ص: 281

فقال الفرزدق: كذا أنشد، فقال ابن أبي إسحاق: ما كان عليك لو قلت فعولين؟

فقال الفرزدق: لو شئت أن أسبح لسبحت ونهض فلم يعرف أحد في المجلس ما أراد

قال ابن جني: " أي لو نصب لأخبر أن الله خلقهما وأمرهما أن تفعلا ذلك وإنما أراد: هما تفعلان وكان هنا تامة غير محتاجة إلى خبر فكانه قال: وعينان قال الله: احدثا فحدثتا " انتهى

فهذا من الفرزدق إيماء إلى العلة

ص: 282

الرابع: السبر والتقسيم

بأن يذكر جميع الوجوه المحتملة ثم يسبرها أي يختبرها فيبقى ما يصلح وينفي ما عداه بطريقه قال ابن جني:

" مثاله: إذا سئلت عن وزن مروان فتقول لا يخلو إما أن يكون فعلان أو مفعالا أو فعوالا هذا

ص: 283

ما يحتمله ثم يفسد كونه مفعالا أو فعوالا بأنهما مثالان لم يجيئا فلم يبق إلا فعلان "

قال ابن جني:

وليس لك أن تقول في التقسيم: ولا يجوز أن يكون فعوان ومفوالا أو نحو ذلك لأن هذه ونحوها أمثلة ليست موجودة أصلا ولا قريبة من الوجود بخلاف مفعال فإنه ورد قريب منه وهو مفعال بالكسر كـ محراب وفعوال ورد قريب منه وهو فعوال بالكسر كـ قرواش وكذلك تقول في مثل أيمن من قوله:

يبري لها من أيمن وأشمل

ص: 284

لا يخلو إما أن يكون أفعلا أو فعلنا أو أيفلا أو فيعلا؛ لأن الأول كثير كـ أكلب وفعلن له نظير في أمثلتهم نحو: جلبن وعجلن وأيفل نظيره أينق وفيعل نظيره صيرف

ص: 285

ولا يجوز أن يقول: ولا يخلو أن يكون أيفعا ولا فعملا ولا أفعما ونحو ذلك لأن هذه أمثلة لا تقرب من أمثلتهم فيحتاج إلى ذكرها في التقسيم " انتهى.

قال ابن الأنباري:

" الاستدلال بالتقسيم قسمان: أحدها: أن تذكر الأقسام التي يجوز أن يتعلق الحكم بها فيبطلها جميعا فيبطل بذلك قوله وذلك مثل أن يقول: لو جاز دخول اللام في خبر لكن لم يخل إما أن تكون لام التوكيد لأنها

ص: 286

إنما حسنت مع إن لاتفاقهما في المعنى وهو التأكيد ولكن ليست كذلك وبطل أن تكون لام القسم لأنها إنما حسنت مع إن لإن إن تقع في جواب القسم كاللام ولكن كذلك.

وإذا بطل أن تكون لام التوكيد ولام القسم بطل أن يجوز دخول اللام في خبرها.

والثاني: أن تذكر الأقسام التي يجوز أن يتعلق الحكم بها فيبطلها إلا الذي يتعلق بالحكم به من جهته فيصحح قوله وذلك كأن يقول لا يخلو نصب المستثنى في الواجب نحو قام القوم إلا زيدا:

ص: 287

إما أن يكون بالفعل المتقدم بتقوية إلا

أو بـ إلا لأنها بمعنى أستثني

أو لأنها مركبة من إن المخففة ولا أو لأن التقدير فيه إلا أن زيدا لم يقم

والثاني باطل بنحو قام القوم غير زيد فإن نصب غير لو كان بـ لا لصار التقدير: إلا غير زيد وهو يفسد المعنى.

وبأنه لو كان العامل إلا بمعنى أستثني لوجب النصب في النفي كما في الإيجاب لأنها فيه أيضا بمعنى أستثني

وبأنه يؤدي إلى إعمال معاني الحروف وذلك لا يجوز.

وبأنه لو جاز النصب بتقدير أستثني لجاز الرفع أيضا بتقدير امتنع لاستوائهما في حسن التقدير

ص: 288

كما أورد ذلك عضد الدولة علي بن أبي علي حيث أجابه بذلك.

والثالث باطل بأن إن المخففة لا تعمل وبأن الحرف إذا ركب مع حرف آخر خرج كل منهما عن حكمه وثبت له بالتركيب حكم آخر

ص: 289

والرابع: باطل بأن أن لا تعمل مقدرة

وإذا بطل الثلاثة ثبت الأول وهو أن النصب بالفعل السابق بتقوية إلا "

انتهى ملخصا

وقال أبو الفراء في التبيين:

" الدليل على على أن نعم وبئس فعلان السبر والتقسيم وذلك أنهما ليسا حرفين بالإجماع وقد دل الدليل على أنهما ليسا اسمين لوجهين

أحدهما: بناؤهما على الفتح ولا سبب له لو كانا اسمين لأن الاسم إنما بني إذا أشبه الحرف ولا مشابهة بين نعم وبئس وبين الحرف فلو كانت اسما لأعربت.

ص: 290

والثاني: أنها لو كانت اسما لكانت إما جامدا أو وصفا ولا سبيل إلى اعتقاد الجمود فيها لأن وجه الاشتقاق فيها ظاهر لأنها من نعم الرجل إذا أصاب نعمة والمنعم عليه يمدح ولا يجوز أن يكون وصفا إذ لو كانت كذلك لظهر الموصوف معها ولأن الصفة ليست على هذا البناء

وإذا بطل كونها حرفا وكونها اسما ثبت أنها فعل " انتهى

وقال ابن فلاح في المغني:

الدليل على أن كيف اسم السبر والتقسيم فنقول لا يجوز أن تكون حرفا لحصول الفائدة منها مع الاسم وليس ذلك لغير حرف النداء

ص: 291

ولا فعلا لأن الفعل يليها بلا فاصل نحو: كيف تصنع؟

فيلزم أن تكون اسما لأنه الأصل في الإفادة "

الخامس المناسبة

وتسمى الإخالة أيضا لأن بها يخال أي يظن أن الوصف علة وهو أن يحمل الفرع على الأصل بالعلة التي علق عليها الحكم في الأصل كحمل ما لم يسم فاعله على الفاعل في الرفع بعلة الإسناد وحمل المضارع على الاسم في الإعراب بعلة اعتوار المعاني عليه.

ذكره ابن الأنباري قال: " واختلفوا هل يجب إبراز المناسبة عند المطالبة؟

ص: 292

فقال قوم: لا يجب، وذلك مثل أن يدل على جواز تقديم خبر كان عليها فيقول:

فعل متصرف فجاز تقديمه عليها قياسا على سائر الأفعال المتصرفة.

فيطالبه بوجه الإخالة والمناسبة.

واستدل لعدم الوجوب بأن المستدل أتى بالدليل بأركانه فلا يبقى عليه الإتيان بوجه الشرط وهو الإخالة، وليس على المستدل بيان الشروط بل يجب على المعترض بيان عدم الإخالة التي هي الشرط، ولو كلفناه أن يذكر الأسئلة لكلفناه أن يستقل بالمناظرة وحده، وأن يورد الأسئلة ويجيب عنها وذلك لا يجوز.

ص: 293

وقال قوم: يجب؛ لأن الدليل إنما يكون دليلا إذا ارتبط به الحكم وتعلق به وإنما يكون متعلقا به إذا بان وجه الإخالة.

وأجيب بوجود الارتباط؛ فإنه قد صرح بالحكم فصار بمنزلة ما قامت عليه البينة بعد الدعوى.

فأما المطالبة بوجه الإخالة والمناسبة فبمنزلة عدالة الشهود فلا يجب ذلك على المدعي، ولكن على الخصم أن يقدح في الشهود، فكذلك ليس على المستدل إبراز الإخالة وإنما المعترض أن يقدح ". انتهى.

السادس: الشبه:

قال ابن الأنباري:

وهو أن يحمل الفرع على أصل بضرب من الشبه غير العلة التي علق عليها الحكم في الأصل وذلك مثل أن يدل على إعراب المضارع بأنه يتخصص بعد شياعه كما أن الاسم يتخصص بعد شياعه فكان معربا كالاسم

ص: 294

أو بأنه يدخل عليه لام الابتداء كالاسم أو بأنه على حركة الاسم وسكونه.

وليس شيء من هذه العلل هي التي وجب لها الإعراب في الأصل إنما هو إزالة اللبس كما تقدم ".

قال: "وقياس الشبه قياس صحيح يجوز التمسك به في الأصح كقياس العلة "

السابع: الطرد:

قال ابن الأنباري:

"وهو الذي يوحد معه الحكم وتفقد الإخالة في العلة.

واختلفوا في كونه حجة

فقال قوم: ليس بحجة لأن مجرد الطرد لا يوجب غلبة

ص: 295

الظن؛ ألا ترى أنك لو عللت بناء (ليس) بعدم التصرف لاطراد البناء في كل فعل غير متصرف وإعراب ما لاينصرف لما كان ذلك الطرد يغلب على الظن أن بناء ليس لعدم التصرف ولا أن إعراب ما لا ينصرف لعدم الانصراف بل نعلم يقينا أن ليس إنما بني لأن الأصل في الأفعال البناء وأن ما لاينصرف إنما أعرب لأن الأصل في الأسماء الإعراب.

وإذا ثبت بطلان هذه العلة مع اطرادها علم أن مجرد الطرد لا يكتفى به فلابد من إخالة أو شبه.

ويدل على أن الطرد لا يكون علة أنه لو كان علة لأدى إلى الدور ألا ترى أنه إذا قيل

ص: 296

له: ما الدليل على صحة دعواك؟ فيقول: أن أدعي أن هذه العلة علة في محل آخر فإذا قيل له وما الدليل على أنها علة في محل آخر؟

فيقول دعواي أنها علة في مسألتنا فدعواه دليل على صحة دعواه

فإذا قيل له: ما الدليل على أنها علة في الموضعين معا؟

فيقول: وجود الحكم معها في كل موضع دليل على أنها علة

فإذا قيل له: إن الحكم قد يوجد مع الشرط كما يوجد مع

ص: 297

العلة، فما الدليل على أن الحكم لا يثبت بها في المحل الذي هو فيه؟

فيقول كونها علة.

فإذا قيل: وما الدليل على كونها علة؟

فيقول وجود الحكم معها في كل موضع وجدت فيه فيصير الكلام دورا.

وقال قوم إنه حجة واحتجوا على ذلك بأن قالوا الدليل على صحة العلة اطرادها وسلامتها من النقص وهذا موجود هنا وربما قالوا عجز المعترض دليل على صحة العلة.

وربما قالوا: نوع من القياس فوجب أن يكون حجة كما لو

ص: 298

كان فيه إخالة أو شبه

ورد الأول: بأنهم جعلوا الطرد دليلا على صحة العلة وادعوا هنا أنها العلة نفسها وليس من ضرورة كونه دليلا على صحة العلة أن يكون هو العلة؛ بل ينبغي أن يثبتوا العلة، ثم يدلوا على صحتها بالطرد؛ لأن الطرد نظر ثانٍ بعد ثبوت العلة.

ورد الثاني بأن العجز عن تصحيح العلة عند المطالبة دليل على فسادها.

ورد الثالث بأنه تمسك بالطرد في إثبات الطرد، فإن ما فيه إخالة أو شبه لم يكن حجة، لكونه قياسا لقبا وتسمية، بل لما فيه من الإخالة والشبه المغلب على الظن، وليس كذلك موجودا في

ص: 299

الطرد فوجب أن لا يكون حجة. انتهى.

الثامن: إلغاء الفارق

وهو بيان أن الفرع لم يفارق الأصل إلا فيما لا يؤثر، فيلزم اشتراكهما

مثاله: قياس الظرف على المجرور في الأحكام بجامع أن لا فارق بينهما، فإنهما مستويان في جميع الأحكام، وإنما وقع الخلاف في هذه المسألة.

ص: 300

ذكر القوادح في العلة

منها النقض

قال ابن الأنباري في جدله

"وهو وجود العلة، ولا حكم على مذهب من لا يرى تخصيص العلة"

وقال في أصوله:

الأكثرون على أن الطرد شرط في العلة، وذلك أن يوجد الحكم عند وجودها في كل موضع، كرفع كل ما أسند إليه الفعل في كل موضع؛ لوجود علة الإسناد، ونصب كل مفعول وقع فضلةً؛ لوجود علة وقوع الفعل عليه، وجر كل ما دخل عليه حرف الجر، لوجود عامله، وكذلك وجود الجزم في كل ما دخل عليه حرف الجزم؛ لوجود عامله.

وإنما وجب أن يكون الطرد شرطا في العلة هاهنا؛ لأن العلة النحوية كالعلة العقلية، ولا خلاف في أن العلة العقلية لا تكون إلا مطردة،

ص: 301

ولا يجوز أن يدخلها التخصيص فكذلك العلة النحوية.

وقال قوم: إن الطرد ليس بشرط في العلة، فيجوز أن يدخلها التخصيص، وذلك لأن هذه العلة دليل على الحكم بجعل جاعل، فصارت بمنزلة الاسم العام، فكما يجوز تخصيص الاسم العام فكذلك ما كان في معناه، وكذلك إذا جاز التمسك بالعموم المخصوص، فكذلك بالعلة المخصوصة.

وعلى الأول قال في الجدل:

مثال النقض أن يقول: إنما بنيت حذامِ وقطامِ ورقاشِ لاجتماع ثلاث علل، وهي التعريف والتأنيث والعدل.

ص: 302

فتقول هذا ينتقض بـ (أذربيجان) فإن فيه ثلاث علل بل أكثر وليس بمبني.

قال: والجواب عن النقض أن يمنع مسألة النقض، إن

ص: 303

كان فيها منع، أو يدفع النقض باللفظ أو بمعنى في اللفظ.

فالمنع مثل أن تقول: إنما جاز النصب في نحو يا زيد الظريفَ حملا على الموضع؛ لأنه وصف لمنادى مفرد مضموم.

فيقال: هذا ينتقض بقولهم: يا أيها الرجل؛ فإن الرجل وصف لمنادى مفرد مضموم، ولا يجوز فيه النصب.

ص: 304

فنقول: لا نسلم أنه لا يجوز فيه النصب.

ويمنع على مذهب من يرى جوازه.

والدفع [ينتقض] باللفظ مثل أن يقول في حد المبتدأ "كل اسم عريته من العوامل اللفظية لفظا أو تقديرا"

فيقال: هذا ينتقض بقولهم: إذا زيد جاءني أكرمته، فـ (زيد) قد تعرى من العوامل اللفظية ومع هذا فليس مبتدأ.

ص: 305

فيقول: قد ذكرت في الحد ما يدفع النقض لأني قلت لفظا أو تقديرا.

وهو وإن تعرى لفظا لم يتعر تقديرا فإن التقدير إذا جاءني زيد.

والدفع بمعنى في اللفظ مثل مثل أن يقول إنما ارتفع يكتب في نحو: مررت برجل يكتب لقيامه مقام الاسم وهو كاتب.

فيقول: هذا ينتقض بقولك: مررت برجل كتب فإنه فعل قد قام مقام الاسم وهو كاتب وليس بمفروع.

فنقول قيام الفعل مقام الاسم إنما يكون موجبا للرفع إذا كان الفعل معربا وهو الفعل المضارع نحو يكتب، و (كتب) فعل ماض والفعل الماض لا يستحق شيئا من الإعراب فلما لم يستحق من جنس الإعراب منع الرفع الذي هو نوع منه فكأنا قلنا هذا الفعل المستحق للإعراب قام مقام الاسم فوجب له الرفع

ص: 306

فلا يرد النقض بالفعل الماضي الذي لا يستحق شيئا من الإعراب.

أما على من يرى تخصيص العلة فإن النقض غير مقبول ".

ومنها (تخلف العكس)

بناء على أن العكس شرط في العلة وهو رأي الأكثرين وهو" أن يعدم الحكم عند عدم العلة " كعدم رفع الفاعل لعدم إسناد الفعل إليه لفظا أو تقديرا وعدم نصب المفعول لعدم وقوع الفعل عليه لفظا أو تقديرا.

ص: 307

وقال قوم: إنه ليس بشرط لأن هذه العلة مشبهة بالدليل العقلي والدليل العقلي يدل وجوده على وجود الحكم ولا يدل عدمه على عدمه.

ومثال تخلف العكس قول بعض النحاة في نصب

ص: 308

الظرف إذا وقع خبرا عن المبتدأ نحو (زيد أمامك): إنه منصوب بفعل محذوف غير مطلوب ولا مقدر بل حذف الفعل واكتفى بالظرف منه وبقي منصوبا بعد حذف الفعل لفظا وتقديرا على ما كان عليه قبل حذف الفعل.

ومنها عدم التأثير

وهو أن يكون الوصف لا مناسبة فيه

ص: 309

قال ابن الأنباري: الأكثر على أنه لا يجوز إلحاق الوصف بالعلة مع عدم الإخالة، سواء كان لدفع نقض أو غيره، بل هو حشو في العلة، وذلك مثل أن يدل على ترك صرف حبلى فيقول: وإنما امتنع من الصرف لأن في آخره ألف التأنيث المقصورة، فوجب أن يكون غير منصرف، كسائر ما في آخره ألف التأنيث المقصورة.

فذكر المقصورة حشو لأنه لا أثر له في العلة لأن ألف التأنيث لم تستحق أن تكون سببا مانعا من الصرف لكونها مقصورة بل لكونها للتأنيث فقط ألا ترى أن الممدودة سبب مانع أيضا؟

واستدل على عدم الجواز بأنه لا إخالة فيه ولا مناسبة

ص: 310

وإذا كان خاليا عن ذلك لم يكن دليلا لم يجز إلحاقه بالعلة.

وقال قوم: إذا ذكر إذا ذكر لدفع النقض لم يكن حشوا لأن الأوصاف في العلة تفتقر إلى شيئين.

أحدهما: أن يكون لها تأثير.

والثاني: أن يكون يفها احتراز فكما لا يكون ما له تأثير حشوا فكذلك ما فيه احتراز حشوا ".

وقال ابن جني في الخصائص:

قد يزاد في العلة صفة

ص: 311

لضرب من الاحتياط بحيث لو اسقطت لم يقدح اسقاطها فيها كقولهم في همز أوائل:

أصله: أواول فلما اكتنف الألف واوان وقربت الثانية منهما من الطرف ولم يؤثر إخراج ذلك على الأصل تنبيها على غيره من المغيرات في معناه وليس هناك ياء قبل الطرف مقدرة وكانت الكلمة جمعا ثقل ذلك فأبدلت الواو همزة فصار (أوائل)

فهذه علة مركبة من خمسة أوصاف محتاج إليها إلا الخامس.

فقولك: ولم يؤثر

إلى آخره احتراز من نحو قوله:

تسمع من شذانها عواولا

ص: 312

وقولك: وليس هناك ياء مقدرة لئلا يلزمك نحو قوله:

وكحل العينين بالعواور

لأن أصله (عواوير)

وقولك: وكانت الكلمة جمعا غير محتاج إليه لأنك لو لم تذكره لم يخل ذلك بالعلة ألا ترى أنك لو بنيت من (قلت)

ص: 313

و (بعت) واحدا على فواعل أو أفاعل لهمزت كما تهمز في الجمع لكنه ذكر تأنيسا من حيث كان الجمع في غير هذا مما يدعو إلى قلب الواو ياء في نحو: حقي ودلي فذكر هنا تأكيدا ووجوبا ".

ص: 314

قال: ولا يجوز زيادة صفة لا تأثير لها أصلا البتة كقولك في رفع (طلحة) من نحو جائني طلحة:: إنه لإسناد الفعل إليه ولأنه مؤنث وعلم فذكر التأنيث والعلمية لغو لا فائدة له ".

انتهى.

ومنها (القول بالموجب)

قال ابن الأنباري: في جدله:

" وهو أن يسلم للمستدل ما اتخذه موجبا للعلة مع استبقاء الخلاف، ومتى توجه كان المستدل منقطعا، فإن توجه في بعض الصور مع عموم العلة لم يعد منقطعا.

مثل أن يستدل البصري على جواز تقديم الحال على عاملها

ص: 315

الفعل المتصرف، نحو (راكبا جاء زيد) فيقول: جواز تقديم معمول الفعل المتصرف ثابت في غير الحال، فكذلك في الحال.

فيقول له الكوفي: أنا أقول بموجبه؛ فإن الحال يجوز تقديمها عندي إذا كان ذو الحال مضمرا.

والجواب: أن يقدر العلة على وجه لا يمكنه القول بالموجب بأن يقول: عنيت به ما وقع فيه الخلاف فيه وعرفته

ص: 316

بالألف واللام فتناوله وانصرف إليه.

وله أن يقول: هذا قول بموجب العلة في بعض الصور مع عموم العلة في جميع الصور فلا يكون قولا بموجبها ".

ومنها (فساد الاعتبار)

قال ابن الأنباري:

" وهو أن يستدل بالقياس على مسألة في مقابلة النص عن العرب.

كأن يقول البصري: الدليل على أن ترك صرف ما ينصرف

ص: 317

لا يجوز لضرورة الشعر أن الأصل في الاسم الصرف فلو جوزنا ترك صرف ما لا ينصرف لأدى ذلك إلى أن نرده عن الأصلا إلى غير أصل فوجب أن لا يجوز قياسا على مد المقصور.

فيقول له المعترض: هذا استدلال منك بالقياس في مقابلة النص عن العرب وهو لا يجوز فإنه قد ورد النص عنهم في أبيات تركوا فيها صرف المنصرف للضرورة.

ص: 318

والجواب: الطعن في النقل المذكور إما في أسناده وذلك من وجهين:

أحدهما: أن يطالبه بإثباته وجوابه: أن يسنده

ص: 319

أو يحيله على كتاب عند أهل اللغة.

والثاني: القدح في راويه وجوابه: أن يبدي له طريقا آخر

وإما في متنه وذلك من خمسة أوجه:

أحدها: التأويل بأن يقول الكوفي: الدليل على ترك صرف المنصرف قوله:

وممن ولدوا عامـ ـر ذو الطول وذو العرض

ص: 320

فيقول له البصري: إنما لم يصرفه لأنه ذهب به إلى القبيلة والحمل على المعنى كثير في كلامهم.

ص: 321

والثاني: المعارضة بنص آخر مثله فيتساقطان ويسلم الأول كأن يقول الكوفي: الدليل على أن إعمال الأول في (باب التنازع) أولى قول الشاعر:

وقد نغني بها ونرى عصورا

ص: 322

فيقول له البصري:

هذا معارض بقول الآخر:

ولكن نصفا لو سببت وسبني

بنو عبد شمس من مناف وهاشم

ص: 323

والثالث:

اختلاف الراوية كأن يقول الكوفي: الدليل على جواز مد المقصور في الضرورة قوله:

سيغنيني الذي أغناك عني فلا فقر يدوم ولا غناء

فيقول له البصري:

الراوية (غناء) بفتح الغين وهو ممدود.

الرابع: منع ظهور دلالته على ما يلزم منه فساد القياس كأن يقول البصري الدليل على أن المصدر أصل للفعل أنه يسمى مصدرا والمصدر هو الموضع الذي تصدر عنه الإبل فلو لم يصدر عنه الفعل لما سمي مصدرا.

فيقول له الكوفي: هذا حجة لنا في أن الفعل أصل للمصدر فإنه إنما يسمى مصدرا لأنه مصدور عن الفعل كما

ص: 324

يقال: مركب فاره ومشرب عذب أي مركوب ومشروب

ومنها (فساد الوضع)

قال ابن الأنباري:

" وهو أن يعلق على العلة ضد المقتضي كأن يقول الكوفي:

إنما جاز التعجب من السواد

ص: 325

والبياض دون سائر الألوان لأنهما أصلا من الألوان.

فيقول له البصري: قد علقت على العلة ضد المقتضي لأن التعجب إنما امتنع من سائر الألوان للزومها المحل وهذا المعنى في الأصل أبلغ منه في الفرع فإذا لم يجز مما كان فرعا لملازمته المحل فلأن لا يجوز مما كان أصلا وهو ملازم للمحل أولى.

والجواب: أن يبين عدم الضدية أو يسلم له ذلك ويبين أنه يقتضي ما ذكره أيضا من وجه آخر ".

ص: 326

ومنها (المنع للعلة)

قال ابن الأنباري: " وقد يكون في الأصل والفرع

وأما المنع في الأصل فمثل أن يقول البصري: إنما ارتفع المضارع لقيامه مقام الاسم وهو عامل معنوي فأشبه الابتداء في الاسم المبتدأ والابتداء يوجب الرفع فكذلك ما أشبهه.

فيقول له الكوفي: لا أسلم أن الابتداء يوجب الرفع في الاسم المبتدأ.

والمنع في الفرع مثل أن يقول البصري: الدليل على أن فعل الأمر مبني

ص: 327

أن دراك ونزال وتراك وما أشبه ذلك من أسماء الأفعال مبنية لقيامها قيامه ولولا أنه مبني وإلا لما بنى ما قام مقامه.

فيقول له الكوفي: لا أسلم أن نحو دراك ونزال وتراك إنما بني لمقامه مقام فعل الأمر وإنما بني لتضمنه لام الأمر.

والجواب عن منع العلة أن يدل على وجودها في الأصل أو الفرع بما يظهر به فساد المنع ".

ص: 328

ومنها (المطالبة بتصحيح العلة)

قال ابن الأنباري:

" والجواب أن يدل على ذلك بشيئين: التأثير وشهادة الأصول.

فالأول: وجود الحكم لوجود العلة وزواله لزوالها كأن يقول: إنما بنيت (قبل) و (بعد) على الضم لأنها اقتطعت عن الإضافة.

فيقال: وما الدليل على صحة هذه العلة؟

فيقول: التأثير وهو وجود البناء لوجود هذه العلة، وعدمه لعدمها ألا ترى أنه إذا لم يقتطع عن الإضافة يعرب فإذا اقتطع عنها بني فإذا عادت الإضافة عاد الإعراب.

ص: 329

والثاني: كأن يقول: إنما بنيت (كيف) و (أين) و (متى) لتضمنها معنى الحرف

فيقال وما الدليل على صحة هذه العلة؟

فيقول: إن الأصول تشهد وتدل على أن كل اسم تضمن معنى الحرف وجب أن يكون مبنيا.

ومنها (المعارضة)

قال ابن الأنباري:

" وهو أن يعارض المستدل بعلة مبتدأة.

والأكثرون على قبولها لأنها دفعت العلة وقيل: لا تقبل لأنها تَصَدٍّ لمنصب الاستدلال وذلك رتبة

ص: 330

المسئول لا السائل.

مثلها ان يقول في الإعمال: إنما كان إعما لالول أولى لأنه سابق وهو ثالح للعمل فكان إعماله أولى لقوة الابتداء والعناية به.

فيقول البصري: هذا معارض بأن الثاني أقرب إلى الاسم وليس في إعماله نقص معنى فكان إعماله أولى.

ص: 331

تنبيه

قال ابن الأنباري: ذهب قوم إلى أنه لا يجب على السائل ترتيب الأسئلة بل له أن يوردها كيفما شاء لأنه جاء مستفهما مستعلما.

وقال آخرون: يجب ترتيبها، فعلى هذا أول الأسئلة فساد الاعتبار وفساد الوضع؛ لأن المعترض يدعي أن ما يظنه قياسا ليس مستعملا في موضعه، فقد صادم أصل الدليل، والقول بالموجب لأنه يبين أنه لم يدل في محل الخلاف، ولا حاجة إلى الاعتراض

ص: 332

والمنع، ثم المطالبة؛ لأن المنع إنكار العلة، والمطالبة إقرار بالعلة والإقرار بعد الإنكار يقبل والإنكار بعد الإقرار لا يقبل.

ثم النقض لما فيه من تسليم صلاحية العلة لو سلمت من النقض فكان تأخيره عن المطالبة أولى؛ لأن المطالبة لا تتوجه على علة منقوضة.

ثم المعارضة لأنها ابتداء دليل مستقبل في مقابلة دليل المستدل، فهي بمنصب الاستدلال أشبه منها بالسؤال.

ص: 333

تذنيب

قال ابن الأنباري:

السؤال طلب الجواب بأداته، ومبناه على سائل ومسئول به ومسئول منه ومسؤل عنه.

فالسائل: ينبغي له أن يقصد قصد المستفهم، ولهذا قال قوم: إنه ليس له مذهب

والجمهور على أنه لابد له من مذهب لئلا ينتشر الكلام

ص: 334

فتذهب فائدة النظر.

وأن يسأل عما يثبت فيه الاستفهام فقد قيل: ما ثبت فيه الاستبهام صح عنه الاستفهام كأن يسأل عن حد النحو وأقسام الكلام.

فإن سأل عن وجود النطق والكلام كان فاسدا.

وأن لا يسأل إلا عن ما يلائم مذهبه فإن سأل عما لا يلائم مذهبه لم يسمع منه كأن يسأل الكوفي عن الابتداء لم كان عمله الرفع دون غيره؟ فإنه لايرى أنه عامل البتة.

ص: 335

وأن لا ينتقل من سؤال إلى سؤال فإن انتقل عد منقطعا.

والمسئول به أدوات الاستفهام المعروفة

ص: 336

وليكن مفهوما غير مبهم كأن يقول ما تقول في اشتقاق الاسم؟

فإن كان مبهما غير مفهوم لم يستحق الجواب كأن يقول: ما تقول في الاسم؟

لأنه لا يدري: أسأل عن حده؟ أن اشتقاقه؟ أم غير ذلك؟

والمسئول منه شرطه كونه أهلا بأن يكون السؤال من أهل فن

ص: 337

السؤال كالنحوي عن النحو والتصريفي عن التصريف.

وعليه أن يأخذ في ذكر الجواب بعد تعيين السؤال فإن سكت بعده كان قبيحا وكذلك إن ذكر الجواب وسكت عن ذكر الدليل زمنا طويلا كان قبيحا ولم يعد منقطعا لاحتمال أن يكون سكوته لتفكره في إيراد الدليل بعبارة أدل على الغرض.

وقيل يعد منقطعا لأنه تصدى لمنصب الاستدلال فينبغي أن يكون الدليل معدا في نفسه.

والمسئول عنه ينبغي أن يكون مما يمكن إدراكه كأنواع الحركات فإن كان لا يمكن إدراكه كأعداد جميع الألفاظ والكلمات الدالة على جميع المسميات كان فاسدا لتعذر إدراكه فلا يستحق الجواب عنه.

والجواب: هو المطابق للسؤال من غير زيادة ولا نقصان فإن كان السؤال عاما وجب أن يكون الجواب عاما.

ص: 338

وقال قوم: يجوز الفرض في بعض الصور كأن يسأل عن جواز تقديم خبر المبتدأ فله أن يفرض في المفرد وله أن يفرض في الجملة لأن من سأل عن الكل فقد سأل عن البعض.

وقال آخرون لا يجوز في الجواب وإنما يجوز في الدليل لئلا يكون الجواب غير مطابق للسؤال ". انتهى.

ص: 339

مسألة في الدور

قال في الخصائص:

" وذلك أن تؤدي الصنعة إلى حكم ما مثله أن يقتضي التغيير فإن أنت غيرت صرت إلى مراجعة مثل ما منه هربت فحينئذ يجب أن تقيم على أول رتبة.

ص: 340

وذلك كأن تبني من (قويت) مثل (رسالة) فإنك تقول:

قِواءة ثم تكسرها على (رسالة) ثم تبدل من الهمز الواو، لتطرفها بعد ألف ساكنة فتقول (قواو) فتجمع بين واوين مكتنفي ألف التكسير ولا حاجز بين الأخير والطرف.

فإن أنت فررت من ذلك وقلت أهمز كما همزت في (أوائل) لزمك أن تقول: (قواء) كما كان أولا وتصير هكذا تبدل من الهمزة واو ثم من الواو همزة إلى مالا نهاية له.

فإذا أدت الصنعة

ص: 341

إلى نحو هذا وجبت الإقامة على أول رتبة ولا يعدل عنها.

ص: 342

مسألة

في اجتماع ضدين

قال في الخصائص:

" اعلم أن التضاد في هذه اللغة جار مجرى التضاد عند أهل الكلام فإذا ترادف الضدان في شيء منها كان الحكم للطارىء ويزول الأول وذلك كلام التعريف إذا دخلت على المنون يحذف لها تنوينه لأن اللام للتعريف ولاتنوين للتنكير فلما ترادفا على الكلمة تضادا فكان الحكم للطارىء وهو اللام.

وهذا جار مجرى الضدين المترادفين على المحل الواحد كالأبيض يطرأ عليه السواد والساكن تطرأ

ص: 343

عليه الحركة.

وكذلك أيضا حذف التنوين للإضافة وحذف تاء التأنيث لياء النسب.

ص: 344

مسألة

في التسلسل

قال الأندلسي في شرح المفصل:

" من قال بأن العامل في الصفة مقدرا أجاز الوصف على زيد من قولك: جائني زيد العاقل وابتداء (العاقل) لأن تقديره عنده جاءني العاقل فكان جملة والجملة مستقلة فوجب أن يوقف ويبتدأ بها.

وهذا فاسد يؤدي إلى التسلسل إذا قدر: جاءني العاقل والصفة لابد لها من موصوف فيكون التقدير: جاءني زيد العاقل ثم يقدر أيضا: جاءني العاقل ويكون التقدير أيضا: جاءني زيد العاقل

ص: 345

وهكذا أبدا متى أولى العامل الصفة قدر بينهما موصوف ومتى استقل العامل بموصوف قدر مع الصفة عامل آخر إلى مالا يتناهى وذلك محال.

فالمختار الذي عليه الجماعة والجمهور أنه لا يجوز الوقف على الموصوف دون الصفة " انتهى.

ص: 346

مسألة

القياس جلي وخفي

فمن الأول: قياس حذف النون من المثنى في صلة الألف واللام على حذف النون من الجمع فيها فإن الأول لم يسمع بخلاف الثاني.

قال أبو حيان: وقياس المثنى على الجمع قياس جلي.

ص: 347

خاتمة

قد يجتمع السماع والإجماع والقياس دليلا على مسألة

قال في شرح التسهيل:

يجوز دخول الباء في خبر (ما) التميمية خلافا للفارسي والزمخشري ويدل عليه السماع والقياس والإجماع.

أما السماع فلوجود ذلك في أشعار بني تميم ونثرهم.

وأما القياس فلأن الباء دخلت الخبر لكونه منفيا لا لكونه منصوبا بدليل دخولها بعد (ما) المكفوفة، وبعد (هل).

ص: 348

وأما الإجماع فنقله أبو جعفر الصفار ".

ص: 349