الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب الخامس
في
أدلة شتى
قال ابن الأنباري:
" اعلم أن أنواع الاستدلال كثيرة لا تحصر منها (الاستدلال بالعكس) كأن يقال: لو كان نصب الظرف في خبر المبتدأ بالخلاف
لكان ينبغي أن يكون الأول منصوبا لأن الخلاف لايكون من واحد من اثنين فلو كان الخلاف موجبا للنصب في الثاني لكان موجبا للنصب في الأول فلما لم يكن الأول منصوبا دل على أن الخلاف لا يكون موجبا للنصب في الثاني.
ومنها (الاستدلال ببيان العلة)
قال ابن الأنباري وهو ضربان:
أحدهما: أن يبين علة الحكم ويستدل بوجودها في موضع الخلاف ليوجد بها الحكم.
والثاني: أن يبين العلة ثم يستدل بعدمها في موضع الخلاف ليعدم الحكم
فالأول: كأن يستدل من أعمل اسم الفاعل في المضي، فيقول: إنما عمل اسم الفاعل في محل الإجماع لجريانه على حركة الفعل وسكونه وهذا جار على حركة الفعل وسكونه
فوجب أن يكون عاملا.
والثاني كأن يستدل من أبطل عمل (إن) المخففة من الثقيلة فيقول إنما عملت (إن) الثقيلة لشبهها بالفعل وقد عدم بالتخفيف فوجب ألا تعمل.
(ومنها بعدم الدليل في الشيء على نفيه)
قال ابن الأنباري:
" وهذا إنما يكون فيما إذا ثبت لم يخف
دليله فيستدل بعدم الدليل على نفيه كأن يستدل على نفي أن الكلمات أربعة وعلى نفي أن أنواع الإعراب خمسة فيقول: لو كانت الكلمات أربعة وأنواع الإعراب خمسة لكان على ذلك دليل لعرف مع كثرة البحث وشدة الفحص.
فلما لم يعرف ذلك دل على أنه لا دليل فوجب ألا تكون الكلمات أربعة ولا أنواع الإعراب خمسة ".
قال: وقد زعم بعضهم ان النافي لا دليل عليه وليس كذلك لأن الحكم بالنفي لا يكون إلا عن دليل كما أن
الحكم بالإثبات لا يكون عن دليل فكما يجب الدليل على المثبت يجب أيضا على النافي ".
ومنها (الاستدلال بالأصول)
قال ابن الأنباري:
" كأن يستدل على إبطال أن رفع المضارع لتجرده من الناصب والجازم بأن ذلك يؤدي إلى خلاف الأصول لأنه يؤدي إلى أن يكون الرفع بعد النصب والجزم وهذا خلاف الأصول لأن الأصول تدل على أن الرفع قبل النصب لأن الرفع صفة الفاعل والنصب صفة المفعول
فكما أن الفاعل قبل المفعول فكذلك الرفع قبل النصب وكذلك تدل الأصول أيضا على أن الرفع قبل الجزم؛ لأن الرفع في الأصل من صفات الأسماء، والجزم من صفات الأفعال، فكما أن رتبة الأسماء قبل الأفعال فكذلك الرفع قبل الجزم.
فإن قيل:
فهب أن الرفع في الأسماء قبل الجزم في الأفعال فلم قلتم: إن الرفع في الأفعال قبل الجزم؟
قلنا: لأن إعراب الأفعال فرع على إعراب الأسماء وإذا ثبت ذلك في الأصل فكذلك في الفرع، لأن الفرع يتبع الأصل ".
ومنها (الاستدلال بعدم النظير)
ولم يذكره ابن الأنباري وذكره ابن جني وهو كثير في كلامهم وإنما يكون دليلا على النفي لا على الإثبات.
وقد استدل المازني ردا على من قال: إن السين وسوف ترفعان الفعل المضارع بأنا لم نر عاملا في الفعل يدخل عليه اللام وقد قال الله تعالى: " ولسوف يعطيك ربك ".
قال في الخصائص:
" وإنما يستدل بعدم النظير على النفي حيث لم يقم الدليل على الإثبات فإن قام لم يلتفت إليه لأن إيجاد النظير بعد قيام الدليل إنما هو للأنس لا للحاجة إليه.
مثاله (أندلس) فإن همزته ونونه زائدتان فوزنه (أنفعل) وهو مثال لا نظير له لكن قام الدليل على ما ذكرنا لأن النون
زائدة لا محالة إذ ليس في ذوات الخمسة شيء على (فعللل) فتكون النون فيه أصلا لوقوعها موقع العين وإذا ثبت زيادة النون بقي في الكلمة ثلاثة أحرف أصول: الدالو اللام والسين وفي أولها همزة ومتى وقع ذلك حكمت بزيادة الهمزة.
ولا تكون النون أصلا والهمزة زائدة لأن ذوات الأربعة لا تلحقها الزيادة من أولها إلا في الأسماء الجارية على أفعالها نحو: مدحرج وبابه.
فقد وجب إذن أن الهمزة والنون زائدتان وأن الكلمة بهما على أنفعل وإن كان مثالا لا نظير له.
فإن اجتمع النظير والدليل فهو الغاية كنون (عنبر)
فالدليل يقتضي كونها أصلا لأنها مقابلة لعين (جعفر) والنظير موجود وهو (فعلل) ". انتهى.
وقال الخضراوي:
" إذا ورد شيء حمل على القياس وإن لم يوجد له نظير ".
ومنها (الاستحسان)
قال في الخصائص:
" ودلالته ضعيفة غير مستحكمة إلا أن فيه ضربا من الاتساع والتصرف.
من ذلك تركك الأخف إلى الأثقل من غير ضرورة نحو: الفتوى والتقوى فإنهم قلبوا الياء هنا واومن غير علة قوية بل أرادوا الفرق بين الاسم والصفة في أشياء كثيرة لا يوجبون على أنفسهم الفرق بينهما فيها.
من ذلك قولهم في تكسير حسن: حسان فهذا كجبل وجبال وفي غفور غُفُر كعمود وعُمُد.
ولسنا ندفع أن يكونوا فصلوا بين الاسم والصفة في أشياء غير هذه إلا أن جميع ذلك إنما هو استحسان لا عن ضرورة علة فليس بجار مجرى رفع الفاعل ونصب المفعول لأنه لو كان واجبا لجاء في جميع الباب مثله.
ومن الاستحسان ما يخرج تنبيها على أصل بابه نحو: استحوذ و:
أطولت الصدود
ومطيبة للنفس
ومنه ما يبقى الحكم فيه مع زوال علته كقوله:
ولا تسأل الأقوام عقد المياثق
فإن الشائع في جمع ميثاق مواثق برد الواو إلى أصلها لزوال العلة الموجبة لقلبها ياء وهي الكسرة لكن استحسن هذا الشاعر ومن تابعه إبقاء القلب وإن زالت العلة من حيث إن الجمع تابع لمفرده إعلالا وتصحيحا.
قال ابن جني: " وقياس تحقيره على هذه اللغة أن يقال: مييثيق ".
ومنه ما ذكره صاحب البديع قال: " إذا اجتمع التعريف العلمي والتأنيث السماعي أو العجمة في ثلاثي ساكن الوسط كـ (هند) و (نوح) فالقياس منع الصرف والاستحسان الصرف لخفته ".
وقال ابن الأنباري:
" اختلفوا في الاخذ بالاستحسان فقال قوم إنه غير مأخوذ به
لما فيه من التحكم وترك القياس.
وقال آخرون: إنه مأخوذ به واختلفوا فيه:
فقيل: هو ترك الأصول لدليل.
وقيل: هو تخصيص العلة.
فمثال ترك قياس الأصول ما تقدم في الكلام على رفع المضارع.
ومثال تخصيص العلة أن تقول: إنما جمعت أرض بالواو والنون فقيل أرضون عوضا من حذف تاء التأنيث لأن الأصل أن يقال في أرض: أرضة فلما حذفت التاء جمعت بالواو والنون عوضا عنها، وهذه العلة غير مطردة لأنها تنقض بـ (شمس) و (دار) و (قدر) فإن الأصلا فيها: شمسة ودارة وقدرة ولا يجوز أن تجمع باواو والنون " انتهى.
ومنها (الاستقراء)
استدلوا به في مواضع:
منها: انحصار الكلمات الثلاث في الاسم والفعل والحرف.
ومنها (الدليل المسمى بالباقي)
كقولنا: الدليل يقتضي أن لا يدخل الفعل شيء من الإعراب لكون الأصل فيه البناء لعدم العلة المقتضية للإعراب.
وقد خولف هذا الدليل في دخول الرفع والنصب على المضارع لعلة اقتضت ذلك فبقي الجر على الأصل الذي اقتضاه الدليل من الامتناع.
الكتاب السادس
في التعارض والتراجح [التراجيح]
فيه مسائل
(الأولى)
قال ابن الأنباري:
إذا تعارض نقلان أخذ بأرجحهما والترجيح في شيئين:
أحدهما: الإسناد، والآخر المتن.
فأما الترجيح بالإسناد فبأن يكون رواة أحدهما أكثر من الآخر أو أعلم أو أحفظ وذلك كأن يستدل الكوفي على النصب بـ (كما) بقول الشاعر:
اسمع حديثا كما يوما تحدثه عن ظهر غيب إذا ما سائل سألا
فيقول له البصري:
الرواة اتفقوا على أن الرواية:
كما يوما تحدثه
بالرفع ولم يروه أحد بالنصب غير المفضل بن سلمة
ومن رواه بالرفع أعلم منه وأحفظ وأكثر فكان الأخذ بروايتهم أولى.
وأما الترجيح في المتن فبأن يكون أحد النقلين على وفق القياس والآخر على خلافه وذلك كأن يستدل الكوفي على إعمال (أن) مع الحذف بلا عوض بقول الشاعر:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
فيقول له البصري:
قد روي (أحضر) بالرفع أيضا وهو على
وفق القياس فكان الأخذ به أولى وبيان كون النصب على خلاف القياس أنه لا شيء من الحروف يعمل مضمرا بلا عوض.
(الثانية)
قال في الخصائص:
" اللغات على اختلافها حجة، ألا ترى أن لغة أهل الحجاز في إعمال (ما) ولغة بني تميم في تركه كل منهما يقبلها القياس فليس لك أن ترد إحدى اللغتين بصاحبتها لأنها ليست أحق بذلك من الأخرى لكن غاية ما لك في ذلك أن
تتخير إحداهما فتقويها على أختها وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها وأشد أنسا بها فأما رد إحداهما بالأخرى فلا ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم: " نزل القرآن بسبع لغات كلها شاف كاف "
هذا إن كانت اللغتان في القياس سواء أو متقاربتين.
فإن قلت إحداهما جدا وكثرت الأخرى جدا أخذت بأوسعهما رواية وأقواهما قياسا ألا ترى أنك لا تقول: المال لك ولا مررت بك قياسا على قول قضاعة المال له ومررت به ولا أكرمتكش قياسا على قول من قال: مررت بكش.
فالواجب في مثل ذلك استعمال ما هو أقوى وأشيع ومع ذلك لو استعمله إنسان لم يكن مخطئا لكلام العرب فإن الناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطيء لكنه مخطيء لأجود اللغتين فإن احتاج لذلك في شعر أو سجع فإنه غير ملوم ولا منكر عليه ". انتهى
وفي شرح التسهيل لأبي حيان:
" كل ما كان لغة لقبيلة قيس عليه ".
(الثالثة)
إذا تعارض ارتكاب شاذ ولغة ضعيفة فارتكاب اللغة الضعيفة أولى من الشاذ ذكره ابن عصفور.
(الرابعة)
قال ابن الأنباري:
" إذا تعارض قياسان أخذ بأرجحهما
وهو ما وافق دليلا آخر من نقل أو قياس.
فأما الموافقة للنقل فكما تقدم.
وأما الموافقة للقياس فكأن يقول الكوفي: إن (أن) تعمل في الاسم النصب لشبه الفعل ولا تعمل في الخبر الرفع بل الرفع فيه بما كان يرتفع به قبل دخولها.
فيقول البصري:
هذا فاسد لأنه ليس في كلام العرب عامل يعمل في الاسم النصب إلا ويعمل الرفع فما ذهبت إليه يؤدي إلى ترك القياس ومخالفة الأصول لغير فائدة
وذلك لا يجوز ".
(الخامسة)
قال في الخصائص:
" إذا تعارض القياس والسماع نطقت بالمسموع على ما جاء عليه ولم تقسه في غيره نحو: (استحوذ عليهم الشيطان) فهذا ليس بقياس لكنه لابد من قبوله لأنك إنما تنطق بلغتهم وتحتذي في جميع ذلك أمثلتهم، ثم أنك من بعد لا تقيس عليه غيره فلا تقول في استقام: استقوم ولا في استباع: استبيع ".
(السادسة)
قال في الخصائص:
" إذا تعارض قوة القياس وكثرة
الاستعمال قدم ما كثر استعماله ولذلك قدمت اللغة الحجازية على التميمية لأن الأولى أكثر استعمالا ولذا نزل بها القرآن وإن كانت التميمية أقوى قياسا فمتى رابك في الحجازية ريب من تقديم أو تأخير فزعت إذ ذاك إلى التميمية ".
(السابعة)
قال في الخصائص:
" باب في الشيء يرد فيوجب له القياس
حكما ويجوز أن يأتي السماع بضده أنقطع أم نتوقف إلى أن يرد السماع بجلية حاله؟
قال: وذلك نحو: نون (عنبر) فالمذهب أن نحكم في نونه بأنها أصل لوقوعها موضع الأصل مع تجويزنا أن يرد دليل على زيادتها كما ورد في (عنسل) ما قطعنا به على زيادة نونه وكذلك
ألف (آءة) حملها الخليل على أنها منقلبة عن واو حملا على الأكثر ولسنا ندفع مع ذلك أن يرد شيء من السماع نقطع معه بكونها منقلبة عن ياء ".
وقال في موضع آخر:
" باب في الحمل على الظاهر، وإن أمكن أن يكون المراد غيره حتى يرد ما يبين خلاف ذلك:
إذا شاهدت ظاهرا يكون مثله أصلا أمضيت الحكم على ما شاهدت من حاله وإن أمكن أن يكون الأمر في
باطنه بخلافه ولذلك حمل سيبويه (سيدا) على أنه مما عينه ياء فقال في تحقيره (سييد) عملا بظاهره مع توجه كونه فعلا مما عينه واو كـ (ريح) و (عيد) ".
(الثامنة)
" في تعارض الأصل والغالب "
إذا تعارض أصل وغالب في مسألة جرى قولان والأصح العمل بالأصل كما في الفقه.
ومن أمثلته في النحو ما ذكره صاحب الإفصاح: إذا وجد
فُعَل العلم ولم يعلم أصرفوه أم لا؟ ولم يعلم له اشتقاق ولا قام عليه دليل ففيه مذهبان:
مذهب سيبويه صرفه حتى يثبت أنه معدول لأن
الأصل في الأسماء الصرف وهذا هو الأصح.
ومذهب غيره المنع لأنه الأكثر في كلامهم.
ومنها ما ذكره أبو حيان في (شرح التسهيل): أن رحمان ولحيان هل يصرف أو يمنع؟
مذهبان والصحيح صرفه لأنا قد جهلنا النقل فيه عن العرب والأصل في الأسماء الصرف فوجب العمل به.
ووجه مقابله أن ما يوجد من فعلان الصفة غير مصروف في
الغالب والمصروف منه قليل فكان الحمل على الغالب أولى. هذه عبارته.
(التاسعة)
"في تعارض أصلين"
قال في الخصائص:
والحكم في ذلك مراجعة الأصل الأقرب دون الأبعد.
من ذلك قولهم في ضمة الذال من قولك: ما رأيته مذ اليوم فإن أصلها السكون فلما حركت لالتقاء الساكنين ضموها ولم يكسروها لأن أصلها الضم في منذ وإنما ضمت فيها لالتقاء الساكنين إتباعا لضمة الميم.
فأصلها الأول وهو الأبعد السكون وأصلها الثاني وهو الأقرب الضم فضمت الذال من
(مذ) عند التقاء الساكنين ردا إلى إلى الأصل الأقرب وهو ضم منذ دون الأبعد الذي هو سكونها قبل أن تحرك المقتضي مثله للكسر لا للضم.
ومن ذلك قولهم بعت وقلت فهذه معاملة على الأصل الأقرب دون الأبعد لأن أصلهما فعل بفتح العين: بيع وقول ثم نقلا من فعَل إلى فعِل وفعُل ثم قلبت الواو والياء في فعلت ألفا فالتقى ساكنان: العين المعتلة المقلوبة ألفا ولام الفعل فحذفت العين للالتقائهما فصار التقدير: قلت وبعت ثم نقلت الضمة والكسرة إلى الفاء لأن أصلهما قبل القلب فعلت وفعلت فصار بعت وقلت مراجعة الأصل الأقرب ولو روجع الأبعد لقيل: قلت وبعت بفتح الفاء لأن أول أحوال هذه العين إنما هو الفتح الذي أبدل منه الضم والكسر ".
(العاشرة)
إن تعارض استصحاب الحال مع دليل آخر من سماع أو قياس فلا عبرة به.
ذكره ابن الأنباري في كتابه.
(الحادية عشر)
"في تعارض قبيحين"
قال في الخصائص:
" إذا حضر عندك ضرورتان لابد من ارتكاب إحداهما فأت بأقربهما وأقلهما فحشا وذلك كواو (ورتل) أنت فيها بين ضرورتين:
إما أن تدعي كونها أصلا والواو لا تكون أصلا في ذوات الأربعة إلا مكررة كـ (الوصوصة) و (والوحوحة).
وإما أن تتدعي كونها زائدة والواو لا تزاد أولا.
فجعلها أصلا أولى من جعلها زائدة لأنها لا تكون أصلا في ذوات الأربعة في حالة ما وهي حالة التكرير وكونها زائدة أولا لا يوجد بحال.
وكذلك إذا قلت: (فيها قائما رجل) لما كنت بين أن ترفع
(قائما) فتقدم الصفة على الموصوف وهذا لايكون بحال وبين أن تنصبه حالا من النكرة وهو على قلته جائز حملت المسألة على الحال فنصبت ". انتهى.
(الثانية عشر)
إذا تعارض مجمع عليه ومختلف فيه فالأول أولى.
مثال ذلك: إذا اضطر في الشعر إلى قصر ممدود أو مد مقصور فارتكاب الأول أولى لإجماع البصريين والكوفيين
على جوازه ومنع البصريين الثاني.
(الثالثة عشر)
إذا تعارض المانع والمقتضي قدم المانع
من ذلك ما وجد فيه سبب الإمالة ومانعها لا تجوز إمالته.
و (أي) وجد فيها سبب البناء وهو مشابهة الحرف ومنع منها لزومها للإضافة التي هي من خصائص الأسماء فامتنع البناء.
والمضارع المؤكد بالنون وجد فيه سبب الإعراب ومنع منه النون التي هي من خصائص الأفعال.
واسم الفاعل إذا وجد شرط إعماله وهو الاعتماد وعارضه المانع من تصغير أو وصف قبل العمل امتنع إعماله.
(الرابعة عشر)
"في القولين لعالم واحد"
قال في الخصائص:
"إذا ورد عن عالم في مسألة قولان فإن كان أحدهما
مرسلا والآخر معللا أخذ بالمعلل وتؤول المرسل كقول سيبويه في غير موضع في التاء من (بنت وأخت) إنها للتأنيث.
وقال في باب ما لا ينصرف إنها ليست للتأنيث وعلله بأن ما قبلها ساكن وتاء التأنيث في الواحد لا يكون ما قبلها ساكنا إلا أن يكون ألفا كفتاة وقناة وحصاة والباقي كلع مفتوح كرطبة وعنبة وعلامة ونسابة.
قال فلو سميت رجلا بـ (بنت) و (أخت) لصرفته.
قال ابن جني: فمذهبه الثاني وقوله للتأنيث محمول على التجوز لأنها لا توجد في الكلمة إلا في حال التأنيث وتذهب بذهابه لا أنها في نفسها زائدة للتأنيث بل أصل كتاء (عفريت وملكوت) فإنها بدل لام (أخ وابن) إذ أصلهما: أخو وبنو.
وإن لم يعلل واحدا منهما نظر إلى الأليق بمذهبه والأجرى على قوانينه فيعتمد ويتأول الآخر إن أمكن كقول سيبويه: (حتى) الناصبة للفعل وقوله: إنها حرف جر فإنهما متنافيان إذ عوامل الأسماء لا تباشر الأفعال فضلا عن أن تعمل فيها وقد عد الحروف الناصبة للفعل ولم يذكر فيها (حتى) فعلم بذلك أن (أن) مضمرة عنده بعد (حتى) كما تضمر مع اللام الجارة في نحو (ليغفر لك الله).
وإن لم يمكن التأويل فإن نص فإن نص في أحدهما على الرجوع عن
الآخر علم أنه رأيه والآخر مطرح وإن لم ينص بحث عن تاريخهما وعمل بالمتأخر والأول مرجوع عنه.
فإن لم يعلم التاريخ وجب سبر المذهبين والفحص عن حال القولين فإن كان أحدهما أقوى نسب إليه أنه قوله إحسانا للظن به وأن الآخر مرجوع عنه.
وإن تساويا في القوة وجب أن يعتقد أنهما رأيان له وأن الدواعي إلى تساويهما عند الباحث عنهما هي الدواعي التي دعت القائل بهما إلى أن اعتقد كلا منهما.
وكان أبو الحسن الأخفش يقع له ذلك كثيرا حتى إن
أبا علي {الفارسي} كان إذا عرض له قول عنه يقول: لابد من النظر في إلزامه إياه لأن مذاهبه كثيرة.
وكان أبو علي يقول في (هيهات): أنا أفتي مرة بكونها اسما للفعل كـ (صه ومه) وأفتي مرة بكونها ظرفا على قدر
ما يحضرني في الحال.
قال أبو علي: وقلت لأبي عبد الله البصري يوما: أنا أعجب من هذا الخاطر في حضوره تارة ومغيبه أخرى وهذا يدل على أنه لابد من تقديم النظر النظر ".
انتهى كلام (الخصائص) ملخصا.
(الخامسة عشر)
"فيما رجحت به لغة قريش على غيرها"
قال الفراء: كانت العرب تحضر الموسم في كل عام وتحج البيت في الجاهلية وقريش يسمعون جميع لغات العرب فما استحسنوه من لغاتهم تكلموا به فصاروا أفصح العرب وخلت
لغتهم من مستبشع اللغات ومستقبح الألفاظ.
من ذلك الكشكشة وهي في ربيعة ومضر يجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شينا فيقولون رأيتكش وبكش وعليكش.
فمنهم من يثبتها حال الوقف فقط وهو الأشهر ومنهم من يثبتها في الوصل أيضا ومنهم من يجعلها مكان الكاف ويكسرها
في الوصل ويسكنها في الوقف فيقول منش وعليش.
ومن ذلك الكسكسة وهي في ربيعة ومضر يجعلون بعد الكاف أو مكانها في المذكر سينا على ما تقدم وقصدوا بذلك الفرق بينهما.
ومن ذلك العنعنة وهي في كثير من العرب في لغة قيس وتميم يجعلون الهمزة المبدوء بها
عينا فيقولون في أنك: عنك وفي أسلم: عسلم وفي إذن: عذن.
ومن ذلك الفحفحة في لغة هذيل يجعلون الحاء عينا.
ومن ذلك الوكم في لغة ربيعة وقوم من كلب يقولون عليكم عليكم وبكم حيث كان قبل الكاف ياء أو كسرة.
ومن ذلك العجعجة في قضاعة يجعلون الياء المشددة جيما يقولون في تميمي: تميمج.
ومن ذلك الاستنطاء لغة سعد بن بكر وهذيل والأزد وقيس والانصار يجعلون العين الساكنة نونا إذا جاورت الطاء كـ (أنطى) في (أعطى).
ومن ذلك الوتم في لغة اليمن تجعل السين تاء
كـ (النات) في (الناس).
ومن ذلك الشنشنة في لغة اليمن تجعل الكاف شينا مطلقا كـ (لبيش اللهم لبيش) أي لبيك.
ومن العرب من يجعل الكاف جيما كـ (الجعبة) يريد الكعبة. أورده ياقوت في معجم الأدباء.
(السادسة عشرة)
"في الترجيح بين مذهب البصريين والكوفيين "
اتفقوا على أن البصريين أصح قياسا لأنهم لا يلتفتون إلى كل مسموع ولا يقيسون على الشاذ والكوفيين أوسع رواية.
قال ابن جني:
" الكوفيون علامون بأشعار العرب مطلعون عليها ".
وقال أبو حيان في مسألة العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار: الذي يختار جوازه لوقوعه في كلام العرب كثيرا نظما ونثرا ".
وقال: " ولسنا متعبدين باتباع مذهب البصريين بل نتبع الدليل ".
وقال الأندلسي في (شرح المفصل):
" الكوفيون لو سمعوا بيتا واحدا فيه جواز شيء مخالف للأصول جعلوه أصلا وبوبوا عليه بخلاف البصريين ".
قال:
" ومما افتخر به البصريون على الكوفيون أن قالوا: نحن نأخذ اللغة من حوشة الضباب وأكلة اليرابيع
وأنتم تأخذونها عن أكلة الشواء وباعة الكواميخ ".