الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع التاسع والعشرون
معرفة الإسناد العالي والنازل
ولما كان الإسناد من خصائص هذه الأمة، وذلك أنه ليس أمة من الأمم يمكنها أن تسند عن نبيها إسناداً متصلاً غير هذه الأمة.
فلهذا كان طلب الإسناد العالي مرغباً فيه، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: الإسناد سنة عمن سلف.
وقيل ليحيى بن معين في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: بيت خالي، وإسناد عالي.
ولهذا تداعت رغبات كثير من الأئمة النقاد، والجهابذة الحفاظ، إلى الرحلة إلى أقطاب البلاد، طلباً لعلو الإسناد. وإن كان قد منع من جواز الرحلة بعض الجهلة من العباد، فيما حكاه الرامهُرمُزي في كتابه الفاصل.
ثم إن علو الإسناد أبعد من الخطأ والعلة من نزوله. وقال بعض المتكلمين: كلما طال الإسناد كان النظر في التراجم والجرح والتعديل أكثر فيكون الأجر على قدر المشقة.
وهذا لا يقابل ما ذكرناه والله أعلم.
وأشرف أنواع العلو ما كان قريباً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأما العلو بقربه إلى إمام حافظ، أو مصنف، أو بتقدم لسماع: فتلك أمور نسبية.
وقد تكلم الشيخ أبو عمر هاهنا على " الموافقة "، وهي: انتهاء الإسناد إلى شيخ مسلم مثلاً. " والبدل "، وهو: إنتهاءه إلى شيخ شيخه أو مثل شيخه. " والمساواة "، وهو: أن تساوي في إسنادك الحديث لمصنف. " والمصافحة " وهي: عبارة عن نزولك عنه بدرجة حتى كأنه صافحك به وسمعته منه.
وهذه الفنون توجد كثيراً في كلام الخطيب البغدادي ومن نحا نحوه، قد صنف الحافظ ابن عساكر في ذلك مجلدات. وعندي أنه نوع قليل الجدوى بالنسبة إلى بقية الفنون.
فأما من قال: إن العالي من الإسناد ما صح سنده، وإن كثرت رجاله -: فهذا اصطلاح خاص، وماذا يقول هذا القائل فيما إذا صح الإسنادان، لكن أقرب رجالاً؟ وهذا القول محكي عن الوزير نظام الملك، وعن الحافظ السلفي.
وأما النزول فهو ضد العلو، وهو مفضول بالنسبة إلى العلو. اللهم إلا أن يكون رجال الإسناد النازل أجل من رجال العالي، وإن كان الجميع ثقات.
كما قال وكيع لأصحابه: أيما أحب إليكم: الأعمش عن أبي وائل عن؟ ابن مسعود، أو سفيان عن منصور إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود؟ فقالوا: الأول، فقال: الأعمش عن أبي وائل: شيخ عن شيخ، وسفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود: فقيه عن فقيه، وحديث يتداوله الفقهاء أحب إلينا مما يتداوله الشيوخ.