المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح تأليف: زيادة بن يحيى - البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح

[زيادة الراسي]

الفصل: البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح تأليف: زيادة بن يحيى

البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح

تأليف: زيادة بن يحيى الراسي

تحقيق: سعود بن عبد العزيز الخلف

بسم الله الرحمن الرحيم

ال‌

‌مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:

فإن الله أرسل نبيه ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون. وجعل سبحانه وتعالى في هذا الدين بينات الهدى، ودلائل الرشاد ظاهرة واضحة لمن نظر إليها بعين بصيرة.

وقد اهتدى بتلك الدلائل أمم من ورائها أمم، فتح الله بصائرهم على النور والهدى، فتركوا الغواية والضلالة، وسلكوا سبيل السعادة والفلاح.

والمهتدون للحق طوائف، وأصناف شتى من الناس، فيهم الرئيس والمرؤوس، والعالم وغير العالم، والحر والعبد، والذكر والأنثى، حتى عم هذا النور والهدى أرجاء الأرض، ودخل الناس في دين الله أفواجاًًًًًًًًً تلو أفواج.

وكان من أولئك المهتدين من هو رأس في العلم في أهل ملته، وخاصة من اليهود والنصارى، ممن سلموا من الحسد والكبر، ممن كتب

ص: 7

ومن الملاحظ أن من ذكرناهم وغيرهم كثير لم يكونوا من عوام الناس، وإنما هم رؤوس أهل ملتهم السابقة، فلم تكن تنقصهم دنيا ولا مكانة اجتماعية، كما لا ينقصهم الذكاء والفهم، بل ربما بإسلامهم يفقدون كل الأمور الدنيوية، التي كانت محققة لهم أوضاعاً اجتماعية عالية، بل قد يعرضون أنفسهم للقتل، ومع كل هذا لم يتحملوا الاستمرار على تلك الحال فيغشوا أنفسهم ببقائهم على الباطل بعد أن اقتنعوا قناعة تامة بالإسلام، فأعلنوا إسلامهم متحملين في سبيل ذلك الضرر الجسدي والمادي الذي قد يتعرضون له، بل إنهم قاموا بالدفاع عن الإسلام والدعوة إليه، والهجوم على أديانهم السابقة الباطلة وفضحها، حتى يؤدوا بعض الواجب الملقى على عواتقهم بدخولهم في الإسلام.

وهذا كله دليل واضح على أن الإسلام هو الدين الحق، وأن براهين صحته وشرفه وكماله متوفرة بكثرة في كتابه وتعاليمه، ولا يعمى عنها إلا أعمى البصيرة، فاقد الحس بسبب الهوى وحب الدنيا.

وكان من هذه الطائفة المباركة، التي اهتدت إلى الإسلام، بتوفيق الله وهدايته ورحمته بعد نظر وتمحيص وبحث وتحقيق وتدقيق؛ الشيخ زيادة ابن يحيى النصب الراسي، الذي كان فيما يظهر من رجال دين النصارى وذوي العلم فيهم، ولكن الباطل لجلج، في ثناياه أدلة بطلانه وبراهين فساده وتهافته، ولا يحتاج إلا إلى قريحة صحيحة، ورغبة جادة في الحق، ليسطع

ص: 8

في قلب الإنسان النور والحق، يضيء له الظلمات، ويطفيء الشبهات والشهوات، ولا يحتاج إلا إلى عزيمة رجل يشتري الآخرة بالدنيا.

وهذا ما كان من الشيخ زيادة بن يحي، الذي اتضح له الحق فأعلن إسلامه، وبدأ يدعو إلى هذا الدين بالقدر والطاقة التي مكنه الله منها، ووصل إلى علمنا من جهده في ذلك كتابان:"البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح"، وكتاب "الأجوبة الجلية في دحض الدعوات النصرانية".

أما الكتاب الأول، وهو "البحث الصريح" فهو موضوع التحقيق في هذا الكتاب، وأما الكتاب الثاني، وهو "الأجوبة الجلية" فلم أقف له على أثر، وإنما وقفت على تلخيص له للشيخ "محمد بن عبد الرحمن الطيِّببي الدمشقي"1.

وقد قسمت عملي في الكتاب إلى قسمين:

القسم الأول: دراسة المؤلف والكتاب، وجعلته في فصلين:

الفصل الأول؛ يتضمن التعريف بالمؤلف: اسمه ومولده ونشأته ووفاته، وإسلامه، وعلمه، ومصنفاته.

الفصل الثاني: دراسة الكتاب، وفيه ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: في موضوع الكتاب.

1 سيأتي التعريف به في مصنفات المؤلف.

ص: 9

المبحث الثاني: في وصف النسخ الخطية.

المبحث الثالث: عملي في الكتاب.

القسم الثاني: تحقيق النص.

مما تجدر الإشارة إليه أن لغة الكتاب ركيكة جداً، وأخطاؤه اللغوية لا تكاد تحصر من كثرتها، وهذا أخذ مني جهداً كبيراً في تفهم مقصد المصنف وتصحيح عباراته، وكان ذلك من أكبر العقبات التي واجهتني في الكتاب.

فآمل أن أجد لدى القارئ العذر فيما لو وقف على ركاكة في العبارة فاتت، أو خطأ لغوي لم أتنبه له، لكثرة ذلك، وحسبي أني اجتهدت.

وكان الشيخ محمد الطيّّّّبي في تلخيصه لكتاب "البحث الصريح" قد عانى من ذلك، فقال -بعد أن ذكر نقل مصطفى بيك، ويوسف شاتيلا لكتابي المؤلف- "فلم يسلما من التحريف الذي يتعسر معه فهم المعنى في كثير من المواضع

، وقال: وربما لا تخلو رسالتي عن ركاكة في بعض المواضع سرت إلي من تحريف الأصل".1

هذا وأسأل الله عز وجل أن يجزي مؤلف الكتاب الشيخ زيادة بن يحيى خير الجزاء، بما أظهر في كتابه هذا من النصيحة الصادقة في هداية النصارى، والدفاع عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والدعوة إلى الحق، وأن يتجاوز

1 خلاصة الترجيح للدين الصحيح. بهامش إظهار الحق 2/71.

ص: 10

الله لهم الهداية، فإذا اهتدوا إلى الإسلام شعروا بعظيم الضلالة التي كانوا عليها، فيجتهدون في نصرة دين الإسلام ودعوة بني جنسهم، فيصدق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"1.

فيصبح هؤلاء المهتدون خيار الذين أسلموا من اليهود والنصارى، ويبذلون في نصرة الإسلام مثل أو أكثر مما كانوا بذلوا في نصرة أديانهم الباطلة.

ولا شك أن من أوسع المجالات أمام أهل العلم منهم هو فضح الباطل وأهله، والتركيز على نقاط الضلالة في أديانهم السابقة، وإبرازها لتحذير الناس ودعوتهم، ويكون أولئك المهتدون خير من يدعو إلى الإسلام، ويحذر من الأديان الباطلة بتلك الوسيلة، لأن أهل الدار أعرف بما فيها، فقد كانوا يهوداً أو نصارى فيعرفون ما لا يعرفه غيرهم بحكم علمهم المتعمق في الديانة، واحتكاكهم المباشر بأهل ملتهم، وخاصة في ديانة يدعي أصحابها بأنّها ذات أسرار مثل النصرانية، فيكون لدعوتهم وقع مؤثر يستجيب له العديد من أصحاب الملل الباطلة.

كما أن تحول بعض أهل العلم من الأديان الباطلة إلى الإسلام ودخولهم فيه، ونصرتهم له، من الأدلة الظاهرة على أن الإسلام حق لا ريب

1 صحيح البخاري 6/446.كتاب أحاديث الأنبياء.

ص: 11

فيه، وأن التحول لم يتم إلا بعد القناعة التامة بصحة الإسلام، فيكون هذا المهتدي شاهداً على قومه وحجة عليهم.

ومن المعلوم أن الاهتداء للإسلام من قبل بعض علماء اليهود والنصارى واكب ظهور الإسلام، واستمر وسيستمر إلى يوم القيامة، مادام في الأرض عقلاء يريدون الحق ويبحثون عنه.

وكان من أوائل المهتدين عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وقد كان سيد اليهود وكبيرهم وابن كبيرهم في المدينة، وإسلامه حجة على جميع اليهود إلى يوم القيامة.

وممن أسلم من كبار النصارى وملوكهم النجاشي ملك الحبشة، وذلك في العهد المكي، بعد أن اتصل بالإسلام عن طريق مهاجرة الحبشة من الصحابة رضي الله عنهم.

ومنهم علي بن ربّن الطبري، الذي اهتدى للإسلام في عهد أبي جعفر المنصور، وكان قبل إسلامه نصرانياً ذا علم بالفلسفة والطب، وكتب في الدعوة إلى الإسلام كتابه "الدين والدولة"، و"الرد على أصناف النصارى".

والسموأل بن يحيى المغربي المهتدي، كان من أحبار اليهود، عالماً بالطب، توفي سنة 570هـ، وله كتاب "إفحام اليهود".

ص: 12

ومنهم اللورد هدلي الفاروق، الذي كان عضواً في مجلس اللوردات البريطاني، وأعلن إسلامه عام 1913هـ، وتسمى برحمة الله الفاروق، وكتب كتاباً في الإسلام "رجل من الغرب يعتنق الإسلام".

وناصر الدين دينيه الفرنسي، كان نصرانياً رساماً مبرزاً، أسلم عام 1927م، وكتب كتاباً سماه "أشعة خاصة بنور الإسلام"، وتوفي سنة 1929م.

وعبد الأحد داود، الذي كان كاهناً كلدانياً، حصل على أستاذ في علم اللاهوت وزعيم طائفة الروم الكاثوليك لطائفة الكلدانيين، وكتب كتابيه "الإنجيل والصليب"، و"محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس ".

والقس إبراهيم خليل الذي كان قساً في كنيسة "بافور" الإنجيلية بأسيوط مصر، وكان له نشاط تنصيري كبير، وأعلن إسلامه سنة 1959م، وله كتب عديدة في الدعوة إلى الإسلام، منها:"محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والقرآن"، و"المستشرقون والمبشرون في العالم الإسلامي" و"ومحاضرات في مقارنة الأديان"، و"المسيح في التوراة والإنجيل والقرآن" 1، وغيرها من الكتب. وغير هؤلاء كثير ممن لا يحصي عددهم إلا الله عز وجل.

1 انظر في ذلك: ((جهود من أسلم من النصارى في كشف فضائح النصرانية)) رسالة دكتوراه. الجامعة الإسلامية. ص2-21.

ص: 13

عن سيآته ويغفر له زلاته. كما أسأله أن يتقبل مني عملي في الكتاب، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم، كما أسأله أن يجزي خيراًًً كل من أعانني على إنجازه وإتمامه بإعارة كتاب أو إرشاد إلى معلومة أو طباعة أو تصحيح، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وكتبه: سعود بن عبد العزيز الخلف.

1422/11/25هـ

ص: 14