الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: الرد على مطاعن النصارى في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
رد على ما يدعيه النصارى1 ويتوهمونه، بأن نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم قد حصل منه أمور منافية، وغير حسنة، منقولة من القرآن الشريف، مع كون أن مثل هذه الدعاوى، والأمور الملحوظة فيه، قد وجدت مفعولة من الأنبياء الذين سبقوه وأبلغ منها، كما تشهد بذلك كتبهم، ولم تحسب منافية ولا غير حسنة.
أقول: إن دعوى النصارى على نبينا صلى الله عليه وسلم، بأنه قد حصل منه أمور منافية، وغير حسنة، هي دعوى غير صحيحة [لأنهم] :
أولاً: يدعون بأن نبينا الأعظم صلى الله عليه وسلم كان قصده فيما ادعاه ليس روحانياً، بل كان يقصد (غاية جسدية) ؛ (وهذه الغاية هي التي لأجلها ادعى) 2 النبوة، مثل اتخاذ امرأة زيد، (ومثل تزوجه بعدة نساء) 3، وأنه كان يميل إلى الملاذ الجسدية.
1 في. ت ((ضد الله تعالى " وليست في. د ولامعنى لها.
2 في النسختين الجملة هكذا ((وهو الذي يحمله على ذلك؛ لأجل أن يدعي النبوة" وهي ركيكة واستقامتها كما أثبت.
3 في النسختين ((ومثل اتخاذه نساء بعدد أكثر من واحدة". وفصاحتها ما أثبت.
والحال أن الأخذ من النساء أكثر من واحدة (لم يكن) ممنوعاً في قبيلته وبني جنسه، حتى (يدعي النبوة) 1، لأجل أن يأخذ أكثر من واحدة، لاسيما وأن سيدنا إبراهيم عليه السلام وأولاده قد [ورد] عنهم في التوراة أنهم أخذوا نساءً كثيرات، حتى (إني) لأقول إن سيدنا سليمان2، وأباه داود قد أخذا نساءً بعدد وافر، ولم يحسب لهما ذلك ذنباً.
(وفي ابتداء النصرانية قد كتب بولس إلى تيطس "بأن ينتخب الأسقف رجل امرأة واحدة"3. ويظهر من ذلك أن النصارى مباح لهم (أخذ) أكثر من امرأة واحدة) .
وثانيا: عن اتخاذه امرأة زيد (زوجة) ، وأنه قد جاء عليه الأمر (بتزوجها) ، وعلى زعمهم أن هذا الشئ غير لائق.
والحال أنّ هذه عادة كانت جارية عند العرب وعند اليهود أيضاً، أن يأخذوا نساء غيرهم بعد أن يتركوا من رجالهم، وهذا الترك هو
1 في النسختين ((يستدري بنبوته" وصوابها ما أثبت.
2 الملوك الأول 3:11، وفيه عن سليمان عليه السلام وكانت له سبعمائة من النساء السيدات وثلاثمائة من السراري.
3 تيطس 6:1.
المسمى طلاقاً، ومن فحوى آية الأحزاب 1 ترى هذا الجواب. *
(قالت توراتكم في سفر الملوك الثاني2 في الإصحاح الثالث عن داود عليه السلام، وأنه أخذ ابنة شاؤل، التي كان اسمها ميكال من زوجها
1 آية الأحزاب قوله تعالى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [آية37] ويتضح من الآية الكريمة أن حكمة هذا الزواج هو إلغاء العادة التي تعارف عليها العرب، وهي اعتبار الابن بالتبني كالابن الصلبي، وكان زيد بن حارثة رضي الله عنه ابناً للنبي صلى الله عليه وسلم بالتبني، فألغى الله تعالى هذا بقوله في أول السورة {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} [آية4] . فلما تزوج زيد زينب وطلقها، زوجها الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم لإلغاء تلك العادة عملياً، كما هو صريح الآية {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً} . انظر: تفسير ابن كثير 3/458.
(*) حاشية: (اعلم أن زيداً كان النبي صلى الله عليه وسلم تبناه، ولما طلق زيد امرأته حسب العادة الجارية، فطلبت أن رسول الله يتزوجها فتمنع عن أخذها؛ لأنها كانت تحسب عند العرب أنها كنته ومحرمة عليه، فأتاه جبرائيل بصورة تحليلها له صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك تشريعاً لأمته، حتى إذا كان لأحد من المسلمين امرأة، وكان عندها غلام متبنياً له وتزوج هذا الغلام ثم طلق امرأته، فيجوز لزوج المرأة أن يتخذ المرأة المطلقة من الغلام امرأة له، بتوضيح أنها ليست كنة شرعية، بل كنة بالتبني) . (1)
2 هو صموئيل الثاني 12-16:3.
................
1 هذا غير صحيح أنها طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، وإنما الله تعالى أنكحه إياهاكما هو ثابت في سورة الأحزاب، مع ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخشاه، من أن يقال إنه تزوج امرأة ابنه بالتبني.
"فليطال بن ليش"1، من دون أن تطلق من زوجها، وما حسبت التوراة ذلك ذنباً على داود} ، كما قررنا أن هذه العادة المستمرة عند اليهود والعرب، أي الطلاق قد جاء به الأمرفي التوراة2، ومثبت في القرآن الشريف3. وقد تزورون أن عيسى منعه، وقد استجازه في الزنا4 فقط، وأنه قال: "في البدء خلقهما ذكراً وأنثى والذي زوجه الله5.... " إلى آخره.
1 في العهد القديم ((فلطيئيل بن لايش".
2 التثنية 1:24، وفيه ((إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء، وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته، ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر ".
3 الآيات في القرآن عن الطلاق كثيرة، منها {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} الآيات. (البقرة 229)
4 متى 32:5.
5 مرقس 6:10،وفيه ((ولكن من بدء الخليقة ذكراً وأنثى خلقهما الله من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً، إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد، فالذي جمعه الله لايفرقه إنسان".
والحال إن كان هذا (القول قاله) عيسى، فيلزمه أن يتزوج هو أيضاً، لأن هذا القول يلزم منه مع منع الطلاق وجوب الزواج له وللرهبان1.
وعلى أي حال كان لم يحسب ذلك ذنباً، لأن رجال الله الصالحين الذين سبقوا نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم قد تتهمونهم بأنهم عملوا أموراً منافية للشريعة وللطبيعة، ولم يخطئهم كتابكم، وذلك كتزوج سيّدنا إبراهيم للسيدةسارة، التي كانت أخته من أبيه، وليست من أمه، الموجود شرحها في الإصحاح العشرين، والعدد الثاني عشر من سفر التكوين2
1 في. د حاشية ليست موجودة في. ت، وهي ((اعلم أن معنى (كلام) المؤلف - رحمه الله تعالى- منحصر بكلام وجيز، ومعناه كيف يترك الرهبان كلام التوراة ويخالفونه ويضادونه، وهو مكرر من المسيح (وذلك بتركهم للزواج) مع أنه قيل، إنه في البدء خلقهما ذكراً وأنثى ".
2 هكذا زعموا في التوراة، والصحيح كما روى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:"لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: قوله حين دعي إلى آلهتهم، فقال: {إِنِّي سَقِيمٌ} ، وقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} ، وقوله لسارة: ((إنها أختي". قال: ودخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك، أو جبار من الجبابرة، فقيل: دخل إبراهيم الليلة بإمرأة من أحسن الناس، قال: فأرسل إليه الملك الجبار من هذه معك؟ قال: أختي، قال: فأرسل بها إليه، وقال: لا تكذبي قولي، فإني قد أخبرته أنك أختي، إنه ليس على الأرض مؤمن غيري وغيرك. " الحديث. فعليه قوله: أختي إنما هي الأخوة في الدين، أما قرابتها منه فقد قال ابن كثير: إن المشهور أن سارة ابنة عمه هاران. انظر: البداية والنهاية 1/154.
وكيعقوب عليه السلام الذي تزوج الأختين معاً 1، وكيهوذا ابن سيدنا يعقوب الزاني بكنته2 ومن ذريته منها بالزنا كان المسيح، كما هو مصرح في التوراة والإنجيل3، وسيدنا لوط المقول [عنه] عندكم إنه سكر وزنى بابنتيه وحبلتا منه، كما هو مصرح في التوراة 4. وسكر سيّدنا نوح5، وأمثال ذلك كثير،
1 التكوين 29: 15-31
2 هي ثامار زوجة ابنه المتوفى، وانظر قصتها مع يهوذا في التكوين (38) .هكذا زعموا.
3 إنجيل متى 3:1.
4 في سفر التكوين 30:19-38، وحاشا نبي الله لوط عليه السلام من هذه الفعلة الشنيعة، ولعنة الله على اليهود الذين افتروا عليه هذه الفرية، وقد برأه الله عز وجل كما برأ أهله بوصفهم بالطهارة أيضاً. قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (النمل 56) . وإنما افترى اليهود هذه الفرية من أجل أن يطعنوا في قوم من أعدائهم المؤابين والعمونيين، حيث زعموا أن ابنتي لوط إحداهما أنجبت مؤاب جد المؤابيين، والأخرى بن عمي جد بني عمون.
5 في سفر التكوين 9:20- 27، وحاشا نبي الله نوح عليه السلاممن هذه الفعلة، وقد وصفه الله تعالى بقوله {إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} . واليهود قوم بهت، وإنما طعنوا في هذا النبي الكريم لأجل أن يتوصلوا إلى لعن كنعان جد الكنعانيين، وفي هذا يقولون:"فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجا، فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء وسترا عورة أبيهما. فلما استيقظ نوح من خمره علم مافعل به ابنه الصغير، فقال: ملعون كنعان عبد العبيد يكون لأخوته.. "
ويتضح من هذا الكلام كذب اليهود وغبائهم، كيف يلعن نوح عليه السلام كنعان ابن حام، والذي أبصر عورته في دعواهم هو حام أبوه، كما أن لحام أبناء آخرين، وهم في دعواهم "كوش"، و "مصرايم"، و "فوط"، فلماذا خص كنعان من بينهم، مع أنه لا شأن له. هذا يدل على أن اليهود افتروا هذه الفرية لأجل الطعن في الكنعانيين أعدائهم فقط.
ولم يذكرفي مفعولاتهم هذه أنهم أخطأوا فيها، وحاشا أنبياء الله من ذلك 1.
وثالثاً: قال النصارى بأن دعواه للنبوة كانت لأجل أنه كان يميل إلى الملاذ الجسدية، والحال أن ملاذ الجسد ليست من الأشياء المحرمة بذاتها والمذمومة، لأنها مخلوقة من الله سبحانه وتعالى، لأجل أن الإنسان إذا تمتع بها بالعدل يبتهج ويشكر الخالق، لأنه تبارك وتعالى خلق المخلوقات على أقسام منها، للنظر: المنظورات البهية، وللشم: المشمومات الزكية، ولحاسة الذوق: الأطعمة الشهية، ولحاسة السمع: الأخبار والأنغام المفرّحة، ولحاسة اللمس: الملموسات الناعمة الرهية2.
فهذه بالدليل العقلي، فضلاً عن الدليل النقلي أن الله سبحانه ماخلقها للإنسان إلا لكي يتمتع بها، ولو كان الأخذ من النساء أكثر من
1 في النسختين هنا " وكيف" ولا يظهر لي أن لها معنى.
2 قال في اللسان: " الرهو الساكن والرهو الواسع. والرهو: السير السهل ". اللسان 3/1759.
واحدة شيئاً ردياً ومذموماً لما (كان) الأنبياء والصالحون باشروه كإبراهيم1 وداود وسليمان 2 وغيرهم. ومحبة الملاذ لوكانت غير حسنة لما كانت الأفاضل استعملوها، لأنه مذكور في الإنجيل عمل ولائم كثيرة كقوله:"إنساناً صنع عرساً لابنه"3.
وقوله: "وعجوله المعلوفة قد ذبحت"4*، وعرس قانا الجليل الذي كان سيدنا عيسى فيه5، ويزورون عليه بأنه (حول الماء إلى الخمر حتى يسكروا، ولو كان كذلك لما ذم بولس) 6 المانعين لها، إذ قال إنه في الأيام الأخيرة " يمرق قوما يحرّمون الأطعمة التي خلقها الله"7.
ورابعاً: يدَّعون على نبينا الأعظمصلى الله عليه وسلمدعوى أخرى، وهو أنه قتل أناساً 8 في أيام دعوته، وهذا شئ غير حسن على دعواهم الباطلة.
1 لأن إبراهيم عليه السلام كما ذكر تزوج "سارة"، ثم دخل على أمتها المصرية "هاجر"، وذكر اليهود أن إبراهيم تزوج بامرأة اسمها "قطورة". انظر: تكوين 1:25.
2 سبق ذكر ذلك ص 122.
3 متى 22: 1 وفيه " إنساناً ملكاً صنع عرساً لابنه".
4 لوقا 15: 23 وفيه " وقدموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح".
(*) حاشية: اعلم (أن عيسى عليه الصلاة والسلام لم يورد هذين المثلين) إلا للترغيب، (ودليل على أنها) من الأشياء المستحسنة والمحبوبة)
5 ورد في يوحنا 2: 1-11حضور المسيح لعرس في الجليل، وتحويله الماء إلى خمر.
6 في النسختين "عمل سبباً لإيجاد الخمر وهم سكرانين حتى يكملوا سكرهم، ولاكان بولس ذم المانعين ". وفصاحتها وصوابها ما أثبت
7 بحثت عنه ولم أجده.
8 في. د " ألوفاً ".
أقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم نعم إنه قتل أناساً في مغازيه الشريفة، إلا أن قتله كان لذوي التعصب عليه المحاربين له، العاصين لشريعته الغرّاء السامية، المريدين إبطال دينه الحق، المخاتلين له، الجاعلين عليه الفتن غير هادئة، كما يوجد شرح ذلك (بالتفصيل) في القرآن الشريف عن سبب نزول الآيات الواردة بحق ذلك، وكما (نراه ينصحهم المرات العديدة) قبل قتاله لهم، ويتهددهم ويتوعدهم ويوعدهم، لكي يميلهم عن كفرهم وشرهم (وإلحاق الضرر به وبدينه الحق) 1، وحينما لم (يقبلوا قوله) 2، ولم يرجعوا عما هم عليه من الكفر والضلال والشرك، كانت تنزل
1 في النسختين " وأننا كما ننظره فيها كان المرات العديدة ينصحهم"، واستقامتها ما أثبت. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي أمراءه على الجيوش أن يدعوا المشركين إلى ثلاث خصال قبل قتالهم، فروى مسلم في صحيحه 3/1356 عن بريدةرضي الله عنه قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال:" اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولاتغلوا ولاتغدروا ولاتمثلوا ولاتقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ماأجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم..فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ".
2 في. ت "حينما لم يريدوا العطوف لقوله"، وفي. د " وحينما لم يريدوا القبول لقوله" وفصاحتها ما أثبت.
تلك الآيات الشريفة عليه حسب مقتضى الحال، تارة بأن يجادلهم بالرفق*، [بقوله {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} 1، وتارة بأن يأخذ الجزية منهم* [لتصغيرهم] ، وتارة برفع الشفقة عنهم**. بقوله تعالى له {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّم} 2 وقوله تعالى {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} 3، ومثل ذلك في القرآن العظيم كثير.
(*) حاشية: (اعلم أنّ المجادلة كانت إلى محبي الأبحاث وأهل المعارف [بالتي هي أحسن] .
1 العنكبوت آية 46.
(*) حاشية: (اعلم أنّ الأمر بأخذ الجزية كان من الذين كانوا كفاراً، ويتظاهروا بالكتاب وكانوا كامنين له الشر، حتى يذلهم ويضعف قوتهم لئلا يظهروا، كما يفهم من قوله {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون} (التوبة آية (29)[ثم ومن كونه أيضاً له سلطان، وهذه عادة ذوي السلطة] .
(**) حاشية: (اعلم [أنّ أمره تعالى] برفع الشفقة هو عن المظهرين لنبيه الشر عياناً (ويعلم ذلك من خاتمة الآية) لأنه تعالى يقول: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً} إلى آخره) .
2 التوبة آية (73)
3 التوبة آية (36) .
وعدا ذلك: أن سيدنا موسى كليم الله، ويشوع بن نون خلفه، كانا قد قتلا ألوفاً كثيرة1، ولكن مع ذلك (لم يكن) قتلهما إياهم بهذه الوجوه المذكورة2 لأنهم، أي المقتولين ما (بادروهما بالشر) 3، كما تخبر توراتهم ولا عصوا شريعتهما، لأنهما لم ينذروهم بدينهما، بل لأن سكان تلك الأرض الموعود بها موسى المقتول منهم ألوفاً بليغة، لما سمعوا بقدوم بني إسرائيل ليأخذوا تلك الأرض من أيديهم ويستعبدوهم ويطردوهم منها، للحال نهضوا للمحاماة عن أوطانهم وأنفسهم، وكان موسىعليه السلام ونوابه (لا يقتلون في حروبهم الرجال) فقط [كماكان يفعل نبينا صلى الله عليه وسلم] ، بل النساء والأولاد والأطفال، ويحرقون بعض بلدانهم وحيواناتهم وكامل أمتعتهم 4.
وكل ذلك إذا فحصنا أسبابه (إنما كان) خوفاً من استعبادهم
1 الخروج 18:17.
2 يقصد الأسباب التي كانت سبباً في قتال النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين.
3 في النسختين "ما ابتكروا معهما بالشر ". واستقامتها كما أثبت.
4 انظر: سفر يشوع 20:6 عن استيلاء يشوع بن نون على أريحا، وجاء فيه " وصعد الشعب إلى المدينة كل رجل مع وجهه، وأخذوا المدينة وحرموا كل مافي المدينة من رجل وامرأة وطفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف.. وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها".
إياهم، فكانوا يمارونهم ويحاربونهم خوفاً على أنفسهم 1 *.
وأما نبيّنا السيد الأعظم صلى الله عليه وسلم مع كون توجهه على من عصى دينه الشريف كان بأمر الله تعالى، إلا أنه مع ذلك تراه بريئاً من مثل تلك الوجوه المشروحة والمنقولة عن موسى وخلفائه.
1 في النسختين هنا "ولأن ذلك كان بأمر الله تعالى". ولا أرى لها معنى. والله أعلم.
(*) حاشية: "اعلم أن المقتولين في مغازي النبي صلى الله عليه وسلم إذا قابلتهم على المقتولين في حروب موسى عليه السلام، تراهم بالقياس كل عشرين مقتول من موسى عليه السلام يقابله واحد من نبينا صلى الله عليه وسلم، والمشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لم يقتل بيده الشريفة سوى رجل واحد مستحق القتل، لا كما قتل سيدنا موسى عليه السلام الرجل المصري ". وهذه الحاشية ليست في. ت.