الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس: (التناقضات في التوراة والإنجيل الدالة على تحريفهما)
في الشكوك الناتجة من القضايا المتناقضة، والقصور الحاصل من ركاكة الجمل الغير مرتبطة، الموجودة في كتب العهدين، المفيدة بأن التوراة والإنجيل مزوران، وذلك بأصرح عبارة وأجلى بيان.
الشك الأول
متّى الإنجيلي في الإصحاح الأول يقول: "إن يورام أولد عوزيا"1، ويناقضه سفر الأيام الأول في التوراة في الإصحاح الثالث حيث يقول إن:"ابن يورام أخزياهو وابن أخزياهو يواش وابن يواش امصيا وابن امصيا عوزيا"2.*
1 متى 8:1.
2 أخبار الأيام الأول 11:3
* حاشية: جدول الفرق:
الإنجيل متى
…
التوراة الأيام 1
يورام
…
يورام
…
أخزياهو
…
يواش
…
امصيا
عوزيا
…
عوزيا
في هذا الجدول يظهر نقص الثلاثة ملوك في الإنجيل.
شرح صورة التناقض
إن الفرق ههنا يظهر أن متّى قد نقص ثلاثة ملوك من هذه السلسلة عن سفر الأيام الأول، وهم "أخزياهو، ويواش، وامصيا"، لأن متّى ذكر أن يورام ولد عزيا، والحال أن في سفر الأيام الأول يذكر خلاف ذلك، وهو أن عوزيا هو ابن امصيا، وليس هو ابناً ليورام كما ذكره متّى، بل إن يورام هو جد جد عوزيا1.
وإن قيل في حل هذا الشك الذي هو الشك الأول: إنه مكتوب في سفر أستير، التي كان أخذها ابن عمها مردخاي من بعد موت أبيها ورباها، وصارت كابنة له2، وعلى هذا المنوال صار عوزيا ابناً ليورام.
فأقول: نعم إن "أستير" صارت بحسب التربية كابنة لمردخاي، ولكن هنا عوزيا لم يذكر عنه أن يورام ربّاه حتى إنه كان يدعى ابناً ليورام، لأن يورام كان قد مات قبل ثلاثة أجيال من ولادة عوزيا، ثم أستير لم يُقَل عنها
1 في النسختين في هذا الموضع "حاشية" وجعل كل مابعدها إلى نهاية الشك الأول من الحاشية، ولا يظهر أن ذلك صحيح لأن الكلام متصل ولا معنى لها.
2 انظر أستير 7:2.
إن [مردخاي ولدها كما قال ههنا متى: إن] يورام ولد عوزيا، بل قال: إن أستير قد صارت كابنة لمردخاي.
وأيضاً أقول: إن متّى (ثنى) 1 بتأكيد سلسلته إذ قال: "إن من داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً 2، فيظهر أن كلامه (مرتباً محدداً) 3، يريد به أن يورام ولد عوزيا بالفعل، (وليس عنده علم بنقص ثلاثة أنفار) 4 من سلسلته، الذين لو حسبهم متّى لكان ينبغي أن يكون عدد الأجيال من داود إلى سبي بابل سبعة عشر جيلاً.
وإن قيل: إن متّى قد ترك هؤلاء الثلاثة أنفار من سلسلته من أجل أنهم خطاة.
فأجيب: وعساه أن يترك الكثير من السلسلة لأنه يوجد من هو (أكثر خطأً) منهم بكثير، مع أنه لم يكن قصده أن يعد [الصالحين فقط، بل](أراد ذكر) سلسلة ولادتهم، سواءً كانوا صالحين أم طالحين،
1 في النسختين "استثنى" وصوابها ماأثبت.
2 متى 17:1.
3 في النسختين "برتبة تفقيط" ولعله يريد أن كلامه محدد بالعدد المذكور، وصوابها ما أثبت.
4 مابين القوسين في النسختين هكذا "وليس عنده شبهة بأن الثلاثة أنفار ناقصون" وصحتها ما أثبت.
بحيث إنه ذكر أشقى منهم بكثير. فمن هذه الأدلة [الأربعة] يثبت النقص والتزوير1 في إنجيل متّى.
وإن قيل: إن كتاب التوراة قد جرت (فيه العادة) مثل هذا النقص كما ورد في الشك التاسع والعشرين عن سلسلة هارون.
فأجيب: إن كان متّى يقتفي آثار التوراة (التي كتب فيها) 2 سلسلة هارون بالنقص، ويستند على العادة، فالنقص المكتوب في التوراة على من تسند عادته.
وأيضاً أقول: إن الابن إذا ثبت عليه (عمل فاسد أخذه) 3 عن أبيه فلا يخلصه الاعتذار بأن يقول: هذا العمل هو عادة أخذتها عن أبي، بل إن الحق يعطى للخصم، وأن يُخطأ الاثنان كلاهما معاً.
1 في. د قال "التحريف" بدلاً من "النقص والتزوير".
2 في النسختين "الكاتبة" وفصاحتها ماأثبت.
3 في النسختين هكذا "إذا أثبت عليه ذلة نقص بعادة عن أبيه" وفصاحتها ما أثبت.
الشك الثاني
في إنجيل متّى في الإصحاح الأول يقول: "إن يوشيا ولد يوخانيا، ويوخانيا ولد شألتئيل، وشألتئيل ولد زروبابل1، وزروبابل ولد أبيهود"2. ويناقضه سفر الأيام الأول في الإصحاح الثالث إذ إنه يسحب هذه السلسلة (مخالفاً) 3 لمتّى، لأنه يقول: إن يوشيا، ولد يهواقيم ويهواقيم، ولد يوخانيا، ويوخانيا ولد شألتئيل وأخوه فدايا، وفدايا ولد زروبابل، وزروبابل ولد سبعة أولاد وهم: مشولاهم، وحنانيا، واحشديا، واوهيل، وبارخيا، وحسديا، ويوشحشد، واشموميت، أختهم*.
1 هكذا في النسختين، وفي. ن. ع الأسماء هكذا على الترتيب "يكنيا شألتئيل زربابل".
وهذه الحاشية ليست في. د.
2 متى 11:1
3 في النسختين "ضداً" وفصاحتها ما أثبت.
(*حاشية: جدول
الإنجيل متى
التوراة الأيام1
يوشيا
يوشيا
…
ياهوياقيم
يوخانيا
يوخانيا
شألتئيل
شألتئيل + فدايا
زروبايل
زروبابل
أبيهود
......
(إن زروبايل ولد سبعة أولاد ذكور وابنة، ولا ترى واحداً منهم اسمه أبيهود كما ذكر متّى) .
صورة التناقض
أقول: إن ههنا ثلاث مشاكل:
أولاً: إن متّى يقول: إن يوشيا ولد يوخانيا، وفي سفر الأيام الأول يقول: إن يوشيا ولد يهواقيمويهواقيم هو الذي ولد يوخانيا1، فيكون يوخانيا ابن ابن يوشيا، وليس هو ابن يوشيا كما في سلسلة متّى.
ثانياً: إن متّى يقول: "إن يوخانيا ولد شألتئيل، وشألتئيل ولد زروبابل"، وفي سفر الأيام الأول قال ضد ذلك:"إن يوخانيا ولد شألتئيل وأخوه فدايا، وفدايا هو الذي ولد زروبابل"2 فيكون شألتئيل عم زروبابل أخا أبيه، وليس هو أباه كما غلط متّى.
(وإن قيل: إن سفر عزرا3 ونحميا 4 ذكرا أن زروبابل هو ابن شألتئيل كما ذكره متّى.
1 يوخانيا هو الذي يطلق عليه في. ن. ع "يكنيا".
2 سفر الأيام الأول 19:3.
3 عزرا 3: 2،8
4 نحميا 1:12.
فنقول: إن الفرق صار فيما بين نحميا وعزرا وبين سفر الأيام الأول) .1
ثالثاً: إن متّى ذكر أن زروبابل ولد أبيهود، وفي سفر الأيام الأول قال عكس ذلك: إن أولاد زروبابل كانوا بالعدد سبعة، وابنة اسمها اشمونيت2، انظرهم [مسطرين في السلسلة المشروحة تجاهك لاترى واحداً منهم اسمه أبيهود، بل إن أسماءهم متباعدة عما كتبهم متّى الإنجيلي، عدا أن باقي هذه السلسلة من زروبابل إلى عدد ستة أسماء تنتهي بهم سلسلة التوراة المدونة في سفر الأيام الأول جميعهم متغيرون في إنجيل متّى، لأن متى كتب "أن زروبابل ولد أبيهود، وأبيهود ولد ألياقيم، وألياقيم ولد عازر، وعازر ولد صادوق، وصادوق ولد آخين3". وأما في التوراة في سفر الأيام الأول فيعدد أناساً خلافاً للذين عدهم متى، وهم: زروبابل ولد حنانيا، وحنانيا ولد شيخينا4، وشيخينا ولد تعريا5، وتعريا ولد اليوعينا، واليوعينا ولد يوحانان.
1 يقصد أن الاختلاف والتضاد صار بين سفر الأيام الأول وبين عزرا ونحميا. وقد أجاب صاحب قاموس الكتاب المقدس ص425عن ذلك بجوابهم المعتاد وهو قولهم: لعل فدايا أو شألتئيل تزوج بامرأته وأقام نسلاً لأخيه.
2 في. ن. ع "شلومية".
3 في. ن. ع "أخيم".
4 في. ن. ع "شكنيا".
5 في. ن. ع "وبنو شكنيا شمعيا وبنو شمعيا
…
ونعريا" فيبدو أنه سقط على المصنف اسم شمعيا بين شكنيا ونعريا.
ويظهر من هذه الاختلافات والتحريفات واحد من ثلاثة وجوه: إما أن متّى الإنجيلي جاهل لايعرف هذه السلسلة، أو أن قلماً آخر غريباً زوّر عليه أو أن التوراة مزورة والله أعلم] 1.
1 أثبت النص من. د لوضوحه وفصاحته عن. ت وحسن ترتيبه وقد جعل في. ت الأسماء المذكورة في الحاشية مع اختلاف في ذكر بعضها بعد قوله يوحانان.
الشك الثالث
في الابركسيس1 في الإصحاح السابع ذكر أن إبراهيم عليه السلام كان قد اشترى المغارة من بني حمور بن شخيم 2، وأما في سفر التكوين في الإصحاح الثالث والعشرين فيقول خلاف ذلك وهو أن: إبراهيم اشترى المغارة من عفرون بن صاحر من بني حث (في حبرون)3.
صورة التناقض
يظهر لنا من هذا اختلاف 4:
أولاً: اسم ومكان المغارة.
وثانياً: تغير أسماء البائعين لها والمشتري هو واحد، لأن في الابركسيس يذكر أن إبراهيم اشترى المغارة من بني حمور بن شخيم [والبلد باسمه -أعني شخيم-]، وفي سفر التكوين قال: إن إبراهيم اشترى المغارة من عفرون بن صاحر من بني حث.
فمن هذين القولين يتبين لنا التناقض عياناً بحيث إنه قد تغير فيهما مكان المغارة، وتغير أيضاً أسماء البائعين لها.
1 يقصد سفر أعمال الرسل وهو في 16:7.
2 في. ن. ع "من بني حمورابي شكيم".
3 التكوين 23: 8-20.
4 قال في. د "يظهر لنا تغييران".
(فعلى العالم النحرير1 أن يحدد باختياروإرادة حرة مكان التزوير إن كان يريد أن يحدده) 2: التوراة القائلة عن البائع إنه كان من عفرون بن صاحر، أو أن يحدده في لوقا الإنجيلي كاتب الابركسيس، والقائل فيه بأن البائع كان من بني حمور بن شخيم. [فعلى كل حال التحريف واقع] .
1 النحرير هو الرجل الفطن المتقن البصير في كل شيء. انظر اللسان 5/197.
2 في. ت الجملة هكذا "فعلى العالم التحرير أن يختار بحرية إرادته أن يربط التزوير إن كان يريد أن يربط" وهو كلام غير مستقيم فعدلته حسب فهمي لمراد المؤلف.
الشك الرابع
في إنجيل لوقا أيضاً كتب في الإصحاح الثالث أن شالح بن قينان ابن أرفخشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشالح بن اخنوخ بن يارد بن مهللئيل بن قينان، بن انوش1، وأما في سفر التكوين في الإصحاح الخامس2 والعاشر3 فأنقص من ذلك قينان واحد إذ قال فيه: إن آنوش ولد قينان وأرفخشد ولد شالح.*
1 3: 26- 28.
2 9:5.
3 10: 22-24 وفيه ذكر أن أرفكشاد ولد شالح فأسقط قينان.
(*) حاشية: (ج
_________
دول
الإنجيل (لوقا)
التوراة
(التكوين)
انوش
انوش
قينان
قينان
أرفكشاد
أرفكشاد
قينان
شالح
وهذه الحاشية ليست في د
صورة التناقض:
إن التوراة العبرانية الموجودة عند اليهود تضادُّ إنجيل لوقا لأن لوقا يكتب في إنجيله قينانين اثنين: الواحد ابن أرفخشد، والآخر ابن آنوش.
وأما التوراة العبرانية فتقول قينان واحد، وهو ابن آنوش ولم تذكر قينان الآخر، الذي هو ابن أرفخشدبل تذكرأن ابن ارفخشد هو شالح، وهذا هو التزوير 1 الظاهر.*
1 في. د قال "التحريف".
* حاشية: (وإن قيل في التوراة السبعينية اليونانية موجود في بعض نسخها قينانين اثنين كما ذكر لوقا. فأجيب: إن التزوير في حل المشكل قد تحول وصار فيما بين التوراة السبعينية اليونانية، التي هي الفرع وبين التوراة العبرانية، التي هي الأصل، لأن الاثنتين أعني العبرانية واليونانية هما مسلمتان عند فرق من النصارى، إذ إن الكنائس الغربية تعتبر التوراة العبرانية مثل اعتبار اليهود لها والكنيسة الشرقية تعتبر التوراة اليونانية. ففي أي وقت الكنيسة الشرقية التي تعتبر التوراة اليونانية أثبتت صحتها، أي صحة التوراة اليونانية؛ أثبتنا نحن وهم التزوير على اليهود وعلى الكنيسة الغربية، وأنهم منقصون منها قينان واحد، الذي هو ابن ارفخشد، وإن كانت الكنائس الغربية التي تعتبر التوراة العبرانية التي هي الأصل أثبتت مع اليهود التوراة العبرانية، أثبتنا نحن وهم التزوير في التوراة اليونانية. وفي إنجيل لوقا أيضاً المزوّد فيهما قينان آخر الزائد عن التوراة العبرانية وعلى كلا الوجهين التزوير واقع.
الشك الخامس
في التوراة العبرانية الموجودة عند اليهود في الإصحاح الخامس من سفر التكوين ذكر أن: شيث لما كان عمره مائة وخمس سنين ولد أنوش1، وأما في التوراة اليونانية السبعينية فيقال ضد ذلك: أن شيث لما كان عمره مائتين وخمس سنين ولد انوش.
صورة التناقض
إن التوراة العبرانية أنقصت مائة سنة من عمر "شيث" عن التوراة اليونانية السبعينية، وهذه التوراة العبرانية التى هي الأصل والمستعملة عند اليهود مقبولة عند الكنائس الغربية2 أيضاً، كما سبق القول وليس سواها، وأما التوراة السبعينية فهي المقبولة عند طائفة الروم3 الملكية وليس سواها، ومن جرّاء ذلك لا نعلم أيما هي التوراة الكاملة أو الناقصة المزوّرة4، وتبع ذلك الفرق وهو نقص السنين5 وزيادتها من عمر
1 6:5.
2 يقصد بذلك البروتستانت منهم.
3 يقصد بذلك الكاثوليك ويدخل فيهم الأرثوذكس في اعتبارهم للنسخة السبعينية وفي. د قال: فهي مقبولة عند الكنيسة الشرقية.
4 في. د "لانعلم أي هي التوراة الصحيحة".
5 في النسختين هكذا "وتبع ذلك مثل هذا الفرق نقص السنين وزودها" وهي ركيكة وعدلتها حسب ما فهمت.
"شيث" إلى عمر سيدنا نوح، أي نقص أعمار الأشخاص مع نقص عمر قينان الزائد الذي ذكرناه سابقاً فرق بين التوراتين1، هو ألف وأربعمائة وسبع وخمسون سنة*.
وهذا النقص والتزوير فيما بين التوراتين لايلزمه إثبات2، لكونه مشهوراً عندهم بالتاريخ الذي لأبينا آدم عليه السلام لأنك إذا سألتهم: كم التاريخ الذي من أبينا آدم إلى سيدنا عيسى عليهما السلام؟ فالروم3 تقول: خمسة آلاف وخمسمائة وثمان سنوات، [والكنائس الغربية] 4 (الإنجيلية) تقول: أربعة آلاف وواحد وخمسين سنة، فيكون الفرق كما
1 أي فرق التاريخ بين التوراة السبعينية اليونانية والعبرية كما سيوضح المؤلف.
* حاشية: "وهذه صورة الفرق من آدم إلى المسيح: تاريخ الكنائس الغربية عده: 4051 تاريخ الكنائس الشرقية: 5508 الفرق بينهما عده: 1457". وهذه الحاشية ليست في. د
2 يقصد برهان.
3 وهم الكاثوليك الأرثوذكس لأنهم الذين يأخذون بالنسخة اليونانيةوالتأريخ فيها أكثر من التأريخ في العبرية.
4 في. ت. قال: "وأتباع البابا" وهذا خطأ لأن البابا هو رأس الكاثوليك وهم يعتبرون النسخة اليونانية بخلاف الكنائس الإنجيلية التي هي البروتستانتية فإنها تعتبر النسخة العبرية وما أثبت من نسخة. د.
حررنا أعلاه قبله: ألفاً وأربعمائة وسبعة وخمسين سنة لا غير، وهذا تزوير ظاهر.*
* حاشية: (اعلم أنه أيهما من التوراتين أثبتتا أنها صحيحة فيلزم أن يكون التزوير موجوداً عند الفرقة التي تحامي عن صدق التوراة الثانية التي بيدها كما مرّ في الشك الرابع) . وهذه الحاشية ليست في. د.
الشك السادس
في إنجيل لوقا في اللغة اللاّتينية في الإصحاح العاشر يذكر أن من بعد ذلك رسم الرب اثنين وسبعين تلميذاً، وأما في النسخة اليونانية فيذكرأنه رسم سبعين1.
صورة التناقض
إن حواريي سيدنا عيسى غير الاثنى عشر في أناجيل الغرب2 في اللغات الموجودة فيها: أن عددهم اثنان وسبعون تلميذاً، وأما في كنائس اليونان فموجود في إنجيلهم بأن عددهم سبعون، وهذا تناقض ظاهر، إذ إن أناساً من النصارى تعتقد بأن النسخة اليونانية هي الصادقة، وأن عدد الحواريين سبعون، وأناساً يعتقدون بخلافهم بأن النسخة اللاّتينية هي أصدق، وأنهم اثنان وسبعون، فلا يخلو صدق الواحدة من بطلان الأخرى، (وهذا هو المطلوب لبيان التزوير) .
1 1:10.
2 يقصد الغرب وهم اللاتين.
الشك السابع
في إنجيل مرقص في الإصحاح الخامس عشر قال عن موت المسيح على زعمهم: إنه كان نهار الجمعة بعد الساعة التاسعة بقوله: "فأما يسوع فصرخ بصوت عظيم وأسلم الروح، ولما كانت الجمعة التي قبل السبت"1.
وأما لوقا في الإصحاح الرابع والعشرين فيذكر عنه قيامته فيقول: "وفي أحد السبوت باكراً جداً أتين إلى القبر فلم يجدن جسد يسوع"2.
فأما متّى في الإصحاح الثاني عشر فيقول عن كلام عيسى إنه قال: "كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالي، هكذا يكون ابن البشر في جوف الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالي"3.
1 مرقس 15: 37 وفيه "فصرخ يسوع بصوت عظيم وأسلم الروح
…
ولما كان المساء إذ كان الاستعداد أي ماقبل السبت".
2 لوقا 24: 1 وفيه "ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أناس فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع".
3 متى 12: 40 وفيه "لأنه كما كان يونان النبي في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال".
صورة التناقض
إن ههنا حصل التناقض في الزمان بحيث إن معنى (كلام) مرقص والإنجيليين (الآخرين) أن عيسى مات نهار الجمعة بعد الساعة التاسعة، ويوافق (على ذلك) أيضاً لوقا معهم [عن] قيامته، وأنها كانت نهار الأحد باكراً جداً، فتكون إقامته في القبر ساعة واحدة من آخر نهار الجمعة1، وليل السبت ونهاره، أربعاً وعشرين ساعة، وليل الأحد إلاجزءاً لحين الغلس، فلنفرضها إحدى عشرة ساعة، فتكون جملة الساعات التي مكث فيها بالقبر ستاً وثلاثين ساعة.
ومتّى الإنجيلي قال عن عيسى2 إنه قال: إنه يكون في جوف الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال جمعها اثنتان وسبعون ساعة، فهذا هو الفرق الأول الواقع فيما بين ست وثلاثين ساعة، وبين اثنتين وسبعين ساعة.
والفرق الثاني هو مخالفته في ثلاثة أيام وثلاث ليال، لأن بقاءه في الأرض لو حسبنا الساعة من آخر نهار الجمعة [سميناها] يوماً بلا ليلة،
1 لأنه على زعمهم أنه مات في الساعة التاسعة بعد العصر وهذا على التوقيت الغروبي الذي يجعل النهار ثنتي عشرة ساعة آخرها وقت الغروب فيكون أدخل القبر بعد التاسعة فيكون مكثه في القبر ساعة أو أزيد قليلاً من نهار يوم الجمعة.
2 في. د قال "يكتب عن تعليم عيسى أنه قال".
وليلة السبت ونهاره سميناه يوماً كاملاً، وليل الأحد الناقص سميناه ليلة بغير نهار، فتكون الجملة يوماً واحداً كاملاً، ونهاراً وليلة ناقصين، فمن أين يكمل قوله: ثلاثة أيام وثلاث ليال.
وإن قيل في حل هذا الشك (الذي هو الشك السابع) : إن الظلمة التي ذكرها مرقص الإنجيلي التي كانت نهار الجمعة من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة1 قد تحسب ليلة ونهارها يسبقها 2
فأجيب: إنه في وقت الظلمة لم يكن المسيح مات بعد، ولا قُبِرَ في بطن الأرض على زعمكم، [ومع ذلك أننا إذا حسبنا الظلمة بالتقدير المحال، فلا تكفي لتكميل الحساب المطلوب] .
وإن قيل أيضاً إنه من حين أعطى جسده لتلاميذه مساء الخميس
1 15: 23 وفيه "ولما كانت الساعة السادسة كانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة".
2 من قوله "وإن قيل في حل هذا الشك" إلى قوله "ونهارها يسبقها" ورد حاشية في. ت وهو ضمن المتن في. د وهو الأصوب.
(وأكلوه1 يمسك الحساب) على رأي الذهبي2 [مفسر الإنجيل] ، ويعتبر بالجواب أنه دفن في بطونهم بواسطة الخبز مجازاً.
فأجيب: إن هذا الجواب هو أعقم من الذي قبله، لأن الذي دفن في بطونهم بواسطة الخبز لم يقم في اليوم الثالث، كما قال: إنه في اليوم الثالث يقوم (فعلا) ، ولا كان تألم فعلاً، [ولا دفن حقيقة على زعمكم، كما قال إنه قبل دفنه يتألم فعلاً]3.
وثانياً: إن رأيكم هذا يجوز لو كان لم يتألم فعلاً، ولم يدفن حقيقة على زعمكم (الباطل) في بطن الأرض، وكان يمكن أن يقبل تفسيركم بأنه دفن في بطون التلاميذ مجازاً، (معبراً عن ذلك بأكل) 4 الخبز والخمر، ولكن حيث دفن جسده حقيقة في بطن الأرض، فلا محل
1 وذلك في لوقا 22: 19"وأخذ خبزاً وشكر وكسر وأعطاهم قائلاً هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم اصنعوا هذا لذكري".
2 يبدو أنه يقصد فم الذهب، من آباء الكنيسة ومعلميها، لقب بالذهبي الفم لبلاغته. توفي سنة 407م. انظر المنجد ص754
3 الجملة فيها ركاكة ومراده أنه لو كان حساب الثلاثة أيام من أكلهم للخبز الذي اعتبروه جسد المسيح، فذلك مجاز فيكون سائر ماذكره من تألمه ودفنه كل ذلك مجاز غير حقيقي.
4 في النسختين هكذا "تحت أعراض الخبز والخمر" ولامعنى لها وماأثبت هو مافهمت من مراده
للمجاز مطلقاً، وهذا تزوير. (ويدل على) أنه ما مات بل شُبِّه لهم [كما أخبرت الآية الشريفة]1.*
1 مراده بالآية قوله تعالى {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيما} النساء آية (156-157) .
* حاشية: (ويا للعجب كيف يقول ما قال النصارى: إن جسد عيسى اندفن في بطون التلاميذ بواسطة الخبز مع أنه كان حياً، وكيف استجازوا أن يقولوا: إنه مات وهو بعد لم يكن تألم أو ربما كان يجوز عندهم أنه اندفن قبل أن يموت بالحقيقة بخٍ بخٍ من كذا رأي سقيم وسماع أسقم) وهذه الحاشية ليست في. د.
الشك الثامن
في إنجيل متّى ذكر عن عيسى في الإصحاح العاشر أنه قال: "لا تملكوا فضة ولا ذهباً ولا نحاساً في مناطقكم ولا همياناً في الطريق، ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا"1.
وأما مرقص في الإصحاح السادس فيقول ضد ذلك: فقد أمرهم يسوع أن لا يأخذوا شيئاً في الطريق غير عصا فقط لا خرجاً ولا نحاساً في مناطقكم إلا نعالاً2.*
صورة التناقض
إن متّى كتب كل الوصايا التي ذكرناها بالسلب بقوله: "لا تملكوا ذهباً ولا فضةً ولا نحاساً [في مناطقكم] ولا أحذية ولا عصا"، وأما مرقص فيقول مثلما قال متّى بالسلب، لكن ليس كل الوصايا، بل إنه استثنى (الأحذية والعصا، مضاداً لمتّى لأنه يقول: غير عصا إلا نعالاً،
1 متى 10: 9 وفيه "لا تقتنوا ذهباً ولافضة ولانحاساً في مناطقكم ولامزودا للطريق ولاثوبين ولاأحذية ولاعصا".
2 مرقس 6: 8.
* حاشية: (وإن قال بعض المتأخرين ربما يكون ذلك إرسالين. قلنا: إن المتقدمين وقريبي العهد قد قالوا: إن الارسال واحد ومن القرائن يعلم ذلك.) وهذه الحاشية ليست في د.
يعني أنهم يأخذون أحذية وعصا وذلك خلافاً لمتى كما قلنا) 1. وهذا تناقض ظاهر2.
1 العبارة في. د "أنه استثنى بالإيجاب غير العصا إلا نعالاً خلافاً لمتى أعني أنهم يأخذون أحذية وعصا".
2 جاء في. د بعد هذه العبارة نص قريب من معنى الحاشية السابقة والساقطة من. د وهو "وربما يظن البعض أن هذا القول كان وقوعه في زمانين أعني إرسالين: فأجيب: إن المفسرين للمقال من آباء النصارى وعلمائهم القريبي العهد لزمان عيسى يفسرونه بأن صدور المقال كان في زمان واحد، والإرسال هو واحد".
الشك التاسع
في إنجيل يوحنا في الإصحاح الثاني كتب أنه "في ست وأربعين سنة بني هذا الهيكل"1 أي هيكل سليمان.
وأما في سفر الملوك [الثالث] في الإصحاح السادس قال ضد ذلك وهو: "فمن هذا كمال2 البيت في جميع أموره وزينته وبناه في سبع سنين"3.
صورة (النقض بالزمان)
في إنجيل يوحنا في الإصحاح الثاني قال: إن عمارة الهيكل كانت في ست وأربعين سنة إلى انتهائها، وفي سفر الملوك ينقض هذا القول بأن كمال البيت كان في سبع سنين، فهذا مع أنه تناقض، إلا أن الفرق بين السبعة والست والأربعين كبير5.
وإن قيل في حل هذا الشك: إن مقصد يوحنا في ست وأربعين سنة بني هذا الهيكل، من حيث إنه بعد عمارته الأولى التي ذكر عنها في سفر الملوك الثالث: إنها تمت في سبع سنوات، (ثم) عاد انهدم وعمر مرة
1 2: 20.
2 في. د قال "الجمال" وهو خطأ.
3 الملوك الأول 6: 28 وفيه "أكمل البيت في جميع أموره وأحكامه فبناه في سبع سنين".
4 في. د قال "التناقض".
5 في النسختين "مبالغة" وهي ركيكة.
أخرى أيضاً. فلربما تكون جملة السنين الأولى والثانية في كلام يوحنا ستاً وأربعين سنة
فأجيب: كلاّ، لأنه في سفر عزرا كتب أن ابتداء تعميره الثاني، الذي حصل بعد الانهدام كان في السنة الثانية من ملك داريوس1، ولما انتهى زمان العمارة كان في السنة السادسة2 [من ملكه] ، (فتكون العمارة الثانية تمت في أربع سنوات) 3، فإذا أضفنا هذه الأربع سنوات إلى السبع التي عمر بها سليمان البيت فتكون إحدى عشرة سنة، فلا تكمل الست وأربعين سنة المذكورة في يوحنا.
وإذا قيل: إن قبل داريوس ابتدأ اليهود في وضع الأساس، (وذلك) في زمان قورش4 ومنعوا كما ذكر عزرا، وبعده في زمان داريوس5 أكملوه، فلربما تكون هذه المدة مكمّلة لما قاله يوحنا.
فأجيب: أنه إذا حسبنا من حين وضع الأساس بأمر قورش، إلى حين بدء تعميره ثانية في السنة الثانية من ملك
1 عزرا 4: 24.
2 عزرا 6: 15.
3 في النسختين "كأنه استقامت العمارة الثانية أربعة سنوات" وهي ركيكة.
4 عزرا 1: 3
5 عزرا الإصحاح الرابع.
داريوس لا تجمع [جملة] المطلوب، لأن جملة هذه المدة تجمع أربع عشرة سنة، كما ذكر في سفر عزرا، (ومدة) تعميره الثاني أربع سنين التي أولها كان السنة الثانية من ملك داريوس، (وانتهى في السنة السادسة من ملكه) كما ذكرنا، فإذا أضفنا السبع سنين الأخرى التي عَمّره فيها سليمان، فيكون الفرق الباقي المظهر للتناقض والتزوير إحدى وعشرين سنة.
وهذا المعدل فيه الكفاية عند أرباب علم الحساب وذوي العقول السليمة أن يدركوا أنه تناقض بالحقيقة، إذ إنه في سبع سنين تمت عمارته الأولى وأربع سنوات أخرى التي تم بها عمارته الثانية وأربع عشرة سنة فاصل فيما بين وضع الأساس وبين البناء وإن فرضنا1 هذه الأربع عشرة سنة تقدير محال، فتكون الجملة خمساً وعشرين سنة، فلنخرجها من أصل الست والأربعين التي ذكرها يوحنا، فيكون الفرق إحدى وعشرين سنة. ومنها (يظهر) ظاهراً التناقض والتزوير2.
1 في. ت قال "ولئن كانت".
2 من قوله "وإن قيل في حل هذا الشك" ص260 إلى نهاية الشك جعله حاشية في النسختين، ويبدو لي أن ذلك خطأ، والصواب ماأثبت وأنها من المتن.
الشك العاشر
في سفر تثنية الاشتراع في الإصحاح الرابع والعشرين قالوا: "لا تقتل الآباء عوض البنين ولا البنون عوض الآباء"1. وأما في سفر الخروج في الإصحاح العشرين فقال ضد ذلك وهو قوله: "اجتزي ذنوب الآباء من الأبناء إلى ثلاثة وأربعة أجيال"2.
صورة التناقض
هذا الاشكال مع كونه تناقض ظاهرإلا أنه ظلم محض3، إذ إنه في موضع قال: إنه يقتص4 من الشخص (البرئ) عن غيره، وهو الظلم الذي ذكرناه، وفي موضع آخر يناقض كلامه السابق: بأن لايقتص من البنين عوض آبائهم.
(ومثله يوجد تناقض آخر في إرميا في الإصحاح الحادي والثلاثين) : "ولكن كل واحد يموت بإثمه"5، ويقول هو نفسه في الإصحاح الثاني والثلاثين:"وتروا إثم الآباء على حضن أبنائهم"6
1 تثنية 16:24 وفيه "لايقتل الآباء عن الأولاد ولايقتل الأولاد عن الآباء".
2 الخروج 5:20 وفيه "افتقد ذنوب الآباء في الابناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي".
3 في. ت "إن هذا الإشكال هم إنه تناقض ظاهر هم ظلم محض" وما أثبت من. د ويبدو أن ماورد في. ت على لغة أهل العراق العامية وتعني أيضاً.
4 في الموضعين في النسختين "يقاصص".
5 إرميا 30:31 وفيه "بل كل واحد يموت بذنبه".
6 إرميا 18:32 وفيه "صانع الإحسان لألوف ومجازي ذنب الآباء في حضن بنيهم بعدهم".
فأولاً: إن هذين النصين عدا أنهما متنافران، إلا أن أحدهما أعني قصاص شخص غير مذنب 1 عن شخص آخر مذنب مباين للعدل مباينة كلية.
وثانياً: يؤكد (إجراء) هذه الشريعة الظالمة بوجه أبلغ بولص بقوله إلى أهل رومية 2: "وكما أن بذنب إنسان واحد صار إلى جميع الناس الشجب"3، يعني أن البشر كلهم بقوا تحت الخطيئة التي لآدم*،
1 في. د قال "مؤثم" بدلاً من مذنب.
2 قال في. د "فإن كان منه اسم واحد مات كثيرون" ولامعنى لها.
3 رومية 12:5 وفيه "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم".
* حاشية: (اعلم أنّ شجب البشر بسبب خطيئة جدهم آدم هو المركز والقاعدة في الديانة النصرانية وليست ظلماً) .
فكيف يقبل العقل مثل هذا الظلم (القسري) ، ويسلم بمثل هذا التناقض، أذ إن هذا الشك مع أنه ظلم محض، فهو تناقض 1.
1 في. ت "إذ أن هذا الشك هم أنه ظلم بليغ هم تناقض" وماأثبت من. د وفيه "مع أن بعضه ظلم إلا أنه تناقض".
الشك الحادي عشر
في سفر الأيام الثاني في الإصحاح الحادي والعشرين ذكر أن يورام لما كان عمره اثنتين وثلاثين سنة نصبوه ملكاً، وقد تملك ثمان سنين ومات1، وأقيم بعده ابنه أخزياهو عوضه، وكان عمره اثنتين وأربعين سنة وملك سنة واحدة 2.
صورة التناقض
إن ههنا أخبرت التوراة أن يورام لما كان عمره أربعين سنة مات، وملك ابنه أخزياهو عوضه، وكان عمره اثنتين وأربعين سنة، فكأن أخزياهو قد خلق قبل أبيه بسنتين، وما أدري كيف أن الابن يخلق قبل الأب بسنتين، وهذا لايتكلم به عاقل.
وإن3 [قيل في حله: بأن في سفر الملوك الرابع مذكورة هذه القصة، (وفيها) أنه لما مات يورام كان ابن أربعين سنة، (فجعلوا) ابنه أخزياهو عوضه، وكان عمره اثنتين وعشرين سنة 4 وهذا هو الحق.
1 أخبار الأيام الثاني 5:21.
2 أخبارالأيام الثاني 22:1،2.
3 هنا خرم في نسخة. ت إلى آخر الكلام على الشك العشرين فيكون مقدار الخرم فيه بقية الكلام على الشك الحادي عشر وتسعة شكوك أخرى أما نسخة. د فهي كاملة.
4 المذكور في سفر الملوك الثاني 8: 25 "وفي السنة الثانية عشرة ليورام بن أخاب ملك إسرائيل ملك أخزيا بن يهورام ملك يهوذا كان أخزيا ابن اثنتين وعشرين سنة".
فأجيب: نعم، ولكن هذا الجواب لاينفي التحريف بل يؤكده، بحيث قد بقي الفرق فيما بين سفر الأيام الثاني وبين سفر الملوك الرابع.
وهذا هو المطلوب لبيان التحريف، لأن في التوراة اليونانية أيضاً مذكوراً في السفرين، بأن أخزياهو كان ابن اثنتين وعشرين سنة لما ملك.
(الشك) الثاني عشر
في الإصحاح العشرين في سفر الخروج قال "وإن عملت لي مذبحاً من حجارة فلا تبنه لي من حجارة يصيبها الحديد، لأن ما أصابه الحديد يتنجس".1
صورة الركاكة
إن هذا القول نسبوه لله تعالى، وحاشاه من أن يتكلم بمثل هذا الكلام الذي لا يقبله العقل، لأن من يقول: إن المذبح الذي يعمل لايكون من حجارة معمولة بالحديد، لأن ماأصابه الحديد يتنجس، أما ينظر إلى الذباح على المذبح ذاته كيف يذبح بالحديد، وأعمال البشر جميعها من القبة والألواح المنحوتة وبناء الهيكل وعمل الأواني، أما يفطن إليها كلها مصنوعة من البشر بواسطة الحديد!! وماورد لها تطهير في الشريعة، فلا يخلو إما أن يكون البشر وأعمالهم، والقبة وأوانيها، والهيكل والذبائح، كلها تنجست بواسطة الحديد، أو أن الآية فيها تزوير على الله.*
1 الخروج 20: 25 وفيه "وإن صنعت لي مذبحاً من حجارة فلا تبنه منها منحوتة إذا رفعت عليها إزميلك تدنسها".
* حاشية: (إن أحبار اليهود يحلون هذا المشكل بجواب مضحك إذ يقولون عن حجارة البيت كلها وأنها لم تكن قطعت في حديد بل إن دودة يضعونها على الصخر فكانت تقطعه مستقيما من غير حديد لئلا يتنجس فأجيب: أولاً -أنه ماذكر في التوراة ولافي خلافها عن هذه الدودة أنها موجودة ثانياً -أنه لو كانت موجودة هذه الدودة لما كان أرسل سليمان ثمانين ألف نحات. القضية الثانية المزورة أيضاً على سليمان عليه السلام مع تقطيع الحجارة لأجل بناء الهيكل: السبعين ألف حمال والثمانين ألف نحات، الذين لم توجد في مملكة مثل المملكة العثمانية السامية التي أرض مملكة سليمان مع اليهودية بأجمعها وقتئذ لم تساوي قيراطاً من المملكة العثمانية المذكورة.
ثالثاً -إن كانت هذه الدودة قطعت الحجارة لئلا تتنجس فعمل الطين للبيت وكنسه وباقي المنجدرات والمخبوطات بأي آلة كانت تعمل!!.
(الشك) الثالث عشر
في إنجيل متى في الإصحاح التاسع يقال للأعميين اللذين شفاهما المسيح، "فانفتحت أعينهما فانتهرهما يسوع قائلاً: لا يعلم أحد".1
(الشك) الرابع عشر
في إنجيل مرقس في الإصحاح الثامن قال للأعمى الذي شفاه وأرسله إلى بيته قائلاً: "اذهب إلى بيتك وإن دخلت القرية فلا تقل لأحد".2
1 في. د. "ألايعلم أحد" وما أثبت كما في متى 9: 30 وهو أوضح.
2 مرقس 8: 26.
(الشك) الخامس عشر
في مرقص في الإصحاح الخامس قال: "إن المسيح لما أقام الميتة أمرهم كثيراً بأن لايعلم أحد".1
(الشك) السادس عشر
في إنجيل مرقس في الإصحاح السابع يقول عن شفاء الأخرس والأطرش "وللوقت انفتحت أذناه وانحل رباط لسانه وتكلم حسناً، وأوصاهم ألا يقولوا لأحد شيئا، فأما هم بقدر ماكان يأمرهم بقدر ماكانوا يزدادون مكررين".2
(صورة التحريف)
إن المقول في هذا الشك والمقول في الثلاثة شكوك (السابقة) بمعنى واحد، إذ إنها محتوية على الركاكة، لأنه كيف يمكن للأعميين أن يخفيا أعينهما لكي لايعلم أحد، وكيف الميتة التي أقامها بين أنفار كثيرين أن ينكتم أمرها، أو الأخرس والأطرش الذي صار له سنوات قد نظروه
1 مرقس 5: 43.
2 مرقس 7: 35-36 وفيه "وللوقت انفتحت أذناه وانحل رباط لسانه وتكلم مستقيماً فأوصاهم أن لايقولوا لأحد ولكن على قدر ماأوصاهم كانوا ينادون أكثر كثيرا".
3 في. د كتب عنوان "السابع عشر" وهو خطأ لأنه أورد بعده السابع عشر كما سيأتي، فيبدو أنه سبق قلم من الناسخ، وكتبت العنوان على العادة التي يتبعها المصنف رحمه الله.
صار يسمع ويتكلم، وذاك الأعمى الوحيد كيف يجوز العقل أن يخفى أمرهم! فالموصي في إخفاء مثل ذلك هو غير مدرك أن وصيته ممتنع أن تأخذ مفعولها، وهذه الركاكة الكلية حاشا سيدنا عيسى منها، ومن أن يتكلم في مثل هذه الوصايا، التي لايمكن أن تجري*.
* حاشية: (قد يقول النصارى في حل الإشكال إن سيدنا عيسى كان يجب أن يخفي ذلك، لكي يعلمهم بأنه ماكان قصده الافتخار ولا شفاهم لأجل الشرف، بل كان لأجل مجد الله، ولذلك كان يعلم بأن لايقال لأحد، فأجيب: أنه إذا كان سيدنا عيسى شفاهم لأجل مجد الله فينبغي له إظهاره، كما قال هو عن نفسه - في موضع آخر للذي شفاه -:"اذهب وخبر بما صنع الله بك ورحمته إياك"، أو أن يصمت عن أن يأمرهم في وصايا غير ممكن تنفيذها، لا بل معصيتها واجبة، لأنه كيف يمكن للأعمى إذا سئل من الذين كانوا يعرفونه أعمى بأن يكذب ويقول: أنا ماكنت أعمى، ولاالمسيح شفاني وكذلك الميتة التي أقامها، كيف كان يمكنها هي وأهلها بأن يقولوا هذه ما ماتت، وما أقامها المسيح، وكذا الأعميان والأطرش. فهذا ليس ركاكة فقط بل سفاهة وقصور، بحيث لا يمكن حصوله، وهو من قضايا المغفلين، مع أن القصد بعمل الآيات إظهارها لا إخفاؤها، لكونها أقوى وأنفد من كل منذر.
(الشك) السابع عشر
في إنجيل لوقا في الإصحاح الثاني عشر قال بعد قوله: "لا تهتموا بأنفسكم بما تأكلون ولا لأجسادكم بما تلبسون، بأن من منكم إذا هم يقدر أن يزيد على قامته ذراعاً واحداً، فإن كنتم لا تستطيعون ولا ماهو صغير فكيف تهتمون بالبواقي".1
صورة الركاكة
إن معناه ههنا: لا تهتم بالغد ماذا تأكل؟ أو ماذا تلبس، وضرب مثلاً بأنه: إن كنتم لاتقدرون أن تزيدوا على قامتكم ذراعاً واحداً فكيف تهتمون بالبواقي. فكأنه يقول: إن الحصول على مؤونة الغد شاق وصعب، أما التطويل للقامة فهو ممكن الحصول.
والحال أن الأمر (بالعكس) ، لأن الاهتمام بالغد يقع مع الأكثر ويفعلونه، وأما التطويل للقامة ما وجد على الإطلاق، ولا قدر على فعله إنسان.
1 لوقا 12: 22-26 وفيه ((لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون ولا للجسد بما تلبسون الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على قامته ذراعاً واحدة، فإن كنتم لا تقدرون ولا على الأصغر فلماذا تهتمون بالبواقي)) .
فكيف عيسى عليه السلام يصعب الممكن صنعه، وبجعل الهين المصنوع ممتنعاً* (والمستحيل الغير ممكن صنعه يجعله هيناً) 1، فهذا الأمر لا يتصوره عاقل.
والذي يؤكد تزوير هذا المثال شرح صورته الصحيحة في إنجيل متى الإصحاح السادس2، حيث (ذكره بدون الجملة المزورة) ، التي هي "فإن كنتم لا تقدرون ولا ماهو صغير كيف تهتمون بالبواقي".3
* حاشية: (اعلم أنه وإن قيل إن الاهتمام بالغد هو برتبة الممتنع كما ظنه بعض المفسرين، فلذلك جاز عندهم ضرب الممتنع بالممتنع. فالجواب عليه نقول: إن قدرنا أن الاهتمام بالغد ممتنع مع استحالته فالممتنع لا يمنع منه، لأنه لا ترد به شريعة مطلقاً، أي أن الشارع لا يحكم عليه بالمنع، لكونه إن منعه، وإن لم يمنعه غير ممكن للإنسان عمله. ومثال هذا: كما أنه إذا قال إنسان: إني أريد أن أطير اليوم مع الطيور، وأنا مهتم بذلك، فلا يقتضي من العقلاء أن يمنعوه، لأنه ممتنع طيرانه بالطبع. ثم نقول: والنتيجة من ذلك إن قالوا: إن الاهتمام بالغد ممكن، فقد ورد عليه الجواب من المؤلف رحمه الله تعالى، وإن قالوا: إنه ممتنع، قلنا: إن الممتنع لا يمنع منه، وجميع الأجوبة التي تقدر في هذا الباب تدخل تحت هذين الحدين: إما ممكن أو ممتنع، وكلاهما منقوضان. ثم نرى أن الاهتمام بالغد، الذي جعله المزور ممتنعاً، وأسنده إلى عيسى عليه السلام هو أمر طبيعي مرتبط بالرجاء الطبيعي، لأن القمح مع أكثر المزروعات لا تخرج من الأرض إلا سنوياً في أيام معلومة، وبالضرورة يلتزم البشر في حفظها ويهتمون لصيانتها ليكمل معاش السنة. وقد يلحظ من كل ماذكرنا أن المزور على عيسىعليه السلام في هذا المثال، -إن الاهتمام بالغد هو أبلغ من التطويل للقامة -هو رجل مبغض لعيسى عليه السلام.
1 ما بين القوسين ليس في. د ولابد منه ليتم الكلام.
2 إنجيل متى 6: 25-29 فقد ورد فيه المعنى السابق إلا أنه لم يذكر فيه الجملة الأخيرة التي أشار إليها المصنف رحمه الله
3 لوقا 12: 26.
(الشك) الثامن عشر
في الإصحاح الثامن من إنجيل يوحنا يقول عيسى لليهود "قد كتب في ناموسكم أن شهادة رجلين حق هي فأنا أشهد لنفسي وأبي الذي أرسلني يشهد لي"1.
صورة الركاكة
فأقول حاشا سيدنا عيسى أن يذكر مثل هذا الكلام السخيف، لأنه هو المدعي وهو الشاهد لنفسه، كأنه غير عارف معنى الشريعة التي ذكرها، أن المدعي يقتضي أن يستشهد اثنين خلاف شخصه، فالمسيح كيف يقول عن ذاته: إنه هو يشهد لنفسه، وأبوه هو الشاهد الثاني، الكلام الذي هو مضاد للعقل، ومضاد أيضاً لنقله، الذي هو استند عليه بقوله "كتب في ناموسكم أن شهادة رجلين حق"، مع أنه كان يكفي عن قوله "كتب في ناموسكم أن شهادة رجلين حق "أن يقول أبي يشهد لي فقط، فالمؤمن يصدق، وغير المؤمن لا يصدق، ففي الوجهين أولى من ورود هذه الدعوى2، التي يظهر أنها مزورة عليه وهو بريء منها، لكونه له معرفة تامة بالشريعة.
1 يوحنا 8: 17-18.
2 يعني في الحالين تصديق من يصدق وتكذيب من يكذب أولى من ادعاء هذه الدعوى الباطلة.
(الشك) التاسع عشر
في الإصحاح السابع والعشرين من إنجيل متى قال "حينئذ تم ما قيل في إرميا النبي وأخذوا الثلاثين الفضة ثمن المثمن الذي أثمنه بنو إسرائيل وجعلوها في حقل الفخار كما أمرني الرب".1
صورة التزوير
هذه الشهادة التي ذكرها، وأنها من نبوة إرميا ليس لها وجود في نبوة إرميا، بل هي موجودة في نبوة زكريا في الإصحاح الحادي عشر2.
فالحاكم العاقل له أن يحكم في أحد ثلاثة وجوه:
إما بعدم معرفة متى الإنجيلي، وأنه ما أدرك إن كان إرميا كتبها أو زكريا، أو بتحريف هذه الشهادة في إنجيله، وإما أن قلماً آخر غير موضعها في التوراة.
1 متى 27: 9-10.
2 زكريا 11: 12-14
الشك العشرون
في إنجيل يوحنا في الإصحاح التاسع يقول: "بينما يسوع كان مجتازاً رأى رجلاً أعمى مولوداً فسأله تلاميذه قائلين: من أخطأ أهذا أم أبواه حتى أنه ولد أعمى؟ أجاب يسوع وقال: لا هذا أخطأ ولا أبواه، ولكن لتظهر أعمال الله فيه".1
صورة التحريف
إن هذا الرجل الذي ولد وهو أعمى: متى أخطأ، حتى أنهم سألوا سيدنا عيسى: من أخطأ أهذا أم أبواه، حتى أنه ولد أعمى2؟ فلابد أن يظهر من سؤالهم هذا أنه كان في الدنيا قبل هذه المرة ومات، [وقد بقي عليه خطايا كما تزعم اليهود إلى الآن] ، ولما رجع إلى الدنيا ثانية؛ أعني في زمان عيسى اقتص منه بالعمى في جوف أمه عن خطئه السابق قبل موته الأول.
وهذا المعنى الوارد منهم، أعني أن الإنسان يوجد في العالم ويموت ثم بعده يرجع ويعيش، لا يخلو: إما أن يكون عيسى قد سلم به واستصوبه، بحيث أنه لم ينقضه عليهم ويقول لهم: أيا جهال متى أخطأ هذا؟ أقبل ولادته؟ وإما أنه ما فهم منهم قوة معنى كلامهم، ولا أدرك قوة مصادقة كلامه الذي أورده لجواب كلامهم أي قوله: لا هذا المخطئ ولا أبواه. وعلى الحالتين الركاكة والقصور في الاعتقاد موجودان.
1 يوحنا 9: 1-3.
2 إلى هنا نهاية السقط الذي في نسخة ت.
الشك الحادي والعشرون
في سفر التكوين في الإصحاح التاسع يقول: فلما نظرحام أبو كنعان عرية أبيه أنها مكشّفة أخبّر إخوته خارجاً، فلما استيقظ نوح من الخمر وعلم ماعمل به ابنه الأصغر فقال: ملعونٌ كنعان بن حام ويكون عبداً لعبيد إخوته 1.
صورة ظلم كنعان
إن حاماً أبا كنعان هو الذي نظر عرية أبيه نوحا، وأما اللعنة من نوح فكانت على كنعان بن حام، عوضاً عن أن تكون على حام، الذي نظر عرية أبيه، وهذا الوجه ظلم لامناص منه مطلقاً، بحيث إنه حسب تقرير التوراة أن حاماً هو الذي أخطأ، واللّعنة صارت على ابنه كنعان*.
1 تكوين 9: 22-25 وفيه ((فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر أخويه خارجاً
…
فلما استيقظ نوح من خمره علم مافعل به ابنه الصغير فقال ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته)) .ولا شك أن اليهودقد كذبوا على نوح عليه السلام وذلك من افتراءاتهم على أنبياء الله التي ملأوا بها كتابهم، فما سلم من طعنهم وافترائهم أحد من الأنبياء، ونوح عليه السلام قد وصفه الله عز وجل بأنه عبد شكور. قال تعالى في معرض الامتنان على بني اسرائيل:{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} الإسراء 3، فكيف يتأتى من نبي من أنبياء الله أن يرتكب هذا المنكر العظيم –سبحانك هذا بهتان عظيم–، وما افترى اليهود هذه الفرية على نوح عليه السلام إلا لأجل أن يتوصلوا إلى لعن كنعان أبي الكنعانيين ووصفه بالعبودية لإخوته، وذلك لأن الكنعانيين كانوا أعداء بني اسرائيل الألداء، فأرادوا أن يطعنوا بهم بذلك، وهذا دليل على حمقهم وتغفيلهم وفسقهم، لأن دلائل الكذب ظاهرة في النص كما شرح المصنف رحمه الله
* حاشية: (وإن قيل من أحبار اليهود والنصارى إن حاماً هو كان ابن البركة، وليس من الواجب أن يلعن وإن كان كنعان ابنه قد تحولت عليه اللّعنة من حيث أمه قد حملت به أيضاً وهم ضمن السفينة، فمن هذين الوجهين اقتضى تحويل اللّعنة من حام إلى ابنه كنعان.
فأقول: إن هذين الوجهين لايبرءان حاماً من القصاص، ولا يوجبان اللّعنة على كنعان، لأنه إن كان حام هو المبارك وأخطأ لا يلزم أن يلعن كنعان ابنه عوضه، وإن كانت أم كنعان حملت به وهم ضمن السفينة، لا يلزم أن يلعن، بل الحكم كله على أبيه، الذي زرعه في السفينة، [وهو الذي ضحك لما نظر عرية نوح] ، وعلى جده نوح أيضاً، الذي تزورت عليه أنه كان سكراناً، وعلى كلا الوجهين فلعنة كنعان من جده نوحٍ عوضاً عن أبيه حام هي إما ظلم وإما تحريف) .
(الشك) الثاني والعشرين
في إنجيل متّى في الإصحاح السادس عشر العدد الحادي والعشرين1 قال: "وبدأ من ذلك الزمان يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يمضي إلى أورشلم ويقبل آلاماً كثيرة من المشيخة والكتبة ورؤساء الكهنة ويقتل ثم يقوم في اليوم الثالث، فاتخذه بطرس وبدأ ينهاه قائلاً: حاشاك يارب أن يكون لك هذا، فالتفت يسوع وقال لبطرس: اذهب خلفي يا شيطان لأنك أنت لي شكٌ لأنك لا تفكر فيما لله بل فيما للناس".
1 متى 16: 21،22 وفيه ((من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم من كثير الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يارب لا يكون لك هذا فالتفت وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي)) .
(صورة) ظلم بطرس:
فأقول: إنه إذا كان سيدنا عيسى يعلم بأن من قال لأخيه: يا أحمق، وجبت عليه نار جهنم، فكيف يجعل من يستعطفه شيطاناً، الذي قال له:"حاشاك يارب" -وبالحق حاشاه - كان الجواب له: اذهب خلفي ياشيطان. ففي (تلك) المشاكل السابقة كنا ننظر قصاصاً بليغاً على خطايا جزئية، وقلنا إنها ظلم بلا شك، فهذا الذم الوارد على من يستعطف المسيح، مع أنه لا يليق إذلاله، (والحط من) شأنه، وتوجيه اللوم (إليه، مع أنه خال) 1 من كل وجه من وجوه الخطأ، ويقال له من نبي مثل هذا2 "ياشيطان"، فماذا يحكم العقل فيه؟ أليس تزويراً كما الحكاية كلها3.
والدليل على أنه تزوير هو من الجملة التي كتبها لوقا في الإصحاح التاسع في هذا المعنى فقط، الخالية من قوله: اذهب خلفي يا شيطان4 *.
1 في النسختين ((وتوجه العوارض عليه الخالي من كل وجه)) وصوابها ما أثبت.
2 أي من نبي مثل عيسى عليه السلام.
3 يقصد دعوى أن المسيح أخبر أتباعه أنه يقتل ويقبر ثم يقوم في اليوم الثالث. وفي. د قال ((أليس إلا أنه تحريف كباقي التحاريف)) .
4 لوقا 9: 22 حيث لم يذكر فيها كلام بطرس ولا رد المسيح عليه.
(*) حاشية: (اعلم أنّ الذي يؤكد ذلك التزوير غلاقة هذه الجملة وهي قوله لبطرس: لأنك لا تفكر فيما لله، ومعناه أنك أنت يا بطرس أو خلافك إذا نظروا رجلاً مثلي في غاية الكمال من السيرة الطاهرة قد يلزم لهم إذا سمعوا منه بأنه مزمع أن يقتل بلا سبب ويألم، بأن يظنوا فيه بأنه من جملة أفعال الله الخارقة، وحاشا، أن يسمح بأن يقتل ظلماً، وأما إذا ظنوا ذلك قد يحكم عليهم بأنهم شياطين، وهذا الحكم قد يضاد العقل والنقل، ولهذا قد نسبوه إلى عيسى، الذي هو برئ من مثل هذه التهمة، مع أنه كان ينبغي لهم أن ينظروا أن استعطاف بطرس للمسيح هو ناتج من ظنه فيما لله، لأنه أدرك من الله أنه ليس بظالم حتى يترك عيسى البرئ من كل ذنب أن يقتل ظلماً) . وهذه الحاشية ليست في. د.
[وإن قيل: إن أفكار بطرس كانت منصرفة إلى روح العالم، وليست هي متعلقة بالله، لأن يسوع عليه السلام قال له "إنك يابطرس لاتفكر فيما لله بل فيما للناس".
فأجيب: إن هذه الجملة اللاحقة التي هي قوله "لا تفكر فيما لله" يظهر أنها محرفة أيضاً، لأن كلام بطرس السابق يدل على أن أفكاره متعلقة بالله سبحانه وتعالى، وتراه فكر تفكيراً صائباً، وهو أن الله لايليق بأحكامه أن يترك رجلاً حاوياً مثل هذه المناقب الحميدة والأفعال الصالحة يأخذه اليهود ويهينونه، ويقتلونه ظلماً وجوراً.
فهذا الفكر الذي هو: أن الله ليس بظالم، هو الظاهر معناه من مضمون كلام بطرس، وليس فكراً متعلقاً فيما للناس، كما ظنه بعض المفسرين من النصارى، بل هو فكر متعلق فيما لله سبحانه وتعالى] .
(الشك) الثالث والعشرون
في إنجيل مرقص في الإصحاح الحادي عشر يقول: "ونظر يسوع إلى تينة من بعيد ذات ورق فجاء (إليها) لعله يجد فيها شيئاً، فلما جاء إليهالم يجد إلا ورقاً فقط لأنه لم يكن زمان التين، (فقال) : لايأكل أحد منك ثمراً إلى الأبد، ولما جازوا في الغد فرأوا التينة يابسة من أصلها، فتقدم بطرس وقال: يا معلم ها التينة التي لعنت قد يبست"1.
(صورة) ظلم التينة
(فأقول) إن مرقص ههنا شهد أنه لم يكن زمان التين، فكيف يغضب عليها سيدنا عيسى عليه السلام إذا كان لا يوجد فيها ثمر في غير زمان (التين) والثمار؟،لأن جميع النبات2 لا يثمر في غير حينه، فإذاً يظهرأن هذا الفعل هو مباين للعدل، فكيف ينسب فعله إلى المسيح، وحاشاه من أن يفعل مثل هذا الفعل في هذا الوجه، وهذا النص الوارد من مرقص كان (واقعة حقيقية) 3؛ أعني: أنها شجرة تين صريحة لا تقبل
1 مرقس 11: 13-22.
2 في. د قال ((الثمار))
3 في النسختين ((واقعاً فعلياً حقيقياً)) ومراده: أنه ليس مجازاً بل الوارد في النص أنها شجرة تين.
التأويل1، لأن بطرس يؤكد حقيقة هذا الكلام بقوله:"يا معلم ها التينة التي لعنت قد يبست".
فهذا المشكل يجب أن يحكم فيه العقلاء الخالون من الغرض، ويميزوا إن كان المسيح تكلم بمثل ذلك، أو أن ذلك تزوير عليه كباقي التزاوير2.
1 الجملة في النسختين ((أعني أنها شجرة تين لا تنفر من معنى حرفيتها، ولا تقبل التأويل إذا تمثلت إلا من بعد تقويم حرفيتها المثالية)) . وهي عبارة ركيكة، ومراد المؤلف رحمه الله إثبات أن لفظة التين ليست مجازية، وكتبتها حسب ما فهمت من مراده.
2 في. د ((أو تحريفاً عليه كباقي التحاريف)) .
(الشك) الرابع والعشرون
في إنجيل متّى في الإصحاح الثامن عشر يقول للذي كان مديوناً إلى سيده فأمر سيده أن يباع هو وامرأته وبنوه وكل ماله حتى يوفي، وذلك إذ ليس له مايوفي 1.
(صورة) ظلم المديون
إن هذا ظلم مبين: أن مديوناً ليس عنده شئ يوفي؛ يحكم عليه بأن يباع هو وامرأته وبنوه وكل ماله حتى يوفي (الدين) .
أقول: إن كان هذا الأمر (جرى) وصدر لأنه عبده فيكون أمره بأن يباع العبد هو وامرأته وبنوه وكل ماله، فليس هو من وجوه الاستيفاء لكون العبد وما ملكت يداه لسيده إذ إنه إن باعه وإن لم يبعه فهو تحت ملكه وحوزة تصرفه، ولا ينبغي له أن يقول حتى يوفي. وإن كان هذا العبد في الوقت الذي أمر به أن يباع هو وامرأته وبنوه كان مطلقاً من العبودية وحراً فالقصاص عليه بأن يباع هو وامرأته وبنوه وكل ماله هو مضاد لشرائع الله تعالى ومناف للعدل بل هو مناف لشريعته الفضلية*.
1 متى 18: 25 وفيه ((وإذ لم يكن له مايوفي أمر سيده أن يباع هو وامرأته وأولاده وكل ماله ويوفي الدين)) .
* حاشية: للناسخ: نعم إن التوراة قالت إن افتقر أخوك وابتعته فلا تستخدمه مثل العبد إلا أنها لم تأمر صاحب المال ان يبيع المديون وأولاده وامرأته، وهذا الحكم قد صدر عليه من قبل أن (يظلمه) أخوه ويقسو عليه. وهذه الحاشية ليست في. د، وإنما ورد فيها بعد قوله في المتن أعلاه ((الفضلية)) العبارة الأخيرة الواردة في الحاشية من قوله ((وهذا الحكم قد صدر عليه)) .
(الشك) الخامس والعشرون
1 في رسالة بولس إلى كولوسي في الإصحاح الرابع يقول: "واقرأوا أنتم الرسالة التي من لاودكية" 2، وفي سفر الملوك الثالث يقول: إن عدد الأمثال التي إلى سليمان ثلاثة آلاف مثل، وتسابيحه ألف وخمسة تسابيح3 ونبوة أخنوخ4.
صورة النقض
أقول: إنك أيها العالم النحرير تجد تأكيد التزوير في التوراة والإنجيل ليس مما شرحناه لك في الشكوك الماضية فقط، بل إنك هنا
1 من بداية الشك الخامس والعشرين سقط من نسخة. ت إلى منتصف الشك الثامن والعشرين وهو موجود في نسخة. د.
2 في 4:16 وفي النسختين ((اللاذقية)) .
3 في سفر الملوك الأول 4: 32 قالوا عن سليمانعليه السلام ((وكان صيته في جميع حواليه وتكلم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ألفاً وخمسا)) .
4 ذكرها يهوذا في رسالته 14 وأخنوخ كما يذكر ابن كثير هو إدريس عليه السلام الوارد في قوله تعالى {وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} مريم (56-57) انظر البداية والنهاية (1/101) .
تتأكد من نقص وانعدام رسالة لاودكية، ونقص أمثال سليمان، وتسابيحه التي لم يبق منها ولا ثلثها، ونقص نبوة أخنوخ التي ذكر جملة منها يهوذا الحواري1 في رسالته الجامعة. وهذا وحده يكفي للبيان.
ويوجد نقص آخركثير قد أعرضنا عنه، كما يخبرنا بذلك يوسيفوس المؤرخ في كتابه2، وفي كتاب لافجانيوس3 المبتدي فيه من المائة سنة الأولى4، المسلم عند النصارى، التي ذكر بها: أن الأناجيل التي كانت موجودة في ابتداء الديانة النصرانية كان عددها أكثر من نحو ثلاثين إنجيلاً، التي تعدد أسماء كاتبيها وقد أشار إليهم لوقا إجمالاً في أول إنجيله: بأن كثيرين باشروا كتابة قصص الأمور التي كانت كملت فينا5، التي
1 قوله الحواري هنا لايصح لأنه لادليل عليه، بل إن ضمن رسالته مايدل على أنه ليس حواريا.
2 يوسيفوس هو مؤرخ يهودي، ولد في أورشليم وشهد خرابها على يد تيطس، له ((الحرب اليهودية)) و ((العاديات اليهودية)) ، وهو تاريخ للعالم القديم حتى عام 69م. توفي عام 100م. انظر المنجد ص756.
3 لم أتمكن من معرفته.
4 في الأصل: ((الأولى، الأولى)) ويبدو أن الثانية خطأ.
5 هكذا العبارة وفيها ركاكة وما ورد في بداية إنجيل لوقا هو قوله ((إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة)) .
وصل إلينا منها إلى حد زماننا هذا أربع مقالات من متى ومرقس ولوقا ويوحنا وتسمى أناجيلاً فقط.
وهذا النقص يدلنا على نقص شهادات أخر كثيرة في التوراة والإنجيل ذكر فيها1 اسم نبينا صلى الله عليه وسلم حرفياً، غير التي أوردناها لصدق القرآن العظيم القائل و"اسمه أحمد"، وأنه مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل2.
1 في النسخة العبارة هكذا ((مقولة حرفياً في التوراة والإنجيل في اسم النبي صلى الله عليه وسلم) وهي ركيكة وصوابها ما أثبت.
2 وذلك في قوله تعالى {النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيل} الأعراف آية (157) .، وفي الآية الأخرى قوله تعالىعن المسيح {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَد} الصف آية (6) .
(الشك) السادس والعشرون
في نبوة حزقيال في الإصحاح الرابع يقول: إن الله تعالى شأنه قال لحزقيال "وخبز ملة من شعير تأكله وتلطخه بزبل يخرج من الإنسان" ولما اعتذر حزقيال واستعفى من أكل الخبز الملوث بزبل الإنسان، كما يخبر عنه في الفصل ذاته، فبدله بخبز ملوث بزبل البقر، بقوله في العدد الخامس عشر فقال له:"أعطيتك زبل البقر عوضاً عن رجيع الإنسان وتصنع خبزك فيه"1.
صورة أكل زبل الإنسان:
إن هذه النبوءة قد صيرت عقلي مذهولاً، كيف أن الله تعالى وحاشاه يأمر النبي بأكل خبز ملطخ بزبل الإنسان، ولا أقدر أن أتصور كيف أن الغائط يؤكل، وكيف أن الله سبحانه وتعالى ما أهلك الناسبين له هذا الأمر وأنه من أمره2، وحاشاه.
1 حزقيال 4: 12-16 وقالوا فيه مدعين أن ذلك أمر الله تعالى إلى حزقيال -تعالى الله عن ذلك- ((وتأكل كعكاً من الشعير على الخرء الذي يخرج من الإنسان تخبزه أمام عيونهم، وقال الرب هكذا يأكل بنو إسرائيل خبزهم النجس بين الأمم الذين أطردهم إليهم، فقلت آه ياسيد الرب ها نفسي لم تتنجس ومن صباي إلى الآن لم آكل ميتة أو فريسة ولادخل فمي لحم نجس، فقال لي: انظر قد جعلت لك خثى البقر بدل خرء الإنسان فتصنع خبزك عليه)) .
2 هذا حِلم الله على عباده قالعز وجل: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} فاطر آية (45) .
(الشك) السابع والعشرون
في سفر الخروج في الإصحاح الثاني عشر قال: "فكان جميع ماسكنه بنو إسرائيل في أرض مصر أربعمائة وثلاثون سنة، وبعد أن كملت الأربعمائة وثلاثون سنة في ذلك اليوم خرج جنود الرب جميعهم من أرض مصر".1
وفي الإصحاح الخامس عشر من سفر التكوين قال خلاف ذلك، حيث قال لإبراهيم:"اعلم عالما أن نسلك سيكون ساكناً في أرض غريبة ويستعبدونهم ويضيقون عليهم أربعمائة سنة ومن بعدها يخرجون بمال جزيل".2
صورة التناقض
فأقول: في سفر التكوين قال أربعمائة سنة، وفي سفر الخروج قال أربعمائة وثلاثون سنة، وأيضاً فإن بني إسرائيل لم يبقوا في مصر حتى ولاأربعمائة سنة التي ذكر الله عز وجل لسيدنا إبراهيم، لأن قاهت جد سيدنا موسى كان قد نزل إلى مصر مع أبيه لاوي، فقاهت هذا إذا كان تزوج على التقدير ابن خمسة وستين سنة، وولد عمران أبا موسى، وعمران لما تزوج فلنفرض عمره خمسة وستين سنة أخر، وولد سيدنا موسى، وهذا
1خروج 12: 40-42.
2 التكوين 15: 13.
موسى عليه السلام لما خرج بنو إسرائيل من مصر كان عمره ثمانين سنة، فتكون جملة السنين المجموعة مائتين وعشرة سنين.
وهذا التقدير يطابق حسب دفاتر اليهود الموجودة عندهم في التلمود.
فأين غلاقة الأربعمائة وثلاثين سنة المكتوبة في سفر الخروج، لأن الفرق ههنا مائتا سنة وعشرون سنة. *
* حاشية: (قد يقول تلمود اليهود مع مفسري النصارى أن مدة العبودية قد تحسب من حين خروج إبراهيم من أرض الكلدانيين، وإتيانه إلى أرض كنعان، إلى حين خروجهم من إرض مصر، فهذه المدة تصير قريبة من الأربعمائة وثلاثين سنة، ويستندون على التوراة اليونانية بحيث أنها تذكر في سفر الخروج أن جميع ما سكن بنو إسرائيل في أرض مصر وأرض كنعان أربعمائة وثلاثون سنة. فأقول: إن ههنا ظهر لنا من هذا الكلام تحريفا آخر في التوراة اليونانية، حيث إنها تقول أربعمائة وثلاثون سنة في أرض مصر وأرض كنعان، وفي التوراة العبرانية التي هي الأصل تذكر أن إقامتهم كانت في أرض مصر، وفي قول التوراة الأخرى في أرض مصر وأرض كنعان. وأيضا أقول: إن الذي يزيف تفسير التلمود هذا، ويبين تحريف التوراة اليونانية هو نفس نسق العبارة القائلة إن جميع ما سكن بنو إسرائيل في مصر، ولم يقل إن جميع ما سكن إبراهيم وبنو إبراهيم كما فسره التلمود، لأنه إذا كان مراد التلمود أن يحسب الأربعمائة وثلاثون سنة من دخول إبراهيم أرض كنعان، لكن ينبغي أن التوراة تقول: إن جميع ماسكن إبراهيم وبنو إبراهيم وليس كما قالت: إن جميع ما سكن بنو إسرائيل، لأنه يوجد فرق بليغ فيما بين اسم إبراهيم وإسرائيل، عدا فرق السنين التي بينهما.
وأيضا أقول: إن أرض كنعان التي أسندوا إليها تحريفهم لا تحسب أرض عبودية وضيق، لأنها هي الأرض التي أعطاها الله سبحانه وتعالى إلى إبراهيم حين أخرجه من أرض الكلدانيين، وأسكنه فيها وأوعده أن يعطيها لنسله أيضا، فكيف تعد بأرض أسر وعبودية، كما زعمت التوراة اليونانية، المضادة للتوراة العبرانية، القائلة في أرض مصر.
والذي يؤكد ذلك (قولهم: إن الله قال) لأبراهيم في الإصحاح السابع عشر من سفر التكوين "وأني سأعطي لك ولنسلك أرض غربتك جميع أرض كنعان ملكا أبديا".
حاشية (أخرى) (اعلم أن من بعد قول الله لإبراهيم وأنه يعطي له ولنسله جميع أرض كنعان، فما عاد يجوز عند العقلاء ولاعند الشرع أن تحسب أرض كنعان بأنها أرض أسر وعبودية، لأن الإيهاب لايعد تارة نعمة وتارة نقمة.
ونتيجة الأمر أن الشك يجمع (ثلاثة تحريفات) :
أولاً - الفرق بين الأربعمائة وبين الأربعمائة وثلاثين.
ثانياً - أن التوراة العبرانية تذكر أن إقامة بني إسرائيل كانت في أرض مصر، واليونانية تقول في أرض مصر وأرض كنعان.
ثالثاً - أن الزمانين على حساب دفاتر اليهود غير صحيحين، لأن بني إسرائيل لم يقيموا في مصر غير مائتين وعشرة سنين مأسورين تحت العبودية والضيق، وبهذا كفاية لإثبات التحريف.
وأيضاً نقول: إنه لو قدرنا المحال وحسبنا حساباً آخر، وهو أن قاهت عند انقضاء حياته التي هي مائة وثلاثين سنة ولد عمران، وعمران
عند انقضاء حياته، أيضاً التي هي مائة وسبعة وثلاثين سنة ولد موسى*، وموسى حينما خرج من أرض مصر كان عمره ثمانين سنة، كما قالت التوراة، فإذاً على جميع الوجوه المشروحة التغيير واقع وموجود، عدا ضعف قولهم المستند على التوراة اليونانية: إن أرض كنعان الشريفة والموهوبة لإبراهيم عليه السلام ولنسله هي أرض أسر وعبودية.
والنهاية إذا كانت أرض كنعان، التي هي أرض موعدهم هي أرض أسر وعبودية، والله سبحانه وعدهم بأن يخرجهم من أرض الأسر والعبودية بمال جزيل، فإلى أين خرج بنو إسرائيل من أرض كنعان؟؟، وأين سكنوا خلافها؟؟.
* حاشية "أعمارهم في سفر الخروج الإصحاح السادس".
(الشك) الثامن والعشرون
في الإصحاح الثاني عشر من سفر الخروج قال "وارتحل بنو إسرائيل من أرض رعمسيس1 إلى (سكوت) 2 نحو ستمائة ألف مقاتل غير الأطفال، ولفيف عظيم أيضاً بغير عدد"3، ثم في سفر العدد في الإصحاح الثاني قال "فهذا عدد بنو إسرائيل لبيوت آبائهم وأفواجهم المتفرقين في العسكر ستمائة ألف وخمسمائة وخمسين رجلاً عدا سبط بني لاوي هؤلاء كانوا رجالاً مقاتلين "4، (ونراهم) في مجموع أسباطهم بالعدد ذاته.
صورة التحريف
يلزم أن نعمل معدلاً لهذه الكثرة والألوف من أين وجدت وولدت؟ لأنه أولاً: أن هؤلاء الست كرات5 من الرجال يقتضي أن ينضاف إليهم أربع كرات أخر من أولاد دون البلوغ وكهول، فتصير
1 رعمسيس: هي مدبنة مصرية من ناحية الشرق، وقد سكنها بنوا اسرائيل بأمر فرعون مصر، كما يقول اليهود في كتابهم. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص406
2 في النسخة قال ((ساحوث)) وما أثبت هو الصواب، وسكوت: تل يقع شرق الأردن بالقرب من الزرقاء انظر قاموس الكتاب المقدس ص472
3 الخروج 12: 37.
4 العدد 2: 32.
5 يقصد بالكرة مائة ألف. انظر: المنجد في اللغة ص 679.
الجملة عشرة كرات من الذكور، ولنضيف لهم سبط لاوي، وبالفرض نحسبه كرة أخرى، بحيث هو واحد من الاثنى عشر سبطاً، فتكون جملة عدد بني إسرائيل الذين خرجوا من مصر إحدى عشرة كرة من الذكور، أعني: أحد عشر مائة ألف من الذكور، ثم ولنضيف لهم قدرهم، أي إحدى عشرة مائة ألف أنثى حسب القاعدة الطبيعية، فتصير جملتهم اثنتين وعشرين مائة ألف نفس (2200000) ، أي اثنتين وعشرين كرة 1.
فإذا كان حسب أخبار التوراة نفسها المذكور في سفر التكوين: أن يعقوب أبا الأسباط، الذي هو ابن البركة عندما نزل إلى مصر هو وبنيه وبني بنيه، ثلاثة أجيال جمعت عيلته من الثلاثة أجيال، أي المتوالدين من بنيه وبني بنيه فكان عددهم سبعين نفراً2 وفي مكوثهم في مصر توالد هؤلاء السبعون نفساً أولاد سيدنا يعقوب خلال ثلاثة أجيال أخر مثل أبيهم وجدهم يعقوب، وفي الجيل الثالث خرجوا من مصر. وهذا شيء ظاهر أمره ومصرح به في الإصحاح السادس والأربعين من سفر التكوين، وفي الإصحاح السادس من سفر الخروج 3.
أما الثلاثة أجيال المذكورة في سفر التكوين فهم: يعقوب ولاوي وقاهت، وأما الثلاثة أجيال المذكورين في سفر الخروج فهم: قاهت
1 أي يصير عددهم مليونين ومائتي ألف إنسان.
2 التكوين 46: 27.
3 الخروج 6: 14.
المذكور في سفر التكوين، وعمران أبو موسى، وموسى هذا الذي خرج ببني إسرائيل من أرض مصر، فإذا كان يعقوب الذي كانت البركة له، كان عدد أهله وبني بنيه على ثلاثة أجيال، سبعين نفساً، فيقتضي1 على هذا المنوال أن هؤلاء السبعين نفساً على ثلاثة أجيال أخر، الذين هم: قاهت وعمران وموسى أن يولدوا سبعين سبعيناً، وإذا انضرب في الحساب سبعين في سبعين يكون أربعة آلاف وتسعمائة نفس، فمن أين توجد اثنتان وعشرون كرة، الذين ذكرناهم بناءً على كلام التوراة2.
1 من هنا نهاية السقط الذي في نسخة. ت.
2 حاشية: (اعلم أنّ هذه المقدمة التي أوردها هذا المؤلف [رحمه الله تعالى] بحصره هذه الدعوى في يعقوب وخلفه وعدتهم، بعددهم [الشهير عندهم في التوراة] في ثلاثة أجيال [الأول] ، هي التي أظهرت [التحريف وأوضحت النتيجة على أن] الثلاثة أجيال التالية لاينبغي أن تتجاوز هذا الحد بالتوليد، [وعلى ذلك يشهد القرآن الشريف القائل عنهم في سورة الشعراء {إن إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} ] ، (إن هذا المؤلف قد أظهر إنسانية بليغة لأنه ما عامل الحساب إلا بأنقص من حقه لأنه أولاً: حسب الناس القاطعين الأولاد من السبعين مع السبعين، وثانياً: قد حسب الذين أعمارهم من تحت العشرين سنة، والناس من فوق الخمسين سنة إلى مائة وأكثر الذين لا يحملون سلاح أربع كرات، والحال ينبغي أن يكونوا أربع عشرة كرة، بحيث المولود من عشرين إلى خمسين إذا (أخرجوا) من الناس المولودين في مسافة مائة سنة، تظهر كميتهم ثلاثة من عشرة، فإذا كان الحاملون للسلاح ست كرات، يقتضي أن يكون غير الحاملين سلاحاً أربع عشرة كرة، ويكون جمعهم أربعة وأربعين كرة لا اثنين وعشرين كما ذكرهم المؤلف)) .
وإن قيل في حل هذا المشكل: إنه موجود في تلمود اليهود تفسيراً أن بني إسرائيل بحيث هم مباركون، فكانوا يتوالدون كل خمسة أولاد في بطن واحد مشكوكين مثل حب المسبحة، بخلاف الطبيعة:
فأجيب: إن كان بنوا إسرائيل يتوالدون بخلاف الطبيعة، فلماذا (لم تذكر) التوراة عنهم ذلك، (ولم تقل) إن بني إسرائيل لما كانوا بمصر، وقبل نزولهم إلى مصر كانت المرأة منهم تلد في بطن واحد خمسة أولاد؟!، ولماذا يعقوب الجد ذكرت عنه أنه في ثلاثة أجيال خلف سبعين نفساً؟!، وذكرت أيضاً مواليد يوسف وأنه أولد منسى، وبعده أفرام، وعن قاهت ابن لاوي أنه أولد عمران ويصهر وحبرون وعوزيل، وأن عمران أولد مريم [بعدها] وهارون، وبعد ثلاث سنوات أولد موسى، وموسى أولد جرشون واليعازر، وأمثال ذلك كثير (ممن) قد ذكرتهم التوراة، وكلهم توالدوا على (مألوف) العادة الطبيعية، (ولم تذكر) عن واحد منهم أنه أولد ثلاثة أولاد أو أربعة في بطن واحد، عدا يهوذا ابن يعقوب الزاني بكنته، فمنها أولد توأماً ذكوراً، وهما فارص الذي من سلسلته ولد عيسى على زعمهم، والولد الثاني هو زارخ.
لاحظ هذه المعاني في سفر الخروج1، وفي سفر العدد2، وفي سفر الأيام الأول 3
1 تكوين 38: 29 ولم أقف عليها في سفر الخروج.
2 26: 20.
3 2: 4.
ثم نعود إذاً إلى ما ذكرناه: أنه ينبغي (أن) السبعين الذين توالدوا من يعقوب في ثلاثة أجيال أن يولد لكل واحد من السبعين سبعين نفساً على ثلاثة أجيال أخر، وإذا ضربت كما قررنا السبعين في سبعين (تكون) أربعة آلاف وتسعمائة، فمن أين يكون (تكميل) الاثنتين وعشرين كرة1 *
1 في هذا الموضع وإلى آخر الشك الثامن والعشرين حسب نسخة. ت تقديم وتأخيروارتباك في وصل الكلام وفصله، وقد أثبته وفق ترتيب نسخة. د، وقد نبه ناسخ. ت إلى وجود التقديم والتأخير مابين الحواشي والنص.
* حاشية: (اعلم أنه يوجد حساب آخر من التوراة نفسها [يظهر عدم وجود] هذه المبالغ المذكورة في هذا الشك، وهو أن موسى عليه السلام على موجب شرح التوراة عد شعب إسرائيل الناقلين السلاح في مائتين وعشرة سنين من السبعين (ذرية) يعقوب [الذين نزلوا مصر] فأولد الواحد منهم تسعة آلاف نفس، وداوود عليه السلام من بعد موسى بأربعمائة وأربعة وسبعين سنة عد الشعب مرة ثانية فكان مجموعهم أن الواحد صافيه اثنين من الناقلين السلاح. وما أدري هذا الفرق كيف أن نفراً واحداً (يأتي منه) تسعة آلاف نفر في مائتين وعشرة سنين؟ ونفراً واحداً أيضا (يأتي منه) نفرين في أربعمائة وأربعة وسبعين سنة في الشعب نفسه؟، وإن هذا الفرق الغير ممكن وجوده وقبوله يؤكد التزوير عند كل عاقل وخبير في علم الحساب، إذ أنه يدرك أن صافي حساب موسى لو انتهى إلى زمان حساب عدد [سيدنا] داود بالقاعدة الأولى نفسها لكان شعب إسرائيل تواصل إلى أعداد تسعة عشر قلماً من علم الحساب1 الذين اذا وجدوا في [ذلك الزمان] لم تسعهم الكرة الأرضية ذات السكن بأجمعها، اضربهم في علم الحساب تنظر صحة ذلك بشرط (أن تضيف إلى) كل رجل ناقل سلاح ثلاثة أنفار من الكهول (ومن هم) دون البلوغ والإناث مبتدئا بهم في ضربهم من الأول (وأقول حتى عدد داود غير ممكن (وجوده)) وهذا يؤكد التحريف في التوراة بزيادة لأن الضرب يتعلق في علم الحساب. والله أعلم] .
...............................................
1 يقصد تسع عشرة رقم من الأعداد، وهو عدد لا أستطيع قراءته.
[وأيضاً أقول: إن الواحد الذي هو يعقوب إذا كان خلف سبعين نفساً في ثلاثة أجيال، والسبعين خلفوا في تكميل الخمسة أجيال أربعة آلاف وتسعمائة، فهذا أيضاً من أعجب العجائب، لأنك إذا] ضربت معدل رجل واحد من باقي طوائف العالم صالحاً كان أم طالحاً، من قديم الزمان إلى الآن، وحسبت (ذريته) إلى خمسة أجيال، لا تجد الباقي من سلسلته إلا أقل من مائة نفر، وذلك على وجه المبالغة، فإذاً كان يعقوب عليه السلام خالف هذا الحد المذكور، وأولد من الخمسة أجيال، الذين هم يعقوب نفسه، ولاوي، وقاهت، وعمران، وموسى، عوض المائة [نفر تسعة وأربعين] ومائة [نفس] ، أما يكفي أن تكون هذه الكثرة الغير مألوفة أن تعد من أعجب العجائب!
ثم أيضاً نقول: إن [المقول] في سفر الخروج في الإصحاح الأول عن فرعون أنه قال عن بني إسرائيل: إنهم قد صاروا أكثر منا1، فهذا القول على موجب ماشرحناه يقتضي أن يكون مبنياً على ثلاثة أوجه: إما
1 خروج 1: 6 وفيه ((وأما بنو إسرائيل فأثمروا وتوالدوا ونموا وكثروا كثيراً جداً وامتلأت الأرض عنهم)) .
أن يكون تزويراً وتكميلاً لهذه التزاوير، أو أنه قيل على طريق المبالغة كمثل القول: إني أجعل نسلك كرمل البحر، أو أن فرعون كان كملك من ملوك [الأرض الموجودين في] تلك الأيام الذين ذكرتهم التوراة1 في الإصحاح الرابع عشر من سفر التكوين، الذين منهم خمسة ملوك كان غلبهم سيدنا إبراهيم، واستخلص لوطاً ابن أخيه، وذلك بواسطة ثلثمائة وثمانية عشر نفراً أو أكبر2.
وهذا الرأي الأخير ربما هو الأرجح، [عدا أن لفظة أكبر منا هي في اللغة العبرانية أعظم منا] . *
1 يعني أنهم ملوك صغار وعدد أتباعهم قليل جداً.
2 تكوين 14: 14 وفيه ((فلما سمع إبرام أن أخاه مسبي جمع غلمانه المتمرنين ولدان بيته ثلث مائة وثمانية عشر وتبعهم إلى دان)) .
(الشك) التاسع والعشرون
في سفر الأيام الأول في الإصحاح السادس يذكر أن: مربوث أولد أمريا، وأمريا أولد أخيطوب، وأخيطوب أولد صادوق، وصادوق أولد أخيماعص، وأخيماعص أولد عزريا1، [وعزريا أولد يوحانان، ويوحانان أولد عزريا] ، وأما في الإصحاح السابع يقول عزرا في سفره أن
1 أخبار الأيام الأول 6: 6 وفيه ((ومرايوث ولد أمريا وأمريا ولد أخيطوب وأخيطوب ولد صادوق وصادوق ولد أخيمعص وأخيمعص ولد عزريا)) .
ابن مريوث هو عزريا1*.
صورة النقض:
إن من ههنا يعلم [أن] عدد الأنفار الموجودين في سفر الأيام الأول أزيد من الموجودين في سفر عزرا بستة أنفار، (كما تراهم أمامك
1 عزرا 7: 2،3 وفيه ((
…
بن شلوم بن صادوق بن أخيطوب بن أمريا بن عزريا بن مرايوث)) .
* حاشية الجداول: وهذه الحاشية ليست في. د.
الأيام الأول
…
سفر عزرا
مريوث
…
مريوث
امريا
…
أخيطوب
…
صادق
…
أخيماعص
…
عزريا
…
يوحانان
…
عزريا
…
عزريا
في الجدول) ، وهم: أمريا، وأخيطوب، وصادوق، وأخيماعص، وعزريا، ويوحانان، فبواسطة نقص هؤلاء الستة أنفار يثبت التزوير بالتوراة*.
* حاشية: ربما يقال في حل هذا الشك مثاما قيل في حل الشك الأول المعادل لهذا في النقص، وهو أن هؤلاء الستة أنفار الناقصين كانوا رجالا أشرارا.
فأجيب: أولا: إنه ما كتب عنهم أنهم كانوا رجالا أشرارا.
ثانيا: إنهم إن كانوا أشرارا فلماذا (كتبوا) في سفر الأيام الأول، وأعرض عن كتابهم في سفر عزرا، لأن السفين كان قد كتبهم عزرا نفسه، فإن كان قد كتبهم في سفر الأيام الأول، وسلسلهم، وما خشي من كونهم أشرارا، فيلزم أن يكتبهم في سفره وما يخشى أيضا، وحيث أن عزرا كتبهم في سفر الأيام الأول وسلسلهم، ثم نقصهم من سفره فيكون إما أنه سهو منه وأنه غير مدرك ماذا كتب، أو أن قلما آخر خلاف قلمه زوّر عليه، وعلى الوجهين النقص واقع، مع أن قصده ليس كتابة الصالحين فقط، بل كتابة سلسلة نسبهم أشرارا كانواأم صالين.
الشك الثلاثون
إن النصارى (المبتدعين) ، الذين ابتدعوا الألوهية لعيسى عليه السلام، التي ليس لها ذكر في كتابهم كما قررنا ذلك في أول الكتاب، قد ابتدعوا أشياء أخرى في (ديانتهم) ، من جملتها أنهم زعموا أن الله -تعالى شأنه (وتنزه عما يقولون) –ثلاثة أقانيم، أعني ثلاثة أشخاص، وهذا الاعتقاد ما وجد بهذا اللفظ حرفياً لا في التوراة، (ولا في الأنبياء) ، ولا في إنجيلهم*، حتى ولا خطر لأحد على بال، وبحيث أن لفظة أقنوم قد
* حاشية: (اعلم أن معنى [كلام] المؤلف أنه ما وجد في الإنجيل مكتوبا [إن الله] ثلاثة أقانيم ثلاثة أشخاص، [ومعناه: كيف قاعدة دين مثل هذه تؤخذ بالتأويل، ولا يوجد لها أثر صريح في الكتب المنزلة التي تعلم قواعد الدين] ، {حتى ولا في الكتب المضافة للإنجيل وجد هذا الاعتقاد على الاطلاق حسب مافحصته أنا أيضا، ، والذي لا يصدق الؤلف فليحضر وليقل إني نظرت في الموضع الفلاني مكتوبا فيه إن الله ثلاثة أقانيم ثلاثة أشخاص، ثم أقول: إن كلام المؤلف (يتضمن) نتيجة فريدة وهي: أنه لايخلو أن الأشخاص التي يسميها علماء النصارى أقانيما التي هي: العقل والكلمة والروح، هم متداخلون في بعضهم أم غير متداخلين في بعضهم أي أن العقل في الكلمة، والروح والكلمة في العقل، والروح في العقل والكلمة، فيكون حيثما وجد واحد منهم يلزم أن يكون الاثنان معه أيضا، ويكون التجسد للأقانيم الثلاثة، وإن كانوا منفصلين فيكون التجسد للكلمة الخالية من العقل ومن الروح، ويكون الغقل والروح بغير كلمة} .
حدها العلماء والمنطقيون: هو الشئ القائم بذاته من جوهر وعرض1، وله ست جهات، فلكي يتخلصوا من هذه الحدود التي تفيد الحصر، ابتدعوا للفظة أقنوم حداً آخر جديداً، وهو الشئ القائم من جوهر وخاصة جوهرية، ولكنهم لم يتخلصوا من هذا (التشويش بهذا الحد الذي ذكروه للأقنوم) ، فلنسألهم عن أقنوم الابن القائم من جوهر، (وله) خاصة جوهرية: هل هو موجود في كل مكان، كما (أن) أقنومي الأب والروح موجودان في كل مكان، من حيث (أنهما) إله واحد؟.
فإن كان2 أقنوم الابن موجوداً في كل مكان مع أقنومي الأب والروح، (لزم أنه) مع وجود أقنوم الابن في ناسوت3 (عيسى) ، أن يوجد أيضاً أقنومي الأب والروح معه، وتكون [الثلاثة] أقانيم:(الأب والابن والروح) تجسدوا في جسد عيسى، وليس أقنوم الابن وحده تجسد
1 العرض عند أهل الكلام هو: ما يحتاج في وجوده إلى محل، فلا يقوم بذاته كالألوان والصفات والحركة والسكون ونحوها. انظر: التعريفات للحرجاني ص148، فيكون في قول المصنف في معنى أقنوم: هو الشيء القائم بذاته من جوهر وعرض خطأ أو سبق قلم والله أعلم.
2 في. د ((فإن قالوا)) .
3 أي في جسد عيسى عليه السلام الإنساني.
في جسد عيسى، وإذا اعتقدوا بهذا فيكونوا اعتقدوا ضد ديانتهم، وضد الله تعالى أيضاً1.
وإن قالوا: إن أقنوم الابن وحده تجسد، فيكونوا (قد) خالفوا معتقدهم الذي اعتقدوه، وهو أن الله تعالى موجود في كل مكان (بأقانيمه، ويفهم أنهم أنكروا أن الأقانيم موجودة2 في كل مكان) ، ويكون أقنوم الابن، الذي تجسد في جسد عيسى هو وحده موجود في جسد عيسى، وجسد عيسى خال من أقنومي الأب والروح، وينتج من ذلك انقسام الأقانيم وانفصالهم وحصرهم.
وهذا الرأي أيضاً يضاد معتقدهم وهو ضد الله تعالى شأنه، مع أن الكلام الذي ألفوه في حدود بدعتهم هذه يفيد بأن: الأب والابن والروح ثالوث متساوي الجوهر، غير منقسم ولا منفصل3، وقد يلزم من هذا
1 ضد ديانتهم لأنهم يزعمون أن التجسد هو تجسد الابن فقط، فلا يرون أن الأب ولا الروح القدس تجسد مع الابن، وكونه ضد الله تعالى لأن لازم ذلك: أن الله تعالى عن قولهم قد كان في بطن مريم وقد خرج من حيث يخرج الولد، وعاش حياة الطفولة ثم الشباب، وهو المعتدى عليه من قبل اليهود في زعمهم وهو المصلوب، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا. وهذا الإلزام لامحيد لهم عنه لأنه لازم قولهم: إن الأقانيم جوهر واحد. انظر قولهم: في حقائق أساسية في الإيمان المسيحي. ص53.
2 في النسختين ((أنكروا على أن الأقانيم ليس هم موجودين في كل مكان)) وهي ركيكة وصوابها ما أثبت.
3 قال صاحب كتاب ((حقائق أساسية في الإيمان المسيحي)) ص53 ما نصه عن التثليث ((إن تعليم الثالوث يتضمن (أ) وحدانية الله، (ب) لاهوت الأب والابن والروح القدس، (ج) أن الأب والابن والروح القدس أقانيم يمتاز كل منهم عن الآخر منذ الأزل وإلى الأبد، (د) أنهم واحد في الجوهر متساوون في القدرة والمجد)) .
الحد أيضاً أن التجسد هو للأقانيم الثلاثة معاً، لأنهم على زعمهم غير منقسمين ولا منفصلين، بل هم معاً في كل حالاتهم، في أفعالهم وحلولهم ووجودهم في كل مكان، الثلاثة متساوون في ذلك [على زعمهم] .
والنتيجة من هذا جميعه: إن قالوا: بأن الأقانيم هي متحدة مع بعضها وغير منفصلة، يلزمهم أن يعتقدوا تجسد الأقانيم الثلاثة معاً، لأنهم غير منقسمين ولا منفصلين، وإن قالوا: إن الأقانيم منفصلة عن بعضها ومنقسمة، فيلزمهم أن يعتقدوا بالخلو، أي أن الأقانيم ليست موجودة في كل مكان معاً1.
وعلى الحالتين: إن هذه القضية (ممتنعة في جميع الحالات) 2، لا بل معدومة لا يمكن وجودها.
1 في. د النص هكذا ((إن قالوا بأن الأقانيم هي متحدة مع بعضها يلزم تجسدها معاً، وإن قالوا إنها منفصلة عن بعضها يلزمهم أن يعتقدوا بالإنقسام والخلو، أي أن الأقانيم ليست موجودة في كل مكان)) .
2 في النسختين (هي مانعة الجميع) وكتبتها حسب ما فهمت من كلامه.
الخاتمة
وهي في نتائج هذه الخمسة أبواب، بوجه الاختصار، وبعض ملحقات لها مفيدة.
أقول: إنني أكتفي الآن بما قد كتبته في مؤلفي هذا، حيث إن نتائجه صريحة، ويقبلها العلماء والفقهاء، وذوي العقول السليمة، إذ أني (ابتدأت فيه بالاستدلال) من الإنجيل والتوراة على (نقض) 1 ما ابتدعه النصارى من ألوهية عيسى عليه السلام، وبينت عدم مساواته لله تعالى في الجوهر، وأن النعوت المقولة عنه ووصفه: بأنه إله وابن الإله ورب قد وصف بها في التوراة والإنجيل غيره من الأنبياء والملائكة ومن العلماء الصالحين، وعلى أن آياته وعجائبه لا تثبت مساواته لله عز وجل، المشروحة في مذهبهم، لأن الأنبياء عليهم السلام سلفاً قد عملوا مثلها، (وما يعلوها ويفوقها)2.
ثم (بينت) تنزيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مما ظنوا به أنه عمل أموراً منافية وقاصرة غير حسنة، وبينت أن الأنبياء سلفاً قد عملوا مثلها، ولم تحسب عليهم بأنها غير حسنة.
1 في. د قال ((نتيجة سلب)) .
2 في. د قال ((وأبلغ منها)) .
وقد أقمت البينات [والأدلة] بالشهادات المنطبقة والواردة على نبينا صلى الله عليه وسلممن التوراة والإنجيل والزبور، أنه هو النبي الموعود به، والمشار إليه كعيسى المسيح عليه السلام، مصداقاً لقوله تعالى {اسْمُهُ أَحْمَد} 1، {مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ} 2.
وبنوع خصوصي أظهرت في الباب الخامس تلك الشكوك المشتملة على التناقض والنقص والظلم والقصور والركاكة، التي جمعتها من كتاب التوراة والإنجيل تطبيقاً لقوله تعالى:{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} 3، وقوله {كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ} 4، مختصراً إياها حذراً من ملل القارئ، إذ أني أعرف جيداً أن الرجل الفهيم يقنع بالقليل، وإذا قابل صحة الشهادات المشروحة يستدل منها (أيضاً) بأني قد جمعتها بسنين كثيرة وعرق غزير5.
1 الصف آية 6.
2 الأعراف آية 157.
3 النساء آية 46.
4 المائدة آية 15. وقد وردت الآية في. د كاملة.
5 يقصد أنه رحمه الله قد تعب في جمع هذه الأمور التي ضمنها كتابه، ويبدو أن المصنف لم يقف على شيء من كتب علماء المسلمين الذين ردوا على النصارى في هذه الأمور من جنس رد المصنف رحمه الله، مثل كتاب ((الرد على النصارى)) ، و ((الدين والدولة)) ، وكلاهما لابن ربن الطبري، وكتاب ((تخجيل من حرف الإنجيل)) ، لأبي البقاء الجعفري، وكتاب ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)) ، لشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم كثير. ويشكر للمصنف رحمه الله اجتهاده البالغ في استخراج تلك المسائل، وإبرازها بمجهود فردي، فجزاه الله خيراً، ورحمه وعفا عنه.
فيا أيها الغافلون التفتوا من كتابي هذا إلى كتاب الله السامي المنيف، الذي هو القرآن الشريف، الذي أنزل على المصطفى، ذو اللّب الحصيف، وانظروا هل يوجد فيه مثل هذه التزاوير والشكوك والركاكة والقصور والظلم المباين لعدل الله تعالى، واعلموا أيها الأحباب أن الذي حملني على جمعها ثلاثة أسباب:
الأول: هو محبتي لأصحاب الكتابين1، من كونهم مشاركين لي في الطبيعة.
والثاني: أن هذه الشكوك موجودة عندهم2، وهي متفرقة، فلا يكترث فيها [ولا تعتبر أنها تحريف] .
والثالث: أني قصدت راحة مطالعيها، وأن يقرؤوها من دون تعب ولا عناء، إذ أني عينت محل الشهادات ومواضعها3، لأن القارئ إذا قرأ
1 يقصد بذلك اليهود والنصارى.
2 في. د قال ((كتبهم)) .
3 في. د قال ((عنونت مواضع المحلات المرقومة فيها)) .
في هذه الكتب1، ويمر عليه مشكل من هذه التزاوير2، فإنه يظن أنه مشكل مثل باقي المشاكل التي يحلها المفسرون فيتركه ويجوزه، وبعد مدة من الزمان إذا وقع في شك آخر غيره يكون قد نسي الشك الأول فيتركه ويقنع ضميره بأن علماء ديانته يعرفون حلّه، وهكذا يقع بين كل مدة ومدة في (شك آخر) 3 من الشكوك فيتكلم فيه مثل تكلمه في الأول والثاني بتلك الإقناعات البسيطة، وبهذه الوجوه المشروحة (لا يتحرك شيء من ضميره ينبهه) 4 أن كتبه مزورة ومحرفة من قديم الزمان.
وأيضاً أقول عن القارئ لهذه الكتب، واعتذاره أن هذه الكتب هي كتب ديانته، وتربى فيها، وصاحبها منذ صباه، فهي على كل محبوبة، والمحب لا يتبصر في غلطات محبوبه، إذا كانت متفرقة، لأنه مثلاً إذا درس محب الإنجيل في سلسلة متّى الإنجيلي وقرأ أن فلاناً أولد فلاناً، فلا {يظن) أن في التوراة موجودة هذه السلسلة، وأنها (تناقض) 5 أقوال متّى، فضلاً
1 العبارة في النسختين هكذا ((لأن لما كان يريد أن يجلس القارىء ليقرأ في هذه الكتب)) وهي ركيكة وصوابها ما أثبت.
2 في. د قال ((شك في هذه الشكوك)) .
3 في. د ((في خلافه من الشكوك)) .
4 في. د ((لا يفضل معه شيء يحرك الضمير ويريه)) .
5 في. د ((تخالف لسلسلة متى)) .
عن أن الكثير من علمائهم لايعرف في أسفار التوراة أين يوجد هذا التناقض*.
حتى أنك ترى كبار1 مفسريهم كرجل يقال له ((الذهبي)) -الذي يسمونه سلطان المفسرين- قد أعرض عن ذكربعض هذه الشكوك، لأنه لم يذكر الشك الثاني مطلقاً في تفسيره، ولا تعرض له (بوجه من الوجوه) ، وتارة كان يذكر البعض، لكنه لم يشرحها لأنه لم يجد لها شرحاً، كما (فعل) بالشك الأول الذي ذكره (وأنه نقص، إلا أنه تركه لغيره وجازه) 2، وغيرها من الشكوك قد ذكرها وأخذ في شرح معناها، (إلا أنه لم يتنبه للتزوير والغلط فيها) ، كالشك السابع عشر الذي فيه ذمّ الاهتمام3، (حيث أنه) لم يتبصر في أن المزوّر لهذه الجملة (قد جعل)
* حاشية: (اعلم أنّ السبب الأقوى [لقلة المعرفة] (مع الذي ذكره المؤلف) هو أنه لم يوجد في أزمنتنا هذه المتأخرة فضلاً عن المتقدمة غير نسخة واحدة للتوراة عربية مأخوذة عن اللاًتيني، [ومشهود بها من علماء النصارى] ، وهي مع ذلك مليئة بالأغلاط، وقليلة الوجود، وكأنه في كل مدينة مشهورة لا يوجد فيها غير كتاب واحد أو اثنين (بالنادر. إلا أنه بعد انتشار الإنكليز في بلاد العرب طبعوا هذه النسخة المغلوطة كتباً، وفرقوها. صح كلام صاحب الحاشية)) .
1 في النسختين (حتى إن بواسطة هذه الوجوه قد ترى أرهاط) وكتبتها حسب ما فهمت من كلام المؤلف.
2 في. د ((الذي ذكره لغيره وجاز)) .
3 يقصد الاهتمام للدنيا كما هو في الشك السابع عشر. انظر: ص 265.
الممكن ممتنعاً والممتنع ممكناً، وباقي الشكوك تراها على هذه الوجوه مصنوعة ومزورة (*) .
ثم إني أقول: وإذا وجد في النادر رجل من هؤلاء القوم، وكان خبيراً، وجمع بعضها من هذه التزاوير في فكره، وفهم عجز المفسرين لها، فقد يمنعه عن إظهارها، ورفض كتبها موانع كثيرة، وأخصها الذي هو المانع الأعظم، أنه لا يعرف شرف الدين المحمدي، ولا فهم شرائعه، ولا طالع في كتابه، الذي هو القرآن الشريف، وفهم معاني آياته1، حتى يستنير به، ويتبع طريقة الهادي، ولا يعلم أن الأنبياء في التوراة والإنجيل قد تنبؤا عن نبيه الهادي محمد صلى الله عليه وسلم، وأشاروا عنه، كما (أنهم) أشاروا عن عيسىعليه السلام، وإنما يعرف القذف والشتيمة عليه من المتعصبين في دينهم، ومن جرّاء ذلك قد يبقى في تيار هذه (الأمور) والمشاكل غارقاً، وانسداد هذه الطرقات قد عرفته وتحققته من معاشرتي لأفراد منهم، لأني رأيتهم (واقفين) عند أبواب هذه الشكوك ومبهوتين، لا يمكنهم الدخول فيها ولا الخروج منها.
فهذا وأمثاله هو الذي حركني -كما قررت- على تأليف هذا الكتاب، الذي سميته (البحث الصريح في (أيما هو) الدين الصحيح) ،
* حاشية: (اعلم أنّ الذهبي أو خلافه من المفسرين كانوا يشرحون بعض هذه الشكوك بالوجه المجازي، حيث لم يكن لهم معرفة بالحقيقة نظراً لغرضهم، والحال أنه لا يجوز عند العلماء تفسيرها بالمجاز، إذا كان لها وجهاً حقيقياً، كما قال هذا المؤلف) .
1 في. د ((وفهم معانيه عن إيمانه)) .
لكي يطالعه العلماء فيهم والفقهاء، حتى إذا صار فرصة لأحدهم، وتحرك الحق في قلبه، (ونظر تورط نفسه) ، ينفر من هذا الشرك نفور الغزال، وينصح غيره إن أمكنه ذلك، ويؤمن ويشهد: بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، الإيمان الذي لا يعتري العقول فيه شكّ، ولا لذوي الأفكار الثاقبة بهت، وليس هو متطرفاً (ومعرضاً) للسقوط، كتطرف مذاهب بعض الهنود والنصارى.
أما مذهب بعض الهنود (فهو التطرف باعتقاد خالق) موجود فائق الأوصاف، ولكنه قد ترك اعتناءه بمخلوقاته وانعزل وسلمها إلى بعض مخلوقاته كالشمس والقمر (والكواكب) وباقي الأفلاك والعناصر، ولذلك يقدمون لها العبادة والإكرام كأنها الله، وتتوجه ضمائرهم إلى ترك العبادة والإكرام للخالق سبحانه وتعالى، حتى إنهم مع تداول الأزمنة قد نسوا عبادة الله، التي هي الأصل لديانتهم، وصاروا يعبدون المخلوقات، واعتبروها خالقة وليست مخلوقة، وهذه الملة تسمى ((سينتو)) 1 وكثير منها في جزائر آسيا.
1 لم يتبين لي أصحاب هذه الملة، مع أن مذاهب الهنود كثيرة جداً وكلها أديان وثنية ويعبد أصحابها كثيراً من المعبودات والأصنام. انظر: فصول في أديان الهند ص88- 94.
وأما بعض النصارى (فقد تطرفوا حيث) بالغوا في اعتنائه [تعالى] بالبشر، وغلوا، حتى إنهم (قد قعدوا قاعدة) لهذه المبالغة والغلو1، وأخذوها عن رجل عندهم اسمه بولص2، [مؤولين كلامه ومفسرينه] أن جميع البشر هالكين بخطيئة جدهم آدم، حتى سيدنا إبراهيم، وسيدنا موسى، وباقي النبيين عليهم السلام هم في الأسر تحت يد إبليس وسلطانه، وأنهم مفتقرون لإله يخلصهم، حتى غلوا في دينهم3، لأنهم لما
* حاشية: (اعلموا أن ذلك الغلو [الذي ذكره المؤلف] قد أشار إليه تعالى في القرآن الشريف (مناديا به وقائلا){يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَق} النساء آية (171)
2 بولس (شاؤول اليهودي) هو أول من حرف الديانة النصرانية، وادعى أن المسيح هو ابن الله، وأنه نزل ليصلب تكفيراً للخطايا، ورسائله وكتبه هي التي تشكلت منها الديانة النصرانية، وهي أربع عشرة رسالة ضمن ما يسمونه بالعهد الجديد.
3 بولس في رسالته إلى رومية 5: 12 قال ((من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع. لكن قد ملك الموت من آدم إلى موسى وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم الذي هو مثال الآتي. لأنه إن كان بخطية واحد مات الكثيرون فبالأولى كثيراً نعمة الله والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين)) .
فهذا النص هو من أهم النصوص لديهم في الدلالة على أن موت المسيح كان كفارة لخطيئة آدم. والواقع أن النص لا يدل على ذلك، بل غاية ما فيه أنه يدل على أن آدم عليه السلام لما أخطأ حل عليه الحكم الذي نصوا عليه في التوراة في سفر التكوين 2: 16، وفيه ((وأوصى الرب الإله آدم قائلاً من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت)) .
فهذا الموت الذي ذكروه أصاب آدم وأصاب ذريته بسبب الأكل من الشجرة، ومع أنه كلام ظاهر بطلانه من ناحية أن الله لو كان أوصى آدم أن لا يأكل منها، لأن في أكلها موته لما أكل منها، مثل أي إنسان يحذر من شيء أن فيه موته فسيتجنبه ولا يأكل منه.
والمهم هنا بيان أن كلام بولس لا يدل على ما ادعاه النصارى وتعلقوا به، من أن خطيئة آدم انتقلت إلى أبنائه وصاروا جميعاً خطاة، وأن المسيح جاء ليفتدي الناس من تلك الخطيئة، وأنه لا نجاة لأحد إلا بالإيمان بالمسيح المصلوب، فهذه كلها دعاوى لا أساس لها من الإنجيل، ولا حتى الرسائل الملحقة بها، وإنما هي من مخترعات المتأخرين من النصارى وافتراءاتهم وترقيعاتهم لخرافات ديانتهم.
سمعوا من كتابهم: أن عيسى إله وابن الإله لم يدركوا أن هذه أسماء ونعوت، وقد تسمى بها غيره من الأنبياء والملائكة والصالحين، بل اعتقدوا أن هذه النعوت حقيقية وليست مجازية، وأن عيسى ابن الله بالطبيعة ومساوٍ له في الجوهر –تعالى الله عن ذلك–، حتى ألجأه الحال إلى أنه أنزله من السماء، وأسكنه في (رحم) 1 مريم تسعة أشهر، وأخرجه من [باب رحمها] 2 -تعالى الله عن ذلك [علواً كبيراً]- وأعوذ به من هذا
1 في. د قال ((في بيت ولد مريم)) .
2 في. ت ((استها)) وهو خطأ، لأن الاست العجز أو حلقة الدبر. انظر: القاموس المحيط ص 1609.
الاعتقاد، وليس ناسوتاً من دمها وأنه صلب ومات ونزل إلى جهنم، حتى يخلص إبراهيم وموسى والأنبياء مع جنس البشر الهالكين. 1
فهذان الرأيان المتطرفان المهلكان قد نفر منهما الدين المحمدي2، واعتقد بما قد أوحى له الله تعالى في (الكيفيات التي تجب العبادة وفقها) ، والمصحوب بشرائع مهندمة، منزلة على نبيه الهادي، بكتاب سامٍ ترى فيه كلما تطلب من الصالحات، مشروحاً بتلك الألفاظ اللطيفة، والجمل
1 أسباب ضلال النصارى وانحرافهم عن رسالة المسيح عيسى عليه السلام عديدة وذكر المصنف هنا واحداً منها، وهناك أسباب أخرى منها: ضياع كتبهم الصحيحة، وتحريف الإنجيل، وتزعم بولس لهم، وسعيه الحثيث في تحريف الرسالة، وكذلك اختلاطهم بالوثنيين وتأثرهم بالفلسفة، كل ذلك وغيره مما لا يمكن تفصيل الكلام فيه هنا من عوامل انحراف النصارى عن رسالة المسيح عليه السلام للاستزاده انظر كتاب ((تحريف رسالة المسيح عليه السلام عبر التاريخ أسبابه ونتائجه)) من ص129-400.
2 قول المصنف عن الإسلام ((الدين المحمدي)) غير صحيح، لأن الدين في الشرع لم يأت منسوبا إلى أحد من الأنبياء، وإنما جاءت نسبته إلى الله عز وجل، كما قال تعالى:{أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} آل عمران 83، {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّه} النور2، {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً} النصر2، كما أن نسبة الدين إلى النبي محمد (يشعر بأن هذا الدين من عنده وليس من عند الله عز وجل، وهذا ما يقصد إليه النصارى والكفار عموما في إطلاق هذا المسمى على الإسلام، إذ إنهم هم الذين أشاعوا مثل هذا الإطلاق، فأخذه عنهم بعض المسلمين في هذه الأزمان المتأخرة. والله أعلم.
الظريفة، والمعاني الفائقة المنيفة، والأخبار بالأمثال الشريفة، والأحكام العادلة اللطيفة.
وقولي عن أحكام القرآن إنها [عادلة] لطيفة، لأنك لا ترى فيها قساوة، كما حكمت التوراة بالموت على من قرب قرباناً خارج المذبح والهيكل، ولا رخاوة كما وجد في الإنجيل، إذ أنه ترك الزانية من غير قصاص ولا نصيحة وارتداد إلى معرفة طريق التوبة، لأنه قال لها: أين هم الذين دانوك؟ اذهبي ولا أنا أدينك -يعني إنهم ما رجموك بحيث أنهم نظروا أنفسهم خطاة- وأنا أيضاً مثلهم اذهبي1.
وينتج من هذا الجواب إبطال الشرائع والأحكام، لأنه لا يوجد أحد من البشر بغير خطيئة، فلا يطبق شيئاً من الأحكام، وكذلك إباحته السكر في عرس قانا الجليل [عند] تحويل الماء خمراً للسكرانين 2، وذلك مما يثبت التزوير في التوراة والإنجيل.
وغلاقة هذه الخاتمة أقول:
إن سيدنا عيسى عليه السلام قد أعطى (على صحة الانتساب إلى) 3 دينه الشريف دلالتين محكمتين صريحتين لا تقبلان تحريفاً ولا تصحيفاً4،
1 يوحنا 8: 10 وفيه ((قال لها يا امرأة أين هم أولئك المشتكون عليك أما دانك أحد فقالت: لا أحد يا سيد فقال لها يسوع: ولا أنا أدينك اذهبي ولا تخطئي أيضاً)) .
2 يوحنا 2: 9.
3 في. د ((وجو)) .
(2)
في النسختين ((سوى معنى لفظ خبرها)) . ولا معنى لها.
وهاتان الدلالتان قد وجدتا في الأزمنة الأولى فعلياً حسياً، وبسببهما قامت الديانة النصرانية (ونمت)، (وحيث يوجد الدليل يوجد مدلوله معه) والدلالتان هما:
الأولى: هي فعل العجائب والآيات المعجزات (بالتتابع) ، خلفاً عن سلفٍ من المؤمنين بالله، الواردة في إنجيل مرقص، في أواخر إنجيله [على لسان عيسى عليه السلام] عن أن الآيات تتبع المؤمنين بقوله: وهذه الآيات تتبع المؤمنين باسمي، يخرجون الشياطين، ويتكلمون بألسنٍ جديدة ويحملون الحيات بأيديهم وإن شربوا شيئاً مميتاً فلا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرؤون1.
والثانية: هي شرف الطريقة الممتلئة هدىً ونوراً، لتصديق قوله تعالى:{وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُور} 2، مثل محبة الأعداء، وعدم مقاومة الشر بالشر، ورفض الاهتمام (للدنيا) ، والقناعة بثوب واحد، المبني على قوله:((حبوا أعدائكم ولا تقاوموا الشر ولا تهتموا بالغد ولا تكنزوا لكم كنوزاً في الأرض ولا تقتنوا ثوبين)) 3. وأمثال ذلك كثير مما تفيده هذه المعاني،
1 مرقس 16: 16-18.
2 المائدة 46.
3 متى 6: 19.
المطابقة لدلالته الثانية بقوله: ((بهذه يعرف الناس أنكم تلاميذي إن عملتم وصاياي)) 1.
فلنفحص الآن هاتين الدلالتين أقلّه عند خلف الحواريين في كامل طوائف النصارى من البابوات والبطاريك والمطارين والمبشرين، هل يوجد فيهم من يعمل آية أو أعجوبة معجزة واحدة كبيرة أم صغيرة من الذين ذكرهم مرقص في إنجيله؟.
وهل يوجد رئيس من الرؤساء المذكورين المدعى أنه سليل الحواريين محباً لأعدائه وغير مقاوم الشر، وإذا ضرب على الخد الأيمن يحول له الآخر، أو غير مهتم بالغد، أو أنه لا يوجد عنده ثوبان؟.
وهل يوجد قاض في كامل (ملل وطوائف) 2 النصارى يجري هذه الشرائع؟.
نعم أقول: إنه لم يوجد شيء من كل ما ذكرت، بل يوجد (عكسه) 3 عوض الثوبين أثواب، وتحف من أموال الناس جمعوها بعلة
1 يوحنا 13: 35.
2 في. د ((فرق)) .
3 في. د ((بالضد)) .
* حاشية: (اعلم أنّ كل ما ذكره المؤلف [رحمه الله تعالى] (في هذا المقطع) يصنعونه [مضادة لإنجيلهم، ويتراؤون عنه] ، (لأجل) إماتة اللذات، وحفظ بتولية رهابينهم [وإني لأعرض عن ذكر تعريض وتعظيم أطراف ثيابهم تبياناً لعصاوتهم لسيدنا عيسى عليه السلام] ) . هكذا في. د. وفي. ت. أكثر غموضاً ولم أستطع فهم المراد.
* * حاشية: (اعلم أنّ كل ما تراه من بطلان ومحو شريعة عيسى الفضلية لا شك أنه (قدر) وفعل إلهي، وهو دليل عظيم يعلم به انتهاء زمان أحكامها، لأنك لا ترى في كامل طوائف النصارى إنساناً إلا مخالفها، وليس يخطر في ذهنه أو يتوجه في ضميره على أنه مخالفها، ولا ترى حاكماً ولا ناموساً يوبخ على عدم إجرائها ويصنع لها قصاصاً وقانوناً، وهذا وحده يكفي لكل عاقل أن يدرك ويستدل على انتهائها أي انتهاء شريعة عيسى، وقد صادق على ذلك قوله تعالى {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة} (المائدة 14) وقوله تعالى أيضاً {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (التوبة 34) وقوله تعالى {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} (الحديد 27) . وهذه الحاشية ليست في. د، وإنما جاء فيها قوله ((وقد صادق على ذلك)) إلى نهاية الآية مع اختلاف بسيط في العبارات ضمن المتن في. د بعد قوله أعلاه ((والجحود)) .
تطويل صلواتهم، وكنوز بليغة، وموائد منمقة بالأطعمة اللذيذة، ومنازل مزوقة بالألوان الظريفة * (وفضة كثيرة) ، وكذلك مقاومة الشر بالشر، وهذه وأمثالها تنظر علانية، غير قابلة الإنكار والجحود**.
فإذاً ينتج أن هذه الدلالات الدالة على1 دين عيسى الصحيح المشار إليها (فيما سبق) من عيسى نفسه عليه السلام غير موجودة2، أعني
1 في. د ((وجود)) ، وفي. ت ((كيان)) ، ولا معنى لها.
(2)
يقصد الدلالتين السابقتين وهما: الآيات والمعجزات، والمحبة والتسامح، التي ذكر أن المسيح جعلها علامات لأتباع دينه الصحيح. انظر: ص 311 – 312.
الشرائع والآيات، فيقتضي أن يكون مدلولها غير موجود؛ لأنه إذا كان الدالّ باطلا فيبطل بالضرورة مدلوله.
ويجب قبل ختم القول أن نعلم بأن الله سبحانه وتعالى بعد انتهاء هذه الدلالات التي ذكرناها، وإبطال مدلولها، لم يترك خليقته بغير مرشدٍ ولا هادٍ، لكنه أرسل الدلالة العظمى والآية الكبرى، التي هي ظهور وإشراق أنوار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، النبي الهادي، (الأمين) الصادق، الذي تنبأت عن وروده الأنبياء سلفا عليهم السلام، واتساع بهجة دينه، ودوام سيادته وسلطانه، وتعميم شريعته حتى وفي الممالك الأجنبية؛ هو من الدلالات الدالّة على صدق نبوته.
وعدا أن كتابه السامي، الذي ليس له في الوجود مماثل، والذي قد جمع فيه كل كمال، وضم إليه أخص ما ورد في التوراة والإنجيل يشهد له بذلك، وقد انتشرت أحكامه في البسيطة، وأكد على الشرف والذكر الحميد لعيسى وموسى وإبراهيم وباقي النبيين، وكان نزوله على سيد الأولين والآخرين، فعليه وعليهم الصلاة والسلام أجمعين آمين.
(تمّ هذا الكتاب الذي هو: ((البحث الصريح في الدين الصحيح)) وهو الكتاب الأول للمرحوم الشيخ زيادة بن الراسي، ويتلوه
كتابه الثاني الذي هو: ((الأجوبة الجلية لدحض الدعوات النصرانية)) 1، وقد تمت نساخته في أواخر جماد الآخر سنة ألف ومائتين وثلاث وستين) .
1 لم أقف على الكتاب الثاني في الأصل المخطوط، فيظهر –والله أعلم– أن أحداً قد نزعه من المجلد الذي كان يضم الكتابين، وقد بينت في المقدمة: أن تلخيصاً للكتاب قد كتبه الشيخ محمد الطيبي، وقد طبع حاشية كتاب: إظهار الحق. انظر: ص 30. وبه يتم التعليق على الكتاب، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.