المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الأول: الرد على النصارى في دعوة ألوهية المسيح عليه السلام - البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح

[زيادة الراسي]

الفصل: ‌الباب الأول: الرد على النصارى في دعوة ألوهية المسيح عليه السلام

‌الباب الأول: الرد على النصارى في دعوة ألوهية المسيح عليه السلام

الباب الأول: الرد على النصارى في دعوى ألوهية المسيح عليه السلام

[يفيد] 1 أن سيدنا عيسىعليه السلام ليس هو [بإله] 2 حقيقي بالذات، وغير مساوٍ لله تعالى في الجوهر، وأن تسميته إلهاً هو نعت ووصف3 كحسب عادة كتب العهدين؛ أعني: التوراة والإنجيل، اللذين كانا يسميان أشراف الشعب وأكابرهم آلهة، فهو أي المسيح عليه السلام كان من أشراف الأنبياء وأفاضلهم، وكانت تحق له هذه التسمية بنوع خصوصي.

فأقول أولاً: إن هذا الاعتقاد الذي هو: أن سيدنا عيسى عليه السلام [إله] بالذات ومساوٍ لله تعالى في الجوهر 4 هو بدعة حديثة مستجدة في الديانة النصرانية.

ثانيا: (إن هذا الرأي) لم يقبل عندما ابتدع [في الابتداء في] الجيل الرابع5 عند (عموم) النصارى، الذين كانوا في تلك

1 في. ت "يفاد منه على أن" وصوابها ما أثبت من. د.

2 في. ت "إله حقيقي" وصوابها ما أثبت من. د.

3 في. ت "نعتاً ووصفاً" وصوابها ماأثبت من. د.

4 أي أن ذات عيسى عليه السلام عند النصارى ذات إلهية لا فرق بينها وبين ذات الله وجوهره؛ إذ هما عندهم ذات واحدة غير منفصلة. انظر: أديان العالم ص 280.

5 يقصد القرن الرابع الميلادي، حيث عقد في ربعه الأول سنة 325م في مدينة نيقية، المجمع المسكوني الأول للبحث في حقيقة المسيح عليه السلام، وقد خرجوا بقرار يقضي بأن المسيح إله من جوهر الله، أي مساو لله تعالى في جوهره-تعالى الله عن قولهم- انظر: مجموعة الشرع الكنسي ص43، وتاريخ الفكر المسيحي 1/631.

ص: 65

الأعصار، إذ أنهم قد اعتلوا1 [واحتجوا] على من ابتدعوه بأن هذه الزيادة، أعني:(أن) الابن (أي عيسى) مساوٍ لله تعالى في الجوهر ليست موجودة في التوراة (ولا) في الإنجيل حرفيا، بل هي [منكم] جملة استنباطية اختراعية 2، وقد ختم على رأيهم هذا جملة مجامع، منها3 مجمع مادلي4، والمجمع الملتئم في سيرمة5، نحو سنة 360 من تاريخ

1 اعتلوا أي احتجوا. انظر: المعجم الوسيط ص623.

2 المحتجون هنا هم: أتباع القس الليبي "آريوس"، الذي كان يقول إن المسيح بشر مخلوق، لكنه أرفع المخلوقات، وهم المعارضون في مجمع نيقية لدعوى ألوهية المسيح عليه السلام، وقد احتجوا على دعوى المؤلهين بأن دعوى: أن المسيح من جوهر الله ليست موجودة في التوراة ولا في الإنجيل، وأقر بهذا المخالفون لهم إلا أنهم ادعوا أن ذلك وإن لم يكن موجوداً بالحرف فهو موجود بالمعنى. هكذا ادعوا. انظر: تاريخ الفكر المسيحي 1/630، تاريخ الكنيسة، جون لوريمر 3/67.

3 في النسختين "ومنهم" وصوابها ما أثبت.

4 لم يتبين لي هذا المجمع وقد يكون في كتابة اسمه خطأ، والذي ذكره مؤرخوا النصارى أن عدة مجامع بعد نيقية اجتمعت للبحث في حقيقة المسيح، هل هو من جوهر مساو لجوهر الله، كما هي دعوى مجمع نيقية، أم هو من جوهر مشابه لجوهر الله، وهو ماقرروه في مجمع أنطاكية سنة 341م، ومجمع فليبوبوليس سنة 343م ومجمع ميلانو سنة 355م، ومجمع سيرميوم في يوغسلافيا سنة 357م، ومجمع أنقرة سنة 358م ومجمع سلوفيا أو سلفكية في تركيا ومجمع ريمينة في إيطاليا وذلك سنة 359م. وبعد اختلافهم أرغم الجميع على التوقيع على قرار أن المسيح من جوهر مشابه لجوهر الله-تعالى الله عن قولهم- وذلك سنة360م. انظر: تاريخ الفكر المسيحي 1/654-660، تاريخ الكنيسة، لوريمر 3/73-80.

5 هكذا سيرمة ويبدو أنه يقصد مجمع سيرميوم في يوغسلافيا سنة 357م والذي صدق قراره من أغلبية النصارى وذلك عام 360م.

ص: 66

عيسى عليه السلام، وكان حاضرا فيه وراضيا به وخاتما عليه فيليكس1، [ومرة أخرى] ليباريوس2 [أسقفي] روما، الذين يسمون في العصور المتأخرة باباوات3، وأساقفة القسطنطينية وأنطاكية وبيت المقدس، الذين يسمونهم في الأزمنة المتأخرة بطاركة مع قساوسهم، ورهبانهم ووعاظهم (ونواب ملوكهم) ، الذين من رأيهم موجود جملة ملايين4 إلى يومنا هذا في بلاد أوستريا5، و (ليبا) 6،وأميريكا7،

1 لم أجد له ترجمة.

2 ليباريوس أسقف روما المتوفى سنة 366م. انظر: المنجد ص618.

3 جاء في. د حاشية ونصها "اعلم أن في زمان مجمع صيرما انعزل فيلكس البابا المذكور، وتنصب عوضه ليباريوس، واثنين تصدروا وختموا بعدم قبولهم بالمساواة، أي مساوات عيسى بالله عز وجل وحرموا هم ومجمعهم المجمع النيقاوي الأول، الذي اخترع هذه الزيادة وابتدعها وجعلها دستور إيمانه".

4 في النسختين "مليونات" وصوابها ما أثبت.

5 أوستريا هي النمسا.

6 ليبا لم يتبين لي مراده منها.

7 الولايات المتحدة الأمريكية، وهي من ضمن قارة أمريكا التي اكتشفها كريستوف كولومبوس عام 1492م.

ص: 67

والإنكليز وغيرها، ويسمون الموحدين 1 2

1 مراده بالموحدين: هم من يرون أن المسيح ليس إلهاً وإنما هو بشر، ولاشك أن الحواريين ومن تابعهم كانوا على هذا المذهب. والذي يجده المطالع لكتب النصارى بروز هذا المذهب لدى طائفة الآريوسيين، الذين نادوا بأن المسيح بشر مخلوق وليس إلهاً ولا ابن إله، وذلك خلال القرن الرابع الميلادي. وذلك لا يعني أن آريوس ابتدع ذلك، بل لابد أن لذلك جذوراً متصلة بالحواريين، ثم بعد آريوس استمر الخط التوحيدي لدى النصارى وإن كان غير ظاهر، وذلك لاستحكام العداوة والتضاد بين الموحدين والمثلثين من النصارى، وقد آلت الغلبة للمثلثين في نهاية القرن الرابع الميلادي. إلا أن التوحيد كان يظهر له أتباع بين الفينة والفينة، وكان بروز التوحيد بين النصارى ظاهراً بعد دعوة الإصلاح الديني "البروتستانت" في القرن السادس عشر الميلادي، حيث تأثر العديد من دعاة الإصلاح بالمعلومات التي وقفوا عليها، مما يتنافى مع العقيدة الكاثوليكية، مما جعلهم يصلون في نهاية المطاف إلى اعتقاد أن المسيح بشر وليس إلهاً، وقد ظهر بذلك ما تسميه دائرة المعارف الأمريكية بـ "الموحدين"، وقد انتشر هؤلاء الموحدون في كل من بولندا، والمجر، وترانسلفانيا، وانجلترا، والولايات المتحدة الأمريكية، ففي بولندا صدر لهم إعلان سنة 1605م يقول بأن الله واحد في ذاته، وأن المسيح إنسان حقيقي، ولكنه ليس مجرد إنسان، وأن الروح القدس ليس أقنوماً، لكنه قدرة الله، ثم هي تنكر الخطيئة الأصلية.

أما المجر وترانسلفانيا فقد انتشر فيهما المذهب الموحد بعد إعلان مرسوم التسامح الديني في أعوام 1557،1563، 1568م، ووصل الأمر بالموحدين أن المجر كانت تحت حكم ملك موحد هو جون سيجسموند1540-1571م.

واستمر وجود الموحدين في تلك البلاد بين قوة وضعف، إلى أن جاء القرن العشرون، فقويت الجماعات الموحدة بفضل التسامح الديني والتواصل بين الموحدين في سائر الاقطار، فصار في البلاد نحو 160 كنيسة موحدة، كما صار عندهم كلية لاهوتية.

أما انجلترا فقد انتشر فيها المذهب التوحيدي أيضاً، وأول من يشار إلى أنه أبو التوحيد فيها "جون بيدل"1616-1626م، ثم بدأ الترقي في هذه الدعوة، إلا أنه كان ضعيفاً، ولكن قد انضم إليها عدد من الشخصيات البارزة منهم المفكر الإنجليزي جون لوك، والكاتب"صموئيل كلارك"، والعالم الطبيعي "جون برستلي"، الذي أصبح موحداً عام 1768م، والذي كتب رسالة باسم "التماس إلى أساتذة المسيحية المخلصين الموقرين" ووزع منها 30000 نسخة في أنحاء بريطانيا. وهو يرى أن الإله واحد وهو الذي أنزل الوحي، وأنه السبب الوحيد في جميع مظاهر الخلق. وكذلك ثيوفليس ليندساي 1723-1818م، والذي فتح محل مزاد بلندن، ثم تحول إلى كنيسة للموحدين.

ثم تأسست جمعية للموحدين باسمالجمعية التوحيدية لترقي المعرفة المسيحية وممارسة الفضيلة عن طريق توزيع الكتب. ثم نشط الموحدون وأسسوا اتحاداً باسم "الإتحاد البريطاني الأجنبي للتوحيد". ويوجد في الوقت الحالي من 350-400 كنيسة موحدة، وتوجد مدرستان لتعليم التوحيد، هما "كلية مانشستر" بأكسفورد، "وكلية التوحيد" بمانشستر.

أما الولايات المتحدة الأمريكية فقدكان فيها آريوسيين منهم "د. تشارلزتساونس"1705 -1787م راعي كنيسة بوسطن، والقس "د. يوناتان ميهيو". وفي مطلع القرن التاسع عشر استحوذ التوحيد على كثير من الوعاظ في نيو انجلند، ويمتد تأثيره إلىالجنوب والغرب، حيث تأسست كنائس توحيدية في بلتيمور وواشنطن وبفلو وأماكن أخرى. ومن الشخصيات الكبيرة بين الموحدينوليم الري شاننج 1780-1842م راعي الكنيسة في بوسطن، الذي ألقى موعظة عن مسيحية التوحيد عام 1819م في بلتيمور، والذي صار فيما بعد مؤرخاً ورئيساً لجامعة هارفارد. وتعتبر موعظته من أبرز البيانات عن عقائد الموحدين. وفي عام 1825م تكونت "جمعية التوحيد الأمريكي" وآخر إحصائية لكنائس الموحدين بلغت 370 كنيسة. وتوجد مدرستان أنشأهما الموحدون لتعليم رجال الدين، إحداهما في شيكاغو، والأخرى في بركلي بكاليفورنيا.

كما أن كثيراً من القسس في كل من بلجيكا والدانمرك وفرنسا وسويسرا وأيسلندا يتعاطفون مع أفكار الموحدين الدينية. انتهى ملخصاً من دائرة المعارف الأمريكية 27/ 295-300 نقلاً عن كتاب طائفة الموحدين من المسيحيين عبر القرون ص40-53.

2 حاشية: ربما أن مثل هؤلاء كان يمدحهم القرآن الشريف ويكفر القسم الثاني، لأن النصارى قسمان قسم موحد وقسم مثلث.

وهذا القول في الحاشية ليس على ظاهره بالنسبة للموحدين، إلا في من لم تبلغه دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الدين عند الله الإسلام.

ص: 68

ثالثاً: إن بعضاً من النصارى القدماء قد كان يعتقد بأن اللاهوت هو مصاحب الناسوت مصاحبة، أوكما يقال إن الله يحل في الصالحين، وأن سيدنا عيسىكان إنساناً خالصاً1 كالأنبياء وليس إلهاً وإنسانا2،

1في النسختين "ساذجا" والساذج: بكسر الذال وفتحها، معرب. يطلق فيما كان على لون واحد لم يخالطه غيره من الألوان. انظر: تاج العروس 2/58. فلعل مراد المصنف أن عيسى عليه السلام إنسان خالص، وبشر خالص، لم يخالط ذاته ألوهية ولا أرى مناسبة إطلاقها على الأنبياء، لأن الساذج في العرف هو من كان من الناس ضحل التفكير وضعيفه، فإطلاقها على الأنبياء يوجد اللبس.

2 هذا القول مما نسب إلى نسطور وسيأتي التعريف به ص 67، الذي كان رئيس أساقفة القسطنطينية، والقول المنسوب إليه هنا يعني أن: المسيح بشر مخلوق وليس بخالق، وأن الله عندهم اتحد به اتحاداً معنوياً، أشبه شيء بالاتصال والقرب عن طريق الأنس والرضوان. وهذا القول ينسبه إليه ابن البطريق، والكتاب النصارى الذين يؤيدون قول رئيس أساقفة الإسكندرية كيرلس، الذي حمل على نسطور، ودعا إلى مجمع أفسس سنة 431م، وخرج بقرار الطبيعة الواحدة في المسيح، وهي طبيعة إلهية بشرية عندهم، ثم لعنوا نسطور، وحكموا عليه بالنفي، فمات منفياً سنة 450م. وينسب هذا القول إلى نسطور أكثر الكتاب المسلمين، ويعتبرونه بهذا موحداً. أما الكتاب الغربيون وهم في الغالب ضد كيرلس أسقف الاسكندرية فيدافعون عن نسطور، ويقولون إنه لم ينكر ألوهية المسيح، إنما علم أن المسيح له طبيعتان منفصلتان، وهما الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية، وأن مريم ولدت الإنسان وليس الإله. وبهذا يرى هؤلاء الكتاب أن خطأ نسطور ليس كبيراً، مادام يقر بلاهوت المسيح، وتراهم يطعنون في كيرلس أسقف الإسكندرية، أو يهمزونه. انظر: فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحية، ص304، ومحاضرات في النصرانية، ص157، وتاريخ الفكر المسيحي 2/170، ومختصر تاريخ الكنيسة 1/340.

ص: 70

الذين قد يوجد من هؤلاء جملة ألوف وكرات1 في بلاد المشرق، في الهند والصين والعجم، وبين النهرين: بغداد وما يحوطها، وغير محلات، ويسمون نساطرة 2.

1كرات في علم الحساب مائة ألف. انظر: المنجد في اللغة ص679.

2النساطرة نسبة إلى نسطور، وهو راهب سوري صار قسيساً لكنيسة أنطاكية، ثم رئيس أساقفة القسطنطينية، وذلك عام428م، وقد اجتمع مجمع في أفسس سنة 431م للنظر في قوله في المسيح، فخرج بقرار عزله ونفيه حيث مات في مصر منفياُ حوالي سنة 450م، وانتشر قوله في الشرق خاصة فارس والعراق، وصار لهم نشاط في الهند والصين. انظر: مختصر تاريخ الكنيسة 1/398.

ص: 71

رابعاً: وبالإجمال أقول: إن الذي أورده أولئك النصارى القدماء، المار ذكرهم، وخلفهم من بعدهم، من الرد والمجاوبة على مخترعي مساواة عيسى لله (تعالى) في الجوهر، لما أرادوا أن يبحثوا رأيهم في تلك السندات الضعيفة، والبيانات السخيفة1، التي نحن الآن سنورد أقواها وجوابها في هذا الباب، (لكي) 2 يحصل منها إنتاج أيما هو الدين الصحيح. وهي قد تشتمل على ستة بيانات أصولية3

البيان الأول

عن قول يوحنا الإنجيليفي الإصحاح العاشر: "أنا والأب واحد"4.

فمن قوله أنا والأب واحد، المنسوب إلى عيسىعليه السلام، قد استنبطوا مساواة الابن (أي عيسى)[الأب] في الجوهر.

فأجابهم الغير قابلين5 هذه الزيادة: نعم إن يوحنا [الإنجيلي] قال هذا6، إلا أن هذا القول لايفيد المساواة، لأنه (هو) أيضاً يقول

1 في النسختين "الخسيفة" وهو خطأ، وصوابها ما أثبت.

2 في. ت "لكيما" والمثبت من. د.

3 حاشية: "اعلم أنّ لفظة أصولية قد يراد بها أنه إذا وجد مائة شهادة أو أكثر أو أقل من مثل هذه المعاني، فتكون مبينة من مثل هذه الأصول الستة وقد تنحل بحلها المشروح" قال في. د "حاشية ثالثة: اعلم أن كلما يوجد من البينات في هذا الباب قد ترتد إلى هذه الستة الأصولية".

4 يوحنا 30:10.

5 في النسختين "القابلين" وصوابها ما أثبت.

6 في النسختين "هذه" وصوابها ما أثبت.

ص: 72

في الإصحاح السابع عشر في طلب السيد المسيح ودعائه: كما أنت يا ابتاه فيّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضاً واحدا فينا1، (هكذا) صلى ودعا (لأجل) حوارييه.

فإن كان معناه2أن قوله "أنا والأب واحد" يفيد المساواة في الجوهر، فيلزم أن يكون التلاميذ الذين قال عنهم ليكونوا واحداً فينا هم أيضاً مساوين3 للأب والابن في الجوهر، وهذا رأي4 شنيع5.

وأيضاً: أن يوحنا (هذا نفسه قد) استعمل لفظة واحد في رسالته الأولى الكلية في قوله:"ثلاثة شهود في السماء الأب والكلمة والروح والثلاثة هم واحد، وثلاثة شهود على الأرض الروح والماء والدم والثلاثة هم واحد"6.

فنرى 7 أنهم ثلاثة جواهر وليس هم جوهراً واحداً، لأن الروح جوهر، والماء جوهر، والدم جوهر8 9

1 يوحنا 22:17.

2 في النسختين "معناكم" وهو خطأ، واستقامتها كما أثبت.

3 في. ت "مساوون" وصوابها ماأثبت من. د.

4 في. د "قول".

5 حاشية: "اعلم أنه يوجد أمثلة كثيرة مستعملة على هذا الأسلوب في كامل اللغات عن المتحدات من شيئين، ولا يقال عنها متساوين في الجوهر"

6 رسالة يوحنا الأولى5: 7-9.

7 في النسختين: وقد ننظرهم نحن بأنهم. وليس فصيحة.

8 أي هم ثلاثة أشياء كل واحد منها مستقل بجوهره "ذاته".

9 حاشية: "اعلم أنّ جملة الأب والكلمة والروح والثلاثة هم واحد ليس لها وجود في جلسات المجمع النيقي، لأن هذه الجملة في بعض نسخ الإنجيل القديمة الموجودة عند النصارى الموحدين، [وعند طائفة السريان في اللغة السريانية] ليس لها أثر كليا، مع أنها لو وجدت في بعض النسخ، [وهي دخيلة ومبتدعة إلا أنها] ؛ لا تفيد المساواة، بحيث قد يحلها مثالها التابع لها، وهو قوله الروح والماء والدم والثلاثة هم واحد، لأننا ننظرهم ثلاثة جواهر، وليس فيهم مساواة في الجوهر كليا. وهذه الشهادة بهذا النسق هي مأخوذة عن كتاب يوناني بخط اليد، ولربما تكون في باقي النسخ مغيرة"

ص: 73

وأيضا قد أوضحوا لهم؛ أعني النصارى القدماء للمبتدعين: أن التوراة والإنجيل يعلمان بوحدانية الله تعالى الواحد الأحد [مراراً] كقوله: إن الله واحد1، و [قوله]"أن لا إله غير الإله الواحد"2، و [قوله]"إله واحد الذي يفعل كل شئ"3، و [قوله]"إله واحد أبو الكل"4، و [قوله]"أنت تؤمن أن الله واحد""ولكي يكون إله سيدنا يسوع المسيح أبوالمجد""وإني صاعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم"7

1في إنجيل مرقس32:12 فقال له الكاتب: "جيد يامعلم بالحق قلت؛ لأنه الله واحد وليس آخر سواه".

2في سفر التثنية 4:6"اسمع ياإسرائيل الرب إلهنا رب واحد".

3في سفر نحميا 6:9"أنت هو الرب وحدك أنت صنعت السموات وسماء السموات وكل جندها والأرض وكل ماعليها والبحار وكل مافيها وأنت تحييها كلها وجند السماء يسجد لك".

4في رسالة بولس إلى أفسس 4: 5 قال "إله واحد وأب واحد للكل".

5رسالة يعقوب 2: 19.

6رسالة بولس إلى أهل أفسس 17:1 وفيه "كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد".

7في يوحنا 17:20 "إني أصعد إلى أبي وأبيكم إلهي وإلهكم".

ص: 74

و"يعرفوك أنك أنت إله الحق وحدك"1. وماسمعوا من كتابهم حرفيا أن الله تعالى وحاشاه ثلاثة أقانيم ثلاثة أشخاص، ولا قرأوا في التوراة والإنجيل أن عيسى مساوٍ للأب في الجوهر.

وكما قرر صابليوس 2 في [نحو] القرن الثالث أن المقول في الإنجيل "عمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس"3 هي أوصاف ونعوت لطبائع مختلفة، وليست أقانيم وأشخاص متساوية بالحق، [وهي] كما يقال مثال ذلك في الاستعمال "عن غير الأب الحقيقي" والابن الحقيقي: هذا أبي وهذا ابني وهذا روحي4 5.

1 في يوحنا 3:17 "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك".

2 صابليوس أو سابليوس ولد في نهاية القرن الثاني، وتوفي سنة 261م، كاهن ليبي دعا إلى مايسمى المذهب الانتحالي، ويعني أن الله واحد ولكنه انتحل شخصية الأب ثم انتحل شخصية الابن ثم انتحل شخصية الروح القدس. وكان ينكر الثالوث وكذلك الأقانيم انظر: تاريخ الفكر المسيحي 1/594.

3 متى 19: 28.

4 يقصد أن يقول الشخص لشخص آخر: هو أبي، مع أنه ليس أباه حقيقة، وإنما من ناحية الإجلال والاحترام له نزله منزلة أبيه، أو يقول لمن يراه في مقام ابنه: هذا ابني، مع أنه ليس ابنه، وكذلك لفظة روحي.

5 حاشية "إنه يكفي برهاناً لعدم المساواة بنعت الروح وحده بالقدس، لأنهم لو كانوا متساويين لكان ينبغي أن يقول عيسى عليه السلام: عمدوهم باسم الأب القدس والابن القدس والروح القدس، ولا يعزو هذا النعت وهو القدس إلى أقنوم واحد وهو الأخير ويترك الباقي".

ص: 75

وهي نعوت شريفة للتبجيل أعني:؛ إضافة تبجيل1، وفي الكتاب مثل ذلك وسيأتي بيانه2.

1 مراده أن الأوصاف الملحقة بلفظ الجلالة الأب، وكذلك الملحق بالمسيح بأنه الابن، وكذلك الملحق بالملك جبريل بأنه الروح القدس هي نعوت وأوصاف للإجلال والتبجيل.

2 حاشية: في. د، قال: وقوله: عمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس إن كانت غير زائدة في الإنجيل ولادخيلة فهي فريدة، {لم يذكرها غير متى الإنجيلي} ، والشهادة الواحدة لاتقوم برهاناً في الدعوى، أويكون معناها كما قيل في القرآن العظيم {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} ، أو كقوله {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} أو كقوله:{آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} ، {وقول بولس لتيموثاوس 1/5:21 أناشدك أمام الله ويسوع المسيح والملائكة المختارين} ، فلا تفيد هذه الألفاظ المساواة للمشار إليهم من قوله، عمدوهم أو لتؤمنوا أو أطيعوا، لأن الأب هو الإله، أما الرسول أو عيسى أو الروح أو أولو الأمرجميعهم مخلوقين، عدا أن وصفه وتخصيصه الروح القدس الذي ذكره في هذه الجملة بقوله والروح القدس هو نعت تفضيلي للروح فقط لا للثلاثة، ويفيد هذا مضادة اعتقادهم بالمساواة. وهذا البرهان كاف لهدم آرائهم من نفس كتابهم ومن السند نفسه. وقد أثبت الحاشية من. د لأنها أكمل مما في. ت وأوضح.

ص: 76

وهكذا كان اعتقاد النصارى المعاصرين له في الدهور الأولى1، المطابق لقوله تعالى في القرآن الشريف:{قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} 2

البيان الثاني

استدل النصارى على أن عيسىعليه السلام سمي في الإنجيل إلهاً وابن إله، كقوله: أنت ابن الله3، وإلهاً كان الكلمة4، وإذا كنت أنا الرب والمعلم غسلت أقدامكم5، وهذا ابني الحبيب6.

1 مراده أن الحواريين كانوا يعتقدون وحدانية الله، وهذا ظاهر من النصوص المنقولة في سفر الأعمال، منها ماورد عن بطرس كبير الحواريين في خطبته أمام اليهود22:2 يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم تعلمون. وقال أيضاً في 13:3 إن إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إله آبائنا مجد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم. فلم يرد عنهم أنهم كانوا يعتقدون بنوة المسيح لله، بل إن أكثر الأوصاف الواردة عن بطرس للمسيح هو وصفه بأنه فتى الله، وذلك يعني خادم الله، أو نحو ذلك.

2 الأنعام آية 19.

3متى 16:16.

4 يوحنا 1:1. وهو قوله وكان الكلمة الله.

5 يوحنا 14:13 وفيهفإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم.

6متى 17:3.

ص: 77

ومن هذه الجملة وأمثالها يستنتجون: مساواة الابن (أي عيسى) للأب في الجوهر، وأنه إله بالذات [ورب] .

فأجابهم نصارى تلك الأزمنة الحقيقيون1، بلسان مجمعهم قائلين: نعم إن هذه الكلمات هي موجودة في الإنجيل مع أمثالها، إلا أنها لاتفيد المساواة في الجوهر؛ لأن موسى الكليم دعي بهذه التسمية بقوله [له] في سفر الخروج، في الإصحاح السابع: قد أقمتك إلهاًلفرعون2. و [كذلك] سليمان دعي ابن الله في سفر صموئيل الثاني3، في الفصل السابع بقوله: وأنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً. و [كذلك] يوسف، في سفر التكوين، في الإصحاح الحادي والأربعين، [والسابع والأربعين] سمي رباً، ورزق أباه يعقوب بقوله: والمنادي ينادي قدامه أنت رب ومسلط4، وبقوله: وارزق يوسف أباه وإخوته5، وقيل [أيضاً] في المزمور إلى [أئمة] 6 اليهود: إذا قلت إنكم آلهة وبنوا العلي كلكم7،والله قام في مجمع الآلهة8.

1 في. دالمحققون.

2 الخروج 1:7.

3 في النسختين: الملوك الثاني، وصوابه ما أثبت وأنه في سفر صموئيل الثاني 14:7.

4 في سفر التكوين 43:41وأركبه في مركبته الثانية ونادوا أمامه اركعوا.

5 لم أقف عليه بهذا النص ولا قريباً منه، وإنما أورد اليهود قصة إخوة يوسف معه حين جاءوا لطلب القمح، في سفر التكوين، في الإصحاح الثاني والأربعين.

6 في. تأيمات وصوابها ما أثبت من. د.

7 مزامير 6:82.

8 مزامير 1:82 وفيه الله قائم في مجمع الله في وسط الآلهة يقضي.

ص: 78

(وفي المزمور المائة والرابع والثلاثين قد قيل فيه: لأن الرب عظيم وربنا أفضل من جميع الآلهة) 1، والملائكةفي سفر أيوب دعيوا أبناء الله 2.

والشعب الإسرائيلي بوجه العموم دعي ابن الله حين قال الله لفرعون في سفرالخروج: إن اسرائيل ابني البكر أطلقه حتى يعبدني3، وحتى إني لأقول: إن لفظة إله التي بينا، أنها كانت ينعت بها البشر نعتاً ووصفاً وإضافة قد وجدت في التوراة في اللغة العبرانية اسماً أيضاً يستعمله (كل) من يريد [لنفسه]، كلفظة ايلياه التي إذا ترجمت إلى اللغة العربية حرفا بحرف تراها اسماً مركباً من اسمين: ايل ياه4، أي: إله أبدي كائن5، و [لفظة] اليشع أيضاً إذا ترجم اسمه يكون إله مخلص طايق 6.

1 في المزمور 5:135أن الرب عظيم وربنا فوق جميع الآلهة.

2 أيوب 1/6

3 سفر الخروج 22:4.

4 قال في القاموس: إيل اسم من أسماء الله في العبرية، انظر: قاموس الكتاب المقدس ص 142، وقال في ص1049: ياه مختصر يهوه، وتفيد معنى القيام بالذات.

5 قال في. د بعد قوله ايل ياه مانصه واعلم أن لفظة ايل إذا عربتها تكون إله، وإذا ترجمتها للعرب تكون طايق مكين، ولفظة ياه هي بالعربي أبدي، فكأن اسم إيلياه بالعربي هو طايق مكين أبدي، أو معرب هو إله أبدي.

6 هكذا في. ت، وقال في قاموس الكتاب المقدس ص111:اليشع اسم عبري معناهالله خلاصوقد وردت العبارة في. د إذا ترجمتها للعربي فهي، طايق مكين مخلص وإذا عربتها فهي، إله مخلص.

ص: 79

ومثل هذه (الكلمات) قد وجدت كثيرا في الكتب [القديمة] ، وما كان أحد يتصور أو يعتقد في موسىأو في خلافه المنعوتين بهذه النعوت، أنهم آلهة بالذات، أو مساوون لله تعالى في الجوهر، مع أن الآيات الخارقة المفعولة على أيديهم كان لها الأولوية أن تعطيهم ماتدعونه لعيسى1؛ أعني: الألوهية بالذات.

وعدا ذلك 2 أن هذه النعوت أعني: لفظة البنوة لله، والولادة من الله، قد تسمت بها النصارى في تلك الأزمنة في الكتاب؛ لأنهم سموا أبناء الله، ومولودين من الله، والله أبوهم، حيث يقال في إنجيل متّى: وأبوكم السماوي هو كامل3، وقوله: وليس لكم أجر عند أبيكم السماوي4، وكم بالحري أبوكم يعطي الخيرات5، وقوله: ومن دون إرادة أبيكم6، وإن أباكم واحد الذي هو في السماوات 7.

1 في النسختين ماتدعون به إلى عيسى عليه السلام واستقامة المعنى كما أثبت.

2 قال في القاموس ص 1688:عدا الأمرجاوزه وتركه.

3 متى 48:5 وفيه فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموت كامل.

4 متى 1:6

5 متى 12:7.

6 متى 30:10.

7 متى 9:23.

ص: 80

وفي إنجيل لوقا يقول: وبنوا الله من أجل أنهم بنوا القيامة 1، وفي إنجيل يوحنا يقول: وأن يجمع أبناء الله المتفرقين 2.

وفي رسالة قرنيته يقول: وأنا أكون لكم أبا وأنتم تكونون لي بنين وبنات 3، وفي رسالة غلاطية يقول: وأنتم كلكم أبناء الله بالإيمان4. ويعقوب الحواري يقول: وحسب رحمته ولدنا ثانية5، ويوحنا الحواري في رسالته يقول: وكل من ولده الله فما يخطئ 6، وكل محب فهو مولود من الله7.

فهذه الشهادات وأمثالها لم يعتبرها آل السنين (والأجيال) الأولى8، إلا إنها مثل [المقول] على المسيح [عيسى] ، وكانوا يعتقدون9 أن عيسى يمتاز عنهم بالبكورية10، كما قيل

1 لوقا 36:20.

2 يوحنا 52:11.

3 رسالة بولس إلى أهل كورنثوس الثانية 6/ 18.

4 غلاطية 36:3.

5 هكذا، والصواب أنها في بطرس 1: 3 ونصه مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية.

6 رسالة يوحنا الأولى 18:5.

7 رسالة يوحنا الأولى 7:4 وفيهوكل من يحب فقد ولد من الله.

8 يقصد النصارى المتقدمين.

9 في النسختينيعتقدوا على أنوصوابها ما أثبت.

10 في. ت في البكورية.

ص: 81

عنه إنه بكر كل خليقة1، وأن الله تعالى كان يظهر الآيات على يديه2، كما [هو] محرر في الإنجيل3، وفي أعمال الرسل 4، ولكونه هو الشفيع5 والوسيط 6، وكما يفضل نبي عن نبي وصالح عن صالح، فهوفي الأولوية أحق، من كونه [مقدماً ورأساً وأخاً]، كما قال عن نفسه: ها أنا والبنون الذين أعطانيهم الله7، وقول بولس للعبرية: إنه مااستحى (أي عيسى) أن يسميهم8.

1 رسالة بولس إلى أهل كولوسي 15:1.

2 في النسختينكان يأتي الآيات عن يديه.

3 ورد في إنجيل يوحنا 3:9 أن المسيح حين أراد شفاء أعمى قال: لكن لتظهر أعمال الله فيه.

4 ورد في أعمال الرسل 22:2 أن بطرس قال: يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم.

5 قد يقصد به الشفيع في الدعاء لهم كما في لوقا 34:23 فقال يسوع يا أبتاه اغفر لهم؛ لأنهم لايعلمون ماذايفعلون. وقد يقصد به الشفيع في تكفير الخطايا، وهذا من غلوهم ومن ذلك ماورد في رسالة يوحنا الأولى 1:2 وإن أخطأ أحدنا فلنا شفيع عند الأب يسوع المسيح االبار هو كفارة لخطايانا.

6 قال بولس في رسالة تيموثاوس الأولى 5:2 لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح. والمراد بالوسيط، هو أن النبي وسيط بين الله وبين الناس في تبليغ رسالة الله وشرعه، أما النصارى فيرون أن المسيح وسيط بين الله والناس في مغفرة خطاياهم، وذلك ببذل نفسه على الصليب. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص1027.

7 عبرانيين 13:2.

8 عبرانيين 11:2.

ص: 82

وفي رسالته إلى أفسس قال: إنه هو رأس جسد الكنيسة، وكما [أن] الرجل هو رأس المرأة1، فكذلك المسيح هو رأس الكنيسة 2، أعني: أن بولس يريد3 ويستنتج من كلامه أنه كما [أن] المرأة والرجل من جوهر واحد، (فالمسيح والكنيسة من جوهر واحد) ، وكما يمتاز الرأس عن الجسد، هكذا يمتاز المسيح ويتشرفعن الكنيسة، التي هي جماعة النصارى.4

[وبالإيجاز أقول: إن هذه التسميات قد جاءت على موجب اصطلاح اللغة اليونانية والعبرانية استعمالاً وأصولاً، لا العربية، وقد قادت النصارى إلى أن استنتجوا منها، أنّّ عيسى هو ابن بالذات لله تعالى، ومساو له في الجوهر -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- وهذه الصيغة قد حرمها القرآن الشريف5، لأن في قطع الأسباب تنقطع المسببات] .

1 في النسختينالإمرأةواستقامتها ما أثبت.

2 رسالة بولس إلى أهل أفسس 23:5.

3 في. تأنه قد يريد بولس وفي. د قد يريد بولس واستقامتها كما أثبت.

4 في النسختين النصرانية، وصوابها كما أثبت. ومراده من ذلك كله أن تسمية المسيح، ابن الله وتسمية غيره ابن الله، مما ورد في الإنجيل يدل على عدم صحة الاعتقاد الذي عليه النصارى في المسيح، كما يدل على تميز المسيح عن الآخرين من الصالحين بأنه أكثر صلاحاً وأرفع مقاماً ممن أطلق عليهم تلك التسميات.

5 يقصد أن الله عز وجل قد حرّم هذا الإطلاق وهو وصف ابن الله في القرآن.

ص: 83

البيان الثالث

الذي [يظن] 1 النصارى أن به يثبتون2 الألوهية لعيسى وهي أوصاف القدم المقولة عليه، حيث نقل عنه في إنجيل يوحنا في الإصحاح الثامن أنه قال: إني قبل إبراهيم كنت3. وفي الإصحاح الأول قال: وهذا كان في البدء عند الله4، وأمثاله.

فنجيب: أن هذه لا يفهم منها عند النصارى (القدماء) ،الذين كانوا في القرون الأولى، أنه إله بالذات ومساولله تعالى في الجوهر، بل كانوا يفهمونها من قول سليمان، إنه قديم ومخلوق ومولود قبل صنع الجبال والآكام، لأنه أي سيدنا سليمان أنبأ عن سيدنا عيسى5 بقوله بلسان حاله: الرب خلقني ابتداء طرقه لأعماله وقبل جميع الآكام ولدني 6.

1 في. تيظنوا، والمثبت من. د.

2 في النسختين يثبتواوصحتها ما أثبت.

3 يوحنا 58:8.

4 يوحنا 2:1.

5 مراده أن متقدمي النصارى فهموا منها أن المسيح خلق قديما بدليل كلام سليمان عليه السلام عنه.

6 أمثال 22:8 وفيهالرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم

من قبل أن تقررت الجبال قبل التلال أبدئت.

ص: 84

وأيضا نبينا [السيد] الأعظم1 قد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: بأنه مخلوق قبل الكون، وظهوره كان ضمن حساب التاريخ 2.

فإذاً: من قول سليمان الذي يرمز به إلى عيسىعلى زعمكم بأن الرب خلقه قبل أن يبدع اللجج والآكام، نعلم أنّ عيسى ليس هو فوق الأزمان ولا هو أزلي، ويتبع ذلك أنه ليس بإله (حقيقي) .

وإن قلنا: إن النبوءة كانت مقولة من سليمان على جسد عيسى المخلوق، فجسدهقد كان ظهوره تحت حساب التاريخ، وليس مخلوقاً قبل الآكام كما تزعمون.3

وأيضا داودفي هذا المعنى [في زبوره] يقول: يا رب ملجأً كنت لنا في جيل وجيل من قبل أن تكون الجبال وتخلق الأرض 4. [وهذا يدل على أن أرواحنا مخلوقة قبل أن تخلق الأرض] ولا يفيد أننا آلهة5أزليين، أو أنه

1 يقصد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

2 لم أقف على شيء من هذا صحيح، وإنما روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قالوا: يارسول الله متى وجبت لك النبوة؟ قال:"وآدم بين الروح والجسد". قال الترمذي: حسن صحيح غريب.

فمعنى ذلك أنه كتبت نبوته عليه الصلاة والسلام قبل أن ينفخ في آدم الروح. انظر: الترمذي مع تحفة الأحوذي 10/78.

3 مراده أن نبوءة سليمان عليه السلام عن عيسى عليه السلام قد نصت على الخلق قبل الكون، ويعني هذا أنه ليس إلهاً موجوداً منذ الأزل، وإذا كانت النبوءة تتعلق بالجسد فإن الجسد إنما وجد في زمانه الذي وجد فيه وليس قبل خلق الكون.

4 مزامير 1:90.

5 في النسختين وليس يفاد منه واستقامتها كما أثبت.

ص: 85

كما قيل في الرؤيا (في معنى ذلك) فيما زعموا عن يوحنا أنه سمى (المسيح) - في الإصحاح الثالث عشر- خروفاً، بقوله: الذي للخروف الذي ذبح منذ إنشاء العالم 1.

وقد يعلم من هذه أيضاً أنها تفيد قصد الشئ لاوجوده، ولأن المسيح على زعمكم (الباطل) ذبح في عهد بيلاطوس2، وليس منذ إنشاء العالم كما [زعمتم من] قول يوحنا في رؤياه?

(وأيضا أقول: نعم إن سليمان قد تكلم على أن الحكمة في الله أزلية، يقول عنها من الأزل أسست، والنصارى فسروا هذه الحكمة أنها عيسى، فنحن لا نعارضهم بهذا التفسير، وأن سليمان يذكرها مراراً على معان كثيرة بعيدة عن فرضهم، حتى وفي هذه الجملة يشير أنها أسست أي مفعولة، بل نجاوبهم بأن الحكمة ليست وحدها في الله أزلية، بل جميع

1 رؤيا يوحنا 8:13.

2 بيلاطس البنطى أحد ولاة الرومان على اليهود زمن المسيح عليه السلام، وهو الذي يزعم النصارى أنه أمر بصلب المسيح، قيل: إنه مات سنة 39م. انظر: معجم الحضارات الرسامية ص 261.

? حاشية: اعلم أنّ نتيجة هذا البيان الذي هو البيان الثالث قد تشير على أنه إن سلمت النصارى على أن عيسى ذبح قبل إنشاء العالم، فعلينا أن نسلم نحن لهم بأن القول عن المسيح كان قبل إبراهيم هو بالفعل، وان أنكروا وقالوا إنه ماذبح عيسى أي قبل إنشاء العالم بالفعل فنجاوبهم نحن ونقول انه ماكان عيسى قبل إبراهيم بالفعل، مع أن هذه القبلية لاتفيد الأولية كيف ما كانت. وهذه الحاشية ليست في. د

ص: 86

صفاته كالقدرة والرحمة والمعرفة والسمع والبصر وما شابه ذلك، فإذا فسرت النصارى الحكمة وأنها أقنوم عيسى، فيلزم أن يكون في الإلهية أقانيم كثيرة على عدد صفاته، لأن سليمان ذاته قال: إن الله بالحكمة أسس الأرض وبالفطنة أتقن السموات، وبالمعرفة شقق اللجج 1 كما في العبراني، فهاهنا يستنتج أربعة أقانيم في إلههم وهم: الله والحكمة والفطنة والمعرفة، وقد يظهر أيضاً أن الفطنة 2 هي أعظم من الحكمة؛ لأن بها أتقنت السماوات وبالحكمة أسست الأرض) .

1 أمثال 3: 19.

2 المعرفة والفطنة: هذا من تعبيرات اليهود، وليس من الأوصاف المستخدمة عندنا في الشرع. والصواب فيها أن يقال: العليم الخبير

ص: 87

البيان الرابع

أنّ النصارى المتأخرين يستندون على أوصاف السيادة المقولة على عيسى، مستنبطين له منها الإلهية، مثل قوله في يوحنا: إن الأب لا يدين أحدًا بل أعطى الحكم كله للابن 1، و [قوله] كل شئ أعطيت من أبي 2. [وأمثال ذلك كثير] .

فأجيب: والحال أن مثل هذه الأوصاف وما يتبعها لاينبغي أن تقبل3 (أدنى) شبهة بأن الابن غير مساو للأب في الجوهر، ولأنه يقول أعطى الحكم كله للابن و (كل شئ أعطيت من أبي) ، فيكون الأب هو المعطي والابن هو الآخذ، والأخذ للحكم ليس هومن شيم الألوهية ورتبتها، لأن رتبة الألوهية تعطي الحكم، والمسيح نفسه قد فسر ذلك لما أتبع كلامه إذ قال: لأنه ابن البشر 4.

فهذه الأوصاف (كما قررنا) لا تثبت الألوهية (بالذات) لعيسى؛ لأنه في الأول قال: إن الله تعالى أعطى له الحكم، وفي الثاني قد كشف عن الحق (كله) بقوله: لأنه ابن البشر، ولم يقل عنه: إنه يدين ويحكم بحسب طبيعته الخالقة، أو لأنه ابن الله بالطبيعة.

1 يوحنا 22:5.

2 بحثت عنه ولم أجده.

3 في. د تقلل شبهة

4 يوحنا 27:5 وفيه لأنه ابن الإنسان.

ص: 88

وأما قوله: (إن) من يكرم الابن فقد يكرم الأب (وقوله: ويكرمون الابن كما يكرمون الأب) 1 فهي مثل قوله: من أهانكم فقد أهانني ومن أهانني فقد أهان الذي أرسلني2،ومن سمع منكم فقد سمع مني3،ومن يرحم مسكينا يقرض الله 4، وأمثال ذلك كثير.5

1 يوحنا 23:5.

2 لوقا 16:10 وفيه والذي يرذلكم يرذلني والذي يرذلني يرذل الذي أرسلني.

3 لوقا 16:10.

4 أمثال 17:19.

5 حاشية للناسخ: اعلم أنه قد ورد في القرآن الشريف مثلقوله: من يكرم الابن فقد يكرم الأب. خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم أن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله.

ص: 89

البيان الخامس

[يستند] النصارى على ماورد عن عيسى من قول بولس في العبرية1 بأنه: أي عيسى شعاع مجده وصورة جوهره 2؛ [يعني مجد الأب](وهذا الضمير عائد إلى لفظة الله) ، ويستنبطون من قوله شعاع مجده وصورة جوهره 3، مساواته لله تعالى في الجوهر.

فأجيب: أن هذا السند هو كالذي قبله، إذ (أنه) لا يفيد المساواة في الجوهر، لأنه قيل في سفر التكوين ما يحل هذا الإشكال فقد قال عن الإنسان أنه خلق على صورة الله، وذلك في الإصحاح الأول إذ قال: وخلق الله الإنسان كصورته 4.

1 في. ت للعبرية.

2 العبرانيين 3:1 وفيهالذي هو بهاء مجده ورسم جوهره.

3 في النسختين. من كون شعاع مجدهواستقامتها ما أثبت.

4 التكوين 28:1 وفيهفخلق الله الإنسان على صورته. وقد ورد هذا في آدم عليه السلام خاصة في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خلق الله آدم على صورته". أخرجه. خ في الاستئذان وبدء السلام. انظر: صحيح البخاري مع الفتح 11/3، وورد إثبات الصورة لله عزوجل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الرؤية، وفيه "فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون". أخرجه. خ في التوحيد، باب قوله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} . انظر: صحيح البخاري مع الفتح 13/419، م. في الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، 1/164. فالواجب في مثل هذا الحديث إثبات صفة الصورة لله تعالى، مع نفي التشبيه، وأن الله لا يشبه أحداً من خلقه، ولا يشبهه أحد من خلقه.

ص: 90

ثم إن بولس كتب أيضاً لقرنيته1 في الإصحاح الحادي عشر: إن الانسان صورة الله ومجده2. وحيث إنّ لفظة صورة الله ومجده قيلت على المسيح وعلى الإنسان أيضاً، فلا تفيد مساواة عيسى لله تعالى في الجوهر، (وكما تجد أقوالا كثيرة من بولس) إلى كولوسي3 في الإصحاح الأول عن عيسى: أنه ابن (محبته4، أي ابن) محبة الله، وأنه صورة الله ومجده، وأنه بكر كل خليقة5، فيلزم أيضاً أن نعرف معانيها، لأنه (على) معنى قوله: إنه ابن محبة الله، فمعلوم وظاهر جداً أن ابن المحبة غير الابن الطبيعي، حسبما أكد ذلك بولس نفسه في رسالته إلى الروم، إذ أنه سمى عيسى ابن الله بالقوة، ولم يقل بالطبيعة، وأتبع ذلك6 بقوله: حسب روح التقديس7، أي بحيث هو مقدس سمي

1 هكذا في النسختين، ومقصده كورنثوس.

2 كورنثوس الأولى 7:11 وفيه فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده.

3 في. ت كولص، وفي. د كولوطايس وصوابها ما أثبت.

4 كولوسي 13:1.

5 كولوسي 15:1 وفيه الذي هو صورة الله المنظور بكر كل خليقة.

6 في النسختين، وأطبق. وصوابها ما أثبت.

7 رومية 3:1 وفيه: الذي صار من نسل داود من جهة الجسد وتعين ابن الله بقوة من جهة الروح القدس. ويظهر واضحاً الفرق بينه وبين المعنى الذي أثبته المصنف، لأن كلام المصنف يدل على أن المسيح سمي بهذا الاسم لأنه رجل مقدس أي طاهر، أما النص كما هو في النسخة البروتستانتية فيدل على أنه صار ابن الله بواسطة الروح القدس الذي هو إله عندهم.

ص: 91

ابن الله بالقوة، وبقوله: إنه صورة الله ومجده، وآدم أيضاً صورة الله ومجده، وبقوله: إنه بكر كل خليقة، فيكون معناه أن (المسيح) قديم ومخلوق وليس بخالق.

وأما قوله الذي يتلوه: إنه به خلقت البرايا1 أعني: لأجله أو بواسطته، وقد كتب قدها 2 للعبرانيين3 في الإصحاح الأول: لأن به خلق العالمين 4، لأن هذه الباء (في اليوناني) هي باء السببية الواسطية.

ونبينِّا السيد الأعظم صلى الله عليه وسلم قد ورد عنه أنه5 لأجله خلقالوجود6.

وأثبت7 قولي وأختمه بما أورده يوحنا (في رؤياه)، في الإصحاح الثالث بقوله عن عيسى: إنه رأس خليقة الله 8، أي

1 كولوسي 16:1 وفيهفإنه فيه خلق الكل ما في السماوات وما على الأرض.

2 مراده مثلها ومقدارها. قال في المعجم: القد المقدار، يقال هذا على قد ذاك على مقداره. انظر: المعجم الوسيط ص717.

3 في. تإلى العبريةوما أثبت من. د.

4 العبرانيين 2:1 وفيه الذي به أيضاً عمل العالمين

5 في النسختين بأنوصوابها ما أثبت.

6 لعله يقصد بذلك ما ورد في فضائل النبي محمد صلى الله عليه وسلم "لولاك ما خلقت الأفلاك"، وهو حديث موضوع كما قال الشوكاني في الفوائد المجموعة ص326، ووصفه بذلك الألباني في الأحاديث الضعيفة رقم 282.

7 في النسختين وقد أثبت ولا يستقيم المعنى بها.

8 رؤيا يوحنا 14:3 وفيهبداءة خليقة الله.

ص: 92

أنه أول المخلوقين، هذا على زعم كتابكم المطابق قول بولس: إنه بكركل خليقة.

والنتيجة لهذا القول جميعه هوكيف أن عيسى قيل عنه1 [في كتبكم] إنه أول المخلوقات، وإنه بكر كل خليقة، وأنتم تدعون أنه خالق؟ 2

1 في النسختين والنتيجة لهذا القول جميعه في أن كيف عيسى هو مقول عنهوركاكتها ظاهرة وصوابها ما أثبت.

2 حاشية: اعلم أنّ هذه الجملة الموجودة في البيان الخامس التي هي قوله: شعاع مجده وصورة جوهرهإذا قرئت في الإنجيل العبراني لايلزم لها حل مطلقا لأنها محلولة من عين ذاتها ظاهرة جلية إذ أن لفظة شعاع مجده هي في العبراني توكادها كابود وتفسيرها بالعربي الزهرة المجيدة، وهي اسم لكوكب الزهرة، وأن بولس نعت بها عيسى، وأنه أي عيسى هو الزهرة المجيدة وصورة جوهرها، وبالمذكر تقال كوكب الغراء المجيد، وصورة جوهره وسايس الجميع بكلامه القوي. هكذا وجدت هذه الجملة في الإنجيل العبراني وليس عائد هذا الضمير على لفظة الله بل على النجم المشبه عيسى به، كذا وجدت في اللغة العبرانية كما قررنا، وهكذا يفهمها اليهود إلى الآن، وعليك بترجمتها من العبراني تكتفي عن كل ما شرحه المؤلف في هذا البيان.

وقد اختلف نص الحاشية في. د على النحو الآتي اعلم أن جملة شعاع مجده التي رقمها بولس في هذه العبارة وقد حلها المؤلف -رحمه الله تعالى- هي في اللغة العبرانية غير مفتقرة إلى حل، لأنها واردة بمعنى آخر يبعد كثيرا عن صورتها العربية، والوجه الآخر هو: أن هذه الرسالة الوارده فيها هذه العباره هي من الست رسالات المشبوهات والغير مسلمات فى قدمية النصرانية كما ذكر عنها صاحب كتاب مرشد الطالبين، والدليل على ذلك أن المجمع الأول النيقاوى الذي كان مجتمعا لإثبات هذا المعنى ماأورد هذه العبارة في سنداته التي قررها، أي أنه بعد تاريخ عيسى بثلاث مائة سنة وعشرين ماكان المسيحيونقبلوا هذه الرسالة.

ص: 93

البيان السادس

أنّ بولس قد كتب إلى فيلبي قائلاً عن عيسى: الذي إذا كان له صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون عديل الله1، فعلى هذا يستندون أن عيسى عديل الله في الجوهر- تعالى شأنه-.

فأجيب: أنّ هذه الجملة 2غير كافية في اللفظ والمعنى، لأننا إذا تعقلنا جملتها فنراها3أنها لاتفيد مساواة عيسى لله تعالى في الجوهر، بل إنها تظهر المعادلة في الصورة وليس في الجوهر؛ لأنه قال عنه: إذا كان له صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون عديل الله؛ يعني بالصورة.

فهذه المعادلة [من القرائن] قد علمت بهذا الوجه المشروح، وأما بالجوهر فلم يقال عنه إنه عديل الله بالجوهر ومساويه4. وهكذا لفظة

1 فيلبي 6:2 وقوله لم يحسب خلسة أن يكون عديل اللهمعناه عند النصارى إما أن مساواته لله حق له فلم يكن بحاجة إلى اختلاسها وخطفها، أو أنه مع أنه على صورة الله فقد تخلى عن أن يكون عديلاً لله باتخاذه صورة البشر. انظر: تفسير العهد الجديد، وليم باركلي، ص52.

2 في. ت الجملة هي غير، وما أثبت من. د.

3 في. ت فقد نراها أنها وهي ركيكة، والمثبت من. د بعد حذف فقد.

4 وردت في. د هنا حاشية، وقد وردت في. ت في موضع آخر مع اختلاف في اللفظ، وسأبينه عند موضع الحاشية في. ت. انظر: ص 92

ص: 94

المعادلة في الاستعمال في كامل قواعد اللغات، وأنها لاتفيد إلاالوجه المقصود فقط من القرائن1، لأن بطرس الحواري أيضاً يقول في رسالته الثانية في الإصحاح الأول قولا أبلغ من المعادلة في الصورة عن الناس المؤمنين بعيسى: إنهم صاروا شركاء الطبع الإلهي2، ويعقوب أبوالإسرائيليين3 في سفر التكوين في الإصحاح الثالث والثلاثين يقول إلى العيص أخيه: إني نظرت وجهك كوجه الله 4، وسيدنا داودقيل عنه إنه نظير قلب الله بقوله: إني نظرت داود بن يسى رجلا نظير قلبي؛ يعني نظير قلب الله (تعالى) .

وفي الإصحاح الثالث من [نبوة] إرميا (النبي) 5 يقول [عن الله تعالى] : وأعطيكم رعاة كقلبي6، [يعني نظير قلب الله] ، ولم يُقَل عن المقول

1 يعني أن قوله عديل الله: أي مشابهه، والمقصود بالمشابهة يفهم بالقرائن، وهي هنا في الصورة وليس في الجوهر وقول المصنف هذا في إبطال دعوى النصارى، وإلا فلا يجوز إثبات المشابهة بين الخالق والمخلوق بحال بل يجب نفيها كما قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى11. وقوله تعالى:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} الإخلاص4

2 بطرس الثانية 4:1

3 في. ت يعقوب أبا الإسرائيلي وصوابها ما أثبت من. د.

4 التكوين 10:33.

5 هو إرميا بن حلقيا، وهو عند بني إسرائيل من الأنبياء. انظر: معجم الحضارات السامية، ص69. ولم يرد عندنا مايدل على نبوته فنتوقف فيه.

6 إرميا 15:3.

ص: 95

عنهم هذه الأقوال إنهم آلهة بالذات ومساوين لله تعالى في الجوهر، وكما (أنه) إذا قلنا: إن زيداً له صورة القمر فهو عديل القمر، ولا يفهم منها أن زيداًً عديل القمر بالجوهر، بل المعادلة له في الصورة1. (وعلى هذا المثال تفهم تلك الجملة التي هي2 قوله الذي إذا كان له صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون عديل الله، ويستفاد منها أن المعادلة بالصورة وليس بالجوهر)

1 جاء في. د بعد قوله بالصورة نص الحاشية نفسها الواردة في. ت ص 94.

2 في. تقد يفهم من هذه الجملة الذي هو قوله إذا كان وهي ركيكة واستقامتها كما أثبت.

3 حاشية: اعلم أنّ بولس نفسه يؤكد هذا الشرح في غلاقة هذه الجملة بقوله ولكنه أخلى ذاته، أي أنه تنازل وترك شرف هذه الصورة الفائقة. إذ أنه أخذ صورة عبد، أعني: أنه تظاهر بصورة عبد مثل باقي الناس مع سيادته ومعادلته لله في الصورة وشرفه السامي لكي يعلمنا التواضع ويرينا أن الله أثاب هذا الذي ترك ذاته الصائر بشبه الناس رفعة، لأنه يقول: ولذلك رفعه الله، وفي نسخة أخرى يقول: أعلاه الله إعلاءً ومنحه اسما يفوق كل اسم. فهل يجوز عند النصارى أن يقال عن اللاهوت أخلى ذاته، وأنه يعطي مراتب مثل التي ذكرها بولس وعلقها بالمخلي ذاته. أي أن الله رفعه ومنحه اسماً يفوق كل اسم وهذا الرأي ماأظنه يقال ولا من الكافرين.

وقد اختلف نص الحاشية في. د كما ذكرت ص 90 على النحو الآتي اعلم أن بولس نفسه يؤكد هذا الشرح في ختام هذه الجملة بقوله ولكنه أفرغ ذاته، أي أنه تواضع وترك شرف هذه الصورة الفائقة، إذ أخذ صورة عبد، أي أنه تظاهر كعبد مثل باقي الناس ورضي أن يحسب مع الخطاة، مع صلاحه ومعادلته لله في الصورة وشرفه السامي، الذي هو صورة الله كيما يعلمنا التواضع، ويرينا كيف أن الله أثاب هذا الذي أخلى ذاته الصائر بشبه الناس رفعة، لأنه يقول وكذلك رفعه الله، وفي نسخة أخرى يقول أعلاه الله إعلاء ومنحه اسماً يفوق كل اسم. فهل يجوز عند النصارى أن يقال عن اللاهوت إنه أخلى ذاته أي انتقل، أو يقال عنه إنه يعطي مراتب جزاء مثل التي ذكرناها، أي أن الله رفعه ومنحه اسما فائقا.؟ وهذا الرأي ماأظنه يقال، بل إن النصارى تكفر من يقوله. وقد استمر نص الحاشية في. د إلى قوله ووهبه اسما يفوق كل اسمالوارد ضمن المتن في نسخة. ت.

ص: 96

(وأيضاً نقول: وإن فسروا ذلك بالناسوت1 فلا ينطبق معهم هذا التفسير؛ إذ أنّ الناسوت كان مأخوذا على زعمهم وليس آخذاً، وبولس عزا2 الإعطاء إلى الآخذ لا إلى المأخوذ، أي أن الذي أفرغ ذاته وأخذ صورة عبد هو الذي رفعه الله ووهبه اسماً يفوق كل اسم3)4.

1 في. تعن الناسوتولا يستقيم بها الكلام.

2 في النسختين وبولس موجه ضمير كلامه بالإعطاء وما أثبت أوضح.

3 نص كلام بولس في رسالته إلى فيلبي 6:2 الذي إذا كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس وإذا وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب لذلك رفعه الله أيضا وأعطاه إسماً فوق كل اسم.

4 ما بين القوسين ورد ضمن الحاشية في. د، وهي المشار إليها في الصفحة السابقة في الهامش.

ص: 97

(فإذاً ينتج من كل ماشرحناه: أن يسوع الإنسان السيد الشريف الآخذ صورة عبد، أعني المتصف1بالذل والتواضع، هو الذي أعلاه الله إعلاءً.2

(تنبيه) 3: اعلم أنّ الذين تنصروا في [ابتداء] الديانة النصرانية كانوا مركبين من يهود ومن عبدة الأصنام، فالبعض من علماء عبدة الأصنام [من] المتنصرين إذا سمعوا4 الإنجيل يقول عن المسيح: إنه إله وابن إله، فكانوا

1 في. ت المتصرف ولا يستقيم بها المعنى.

2 حاشية: وهذا الشك {عينه} هو الذي كان بعض اليهود المبغضين لعيسى يتأولونه عليه {ويطعنونه به} بأنه يعادل نفسه بالله من قوله [أنه] : هو ابن الله. وقد كشفه عليه السلام وأعلنه بأنه ليس هو عديل الله من جوابه لهم، لأنه قال: أما هو مكتوب في ناموسكم أنا قلت إنكم آلهة وبنوا العلي كلكم. فإن كان أولئك قيل عنهم إنهم آلهة فالذي قدسه الأب وأرسله تقولون أنتم إنه يجدف، ومعناه عليه السلام إن كانت لفظة ابن الله التي تؤنبوني فيها ماقيلت {سابقاً} على غيري [من البشر فيكون الحق معكم على أني أجدف، وإن كانت قيلت سابقاً على غيري، فكيف تقولون عني] أني أجدف إذا قلتها على نفسي أنا المقدس من الله والمرسل. وقد وردت هذه الحاشية ضمن المتن في. د. انظر: ص 92.

3 ورد هذا التنبيه في نسخة. د حاشية ثامنة، بدون لفظة تنبيه وقد استمرت الحاشية في. د إلى نهاية البيان.

4 في. تلما كانوا يسمعوا، وفي. د لما كانوا يسمعون.

ص: 98

يتصورون1 أنه إله [بالذات] كالزهرة والمشتري 2، كما ظنوا3 في بولس وبرنابا أنهم آلهة، ولقبوا بولس بهرمس4 وبرنابا بالمشتري5، كما خبرهم شاع في [كتاب] الابركسيس 6.

وأما علماء اليهود المتنصرين إذا سمعوا7 الإنجيل يقول عن المسيح في الإنجيل: إنه إله وابن إله، فكانوا يعتقدون فيه كموسى وكباقي المسميين آلهة 8، وأنهم مخلوقون وليسو بخالقين9، لأنهم لم يسمعوا في الإنجيل في أسمائه المكتوبة [والمنبئة] عنه، ولا في التوراة اسماً (صريحاً) من

1 في. تيفتكروا فيه، وفي. د يفتكرون.

2 وذلك لأن مشركي اليونان كانوا يعتقدون ألوهية الكواكب ويعبدونها. انظر: معتقدات يونانية ورومانية ص 177.

3 في النسختينافتكروا.

4 هرمس هو اسم إله الفصاحة والخطابة عند اليونان. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص999.

5 المشتري هو اسم كبير الآلهة لدى كل من اليونان والرومان، ويسميه اليونان زفس ويسميه الرومانجوبتير. انظر: قاموس الكتاب المقدس ص426.

6 يقصد أعمال الرسل حيث يسمى باليونانية Praxis ومعناها أعمال. انظر: الأسفار المقدسة، علي وافي، ص113. والنص المشار إليه في 12:14.

7 في. تاليهود اليهود المتنصرين لما كانوا يسمعوا ويبدو أن إضافة اليهود خطأ من الناسخ، وفي. دعلماء اليهود الذي صاروا نصارى لما كانوا يسمعون

8 انظر ماسبق في البيان الثاني.

9 في. ت وهم مخلوقين وليس بخالق، وفي. د وهم مخلوقين وليس خالقين واستقامتها كما أثبت.

ص: 99

الأسماء المختصة بذات الله عز وجل، مثل [اسم] ياهوفا1 مفردة?، [واسم] اهيه اشيراهيه2 الذي لم يطلقا إلا على الله تعالى بالذات، بل كانوا [يرون] أنه من الأسماء المشتركة التي كانت تقال على الخالق وعلى المخلوقين كألوهيم 3 [وأدوناي] 4 وأيلواه 5، وأمثالهما.

1 في النسختين يهوبا وصواب نطقها كما أثبت، كما هي في نسخة الملك جيمس الإنجليزية Jehovah، وفي النسخ العربية البروتستانتية تكتب يهوه وهو اسم خاص عند اليهود لله-تعالى-، ولايصح أن يطلق على غيره مفرداً، وإنما يطلق مركباً مثل يهوياداع يهوياكين ونحوها. انظر: قاموس الكتاب المقدس، ص1096.

2 حاشية: اعلم أنّ لفظة ياهوفا إذاكانت مفردة تمتاز عن ياهوفا المركبة، حيث أن المركبة يجوز أن تقال على البشر وعلى الأحجار كقوله في سفر الخروج في الإصحاح السابع عشر: وابتنى هناك موسى مذبحا ودعى اسمه اليهوبا عظمتي. وهذه الحاشية ليست في. د

3 في الخروج 3/14 فإذا قالوا لي ما اسمه؟ فماذا أقول لهم؟ فقال الله لموسى أَهيَه الذي أَهيه وقال هكذا تقول لبني اسرائيل أَهيه أرسلني لكم قال في قاموس الكتاب المقدس ص128: أَهيه: اسم عبرى معناه الكائن، ويعبر هذا الاسم عن أبديته ووجوده.

4 قال في معجم الحضارات السامية، ص122ألوهيم أحد أسماء الله في كتاب العهد القديم، واللفظة جمع كلمة ألوهو، وتدل على الله، أو الإله بلفظ التفخيم، وكذلك على الآلهة بلفظ الجمع.

5 أدوناي: كلمة عبرية تعني السيد، تطلق في العهد القديم على اسم الجلالة، واليهود يكتبون اسم يهوه ويقرؤونه أدوناي لتجنب لفظ اسم الله. معجم الحضارات السامية ص56.

6 ذكر المؤلف ص 224 أن أيلواه تعني إله.

ص: 100

ولما تنصر الملك قسطنطين1 في ابتداء الجيل الرابع وجد خلفاً في الديانة النصرانية، وآراء مشكلة2، فقصد الفحص هو وخلفه من بعده، وجمعوا [مجامع] عامة، كما حرر [ذلك] سعيد البطريق3 في تاريخه، وغيره من المؤرخين، فكان تارة يثبت رأي اليهود المتنصرين بأن عيسى ليس [بإله] 4 بالذات، [بل بالتسمية] ، وتارة كان يثبت بأنه إله بالذات [أعوذ بالله] ، كرأي عبدة الأصنام المتنصرين،5 الذين منهم

1 هو الإمبراطور الروماني قسطنطين كان وثنياً يعبد الشمس، ثم تعاطف مع النصارى ورفع الاضطهاد عنهم، وهو الذي دعا إلى مجمع نيقية سنة 325م، الذي كان له أعظم الأثر على النصرانية والنصارى حيث نصر قول المؤلهين للمسيح على الموحدين، توفي سنة 337م. انظر: معجم الحضارات السامية ص686، والمنجد،2/551.

2 في النسختين وتشكلات آراء واستقامتها كما أثبت.

3 هو سعيد بن البطريق بطريرك الإسكندرية على الملكيين. كان طبيباً مجادلاً ومؤرخاً، له مختصر في التاريخ العام سماه: نظم الجوهر، وله كتاب البرهان، توفي عام 940م. المنجد في الأعلام 2/356.

4 في. ت إله والمثبت من. د.

5 حاشية: اعلم أنّ هذا التاريخ المنقول عن سعيد البطريق الذي صار بطريركا على الإسكندرية يستدل منه على أنه لم يوجد دليل لهذا الرأي صريح في الكتب يثبت المساواة، أي أنه لم يجد علماء تلك الأزمنة في الإنجيل والتوراة جملة صريحة تقول عن المسيح إنه مساولله في الجوهر وهذا وحده يكفي للبيان. وهذه الحاشية ليست في. د

ص: 101

قسطنطين (نفسه)(وخلفه) ، [ونيكولاوس] 2، و (اسبيردولوس) 3، الذين ليس عندهم معرفة في اصطلاح و [قواعد] 4التوراة.

وهذا هو الأصل. [والسبب] 5 لهذه الواقعة، مع أنّ هذه السلالة الملكية كان بعضهم يعقل ويميل إلى الرأي بعدم المساواة، و [كان] بعضهم يفضله6، حتى إن الغربيين (مع) أتباع البابا [والبروتستانيين] إلى حد هذا الزمان يعتقدون بأن قسطنطين الملك قد توفي بالمذهب، الذي هو عدم المساواة.

1 في. د الملك.

2 في. ت نيكوادوس والمثبت من. د، ولم يتبين لي من هو.

3 في. د سبيريدونس. ولم يتبين لي من هو.

4 في. ت وعوائد والمثبت من. د.

5 في. ت والفرق والمثبت من. د.

6 في النسختينالسلسلة الملوكية كان بعضها يعقل ويميل إلى الرأي بعدم المساواة، وكان بعضهم يفضل فيه. وصوابها ما أثبت. ومراده أن سلالة قسطنطين من ملوك الروم بعضهم كان يأخذ بمذهب أريوس، وما هو قريب منه، وهو القول بعدم المساواة بين عيسى والله تعالى، مثل: قسطنطينوس بن قسطنطين، وفالنس بن جوفيان بن جوليان، الذين كانا على مذهب أريوس. كما أن قسطنطين الثاني، وقسطانس ابني قسطنطين، وجونيان وثيودوسيوس، هؤلاء كلهم كانوا على مذهب بولس، الذي يقول بألوهية المسيح. انظر: مختصر تاريخ الكنيسة، 1/295-299.

ص: 102