المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثاني: الرد على النصارى في استدلالهم على ألوهية المسيح بالمعجزات التي أظهرها الله على يديه - البحث الصريح في أيما هو الدين الصحيح

[زيادة الراسي]

الفصل: ‌الباب الثاني: الرد على النصارى في استدلالهم على ألوهية المسيح بالمعجزات التي أظهرها الله على يديه

‌الباب الثاني: الرد على النصارى في استدلالهم على ألوهية المسيح بالمعجزات التي أظهرها الله على يديه

رد على الافتخار الذي [يفتخر] 1 به النصارى، [المبتدعون بسمو] 2 آيات عيسى وعجائبه وأنها فائقة، وقصدهم بذلك لكي يثبتوا بدعتهم منها؛ أعني [الألوهية] 3 لعيسى، وقد [قابلت] 4 آياته وإذا هي [في الواقع] آيات خارقة للعادة، إلا أن الأنبياء الذين سبقوه قد عملوا مثلها وما يعلوها ويفوقها أيضاً5، ثم إن آل زمانهم وأتباعهم لم يعتقدوا {فيهم} أنهم آلهة ولا مساوون لله تعالى في الجوهر.

1 في. ت ((يفتخرون)) وصوابها ما أثبت من. د.

2 في. ت ((أي المستدعيون بسمو)) وما أثبت من. د.

3 في. ت ((ألوهية بالذات)) والمثبت من. د.

4 في. ت ((تقابلت)) والمثبت من. د.

5 هكذا قال المصنف، والصواب أن يقول: إلا أن الأنبياء الذين سبقوه قد أجرى الله على أيديهم مثلها وما يعلوها، لأن الآيات هي من قدرة الله، التي يظهرها الله على أيدي الأنبياء، كما قال تعالى عن عيسى عليه السلام {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي} المائدة (110) .

ص: 105

أقول: إن الافتخار الذي [يفتخربه] النصارى بآيات عيسى لكي يثبتوا بها أنه إله ومساوٍ لله تعالى في الجوهر، ذلك لايفيدهم شيئاً؛ لأننا مع اعترافنا أن آيات سيدنا عيسى عليه السلام خارقة، إلا إنها إذا تقابلت [آياته بآيات] 1 سيِّدنا موسى والأنبياء عليهم السلام، فيظهر أن بعضها متساوية وبعضها أقل رتبة منها، فسيدنا عيسى نعم: إنه أطعم خمسة آلاف2 وأربعة آلاف من خبز قليل لما صلى لله تعالى3، إلا أن سيدنا موسى عال جملة ألوف بلواحقهم، ليس يوماً ولا شهراً، بل سنين عديدة في التيه في البرية4، وعيسىعليه السلامبنوع عجيب صام أربعين يوماً فيالبرية5، إلا أن إلياس النبي صام مثله6 وموسى النبي عليه السلام ضاعف الأربعين7.

1 في. ت ((على آيات)) ولا يستقيم بها الكلام، والمثبت من. د.

2 انظر يوحنا 10:6.

3 متى 34:15.

4 وذلك زمن التيه أربعون سنة. انظر: الخروج 35:16.

5 متى 2:4.

6 انظر: الملوك الأول 7:19 وفيه ((ثم عاد ملاك الرب ثانية فمسه وقال: قم وكل؛ لأن المسافة كثيرة عليك، فقام وأكل وشرب وسار بقوة تلك الأكلة أربعين نهاراً وأربعين ليلة)) .

7 في النسختين (ثنى الأربعين ضعفين) وقد ورد في سفر الخروج 28: 34 وفيه ((وكان هناك عند الرب أربعين نهاراً وأربعين ليلة لم يأكل خبزاً ولم يشرب ماءًفكتب على اللوحين كلمات العهد، الكلمات العشر)) .

ص: 106

ثم إذا قلنا إن سيدنا عيسى صعد وعرج1، فإيليا أيضاً صعد بهولة2 عظيمة، وبمركبة نارية3، وعيسى انتهر البحر (والريح) فهدءا4، ويشوع بن نون أوقف الشمس والقمر5 6.

نعم إن عيسى مشى على الماء7، وأيضاً تابوت العهد8 مع كهنة

1 انظر: أعمال الرسل 9:1.

2 في النسختين ((بهيلولة)) وصوابها ما أثبت. قال في المعجم ص1000: الهولة العجب، والهولة كل ما هالك.

3 الملوك الثاني 11:2 وفيه عن إيليا ((إلياس)) و ((اليسع)) ((وفيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من ناروخيل من نار ففصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء)) .

4 متى 23:8.

5 يشوع 12:10 وفيه ((حينئذ كلم يشوع الرب

أمام بني إسرائيل وقال أمام عيون إسرائيل: ياشمس دومي على جبعون وياقمر على وادي أيلون. فدامت الشمس ووقف القمر، حتى انتقم الشعب من أعدائه)) .

6 حاشية: (اعلم أنّ وقوف الشمس والقمر من يشوع بن نون هو أبلغ من سكون الريح من عيسى؛ لأن الريح قد يمكن سكونه صدفة وأما الشمس والقمر فغير ممكن وقوفهما لا بل ممتنع إلى أقصى غاية)

7 متى 25:14 وفيه ((وفي الهزيع الرابع من الليل مضى إليهم يسوع ماشياً على البحر)) .

8 تابوت العهد حسب دعوى اليهود هو صندوق صنعه موسى عليه السلام، وكان فيه شيء من المن وعصا هارون والألواح، وكان بنو إسرائيل يحملونه أمامهم، ثم لما بنى سليمان عليه السلام الهيكل وضعوه فيه، ثم فقد منهم ولايعلم له أثر ولاخبر. انظر: قاموس الكتاب المقدس، ص209.

ص: 107

اليهود جازوا في نهر الأردن بأقدام غير مبلولة1.

سيدنا عيسى أقام بصلاته أمواتا2، وأيضا إيليا واليشع أقاما أمواتا في حياتهما3، بل إن عظام اليشع من بعد موته وفنائه حينما وضعوا عليها ذاك الميت للحال قام ناهضا4. مرض البرص شفاه المسيح5، واليشعشفى6 نعمان السرياني من البرص أيضاً7 8.

[نعم إن] الأعمى9 برئ بسيدنا عيسى10، وبرئ سابقاً من مرارة حوت طوبيا، ومن بخوركبده أخرجت الشياطين11، وماء

1 يشوع 13:3.

2 متى 18:9.

3 انظر في إقامة إيليا لابن الأرملة بعد موته: الملوك الأول 17-24:17. وانظر في إقامة اليسع لابن إمرأةأيضاً: في الملوك الثاني 32:4.

4 الملوك الثاني 21:13.

5 متى 1:9.

6 في النسختين ((إلا أن اليشع أشفا)) واستقامتها كما أثبت.

7 الملوك الثاني 5: 1 – 27. من قوله ((وعيسى انتهر البحر)) إلى قوله ((من البرص أيضا)) وردت في. د بتقديم وتأخير.

8 حاشية: (اعلم أنه قد زاد في هذه الآية أن اليشع نقل البرص من جسم نعمان السرياني إلى جسم جيازي خادمه أي خادم اليشع والمسيح لم ينقل البرص.) وقد وردت هذه الحاشية في. د بتقديم وتأخير في عباراتها.

9 في النسختين ((العمى)) وصوابها ما أثبت.

10 متى 27:9، مرقس 22:8.

11 يشير إلى قصة طوبيا الواردة في سفر طوبيا وهو من الأسفار التي لا تعترف بها الكنييسة البروتستانية، وإنما هو من ضمن النسخة اليونانية المقبولة عند الكاثوليك، وملخص القصة: أن طوبيا دهن عيني أبيه من مرارة الحوت فشفي من العمى، وجعل قطعة من كبد الحوت على حجر فبخر بها زوجته فخرجت منها الشياطين. انظر: سفر طوبيا (8/ 2) و (11/ 13 – 15) .

ص: 108

بركة المرسلة 1 كان يشفي [المخلعين]{وسيدنا المسيح كان يبرئ المخلعين} .

سيدنا المسيح هو حي للآن، وإيليا3 وأخنوخ4 لم يموتا، بل هما باقيين أحياء.

[نعم] عيسى أحال شجرة التين المورقة وجعلها يابسة 5، وموسى

1 هكذا في النسختين، والمذكور في يوحنا 7:9 أن المسيح طلا عيني أعمى بالطين، ثم قال له:((اذهب اغتسل في بركة سلوام، الذي تفسيره مرسل، فمضى واغتسل وأتى بصيراً)) .وقال في قاموس الكتاب المقدس ص479 ((بركة سلوام: وسلوام اسم عبراني معناه: مرسل، وهو اسم بركة قريبة من أورشليم، وقد كان اليهود يستخدمون ماءها في طقوسهم الدينية)) .

2 وردت في. ت ((المخلصين)) والمثبت من. د. والمخلعون: جمع مخلع، وهو المجنون أو من انفصل مفصل يده أوقدمه بدون أن يخرج من مكانه. انظر: المعجم الوسيط ص250

3 سبق ماتعلق بإيليا وهو إلياس ص 102، 103.

4 أخنوخ السابع من أولاد آدم حسب كلام اليهود، وقد قالوا في سفر التكوين 24:5 ((وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه)) . وتفسير ذلك عند النصارى أنه لم يمت، فقد أوردوا في الرسالة إلى العبرانيين 5:11 ((بالإيمان نقل أخنوخ كي لا يرى الموت ولم يوجد لأن الله نقله)) .

5 متى 19:21، مرقس 11:13.

ص: 109

تحولت عصاته اليابسة إلى حية1 2

[نعم] عيسى حين3 اليهود أرادوا قتله على زعمهم صارت ظلمة على الأرض من الساعة السادسة إلى الساعة التاسعة4، وربما يكون انكسافاً طبيعياً. وأما الظلمة التي صارت بمصر على يد موسىعليه السلام فقد استقامت ثلاثة أيام5.

[نعم] أن عيسى حينما اعتمدشهد له صوت6 من السماء (قائلاً) : هذا هو ابني الحبيب 7، وأما موسى حسبما ورد عنه بأن الله تعالى ناجاه مخاطباً وقائلاً: قد أقمتك إلهاً لفرعون 8.

1 خروج 2:4.

2 حاشية: (اعلم أنّ يبس شجرة التين هو داخل تحت قانون الطبيعة، أي أنه يمكن أن يبس الشجرة كان بنوع الصدفة، لأن الشجرة قد تيبس، إلا أن العصا تتحول إلى حية ليس هو من الأشياء الصدفية الممكنة، بل هو من الممتنع وجوده إلا بقدرة الله وهو أبلغ الخوارق وأكبرها) . وقد وردت الحاشية في. د بتقديم وتأخير

3 في النسختين ((في حين)) واستقامتها كما أثبت.

4 متى 45:27.

5 خروج 21:10

6 في. ت ((صوتاً)) وصوابه ما أثبت من. د.

7 متى 17:3.

8 خروج 1:7.

ص: 110

[نعم] سيدنا عيسى1 لما تجلي عليه لمعت ثيابه كالثلج2، ولكن موسى حينما نزل من الجبل [من مناجاة الله سبحانه له] كان يضع على وجهه برقعا ليغطي به ذاك البهاء الذي كان فيه، وذلك (البهاء) لم يكن3 وجوده (ساعة) كالتجلي بل بقي زماناً طويلاً4.

فهذه المقولات والمقابلات قد أوردتها ليس لأن عندي أن سيِّدنا عيسى هو دون [سيدنا] موسى عليهما السلام حاشا وكلا، وإنما ليعلم أن المسيح ليسبزائد عن موسى ولا هو إلهاً له كما [يزعم] النصارى.

وبقي علينا أن نشرح ونبين الآيات والعجائب التي فعلهاموسى ولم يفعل سيدنا عيسى مثلها5 ولم يرد على يديه مثل

1 في. د ((المسيح)) .

2 مرقس 2:9 وفيه ((وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم إلى جبل عال منفردين وحدهم، وتغيرت هيئته قدامهم وصارت ثيابه تلمع بيضاء جداً كالثلج)) .

3 في النسختين ((ليس كان)) .

4 خروج 29:34.

5 سبق أن علقنا على عزوه الآيات إلى فعل الأنبياء، وأن الأولى أن يقال: إن الله يجريها على أيديهم. كما أفيد هنا أن الآيات التي يذكرها المصنف هي مما ذكره اليهود والنصارى في كتبهم، وقد تكون الآية من ناحية ثبوتها صحيحة، وقد تكون غير صحيحة، لأن مصادر اليهود والنصارى في هذا غير موثقة، فلا يمكن الاعتماد على صدق خبرها ما لم يصدق القرآن أو السنة الصحيحة الخبر. وهي مع هذا حجة في هذا على النصارى، لأنهم يفرون بالتوراة الموجودة، ويعتقدون قداستها.

ص: 111

أصغرها1، كتحويل بحار المصريين إلى دم، وإيجاد الضفادع الكثيرة2، والوباء المهلك [والجرب] والجراد، والبرد، وموت الأبكار3 وشق البحر الأحمر بعصاته، وإدخال الشعب على الأرض اليابسة في [وسط] البحر4، وعامود الغمام 5، وإنباع الماء من الصخرة التي كانت تتبع الشعب أينما مشى لتسقيه6، وحية النحاس، التي كانت

1 في النسختين ((أصغرها عن يديه)) واستقامتها كما أثبت.

2 في النسختين ((البليغة)) واستقامتها كما أثبت.

3 انظر: في سفر الخروج 7-11.

4 الخروج 14: 21-29.

5 الخروج 21:13 وفيه ((وكان الرب يسير أمامهم نهاراً عمود سحاب ليهديهم في الطريق، وليلاً في عمود نار ليضيء لهم)) . قال في قاموس الكتاب المقدس ص984 ((إن الله كان يسير أمام بني اسرائيل عند خروجهم من مصر)) ولا شك أن هذا من افتراءآت اليهود على الله عز وجل وذلك ليوهموا غيرهم بعظيم قدرهم عند الله حيث زعموا أن الله بجلاله ينزل ليكون مرشدا ودليلا لهم في الطريق، فإن صح ما زعموا من وجود عمود الغمام والنار فلا يعني ذلك سوى أن الله قد سخر لهم جند من جنوده لهذا والله أعلم.

6 الخروج 5:17.

ص: 112

تمنع الموت عن الناظرين إليها من الذين كانت تلدغهم الحيات1 كما كتب وشرح ذلكبالافراد في سفر الخروج، وفي غير محل من التوراة تجد آيات أخر فائقة لم تعمل من عيسى عليه السلام كنجاة دانيال من جب السباع2، وحفظ الثلاثة فتية، الذين طرحهم الملك في [أتون النار] 3، ولم تمسهم، [ولم تحرق ثيابهم] نار ذلك الأتون (المتوقد) سبعة أضعاف4، وشق نهر الأردن من أثواب إيليا حينما ضربه اليشع بتلك المخملة 5.

فهذه جميعها ماعمل مثلهاالمسيح عليه السلام، مع أن الواجب حيث إنّ عيسى (حسبما يزعمون) ، عنه أنه إله ومساو لله تعالى في الجوهر أن تكون آياته وعجائبه أكثر خرقاً للعادة6 وأعلى وأسمى وأغرب من آيات موسى والأنبياء، ولم يقع مثلها في الوجود7 من كونه كما نوهوا عنه أنه خالق الأنبياء وإلههم - أعوذ بالله من ذلك - وعندما

1 العدد 8:21. هكذا زعم اليهود والله اعلم بصحته.

2 دانيال 16:6.

3 الأتون هو الموقد الكبير. انظر: المعجم الوسيط ص4

4 دانيال 12:3.

5 الملوك الثاني 7:2.

6 في النسختين ((أخرق)) وهو خطأ وصوابها ما أثبت.

7 في النسختين ((ولم يكن صار مثلها بالوجود)) .

ص: 113

ينحصر المبتدعون لألوهية عيسى1 من هذه التقارير والمقابلات، ربما يقولون: إن أفعال المسيح الخارقة هي عقلية روحانية، مثلما أنه خلص آدم من خطيئته التي لحقتهم2، وأنه صيرهم أبناء الله بالنعمة، وأنه (أنقذهم) 3 من يد الشيطان الرجيم.

أقول: إن هذه الدعوى المتضمنة أن عيسى عليه السلام خلص آدم من الخطيئة ونسله أيضاً [معه] هي دعوى لا دليل عليها4، ويكذبها الحس ومنافية للعدل.

أما قولي لادليل عليها ويكذبها الحس فلأن آدم لما أخطأ5 على زعمهم مات نفسا وجسداً في الحال: مات بالنفس6، وبالاستقبال

1 في النسختين ((فعندما المبتدعون في الألوهية لعيسى قد ينحصرون)) . واستقامتها كما أثبت.

2 في. ت ((التابعة لهم)) ، وفي. د ((التابعة لسلالاته)) واستقامتها كما أثبت.

3 في. د ((خلصهم)) .

4 في النسختين ((لابيان لها)) وصوابها ماأثبت.

5 في النسختين ((لأن قولي لا بيان وقد يكذبها الحس من حيث أنه لما أخطأ آدم)) وفصاحتها ما أثبت.

6 لعل المصنف يقصد بموت النفس وقوعه في الخطيئة وتدنس النفس بهذا الأمر، واستمرار وقوع ذريته في الخطيئة من بعده. قال تعالى:{وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} طه (121-122)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطيء آدم فخطئت ذريته". أخرجه ت. في تفسير سورة الأعراف 5/267، وقال: حديث حسن صحيح.

ص: 114

مات بالجسم، وهذين؛ أعني [موت] 1 النفس والجسم قد لحق ذريته بأجمعها، كما حرر [ذلك] بولس [عن موت الجسم لاالنفس] : أن بآدم دخل الموت وعم على الجنس البشري2. ولم نر في كل هذه الدهور من حين جاء عيسى وعمل الخلاص –على زعمهم- لآدم وذريته حتى الآن أن البشر تخلصوا أو أي فرد3 منهم من الموت الجسدي، الذي تبع الموت النفساني [على زعمكم4 حتى نستدل على أن سيِّدنا عيسى

1 في. ت ((من)) وصوابها ما أثبت كما في. د.

2 رومية 12:5.

3 في. ت ((تخلصت البشر وأفراد منهم)) وفي. د تخلصت البشر ولا أفراد منهم واستقامتها كما أثبت.

4 حاشية: (اعلم أنّ الاعتقاد عند النصارى أن المسيح قد جاء مخلصا وفاديا، ويدعون على لسان بولسهم أن عيسى صار لعنة لأجل البشر وفداهم من لعنتهم ورفعها عنهم، ثم يدعون أنه مات عنهم ليفديهم من الموت، وما نرى أنه رفع الموت عنهم بموته الذي (كان سببه) خطيئة آدم فأين الفداء الذي يدعونه؟، وقد يستنتج من ذلك أن الموت (لم يرفع عنهم) بأن تكون اللعنة مع الموت [التي قال عنها بولس] باقية هي أيضاً. هذا على موجب رأيهم واعتقادهم.) .

ص: 115

خلص البشر من الموت النفساني، بل إننا] نراهم يموتون على السواء، حتىالطفل المعمد الذي تخلص من خطيئة آدم وصار ابناً لله على زعمهم الباطل، ولم يعمل خطيئة واحدة، فإننا نراه يمرض ويموت.

ثم نرى1 أيضاً أن جميع القصاصات الواردة على البشر بواسطة خطيئة أبيهم2 آدم، المشروحة [في التوراة] ، في الإصحاح الثالث من سفر التكوين، كالإتعاب وأكل الخبز بعرق الوجه، وإخراج الأرض الأشواك التي تفسر بالغموم والهموم، وولادة المرأة بالأوجاع، ولعنة الأرض كلها باقية غير منحلة ولا ناقصة ولا نابها تغير ولا تحويل3.

1 في النسختين ((ننظر)) واستقامتها كما أثبت.

2 في. ت ((جدهم)) وصوابها ماأثبت. ولم ترد هذه الكلمة في. د.

3 التكوين 3: 16-19.ومرادهم بذلك أن آدم وزوجه سيتغير عليهما الحال في الأرض، فلا يجدان الخبز، حتى يعرق جبينهما في تحصيله، والأرض تخرج شوكاً مع ما تخرج من طعام، وتحل على الأرض اللعنة، وهي نقيض البركة، كما ذكر ذلك أصحاب قاموس الكتاب المقدس، ص818. وذلك يعني أن البركة السابقة تذهب منها، فلا تخرج الطعام إلا بعد التعب والكد، والمرأة لا تلد البنين إلا بالأوجاع والجهد الشديد.

ص: 116

وحيث لايثبت صحة المدلول إلا بالدليل1، والدليل هنا بقاء القصاصات (التي شرحناها هو ظاهر بين، فينتج إذاً من كون القصاصات) باقية:2 أن المسيح ما عمل خلاصاً كما يزعمون، وهذا هو المدلول الصحيح الذي لا شك فيه، لأن بهذا الميزان انتقض مدلولهم3.

1 كلام المصنف هنا فيه اختصار شديد، لأن مراده أنه لا تثبت صحة دعوى النصارى في الخطيئة والفداء، وهي المدلول عليه إلا بصحة الدليل، وهو ارتفاع قصاص الخطيئة، الذي هو الموت والتعب بفداء المسيح، ولما لم يصح الدليل وذلك ببقاء الموت والتعب لم يصح المدلول، الذي هو الفداء.

2 وردت العبارة في. د على النحو الآتي ((وأنها هي بالتمام باقية، فيستدل من ذلك أن))

3 حاشية (اعلم أنه لو قيل [من بعض علماء النصارى] إن هذه العوارض المشروحة كالأوجاع والموت الموجود الآن، وأنها بعد مجئ المسيح لم تعد تحسب شيئا عند التابعين له ولا نظن أنها موت وأثقال، فنجيب: والحال أنّ عيسى نفسه كان يتضيق منها ويحزن ويتهرب من الموت ويطلب من الله رفعه عنه، وأيضا (نجد أن) هذه العوارض بعد المسيح كان حصولها وشكلها عند النصارى كمثل شكلها عند الذين هم خارجين عن النصرانية، لأن (محبي عيسى) الذين (مااعتبروا) الموت والعوارض شيئا (كالمحبين) الموجودين خارج دين النصرانية الذين (بذلوا) دماءهم (وجهدهم) رغبة في دينهم، فإذاً (لاتصح دعوى المدعي) ، لأن في القرآن الشريف إن الذين يموتون شهداء (في سبيل الإيمان لا يقال عنهم أموات بل أحياء) .

ص: 117

وأما قولي: عن دعواهم إنها منافية للعدل: فلأن الوصية [في التوراة] تجتزيء1 ذنوب الآباء من الأبناء إلى ثلاثة وإلى أربعة أجيال، حسبما جاء في {الوصية الثانية} من الوصايا العشر2، وهذه [الوصية] يحتسبها العقل ظلماً؛ إذ أنه يسمع العدل الحقيقي الإلهي من فم نبي آخر يقول: إن النفس التي تأكل الحصرم هي تدرس3، وقوله: لا يموت الابن بخطيئة الأب4.

فكيف يسلم العقل ههنا بأن خطيئة آدم وقصاصه يتسلسل جيلاً بعد جيل وشخصاً بعد شخص، حتى يجيء عيسى ليخلص جنس البشر؟ وأنّ الله تعالى العادل سبحانه يترك البشر تحت هذا الظلم القسري!؛ أعني: أنّ آدم يخطئ وتهلك ذريته معه بسبب خطئه إلى أجيال عديدة، [حتى] يرسل عيسى لكي يخلصهم، وما يرى في الناس خلاص، لأنه كما سبقالقول بأنه لا يوجد قصاص واحد من المترتب على آدم انحل وتلاشى بواسطة الخلاص، الذي يدعون أنه تحقق بعيسى، حتى يمكن أن نستدل به عليه إن كان حقاً.

1 قال في المعجم الوسيط 1/122:ط اجتزأه: ((طلب منه الجزاء)) ..

2 الخروج 5:20، تثنية 9:5.

3 إرميا 31: 30 وفيه ((كل إنسان يأكل الحصرم تضرس أسنانه)) .

4 تثنية 16:24 وفيه ((لا يقتل الآباء عن الأولاد ولا يقتل الأولاد عن الآباء كل إنسان بخطيئته يقتل)) .

ص: 118

فإذاً: حيث إننا لم نر انحلالا لقصاص من المترتب على آدم، والمتسلسل إلى ذريته حتى الآن، فيلزم أنه لا دليل على الخلاص الذي يعتقده النصارى المتأخرون ولا إثبات1.

وإذا كانت خطيئة آدم لزمت البشر جميعهم على زعمهم الباطل، فكيف الله سيحانه وتعالى العادل يحبس بعضهم في الجحيم تحت يد إبليس وسلطانه نحو خمسة آلاف سنة، وبعضهم الذين جاؤا من بعد عيسى يخلصهم بعيسى2 بلا حبس ولا دقيقة واحدة، مع أنّ الكل أخطأوا بآدم فأين عدل الله بذلك.؟ 3.

1 في النسختين ((فيلزم أن ولا للخلاص المعتقد فيه عند النصارى المتأخرين ثبات ولا بيان)) وصوابها ما أثبت.

2 في النسختين ((ويخلصهم بواسطة عيسى وبعضهم المستقبلين المجيء)) وصوابها ما أثبت.

3 حاشية: (اعلم أنّ الأغرب من كل ما ذكرنا هو أننا لم نر في كتب موسى ولا في قصص نوح وإبراهيم وباقي الأنبياء خبراً بأن أنفسهم من بعد [موتهم] سوف تذهب إلى تحت يد حكم وسلطان الشيطان لسبب خطيئة (أبيهم) آدم، أوأنهم (ماتوا) على رجاء وإيمان بأن عيسى هو إلههم، وأنه مزمع أن يأتي ويموت ويخلص أنفسهم من هذا الأسر، بل إننا نسمع منهم وعنهم أنهم ناجوا الله - تعالى - وخاطبوه كرات عديدة، وحصلوا منه على نعم جسيمة في حياتهم مثل (إقامتهم) للأموات وغير ذلك من الآيات الخارقة. حتى وبعد موتهم قد أشار عنهم سليمان، وعن أمثالهم بأن نفوسهم في يد الله ولن يلامسهم عذاب، وأنهم من بعدموتهم قد (أصبحوا في سلامة وأنهم لما كانوا يعذبون في الدنيا كان (اعتقادهم أنهم لن يهلكوا بعد الموت، وأن الله سبحانه يقبلهم قبولاً كاملاً) ، وأنه تعالى يملك عليهمالدهر، ولم يقل عنهم أنهم من بعد موتهم (دخلوا) في الجحيم مأسورين تحت يد الشيطان وهو يملك عليهم كما تزعم بعض فرق النصارى. فاذاً هذا قولهم بأفواههم أنى يؤفكون) .

ص: 119

مع أنّ عيسى عليه السلام الذي نسبوا إليه هذه الدعوى لم يتكلم ولا تعرض لذكر هذه القضية في جميع تعاليمه على الإطلاق1، لا بل إنه تكلم بما يضاد هذا الاعتقاد عن لعازر: أن الملائكة نقلته إلى حضن إبراهيم، وإبراهيم قد أفاد عنه عيسى ههنا بأنه هو نفس النعيم2.

1 جزى الله المصنف خيراً، فإنه قد هدم بكلامه هذا أصلاً من أهم أصول الديانة النصرانية، وهي دعوى الصلب تكفيراً لخطيئة آدم، فإن من المتيقن والمعلوم أن المسيح وحسب رواياتهم عنه لم يذكر ولا مرة واحدة أنه جاء تكفيراً لتلك الخطيئة، وأن أول من ذكر ذلك هو أغسطينوس المتوفى عام 430م، وقد بنى قوله على كلام بولس الذي يقول فيه:((بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم)) . وقد عارضه في ذلك الوقت بيلاجيوس الإيرلندي، وأنكر أن خطيئة آدم ورثها أبناؤه، بل خطيئة كل إنسان تخصه وحده، وتقع عليه وحده دون غيره. وبعد نقاش وجدل طويل تدخل امبراطور بيزنطة، وأصدر مرسوماً يدين فيه بيلاجيوس، ويأمر بنفي من ينادي بتعاليمه. وهكذا ثبتت مقولة أغسطينوس في مسألة خطيئة آدم، مع أنها بدعة لا أساس لها في الأناجيل. انظر: تاريخ الكنيسة لجون لوريمر 3/201-207.

2 لوقا 19:16 ونصه ((كان إنسان غني

وكان مسكين اسمه لعازر الذي طرح عند بابه مضروباً بالقروح. فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم ومات الغني أيضاً ودفن فرفع عينيه في الجحيم وهو في العذاب ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه، فنادى وقال: ياأبي إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليبل طرف أصبعه بماء ويبرد لساني لأني معذب في هذا اللهيب، فقال إبراهيم يا ابني اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا، والآن هو يتعزى وأنت تتعذب به)) . وهذا رد قوي مفحم من ناحية إثبات النجاة لرجل بسبب ما حل به من البلاء، وأنه مع إبراهيم بالنعيم، والآخر إنما عذب بسبب أكله طيباته في الحياة الدنيا، ففداء المسيح الناس من خطيئة آدم لم يكن له دور في نجاة من نجا ولاهلاك من هلك.

ص: 120

ويظهر من هذا الكلام على خلاص واقع قبل الفداء الموهوم.

وإن قيل إن ذلك [القول في الإنجيل من سيدنا عيسى] كان مثالاً: فنجيب: أن المثل لابد من أن يكون له رابط فيما بينه وبين الممثل به، فكيفسيدنا عيسى يمثل إبراهيم بالنعيم، ويكون يومئذ إبراهيم على رأيكم في جوف الجحيم.؟ وما هو الرابط فيما بين المثل والممثل به؟

[وغلاقة هذا المبحث تراه في كتاب الأجوبة الجلية1 أصول وخصوم، أي ردودهم وجواباتها]، مع قوله الصريح: بأني لم آت لأدعو صديقين، بل خطاة إلى التوبة 2.

فإذاً ينتج: أنه يوجد صديقين وما أتى ليدعوهم؛ لأنه في مقدم هذه الجملة قد أورد سنداً قوياً لها وهو قوله: إن الأصحاء لا يحتاجون إلى طبيب لكن المرضى 3.

والبيان الأخير؛ أن هذا الرأي، أي: بأن الخطيئة موروثة من آدم، والمسيح خلّص البشر منها هو رأي [منكر] الآن عند النصارى الموحدين4، ومن ذلك يظهر أنه تزوير محدث.

1 كتاب الأجوبة الجلية في دحض الدعوات النصرانية. انظر: المقدمة ص28.

2 مرقس 17:2، لوقا 32:5.

3 من قوله ((مع قوله الصريح)) إلى قوله ((لكن المرضى)) ليس في. د.

4 سبق الحديث عن النصارى الموحدين ص 64.

ص: 121

ونختم هذا الباب بقول مختصر1.

ونقول: إن النصارى يقولون: إنهم هم أبناء الله بواسطة الإيمان والمعمودية، وقد ورد عندهم في كتابهم بأن من ولده فما يخطئ2، وأننا نرى إلى الآن الخطايا جميعها التي يدعو إليها إبليس والشهوات [يفعلها] النصارى، وقد ظهرت فيهم واستحوذت عليهم ليس بأقل من الخارجين عن معتقدهم، بل أكثر وأبلغ، ولم نر لهم ميزة تميزهم عن غيرهم في شئ، فلا يخلو إما أن يكون هؤلاء النصارى [لا يخطئون] من حيث إنهم أبناء الله، ومولودين من الروح الصالح، وخلصهم المسيح من الخطيئة ومن يد إبليس، كما ورد عنهم في كتابهم وهو صدق وحق، وإما أنهم أي النصارى إذا كانوا يخطئون دائماً، مثل الذين هم خارجون عن اعتقادهم، كما يرى ظاهراً فيهم، فليسو هم أبناء الله كما يزعم كتابهم عنهم ولا خلصهم المسيح من يد إبليس، ويكون كتابهم في هذا الباب متقول 3.

1 في. ت ((بهذا القياس)) وفي. د ((بمختصر القول)) وفصاحتها ما ذكرت.

2 رسالة يوحنا الأولى 18:5.

3 يقصد أن النصارى إذا كانوا يذنبون كما هو معلوم عنهم، فهم مثل غير النصارى من أصحاب الملل الأخرى الذين يذنبون أيضاً، فبالتالي لا يصح ادعاء أنهم أبناء الله، ولا أن المسيح خلصهم من إغواء إبليس لهم كما يزعم كتابهم. فيكون بهذا دعوى كتابهم: أنهم أبناء الله، وأنهم لا يخطئون دعوى باطلة.

ص: 122