المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26] - البحر المحيط في التفسير - ط الفكر - جـ ١٠

[أبو حيان الأندلسي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة النجم

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 62]

- ‌سورة القمر

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 55]

- ‌سورة الرّحمن

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 78]

- ‌سورة الواقعة

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 40]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 41 الى 96]

- ‌سورة الحديد

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 29]

- ‌سورة المجادلة

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 22]

- ‌سورة الحشر

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 24]

- ‌سورة الممتحنة

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 13]

- ‌سورة الصّفّ

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 14]

- ‌سورة الجمعة

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة المنافقون

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة التغابن

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 18]

- ‌سورة الطّلاق

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 12]

- ‌سورة التّحريم

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 12]

- ‌سورة الملك

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 30]

- ‌سورة القلم

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 52]

- ‌سورة الحاقّة

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 52]

- ‌سورة المعارج

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 44]

- ‌سورة نوح

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 28]

- ‌سورة الجن

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 1 الى 28]

- ‌سورة المزّمّل

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 20]

- ‌سورة المدّثر

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 56]

- ‌سورة القيمة

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 40]

- ‌سورة الإنسان

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 31]

- ‌سورة المرسلات

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 50]

- ‌سورة النّبإ

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 40]

- ‌سورة النّازعات

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 46]

- ‌سورة عبس

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 42]

- ‌سورة التّكوير

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 29]

- ‌سورة الانفطار

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة المطفّفين

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 36]

- ‌سورة الانشقاق

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 25]

- ‌سورة البروج

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]

- ‌سورة الطّارق

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]

- ‌سورة الأعلى

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة الغاشية

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]

- ‌سورة الفجر

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 30]

- ‌سورة البلد

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]

- ‌سورة الشمس

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

- ‌سورة الليل

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]

- ‌سورة الضّحى

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة الشرح

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة التّين

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العلق

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة القدر

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة البيّنة

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العاديات

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة القارعة

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة التّكاثر

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العصر

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الهمزة

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌سورة الفيل

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة قريش

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الماعون

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة الكوثر

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الكافرون

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌سورة النّصر

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة المسد

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة الإخلاص

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الفلق

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة النّاس

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

الفصل: ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]

‌سورة الغاشية

[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]

بسم الله الرحمن الرحيم

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (2) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (3) تَصْلى نَارًا حامِيَةً (4)

تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَاّ مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (8) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (9)

فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (10) لَا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (11) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (12) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (14)

وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19)

وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَاّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (24)

إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (26)

الضَّرِيعُ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَظُنُّهُ صَاحِبَ النَّبَاتِ، الضَّرِيعُ: الشِّبْرِقُ، وَهُوَ مَرْعَى سُوءٍ لَا تَعْقِدُ السَّائِمَةُ عَلَيْهِ شَحْمًا وَلَا لَحْمًا، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ عَزَارَةَ الْهُذَلِيِّ:

وَحُبِسْنَ فِي هَزَمِ الضَّرِيعِ فَكُلُّهَا

حَدْبَاءُ دَامِيَةُ الْيَدَيْنِ حَرُودُ

وَقَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ:

رَعَى الشِّبْرِقَ الرَّيَّانَ حَتَّى إِذَا ذَوَى

وَصَارَ ضَرِيعًا بَانَ عَنْهُ النَّحَائِصُ

ص: 460

وَقَالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ: يَبِيسُ الْعَرْفَجِ إِذَا تَحَطَّمَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ نَبْتٌ كَالْعَوْسَجِ.

وَقَالَ الْخَلِيلُ: نَبْتٌ أَخْضَرُ مُنْتِنُ الرِّيحِ يَرْمِي بِهِ الْبَحْرُ. النَّمَارِقُ: الْوَسَائِدُ، وَاحِدُهَا نُمْرُقَةٌ بِضَمِّ النُّونِ وَالرَّاءِ وَبِكَسْرِهِمَا.

وَقَالَ زُهَيْرٌ:

كُهُولًا وَشُبَّانًا حِسَانًا وُجُوهُهُمْ

عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَنَمَارِقِ

الزَّرَابِيُّ: بُسُطٌ عِرَاضٌ فَاخِرَةٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ الطَّنَافِسُ الْمُخَمَّلَةُ، وواحدها زريبة بِكَسْرِ الزَّايِ وَبِفَتْحِهَا. سُطِحَتِ الْأَرْضُ: بُسِطَتْ وَوُطِئَتْ.

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ، عامِلَةٌ ناصِبَةٌ، تَصْلى نَارًا حامِيَةً، تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ، لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ، لَا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ، لِسَعْيِها راضِيَةٌ، فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ، لَا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً، فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ، فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ، وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ، وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ، وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ، أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ، فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ، إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ، فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ، إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ.

هِيَ مَكِّيَّةٌ. وَلَمَّا ذَكَرَ فِيمَا قَبْلَهَا فَذَكِّرْ «1» ، وَذَكَرَ النَّارَ وَالْآخِرَةَ، قَالَ: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ. وَالْغَاشِيَةُ: الدَّاهِيَةُ الَّتِي تَغْشَى النَّاسَ بِشَدَائِدِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَهُ سُفْيَانُ وَالْجُمْهُورُ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: النَّارُ، قَالَ تَعَالَى: وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ «2» . وَقَالَ: وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ «3» ، فَهِيَ تَغْشَى سُكَّانَهَا. وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ تَوْقِيفٌ، وَفَائِدَتُهُ تَحْرِيكُ نَفْسِ السَّامِعِ إِلَى تَلَقِّي الْخَبَرِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى هَلْ كَانَ هَذَا مِنْ عملك لَوْلَا مَا عَلَّمْنَاكَ؟ وَفِي هَذَا تَعْدِيدُ النِّعْمَةِ. وَقِيلَ: هَلْ بِمَعْنَى قَدْ. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ: أَيْ يَوْمَ إِذْ غُشِيَتْ، وَالتَّنْوِينُ عِوَضٌ مِنَ الْجُمْلَةِ، وَلَمْ تَتَقَدَّمْ جُمْلَةٌ تَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ التَّنْوِينُ عِوَضًا مِنْهَا، لَكِنْ لَمَّا تَقَدَّمَ لَفْظُ الْغَاشِيَةِ، وَأَلْ مَوْصُولَةٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ، فَتَنْحَلُّ لِلَّتِي غَشِيَتْ، أَيْ لِلدَّاهِيَةِ الَّتِي غَشِيَتْ. فَالتَّنْوِينُ عِوَضٌ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الَّتِي انْحَلَّ لَفْظُ الْغَاشِيَةِ إِلَيْهَا، وَإِلَى الْمَوْصُولِ الَّذِي هُوَ الَّتِي. خاشِعَةٌ: ذَلِيلَةٌ. عامِلَةٌ ناصِبَةٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ

(1) سورة الأعلى: 87/ 9.

(2)

سورة إبراهيم: 14/ 50.

(3)

سورة الأعراف: 7/ 41.

ص: 461

وابن جبير وقتادة: عامِلَةٌ فِي النَّارِ، ناصِبَةٌ تَعِبَةٌ فِيهَا لِأَنَّهَا تَكَبَّرَتْ عَنِ الْعَمَلِ فِي الدُّنْيَا. قِيلَ. وَعَمَلُهَا فِي النَّارِ جَرُّ السَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ، وَخَوْضُهَا فِي النَّارِ كَمَا تَخُوضُ الْإِبِلُ فِي الْوَحْلِ، وَارْتِقَاؤُهَا دَائِبَةً فِي صُعُودِ نَارٍ وَهُبُوطُهَا فِي حُدُورٍ مِنْهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُ جُبَيْرٍ: عَامِلَةٌ فِي الدُّنْيَا نَاصِبَةٌ فِيهَا لِأَنَّهَا عَلَى غَيْرِ هُدًى، فَلَا ثَمَرَةَ لَهَا إِلَّا النَّصَبُ وَخَاتِمَتُهُ النَّارُ وَالْآيَةُ فِي الْقِسِّيسِينَ وَعُبَّادِ الْأَوْثَانِ وَكُلِّ مُجْتَهِدٍ فِي كُفْرِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ: عَامِلَةً نَاصِبَةً بِالنَّصْبِ عَلَى الذَّمِّ، وَالْجُمْهُورُ بِرَفْعِهِمَا.

وَقَرَأَ: تَصْلى بِفَتْحِ التَّاءِ وَأَبُو رَجَاءٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَالْأَبَوَانِ: بِضَمِّهَا وَخَارِجَةُ:

بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ مُشَدِّدَ اللَّامِ، وَقَدْ حَكَاهَا أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ حامِيَةً: مُسَعَّرَةً آنِيَةً قَدِ انْتَهَى حَرُّهَا، كَقَوْلِهِ: وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ «1» ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ ومجاهد. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: حَاضِرَةٌ لَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ: آنَى الشَّيْءُ حَضَرَ. وَالضَّرِيعُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَجَرٌ مِنْ نَارٍ.

وَقَالَ الْحُسَيْنُ: وَجَمَاعَةٌ الزَّقُّومُ.

وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: حِجَارَةٌ مِنْ نَارٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وقتادة وعكرمة ومجاهد: شِبْرِقُ النَّارِ. وَقِيلَ: الْعَبَشْرَقُ. وَقِيلَ: رَطْبُ الْعَرْفَجِ، وَتَقَدَّمَ مَا قِيلَ فِيهِ فِي الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ. وَالضَّرِيعُ، إِنْ كَانَ الْغِسْلِينَ وَالزَّقُّومَ، فَظَاهِرٌ وَلَا يَتَنَافَى الْحَصْرُ فِي إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ «2» ، وإِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ. وَإِنْ كَانَتْ أَغْيَارًا مُخْتَلِفَةً، وَالْجَمْعُ بِأَنَّ الزَّقُّومَ لِطَائِفَةٍ، وَالْغِسْلِينَ لِطَائِفَةٍ، وَالضَّرِيعَ لِطَائِفَةٍ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَا يُسْمِنُ مَرْفُوعُ الْمَحَلِّ أو مجروره على وصف طَعَامٍ أَوْ ضَرِيعٍ، يَعْنِي أَنَّ طَعَامَهُمْ مِنْ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ مَطَاعِمِ الْإِنْسِ وَإِنَّمَا هُوَ شَوْكٌ، وَالشَّوْكُ مما ترعاه الإبل وتتولع بِهِ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْهُ تَنْفِرُ عَنْهُ وَلَا تَقْرَبُهُ، وَمَنْفَعَتَا الْغِذَاءِ مُنْتَفِيَتَانِ عَنْهُ، وَهُمَا إِمَاطَةُ الْجُوعِ وَإِفَادَةُ الْقُوَّةِ، وَالسِّمَنُ فِي الْبَدَنِ، انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: مَرْفُوعُ الْمَحَلِّ أو مجروره على وصف طَعَامٍ أَوْ ضَرِيعٍ. أَمَّا جَرُّهُ عَلَى وَصْفِهِ لِضَرِيعٍ فَيَصِحُّ، لِأَنَّهُ مُثْبَتٌ مَنْفِيٌّ عَنْهُ السِّمَنُ وَالْإِغْنَاءُ مِنَ الْجُوعِ. وَأَمَّا رَفْعُهُ عَلَى وَصْفِهِ لِطَعَامٍ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الطَّعَامَ مَنْفِيٌّ وَلَا يُسْمِنُ، مَنْفِيٌّ فَلَا يَصِحُّ تَرْكِيبُهُ، إِذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى: أَنَّ لَهُمْ طَعَامًا يُسْمِنُ وَيُغْنِي مِنْ جُوعٍ مِنْ غَيْرِ ضَرِيعٍ، كَمَا تَقُولُ: لَيْسَ لِزَيْدٍ مَالٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إِلَّا مِنْ مَالِ عَمْرٍو، فَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ مَالًا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مَالِ عَمْرٍو. وَلَوْ قِيلَ: الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ صِفَةً لِلْمَحْذُوفِ الْمُقَدَّرِ فِي إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ كَانَ صَحِيحًا، لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنِ اسْمِ لَيْسَ، أَيْ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا كائن

(1) سورة الرحمن: 55/ 44.

(2)

سورة الحاقة: 69/ 36.

ص: 462

مِنْ ضَرِيعٍ، إِذِ الْإِطْعَامُ مِنْ ضَرِيعٍ غَيْرُ مُسْمِنٍ وَلَا مُغْنٍ مِنْ جُوعٍ، وَهَذَا تَرْكِيبٌ صَحِيحٌ وَمَعْنًى وَاضِحٌ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَوْ أُرِيدَ أَنْ لَا طَعَامَ لَهُمْ أَصْلًا، لِأَنَّ الضَّرِيعَ لَيْسَ بِطَعَامٍ لِلْبَهَائِمِ فَضْلًا عَنِ الْإِنْسِ، لِأَنَّ الطَّعَامَ مَا أَشْبَعَ وَأَسْمَنَ، وَهُوَ مِنْهُمَا بِمَعْزِلٍ. كَمَا تَقُولُ: لَيْسَ لِفُلَانٍ ظِلٌّ إِلَّا الشَّمْسُ، تُرِيدُ نَفْيَ الظِّلِّ عَلَى التَّوْكِيدِ. انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا، إِذْ لَمْ يَنْدَرِجِ الْكَائِنُ مِنَ الضَّرِيعِ تَحْتَ لَفْظَةِ طَعَامٍ، إِذْ لَيْسَ بِطَعَامٍ. وَالظَّاهِرُ الِاتِّصَالُ فِيهِ. وَفِي قَوْلِهِ: وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ «1» ، لِأَنَّ الطَّعَامَ هُوَ مَا يَتَطَعَّمُهُ الْإِنْسَانُ، وَهَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُسْتَلَذِّ وَالْمَكْرُوهِ وَمَا لَا يُسْتَلَذُّ وَلَا يُسْتَكْرَهُ.

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ: صَحَّ الِابْتِدَاءُ فِي هَذَا وَفِي قَوْلِهِ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ بِالنَّكِرَةِ لِوُجُودِ مُسَوِّغِ ذَلِكَ وَهُوَ التَّفْصِيلُ، نَاعِمَةٌ لِحُسْنِهَا وَنَضَارَتِهَا أَوْ مُتَنَعِّمَةٌ. لِسَعْيِها راضِيَةٌ: أَيْ لِعَمَلِهَا فِي الدُّنْيَا بِالطَّاعَةِ، رَاضِيَةٌ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ جَزَاؤُهُ الْجَنَّةُ. فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ: أَيْ مَكَانًا وَمَكَانَةً. وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ وَأَهْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَنَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِخِلَافٍ عَنْهُمْ. لَا تَسْمَعُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، لاغِيَةً: رُفِعَ، أَيْ كَلِمَةٌ لَاغِيَةٌ، أَوْ جَمَاعَةٌ لَاغِيَةٌ، أَوْ لَغْوٌ، فَيَكُونُ مَصْدَرًا كَالْعَاقِبَةِ، ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، الثَّالِثُ لِأَبِي عُبَيْدَةَ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَعِيسَى وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو كَذَلِكَ، إلا أنهم قرأوا بِالْيَاءِ لِمَجَازِ التَّأْنِيثِ، وَالْفَضْلُ وَالْجَحْدَرِيُّ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ نَصَبَ لَاغِيَةً عَلَى مَعْنَى لَا يَسْمَعُ فِيهَا، أَيْ أَحَدٌ مِنْ قَوْلِكَ:

أَسْمَعْتُ زَيْدًا وَالْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ وَأَبُو جعفر وقتادة وَابْنُ سِيرِينَ وَنَافِعٌ فِي رِوَايَةٍ خَارِجَةٍ وَأَبُو عَمْرٍو بِخِلَافٍ عَنْهُ وَبَاقِي السَّبْعَةِ: لَا تَسْمَعُ بِتَاءِ الْخِطَابِ عُمُومًا، أَوْ لِلرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام، أَوِ الْفَاعِلُ الْوُجُودُ. لَاغِيَةً: بِالنَّصْبِ، فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ: عَيْنٌ اسْمُ جِنْسٍ، أَيْ عُيُونٌ، أَوْ مَخْصُوصَةٌ ذُكِرَتْ تَشْرِيفًا لَهَا. فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ: مِنْ رِفْعَةِ الْمَنْزِلَةِ أَوْ رِفْعَةِ الْمَكَانِ لِيَرَى مَا خَوَّلَهُ رَبُّهُ مِنَ الْمُلْكِ وَالنَّعِيمِ، أَوْ مَخْبُوءَةٌ مِنْ رَفَعْتُ لَكَ هَذَا، أَيْ خَبَّأْتُهُ.

وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ: أَيْ بِأَشْرِبَتِهَا مُعَدَّةٌ لَا تَحْتَاجُ إِلَى مالىء، أَوْ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، أَوْ مَوْضُوعَةٌ عَلَى حَافَّاتِ الْعُيُونِ. وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ: أَيْ وَسَائِدُ صُفَّ بَعْضُهَا إِلَى جَنْبِ بَعْضٍ لِلِاسْتِنَادِ إِلَيْهَا وَالِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا. وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ: مُتَفَرِّقَةٌ هُنَا وَهُنَا فِي الْمَجَالِسِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَمْرَ الْقِيَامَةِ وَانْقِسَامَ أَهْلِهَا إِلَى أَشْقِيَاءَ وَسُعَدَاءَ، وَعُلِمَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِ ذَلِكَ إِلَّا بِوَاسِطَةِ الصَّانِعِ الْحَكِيمِ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِهِ هَذِهِ الدَّلَائِلَ، وَذِكْرِ مَا الْعَرَبُ مُشَاهِدُوهُ وَمُلَابِسُوهُ دَائِمًا فَقَالَ: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وهي الجمال،

(1) سورة الحاقة: 69/ 36.

ص: 463

فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهَا مَا تَفَرَّقَ مِنَ الْمَنَافِعِ فِي غَيْرِهَا، مِنْ أَكْلِ لَحْمِهَا، وَشُرْبِ لَبَنِهَا، وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا، وَالتَّنَقُّلِ عَلَيْهَا إِلَى الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ، وَعَيْشِهَا بِأَيِّ نَبَاتٍ أَكْلَتْهُ، وَصَبْرِهَا عَلَى الْعَطَشِ حَتَّى إِنَّ فِيهَا مَا يَرِدُ الْمَاءَ لِعَشْرٍ، وَطَوَاعِيَتِهَا لِمَنْ يَقُودُهَا، وَنَهْضَتِهَا وَهِيَ بَارِكَةٌ بِالْأَحْمَالِ الثِّقَالِ، وَكَثْرَةِ حنينها، وَتَأَثُّرِهَا بِالصَّوْتِ الْحَسَنِ عَلَى غِلَظِ أَكْبَادِهَا، وَهِيَ لَا شيء من الحيوان جميع هَذِهِ الْخِصَالَ غَيْرُهَا. وَقَدْ أَبَانَ تَعَالَى امْتِنَانَهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً «1» ، الْآيَاتِ. وَلِكَوْنِهَا أفضل ما عند الغرب، جَعَلُوهَا دِيَةَ الْقَتْلِ، وَوَهَبُوا الْمِائَةَ مِنْهَا مَنْ يَقْصِدُهُمْ وَمَنْ أَرَادُوا إِكْرَامَهُ، وَذَكَرَهَا الشُّعَرَاءُ فِي مَدْحِ مَنْ وَهَبَهَا، كَمَا قَالَ:

أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ تَحْدُوهَا ثَمَانِيَةٌ وَقَالَ آخَرُ:

الْوَاهِبُ الْمِائَةَ الْهِجَانَ بِرُمَّتِهَا وَنَاسَبَ التَّنْبِيهَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا حَوَتْ مِنْ عَجَائِبِ الصِّفَاتِ، مَا ذُكِرَ مَعَهَا مِنَ السَّمَاءِ وَالْجِبَالِ وَالْأَرْضِ لِانْتِظَامِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي نَظَرِ الْعَرَبِ فِي أَوْدِيَتِهِمْ وَبَوَادِيهِمْ، وَلِيَدُلَّ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِثْبَاتِ الصَّانِعِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ، بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَوْجُودَاتِهِ، كَمَا قِيلَ:

وَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ آيَةٌ

تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الْمُبَرِّدُ: الْإِبِلُ هُنَا السَّحَابُ، لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُسَمِّيهَا بِذَلِكَ، إِذْ تَأْتِي أَرْسَالًا كَالْإِبِلِ، وَتُزْجَى كَمَا تُزْجَى الْإِبِلُ، وَهِيَ فِي هَيْئَتِهَا أَحْيَانًا تُشْبِهُ الْإِبِلَ وَالنَّعَامَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

كَأَنَّ السَّحَابَ ذَوَيْنَ السماء

نَعَامٌ تَعَلَّقَ بِالْأَجَلِ

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَلَمْ يَدْعُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِبِلَ السَّحَابُ إِلَى قَوْلِهِ إِلَّا طَلَبُ الْمُنَاسَبَةِ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّ الْإِبِلَ مِنْ أَسْمَاءِ السَّحَابِ، كَالْغَمَامِ وَالْمُزْنِ وَالرَّبَابِ وَالْغَيْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا رَأَى السَّحَابَ مُشَبَّهًا بِالْإِبِلِ كَثِيرًا فِي أَشْعَارِهِمْ، فَجَوَّزَ أَنْ يُرَادَ بِهَا السَّحَابُ عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ وَالْمَجَازِ، انْتَهَى. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: الْإِبِلِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ

(1) سورة يس: 36/ 171.

ص: 464

وَالْأَصْمَعِيِّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: بِإِسْكَانِ الْبَاءِ

وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ: بِشَدِّ اللَّامِ.

وَرُوِيَتْ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَأَبِي جَعْفَرٍ وَالْكِسَائِيِّ وَقَالُوا: إِنَّهَا السَّحَابُ، عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَالَ الْحَسَنُ:

خَصَّ الْإِبِلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا تَأْكُلُ النَّوَى وَالْقَتَّ وَتُخْرِجُ اللَّبَنَ، فَقِيلَ لَهُ: الْفِيلُ أَعْظَمُ فِي الْأُعْجُوبَةِ، وَقَالَ الْعَرَبُ: بَعِيدَةُ الْعَهْدِ بِالْفِيلِ، ثُمَّ هُوَ خِنْزِيرٌ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَا يُرْكَبُ ظَهْرُهُ وَلَا يُحْلَبُ دَرُّهُ. وَالْإِبِلُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَهُوَ مُؤَنَّثٌ، وَلِذَلِكَ إِذَا صُغِّرَ دَخَلَتْهُ التَّاءُ فَقَالُوا:

أُبَيْلَةٌ، وَقَالُوا فِي الْجَمْعِ: آبَالٌ. وَقَدِ اشْتَقُّوا مِنْ لَفْظِهِ فَقَالُوا: تَأَبَّلَ الرَّجُلُ، وَتَعَجَّبُوا مِنْ هَذَا الْفِعْلِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ فَقَالُوا: مَا آبَلَ زَيْدًا. وَإِبْلٌ اسْمٌ جَاءَ عَلَى فِعْلٍ، وَلَمْ يَحْفَظْ سِيبَوَيْهِ مِمَّا جَاءَ عَلَى هذا الوزن غيره. وكيف خُلِقَتْ: جُمْلَةٌ اسْتِفْهَامِيَّةٌ فِي مَوْضِعِ الْبَدَلِ مِنِ الْإِبِلِ، وَيَنْظُرُونَ: تَعَدَّى إِلَى الْإِبِلِ بِوَاسِطَةِ إِلَى، وَإِلَى كَيْفَ خُلِقَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيقِ، وَقَدْ تُبْدَلُ الْجُمْلَةُ وَفِيهَا الِاسْتِفْهَامُ مِنَ الِاسْمِ الَّذِي قَبْلَهَا كَقَوْلِهِمْ: عَرَفْتُ زَيْدًا أَبُو مَنْ هُوَ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ، عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ أَدْخَلَتْ إِلَى عَلَى كَيْفَ، فَحَكَى أَنَّهُمْ قَالُوا: انْظُرْ إِلَى كَيْفَ يَصْنَعُ. وَكَيْفَ سُؤَالٌ عَنْ حَالٍ وَالْعَامِلُ فِيهَا خُلِقَتْ، وَإِذَا عُلِّقَ الْفِعْلُ عَنْ مَا فِيهِ الِاسْتِفْهَامُ، لَمْ يَبْقَ الِاسْتِفْهَامُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى بِالتَّذْكِرَةِ وَفِي غَيْرِهِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: خُلِقَتْ: رُفِعَتْ، نُصِبَتْ سُطِحَتْ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ

وَعَلِيٌّ وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ: بِتَاءِ الْمُتَكَلِّمِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ

، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أَيْ خَلَقْتُهَا، رَفَعْتُهَا، نَصَبْتُهَا رُفِعَتْ رَفْعًا بَعِيدَ الْمَدَى بِلَا عَمَدٍ، نُصِبَتْ نَصْبًا ثَابِتًا لَا تَمِيلُ وَلَا تَزُولُ سُطِحَتْ سَطْحًا حَتَّى صَارَتْ كَالْمِهَادِ لِلْمُتَقَلِّبِ عَلَيْهَا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: سُطِحَتْ خَفِيفَةَ الطَّاءِ وَالْحَسَنُ وَهَارُونُ: بِشَدِّهَا. وَلَمَّا حَضَّهُمْ عَلَى النَّظَرِ، أَمَرَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِتَذْكِيرِهِمْ فَقَالَ: فَذَكِّرْ وَلَا يَهُمَّنَّكَ كَوْنُهُمْ لَا يَنْظُرُونَ. إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ «1» . لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ: أَيْ بِمُسَلَّطٍ، كَقَوْلِهِ: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ «2» . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بِالصَّادِ وَكَسْرِ الطَّاءِ، وَابْنُ عَامِرٍ فِي رِوَايَةٍ، وَنُطَيْقٌ عَنْ قُنْبُلٍ، وَزَرْعَانُ عَنْ حَفْصٍ: بِالسِّينِ وَحَمْزَةُ فِي رِوَايَةٍ: بِإِشْمَامِ الزَّايِ وَهَارُونُ: بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ. وَسَيْطَرَ مُتَعَدٍّ عِنْدَهُمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُ الْمُطَاوَعَةِ وَهُوَ تَسَطَّرَ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ إِلَّا مُسَيْطِرٌ وَمُهَيْمِنٌ وَمُبَيْطِرٌ وَمُبَيْقِرٌ، وَهِيَ أَسْمَاءُ فَاعِلِينَ مِنْ سَيْطَرَ وَهَيْمَنَ وَبَيْطَرَ. وَجَاءَ مُجَيْمِرٌ اسْمُ وَادٍ وَمُدَيْبِرٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُمَا مُدَبِّرٌ وَمُجَمِّرٌ فَصُغِّرَا. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِلَّا حَرْفُ اسْتِثْنَاءٍ فَقِيلَ مُتَّصِلٌ، أَيْ فَأَنْتَ مُسَيْطِرٌ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: مُتَّصِلٌ مِنْ فَذَكِّرْ،

(1) سورة الشورى: 42/ 48.

(2)

سورة ق: 50/ 45.

ص: 465

أَيْ فَذَكِّرْ إِلَّا مَنِ انْقَطَعَ طَمَعُكَ مِنْ إِيمَانِهِ وَتَوَلَّى فَاسْتَحَقَّ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ، وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ. وَقِيلَ: مُنْقَطِعٌ، وَهِيَ آيَةُ مُوَادَعَةٍ نُسِخَتْ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَقَرَأَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَقَتَادَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: أَلَا حَرْفُ تَنْبِيهٍ وَاسْتِفْتَاحٍ، وَالْعَذَابُ الْأَكْبَرُ هُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِيابَهُمْ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ مَصْدَرُ آبَ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ: بشدّها مصدرا لفعيل من آب عَلَى وَزْنِ فِيعَالٍ، أَوْ مَصْدَرًا كَفَوْعَلَ كَحَوْقَلَ عَلَى وَزْنِ فِيعَالٍ أَيْضًا كَحِيقَالٍ، أو مصدر الفعول كَجَهُورٍ عَلَى وَزْنِ فَعْوَالٍ كَجَهْوَارٍ فَأَصْلُهُ أَوْوَابٍ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ الْأُولَى يَاءً لِسُكُونِهَا وَانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا وَاجْتَمَعَ فِي هَذَا الْبِنَاءِ وَالْبِنَاءَيْنِ قَبْلَهُ وَاوٌ وَيَاءٌ، وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً، وَأُدْغِمَ وَلَمْ يَمْنَعِ الْإِدْغَامُ مِنَ الْقَلْبِ لِأَنَّ الْوَاوَ وَالْيَاءَ لَيْسَتَا عَيْنَيْنِ مِنِ الْفِعْلِ، بَلِ الْيَاءُ فِي فَيْعَلَ وَالْوَاوُ فِي فَعُولٍ زَائِدَتَانِ. وَقَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ، وَتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَكُونُ أَصْلُهُ إِوَّابًا مَصْدَرَ أَوَّبَ، نَحْوَ كَذَّبَ كِذَّابًا، ثُمَّ قيل إوابا فَقُلِبَتِ الْوَاوُ الْأُولَى يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كَدِيوَانٍ فِي دِوَّانٍ، ثُمَّ فُعِلَ بِهِ مَا فُعِلَ بِسَيِّدٍ، يَعْنِي أَنَّهُ اجْتَمَعَ يَاءٌ وَوَاوٌ وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتِ الْيَاءُ فِي الْوَاوِ، فَأَمَّا كَوْنُهُ مَصْدَرَ أَوَّبَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْوَاوَ الْأُولَى إِذَا كَانَتْ مَوْضُوعَةً عَلَى الْإِدْغَامِ وَجَاءَ مَا قَبْلَهَا مَكْسُورًا فَلَا تُقْلَبُ الْوَاوُ الْأُولَى يَاءً لِأَجْلِ الْكَسْرَةِ، وَمَثَّلُوا بِاخْرِوَّاطٍ مَصْدَرِ اخْرَوَّطَ، وَمَثَّلُوا أَيْضًا بِمَصْدَرِ أَوَّبَ نَحْوَ أَوَّبَ إِوَّابًا، فَهَذِهِ وُضِعَتْ عَلَى الْإِدْغَامِ، فَحَصَّنَهَا مِنِ الْإِبْدَالِ وَلَمْ تَتَأَثَّرْ لِلْكَسْرِ.

وَأَمَّا تَشْبِيهُ الزَّمَخْشَرِيِّ بِدِيوَانٍ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْطِقُوا بِهَا فِي الْوَضْعِ مُدْغَمَةً، فَلَمْ يَقُولُوا دِوَّانٌ، وَلَوْلَا الْجَمْعُ عَلَى دَوَاوِينَ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْيَاءِ وَاوٌ، وَأَيْضًا فَنَصُّوا عَلَى شُذُوذِ دِيوَانٍ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَأْوَبَ، فَيَجِيءُ إِيوَابًا، سُهِّلَتِ الْهَمْزَةُ، وَكَانَ اللازم في الإدغام يردها إِوَّابًا، لَكِنِ اسْتُحْسِنَتْ فِيهِ الْيَاءُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، انْتَهَى. فَقَوْلُهُ: وَكَانَ اللَّازِمُ فِي الْإِدْغَامِ بِرَدِّهَا إِوَّابًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلِ اللَّازِمُ إِذَا اعْتُبِرَ الْإِدْغَامُ أَنْ يَكُونَ إِيَّابًا، لِأَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَتْ يَاءٌ وَهِيَ الْمُبْدَلَةُ مِنَ الْهَمْزَةِ بِالتَّسْهِيلِ. وَوَاوٌ وَهِيَ عَيْنُ الْكَلِمَةِ وَإِحْدَاهُمَا سَاكِنَةٌ، فَتُقْلَبُ الْوَاوُ يَاءً وَتُدْغَمُ فِيهَا الْيَاءُ فَيَصِيرُ إِيَّابًا.

وَلَمَّا كَانَ مِنْ مَذْهَبِ الزَّمَخْشَرِيِّ أَنَّ تَقْدِيمَ الْمَعْمُولِ يُفِيدُ الْحَصْرَ، قَالَ مَعْنَاهُ: أَنَّ إِيَابَهُمْ لَيْسَ إِلَّا إِلَى الْجَبَّارِ الْمُقْتَدِرِ عَلَى الِانْتِقَامِ، وَأَنَّ حِسَابَهُمْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ إِلَّا عَلَيْهِ تَعَالَى، وَهُوَ الَّذِي يُحَاسِبُ عَلَى النَّقِيرِ وَالْقِطْمِيرِ، وَمَعْنَى الْوُجُوبِ: الْوُجُوبُ فِي الْحِكْمَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 466