المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15] - البحر المحيط في التفسير - ط الفكر - جـ ١٠

[أبو حيان الأندلسي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة النجم

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 62]

- ‌سورة القمر

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 55]

- ‌سورة الرّحمن

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 78]

- ‌سورة الواقعة

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 40]

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 41 الى 96]

- ‌سورة الحديد

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 29]

- ‌سورة المجادلة

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 22]

- ‌سورة الحشر

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 24]

- ‌سورة الممتحنة

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 13]

- ‌سورة الصّفّ

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 14]

- ‌سورة الجمعة

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة المنافقون

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة التغابن

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 18]

- ‌سورة الطّلاق

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 12]

- ‌سورة التّحريم

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 12]

- ‌سورة الملك

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 30]

- ‌سورة القلم

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 52]

- ‌سورة الحاقّة

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 52]

- ‌سورة المعارج

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 44]

- ‌سورة نوح

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 28]

- ‌سورة الجن

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 1 الى 28]

- ‌سورة المزّمّل

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 20]

- ‌سورة المدّثر

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 56]

- ‌سورة القيمة

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 40]

- ‌سورة الإنسان

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 31]

- ‌سورة المرسلات

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 50]

- ‌سورة النّبإ

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 40]

- ‌سورة النّازعات

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 46]

- ‌سورة عبس

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 42]

- ‌سورة التّكوير

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 29]

- ‌سورة الانفطار

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة المطفّفين

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 36]

- ‌سورة الانشقاق

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 25]

- ‌سورة البروج

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]

- ‌سورة الطّارق

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]

- ‌سورة الأعلى

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة الغاشية

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]

- ‌سورة الفجر

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 30]

- ‌سورة البلد

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]

- ‌سورة الشمس

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

- ‌سورة الليل

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]

- ‌سورة الضّحى

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة الشرح

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة التّين

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العلق

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]

- ‌سورة القدر

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة البيّنة

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة الزّلزلة

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العاديات

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة القارعة

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌سورة التّكاثر

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌سورة العصر

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الهمزة

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌سورة الفيل

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة قريش

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الماعون

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌سورة الكوثر

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة الكافرون

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌سورة النّصر

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌سورة المسد

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة الإخلاص

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌سورة الفلق

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌سورة النّاس

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

الفصل: ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

‌سورة الشمس

[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (2) وَالنَّهارِ إِذا جَلَاّها (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (4)

وَالسَّماءِ وَما بَناها (5) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (6) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (7) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (9)

وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (12) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (14)

وَلا يَخافُ عُقْباها (15)

طَحَا وَدَحَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَيْ بَسَطَ وَوَطَّأَ، وَيَأْتِي طَحَا بِمَعْنَى ذَهَبَ. قَالَ عَلْقَمَةُ:

طَحَا بِكَ قَلْبٌ فِي الْحِسَانِ طَرُوبُ وَيُقَالُ: مَا أَدْرِي أَيْنَ طَحَا: أَيْ ذَهَبَ، قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو، وَفِي أَيْمَانِ الْعَرَبِ لَا، وَالْقَمَرِ الطَّاحِي: أَيِ الْمُشْرِقِ الْمُرْتَفِعِ، وَيُقَالُ: طَحَا يَطْحُو طَحْوًا، وَيَطْحَى طَحْوًا. التَّدْسِيَةُ:

الْإِخْفَاءُ، وَأَصْلُهُ دَسَسَ فَأَبْدَلَ مِنْ ثَالِثِ الْمُضَاعَفَاتِ حَرْفُ عِلَّةٍ، كَمَا قَالُوا فِي نَقْصُصُ نَقُصُّ، قَالَ الشَّاعِرُ:

وَأَنْتَ الَّذِي دَسَسْتَ عَمْرًا فَأَصْبَحَتْ

حَلَائِلُهُ مِنْهُ أَرَامِلَ صُيْعَا

وَيُنْشَدُ أَيْضًا:

وَدَسَسْتَ عَمْرًا فِي التُّرَابِ

ص: 484

دَمْدَمَ عَلَيْهِ الْقَبْرَ: أَطْبَقَهُ. وَقَالَ مُؤَرِّجٌ: الدَّمْدَمَةُ: إِهْلَاكٌ بِاسْتِئْصَالٍ. وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: دَمْدَمْتُ الشَّيْءَ: أَلْزَقْتَهُ بِالْأَرْضِ وَطَحْطَحْتَهُ.

وَالشَّمْسِ وَضُحاها، وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها، وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها، وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها، وَالسَّماءِ وَما بَناها، وَالْأَرْضِ وَما طَحاها، وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها، كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها، إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها، فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها، فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها، وَلا يَخافُ عُقْباها.

هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ. وَلَمَّا تَقَدَّمَ الْقَسَمُ بِبَعْضِ الْمَوَاضِعِ الشَّرِيفَةِ وَمَا بَعْدَهَا، أَقْسَمَ هُنَا بِشَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالْعَالَمِ وَالسُّفْلِيِّ، وَبِمَا هُوَ آلَةُ التَّفَكُّرِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ النَّفْسُ. وَكَانَ آخِرُ مَا قَبْلَهَا مُخْتَتَمًا بِشَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ الْكُفَّارِ فِي الْآخِرَةِ، فَاخْتَتَمَ هَذِهِ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَفِي ذَلِكَ بِمَآلِهِمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَى النَّارِ، وَفِي الدُّنْيَا إِلَى الْهَلَاكِ الْمُسْتَأْصِلِ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ضُحًى فِي سُورَةِ طه عِنْدَ قَوْلِهِ: وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى «1» . وَقَالَ مُجَاهِدٌ:

هُوَ ارْتِفَاعُ الضَّوْءِ وَكَمَالُهُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: حَرُّهَا لِقَوْلِهِ وَلا تَضْحى «2» . وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ النَّهَارُ كُلُّهُ، وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ، لِأَنَّهُ قَدْ أَقْسَمَ بِالنَّهَارِ. وَالْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الضُّحَى هُوَ بُعَيْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَلِيلًا، فَإِذَا زَادَ فَهُوَ الضَّحَاءُ، بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الضَّادِ إِلَى الزَّوَالِ، وَقَوْلُ مُقَاتِلٍ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ. وَمَا نُقِلَ عَنِ الْمُبَرِّدِ مِنْ أَنَّ الضُّحَى مُشْتَقٌّ مِنِ الضِّحِّ، وَهُوَ نُورُ الشَّمْسِ، وَالْأَلِفُ مَقْلُوبَةٌ مِنَ الْحَاءِ الثَّانِيَةِ وَكَذَلِكَ الْوَاوُ فِي ضَحْوَةٍ مَقْلُوبَةٌ عَنِ الْحَاءِ الثَّانِيَةِ لَعَلَّهُ مُخْتَلَقٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمُبَرِّدَ أَجَلُّ مَنْ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى هَذَا، وَهَذَانِ مَادَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ لَا تُشْتَقُّ إِحْدَاهُمَا مِنَ الْأُخْرَى.

وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها، قَالَ الْحَسَنُ وَالْفَرَّاءُ: تَلَاهَا مَعْنَاهُ تَبِعَهَا دَأَبًا فِي كُلِّ وَقْتٍ، لِأَنَّهُ يَسْتَضِيءُ مِنْهَا، فَهُوَ يَتْلُوهَا لِذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَتْلُوهَا فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ، يَتْلُوهَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ بِالطُّلُوعِ، وَفِي الْآخَرِ بِالْغُرُوبِ. وَقَالَ ابْنُ سَلَامٍ: فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مَوْضِعَهَا وَيَسِيرُ خَلْفَهَا، إِذَا غَابَتْ يَتْبَعُهَا الْقَمَرُ طَالِعًا. وَقَالَ قَتَادَةُ:

إِنَّمَا ذَلِكَ الْبَدْرُ، تَغِيبُ هِيَ فَيَطْلُعُ هُوَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ: تَلَاهَا مَعْنَاهُ: امْتَلَأَ وَاسْتَدَارَ، وَكَانَ لَهَا تَابِعًا لِلْمَنْزِلِ مِنِ الضِّيَاءِ وَالْقَدْرِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَوَاكِبِ شَيْءٌ يَتْلُو الشَّمْسَ فِي هَذَا

(1) سورة طه: 20/ 59. [.....]

(2)

سورة طه: 20/ 116.

ص: 485

الْمَعْنَى غَيْرَ الْقَمَرِ. وَقِيلَ: مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى نِصْفِهِ، فِي الْغُرُوبِ تَغْرُبُ هِيَ ثُمَّ يَغْرُبُ هُوَ وَفِي النِّصْفِ الْآخِرِ يَتَحَاوَرَانِ، وَهُوَ أَنْ تَغْرُبَ هِيَ فَيَطْلُعَ هُوَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: تَلَاهَا طَالِعًا عِنْدَ غُرُوبِهَا آخِذًا مِنْ نُورِهَا وَذَلِكَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ.

وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها: الظَّاهِرُ أَنَّ مَفْعُولَ جَلَّاهَا هُوَ الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الشَّمْسِ، لِأَنَّهُ عِنْدَ انْبِسَاطِ النَّهَارِ تَنْجَلِي الشَّمْسُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ تَمَامَ الِانْجِلَاءِ. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى الظُّلْمَةِ. وَقِيلَ: عَلَى الْأَرْضِ. وَقِيلَ: عَلَى الدُّنْيَا، وَالَّذِي يُجَلِّي الظُّلْمَةَ هُوَ الشَّمْسُ أَوِ النَّهَارُ، فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ لَا تَبْقَى الظُّلْمَةُ، وَالْفَاعِلُ بَجَّلَاهَا ضَمِيرُ النَّهَارِ. قِيلَ:

وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَأَنَّهُ قَالَ: وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّى اللَّهُ الشَّمْسَ، فَأَقْسَمَ بِالنَّهَارِ فِي أَكْمَلِ حَالَاتِهِ.

وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها: أَيْ يَغْشَى الشَّمْسَ، فَبِدُخُولِهِ تَغِيبُ وَتُظْلِمُ الْآفَاقُ، وَنِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَى اللَّيْلِ مَجَازٌ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْأَرْضِ، وَالَّذِي تَقْتَضِيهِ الْفَصَاحَةُ أَنْ الضَّمَائِرَ كُلَّهَا إِلَى قَوْلِهِ: يَغْشاها عَائِدَةٌ عَلَى الشَّمْسِ. وَكَمَا أَنَّ النَّهَارَ جَلَّاهَا، كَانَ النَّهَارُ هُوَ الَّذِي يَغْشَاهَا. وَلَمَّا كَانَتِ الْفَوَاصِلُ تَرَتَّبَتْ عَلَى أَلِفِ وَهَاءِ الْمُؤَنَّثِ، أَتَى وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها بِالْمُضَارِعِ، لِأَنَّهُ الَّذِي تَرَتَّبَ فِيهِ. وَلَوْ أَتَى بِالْمَاضِي، كَالَّذِي قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، كَانَ يَكُونُ التَّرْكِيبُ إِذَا غَشِيَهَا، فَتَفُوتُ الْفَاصِلَةُ، وَهِيَ مَقْصُودَةٌ. وَقَالَ الْقَفَّالُ مَا مُلَخَّصُهُ: هَذِهِ الْأَقْسَامُ بِالشَّمْسِ فِي الْحَقِيقَةِ بِحَسَبِ أوصاف أربعة: ضوءها عِنْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ وَقْتَ انْتِشَارِ الْحَيَوَانِ، وَطَلَبِ الْمَعَاشِ، وَتُلُوُّ الْقَمَرِ لَهَا بِأَخْذِهِ الضَّوْءَ، وَتَكَامُلُ طُلُوعِهَا وَبُرُوزِهَا وَغَيْبُوبَتُهَا بِمَجِيءِ اللَّيْلِ. وَمَا فِي قَوْلِهِ: وَما بَناها، وَمَا طَحاها، وَمَا سَوَّاها، بِمَعْنَى الَّذِي، قَالَهُ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ، قَالُوا: لِأَنَّ مَا تَقَعُ عَلَى أُولِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِمْ.

وَقِيلَ: مَصْدَرِيَّةٌ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَالْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أن ما لا تقع عَلَى آحَادِ أُولِي الْعِلْمِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: جُعِلَتْ مَصْدَرِيَّةً، وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ لِقَوْلِهِ: فَأَلْهَمَها، وَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنْ فَسَادِ النَّظْمِ وَالْوَجْهُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً، وَإِنَّمَا أُوثِرَتْ عَلَى مَنْ لِإِرَادَةِ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَالسَّمَاءِ وَالْقَادِرِ الْعَظِيمِ الَّذِي بَنَاهَا، وَنَفْسٍ وَالْحَكِيمِ الْبَاهِرِ الْحِكْمَةِ الَّذِي سَوَّاهَا، وَفِي كَلَامِهِمْ سُبْحَانَ مَنْ سَخَّرَكُنَّ لَنَا، انْتَهَى.

أَمَّا قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ لِقَوْلِهِ: فَأَلْهَمَها، يَعْنِي مِنْ عَوْدِ الضَّمِيرِ فِي فَأَلْهَمَها عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَيَكُونُ قَدْ عَادَ عَلَى مَذْكُورٍ، وَهُوَ مَا الْمُرَادُ بِهِ الَّذِي، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لِأَنَّا إِذَا

ص: 486

جَعَلْنَاهَا مَصْدَرِيَّةً عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ فَفِي بَنَاهَا ضَمِيرٌ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ وَبَنَاهَا هُوَ، أَيِ اللَّهُ تَعَالَى، كَمَا إِذَا رَأَيْتَ زَيْدًا قَدْ ضَرَبَ عَمْرًا فَقُلْتَ:

عَجِبْتُ مِمَّا ضَرَبَ عَمْرًا تَقْدِيرُهُ: من ضرب عمر؟ وَهُوَ كَانَ حَسَنًا فَصِيحًا جَائِزًا، وَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ كَثِيرٌ، وَقَوْلُهُ: وَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنْ فَسَادِ النَّظْمِ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا يُؤَدِّي جَعْلُهَا مَصْدَرِيَّةً إِلَى مَا ذَكَرَ، وَقَوْلُهُ إِنَّمَا أُوثِرَتْ إِلَخْ لَا يُرَادُ بِمَا وَلَا بِمَنِ الْمَوْصُولَتَيْنِ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ، لِأَنَّهُمَا لَا يُوصَفُ بِهِمَا، بِخِلَافِ الَّذِي، فَاشْتِرَاكُهُمَا فِي أَنَّهُمَا لَا يُؤَدِّيَانِ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ مَوْجُودٌ فِيهِمَا، فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ مَا دُونَ مَنْ، وَقَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِهِمْ إِلَخْ.

تَأَوَّلَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ سُبْحَانَ عَلَمٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: الْأَمْرُ فِي نَصْبِ إِذَا مُعْضِلٌ، لِأَنَّكَ إِمَّا أَنْ تَجْعَلَ الْوَاوَاتِ عَاطِفَةً فَتَنْصِبَ بِهَا وَتَجُرَّ، فَتَقَعُ فِي الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ، وَفِي نَحْوِ قَوْلِكَ: مَرَرْتُ أَمْسِ بِزَيْدٍ وَالْيَوْمَ عَمْرٍو وَإِمَّا أَنْ تَجْعَلَهُنَّ لِلْقَسَمِ، فَتَقَعَ فِيمَا اتَّفَقَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ عَلَى اسْتِكْرَاهِهِ. قُلْتُ: الْجَوَابُ فِيهِ أَنَّ وَاوَ الْقَسَمِ مطرح معه إبراز الفعل اطِّرَاحًا كُلِّيًّا، فَكَانَ لَهَا شَأْنٌ خِلَافَ شَأْنِ الْبَاءِ، حَيْثُ أَبْرَزَ مَعَهَا الْفِعْلَ وَأَضْمَرَ، فَكَانَتِ الْوَاوُ قَائِمَةً مَقَامَ الْفِعْلِ، وَالْبَاءُ سَادَّةً مَسَدَّهُمَا مَعًا، وَالْوَاوَاتُ الْعَوَاطِفُ نَوَائِبُ عَنْ هَذِهِ، فَحَقُّهُنَّ أَنْ يَكُنَّ عَوَامِلَ عَلَى الْفِعْلِ وَالْجَارِّ جَمِيعًا، كَمَا تَقُولُ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وَبَكْرٌ خَالِدًا، فَتَرْفَعُ بِالْوَاوِ وَتَنْصِبُ لِقِيَامِهَا مَقَامَ ضَرَبَ الَّذِي هُوَ عَامِلُهُمَا، انْتَهَى. أَمَّا قَوْلُهُ فِي وَاوَاتِ الْعَطْفِ فَتَنْصِبُ بِهَا وَتَجُرُّ فَلَيْسَ هَذَا بِالْمُخْتَارِ، أَعْنِي أَنْ يَكُونَ حَرْفُ الْعَطْفِ عَامِلًا لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْعَامِلِ، بَلِ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْعَمَلَ إِنَّمَا هُوَ لِلْعَامِلِ فِي المعطوف عليه، تم إنا لإنشاء حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: فَتَقَعُ فِي الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ، لَيْسَ مَا فِي الْآيَةِ مِنْ الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ عَطْفِ اسْمَيْنِ مَجْرُورٍ وَمَنْصُوبٍ عَلَى اسْمَيْنِ مَجْرُورٍ وَمَنْصُوبٍ، فَحَرْفُ الْعَطْفِ لَمْ يَنُبْ مَنَابَ عَامِلَيْنِ، وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْلِكَ: امْرُرْ بِزَيْدٍ قَائِمًا وَعَمْرٍو جَالِسًا؟ وَقَدْ أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابِهِ:

فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ لَنَا أَنْ نردها

صحاحا ولا مستنكران تُعَقَّرَا

فَهَذَا مِنْ عَطْفِ مَجْرُورٍ، وَمَرْفُوعٍ عَلَى مَجْرُورٍ وَمَرْفُوعٍ، وَالْعَطْفُ عَلَى عَامِلَيْنِ فِيهِ أَرْبَعُ مَذَاهِبَ، وَقَدْ نُسِبَ الْجَوَازُ إِلَى سِيبَوَيْهِ وَقَوْلُهُ فِي نَحْوِ قَوْلِكَ: مَرَرْتُ أَمْسِ بِزَيْدٍ وَالْيَوْمَ عَمْرٍو، وَهَذَا الْمِثَالُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْآيَةِ، بَلْ وِزَانُ مَا فِي الْآيَةِ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ أَمْسِ وَعَمْرٍو الْيَوْمَ، وَنَحْنُ نُجِيزُ هَذَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى اسْتِكْرَاهٍ فَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ، بَلْ كَلَامُ الْخَلِيلِ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ. قَالَ الْخَلِيلُ: فِي قَوْلِهِ عز وجل: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى وَما خَلَقَ الذَّكَرَ

ص: 487

وَالْأُنْثى

«1» ، الْوَاوَانِ الْأَخِيرَتَانِ لَيْسَتَا بِمَنْزِلَةِ الْأُولَى، وَلَكِنَّهُمَا الْوَاوَانِ اللَّتَانِ يَضُمَّانِ الْأَسْمَاءَ إِلَى الْأَسْمَاءِ فِي قَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَالْأُولَى بِمَنْزِلَةِ الْبَاءِ وَالتَّاءِ، انْتَهَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ:

إِنَّ وَاوَ الْقَسَمِ مطرح معه إبراز الفعل اطِّرَاحًا كُلِّيًّا، فَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، بَلْ قَدْ أَجَازَ ابْنُ كَيْسَانَ التَّصْرِيحَ بِفِعْلِ الْقَسَمِ مَعَ الْوَاوِ، فَتَقُولُ: أُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ وَاللَّهِ لَزَيْدٌ قَائِمٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَالْوَاوَاتُ الْعَوَاطِفُ نَوَائِبُ عَنْ هَذِهِ إِلَخْ، فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ حَرْفَ الْعَطْفِ عَامِلٌ لِنِيَابَتِهِ مَنَابَ الْعَامِلِ، وَلَيْسَ هَذَا بِالْمُخْتَارِ.

وَالَّذِي نَقُولُهُ: إِنَّ الْمُعْضِلَ هُوَ تَقْرِيرُ الْعَامِلِ فِي إِذَا بَعْدَ الْإِقْسَامِ، كَقَوْلِهِ: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى «2» ، وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ، وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ «3» ، وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها، وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى»

، وَمَا أَشْبَهَهَا. فَإِذَا ظَرْفٌ مُسْتَقْبَلٌ، لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ فِعْلَ الْقَسَمِ الْمَحْذُوفِ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ إِنْشَائِيٌّ. فَهُوَ فِي الْحَالِ يُنَافِي أَنْ يَعْمَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِإِطْلَاقِ زَمَانِ الْعَامِلِ زَمَانَ الْمَعْمُولِ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أُقِيمَ الْمُقْسَمُ بِهِ مَقَامَهُ، أَيْ:

وَطُلُوعِ النَّجْمِ، وَمَجِيءِ اللَّيْلِ، لِأَنَّهُ مَعْمُولٌ لِذَلِكَ الْفِعْلِ. فَالطُّلُوعُ حَالٌ، وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الْمُسْتَقْبَلُ ضَرُورَةَ أَنَّ زَمَانَ الْمَعْمُولِ زَمَانُ الْعَامِلِ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ نَفْسُ الْمُقْسَمِ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ مَا يَعْمَلُ، سِيَّمَا إِنْ كَانَ جَزْمًا، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يُقَدَّرَ مَحْذُوفٌ قَبْلَ الظَّرْفِ فَيَكُونُ قَدْ عَمِلَ فِيهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْعَامِلُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَتَقْدِيرُهُ: وَالنَّجْمِ كَائِنًا إِذَا هَوَى، وَاللَّيْلِ كَائِنًا إِذَا يَغْشَى، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَائِنًا أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِالْعَامِلِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِشَيْءٍ مِمَّا فَرَضْنَاهُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا. وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ الْقَسَمُ بِهِ جُثَّةً، وَظُرُوفُ الزَّمَانِ لَا تَكُونُ أَحْوَالًا عَنِ الْجُثَثِ، كَمَا لَا تَكُونُ أَخْبَارًا.

وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها: اسْمُ جِنْسٌ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: فَأَلْهَمَها وَمَا بَعْدَهُ، وَتَسْوِيَتُهَا: إِكْمَالُ عَقْلِهَا وَنَظَرِهَا، وَلِذَلِكَ ارْتَبَطَ بِهِ فَأَلْهَمَها، لِأَنَّ الْفَاءَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ عَلَى مَا قَبْلَهَا مِنَ التَّسْوِيَةِ الَّتِي هِيَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْعَقْلِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ نُكِّرَتِ النَّفْسُ؟ قُلْتُ: فِيهِ وجهان: أحدها: أَنْ يُرِيدَ نَفْسًا خَاصَّةً مِنَ النُّفُوسِ، وَهِيَ نَفْسُ آدَمَ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَوَاحِدَةٌ مِنَ النُّفُوسِ، انْتَهَى. وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ لِلْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهَا، فَلَا تَكُونُ إِلَّا لِلْجِنْسِ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها، كَيْفَ تَقْتَضِي التَّغَايُرَ فِي الْمُزَكَّى وَفِي الْمُدَسَّى؟ فَأَلْهَمَها، قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ:

(1) سورة الليل: 92/ 1- 3.

(2)

سورة النجم: 53/ 1.

(3)

سورة المدثر: 74/ 33- 34.

(4)

سورة الليل: 92/ 1.

ص: 488

أَلْزَمَهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَرَّفَهَا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: بَيْنَ لَهَا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: وَفَّقَهَا لِلتَّقْوَى، وَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا: أَيْ خَذَلَهَا، وَقِيلَ: عَرَّفَهَا وَجَعَلَ لَهَا قُوَّةً يَصِحُّ مَعَهَا اكْتِسَابُ الْفُجُورِ وَاكْتِسَابُ التَّقْوَى. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمَعْنَى إِلْهَامِ الْفُجُورِ وَالتَّقْوَى: إِفْهَامُهَا وَإِعْقَالُهَا، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا حَسَنٌ وَالْآخَرَ قَبِيحٌ، وَتَمْكِينُهُ مِنِ اخْتِيَارِ مَا شَاءَ مِنْهُمَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها، فَجَعَلَهُ فَاعِلَ التَّزْكِيَةِ وَالتَّدْسِيَةِ وَمُتَوَلِّيَهُمَا. وَالتَّزْكِيَةُ:

الْإِنْمَاءُ، وَالتَّدْسِيَةُ: النَّقْصُ وَالْإِخْفَاءُ بِالْفُجُورِ. انْتَهَى، وَفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزَالِ.

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، قَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ: هَذَا جَوَابُ الْقَسَمِ، وَحُذِفَتِ اللَّامُ لِطُولِ الْكَلَامِ، وَالتَّقْدِيرُ: لَقَدْ أَفْلَحَ. وَقِيلَ: الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَتُبْعَثُنَّ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

تَقْدِيرُهُ لَيُدَمْدِمَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، أَيْ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ، لِتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا دَمْدَمَ عَلَى ثَمُودَ لِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا صَالِحًا. وَأَمَّا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها فَكَلَامٌ تَابِعٌ لِقَوْلِهِ: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِطْرَادِ، وَلَيْسَ مِنْ جَوَابِ الْقَسَمِ فِي شَيْءٍ، انْتَهَى. وزكاؤها:

ظهورها وَنَمَاؤُهَا بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَدَسَّاهَا: أَخْفَاهَا وَحَقَّرَهَا بِعَمَلِ الْمَعَاصِي. وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَاعِلَ زَكَّى وَدَسَّى ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَنْ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَادَ الضَّمِيرُ مُؤَنَّثًا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى مِنْ مُرَاعَاةِ التَّأْنِيثِ. وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَشْهَدُ لِهَذَا التَّأْوِيلِ،

كَانَ عليه السلام إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ: «اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا» .

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيِّ: وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي زَكَّى وَدَسَّى لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ تَأْنِيثَ الرَّاجِعِ إِلَى مَنْ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّفْسِ، فَمِنْ تَعْكِيسِ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يُوَرِّكُونَ عَلَى اللَّهِ قَدَرًا هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ وَمُتَعَالٍ عَنْهُ، وَيُحْيُونَ لَيَالِيَهُمْ فِي تَمَحُّلِ فَاحِشَةٍ يَنْسُبُونَهَا إِلَيْهِ تَعَالَى، انْتَهَى. فَجَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي سَبِّ أَهْلِ السُّنَّةِ. هَذَا، وَقَائِلُ ذَلِكَ هُوَ بَحْرُ الْعِلْمِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ،

وَالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا» .

وَقَالَ تَعَالَى: دَسَّاها فِي أَهْلِ الْخَيْرِ بِالرِّيَاءِ وَلَيْسَ مِنْهُمْ وَحِينَ قَالَ: وَتَقْواها أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَلَمَّا قَالَ: وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها، أَعْقَبَهُ بِأَهْلِ الْجَنَّةُ. وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى خَيْبَةَ مَنْ دَسَّى نَفْسَهُ، ذَكَرَ فِرْقَةً فَعَلَتْ ذَلِكَ لِيُعْتَبَرَ بِهِمْ.

بِطَغْواها: الْبَاءُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ سَبَبِيَّةٌ، أَيْ كَذَّبَتْ ثَمُودُ نَبِيَّهَا بِسَبَبِ طُغْيَانِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الطَّغْوَى هُنَا الْعَذَابُ، كَذَّبُوا بِهِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ لِقَوْلِهِ: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ «1» . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بِطَغْواها بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنَ الطُّغْيَانِ، قلبت فيه

(1) سورة الحاقة: 69/ 5.

ص: 489

الْيَاءُ وَاوًا فَصْلًا بَيْنَ الِاسْمِ وَبَيْنَ الصِّفَةِ، قَالُوا فِيهَا صِرْنَا وَحْدَنَا، وَقَالُوا فِي الِاسْمِ تَقْوَى وَشَرْوَى. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: بِضَمِّ الطَّاءِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ كَالرُّجْعَى، وَكَانَ قِيَاسُهَا الطُّغْيَا بِالْيَاءِ كَالسُّقْيَا، لَكِنَّهُمْ شَذُّوا فِيهِ. إِذِ انْبَعَثَ: أَيْ خَرَجَ لِعَقْرِ النَّاقَةِ بِنَشَاطٍ وَحِرْصٍ، وَالنَّاصِبُ لِإِذْ كَذَّبَتْ، وأَشْقاها: قُدَارُ بْنُ سَالِفٍ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْجَمَاعَةُ، لِأَنَّ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ إِذَا أُضِيفَ إِلَى مَعْرِفَةٍ جَازَ إِفْرَادُهُ وَإِنْ عُنِيَ بِهِ جَمْعٌ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا جَمَاعَةً، وَالتَّوْحِيدُ لِتَسْوِيَتِكَ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ إِذَا أَضَفْتَهُ بَيْنَ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: أَشْقَوْهَا، انْتَهَى.

فَأَطْلَقَ الْإِضَافَةَ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: إِلَى مَعْرِفَةٍ، لِأَنَّ إِضَافَتَهُ إِلَى نَكِرَةٍ لَا يَجُوزُ فِيهِ إِذْ ذَاكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُفْرَدًا مُذَكَّرًا، كَحَالِهِ إِذَا كَانَ بِمَنْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي لَهُمْ عَائِدٌ عَلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ أَشْقاها إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْجَمَاعَةُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ عَلَى ثَمُودُ.

رَسُولُ: هُوَ صَالِحٌ عليه السلام. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: ناقَةَ اللَّهِ بِنَصْبِ التَّاءِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّحْذِيرِ مِمَّا يَجِبُ إِضْمَارُ عَامِلِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ عُطِفَ عَلَيْهِ، فَصَارَ حُكْمُهُ بِالْعَطْفِ حُكْمَ الْمُكَرَّرِ، كَقَوْلِكَ: الْأَسَدَ الْأَسَدَ، أَيِ احْذَرُوا نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا فَلَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ.

فَكَذَّبُوهُ، الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ،

وَرُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا قَبْلَ ذَلِكَ وَتَابَعُوا صَالِحًا بِمُدَّةٍ، ثُمَّ كَذَّبُوا وَعَقَرُوا

، وَأَسْنَدَ الْعَقْرَ لِلْجَمَاعَةِ لِكَوْنِهِمْ رَاضِينَ بِهِ وَمُتَمَالِئِينَ عَلَيْهِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَدَمْدَمَ بِمِيمٍ بَعْدَ دَالَيْنِ وَابْنُ الزُّبَيْرِ: فَدَهْدَمَ بَهَاءٍ بَيْنَهُمَا، أَيْ أَطْبَقَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ مُكَرِّرًا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، بِذَنْبِهِمْ: فِيهِ تَخْوِيفٌ مِنْ عَاقِبَةِ الذُّنُوبِ، فَسَوَّاها، قِيلَ: فَسَوَّى الْقَبِيلَةَ فِي الْهَلَاكِ، عَادَ عَلَيْهَا بِالتَّأْنِيثِ كَمَا عَادَ فِي بِطَغْواها. وَقِيلَ: سَوَّى الدَّمْدَمَةَ، أَيْ سَوَّاهَا بَيْنَهُمْ، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا.

وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَالْأَعْرَجُ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ: فَلَا يَخَافُ بِالْفَاءِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ وَلَا بِالْوَاوِ وَالضَّمِيرُ فِي يَخَافُ الظَّاهِرُ عَوْدُهُ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ رَبُّهُمْ، أي لأدرك عَلَيْهِ تَعَالَى فِي فِعْلِهِ بِهِمْ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ، وَفِيهِ ذَمٌّ لَهُمْ وَتَعَقُّبُهُ لِآثَارِهِمْ. وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى صَالِحٍ، أَيْ لَا يَخَافُ عُقْبَى هَذِهِ الْفِعْلَةِ بِهِمْ، إِذْ كَانَ قَدْ أَنْذَرَهُمْ وَحَذَّرَهُمْ.

وَمَنْ قَرَأَ: وَلَا يَحْتَمِلُ الضَّمِيرُ الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ وَالزَّجَّاجُ وَأَبُو عَلِيٍّ:

الْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ، وَالضَّمِيرُ فِي يَخَافُ عَائِدٌ عَلَى أَشْقاها، أَيِ انْبَعَثَ لِعَقْرِهَا، وَهُوَ لَا يَخَافُ عُقْبَى فِعْلِهِ لِكُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ، وَالْعُقْبَى: خَاتِمَةُ الشَّيْءِ وَمَا يَجِيءُ مِنَ الْأُمُورِ بِعَقِبِهِ، وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ لِطُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْحَالِ وَصَاحِبِهَا.

ص: 490