المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالثمجمل الرأي الراجح، وخلاصة الكلام على الأحاديث - أحاديث تعظيم الربا على الزنا «دراسة نقدية»

[علي الصياح]

فهرس الكتاب

- ‌ملخص البحث

- ‌مقدمة

- ‌الفصلُ الأوَّلُتخريجُ طُرُق الحَدِيث والحكم عليها

- ‌المبحثُ الأوَّلُتخريجُ حَدِيثِ أنس بنِ مَالِك رضي الله عنه والحُكْمُ عليهِ

- ‌المبحثُ الثانيتخريجُ حَدِيث الْبَرَاء بنِ عازب رضي الله عنه والحُكْمُ عليهِ

- ‌المبحثُ الثالثُتخريجُ حَدِيث عبدِ الله بنِ سَلَام رضي الله عنه والحُكْمُ عليهِ

- ‌المبحثُ الرابعتخريجُ حَدِيث عبدِ الله بنِ عَبَّاس رضي الله عنه والحُكْمُ عليهِ

- ‌المبحثُ الخامستخريجُ حَدِيث عبدِ الله بنِ عُمَر رضي الله عنه والحُكْمُ عليهِ

- ‌المبحثُ السادستخريجُ حَدِيث عبدِ الله بنِ مسعود رضي الله عنه والحُكْمُ عليهِ

- ‌المبحثُ السابعتخريجُ حَدِيث أبي هُرَيرة رضي الله عنه والحُكْمُ عليهِ

- ‌المبحثُ الثامنُتخريجُ حَدِيث وَهْبِ بنِ الأسود أو الأسود بن وَهْب - عَلَى خلافٍ في ذلك - والحُكْمُ عليهِ

- ‌المبحثُ التاسعُتخريجُ حَدِيث عائشة رضي الله عنها، وَحَدِيث عبد الله بنِ حنظلة رضي الله عنه، وقول كعب الأحبار رحمه الله والحُكْمُ عليهِا

- ‌المبحثُ العاشرالآثارُ الواردةُ عَنِ الصحابةِ في ذلكَ

- ‌المطلبُ الأوّلتخريجُ أثر عثمان بن عفان رضي الله عنه والحُكْمُ عليهِ

- ‌المطلبُ الثانيتخريجُ أثر علي بنِ أبي طالب رضي الله عنه والحُكْمُ عليهِ

- ‌الفصل الثَّانيتتمات حول أحَاديث تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا

- ‌المبحثُ الأوَّلُنظرةٌ تحليليةٌ في المصادرِ الأصليةِ التي روت أحاديث تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا

- ‌المبحثُ الثانيخُلاصةُ الكلامِ عَلى الحَدِيث

- ‌المطلب الأوّلمَنْ قوّى الحديث - أو بعض طرقه - من العلماء، وأسباب ذلك

- ‌المطلبُ الثانيمَنْ ضعف الحديثَ مِنْ العلماء، وأسبابُ ذلك

- ‌المطلب الثالثمجملُ الرأي الراجح، وخلاصة الكلام على الأحاديث

- ‌الخاتمة:

- ‌قائمة المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثالثمجمل الرأي الراجح، وخلاصة الكلام على الأحاديث

وَسَاءَ سَبِيلاً} (الإسراء: 32)، وحرمت الشريعة الطرق المفضية إليه، وسدت الذرائع الموصلة له، وفيه خيانة كبرى لزوج المزني بها ووالديها وأسرتها، ويؤدي إلى فساد الأخلاق وارتفاع الحياء، واختلاط الأنساب، وفشو الأمراض، وحصول الشكوك، وتبرؤ الزوج من نسبة ابن زوجته الزانية وملاعنتها على ذلك، وربما حصل عنده شك في أولاده من زوجته قبل زناها إلى غير ذلك من المفاسد العظيمة التي استوجبت أن يكون حد الزناة المحصنين الرجم بالحجارة حتى الموت، وحد غير المحصنين الجلد والتغريب، ورد شهادتهم ووصفهم بالفسق إلا أن يتوبوا، ومصيرهم في البرزخ إلى تنور مسجور تشوي فيه أجسادهم.

فهل يعقل بعد ذلك أن يكون درهم واحد أعظم من ست وثلاثين زنية!، وأشدّ من ذلك نكارةً تعظيم الربا على الزنا بالأم.

الثاني: المعلمي اليماني، فَقَالَ بعد نقده بعض طرق الحديثِ:((والذي يظهر لي أنّ الخبر لا يصح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ألبته)) (1).

‌المطلب الثالث

مجملُ الرأي الراجح، وخلاصة الكلام على الأحاديث

وأُجملُ الرأي الراجح، وخُلاصة الكلام على الأحاديث في نقاط:

الأولى:

لم يصح شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا.

(1) الفوائد المجموعة (ص 150 هامش).

ص: 169

الثانية:

ثبت تعظيم الربا عن اثنين من مسلمة أهل الكتاب، بل ومن علمائهم وأحبارهم:

- الأوَّل: الصحابي الجليل عبد الله بن سلام، فقد ثبت عنه من طريق: زيد بن أسلم عَنْ عطاء بن يسار عَنْ عبد الله بن سَلَام أنه قَالَ: ((الرّبَا اثنان وسبعون حوبا، وأدنى فجرة مثل أن يقع الرجُل على أمه، أو مثل أن يضطجع الرجُل على أمه، وأكثر من ذلك أظن عرض الرجُل المسلم بغير حق)).

- والثاني: التابعي الجليل كعب الأحبار، فقد ثبت عنه من طريق بكار اليمانيّ وعبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبى ملكية، عن عبد الله بن حنظلة، عن كعب قال:((لأن أزني ثلاثا وثلاثين زنية أحب إلى من أن آكل درهم ربا يعلم الله أني أكلته حين أكلته ربا)).ولفظ ابن جريج عن ابن أبي مليكة: ((ربا درهم يأكله الإنسان في بطنه وهو يعلمه أعز عليه في الإثم يوم القيامة من ست وثلاثين زنية)).

الثالثة:

أنّ تعداد الربا صح عن ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ: ((الرّبَا بضع وسبعون باباً، والشرك نحو ذلك)).

الرابعة:

أنّ ضعف أحَاديث تَعْظيمِ الرّبَا على الزنا ناشيء من جهتين:

1 -

من جهة الإسناد فجميع الطرق تدور على المتروكين، والوضّاعين، ومن ضعفه شديد، وفيها طرق معلولة وغرائب تستنكر، وجميعها لا تصلح للشواهد والمتابعات.

2 -

من جهة المتن وقد تقدم تقريره في كلام ابن الجوزي قريباً.

ص: 170

المبحث الثالث

نكتةٌ علمية (1) في تَلَمُسِ سبب ورود تَعْظيمِ الرّبا على الزنا عن اثنين من مسلمة أهل الكتاب وأحبارهم.

مما يلفت النظر أنَّ تَعْظيمِ الرّبا على الزنا ثبت عن اثنين من مسلمة أهل الكتاب، بل ومن علمائهم وأحبارهم:

- الأوَّل: الصحابي الجليل عبد الله بن سلام وهو "أعلمُ اليهود في وقت النبي صلى الله عليه وسلم وابنُ أعلمهم، وخيرُهُم وابنُ خيرهم" كما قالت اليهود لمّا سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه (2).

- والثاني: التابعي الجليل كعب الأحبار.

فما هو السر في ذلك؟

أقول:

مَنْ تدبر حديثَ القرآن الكريم عن بني إسرائيل وَجَدَ أنّ هناك آياً كثيرة تبين أنّ بني إسرائيل لهم ولعٌ عجيب بالمال وأخذه، والتكالب على جمعه بشتى الوسائل ولو انتهكوا في سبيل ذلك جميع المحرمات، بل

(1) ترددت في إثبات هذا المبحث فمرةً أحذفه، ومرةً أثبته، لأني لم أر من تكلم عن هذا المعنى ثم استخرتُ الله في إثباته طمعاً في الاستفادة من مداخلات أهل العلم والفضل، فما كان من صواب فمن الله وحده، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان.

(2)

أخرجه: البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم (6/ 362 رقم 3329).

ص: 171

وفيهم ومنهم من يزعم أنّ الدين يأمر بأكل أموال من غيرهم الناس ولو بالباطل، ولذا كان من صفاتهم العريقة التي بينها القرآن:

البخل والتواصي به والأمر والحث عليه، وأكل السحت والمسارعة إليه، والجشع والشح، وعدم الإنفاق في الخير.

فلمّا كان بنو إسرائيل على هذه الطريقة فشا فيهم الربا بل وأصبح الربا متأصلاً في نفوسهم، بخلاف الزنا فلم يكن فاشياً كفشو الربا، لأنه كان مستقراً عندهم شدة قبح الزنا وكثرة مفاسدة.

فلمّا كان الأمر كذلك كان من المناسب تَعْظيمِ خطورة الرّبا على الزنا، والتشديد عليهم فيه، وبيان قبحه وشدة خطره، وكثرة مفاسده.

وفي مقابل ما تقدم - من بيان القرآن الكريم لولع بني إسرائيل بالمال - لا تجد في حديث القرآن عن بني إسرائيل ذكر للزنا اللهم إلاّ من باب النصوص العامة التي تبين أنهم يواقعون المحرمات والفواحش ولا ينتهون عن منكر فعلوه.

وإليكَ جانباً من هذه الآيات يبين هذا المعنى:

قال تعالى {فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} (النساء: 160، 161).

قال سيد قطب: ((وأخذهم الربا - لا عن جهل ولا عن قلة تنبيه - فقد نهوا عنه فأصروا عليه! وأكلهم أموال الناس بالباطل. بالربا وبغيره من الوسائل)) (1).

(1) في ظلال القرآن (2/ 803).

ص: 172

وقال تعالى {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (المائدة: 42).

قال ابن عطية: ((أكالون للسحت فعالون مبالغة بناء أي يتكرر أكلهم له ويكثر)) (1).

وقال تعالى {وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (المائدة: 62، 63، 64).

قال سيد قطب: ((والمسارعة مفاعلة تصور القوم كأنما يتسابقون تسابقا في الإثم والعدوان، وأكل الحرام. وهي صورة ترسم للتبشيع والتشنيع، ولكنها تصور حالة من حالات النفوس والجماعات حين يستشري فيها الفساد؛ وتسقط القيم؛ ويسيطر الشر .. وإن الإنسان لينظر إلى المجتمعات التي انتهت إلى مثل هذه الحال، فيرى كأنما كل من فيها يتسابقون إلى الشر .. إلى الإثم والعدوان، قويهم وضعيفهم سواء .. فالإثم والعدوان - في المجتمعات الهابطة الفاسدة - لا يقتصران على الأقوياء؛ بل يرتكبهما كذلك الضعفاء .. فحتى هؤلاء ينساقون في تيار الإثم. وحتى هؤلاء يملكون الاعتداء؛ إنهم لا يملكون الاعتداء على

(1) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/ 193).

ص: 173

الأقوياء طبعا. ولكن يعتدي بعضهم على بعض. ويعتدون على حرمات الله. لأنها هي التي تكون في المجتمعات الفاسدة الحمى المستباح الذي لا حارس له من حاكم ولا محكوم؛ فالإثم والعدوان طابع المجتمع حين يفسد؛ والمسارعة فيهما عمل هذه المجتمعات!.

وكذلك كان مجتمع يهود في تلك الأيام .. وكذلك أكلهم للحرام .. فأكل الحرام كذلك سمة يهود في كل آن!)) (1).

فليراجع بقية كلام سيد على هذه الآيات ففيه لمحات رائعة جداً عن هذا المعنى.

وقال تعالى {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَامَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَامَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَاّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران: 75).

وقال تعالى {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} (النساء: 37).

وقال تعالى {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (الحديد: 24).

وكذلك أنت واجدٌ المعنى المتقدم - من بخل وجشع بني إسرائيل وحبهم للمال وتكالبهم عليه بشتى الوسائل ولو انتهكوا في سبيل ذلك جميع المحرمات - في السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عُني بجمع الأحاديث في هذا الدكتور: عبد الله الشقاري في كتابه "اليهود في

(1) في ظلال القرآن (2/ 928).

ص: 174

السنة المطهرة" (1)، فلا نطيل بذكرها (2).

ولا يبعد أن يكون تَعْظيمِ الرّبا على الزنا من الأصار والأغلال التي كانت على بني إسرائيل قال تعالى {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (الأعراف: 157)(3).

وعلى ما تقدم - من ضعف جميع الأحاديث الواردة في هذا الباب - أرى أنه لا ينبغي أبداً التكلف بتقرير تَعْظيمِ الرّبا على الزنا، فالآيات الكريمة، والسنة الصحيحة موضحةٌ أنّ الزنا أشدّ خطراً وأعظم مفسدة من الربا، وتقدم تقرير هذا في المطلب الثالث من المبحث الأول من هذا الفصل.

(1) انظر: (2/ 485، 487، 536)، والكتاب طبع عام1417، عن دار طيبة - الرياض -، وهو في الأصل رسالة علمية - ماجستير - قدمت لجامعة الإمام محمد بن سعود.

(2)

والحق أنّ الاسترسال في تحقيق هذا المعنى يحتاج لدراسة موضوعية خاصة في القرآن الكريم، والسنة الصحيحة عن بني إسرائيل ووَلَعهم بالمال.

(3)

ولا أخفي أني - من باب البحث العلمي - بحثت في التوراة الموجودة من خلال بعض المواقع على الشبكة العالمية عن هذا المعنى وهو تَعْظيمِ الرّبا على الزنا في شريعة بني إسرائيل فلم أجد، وهذا لا ينفي هذا المعنى لأنَّ التوراة الموجودة محرفة ومبدلة وكثير من نسخها فقدت.

ص: 175