الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحثُ الثاني
تخريجُ حَدِيث الْبَرَاء بنِ عازب رضي الله عنه والحُكْمُ عليهِ
.
رُوي الحَدِيث عن الْبَرَاء بنِ عازب مِنْ طريقين:
1 -
طريقُ يحيى بنِ إسحاق بنِ عبد الله بن أبي طلحة عن البراء بن عازب مرفوعاً.
2 -
طريقُ إسحاق بنِ عبد الله بن أبي طلحة - والد يحيى -، عن البراء بن عازب مرفوعاً.
1 -
تخريجُ الطريقين:
- الطريقُ الأوَّلُ: يحيى بنُ إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن البراء بن عازب مرفوعاً، أخرجه:
- ابنُ أبي شيبة في مسنده (1) - كما في المطالب العالية (11/ 879) - قَالَ: حَدَّثنَا معاوية بن هشام.
- وابنُ أبي حَاتم في المراسيل (ص 245) قَالَ: حَدَّثنَا محمد بن خلف العسقلانيّ، قَالَ: أخبرنا الفريابي.
كلاهما عن عُمَر بن رَاشِد اليمامي عن يحيى بن (2)
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة
(1) ولم أقف عليه في القطعة المطبوعة من المسند، وهي ناقصة.
(2)
كذا وقع في المصدرين (يحيى بن إسحاق) وقد عنون ابن أبي حاتم في المراسيل لهذا بقوله: ((يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة))، وساق الحَدِيث في ترجمته، ووقع في إتحاف الخيرة للبوصيري (7/ 431)" يحيى بن إسحاق عن عبد الله بن أبي طلحة"
تنبيهٌ: قام محقق المطالب العالية بتغيير " يحيى بن إسحاق" إلى " يحيى عن إسحاق" وَقَالَ - في الهامش -: ((تصحفت في جميع النسخ إلى "بن" فصارت " يحيى بن إسحاق بن عبد الله "، وما أثبته الصحيح من المعجم الأوسط للطبراني، وكتب الرجال)).
كذا قَالَ - وفقه الله - وما أثبته غير صحيح بل الصحيح ما اتفقت عليه جميعُ النسخ، وأيد ذلكَ رواية ابن أبي حاتم في المراسيل وعنوانه عليه، ورواية الطبراني روايةٌ أخرى - يأتي تخريجها -، ويأتي أنّ عُمَر بن رَاشِد - وهو متفق على ضعفه - يضطرب فيه فتارةً يرويه عن يحيى بن إسحاق عن البراء، وتارةً: عن يحيى بن أبي كثير عن إسحاق بن عبد الله عن البراء.
وأنبه هنا أنَّ وظيفةَ الباحث الأولى إثبات النّص سليماً كما أراده مؤلفه، فعلى الباحث أنْ يتحرى في ذلك غاية التحري، ويراعي قواعد التحقيق السليمة، فالأصل أن ينسخ المخطوط كما هُوَ، وينبه في الهامش على ما يلاحظ في نص الكتاب، إذْ إنه يحتمل أنّ ما يلاحظ صواب ولكن لم يتبين للباحث، وغير الباحث يجد مخرجاً ووجها لذلك.
عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((الرّبَا اثنان وسبعون بابا، أدناها مثل إتيان الرجُل أمه وأربا الرّبَا استطالة الرجُل في عرض أخيه)).
قَالَ ابن أبي حاتم: ((فسمعتُ أبي رحمه الله يقول: هو مرسل، لم يدرك يحيى ولا إسحاق البراء بن عازب)).
- الطريق الثاني: طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه:
الطبرانيُّ في المعجم الأوسط (8/ 73 - 74 رقم 7147) قَالَ: حَدَّثنَا محمد بن عبد الرحيم الديباجيُّ، قَالَ: حَدَّثنَا عثمان بن أبي شيبة، قَالَ: حَدَّثنَا معاوية بن هشام، قَالَ: حَدَّثنَا عُمَر بن رَاشِد عن يحيى بن
أبي كثير، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن البراء بن عازب مرفوعاً: ((الرّبَا اثنان وسبعون باباً، أدناها
…
)).
وَقَالَ: ((لم يرو هذا الحَدِيث عن يحيى بن أبي كثير إلاّ عُمَر بن رَاشِد، ولا رَوَاهُ عَنْ عُمَر بنِ رَاشِد إلاّ معاوية بن هشام، ولا يُرْوى عن البراء إلاّ بهذا الإسناد)).
وَقَالَ ابن أبي حاتم: ((وسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيث رَوَاهُ الفِرْيابِيُّ، عَنْ عُمَر بنِ رَاشِد، عَنْ يَحْيَى بنِ إِسْحَاقَ بن (1) عَبْد الله بنِ أَبِي طَلْحة، عَنْ الْبَرَاء، عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الرّبَا اثنان وسَبْعُون (2)، أدناها مِثْلَ إتيان الرجُل أُمَّهُ"، قَالَ أَبِي: هُوَ مُرْسل، لَمْ يُدْرِكْ يَحْيَى بنُ إِسْحَاق الْبَرَاء، وَلا أَدْرَكَ والدُهُ الْبَرَاء)) (3).
2 -
دراسةُ رجال الإسناد:
1 -
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاريُّ النّجاريّ المدنيّ، متفق على توثيقه، قَالَ ابن سعد:((كان مالك لا يقدم عليه في الحَدِيث أحداً .. وكان ثقة كثير الحَدِيث))، روى له الجماعة، مات سنة أربع وثلاثين ومائة (4).
2 -
يحيى بن إسحاق هو: ابن عبد الله بن أبي طلحة، وثقه ابن معين، والذهبيّ، وابن حجر، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يسمع من
(1) في المطبوع - وهي نسخة لا يعتمد عليها لكثرة الأخطاء والتصحيفات - (عن) وهو خطأ، وفي ثلاث نسخ خطية جيدة (بن).
(2)
في المطبوع (بابا) وليست في جميع النسخ الخطية!.
(3)
العلل (1/ 381 رقم 1136).
(4)
انظر: الطبقات (القسم المتمم: ص 288 - 289)، تهذيب الكمال (2/ 444 - 446)، التقريب (ص 101 رقم 367).
البراء، روى له أبو داود (1).
3 -
يحيى بن أبي كثير تقدمت ترجمته (2)،وهو: متفقٌ على توثيقه، وكان يرسل.
- وعمر بن رَاشِد هو: أبو حفص اليَمَامي، ضعيف، وخاصةً عن يحيى بن أبي كثير، قَالَ أحمد:((لا يساوي حديثه شيئاً)) (3)، وقال أيضاً:((حديثه ضعيف ليس بمستقيم، حدَّث عن يحيى بن أبي كثير بأحاديث مناكير)) (4)، وقال ابن معين:((ليس بشيء)) (5)، وفي رواية:((ضعيف)) (6)، وقَالَ البخاريُّ:((يضطرب في حديثه عن يحيى)) (7)، وَقَالَ ابن حبان:((كان من يروي الأشياء الموضوعات عن ثقات أئمة، لا يحل ذكره في الكتب إلاّ على سبيل القدح فيه، ولا كتابة حديثه إلاّ على جهة التعجب)) (8).
وقالَ ابنُ عَديّ - بعدما ساق عدداً من منكراته عن يحيى بن أبي كثير وغيره -: ((ولعمر بن رَاشِد غير ما ذكرت من الحديث وعامة حديثه وخاصة عن يحيى بن أبي كثير لا يوافقه الثقات عليه، وينفرد عن يحيى بأحاديثٍ عِدادٍ، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق)) (9).
(1) انظر: المراسيل (ص 245)، الجرح (9/ 125 رقم 530)، الثقات (7/ 593)، تهذيب الكمال (31/ 194 - 195)، الكاشف (3/ 249)، جامع التحصيل (ص 296 - 297)، التقريب (ص 587 رقم 7498).
(2)
ص: 22 من هذا البحث.
(3)
أحوال الرجال (ص 121)، الكامل (5/ 15).
(4)
الجرح (6/ 107 - 108 رقم 567).
(5)
تاريخ الدوري (4/ 345)، الضعفاء للعقيلي (3/ 157).
(6)
المرجع السابق.
(7)
التاريخ الكبير (6/ 155).
(8)
المجروحين (2/ 83 - 84).
(9)
الكامل (5/ 16).
وَقَالَ العجليّ وحده: ((لا بأس به)) (1)، وهذا تساهل من العجليّ، ومن تتبع كلام العجلي على الرجالِ وَجَدَ لهذا نظائر مما يخالف فيه جميع النقاد أو يوثق من لا يعرف، فعنده توسع في باب التوثيق وقد نبه على ذلك المعلميُّ فقَالَ:((سعيد لا يروي عنه إلا ابنه، ولم يوثقه إلاّ العجلي وابنُ حبان، وقاعدة ابن حبان معروفة، وقد استقرأتُ كثيراً من توثيق العجليّ، فبان لي أنه نحو من ابن حبان)) (2).
وَقَالَ أيضاً: ((وتوثيق العجلي وجدته بالاستقراء، كتوثيق ابن حبان أو أوسع)) (3). روى له الترمذيُّ حديثاً واحداً، وابن ماجه حديثين (4).
3 -
دراسةُ الإسناد والحكم عليه:
هذا الإسناد ضعيفٌ جداً:
1 -
فعُمَرُ بنُ رَاشِد متفقٌ عَلى ضعفهِ، وخاصةً عن يحيى بن أبي كثير كما تقدم، ويضطرب في هذا الحَدِيث على أوجه:
(1) معرفة الثقات (2/ 165 رقم 1340).
(2)
الفوائد المجموعة (ص 22) هامش.
(3)
الأنوار الكاشفة (ص 70)، ومن أمثلة ذلك أيضاً هؤلاء الرواة الذين قواهم العجلي خلافاً لبقية النقاد:
1.
كثير بن إسماعيل ويقال بن نافع النواء أبو إسماعيل التيمي، تهذيب التهذيب (8/ 367).
2.
الفضل بن مبشر الأنصاري، تهذيب التهذيب (8/ 256).
3.
فرقد بن يعقوب السبخي، تهذيب التهذيب (8/ 236).
4.
عيسى بن سنان الحنفي أبو سنان القسملي، تهذيب التهذيب (8/ 189)
5.
علي بن زيد بن جدعان، تهذيب التهذيب (7/ 283).
6.
أصبغ بن نباتة، تهذيب التهذيب (1/ 316).
7.
عمارة بن حديد. الميزان (5/ 211)، معرفة الثقات (2/ 162).
وغيرهم.
(4)
انظر: الضعفاء الكبير (3/ 175 - 185)، الكامل (5/ 15 - 17)، تهذيب الكمال (21/ 340 - 343).
الأوَّل: يرويه عن يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن البراء بن عازب عن النبي مرفوعاً، وتقدم تخريجه.
الثاني: يرويه عن يحيى بن أبي كثير، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن البراء بن عازب مرفوعاً، وتقدم تخريجه
الثالث: يرويه عن يحيى بن أبي كثير، عن رجلٍ من الأنصار مرفوعاً، أخرجه عبد الرزاق في المصنف (8/ 314 رقم 15345) كتاب البيوع، باب ما جاء في الرّبَا، قَالَ: أخبرنا عُمَر بن رَاشِد، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجلٍ من الأنصار قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرّبَا أحد وسبعون، أو قَالَ: ثلاثة وسبعون حوباً، أدناها
…
)).
2 -
والاضطرابُ المتقدمُ ذكرُهُ علةٌ أخرى للحديث يزدادُ به وهناً، ويؤكد نكارة رواية عُمَر عن يحيى بن أبي كثير.
3 -
تفرد عُمَر بالحديث عن يحيى بن أبي كثير دليل على شدة نكارة هذه الرواية فأين أصحابُ يحيى بنِ أبي كثير - وهو الإمام المشهور الذي عُني المحدثون بجمعِ حَدِيثهِ - عن هذا الحديث المرفوع!.
قال ابنُ رَجَب: ((أصحابُ يحيى بنِ أبي كثير ..)) (1).ثم ذكر أقوال النقاد في بيان وعدّ أصحاب يحيى فممن ذُكِرَ منْ أصحاب يحيى المقدمين: هشام الدستوائي، وأبان العطار، والأوزاعي، وهمام بن يحيى، وحجاج الصواف، وحسين المعلم، وشيبان النحوي، وحرب بن شداد، ومعاوية بن سلام، وعلي بن المبارك وغيرهم فأين هؤلاء عن هذا الحديث المرفوع حتى يتفرد به راو متفق على ضعفه.
(1) شرح علل الترمذي (2/ 677)، وانظر: تاريخ دمشق (59/ 41).
4 -
وفي السند أيضاً انقطاعٌ بين يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة والبراء بن عازب، وكذلك والده إسحاق لم يدرك البراء كما بين ذلك أبو حاتم.
ومما تقدم يعلم أنَّ:
- قول المنذريّ: ((وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرّبَا اثنان
…
رَوَاهُ الطبرانيُّ في الأوسط من رواية عُمَر بن رَاشِد وقد وثق)) (1).
فيه تساهل فعمر بن رَاشِد اتفق الأئمة على ضعفه - عدا العجلي -، وخاصةً عن يحيى بن أبي كثير، وهو في هذا الحَدِيث يضطرب، ولم يذكرا الانقطاع الذي في الإسناد.
وضعف الشيخُ الألباني حَدِيثَ البراء بعينه - وإنْ كان الشيخ يرى أنّ الحديثَ صحيحٌ بمجموعِ طرقهِ - فقال - بعدما خرّج الحديث -: ((قلتُ: وهو ضعيف، عمر بن راشد قال الحافظ في التقريب: ضعيف، ومعاوية بن هشام صدوق له أوهام
…
)) (2).
قلتُ: ولم يذكر الشيخ بقية العلل المتقدم ذكرها، والتي تدل بمجموعها على أنّ الحديث ضعيفٌ جداً لا يصلح للشواهد والمتابعات.
(1) الترغيب والترهيب (3/ 6).
(2)
السلسلة الصحيحة (4/ 488 رقم 1871).