الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحثُ الأوَّلُ
تخريجُ حَدِيثِ أنس بنِ مَالِك رضي الله عنه والحُكْمُ عليهِ
.
رُوي الحَدِيث عَنْ أنس بنِ مَالِك مِنْ طريقين:
1 -
طريق ثابت البُناني، عَنْ أنس بنِ مَالِك مرفوعاً.
2 -
يحيى بن أبي كثير، عَنْ أنس مرفوعاً.
• الطريقُ الأوَّل: طريقُ ثابت البُناني، عَنْ أنسِ بنِ مَالِك مرفوعاً.
1 -
تخريجُ الحَدِيث:
أخرجه:
- ابنُ أبي الدّنيا في الصمت (ص 123 - 124 رقم 175).
- وابنُ عديّ في الكامل (4/ 233) - ومن طريقه ابن الجَوزيّ في الموضوعات (3/ 22 رقم 1227) -.
- والبيهقيّ في شُعب الإيمان (4/ 395).
- والأصبهانيّ في الترغيبِ والترهيبِ (2/ 192 رقم 1410).
جميعهم من طريق أبي مجاهد عبد الله بنِ كيسان، عَنْ ثابت البُناني، عَنْ أنس بن مَالِك قَالَ: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الرّبَا وعظّم شأنه فَقَالَ: ((إنّ الرجُلَ يصيبُ مِنْ الرّبَا أعظمُ عَنْدَ الله في الخطيئةِ مِنْ ستٍ وَثلاثين زَنْية يزنيها الرجُل، وإنَّ أربى الرّبَا عرضُ الرجُلِ المسلم)).
قَالَ البيهقيُّ: ((تفرد به أبو مجاهد عبدُ الله بنُ كيسان المروزيّ، عَنْ ثابت، وهو منكر الحَدِيث)).
2 -
دراسةُ رجال الإسناد:
1 -
ثابت البُناني هو: ابن أسلم البُناني - بضم الموحدة، ونونين - أبو محمد البصري، متفق على ثقته وصلاحه، رَوَى له الجماعة (1).
2 -
وعبد الله بن كيسان، أبو مجاهد المروزي، ضعيف الحديث، وخاصةً عَنْ عكرمة مولى ابن عَبَّاس، وثابت البناني، قَالَ البخاري:((منكر الحَدِيث)) (2)، وَقَالَ أبوحاتم:((ضعيفُ الحَدِيث)) (3)، وَقَالَ العُقَيلي:((في حديثهِ وهمٌ كثير)) (4)، وذكر له العقيلي حديثين منكرين عَنْ ثابت ثم قَالَ:((وليس لهما من حَدِيث ثابت أصل، وأصح الناس حديثا عَنْ ثابت حماد بن سلمة))، قَالَ ابنُ عدي:((ولعبدِ الله بن كيسان عَنْ عكرمة عَنْ ابن عَبَّاس أحاديث غير ما أمليت غير محفوظة وعَنْ ثابت عَنْ أنس كذلك)) (5)، وقال الذهبيّ:((ضعيف)) (6)، وقال ابنُ حَجَر:((صدوقُ يخطىء كثيراً)) (7)، روى له البخاري في الأدب المفرد حديثاً واحداً، وأبو داود (8).
(1) انظر: الجرح (2/ 449 رقم 1805)، تهذيب الكمال (4/ 342 - 349).
(2)
التاريخ الكبير (5/ 178 رقم 561)، الكامل في ضعفاء الرجال (4/ 233)، ميزان الاعتدال (4/ 165).
(3)
الجرح والتعديل (5/ 143 رقم 669).
(4)
الضعفاء للعقيلي (2/ 290).
(5)
الكامل في ضعفاء الرجال (4/ 233).
(6)
المغني في الضعفاء (2/ 806 رقم 7702).
(7)
تقريب التهذيب (ص 319 رقم 3558).
(8)
الكاشف (1/ 590 رقم 2930)، المغني في الضعفاء (1/ 352 رقم 3315، 2/ 806 رقم 7702)، تهذيب التهذيب (5/ 325).
وذَكَرَهُ ابنُ حبان في الثقات وَقَالَ: ((يتقي حديثه من رواية ابنه عَنْه)) (1)، وذِكْرُ ابنِ حبان له في الثقات - مع تضعيف النّقاد له - دليل من الأدلة الكثيرة على تساهله في باب التوثيق، فهذا التوثيق لا يفرح به، وسيأتي لهذا نظائر في هذا البحث (2).
قال الذهبي: ((صخرٌ لا يُعْرف إلا في هذا الحديثِ الواحد، وَلا قِيلَ إنّه صحابيّ إلاّ بهِ، وَلا نَقَلَ ذلكَ إلاّ عُمَارة، وعُمَارةُ مجهولٌ، كَما قَالَ الرازيان، ولا يُفرح بذكر ابن حبان له في الثقات، فإن قاعدته معروفة من الاحتجاج بمن لا يعرف)) (3).
3 -
دراسةُ الإسناد والحكم عليه:
هذا الحَدِيث بهذا الإسناد ضعيف لأمور:
1 -
أنَّ عبد الله بن كيسان ضعيف، وينفرد بأشياء ليس لها أصول، خاصةً عَنْ ثابت البناني كما بين ذلك العقيليّ، وابن عدي.
2 -
تفرد عبد الله بن كيسان بالحديث عَنْ ثابت البناني مما يزيد الحَدِيث وهناً، فأين أصحابُ ثابت البناني لم يرووا هذا الأثر عَنْه!!.
قَالَ ابنُ رَجَب: ((أصحاب ثابت البُناني: وفيهم كثرة، وهم ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى: الثقات: كشعبة، وحماد بن زيد، وسليمان بن المغيرة، وحماد بن سلمة، ومعمر، وأثبت هؤلاء كلهم في ثابت حماد بن سلمة
…
(1) الثقات (7/ 33)
(2)
انظر: ص 35، 90.
(3)
الميزان (5/ 211)، وانظر: الميزان (2/ 458، 3/ 146)، لسان الميزان (1/ 14، 4/ 277، 1/ 331).
الطبقة الثانية، الشيوخ: مثل الحكم بن عطية، وقد ذكر أحمد الحكم بن عطية فَقَالَ:" هؤلاء الشيوخ يخطئون على ثابت "
…
الطبقة الثالثة: الضعفاء والمتركون: وفيهم كثرة، كيوسف بن عطية الصفّار
…
)) (1).
ومن قرائن إعلال الأخبار عند نقاد الحديثِ وأطباء علله "أنْ يتفرد راوٍ بخبر عن إمام مشهور يجمع حديثه" وكلما كَانَ الراوي أقلَّ ضبطاً كانتْ الرواية أشدّ ضعفاً ونكارة.
قَالَ ابنُ أبي حاتم: ((سمعتُ أبي وذكر حديثا رواه قُران بن تمام عن أيمن بن نابل عن قدامة العامري فَقَالَ: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت يستلم الحجر بمحجنه، سمعتُ أبي يقولُ: لم يرو هذا الحَدِيث عن أيمن إلا قُران ولا أراه محفوظا، أين كان أصحاب أيمن بن نابل عن هذا الحَدِيث؟)) (2).
وَقَالَ مُسلمُ بنُ الحجاج في مُقدّمةِ صحيحهِ: ((فأمَّا مَنْ تراهُ يَعْمدُ لمثلِ الزُّهريّ في جَلالتهِ، وَكثرةِ أصحابهِ الحفّاظ المتقنين لحديثِهِ وَحَدِيثِ غيرهِ، أو لمثلِ هشامِ بنِ عُروةَ، وحديثهُمَا عند أهلِ العلمِ مَبْسوطٌ مُشتركٌ قد نَقَلَ أصحابهما عنهما حَدِيثهما علَى الاتفاق منهم في أكثرهِ، فَيروى عنهما أو عن أحدهما العَدَدُ مِنْ الحَدِيثِ مما لا يعرفُهُ أحدٌ مِنْ أصحابهما، وَليسَ ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم فغيرُ جائزٍ قبولُ حَدِيثِ هذا الضربِ مِنْ النّاس)) (3).
وقَالَ عبدُ الرحمن بنُ مهدى: قيل لشعبة: مَنْ الذي يتركُ حديثه؟
(1) شرح علل الترمذيّ (2/ 690).
(2)
العلل (1/ 296 رقم 886).
(3)
(1/ 7).
قَالَ: إذا روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون فأكثر ترك حديثه، فإذا اتهم بالحديث ترك حديثه، فإذا أكثر الغلط ترك حديثه، وإذا روى حديثا اجتمع عليه أنه غلط ترك حديثه، وما كانَ غير هذا فأرو عنه (1).
وقَالَ ابنُ رَجَب: ((أمَّا أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحَدِيث - إذا تفرد به واحد - وإن لم يرو الثقات خلافه -: إنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضاً، ولهم في كل حَدِيث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه)) (2).
3 -
أنّ عبد الله بن كيسان سَلَكَ في هذا الحَدِيث الجادة، وهذه عَادةُ الضعفاءِ عِنْد الخطأ، قَالَ ابنُ رَجَب:
((وَقَالَ (3) في عُمَارة بنِ زَاذان: يروي عَنْ ثابت أحاديثَ مناكير، ثمّ قَالَ: هؤلاء الشيوخ رَووا عن ثابت، وكان ثابت جُلّ حَدِيثهِ عَنْ أنس، فَحَمَلوا أحاديثه عن أنس
…
، وقَالَ ابن هاني: قَالَ أحمدُ: " كَانَ حماد ثبتاً في حَدِيث ثابت البناني، وبعده سليمان بن المغيرة، وكانَ ثابت يحيلون عليهِ في حَدِيث أنس، وكلّ شئ لثابت رَوَي عَنْه يقولون: ثابت عَنْ أنس "، وَقَالَ أحمدُ - في رواية أبي طالب -:" أهلُ المدينةِ إذا كَانَ الحَدِيث غلطاً يقولون: ابنُ المنكدر عَنْ جابر، وأهلُ البصرة يقولون: ثابت عَنْ أنس، يحيلون عليهما ".
ومُراد أحمد بهذا كثرة من يروي عَنْ ابن المنكدر من ضعفاء أهل
(1) الضعفاء للعقيلي (1/ 13)، معرفة علوم الحَدِيث للحاكم (ص 62)، الكفاية (142)، شرح علل الترمذي (1/ 400)
(2)
شرح علل الترمذي (1/ 352).
(3)
أي: أحمد بن حنبل.
المدينة، وكثرة من يروي عَنْ ثابت من ضعفاء أهل البصرة، وسيئ الحفظ والمجهولين منهم، فإنه كَثُرتْ الرواية عَنْ ثابت من هذا الضرب فوقعت المنكرات في حديثه، وإنما أُتي مِنْ جهة من رَوَى عَنْه من هؤلاء، وذَكَرَ هذا المعَنْى ابنُ عديّ وغيرهُ.
ولما اشتهرت روايةُ ابنِ المنكدر عَنْ جابر، ورواية ثابت عَنْ أنس صَارَ كُلّ ضعيفٍ وسيئ الحفظ إذا رَوَى حَدِيثاً عَنْ ابن المنكدر يجعله عَنْ جابر عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم، وإنْ رَوَاهُ عَنْ ثابت جَعَلَهُ عَنْ أنس عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم، هذا معَنْى كلام الإمام أحمد والله أعلم)) (1).
وكثيراً ما ينبه المحدثون على هذه القرينة ويستعملونها في إعِلال الأخبار، مِنْ ذلكَ قولُ أبي حَاتِم:((بُسْر قد سمع من واثلة، وكثيراً ما يحدث بُسْر عن أبي إدريس فغلط ابن المبارك، وظن أنّ هذا مما رَوَى عن أبي إدريس عن واثلة)) (2).
وقول ابن عدي: ((والمقدّمي مع ضعفه أخطأ على حماد بن زيد فقال: عن ثابت عن أنس، وكان هذا الطريق أسهل عليه، وإنما هو ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة)) (3).
وقال ابنُ دقيق العيد: ((أنّ الطريقة المعروفة: عروة عن عائشة، وعروة عن فاطمة نادر، وأقرب عند التحديث من الحفظ سبق الوهم إلى الغالب المشهور، فعدوله عنه إلى النادر أقرب إلى أن يكون عن تثبت، وقد رجح بعض الروايات بمثل هذا)) (4).
(1) شرح علل الترمذيّ (2/ 690).
(2)
العلل (1/ 349 رقم 1029)
(3)
الكامل (1/ 201) وانظر: الكامل (1/ 421، 3/ 418، 4/ 78، 6/ 229، 286).
(4)
الإمام (3/ 188).
وقد ذَكَرَ الحديثَ ابنُ عديّ في ترجمة عبد الله بنِ كيسان ضمن منكراته، وقالَ:((ولعبدِ الله بن كيسان عَنْ عكرمة عَنْ ابن عَبَّاس أحاديث غير ما أمليت غير محفوظة، وعَنْ ثابت عَنْ أنس كذلك))، ومِنْ عادةِ ابنِ عديّ في كتابهِ "الكامل" ذِكْرُ أبرز ما أُنكر على الراوي وقد قال في مقدمة كتابهِ:((وذَاكرٌ لكل رجل منهم مما رواه ما يُضَعّف من أجله، أو يَلْحَقه بروايته له اسم الضعف؛ لحاجة الناس إليها)) (1)، وَقَالَ الحافظ ابن حجر:((من عادة ابن عدي في الكامل، أن يخرج الأحاديث التي أنكرت على الثقة، أو على غير الثقة)) (2).
وحَكَمَ العراقيُّ على الحَدِيث بقولهِ: ((سندُهُ ضعيفٌ)) (3).
وتعقبه الزَّبيديّ (4) بقوله: ((قلتُ: ليس فيه من وصف بالضعف، وأبو مجاهد سعد الطائيّ ذكره ابن حبان في الثقات، وَقَالَ أحمد: إنه لا بأس به، ونسبه فَقَالَ: سعد بن عبيد الطائي الكوفي، رَوَى له البخاريّ وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وعلي بن شقيق وابنه محمد ما رأيتُ أحداً وصفهما بضعفٍ ولا غيرهِ، وَقَالَ الكمال الدّميريّ (5) - كما وُجِدَ بخطهِ هُنَا -: الحَدِيث رُوّيناهُ في مُسْند أحمد)) (6).
(1) الكامل (1/ 2).
(2)
هدي الساري (ص 429).
(3)
تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (4/ 1742).
(4)
هو: محمد بن محمد الحسيني الزَّبيديّ (1145 - 1205) علامة باللغة والحديث والرجال، وله مؤلفات كثيرة منها"إتحاف السادة المتقين" شرح إحياء علوم الدين. الأعلام للزركلي (7/ 70).
(5)
هو: محمد بن موسى بن الكمال أبو البقاء الدَّميري الأصل القاهري الشافعي (742 - 808) قَالَ السخاويُّ: ((برع في التفسير والحديث والفقه وأصوله والعربية والأدب وغيرها)). الضوء اللامع (10/ 59).
(6)
المرجع السابق.
وفي كلام الزَّبيديّ أمرانِ:
الأوَّل: أنه اشتبه عليه راو متفق على ضعفه وهو أبو مجاهد عبد الله بن كيسان براو آخر لم يُتكلم فيه ووثق وهو أبومجاهد سعد الطائيّ (1)، فَظَنّ أنّ راوي الحَدِيث هو الثاني الذي لم يتكلم فيه، وهذا وهم فراوي هذا الخبر هو الأوَّل المتفق على ضعفه، ولست بحاجةٍ لتكرار ما يفيد ذلك من أقوال العلماء، وكذلك من تصرفاتهم في كتبهم - حيثُ ذَكَروا هذا الحَدِيث في تَرْجمتهِ مَنسوباً إليه - فكلُّ ذلكَ تقدّم.
الثاني: ما نقله عَنْ الكمال الدّميريّ من أنّ الحَدِيث في مسند أحمد غريبٌ، فلم أقف عليه بعد البحث ولم يذكره ابن حجر في الأطراف، ولم أر أحداً نسبه للمسند غير الدّميريّ!.
ثُمّ بدا لي أنَّ الدّميريّ رُبما قَصَد أنَّ متن الحديث في مسند أحمد - وهو كذلك ولكن مِنْ طريقٍ آخر كما سيأتي (2) -، وإنْ كَان كلام الزَّبيديّ:((كما وُجِدَ بخطهِ هُنَا)) يُشعر بأنه يقصد الحديث بسنده ومتنه، واللهُ أعلمُ.
• الطريقُ الثاني: يحيى بنُ أبي كثير، عَنْ أنس مرفوعاً.
1 -
تخريج الحَدِيث:
أخرجهُ:
ابنُ الجَوزيّ في الموضوعات (3/ 22 رقم 1228) من طريق الدَّارقُطني - ولم أقف عليه في السنن، فلعله في الغرائب والأفراد - قَالَ الدَّارقُطني: حَدَّثنَا أحمد بن محمد بن إبراهيم الصلحي، قَالَ: حَدَّثنَا
(1) تهذيب التهذيب (3/ 421).
(2)
انظر: ص 128 من هذا البحث.
أبو فروة يزيد بن محمد، قَالَ: حَدَّثنَا أبي قَالَ: حَدَّثنَا طلحة بن زيد عَنْ الأوزاعي يحيى بن أبي كثير، عَنْ أنس بن مَالِك قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرّبَا سبعون باباً أهون باب منه الذي يأتي أمَّهُ في الإسلام وهو يعرفها، وإنَّ أربى الرّبَا خَرْقُ المرء عِرْضَ أخيه المسلم، وخَرْقُ عرضه يقول فيه ما يكره من مَسَاوِئِهِ، والبُهتان أن يقول فيه ما ليس فيه)).
وَقَالَ الدَّارقُطني - كَمَا في أطرافِ الغرائب والأفراد (2/ 251) -: ((غَريبٌ مِنْ حَدِيثِ يحيى عَنْه، وَغَريبٌ مِنْ حَدِيث الأوزاعيّ، عَنْ يحيى، تفرّدَ بهِ طلحةُ بنُ زيد عَنْ الأوزاعي، وتفرد به عَنْه محمدُ بنُ يزيد بن سنان)).
2 -
دراسةُ رجال الإسناد:
1 -
يحيى بن أبي كَثِير هو: الطائي مولاهم، أبو نصر اليَمَامي، متفقٌ على توثيقه، وكان يرسل، وَقَالَ العقيلي:((ذُكر بالتدليس)) (1)، والمراد بالتدليس هنا رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه (2) ومما يوضح ذلك قولُ حُسينِ المُعَلّم: قُلْنَا ليحيى بنِ أبي كَثير: إنّكَ تحدثُنَا عَنْ قومٍ لَمْ تلْقهُم، وَلم تسمعْ مِنْهُم .. (3)،وَقولُ ابنِ حبان:((كان يُدلس، فكل ما روى عَنْ أنس فقد دلس عنه، لم يسمع من أنس ولا من صحابي شيئاً)) (4)، وقد ذكره العلائيُّ - وتابعه ابن حجر - في الطبقة الثانية من المدلسين، وهم من احتمل الأئمة تدليسهم، روى له الجماعة، مات سنة
(1) الضعفاء الكبير (4/ 423 - 424).
(2)
وهذه الصورة إحدى معاني التدليس عند المحدثين، انظر: معرفة علوم الحديث (ص 109)، وموقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين (ص 331)، ومنهج المتقدمين في التدليس (ص 60).
(3)
ضعفاء العقيلي (4/ 423).
(4)
الثقات (7/ 591 - 592).
اثنتين وثلاثين ومائة (1).
2 -
والأوزاعيُّ هُو: عبدُالرحمن بن عَمْرو ثقةٌ فقيهٌ جَليلٌ، قَالَ ابنُ مهديّ:((الأئمةُ في الحَدِيث أربعة: الأوزاعي، ومالك، وسفيان الثوري، وحماد بن زيد))، رَوَى له الجماعة، مَاتَ سنة سبع وخمسين ومائة (2).
3 -
وطلحة بن زيد هو: القرشي أبو مسكين أو أبو محمد الرقي أصله دمشقي متروكُ الحَدِيث، قَالَ أحمدُ بنُ حنبل، وعلي بنُ المديني، وأبو داود: كَانَ يضعُ الحَدِيث، رَوَى لهُ ابنُ ماجة (3).
وقد ذَكَرَ ابنُ عديّ لطلحةَ بنِ زيد حديثاً من طريق أبي فروة يزيد بن محمد بن سنان قَالَ: حَدَّثنَا أبي قَالَ: حَدَّثنَا طلحة بن زيد الرقي عَنْ الأوزاعي عَنْ يحيى بن أبي كثير عَنْ أنس بن مَالِك قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَكلم بالفارسيةِ زادت في خُبْثِه (4)، ونقصت مِنْ مروءتِهِ))، فَقَالَ:((وهذا الحَدِيث بهذا الإسناد باطل، وبهذا الإسناد أحاديث)) (5).
(1) انظر: تهذيب الكمال (31/ 504 - 511)، جامع التحصيل (ص 113)، تعريف أهل التقديس (ص 127 رقم 63).
(2)
انظر: تهذيب الكمال (17/ 307 - 316)، التهذيب (6/ 240 - 241).
(3)
تهذيب التهذيب) 5/ 15)، تقريب التهذيب (ص 282 رقم 3020).
(4)
تصحفت في الكامل إلى (خبه) فعلق المحقق بقوله (الخب: الخداع - النهاية لابن الأثير)!.
والحديث أخرجه: الحاكم في المستدرك (4/ 98)، وقال ابن حجر - تعليقاً على قول تبويب البخاريّ "باب من تكلم بالفارسية" -:((وأشار المصنف إلى ضعف ما ورد من الأحاديث الواردة في كراهة الكلام بالفارسية كحديث كلام أهل النار بالفارسية وكحديث من تكلم بالفارسية زادت في خبثه ونقصت من مروءته أخرجه الحاكم في مستدركه وسنده واه)). فتح الباري (6/ 184).
(5)
الكامل (4/ 108).
3 -
دراسةُ الإسناد والحكم عليه:
هذا الإسنادُ باطلٌ لأمرين:
1 -
أنّ طلحةَ بنَ زيد متروكُ الحَدِيث بل رُمي بالوضع كما تقدم.
2 -
تفرد طلحة بالحديث عَنْ الأوزاعي مما يؤكد بطلان هذه الرواية، فالأوزاعي إمام أهل الشام في زمانه، فأين أصحابُ الأوزاعي لم يرووا هذا الأثر عَنْه!.
قَالَ ابنُ رَجَب: ((أصحاب الأوزاعيّ:
…
)) (1)، فَذَكر أقوال النّقاد في أصحاب الأوزاعي، وممن ذكروا من أصحابه: عبد الحميد بن أبي العشرين، يزيد بن السمط، وسلمة بن العيار، والوليد بن مسلم، وعبد الله بن المبارك، والوليد بن مزيد، وأبوإسحاق الفزاري.
وتقدم أنّ ابنَ عديّ ذَكَرَ حَدِيثاً بهذا الإسناد في ترجمة طلحة ثُمّ قَالَ: ((وهذا الحَدِيث بهذا الإسناد باطل، وبهذا الإسناد أحاديث)).
قلتُ: ومنها حديثنا هذا فهو بهذا الإسناد.
وَقَالَ ابنُ الجَوزيّ: ((تفرد به طلحةُ بنُ زيد، قَالَ البخاريّ: منكرُ الحَدِيث، وَقَالَ النسائيّ: متروكُ الحَدِيثِ)) (2).
فخُلاصةُ الكلامِ عَلى حَدِيثِ أنس بنِ مالك أنّه لا يصح، ولا يعتمد عليه في الشواهد والمتابعات فالطريق الأوَّل لا أصلَ له، والثاني باطل وتقدم بيان علل هذين الطريقين.
(1) شرح علل الترمذيّ (2/ 730).
(2)
الموضوعات (3/ 22 رقم 1228).