الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْمَوْضِعُ الَّذِي أَهَلَّ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام]
بَابُ بَيَانِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَهَلَّ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام، وَاخْتِلَافِ النَّاقِلِينَ لِذَلِكَ، وَتَرْجِيحِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ
تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ:«سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: " أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ: عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ ".»
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ الْإِهْلَالِ عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا سُفْيَانُ، ثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، سَمِعْتُ بْنَ عُمَرَ، رضي الله عنهما. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، ثَنَا مَالِكٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ:«مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ. يَعْنِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ.» وَقَدْ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ وَنَافِعٍ وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَكَرَهُ، وَزَادَ: فَقَالَ: " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ". وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ قَالَ: «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا، مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ.»
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ خِلَافُ هَذَا كَمَا يَأْتِي فِي الشِّقِّ الْآخَرِ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ:«وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ.»
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي خُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَزَرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ:«قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: يَا أَبَا الْعَبَّاسِ، عَجَبًا لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَوْجَبَ! فَقَالَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ، إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا ; خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجًّا، فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ، فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ.» فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ، فَحَفِظُوا عَنْهُ، ثُمَّ رَكِبَ فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ، وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا، فَسَمِعُوهُ
حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ، فَقَالُوا: إِنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ. ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ، وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ، فَقَالُوا: إِنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ. وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ، وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، وَأَهَلَّ حِينَ عَلَا شَرَفَ الْبَيْدَاءِ. فَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَهَلَّ فِي مُصَلَّاهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمِيعًا، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ خُصَيْفٍ بِهِ نَحْوَهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُ أَحَدًا رَوَاهُ غَيْرَ عَبْدِ السَّلَامِ. كَذَا قَالَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْقَطِيعِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: خُصَيْفٌ الْجَزَرِيُّ غَيْرُ قَوِيٍّ، وَقَدْ رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ مُتَابَعَةُ الْوَاقِدِيِّ، وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ أَسَانِيدُهَا قَوِيَّةٌ ثَابِتَةٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قُلْتُ: فَلَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَكَانَ فِيهِ جَمْعٌ لِمَا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَبَسْطُ الْعُذْرِ لِمَنْ نَقَلَ خِلَافَ الْوَاقِعِ، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، ثُمَّ قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا، كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَنُبَيِّنُهُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ، عليه الصلاة والسلام، أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:«صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ» وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَهْلُ السُّنَنِ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَنَسٍ.
وَثَابِتٌ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ» .
وَأَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَرْكَبُ رَاحِلَتَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ يُهِلُّ حِينَ تَسْتَوِي بِهِ قَائِمَةً»
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ مَنْ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، ثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما، قَالَ:«أَهَلَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً.» وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهِ.
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَهَلَّ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ.» انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ الْإِهْلَالِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، قَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ:«كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ رَكِبَ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا، ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الْحَرَمَ، ثُمَّ يُمْسِكُ، حَتَّى إِذَا جَاءَ ذَا طُوًى بَاتَ بِهِ حَتَّى يُصْبِحَ، فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ اغْتَسَلَ، وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ.» ثُمَّ قَالَ: تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَيُّوبَ فِي الْغُسْلِ. وَقَدْ عَلَّقَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ. وَأَسْنَدَهُ فِيهِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَعَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السَّخْتِيَانِيِّ بِهِ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَبُو الرَّبِيعِ، ثَنَا فُلَيْحٌ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ:«كَانَ ابْنُ عُمَرَ، رضي الله عنهما، إِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى مَكَّةَ ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، ثُمَّ يَأْتِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْكَبُ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَحْرَمَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ.» تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:«بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ الَّتِي تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا، وَاللَّهِ مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ حِينَ قَامَ بِهِ بَعِيرُهُ.» وَهَذَا الْحَدِيثُ يَجْمَعُ بَيْنَ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ الْأُولَى وَهَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّ الْإِحْرَامَ كَانَ مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ، وَلَكِنْ بَعْدَمَا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ - يَعْنِي الْأَرْضَ - وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْمَكَانِ الْمَعْرُوفِ بِالْبَيْدَاءِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، ثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي كُرَيْبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ،
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ وَحَجَّاجٍ، وَرَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ، وَعَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ قَالَ: «سَمِعْتُ أَبَا حَسَّانَ الْأَعْرَجَ الْأَجْرَدَ وَهُوَ مُسْلِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ دَعَا بِبَدَنَتِهِ فَأَشْعَرَ صَفْحَةَ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ، وَسَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا، وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِرَاحِلَتِهِ، فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ.» وَرَوَاهُ أَيْضًا، عَنْ هُشَيْمٍ، أَنْبَأَنَا أَصْحَابُنَا، مِنْهُمْ شُعْبَةُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. ثُمَّ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ رَوْحٍ، وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وَوَكِيعِ
بْنِ الْجَرَّاحِ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ نَحْوَهُ. وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " وَأَهْلُ السُّنَنِ فِي كُتُبِهِمْ.
فَهَذِهِ الطُّرُقُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّهُ، ( «عليه الصلاة والسلام، أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَصَحُّ» وَأَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ خُصَيْفٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ الْمُثْبِتَةُ الْمُفَسِّرَةُ أَنَّهُ أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ الرَّاحِلَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُخْرَى، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَيَكُونُ رِوَايَةُ رُكُوبِهِ الرَّاحِلَةَ فِيهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ عَلَى الْأُخْرَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرِوَايَةُ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ سَالِمَةٌ عَنِ الْمُعَارِضِ، وَهَكَذَا رِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ، عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ الَّذِي سَيَأْتِي، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ. سَالِمَةٌ عَنِ الْمُعَارِضِ.» وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ، سَمِعْتُ عَطَاءً، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، «أَنَّ إِهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ.»
فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ قَالَتْ:«قَالَ سَعْدٌ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَخَذَ طَرِيقَ الْفُرْعِ أَهَلَّ إِذَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، وَإِذَا أَخَذَ طَرِيقَ أُحُدٍ أَهَلَّ إِذَا عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ.» فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ، وَفِيهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَهَذِهِ الطُّرُقُ كُلُّهَا دَالَّةٌ - عَلَى الْقَطْعِ أَوِ الظَّنِّ الْغَالِبِ - أَنَّهُ، عليه الصلاة والسلام، أَحْرَمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَبَعْدَمَا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَابْتَدَأَتْ بِهِ السَّيْرَ. زَادَ ابْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ: وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ.