الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمِينًا، فَبَعَثَ مَعَهُمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ مُسْتَقْصًى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
[وَفْدُ بَنِي عَامِرٍ وَقِصَّةُ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ وَأَرْبَدَ بْنِ قَيْسٍ]
ٍ لَعَنَهُمَا اللَّهُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفْدُ بَنِي عَامِرٍ، فِيهِمْ ;» عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَزْءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَجَبَّارُ بْنُ سُلْمَى بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ رُؤَسَاءَ الْقَوْمِ وَشَيَاطِينَهُمْ، وَقَدِمَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ عَدُوُّ اللَّهِ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُرِيدُ الْغَدْرَ بِهِ، وَقَدْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: يَا عَامِرُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا فَأَسْلِمْ. قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ آلَيْتُ أَلَّا أَنْتَهِيَ حَتَّى تَتْبَعَ الْعَرَبُ عَقِبِي، أَفَأَنَا أَتْبَعُ عَقِبَ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ؟ ! ثُمَّ قَالَ لِأَرْبَدَ: إِنْ قَدِمْنَا عَلَى الرَّجُلِ، فَإِنِّي سَأَشْغَلُ عَنْكَ وَجْهَهُ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَاعْلُهُ بِالسَّيْفِ. فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَامِرُ بْنُ
الطُّفَيْلِ يَا مُحَمَّدُ، خَالِنِي. قَالَ:" لَا وَاللَّهِ حَتَّى تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ ". قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، خَالِنِي. قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ، وَيَنْتَظِرُ مِنْ أَرْبَدَ مَا كَانَ أَمَرَهُ بِهِ، فَجَعَلَ أَرْبَدُ لَا يُحِيرُ شَيْئًا، فَلَمَّا رَأَى عَامِرٌ مَا يَصْنَعُ أَرْبَدُ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، خَالِنِي. قَالَ:" لَا حَتَّى تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ". فَلَمَّا أَبَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلًا وَرِجَالًا. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُمَّ اكْفِنِي عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ ". فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَامِرٌ لِأَرْبَدَ: أَيْنَ مَا كُنْتُ أَمَرْتُكَ بِهِ، وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ رَجُلٌ أَخْوَفَ عَلَى نَفْسِي مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ لَا أَخَافُكَ بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا. قَالَ: لَا أَبًا لَكَ! لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، وَاللَّهِ مَا هَمَمْتُ بِالَّذِي أَمَرْتَنِي بِهِ إِلَّا دَخَلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّجُلِ حَتَّى مَا أَرَى غَيْرَكَ، أَفَأَضْرِبُكَ بِالسَّيْفِ؟ ! وَخَرَجُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بَعَثَ اللَّهُ، عز وجل، عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ الطَّاعُونَ فِي عُنُقِهِ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بَنِي عَامِرٍ، أَغُدَّةً كَغُدَّةِ الْبِكْرِ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولٍ؟ ! قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ: أَغُدَّةً
كَغُدَّةِ الْإِبِلِ وَمَوْتًا فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ؟ .
وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَوَلَةَ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ جَدِّهَا مَوَلَةَ بْنِ جَمِيلٍ قَالَ: أَتَى عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: " يَا عَامِرُ أَسْلِمْ ". فَقَالَ: أُسْلِمُ عَلَى أَنَّ لِي الْوَبَرَ وَلَكَ الْمَدَرَ؟ قَالَ: " لَا " ثُمَّ قَالَ: " أَسْلِمْ ". فَقَالَ: أُسْلِمُ عَلَى أَنَّ لِي الْوَبَرَ وَلَكَ الْمَدَرَ؟ قَالَ: " لَا ". فَوَلَّى وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلًا جُرْدًا وَرِجَالًا مُرْدًا، وَلَأَرْبِطَنَّ بِكُلِّ نَخْلَةٍ فَرَسًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" اللَّهُمَّ اكْفِنِي عَامِرًا وَاهْدِ قَوْمَهُ ". فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ صَادَفَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ، يُقَالُ لَهَا: سَلُولِيَّةٌ. فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ، وَنَامَ فِي بَيْتِهَا، فَأَخَذَتْهُ غُدَّةٌ فِي حَلْقِهِ، فَوَثَبَ عَلَى فَرَسِهِ وَأَخَذَ رُمْحَهُ، وَأَقْبَلَ يَجُولُ وَهُوَ يَقُولُ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبِكْرِ، وَمَوْتٌ فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ. فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ حَالُهُ حَتَّى سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ مَيِّتًا. وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي " الِاسْتِيعَابِ " فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ مَوَلَةَ هَذَا، فَقَالَ: هُوَ مَوَلَةُ بْنُ كُثَيْفٍ الضَّبَابِيُّ الْكِلَابِيُّ الْعَامِرِيُّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَأَسْلَمَ وَعَاشَ فِي الْإِسْلَامِ مِائَةَ سَنَةٍ، وَكَانَ يُدْعَى ذَا اللِّسَانَيْنِ ; مِنْ فَصَاحَتِهِ، رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ
عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَهُوَ الَّذِي رَوَى قِصَّةَ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ وَمَوْتٌ فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ. .
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: حَدَّثَتْنِي ظَمْيَاءُ بِنْتُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَوَلَةَ بْنِ كُثَيْفِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ الضِّبَابُ بْنُ كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، قَالَتْ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَوَلَةَ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَسَحَ يَمِينَهُ، وَسَاقَ إِبِلَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَدَّقَهَا بِنْتَ لَبُونٍ، ثُمَّ صَحِبَ أَبَا هُرَيْرَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَاشَ فِي الْإِسْلَامِ مِائَةَ سَنَةٍ، وَكَانَ يُسَمَّى ذَا اللِّسَانَيْنِ ; مِنْ فَصَاحَتِهِ.
قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قِصَّةَ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْفَتْحِ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالْبَيْهَقِيُّ قَدْ ذَكَرَاهَا بَعْدَ الْفَتْحِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنْبَأَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيَّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ إِسْحَاقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَقَتْلِ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ - خَالَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - وَغَدْرِهِ بِأَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ، حَتَّى قُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ سِوَى عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: قَالَ يَحْيَى: فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا: «اللَّهُمَّ اكْفِنِي عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ بِمَا شِئْتَ، وَابْعَثْ عَلَيْهِ مَا يَقْتُلُهُ» . فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ الطَّاعُونَ.
وَرَوَى عَنْ هَمَّامٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ حَرَامِ بْنِ مِلْحَانَ قَالَ: وَكَانَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ قَدْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أُخَيِّرُكَ بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ ; يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَيَكُونُ لِي أَهْلُ الْوَبَرِ، وَأَكُونُ خَلِيفَتَكَ مِنْ بَعْدِكَ، أَوْ أَغْزُوكَ بِغَطَفَانَ بِأَلْفِ أَشْقَرَ وَأَلْفِ شَقْرَاءَ؟ . قَالَ: فَطُعِنَ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ فَقَالَ: أَغُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبِكْرِ وَمَوْتٌ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ، ائْتُونِي بِفَرَسِي. فَرَكِبَ فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ أَصْحَابُهُ حِينَ وَارَوْهُ، حَتَّى قَدِمُوا أَرْضَ بَنِي عَامِرٍ شَاتِينَ، فَلَمَّا قَدِمُوا أَتَاهُمْ قَوْمُهُمْ، فَقَالُوا: مَا وَرَاءَكَ يَا أَرْبَدُ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ، وَاللَّهِ لَقَدْ دَعَانَا إِلَى عِبَادَةِ شَيْءٍ لَوَدَدْتُ لَوْ أَنَّهُ عِنْدِي الْآنَ، فَأَرْمِيَهُ بِالنَّبْلِ حَتَّى أَقْتُلَهُ
الْآنَ. فَخَرَجَ بَعْدَ مَقَالَتِهِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مَعَهُ جَمَلٌ لَهُ يَبِيعُهُ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَلِهِ صَاعِقَةً فَأَحْرَقَتْهُمَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ أَخَا لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ لِأُمِّهِ، فَقَالَ لَبِيدٌ يَبْكِي أَرْبَدَ:
مَا إِنْ تُعَرِّي الْمَنُونُ مِنْ أَحَدِ
…
لَا وَالِدٍ مُشْفِقٍ وَلَا وَلَدِ
أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الْحُتُوفَ وَلَا
…
أَرْهَبُ نَوْءَ السِّمَاكِ وَالْأَسَدِ
يَا عَيْنُ هَلَّا بَكَيْتِ أَرْبَدَ إِذْ
…
قُمْنَا وَقَامَ النِّسَاءُ فِي كَبَدِ
إِنْ يَشْغَبُوا لَا يُبَالِ شَغْبَهُمُ
…
أَوْ يَقْصِدُوا فِي الْحُكُومِ يَقْتَصِدِ
حُلْوٌ كَرِيمٌ وَفِي حَلَاوَتِهِ
…
مُرٌّ لَطِيفُ الْأَحْشَاءِ وَالْكَبَدِ
وَعَيْنِ هَلَّا بَكَيْتِ أَرْبَدَ إِذْ
…
أَلْوَتِ رِيَاحُ الشِّتَاءِ بِالْعَضَدِ
فَأَصْبَحَتْ لَاقِحًا مُصَرَّمَةً
…
حِينَ تَجَلَّتْ غَوَابِرُ الْمَدَدِ
أَشْجَعُ مِنْ لَيْثِ غَابَةٍ لَحِمٍ
ذُو نَهْمَةٍ فِي الْعُلَا وَمُنْتَقَدِ
…
لَمْ تَبْلُغِ الْعَيْنُ كُلَّ نَهْمَتِهَا
لَيْلَةَ تُمْسِي الْجِيَادُ كَالْقِدَدِ
…
الْبَاعِثُ النَّوْحَ فِي مَآتِمِهِ
مِثْلَ الظِّبَاءِ الْأَبْكَارِ بِالْجَرَدِ
…
فَجَّعَنِي الْبَرْقُ وَالصَّوَاعِقُ بِالْ
فَارِسِ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ النَّجِدِ
…
الْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبِ إِذَا
جَاءَ نَكِيبًا وَإِنْ يَعُدْ يَعُدِ
…
يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ وَالسُّؤَالِ كَمَا
يَنْبُتُ غَيْثُ الرَّبِيعِ ذِي الرَّصَدِ
…
كُلُّ بَنِي حُرَّةٍ مَصِيرُهُمُ
قُلٌّ وَإِنْ أَكْثَرُوا مِنَ الْعَدَدِ
…
إِنْ يُغْبَطُوا يُهْبَطُوا وَإِنْ أَمِرُوا
يَوْمًا يَصِيرُوا لِلْهلَاكِ وَالنَّقَدِ
وَقَدْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ لَبِيدٍ أَشْعَارًا كَثِيرَةً فِي رِثَاءِ أَخِيهِ لِأُمِّهِ أَرْبَدَ
بْنِ قَيْسٍ تَرَكْنَاهَا اخْتِصَارًا وَاكْتِفَاءً بِمَا أَوْرَدْنَاهُ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَذَكَرَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِي عَامِرٍ وَأَرْبَدَ: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ - عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ - سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ - لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 8 - 11](الرَّعْدِ: 8 - 11) . يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ ذَكَرَ أَرْبَدَ وَقَتْلَهُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ - هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ - وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد: 11 - 13]
[الرَّعْدِ: 11 - 13] .
قُلْتُ: وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَرِيمَاتِ فِي سُورَةِ " الرَّعْدِ ". وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَقَدْ وَقَعَ لَنَا إِسْنَادُ مَا عَلَّقَهُ ابْنُ هِشَامٍ، رحمه الله، فَرَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ الْحَافِظِ أَبِي الْقَاسِمِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي " مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ " حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْعَدَةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَطَّارُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ
أَبِيهِمَا، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَرْبَدَ بْنَ قَيْسِ بْنِ جَزْءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ وَعَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ بْنِ مَالِكٍ قَدِمَا الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْتَهَيَا إِلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَجَلَسَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ: يَا مُحَمَّدُ، مَا تَجْعَلُ لِي إِنْ أَسْلَمْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" لَكَ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكَ مَا عَلَيْهِمْ ". قَالَ عَامِرٌ: أَتَجْعَلُ لِيَ الْأَمْرَ إِنْ أَسْلَمْتُ مِنْ بَعْدِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ وَلَا لِقَوْمِكَ وَلَكِنْ لَكَ أَعِنَّةُ الْخَيْلِ ". قَالَ: أَنَا الْآنَ فِي أَعِنَّةِ خَيْلِ نَجْدٍ، اجْعَلْ لِي الْوَبَرَ وَلَكَ الْمَدَرَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" لَا "، فَلَمَّا قَفَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَامِرٌ: أَمَا وَاللَّهِ لَأَمْلَأَنَّهَا عَلَيْكَ خَيْلًا وَرِجَالًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَمْنَعُكَ اللَّهُ ". فَلَمَّا خَرَجَ أَرْبَدُ وَعَامِرٌ قَالَ عَامِرٌ: يَا أَرْبَدُ أَنَا أَشْغَلُ عَنْكَ مُحَمَّدًا بِالْحَدِيثِ، فَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ فَإِنَّ النَّاسَ إِذَا قَتَلْتَ مُحَمَّدًا لَمْ يَزِيدُوا عَلَى أَنْ يَرْضُوا بِالدِّيَةِ، وَيَكْرَهُوا الْحَرْبَ، فَسَنُعْطِيهِمُ الدِّيَةَ. قَالَ أَرْبَدُ: أَفْعَلُ. فَأَقْبَلَا رَاجِعَيْنِ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَامِرٌ: يَا مُحَمَّدُ، قُمْ مَعِي أُكَلِّمْكَ. فَقَامَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَلَّيَا إِلَى الْجِدَارِ، وَوَقَفَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَلِّمُهُ، وَسَلَّ أَرْبَدُ السَّيْفَ، فَلَمَّا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى السَّيْفِ، يَبِسَتْ يَدُهُ عَلَى قَائِمِ السَّيْفِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ سَلَّ السَّيْفِ، فَأَبْطَأَ أَرْبَدُ عَلَى عَامِرٍ بِالضَّرْبِ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى أَرْبَدَ وَمَا يَصْنَعُ، فَانْصَرَفَ عَنْهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَ أَرْبَدُ وَعَامِرٌ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كَانَا بِالْحَرَّةِ، حَرَّةِ وَاقِمٍ، نَزَلَا، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا سَعْدُ بْنُ
مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ فَقَالَا: اشْخَصَا يَا عَدُوَّيِ اللَّهِ، لَعَنَكَمَا اللَّهُ. فَقَالَ عَامِرٌ: مَنْ هَذَا يَا سَعْدُ؟ قَالَ: أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ الْكَتَائِبِ. فَخَرَجَا حَتَّى إِذَا كَانَا بِالرَّقَمِ أَرْسَلَ اللَّهُ، عز وجل، عَلَى أَرْبَدَ صَاعِقَةً فَقَتَلَتْهُ، وَخَرَجَ عَامِرٌ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْخُرَيْمِ، أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ قُرْحَةً فَأَخَذَتْهُ، فَأَدْرَكَهُ اللَّيْلُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولٍ، فَجَعَلَ يَمَسُّ قُرْحَتَهُ فِي حَلْقِهِ وَيَقُولُ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْجَمَلِ فِي بَيْتِ سَلُولِيَّةٍ! يَرْغَبُ عَنْ أَنْ يَمُوتَ فِي بَيْتِهَا، ثُمَّ رَكِبَ فَرَسَهُ فَأَحْضَرَهَا حَتَّى مَاتَ عَلَيْهَا رَاجِعًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمَا {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ} [الرعد: 8] إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11] قَالَ: الْمُعَقِّبَاتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ يَحْفَظُونَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ ذَكَرَ أَرْبَدَ وَمَا قَتَلَهُ بِهِ فَقَالَ:{وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} [الرعد: 13] الْآيَةَ. .
وَفِي هَذَا السِّيَاقِ دَلَالَةٌ عَلَى تَقَدُّمِ قِصَّةِ عَامِرٍ وَأَرْبَدَ وَذَلِكَ لِذِكْرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ وُفُودُ الطُّفَيْلِ بْنِ عَامِرٍ الدَّوْسِيِّ رضي الله عنه،