الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْنَا: أَمَرَتْنَا أَنْ نَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَنُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَنُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَنَصُومَ رَمَضَانَ، وَنَحُجَّ الْبَيْتَ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. فَقَالَ:" وَمَا الْخَمْسَةُ الَّتِي تَخَلَّقْتُمْ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ ". قَالُوا: الشُّكْرُ عِنْدَ الرَّخَاءِ، وَالصَّبْرُ عِنْدَ الْبَلَاءِ، وَالرِّضَا بِمُرِّ الْقَضَاءِ، وَالصِّدْقُ فِي مُوَاطِنِ اللِّقَاءِ، وَتَرْكُ الشَّمَاتَةَ بِالْأَعْدَاءِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" حُكَمَاءُ عُلَمَاءُ كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ ". ثُمَّ قَالَ: " وَأَنَا أَزِيدُكُمْ خَمْسًا فَتَتِمُّ لَكُمْ عِشْرُونَ خَصْلَةً ; إِنْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُونَ فَلَا تَجْمَعُوا مَا لَا تَأْكُلُونَ، وَلَا تَبْنُوا مَا لَا تَسْكُنُونَ، وَلَا تَنَافَسُوا فِي شَيْءٍ أَنْتُمْ عَنْهُ غَدًا زَائِلُونَ، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَعَلَيْهِ تُعْرَضُونَ، وَارْغَبُوا فِيمَا عَلَيْهِ تُقْدِمُونَ وَفِيهِ تَخْلُدُونَ» فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَفِظُوا وَصِيَّتَهُ وَعَمِلُوا بِهَا.
[وُفُودُ الْجِنِّ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ]
فَصْلٌ (وُفُودُ الْجِنِّ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ)
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وُفُودِ الْجِنِّ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ تَقَصَّيْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ:{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف: 29](الْأَحْقَافِ: 29) فَذَكَرْنَا مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ وَالْآثَارِ، وَأَوْرَدْنَا حَدِيثَ سَوَادِ بْنِ قَارِبٍ الَّذِي كَانَ كَاهِنًا
فَأَسْلَمَ، وَمَا رَوَاهُ عَنْ رَئِيِّهِ، الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ حِينَ أَسْلَمَ الرَّئِيُّ، حِينَ قَالَ لَهُ:
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَأَنْجَاسِهَا
…
وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى
…
مَا مُؤْمِنُو الْجِنِّ كَأَرْجَاسِهَا
فَانْهَضْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ
…
وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى رَأْسِهَا
ثُمَّ قَوْلُهُ
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَطْلَابِهَا
…
وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَقْتَابِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى
…
لَيْسَ قُدَامَاهَا كَأَذْنَابِهَا
فَانْهَضَ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ
…
وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى نَابِهَا
ثُمَّ قَوْلُهُ
عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَخْبَارِهَا
…
وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَكْوَارِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى
…
لَيْسَ ذَوُو الشَّرِّ كَأَخْيَارِهَا
فَانْهَضْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ
…
مَا مُؤْمِنُو الْجِنِّ كَكُفَّارِهَا
وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَكْرَارِ وُفُودِ الْجِنِّ إِلَى مَكَّةَ، وَقَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ هُنَالِكَ
بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ هَاهُنَا حَدِيثًا غَرِيبًا جِدًّا بَلْ مُنْكَرًا أَوْ مَوْضُوعًا، وَلَكِنَّ مَخْرَجَهُ عَزِيزٌ أَحْبَبْنَا أَنْ نُورِدَهُ كَمَا أَوْرَدَهُ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ ; فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ ": بَابُ قُدُومِ هَامَةَ بْنِ هَيْمِ بْنِ لَاقِيسَ بْنِ إِبْلِيسَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِسْلَامِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ، رحمه الله، أَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَوَيْهِ بْنِ سَهْلٍ الْغَازِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّادٍ الْآمُلِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «قَالَ عُمَرُ، رضي الله عنه: بَيْنَا نَحْنُ قُعُودٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ، إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ بِيَدِهِ عَصًا، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:" نَغْمَةُ جِنٍّ وَغَمْغَمَتُهُمْ، مَنْ أَنْتَ؟ ". قَالَ: أَنَا هَامَةُ بْنُ هَيْمِ بْنِ لَاقِيسَ بْنِ إِبْلِيسَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " فَمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ إِبْلِيسَ إِلَّا أَبَوَانِ فَكَمْ أَتَى عَلَيْكَ مِنَ الدَّهْرِ؟ " قَالَ: قَدْ أَفْنَيْتُ الدُّنْيَا عُمْرَهَا إِلَّا قَلِيلًا ; لَيَالِيَ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ كُنْتُ غُلَامًا ابْنَ أَعْوَامٍ، أَفْهَمُ الْكَلَامَ، وَأَمُرُّ بِالْآكَامِ، وَآمُرُ بِإِفْسَادِ الطَّعَامِ، وَقَطِيعَةِ الْأَرْحَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
" بِئْسَ عَمَلُ الشَّيْخِ الْمُتَوَسِّمِ، وَالشَّابِّ الْمُتَلَوِّمِ ". قَالَ: ذَرْنِي مِنَ التَّرْدَادِ، إِنِّي تَائِبٌ إِلَى اللَّهِ، عز وجل، إِنِّي كُنْتُ مَعَ نُوحٍ فِي مَسْجِدِهِ مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، فَلَمْ أَزَلْ أُعَاتِبُهُ عَلَى دَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ، حَتَّى بَكَى وَأَبْكَانِي، وَقَالَ: لَا جَرَمَ أَنِّي عَلَى ذَلِكَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَأُعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ. قَالَ: قُلْتُ: يَا نُوحُ إِنِّي كُنْتُ مِمَّنِ اشْتَرَكَ فِي دَمِ السَّعِيدِ الشَّهِيدِ هَابِيلَ بْنِ آدَمَ، فَهَلْ تَجِدُ لِي عِنْدَ رَبِّكَ تَوْبَةً؟ قَالَ: يَا هَامُ، هُمَّ بِالْخَيْرِ وَافْعَلْهُ قَبْلَ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ، إِنِّي قَرَأْتُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ تَابَ إِلَى اللَّهِ بَالِغٌ أَمْرُهُ مَا بَلَغَ إِلَّا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قُمْ فَتَوَضَّأْ وَاسْجُدْ لِلَّهِ سَجْدَتَيْنِ. قَالَ: فَفَعَلْتُ مِنْ سَاعَتِي مَا أَمَرَنِي بِهِ فَنَادَانِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَقَدْ نَزَلَتْ تَوْبَتُكَ مِنَ السَّمَاءِ. فَخَرَرْتُ لِلَّهِ سَاجِدًا. قَالَ: وَكُنْتُ مَعَ هُودٍ فِي مَسْجِدِهِ مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، فَلَمْ أَزَلْ أُعَاتِبُهُ عَلَى دَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى بَكَى عَلَيْهِمْ وَأَبْكَانِي، فَقَالَ: لَا جَرَمَ أَنِّي عَلَى ذَلِكَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَأُعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ. قَالَ: وَكُنْتُ مَعَ صَالِحٍ فِي مَسْجِدِهِ مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، فَلَمْ أَزَلْ أُعَاتِبُهُ عَلَى دَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى بَكَى عَلَيْهِمْ وَأَبْكَانِي، وَقَالَ: أَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَأُعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ. وَكُنْتُ أَزُورُ يَعْقُوبَ، وَكُنْتُ مَعَ يُوسُفَ فِي الْمَكَانِ الْأَمِينِ، وَكُنْتُ أَلْقَى إِلْيَاسَ فِي الْأَوْدِيَةِ وَأَنَا أَلْقَاهُ الْآنَ، وَإِنِّي لَقِيتُ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ، فَعَلَّمَنِي مِنَ التَّوْرَاةِ، وَقَالَ: إِنْ لَقِيتَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ. وَإِنِّي لَقِيتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَأَقْرَأْتُهُ مِنْ مُوسَى السَّلَامَ. وَإِنَّ عِيسَى قَالَ: إِنْ لَقِيتَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ. قَالَ: فَأَرْسَلَ