الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَّاصٍ «تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا - يَعْنِي مُعَاوِيَةَ - يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ. يَعْنِي بِمَكَّةَ» . وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهَذَا إِحْدَى الْعُمْرَتَيْنِ ; إِمَّا الْحُدَيْبِيَةَ أَوِ الْقَضَاءَ، فَأَمَّا عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ فَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ أَسْلَمَ ; لِأَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَحَجَّةُ الْوَدَاعِ بَعْدَ ذَلِكَ سَنَةَ عَشْرٍ، وَهَذَا بَيِّنٌ وَاضِحٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الطَّيَالِسِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ]
فَصْلٌ (الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الطَّيَالِسِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ)
إِنْ قِيلَ: فَمَا جَوَابُكُمْ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ ": حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي شَيْخٍ الْهُنَائِيِّ، وَاسْمُهُ حَيْوَانُ بْنُ خَالِدٍ «، أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ صُفَفِ النُّمُورِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: وَأَنَا أَشْهَدُ. قَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُقْرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَمَعَهُنَّ.»
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي شَيْخٍ الْهُنَائِيِّ
قَالَ: كُنْتُ فِي مَلَأٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:«أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ جُلُودِ النُّمُورِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: وَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ لِبَاسِ الذَّهَبِ إِلَّا مُقَطَّعًا؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: وَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: وَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ؟ - يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ - قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: أَمَا إِنَّهَا مَعَهُنَّ.»
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي شَيْخٍ الْهُنَائِيِّ، أَنَّهُ شَهِدَ مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمْ مُعَاوِيَةُ:«أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ رُكُوبِ جُلُودِ النُّمُورِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَتَعْمَلُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ جَمْعٍ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا. قَالَ: فَوَاللَّهِ إِنَّهَا لَمَعَهُنَّ.» وَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَزَادَ: وَلَكِنَّكُمْ نَسِيتُمْ. وَكَذَا رَوَاهُ أَشْعَثُ بْنُ بَزَّارٍ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ
وَهَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، بِأَصْلِهِ. وَرَوَاهُ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ، وَبَيْهَسُ بْنُ فَهْدَانَ، عَنْ أَبِي شَيْخٍ فِي مُتْعَةِ الْحَجِّ. فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي شَيْخٍ الْهُنَائِيِّ بِهِ. وَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ، وَيُسْتَغْرَبُ مِنْهُ رِوَايَةُ مُعَاوِيَةَ، رضي الله عنه، النَّهْيَ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَعَلَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنِ الْمُتْعَةِ، فَاعْتَقَدَ الرَّاوِي أَنَّهَا مُتْعَةُ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا هِيَ مُتْعَةُ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أُولَئِكَ الصَّحَابَةِ رِوَايَةٌ فِي النَّهْيِ عَنْهَا، أَوْ لَعَلَّ النَّهْيَ عَنِ الْإِقْرَانِ فِي التَّمْرِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، فَاعْتَقَدَ الرَّاوِي أَنَّ الْمُرَادَ الْقِرَانُ فِي الْحَجِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، أَوْ لَعَلَّ مُعَاوِيَةَ، رضي الله عنه، إِنَّمَا قَالَ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ نُهِيَ عَنْ كَذَا؟ فَبَنَاهُ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَصَرَّحَ الرَّاوِي بِالرَّفْعِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَوَهِمَ فِي ذَلِكَ ; فَإِنَّ الَّذِي كَانَ يَنْهَى عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ إِنَّمَا هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه، وَلَمْ يَكُنْ نَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ وَلَا الْحَتْمِ، كَمَا قَدَّمْنَا، وَإِنَّمَا كَانَ يَنْهَى عَنْهَا لِتُفْرَدَ عَنِ الْحَجِّ بِسَفَرٍ آخَرَ ; لِتَكْثُرَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ، وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ، رضي الله عنهم، يَهَابُونَهُ كَثِيرًا، فَلَا يَتَجَاسَرُونَ عَلَى مُخَالَفَتِهِ غَالِبًا وَكَانَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ
يُخَالِفُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ أَبَاكَ كَانَ يَنْهَى عَنْهَا. فَيَقُولُ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، قَدْ فَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَفَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُتَّبَعُ أَمْ سُنَّةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؟ وَكَذَلِكَ كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، رضي الله عنه، يَنْهَى عَنْهَا، وَخَالَفَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - كَمَا تَقَدَّمَ - وَقَالَ: لَا أَدَعُ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ. وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ قُرْآنٌ يُحَرِّمُهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى مَاتَ.» أَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ ". وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "«عَنْ سَعْدٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى مُعَاوِيَةَ إِنْكَارَهُ الْمُتْعَةَ، وَقَالَ: قَدْ فَعَلْنَاهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُشِ. يَعْنِي مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ كَانَ حِينَ فَعَلُوهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَافِرًا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ.»
قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ، عليه الصلاة والسلام، حَجَّ قَارِنًا، بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَبَيْنَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا، وَقَدْ شَهِدَ تِلْكَ الْحَجَّةَ مَا يُنَيِّفُ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفَ صَحَابِيٍّ قَوْلًا مِنْهُ وَفِعْلًا، فَلَوْ كَانَ قَدْ نَهَى عَنِ الْقِرَانِ فِي الْحَجِّ الَّذِي شَهِدَهُ مِنْهُ النَّاسُ ; لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ وَاحِدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَيَرُدَّهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هَكَذَا لَيْسَ مَحْفُوظًا عَنْ مُعَاوِيَةَ، رضي الله عنه. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.