المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع فيها من مرض الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٨

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[سَنَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ مَرَضِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُنْذِرَةِ بِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ذِكْرُ أَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه أَنْ يُصَلِّيَ بِالصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ احْتِضَارِهِ وَوَفَاتِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أُمُورٍ مُهِمَّةٍ وَقَعَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَقَبْلَ دَفْنِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[قِصَّةُ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ]

- ‌[ذِكْرُ اعْتِرَافِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ بِصِحَّةِ مَا قَالَهُ الصِّدِّيقُ يَوْمَ السَّقِيفَةِ]

- ‌[فَصْلُ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ]

- ‌[فُصْلٌ فِي ذِكْرِ الْوَقْتِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَبْلَغِ سِنِّهِ حَالَ وَفَاتِهِ]

- ‌[صِفَةُ غَسْلِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَةِ كَفَنِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَةِ دَفْنِهِ عليه الصلاة والسلام وَأَيْنَ دُفِنَ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْ كَانَ آخِرَ النَّاسِ بِهِ عَهْدًا عليه الصلاة والسلام]

- ‌[مَتَى وَقَعَ دَفْنُهُ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَةِ قَبْرِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[ذِكْرُ مَا أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُصِيبَةِ الْعَظِيمَةِ بِوَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَرَدَ مِنَ التَّعْزِيَةِ بِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا رُوِيَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بِيَوْمِ وَفَاتِهِ، عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِي أُمُورٍ وَقَعَتْ بَعْدَ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا قِيلَ فِي رِثَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[بَابُ بَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يُورَثُ عَنْهُ]

- ‌[مَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةٌ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ " لَا نُورَثُ

- ‌[بَيَانُ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ لِمَا رَوَاهُ الصِّدِّيقُ وَمُوَافَقَتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ كَلَامِ الرَّافِضَةِ فِي مِيرَاثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ زَوْجَاتِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَرَضِيَ عَنْهُنَّ وَأَوْلَادِهِ عليهم السلام]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ خَطَبَهَا عليه الصلاة والسلام وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ سَرَارِيِّهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ أَوْلَادِهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ عَبِيدِهِ عليه الصلاة والسلام وَإِمَائِهِ وَذِكْرُ خَدَمِهِ وَكُتَّابِهِ وَأُمَنَائِهِ]

- ‌[إِمَاؤُهُ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[خُدَّامُهُ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الَّذِينَ خَدَمُوهُ مِنْ أَصْحَابِهِ غَيْرِ مَوَالِيهِ]

- ‌[كُتَّابُ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ ذُكِرَ مِنْ أُمَنَائِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ آثَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَ يَخْتَصُّ بِهَا فِي حَيَاتِهِ]

- ‌[ذِكْرُ الْخَاتَمِ الَّذِي كَانَ يَلْبَسُهُ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[ذِكْرُ سَيْفِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[ذِكْرُ نَعْلِهِ الَّتِي كَانَ يَمْشِي فِيهَا عليه الصلاة والسلام]

- ‌[صِفَةُ قَدَحِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي الْمُكْحُلَةِ الَّتِي كَانَ عليه الصلاة والسلام يَكْتَحِلُ مِنْهَا]

- ‌[الْبُرْدَةُ]

- ‌[ذِكْرُ أَفَرَاسِهِ وَمَرَاكِيبِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[فَصْلٌ: إِيرَادُ مَا بَقِيَ عَلَيْنَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ السِّيرَةِ الشَّرِيفَةِ]

- ‌[كِتَابُ الشَّمَائِلِ]

- ‌[بَيَانُ خَلْقِهِ الظَّاهِرِ وَخُلُقِهِ الطَّاهِرِ]

- ‌[بَابُ مَا وَرَدَ فِي حُسْنِهِ الْبَاهِرِ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَسَبِهِ الطَّاهِرِ]

- ‌[صِفَةُ لَوْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[صِفَةُ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ]

- ‌[ذِكْرُ شَعْرِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي مَنْكِبَيْهِ وَسَاعِدَيْهِ وَإِبِطَيْهِ وَقَدَمَيْهِ وَكَعْبَيْهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[صِفَةُ قَوَامِهِ عليه الصلاة والسلام وَطِيبِ رَائِحَتِهِ]

- ‌[صِفَةُ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ]

- ‌[بَابٌ جَامِعٌ لِأَحَادِيثَ مُتَفَرِّقَةٍ وَرَدَتْ فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ]

- ‌[حَدِيثُ هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ أَخْلَاقِهِ وَشَمَائِلِهِ الطَّاهِرَةِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[حَدِيثُ بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرَنًا]

- ‌[ذِكْرُ كَرَمِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[تَوَاضُعُهُ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ذِكْرُ مِزَاحِهِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[بَابُ زُهْدِهِ عليه الصلاة والسلام وَإِعْرَاضِهِ عَنِ الدُّنْيَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِبَادَتِهِ عليه الصلاة والسلام وَاجْتِهَادِهِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي شَجَاعَتِهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُذْكَرُ مِنْ صِفَاتِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الْكُتُبِ الْمَأْثُورَةِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الْأَقْدَمِينَ]

- ‌[كِتَابُ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ]

- ‌[تَعْرِيفُهَا]

- ‌[الدَّلَائِلُ الْمَعْنَوِيَّةُ]

- ‌[الدَّلَائِلُ الْحِسِّيَّةُ]

- ‌[انْشِقَاقُ الْقَمَرِ]

- ‌[حَدِيثُ رَدِّ الشَّمْسِ بَعْدَ مَغِيبِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي إِيرَادِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ]

- ‌[مَا يَتَعَلَّقُ بِالْآيَاتِ السَّمَاوِيَّةِ فِي بَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْمُعْجِزَاتِ الْأَرْضِيَّةِ]

- ‌[بَابُ تَكْثِيرِهِ عليه الصلاة والسلام الْأَطْعِمَةَ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا فِي غَيْرِ مَا مَوْطِنٍ]

- ‌[تَكْثِيرُهُ عليه الصلاة والسلام السَّمْنَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ]

- ‌[ضِيَافَةُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا ظَهَرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ]

- ‌[قِصَّةُ قَصْعَةِ بَيْتِ الصِّدِّيقِ]

- ‌[قِصَّةُ جَابِرٍ وَدَيْنِ أَبِيهِ وَتَكْثِيرِهِ عليه الصلاة والسلام التَّمْرَ]

- ‌[قِصَّةُ سَلْمَانَ فِي تَكْثِيرِهِ صلى الله عليه وسلم الْقِطْعَةَ مِنَ الذَّهَبِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ فِي مُكَاتَبَتِهِ]

- ‌[بَابُ انْقِيَادِ الشَّجَرِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[بَابُ حَنِينِ الْجِزْعِ شَوْقًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[بَابُ تَسْبِيحِ الْحَصَى فِي كَفِّهِ عليه الصلاة والسلام]

الفصل: ‌[ما وقع فيها من مرض الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته]

[سَنَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ مَرَضِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاتِهِ]

اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَقَدِ اسْتَقَرَّ الرِّكَابُ الشَّرِيفُ النَّبَوِيُّ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ الْمُطَهَّرَةِ مَرْجِعَهُ مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَقَدْ وَقَعَتْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أُمُورٌ عِظَامٌ، مِنْ أَعْظَمِهَا خَطْبًا وَفَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنَّهُ، عليه الصلاة والسلام، نَقَلَهُ اللَّهُ، عز وجل مِنْ هَذِهِ الدَّارِ الْفَانِيَةِ إِلَى النَّعِيمِ الْأَبَدِيِّ فِي مَحَلَّةٍ عَالِيَةٍ رَفِيعَةٍ، وَدَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ لَا أَعْلَى مِنْهَا وَلَا أَسْنَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى - وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 4 - 5]

[الضُّحَى: 4، 5] . وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَكْمَلَ أَدَاءَ الرِّسَالَةِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِإِبْلَاغِهَا، وَنَصَحَ أُمَّتَهُ، وَدَلَّهُمْ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَحَذَّرَهُمْ وَنَهَاهُمْ عَمَّا فِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا رَوَاهُ صَاحِبَا " الصَّحِيحِ " مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ.

ص: 5

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ جَيِّدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَكَى، فَقِيلَ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْكَمَالِ إِلَّا النُّقْصَانُ. وَكَأَنَّهُ اسْتَشْعَرَ وَفَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَقَدْ أَشَارَ، عليه الصلاة والسلام، إِلَى ذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَالَ لَنَا: " خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ ; فَلَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ عَامِي هَذَا» .

وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا رَوَاهُ الْحَافِظَانِ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] . فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ الْوَدَاعُ، فَأَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَرُحِّلَتْ. ثُمَّ ذَكَرَ خُطْبَتَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَهَكَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ; حِينَ سَأَلَهُ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ بِمَحْضَرِ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ; لِيُرِيَهُمْ فَضْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَقَدُّمَهُ وَعِلْمَهُ، حِينَ لَامَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى تَقْدِيمِهِ وَإِجْلَاسِهِ لَهُ مَعَ مَشَايِخِ بَدْرٍ، فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُونَ. ثُمَّ سَأَلَهُمْ وَابْنُ عَبَّاسٍ حَاضِرٌ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1 - 3]

[: 1 - 3] .

ص: 6

فَقَالُوا: أُمِرْنَا إِذَا فُتِحَ لَنَا أَنْ نَذْكُرَ اللَّهَ وَنَحْمَدَهُ وَنَسْتَغْفِرَهُ. فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقَالَ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُعِيَ إِلَيْهِ. فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وُجُوهٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنَافِي مَا فَسَّرَهَا بِهِ الصَّحَابَةُ أَيْضًا، رضي الله عنهم.

وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَجَّ بِنِسَائِهِ قَالَ:«إِنَّمَا هِيَ هَذِهِ الْحَجَّةُ، ثُمَّ الْزَمْنَ ظُهُورَ الْحُصُرِ» تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " مِنْ وَجْهٍ آخَرَ جَيِّدٍ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النُّفُوسَ اسْتَشْعَرَتْ بِوَفَاتِهِ، عليه الصلاة والسلام فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ ذَلِكَ وَنُورِدُ مَا رُوِيَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ، وَلْنُقَدِّمْ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَبْلَ الْوَفَاةِ ; مِنْ تَعْدَادِ حِجَجِهِ وَغَزَوَاتِهِ وَسَرَايَاهُ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ إِلَى الْمُلُوكِ، فَلْنَذْكُرْ ذَلِكَ مُلَخَّصًا مُخْتَصَرًا، ثُمَّ نُتْبِعُهُ بِالْوَفَاةِ.

فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ،

ص: 7

«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، وَحَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا.» قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَوَاحِدَةً بِمَكَّةَ. كَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ.

وَقَدْ قَالَ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّ ثَلَاثَ حَجَّاتٍ ; حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ، وَحَجَّةً بَعْدَ مَا هَاجَرَ، مَعَهَا عُمْرَةٌ، وَسَاقَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ بَدَنَةً، وَجَاءَ عَلِيٌّ بِتَمَامِهَا مِنَ الْيَمَنِ» .

وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "«أَنَّهُ، عليه الصلاة والسلام، اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ ; عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَةَ الْقَضَاءِ، وَعُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ وَالْعُمْرَةَ الَّتِي مَعَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ» .

وَأَمَّا الْغَزَوَاتُ فَرَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ:«غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَمَعَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ تِسْعَ غَزَوَاتٍ يُؤَمِّرُهُ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.»

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ سَلَمَةَ قَالَ:«غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ، وَفِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبُعُوثِ تِسْعَ غَزَوَاتٍ، مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ، وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ.»

ص: 8

وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:«غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسَ عَشْرَةَ غَزْوَةً.»

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، شَهِدَ مَعَهُ مِنْهَا سَبْعَ عَشْرَةَ، أَوَّلُهَا الْعُشَيْرُ أَوِ الْعُسَيْرُ.»

وَرَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ مُعْتَمِرٍ، عَنْ كَهَمْسِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّ عَشْرَةَ غَزْوَةً» . وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً، قَاتَلَ مِنْهَا فِي ثَمَانٍ.» وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: وَبَعَثَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَرِيَّةً، قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ، وَالْأَحْزَابِ، وَالْمُرَيْسِيعِ وَقُدَيْدٍ، وَخَيْبَرَ، وَمَكَّةَ، وَحُنَيْنٍ.

وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا إِحْدَى وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، غَزَوْتُ مَعَهُ مِنْهَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً،

ص: 9

وَلَمْ أَشْهَدْ بَدْرًا وَلَا أُحُدًا، مَنَعَنِي أَبِي، فَلَمَّا قُتِلَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ غَزْوَةٍ غَزَاهَا.»

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: «غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِيَ عَشْرَةَ غَزْوَةً. قَالَ: وَسَمِعْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى يَقُولُ: أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً. فَلَا أَدْرِي أَكَانَ ذَلِكَ وَهْمًا أَوْ شَيْئًا سَمِعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ» .

وَقَالَ قَتَادَةُ: «غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعَ عَشْرَةَ، قَاتَلَ فِي ثَمَانٍ مِنْهَا، وَبَعَثَ مِنَ الْبُعُوثِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ، فَجَمِيعُ غَزَوَاتِهِ وَسَرَايَاهُ ثَلَاثٌ وَأَرْبَعُونَ» .

وَقَدْ ذَكَرَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةٍ هَذَا الشَّأْنِ، «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام، قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ، ثُمَّ فِي أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ فِي شَوَّالٍ أَيْضًا مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ، وَقِيلَ: خَمْسٍ. ثُمَّ فِي بَنِي الْمُصْطَلِقِ بِالْمُرَيْسِيعِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ، ثُمَّ فِي خَيْبَرَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: سَنَةَ سِتٍّ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي أَوَّلِ سَنَةِ سَبْعٍ وَآخِرِ سِنَةِ سِتٍّ، ثُمَّ قَاتَلَ

ص: 10

أَهْلَ مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ، وَقَاتَلَ هَوَازِنَ وَحَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ وَبَعْضِ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ، كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ، وَحَجَّ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ بِالنَّاسِ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ نَائِبُ مَكَّةَ ثُمَّ فِي سَنَةِ تِسْعٍ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، ثُمَّ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُسْلِمِينَ سَنَةَ عَشْرٍ»

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ جَمِيعُ مَا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً ; غَزْوَةَ وَدَّانَ وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ ثُمَّ غَزْوَةَ بُوَاطٍ مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى ثُمَّ غَزْوَةَ الْعُشَيْرَةِ مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ ثُمَّ غَزْوَةَ بَدْرٍ الْأُولَى يَطْلُبُ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ، ثُمَّ غَزْوَةَ بَدْرٍ الْعُظْمَى الَّتِي قَتَلَ اللَّهُ فِيهَا صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ، ثُمَّ غَزْوَةَ بَنِي سُلَيْمٍ حَتَّى بَلَغَ الْكُدْرَ، ثُمَّ غَزْوَةَ السَّوِيقِ يَطْلُبُ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، ثُمَّ غَزْوَةَ غَطَفَانَ وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمَرٍ، ثُمَّ غَزْوَةَ نَجْرَانَ - مَعْدِنٍ بِالْحِجَازِ - ثُمَّ غَزْوَةَ أُحُدٍ ثُمَّ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ ثُمَّ غَزْوَةَ بَنِي النَّضِيرِ، ثُمَّ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ، ثُمَّ غَزْوَةَ بَدْرٍ الْآخِرَةِ، ثُمَّ غَزْوَةَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ، ثُمَّ غَزْوَةَ الْخَنْدَقِ، ثُمَّ غَزْوَةَ بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ غَزْوَةَ بَنِي لِحْيَانَ مِنْ هُذَيْلٍ، ثُمَّ غَزْوَةَ ذِي قَرَدٍ، ثُمَّ غَزْوَةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، ثُمَّ غَزْوَةَ الْحُدَيْبِيَةِ لَا يُرِيدُ قِتَالًا فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، ثُمَّ غَزْوَةَ خَيْبَرَ ثُمَّ عُمْرَةَ الْقَضَاءِ، ثُمَّ غَزْوَةَ الْفَتْحِ، ثُمَّ غَزْوَةَ حُنَيْنٍ ثُمَّ غَزْوَةَ الطَّائِفِ ثُمَّ غَزْوَةَ تَبُوكَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ قَاتَلَ مِنْهَا فِي تِسْعِ غَزَوَاتٍ ; غَزْوَةِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ،

ص: 11

وَقُرَيْظَةَ، وَالْمُصْطَلِقِ، وَخَيْبَرَ، وَالْفَتْحِ، وَحُنَيْنٍ، وَالطَّائِفِ.

قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَبْسُوطًا فِي أَمَاكِنِهِ بِشَوَاهِدِهِ وَأَدِلَّتِهِ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَكَانَتْ بُعُوثُهُ، عليه الصلاة والسلام، وَسَرَايَاهُ ثَمَانِيًا وَثَلَاثِينَ، مِنْ بَيْنِ بَعْثٍ وَسَرِيَّةٍ. ثُمَّ شَرَعَ، رحمه الله، فِي ذِكْرِ تَفْصِيلِ ذَلِكَ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ مُفَصَّلًا فِي مَوَاضِعِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَلْنَذْكُرْ مُلَخَّصَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ ; بَعْثُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ إِلَى أَسْفَلِ ثَنِيَّةِ الْمَرَةِ. ثُمَّ بَعْثُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى السَّاحِلِ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُقَدِّمُ هَذَا عَلَى بَعْثِ عُبَيْدَةَ، كَمَا تَقَدَّمَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. بَعْثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى الْخَرَّارِ. بَعْثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ إِلَى نَخْلَةَ. بَعْثُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى الْقَرَدَةِ. بَعْثُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ. بَعْثُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ إِلَى الرَّجِيعِ. بَعْثُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو إِلَى بِئْرِ مَعُونَةَ. بَعْثُ أَبِي عُبَيْدَةَ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ. بَعْثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى تُرْبَةَ فِي أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ. بَعْثُ عَلِيٍّ إِلَى الْيَمَنِ. بَعْثُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيِّ إِلَى الْكَدِيدِ فَأَصَابَ بَنِي الْمُلَوَّحِ، أَغَارَ عَلَيْهِمْ فِي اللَّيْلِ، فَقَتَلَ طَائِفَةً مِنْهُمْ وَاسْتَاقَ نَعَمَهُمْ، فَجَاءَ نَفِيرُهُمْ فِي طَلَبِ النَّعَمِ، فَلَمَّا اقْتَرَبُوا حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ وَادٍ مِنَ السَّيْلِ، وَأَسَرُوا فِي مَسِيرِهِمْ هَذَا

ص: 12

الْحَارِثَ بْنَ مَالِكِ بْنِ الْبَرْصَاءِ. وَقَدْ حَرَّرَ ابْنُ إِسْحَاقَ هَذَا هَاهُنَا، وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ. بَعْثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى أَرْضِ فَدَكَ. بَعْثُ أَبِي الْعَوْجَاءِ السُّلَمِيِّ إِلَى بَنِي سُلَيْمٍ، أُصِيبَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ. بَعْثُ عُكَّاشَةُ إِلَى الْغَمْرَةِ. بَعْثُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ إِلَى قَطَنٍ، وَهُوَ مَاءٌ بِنَجْدٍ لِبَنِي أَسَدٍ. بَعْثُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إِلَى الْقُرَطَاءِ مِنْ هَوَازِنَ. بَعْثُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ إِلَى بَنِي مُرَّةَ بِفَدَكَ، وَبَعْثُهُ أَيْضًا إِلَى نَاحِيَةِ حُنَيْنٍ. بَعْثُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى الْجَمُومِ مِنْ أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ. بَعْثُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى جُذَامٍ مِنْ أَرْضِ بَنِي خُشَيْنٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهِيَ مِنْ أَرْضِ حِسْمَى. وَكَانَ سَبَبُهَا، فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، أَنَّ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ وَقَدْ أَبْلَغَهُ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُ إِلَى اللَّهِ، فَأَعْطَاهُ مِنْ عِنْدِهِ تُحَفًا وَهَدَايَا، فَلَمَّا بَلَغَ وَادِيًا فِي أَرْضِ بَنِي جُذَامٍ يُقَالُ لَهُ: شَنَارٌ. أَغَارَ عَلَيْهِ الْهُنَيْدُ بْنُ عَوْصٍ وَابْنُهُ عَوْصُ بْنُ الْهُنَيْدِ الصُّلَيْعِيَّانِ، وَالصُّلَيْعُ بَطْنٌ مِنْ جُذَامٍ، فَأَخَذَا مَا مَعَهُ، فَنَفَرَ حَيٌّ مِنْهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا، فَاسْتَنْقَذُوا مَا كَانَ أُخِذَ لِدِحْيَةَ فَرَدُّوهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَجَعَ دِحْيَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَاسْتَسْقَاهُ دَمَ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ عَوْصٍ، فَبَعَثَ حِينَئِذٍ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي جَيْشٍ إِلَيْهِمْ، فَسَارُوا إِلَيْهِمْ مِنْ نَاحِيَةِ الْأَوْلَاجِ، فَأَغَارَ بِالْمَاقِصِ مِنْ نَاحِيَةِ الْحَرَّةِ، فَجَمَعُوا مَا وَجَدُوا مِنْ مَالٍ وَنَاسٍ، وَقَتَلُوا الْهُنَيْدَ وَابْنَهُ وَرَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي الْأَحْنَفِ وَرَجُلًا مِنْ بَنِي خَصِيبٍ، فَلَمَّا احْتَازَ زَيْدٌ أَمْوَالَهُمْ وَذَرَارِيَّهِمُ اجْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْهُمْ بِرِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَكَانَ قَدْ جَاءَهُ كِتَابٌ مِنْ

ص: 13

رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ رِفَاعَةُ، فَاسْتَجَابَ لَهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ، فَرَكِبُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَأَعْطَوْهُ الْكِتَابَ، فَأَمَرَ بِقِرَاءَتِهِ جَهْرَةً عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْقَتْلَى؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: أَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو: أَطْلِقْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ كَانَ حَيًّا، وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمِي هَذِهِ. فَبَعَثَ مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ زَيْدًا لَا يُطِيعُنِي. فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَيْفَهُ عَلَامَةً، فَسَارَ مَعَهُمْ عَلَى جَمَلٍ لَهُمْ، فَلَقُوا زَيْدًا وَجَيْشَهُ وَمَعَهُمُ الْأَمْوَالُ وَالذَّرَارِيَّ بِفَيْفَاءِ الْفَحْلَتَيْنِ، فَسَلَّمَهُمْ عَلِيٌّ جَمِيعَ مَا كَانَ أُخِذَ لَهُمْ لَمْ يَفْقِدُوا مِنْهُ شَيْئًا. بَعْثُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا إِلَى بَنِي فَزَارَةَ بِوَادِي الْقُرَى، فَقُتِلَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَارْتَثَّ هُوَ مِنْ بَيْنِ الْقَتْلَى، فَلَمَّا رَجَعَ آلَى أَنْ لَا يَمَسَّ رَأْسَهُ غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتَّى يَغْزُوَهُمْ أَيْضًا، فَلَمَّا اسْتَبَلَّ مِنْ جِرَاحِهِ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَانِيًا فِي جَيْشٍ، فَقَتَلَهُمْ بِوَادِي الْقُرَى، وَأَسَرَ أُمَّ قِرْفَةَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَبِيعَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، فَأَمَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحَّرِ الْيَعْمَرِيَّ، فَقَتَلَ أُمَّ قِرْفَةَ وَاسْتَبْقَى ابْنَتَهَا، وَكَانَتْ مِنْ بَيْتِ شَرَفٍ، يُضْرَبُ بِأُمِّ قِرْفَةَ الْمَثَلُ فِي عِزِّهَا، وَكَانَتْ بِنْتُهَا مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، فَاسْتَوْهَبَهَا مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِخَالِهِ حَزْنِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ ابْنَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ. بَعْثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ إِلَى خَيْبَرَ مَرَّتَيْنِ ; إِحْدَاهُمَا الَّتِي أَصَابَ فِيهَا الْيُسَيْرَ بْنَ رِزَامٍ،

ص: 14

وَكَانَ يَجْمَعُ غَطَفَانَ لِغَزْوِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي نَفَرٍ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، فَقَدِمُوا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَالُوا يُرَغِّبُونَهُ ; لِيُقْدِمُوهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَارَ مَعَهُمْ، فَلَمَّا كَانُوا بِالْقَرْقَرَةِ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ خَيْبَرَ نَدِمَ الْيُسَيْرُ عَلَى مَسِيرِهِ، فَفَطِنَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَهُوَ يُرِيدُ السَّيْفَ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَأَطَنَّ قَدَمَهُ، وَضَرَبَهُ الْيُسَيْرِ بِمِخْرَشٍ مِنْ شَوْحَطٍ فِي رَأْسِهِ فَأَمَّهُ، وَمَالَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنَ الْيَهُودِ فَقَتَلَهُ، إِلَّا رَجُلًا وَاحِدًا أَفْلَتَ عَلَى رِجْلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ ابْنُ أُنَيْسٍ تَفَلَ فِي رَأْسِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَقِحْ جُرْحُهُ وَلَمْ يُؤْذِهِ.

قُلْتُ: وَأَظُنُّ الْبَعْثَ الْآخَرَ إِلَى خَيْبَرَ لَمَّا بَعَثَهُ، عليه الصلاة والسلام، خَارِصًا عَلَى نَخِيلِ خَيْبَرَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. بَعْثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيكٍ وَأَصْحَابِهِ إِلَى خَيْبَرَ فَقَتَلُوا أَبَا رَافِعٍ الْيَهُودِيَّ. بَعْثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ إِلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ، فَقَتَلَهُ بِعُرَنَةَ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ قِصَّتَهُ هَاهُنَا مُطَوَّلَةً، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي سَنَةِ خَمْسٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. بَعْثُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ إِلَى مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ فَأُصِيبُوا، كَمَا تَقَدَّمَ. بَعْثُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ إِلَى ذَاتِ أَطْلَاحٍ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ فَأُصِيبُوا جَمِيعًا أَيْضًا. بَعْثُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ إِلَى بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ تَمِيمٍ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ، فَأَصَابَ مِنْهُمْ أُنَاسًا، وَسَبَى مِنْهُمْ أُنَاسًا،

ص: 15

ثُمَّ رَكِبَ وَفْدُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَسْرَاهُمْ، فَأَعْتَقَ بَعْضًا وَفَدَى بَعْضًا. بَعْثُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَيْضًا إِلَى أَرْضِ بَنِي مُرَّةَ، فَأُصِيبَ بِهَا مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنَ الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ، قَتَلَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَدْرَكَاهُ، فَلَمَّا شَهَرَا السِّلَاحَ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَلَمَّا رَجَعَا لَامَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ اللَّوْمِ، فَاعْتَذَرَا بِأَنَّهُ مَا قَالَ ذَلِكَ إِلَّا تَعَوُّذًا مِنَ الْقَتْلِ، فَقَالَ لِأُسَامَةَ هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟ ! وَجَعَلَ يَقُولُ لِأُسَامَةَ «مَنْ لَكَ بِلَا إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ أُسَامَةُ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِذَلِكَ. بَعْثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِلَى ذَاتِ السَّلَاسِلِ مِنْ أَرْضِ بَنِي عُذْرَةَ يَسْتَنْفِرُ الْعَرَبَ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ وَذَلِكَ أَنَّ أُمَّ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ كَانَتْ مِنْ بَلِيٍّ، فَلِذَلِكَ بَعَثَ عَمْرًا يَسْتَنْفِرُهُمْ ; لِيَكُونَ أَنْجَعَ فِيهِمْ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى مَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: السَّلْسَلُ. خَافَهُمْ، فَبَعَثَ يَسْتَمِدُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً ; فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَعَلَيْهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَيْهِ تَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ عَمْرٌو، وَقَالَ: إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مَدَدًا لِي. فَلَمْ يُمَانِعْهُ أَبُو عُبَيْدَةَ ; لِأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا سَهْلًا لَيِّنًا، هَيِّنًا عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا، فَسَلَّمَ لَهُ وَانْقَادَ مَعَهُ، فَكَانَ عَمْرٌو يُصَلِّي بِهِمْ كُلِّهِمْ، وَلِهَذَا لَمَّا رَجَعَ قَالَ:«يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ " عَائِشَةُ " قَالَ فَمِنَ الرِّجَالِ قَالَ " أَبُوهَا» بَعْثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ إِلَى بَطْنِ إِضَمٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَفِيهَا قِصَّةُ مُحَلِّمِ بْنِ

ص: 16

جَثَّامَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مُطَوَّلًا فِي سَنَةِ سَبْعٍ. بَعْثُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ أَيْضًا إِلَى الْغَابَةِ. بَعْثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِلَى دُومَةِ الْجَنْدَلِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ إِرْسَالِ الْعِمَامَةِ مِنْ خَلْفِ الرَّجُلِ إِذَا اعْتَمَّ. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أُخْبِرُكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عَنْ ذَلِكَ بِعِلْمٍ ; كُنْتُ عَاشِرَ عَشَرَةِ رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِهِ ; أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَأَنَا، مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ أَقْبَلَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ جَلَسَ، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ " أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ". قَالَ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ " أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ، وَأَحْسَنُهُمُ اسْتِعْدَادًا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ، أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ " ثُمَّ سَكَتَ الْفَتَى، وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسُ خِصَالٍ إِذَا نَزَلْنَ بِكُمْ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ ; إِنَّهُ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ، وَلَمْ يَمْنَعُوا الزَّكَاةَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، فَلَوْلَا الْبَهَائِمُ مَا مُطِرُوا، وَمَا نَقَضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذَ بَعْضَ مَا كَانَ فِي

ص: 17

أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ يَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَتَحَيَّرُوا فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمُ بَيْنَهُمْ» قَالَ: ثُمَّ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَنْ يَتَجَهَّزَ لِسَرِيَّةٍ بَعَثَهُ عَلَيْهَا، فَأَصْبَحَ وَقَدِ اعْتَمَّ بِعِمَامَةٍ مِنْ كَرَابِيسَ سَوْدَاءَ، فَأَدْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ نَقَضَهَا، ثُمَّ عَمَّمَهُ بِهَا، وَأَرْسَلَ مِنْ خَلْفِهِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا " يَا ابْنَ عَوْفٍ فَاعْتَمَّ ; فَإِنَّهُ أَحْسَنُ وَأَعْرَفُ " ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ اللِّوَاءَ، فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ:" خُذْهُ يَا ابْنَ عَوْفٍ، اغْزُوا جَمِيعًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَاتَلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، لَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا "، فَهَذَا عَهْدُ اللَّهِ وَسِيرَةُ نَبِيِّهِ فِيكُمْ، فَأَخَذَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ اللِّوَاءَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَخَرَجَ إِلَى دُومَةِ الْجَنْدَلِ. بَعْثُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابِهِ، وَكَانُوا قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ إِلَى سِيفِ الْبَحْرِ، وَتَزْوِيدُهُ، عليه الصلاة والسلام، إِيَّاهُمْ جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ، وَفِيهَا قِصَّةُ الْعَنْبَرِ، وَهِيَ الْحُوتُ الْعَظِيمُ الَّذِي دَسَرَهُ الْبَحْرُ، وَأَكْلُهُمْ كُلِّهِمْ مِنْهُ قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ حَتَّى سَمِنُوا، وَتَزَوَّدُوا مِنْهُ وَشَائِقَ - أَيْ شَرَائِحَ - حَتَّى رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَطْعَمُوهُ مِنْهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، كَمَا تَقَدَّمَ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمِمَّا لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنَ الْبُعُوثِ - يَعْنِي هَاهُنَا - بَعْثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ لِقَتْلِ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ بَعْدَ مَقْتَلِ خُبَيْبِ

ص: 18

بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ. فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَانَ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ، وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُمَا قَتْلُ أَبِي سُفْيَانَ، بَلْ قَتَلَا رَجُلًا غَيْرَهُ، وَأَنْزَلَا خُبَيْبًا عَنْ جِذْعِهِ. وَبَعْثُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ أَحَدِ الْبَكَّائِينَ إِلَى أَبِي عَفَكٍ أَحَدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَ قَدْ نَجَمَ نِفَاقُهُ حِينَ قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِتِ، كَمَا تَقَدَّمَ، فَقَالَ يَرْثِيهِ وَيَذُمُّ، قَبَّحَهُ اللَّهُ، الدُّخُولَ فِي الدِّينِ:

لَقَدْ عِشْتُ دَهْرًا وَمَا إِنْ أَرَى

مِنَ النَّاسِ دَارًا وَلَا مَجْمَعَا

أَبَرَّ عُهُودًا وَأَوْفَى لِمَنْ

يُعَاقِدُ فِيهِمْ إِذَا مَا دَعَا

مِنَ اوْلَادِ قَيْلَةَ فِي جَمْعِهِمْ

يَهُدُّ الْجِبَالَ وَلَمْ يَخْضَعَا

فَصَدَّعَهُمْ رَاكِبٌ جَاءَهُمْ

حَلَالٌ حَرَامٌ لَشَتَّى مَعَا

فَلَوْ أَنَّ بِالْعِزِّ صَدَّقْتُمُ

أَوِ الْمُلْكِ تَابَعْتُمُ تُبَّعَا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ لِي بِهَذَا الْخَبِيثِ؟ فَانْتُدِبَ لَهُ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ هَذَا، فَقَتَلَهُ. فَقَالَتْ أُمَامَةُ الْمُرَيْدِيَّةُ فِي ذَلِكَ

تُكَذِّبُ دِينَ اللَّهِ وَالْمَرْءَ أَحْمَدَ

لَعَمْرُ الَّذِي أَمْنَاكَ بِئْسَ الَّذِي يُمْنِي

ص: 19

حَبَاكَ حَنِيفٌ آخِرَ اللَّيْلَ طَعْنَةً

أَبَا عَفَكٍ خُذْهَا عَلَى كِبَرِ السِّنِّ

وَبَعْثُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ الْخَطْمِيِّ لِقَتْلِ الْعَصْمَاءِ بِنْتِ مَرْوَانَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَكَانَتْ تَهْجُو الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَلَمَّا قُتِلَ أَبُو عَفَكٍ الْمَذْكُورُ أَظْهَرَتِ النِّفَاقَ وَقَالَتْ فِي ذَلِكَ:

بِاسْتِ بَنِي مَالِكٍ وَالنَّبِيتِ

وَعَوْفٍ وَبِاسْتِ بَنِي الْخَزْرَجِ

أَطَعْتُمْ أَتَاوِيَّ مِنْ غَيْرِكُمْ

فَلَا مِنْ مُرَادٍ وَلَا مَذْحِجِ

تُرَجُّونَهُ بَعْدِ قَتْلِ الرُّءُوسِ

كَمَا يُرْتَجَى مَرَقُ الْمُنْضَجِ

أَلَا أَنِفٌ يَبْتَغِي غِرَّةً

فَيَقْطَعَ مِنْ أَمَلِ الْمُرْتَجِي

قَالَ: فَأَجَابَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ:

بَنُو وَائِلٍ وَبَنُو وَاقِفٍ

وَخَطْمَةُ دُونَ بَنِي الْخَزْرَجِ

مَتَى مَا دَعَتْ سَفَهًا وَيْحَهَا

بِعَوْلَتِهَا وَالْمَنَايَا تَجِي

فَهَزَّتْ فَتًى مَاجِدًا عِرْقُهُ

كَرِيمَ الْمَدَاخِلِ وَالْمَخْرَجِ

فَضَرَّجَهَا مِنْ نَجِيعِ الدِّمَا

ءِ بَعْدَ الْهُدُوِّ فَلَمْ يَحْرَجِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ: " أَلَا آخِذٌ لِي مِنَ ابْنَةِ مَرْوَانَ "

ص: 20

فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ، فَلَمَّا أَمْسَى مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ سَرَى عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، ثُمَّ أَصْبَحَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَتَلْتُهَا. فَقَالَ " نَصَرْتَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَا عُمَيْرُ " قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَيَّ شَيْءٌ مِنْ شَأْنِهَا؟ قَالَ: " لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ " فَرَجَعَ عُمَيْرٌ إِلَى قَوْمِهِ وَهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي قَتْلِهَا، وَكَانَ لَهَا بَنُونَ خَمْسَةٌ، فَقَالَ: أَنَا قَتَلْتُهَا فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونَ. فَذَلِكَ أَوَّلُ يَوْمٍ عَزَّ الْإِسْلَامُ فِي بَنِي خَطْمَةَ، فَأَسْلَمَ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ لَمَّا رَأَوْا مِنْ عِزِّ الْإِسْلَامِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْبَعْثَ الَّذِينَ أَسَرُوا ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ الْحَنَفِيَّ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فِي إِسْلَامِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ، وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعَيً وَاحِدٍ، وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» لِمَا كَانَ مِنْ قِلَّةِ أَكْلِهِ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، وَأَنَّهُ لَمَّا انْفَصَلَ عَنِ الْمَدِينَةِ دَخَلَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا وَهُوَ يُلَبِّي، فَنَهَاهُ أَهْلُ مَكَّةَ عَنْ ذَلِكَ فَأَبَى عَلَيْهِمْ، وَتَوَعَّدَهُمْ بِقَطْعِ الْمِيرَةِ عَنْهُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ فَلَمَّا عَادَ إِلَى الْيَمَامَةِ مَنَعَهُمُ الْمِيرَةَ حَتَّى كَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعَادَهَا إِلَيْهِمْ. وَقَالَ بَعْضُ بَنِي حَنِيفَةَ

وَمِنَّا الَّذِي لَبَّى بِمَكَّةَ مُحْرِمَا

بِرَغْمِ أَبِي سُفْيَانَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرْمِ

وَبَعَثَ عَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ ; لِيَأْخُذَ بِثَأْرِ أَخِيهِ وَقَّاصِ بْنِ مُجَزِّزٍ يَوْمَ قُتِلَ بِذِي قَرَدٍ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ; لِيَرْجِعَ فِي آثَارِ الْقَوْمِ، فَأَذِنَ لَهُ وَأَمَّرَهُ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ، فَلَمَّا قَفَلُوا أَذِنَ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ فِي التَّقَدُّمِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ، وَكَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ، فَاسْتَوْقَدَ نَارًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا، فَلَمَّا

ص: 21

عَزَمَ بَعْضُهُمْ عَلَى الدُّخُولِ قَالَ: إِنَّمَا كُنْتُ أَضْحَكُ. فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلَا تُطِيعُوهُ» وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ، عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.

وَبَعَثَ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ لِقَتْلِ أُولَئِكَ النَّفَرِ الَّذِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَكَانُوا مِنْ قَيْسِ كُبَّةَ مِنْ بَجِيلَةَ، فَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ وَاسْتَوْبَئُوهَا، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى إِبِلِهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَهَا، وَهُوَ يَسَارٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ذَبَحُوهُ وَغَرَزُوا الشَّوْكَ فِي عَيْنَيْهِ، وَاسْتَاقُوا اللِّقَاحَ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ فِي نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَجَاءَ بِأُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ بَجِيلَةَ مَرْجِعَهُ، عليه الصلاة والسلام، مِنْ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ، فَأَمَرَ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسُمِلَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَهَؤُلَاءِ النَّفَرُ إِنْ كَانُوا هُمُ الْمَذْكُورِينَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: أَنَّ نَفَرًا ثَمَانِيَةً مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ. الْحَدِيثَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقَدْ تَقَدَّمَ قِصَّتُهُمْ مُطَوَّلَةً، وَإِنْ كَانُوا غَيْرَهُمْ فَهَا قَدْ أَوْرَدْنَا عُيُونَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَغَزْوَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الْيَمَنِ، غَزَاهَا مَرَّتَيْنِ، قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيُّ: بَعَثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا إِلَى الْيَمَنِ، وَخَالِدًا فِي جُنْدٍ آخَرَ، وَقَالَ إِنِ اجْتَمَعْتُمْ فَالْأَمِيرُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ

ص: 22

ابْنُ إِسْحَاقَ بَعْثَ خَالِدٍ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي عَدَدِ الْبُعُوثِ وَالسَّرَايَا، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ فِي قَوْلِهِ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إِلَى الشَّامِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُوَطِّئَ الْخَيْلَ تُخُومَ الْبَلْقَاءِ وَالدَّارُومَ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ، فَتَجَهَّزَ النَّاسُ، وَأَوْعَبَ مَعَ أُسَامَةَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَهُوَ آخِرُ بَعْثٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، ثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحِبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ. وَقَدِ انْتَدَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْكِبَارِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَالْأَنْصَارَ فِي جَيْشِهِ، فَكَانَ مِنْ أَكْبَرِهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ فِيهِمْ. فَقَدْ غَلِطَ ; فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ وَجَيْشُ أُسَامَةَ مُخَيِّمٌ بِالْجُرْفِ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، كَمَا سَيَأْتِي، فَكَيْفَ يَكُونُ فِي الْجَيْشِ وَهُوَ إِمَامُ الْمُسْلِمِينَ بِإِذْنِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ ! وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ كَانَ قَدِ انْتُدِبَ مَعَهُمْ، فَقَدِ اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ مِنْ بَيْنِهِمْ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ لِلْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَكْبَرُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَ عليه الصلاة والسلام اسْتَطْلَقَ الصِّدِّيقُ مِنْ أُسَامَةَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَأَذِنَ لَهُ فِي الْمُقَامِ عِنْدَ الصِّدِّيقِ، وَنَفَّذَ الصِّدِّيقُ جَيْشَ أُسَامَةَ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ص: 23