الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي الْمُعْجِزَاتِ الْأَرْضِيَّةِ]
فَصْلٌ: وَأَمَّا الْمُعْجِزَاتُ الْأَرْضِيَّةُ
فَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمَادَاتِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْحَيَوَانَاتِ، فَمِنَ الْمُتَعَلِّقِ بِالْجَمَادَاتِ تَكْثِيرُهُ الْمَاءَ فِي غَيْرِ مَا مَوْطِنٍ عَلَى صِفَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ سَنُورِدُهَا بِأَسَانِيدِهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَدَأْنَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِإِتْبَاعِ مَا أَسْلَفْنَا ذِكْرَهُ مِنِ اسْتِسْقَائِهِ وَإِجَابَةِ اللَّهِ لَهُ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:«رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوُضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ، فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّؤُوا مِنْهُ، فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّؤُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ.» وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا حَزْمٌ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ لِبَعْضِ مَخَارِجِهِ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَانْطَلَقُوا يَسِيرُونَ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلَمْ يَجِدِ الْقَوْمُ مَاءً يَتَوَضَّؤُونَ بِهِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا نَجِدُ مَا
نَتَوَضَّأُ بِهِ. وَرَأَى فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ، فَأَخَذَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَوَضَّأَ مِنْهُ، ثُمَّ مَدَّ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَةَ عَلَى الْقَدَحِ، ثُمَّ قَالَ:" هَلُمُّوا فَتَوَضَّؤُوا " فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ حَتَّى بَلَغُوا فِيمَا يُرِيدُونَ. قَالَ الْحَسَنُ: سُئِلَ أَنَسٌ: كَمْ بَلَغُوا؟ قَالَ: سَبْعِينَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ» . وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْعَيْشِيِّ، عَنْ حَزْمِ بْنِ مِهْرَانَ الْقُطَعِيِّ بِهِ.
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ وَيَزِيدَ - قَالَ: أَنَا حُمَيْدٌ الْمَعْنَى - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «نُودِيَ بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ كُلُّ قَرِيبِ الدَّارِ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَبَقِيَ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ نَائِيَ الدَّارِ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ، فَصَغُرَ أَنْ يَبْسُطَ كَفَّهُ فِيهِ. قَالَ: فَضَمَّ أَصَابِعَهُ. قَالَ: فَتَوَضَّأَ بَقِيَّتُهُمْ. قَالَ حُمَيْدٌ: وَسُئِلَ أَنَسٌ: كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: ثَمَانِينَ أَوْ زِيَادَةً» .
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنِيرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ مِنَ الْمَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ، وَبَقِيَ قَوْمٌ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ،
فَوَضَعَ كَفَّهُ فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ، فَضَمَّ أَصَابِعَهُ فَوَضَعَهَا فِي الْمِخْضَبِ، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ جَمِيعًا، قُلْتُ: كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: كَانُوا ثَمَانِينَ رَجُلًا» .
طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْهُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا سَعِيدٌ إِمْلَاءً، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ بِالزَّوْرَاءِ فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، لَا يَغْمُرُ أَصَابِعَهُ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَتَوَضَّؤُوا، فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّأَ الْقَوْمُ. قَالَ: فَقُلْتُ لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: كُنَّا ثَلَاثَمِائَةٍ.»
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ بُنْدَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ، وَمُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ غُنْدَرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عُرُوبَةَ - وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَنْ شُعْبَةَ. وَالصَّحِيحُ: سَعِيدٍ - عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:«أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِنَاءٍ وَهُوَ فِي الزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ. قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْتُ لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَلَاثَمِائَةٍ أَوْ زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ» . لَفْظُ الْبُخَارِيِّ.
حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مَالِكُ بْنُ
إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، «عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ، وَمَجَّ فِي الْبِئْرِ، فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حَتَّى رَوِينَا وَرَوَتْ أَوْ صَدَرَتْ رِكَابُنَا.» تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ إِسْنَادًا وَمَتْنًا.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ وَهَاشِمٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ - هُوَ ابْنُ عُبَيْدَةَ، مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ - «عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَكِيٍّ ذِمَّةٍ - يَعْنِي قَلِيلَةَ الْمَاءِ - قَالَ: فَنَزَلَ فِيهَا سِتَّةُ أُنَاسٍ أَنَا سَادِسُهُمْ مَاحَةً، فَأُدْلِيَتْ إِلَيْنَا دَلْوٌ. قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ فَجَعَلْنَا فِيهَا نِصْفَهَا، أَوْ قُرَابَ ثُلْثَيْهَا، فَرُفِعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ الْبَرَاءُ: فَكِدْتُ بِإِنَائِي هَلْ أَجِدُ شَيْئًا أَجْعَلُهُ فِي حَلْقِي؟ فَمَا وَجَدْتُ فَرَفَعْتُ الدَّلْوَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهَا، فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَأُعِيدَتْ إِلَيْنَا الدَّلْوُ بِمَا فِيهَا. قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَحَدَنَا أُخْرِجَ بِثَوْبٍ خَشْيَةَ الْغَرَقِ. قَالَ: ثُمَّ سَاحَتْ؛ يَعْنِي جَرَتْ نَهْرًا.» تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرَ يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ جَابِرٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ، ثَنَا جَعْفَرٌ، يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ، ثَنَا الْجَعْدُ أَبُو عُثْمَانَ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:«اشْتَكَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ الْعَطَشَ. قَالَ: فَدَعَا بِعُسٍّ، فَصُبَّ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ، وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ يَدَهُ، وَقَالَ " اسْقُوا ". فَاسْتَقَى النَّاسُ، قَالَ: فَكُنْتُ أَرَى الْعُيُونَ تَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَفِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي حَرْزَةَ يَعْقُوبَ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ فِيهِ: «سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ، فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ، وَإِذَا بِشَجَرَتَيْنِ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى إِحْدَاهُمَا، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ:" انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ " فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى أَتَى الْأُخْرَى فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا فَقَالَ:" انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ". فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا لَأَمَ بَيْنَهُمَا - يَعْنِي جَمَعَهُمَا - فَقَالَ:" الْتَئِمَا عَلِيَّ بِإِذْنِ اللَّهِ ". فَالْتَأَمَتَا.
قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ، فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي، فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ مُقْبِلًا، وَإِذَا بِالشَّجَرَتَيْنِ قَدِ افْتَرَقَتَا، فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ وَقْفَةً، فَقَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا، يَمِينًا وَشِمَالًا، ثُمَّ أَقْبَلَ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيَّ قَالَ:" يَا جَابِرُ، هَلْ رَأَيْتَ مَقَامِي؟ " قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " فَانْطَلِقْ إِلَى الشَّجَرَتَيْنِ فَاقْطَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، فَأَقْبِلْ بِهِمَا حَتَّى إِذَا قُمْتَ مَقَامِي فَأَرْسِلْ غُصْنًا عَنْ يَمِينِكَ وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِكَ ". قَالَ جَابِرٌ: فَقُمْتُ فَأَخَذْتُ حَجَرًا فَكَسَرْتُهُ وَحَسَرْتُهُ فَانْذَلَقَ لِي، فَأَتَيْتُ الشَّجَرَتَيْنِ، فَقَطَعْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا غُصْنًا، ثُمَّ أَقْبَلْتُ أَجُرُّهُمَا، حَتَّى قُمْتُ مَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلْتُ غُصْنًا عَنْ يَمِينِي وَغُصْنًا عَنْ يَسَارِي، ثُمَّ لَحِقْتُ فَقُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَقُلْتُ: فَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: " إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ فَأَحْبَبْتُ بِشَفَاعَتِي أَنْ يُرَفَّهَ عَنْهُمَا مَا دَامَ الْغُصْنَانِ رَطِبَيْنِ ". قَالَ: فَأَتَيْنَا الْعَسْكَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَا جَابِرُ نَادِ بِوَضُوءٍ " فَقُلْتُ: أَلَا وَضُوءَ؟ أَلَا وَضُوءَ؟ أَلَا وَضُوءَ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ فِي الرَّكْبِ مِنْ قَطْرَةٍ. وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُبَرِّدُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ الْمَاءَ
فِي أَشِجَابٍ لَهُ عَلَى حِمَارَةٍ مِنْ جَرِيدٍ. قَالَ: فَقَالَ لِي " انْطَلِقْ إِلَى فُلَانٍ الْأَنْصَارِيِّ، فَانْظُرْ هَلْ فِي أَشْجَابِهِ مِنْ شَيْءٍ؟ " قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِ، فَنَظَرْتُ فِيهَا، فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلَاءِ شَجْبٍ مِنْهَا، لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ لِشَرِبَهُ يَابِسُهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا قَطْرَةً فِي عَزْلَاءِ شَجْبٍ مِنْهَا، لَوْ أَنِّي أُفْرِغُهُ لَشَرِبَهُ يَابِسُهُ. قَالَ:" اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهِ ". فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ، فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَيَغْمِزُهُ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ أَعْطَانِيهِ، فَقَالَ:" يَا جَابِرُ، نَادِ بِجَفْنَةٍ ". فَقُلْتُ: يَا جَفْنَةَ الرَّكْبِ. فَأُتِيتُ بِهَا تُحْمَلُ، فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ فِي الْجَفْنَةِ هَكَذَا، فَبَسَطَهَا وَفَرَّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ وَضَعَهَا فِي قَعْرِ الْجَفْنَةِ، وَقَالَ:" خُذْ يَا جَابِرُ فَصُبَّ عَلَيَّ، وَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ ". فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: بِسْمِ اللَّهِ. فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ فَارَتِ الْجَفْنَةُ وَدَارَتْ حَتَّى امْتَلَأَتْ، فَقَالَ:" يَا جَابِرُ نَادِ مَنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِمَاءٍ ". قَالَ: فَأَتَى النَّاسُ فَاسْتَقَوْا حَتَّى رَوَوْا. قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ لَهُ حَاجَةٌ؟ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ مِنَ الْجَفْنَةِ، وَهِيَ مَلْأَى. قَالَ: وَشَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجُوعَ فَقَالَ: " عَسَى اللَّهُ أَنْ
يُطْعِمَكُمْ ". فَأَتَيْنَا سَيْفَ الْبَحْرِ، فَزَخَرَ زَخْرَةً، فَأَلْقَى دَابَّةً، فَأَوْرَيْنَا عَلَى شَقِّهَا النَّارَ، فَاطَّبَخْنَا وَاشْتَوَيْنَا، وَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا. قَالَ جَابِرٌ: فَدَخَلْتُ أَنَا وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ - حَتَّى عَدَّ خَمْسَةً - فِي حِجَاجِ عَيْنِهَا مَا يَرَانَا أَحَدٌ حَتَّى خَرَجْنَا، وَأَخَذْنَا ضِلْعًا مِنْ أَضْلَاعِهِ فَقَوَّسْنَاهُ ثُمَّ دَعَوْنَا بِأَعْظَمِ رَجُلٍ فِي الرَّكْبِ، وَأَعْظَمِ جَمَلٍ فِي الرَّكْبِ، وَأَعْظَمَ كِفْلٍ فِي الرَّكْبِ، فَدَخَلَ تَحْتَهُ مَا يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ.» .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا حَصِينٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ يَتَوَضَّأُ، فَجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ، قَالَ: " مَا لَكُمْ؟ " قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ. فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.» وَهَكَذَا
رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَصِينٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، زَادَ مُسْلِمٌ: وَشُعْبَةُ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ جَابِرٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ كُنَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ نُبَيْحٍ الْعَنْزِيِّ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«غَزَوْنَا - أَوْ سَافَرْنَا - مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ بِضْعَ عَشْرَ وَمِائَتَانِ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " هَلْ فِي الْقَوْمِ مِنْ مَاءٍ؟ . فَجَاءَهُ رَجُلٌ يَسْعَى بِإِدَاوَةٍ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ، قَالَ: فَصَبَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَدَحٍ قَالَ: فَتَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَتَرَكَ الْقَدَحَ، فَرَكِبَ النَّاسُ الْقَدَحَ: تَمَسَّحُوا تَمَسَّحُوا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " عَلَى رِسْلِكُمْ ". حِينَ سَمِعَهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ. قَالَ: فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَفَّهُ فِي الْمَاءِ وَالْقَدَحِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " بِسْمِ اللَّهِ ". ثُمَّ قَالَ: " أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ ". قَالَ جَابِرٌ: فَوَالَّذِي ابْتَلَانِي بِبَصَرِي لَقَدْ رَأَيْتُ الْعُيُونَ عُيُونَ الْمَاءِ يَوْمَئِذٍ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا رَفَعَهَا حَتَّى تَوَضَّؤُوا أَجْمَعُونَ.» وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَظَاهِرُهُ كَأَنَّهُ
قِصَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ.
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: «قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً - أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ - وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ رَأْسًا لَا تَرْوِيهَا، فَقَعَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَبَا الرَّكِيَّةِ، فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَصَقَ فِيهَا. قَالَ: فَجَاشَتْ، فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا» .
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " مِنْ حَدِيثِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فِي حَدِيثِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ الطَّوِيلِ:«فَعَدَلَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمِدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ، وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَطَشُ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرَّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ» . وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الَّذِي نَزَلَ بِالسَّهْمِ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ سَائِقُ الْبُدْنِ. قَالَ: وَقِيلَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ثُمَّ رَجَّحَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْأَوَّلَ.
حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ، ثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَصْبَحَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ وَلَيْسَ فِي الْعَسْكَرِ مَاءٌ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْسَ فِي الْعَسْكَرِ مَاءٌ. قَالَ:" هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: " فَأْتِنِي بِهِ ". قَالَ: فَأَتَاهُ بِإِنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ. قَالَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ فِي فَمِ الْإِنَاءِ وَفَتَحَ أَصَابِعَهُ. قَالَ: فَانْفَجَرَتْ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ عُيُونٌ، وَأَمَرَ بِلَالًا، فَقَالَ: " نَادِ فِي النَّاسِ: الْوَضُوءَ الْمُبَارَكَ» تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ.
حَدِيثٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:«كُنَّا نَعُدُّ الْآيَاتِ بَرَكَةً. وَأَنْتُمْ تُعِدُّونَهَا تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَقَلَّ الْمَاءُ فَقَالَ: " اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ ". فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، ثُمَّ قَالَ: " حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبِرْكَةُ مِنَ اللَّهِ عز وجل ". قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
حَدِيثٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ،
ثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ، سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ قَالَ: «حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ، فَأَدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ وَجْهُ الصُّبْحِ عَرَّسُوا، فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ لَا يُوقِظُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَنَامِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ، فَقَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَ وَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ:" يَا فُلَانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا؟ " قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ، ثُمَّ صَلَّى، وَجَعَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَدْ عَطِشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ، فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ لَا مَاءَ. فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ؟ قَالَتْ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَتْ: وَمَا رَسُولُ اللَّهِ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثَتْهُ بِمِثْلِ الَّذِي حَدَّثَتْنَا، غَيْرَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا مُؤْتِمَةٌ، فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا، فَمَسَحَ فِي الْعَزْلَاوَيْنِ، فَشَرِبْنَا عِطَاشًا أَرْبَعِينَ رَجُلًا حَتَّى رَوِينَا، وَمَلَأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا، وَهِيَ تَكَادُ تَنِضُّ مِنَ الْمِلْءِ ثُمَّ قَالَ: " هَاتُوا
مَا عِنْدَكُمْ ". فَجَمَعَ لَهَا مِنَ الْكِسَرِ وَالتَّمْرِ حَتَّى أَتَتْ أَهْلَهَا، قَالَتْ: لَقِيتُ أَسْحَرَ النَّاسِ، أَوْ هُوَ نَبِيٌّ كَمَا زَعَمُوا. فَهَدَى اللَّهُ ذَاكَ الصِّرْمِ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا.» وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ، وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ - وَاسْمُهُ عِمْرَانُ بْنُ تَيْمٍ - عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: فَقَالَ لَهَا: "«اذْهَبِي بِهَذَا مَعَكِ لِعِيَالِكِ، وَاعْلَمِي أَنَّا لَمْ نَرْزَأْكِ مِنْ مَائِكِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ سَقَانَا» ". وَفِيهِ أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ الْعَزْلَاوَيْنِ سَمَّى اللَّهَ عز وجل.
حَدِيثٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَقَالَ:" إِنَّكُمْ إِنْ لَا تُدْرِكُوا الْمَاءَ غَدًا تَعْطَشُوا ". وَانْطَلَقَ سَرَعَانُ النَّاسِ يُرِيدُونَ الْمَاءَ، وَلَزِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَالَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَاحِلَتُهُ فَنَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَعَمْتُهُ فَادَّعَمَ، ثُمَّ مَالَ فَدَعَمْتُهُ
فَادَّعَمَ، ثُمَّ مَالَ حَتَّى كَادَ أَنْ يَنْجَفِلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَدَعَمْتُهُ فَانْتَبَهَ فَقَالَ:" مَنِ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: أَبُو قَتَادَةَ. قَالَ: " مُنْذُ كَمْ كَانَ مَسِيرُكَ؟ " قُلْتُ: مُنْذُ اللَّيْلَةِ. قَالَ: " حَفِظَكَ اللَّهُ كَمَا حَفِظْتَ رَسُولَهُ ". ثُمَّ قَالَ: " لَوْ عَرَّسْنَا ". فَمَالَ إِلَى شَجَرَةٍ فَنَزَلَ فَقَالَ: " انْظُرْ هَلْ تَرَى أَحَدًا؟ " قُلْتُ: هَذَا رَاكِبٌ، هَذَانَ رَاكِبَانِ. حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةً. فَقَالَ: " احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا ". فَنِمْنَا فَمَا أَيْقَظَنَا إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَانْتَبَهْنَا فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَارَ وَسِرْنَا هُنَيْهَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: " أَمَعَكُمْ مَاءٌ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، مَعِي مِيضَأَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ. قَالَ: " ائْتِ بِهَا " قَالَ: فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ " مَسُّوا مِنْهَا، مَسُّوا مِنْهَا " فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ وَبَقِيَتْ جُرْعَةٌ، فَقَالَ: " ازْدَهِرْ بِهَا يَا أَبَا قَتَادَةَ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لَهَا نَبَّأٌ ". ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، وَصَلَّوُا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ صَلَّوُا الْفَجْرَ، ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْنَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا تَقُولُونَ؟ إِنْ كَانَ أَمْرَ دُنْيَاكُمْ فَشَأْنُكُمْ، وَإِنْ كَانَ أَمْرَ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَّطْنَا فِي صَلَاتِنَا. فَقَالَ:" لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَصَلُّوهَا، وَمِنَ الْغَدِ وَقْتَهَا ". ثُمَّ قَالَ: " ظُنُّوا بِالْقَوْمِ ". قَالُوا: إِنَّكَ قُلْتَ بِالْأَمْسِ: " إِنْ لَا تُدْرِكُوا الْمَاءَ غَدًا تَعْطَشُوا "؛ فَالنَّاسُ بِالْمَاءِ. فَقَالَ: " أَصْبَحَ النَّاسُ، وَقَدْ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَاءِ. وَفِي
الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَا: أَيْهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ لِيَسْبِقَكُمْ إِلَى الْمَاءِ وَيَخْلُفَكُمْ. وَإِنْ يُطِعِ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا " قَالَهَا ثَلَاثًا. فَلَمَّا اشْتَدَّتِ الظَّهِيرَةُ رَفَعَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْنَا عَطَشًا، تَقَطَّعَتِ الْأَعْنَاقُ. فَقَالَ: " لَا هُلْكَ عَلَيْكُمْ ". ثُمَّ قَالَ: " يَا أَبَا قَتَادَةَ، ائْتِ بِالْمِيضَأَةِ ". فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: " احْلُلْ لِي غُمْرِي " يَعْنِي قَدَحَهُ. فَحَلَلْتُهُ فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَجَعَلَ يَصُبُّ فِيهِ، وَيَسْقِي النَّاسَ، فَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَحْسِنُوا الْمَلْأَ، فَكُلُّكُمْ سَيَصْدُرُ عَنْ رَيٍّ " فَشَرِبَ الْقَوْمُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَبَّ لِي، فَقَالَ: اشْرَبْ يَا أَبَا قَتَادَةَ ". قَالَ: قُلْتُ اشْرَبْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ " فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ بَعْدِي، وَبَقِيَ فِي الْمِيضَأَةِ نَحْوٌ مِمَّا كَانَ فِيهَا، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثُمِائَةٍ.» قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَسَمِعَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَأَنَا أُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ. قَالَ: الْقَوْمُ أَعْلَمُ بِحَدِيثِهِمْ، انْظُرْ كَيْفَ تُحَدِّثُ، فَإِنِّي أَحَدُ السَّبْعَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَحَدًا يَحْفَظُ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرِي.
قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: وَحَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ، وَزَادَ: قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَرَّسَ وَعَلَيْهِ لَيْلٌ تَوَسَّدَ يَمِينَهُ، وَإِذَا عَرَّسَ
الصُّبْحَ، وَضَعَ رَأَسَهُ عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ سَاعِدَهُ» . وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْحَارِثِ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ بِطُولِهِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِسَنَدِهِ الْأَخِيرِ أَيْضًا.
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَنَسٍ يُشْبِهُ هَذَا: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَافِظِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ، ثَنَا شَيْبَانُ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَهَّزَ جَيْشًا إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ لَهُمْ: أَجِدُّوا السَّيْرَ؛ فَإِنَّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مَاءً، إِنْ يَسْبِقِ الْمُشْرِكُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ شَقَّ عَلَى النَّاسِ، وَعَطِشْتُمْ عَطَشًا شَدِيدًا أَنْتُمْ وَدَوَابُّكُمْ ". قَالَ: وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثَمَانِيَةٍ أَنَا تَاسِعُهُمْ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:" هَلْ لَكَمَ أَنْ نُعَرِّسَ قَلِيلًا، ثُمَّ نَلْحَقَ بِالنَّاسِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَعَرَّسُوا فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَيْقَظَ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ لَهُمْ:" تَقَدَّمُوا وَاقْضُوا حَاجَاتِكُمْ ". فَفَعَلُوا ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمْ:" هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مَاءٌ؟ " قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَعِي مِيضَأَةٌ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ. قَالَ " " فَجِئْ بِهَا ". فَجَاءَ بِهَا، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَهَا بِكَفَّيْهِ،
وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ فِيهَا، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:" تَعَالَوْا فَتَوَضَّؤُوا " فَجَاءُوا وَجَعَلَ يَصُبُّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَوَضَّؤُوا كُلُّهُمْ، فَأَذَّنَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَأَقَامَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ، وَقَالَ لِصَاحِبِ الْمِيضَأَةِ:" ازْدَهِرْ بِمِيضَأَتِكَ فَسَيَكُونُ لَهَا نَبَأٌ ". وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ النَّاسِ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ:" مَا تَرَوْنَ النَّاسَ فَعَلُوا؟ " فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ لَهُمْ: " فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَسَيَرْشُدُ النَّاسُ ". فَقَدِمَ النَّاسُ وَقَدْ سَبَقَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، وَعَطِشُوا عَطَشًا شَدِيدًا؛ رِكَابُهُمْ وَدَوَابُّهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" أَيْنَ صَاحِبُ الْمِيضَأَةِ؟ " قَالُوا: هُوَ ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: " جِئْنِي بِمِيضَأَتِكَ ". فَجَاءَ بِهَا وَفِيهَا شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ. فَقَالَ لَهُمْ: " تَعَالَوْا فَاشْرَبُوا ". فَجَعَلَ يَصُبُّ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى شَرِبَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَسَقَوْا دَوَابَّهُمْ وَرِكَابَهُمْ وَمَلَؤُوا مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ إِدَاوَةٍ وَقِرْبَةٍ وَمَزَادَةٍ، ثُمَّ نَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَبَعَثَ اللَّهُ، عز وجل، رِيحًا فَضَرَبَ وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ، وَأَمْكَنَ مِنْ أَدْبَارِهِمْ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَأَسَرُوا أُسَارَى كَثِيرَةً، وَاسْتَاقُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ وَافِرِينَ صَالِحِينَ» . وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ جَابِرٍ مَا يُشْبِهُ هَذَا، وَهُوَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ ".
وَقَدَّمْنَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، فَذَكَرَ حَدِيثَ جَمْعِ الصَّلَاةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِلَى أَنْ قَالَ:«وَقَالَ - يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، عَيْنَ تَبُوكَ وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ ضُحَى النَّهَارِ، فَمَنْ جَاءَهَا فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ ". قَالَ: فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَ إِلَيْهَا رَجُلَانِ، وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ، فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟ " قَالَا: نَعَمْ. فَسَبَّهُمَا وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ غَرَفُوا مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا، فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ، فَاسْتَقَى النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " يَا مُعَاذُ يُوشِكُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا» .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا حَسَنٌ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، ثَنَا بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ بُحٍّ الصُّدَائِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِنَّ قَوْمِي كَفَرُوا، فَأُخْبِرْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَهَّزَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ قَوْمِي عَلَى الْإِسْلَامِ. فَقَالَ: " أَكَذَلِكَ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَاتَّبَعْتُهُ لَيْلَتِي إِلَى الصَّبَاحِ، فَأَذَّنْتُ بِالصَّلَاةِ لَمَّا أَصْبَحْتُ، وَأَعْطَانِي إِنَاءً تَوَضَّأْتُ مِنْهُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ فِي الْإِنَاءِ فَانْفَجَرَ عُيُونًا، فَقَالَ: " مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَوَضَّأَ
فَلْيَتَوَضَّأْ ". فَتَوَضَّأْتُ وَصَلَّيْتُ، وَأَمَّرَنِي عَلَيْهِمْ، وَأَعْطَانِي صَدَقَتَهُمْ، فَقَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَانٌ ظَلَمَنِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَا خَيْرَ فِي الْإِمْرَةِ لِمُسْلِمٍ ". ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَسَأَلَ صَدَقَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ الصَّدَقَةَ صُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ، وَحَرِيقٌ فِي الْبَطْنِ، أَوْ دَاءٌ ". قَالَ: فَأَعْطَيْتُهُ صَحِيفَتِي، أَوْ قَالَ: صَحِيفَةَ إِمْرَتِي وَصَدَقَتِي. فَقَالَ: " مَا شَأْنُكَ؟ " فَقُلْتُ: كَيْفَ أَقْبَلُهَا وَقَدْ سَمِعْتُ مِنْكَ مَا سَمِعْتُ؟! فَقَالَ: " هُوَ مَا سَمِعْتَ» .
وَذَكَرْنَا فِي بَابِ الْوُفُودِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ، عَنْ زِيَادِ ابْنِ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ فِي قِصَّةِ وِفَادَتِهِ، فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ: «ثُمَّ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لَنَا بِئْرًا إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ وَسِعَنَا مَاؤُهَا وَاجْتَمَعْنَا عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ قَلَّ مَاؤُهَا فَتَفَرَّقْنَا عَلَى مِيَاهٍ حَوْلَنَا، وَقَدْ أَسْلَمْنَا، وَكُلُّ مَنْ حَوْلَنَا عَدُوٌّ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فِي بِئْرِنَا فَيَسَعُنَا مَاؤُهَا فَنَجْتَمِعُ عَلَيْهِ وَلَا نَتَفَرَّقُ. فَدَعَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ فَعَرَكَهُنَّ بِيَدِهِ، وَدَعَا فِيهِنَّ ثُمَّ قَالَ:" اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْحَصَيَاتِ، فَإِذَا أَتَيْتُمُ الْبِئْرَ فَأَلْقُوا وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَاذْكُرُوا اللَّهَ عز وجل ". قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَفَعَلْنَا مَا قَالَ لَنَا، فَمَا اسْتَطَعْنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَنْظُرَ
إِلَى قَعْرِهَا.» يَعْنِي الْبِئْرَ. وَأَصَلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي " الْمُسْنَدِ " وَ " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " وَ " التِّرْمِذِيِّ " وَ " ابْنِ مَاجَهْ " وَأَمَّا الْحَدِيثُ بِطُولِهِ فَفِي " دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " لِلْبَيْهَقِيِّ رحمه الله.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: بَابُ مَا ظَهَرَ فِي الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ بِقُبَاءٍ مِنْ بَرَكَتِهِ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيُّ، ثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ «أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَاهُمْ بِقُبَاءٍ فَسَأَلَهُ عَنْ بِئْرٍ هُنَاكَ. قَالَ: فَدَلَلْتُهُ عَلَيْهَا، فَقَالَ: لَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْضَحُ عَلَى حِمَارِهِ، فَيَنْزَحُ فَنَسْتَخْرِجُهَا لَهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِذَنُوبٍ فَسُقِيَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَوَضَّأَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ تَفَلَ فِيهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُعِيدَ فِي الْبِئْرِ. قَالَ فَمَا نُزِحَتْ بَعْدُ. قَالَ: فَرَأَيْتُهُ بَالَ، ثُمَّ جَاءَ فَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى.»
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السُّكَيْنِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُثَنَّى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْزِلَنَا، فَسَقَيْنَاهُ مِنْ بِئْرٍ لَنَا فِي دَارِنَا كَانَتْ تُسَمَّى النَّزُورَ، فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَفَلَ